المتن:
باب الذَّبْحِ قَبْلَ الْحَلْقِ
1721 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَنَحْوِهِ؟ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ لاَ حَرَجَ.
1722 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: لاَ حَرَجَ قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: لاَ حَرَجَ قَالَ: ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: لاَ حَرَجَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحِيمِ الرَّازِيُّ: عَنْ ابْنِ خُثَيْمٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ الْقَاسِمُ بْنُ يَحْيَى: حَدَّثَنِي ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ عَفَّانُ: أُرَاهُ عَنْ وُهَيْبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ خُثَيْمٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
وَقَالَ حَمَّادٌ: عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1723 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ، قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟ قَالَ: لاَ حَرَجَ.
1724 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ، فَقَالَ: أَحَجَجْتَ؟، قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ؟، قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ: أَحْسَنْتَ انْطَلِقْ فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ: رَأْسِي ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلاَفَةِ عُمَرَ فَذَكَرْتُهُ لَهُ، فَقَالَ: إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان جواز فعل وظائف يوم العيد:
رمي جمرة العقبة، والنحر، والحلق، والطواف.
والأفضل أن ترتب هكذا كما رتبها النبي ﷺ، لكن إذا قدم بعضها على بعض فلا حرج ولا سيما إذا كان ناسيًا أو جاهلاً.
وذهب بعض الأحناف إلى أن الجاهل معذور إذا قَدّم بعضها على بعض.
أما المتعمد الذي قدم بعضها على بعض فإن عليه دم شاة يذبحها[(181)].
والصواب أنه ليس عليه شيء، والمؤلف رحمه الله ترجم ببعضها، قال: «بَاب الذَّبْحِ قَبْلَ الْحَلْقِ» ، يعني: ينبغي أن يكون الذبح قبل الحلق، فإذا قَدّم الحلق على الذبح فلا حرج.
1721 قوله: «سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ عَمَّنْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ وَنَحْوِهِ؟» من حلق قبل الرمي، أو طاف قبل الرمي، فقال: لاَ حَرَجَ لاَ حَرَجَ.
فهذا عام يشمل الناسي والجاهل والعامد ولم يقيده بالجاهل.
والأفضل في وظائف يوم العيد: رمي جمرة العقبة، والنحر وهو الذبح، والحلق، والطواف ويسمى: طواف الإفاضة، أو طواف الزيارة، أو طواف الصدر، أو طواف الركن، أو طواف الحج.
1722 قوله: «قَالَ: رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ زُرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟» ، يعني: طفت طواف الزيارة قبل الرمي، قال: لاَ حَرَجَ قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: لاَ حَرَجَ، قدم الحلق على الذبح، قال: «ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: لاَ حَرَجَ. وفي الحديث الآخر: أن النبي ﷺ ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ [(182)].
ثم ذكر المؤلف رحمه الله المتابعات لحديث عبدالله بن عباس وهي: عبدالرحيم الرازي، عن ابن خثيم، عن عطاء، عن ابن عباس، والقاسم بن يحيى، عن ابن خثيم، عن عطاء، عن ابن عباس، وعفان، عن وهيب، عن ابن خثيم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، وحماد، عن قيس بن سعد وعباد بن منصور، عن عطاء، عن جابر .
1723 قوله: «سُئِلَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ؟» ، يعني: بعد الزوال؛ ويسمى الوقت بعد زوال الشمس: مساءً؛ لقول الله تعالى: فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ [الرُّوم: 17].
قوله: لاَ حَرَجَ، أي: لا بأس أن يؤخر الرمي بعد الزوال؛ لأن رمي العقبة يستمر من طلوع الشمس إلى غروبها، والضعفاء يرمون أيضًا في آخر الليل، وكذلك أيضًا قد يستمر في ليلة الحادي عشر إلى الفجر في قول بعض العلماء، وهو الذي أفتت به هيئة كبار العلماء بالأغلبية.
والأفضل أن يكون الرمي يوم العيد ضحى، فإن لم يتيسر ورمى بعد الزوال فلا حرج؛ لأنه في هذه الأزمنة الأخيرة زحام شديد صباحًا عند جمرة العقبة إلى قبل الظهر، فإذا جاء بعد الظهر خف الزحام.
وقوله: «قَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ؟ قَالَ: لاَ حَرَجَ» ؛ فدل على أنه لا حرج في التقديم والتأخير إلا أن الأفضل ترتيبها، وإذا قدم بعضها على بعض فلا حرج، يعني: لا إثم ولا دم عليه خلافا لبعض الأحناف[(183)].
1724 قوله: «قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ» ، أي في حجة الوداع، «فَقَالَ: أَحَجَجْتَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: بِمَا أَهْلَلْتَ؟ قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ النَّبِيِّ ﷺ» أي: أحرمت بما أحرم به النبي، وفيه دليل على أنه لا بأس بأن يحرم بإحرام فلان فيجعل إحرامه معلقًا، فينظر إذا أحرم فلان بالعمرة يكون بالعمرة، وإذا أحرم بالحج مفردًا يكون بالحج مفردًا، وإذا أحرم بالقران، يكون بالقران فيكون مثله، فعليٌّ وأبو موسى الأشعري كلاهما أهل بإهلال النبي ﷺ ولايدريان بما أهل به النبي ﷺ.
أما عليٌّ فقال: إني سقت الهدي، فقال له: ابق على إحرامك، وأما أبو موسى فقد سأله النبي ﷺ: هَلْ مَعَكَ هَدْيٌ؟ فقال: لا، قال: طف بالبيت وطف بين الصفا والمروة وتحلل [(184)] يعني: افسخ النية فاجعل نيتك الآن عمرة لأنك لم تسق الهدي وهذا هو الأفضل وهو الذي أمر به النبي ﷺ وفعله الصحابة ؛ فإنهم تحللوا بإحرامهم بالعمرة إلا من ساق الهدي.
قوله: «ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ فَفَلَتْ: رَأْسِي» الفلي معناه أخذ القمل من الرأس، وهذا محمول على أن هذه المرأة من محارمه بالنسب أو الرضاع؛ لأن فلي الرجل فيه ملامسة له وكان هذا بعد الحجاب، ثم تبين أن هذه المرأة من بنات إخوته؛ لقوله: «مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ» ؛ فهي من محارمه.
قوله: «ثُمَّ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ» لما جاء اليوم الثامن أهل بالحج، قال أبو موسى: «فَكُنْتُ أُفْتِي بِهِ النَّاسَ حَتَّى خِلاَفَةِ عُمَرَ » يعني: يفتي الناس بالتمتع، والتمتع معناه: أن يحرم بالعمرة ثم يفرغ من مناسكها ثم يتحلل ويلبس ثيابه، فإذا جاء اليوم الثامن أحرم بالحج، هذا يسمى التمتع وهذا هو أفضل الأنساك، وأصله الترفه، يلبس ثيابه ويتطيب ويتمتع بما أحل الله، حتى يأتي اليوم الثامن فيهل بالحج.
ولهذا كان كثير من الصحابة رضي الله عنها يفتون بالمتعة، فكان أبو موسى وابن عباس وابن عمر وعلي وجماعة من الصحابة كلهم يفتون بمتعة الحج؛ حتى إن ابن عباس يرى التمتع واجبًا وأن كل من طاف بالبيت وسعى حلَّ شاء أم أبى.
فكان أبو موسى يفتي بالمتعة بعد وفاة النبي ﷺ في زمن أبي بكر حتى خلافة عمر؛ فقال عمر: «إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ، وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» .
فعمر اجتهد فصار يرى عدم المتعة ويرى أنه ينبغي لمن أحرم بالحج أن يكون مفردًا، وأما العمرة فإنه يتركها لوقت آخر في غير وقت الحج؛ حتى لا يزال هذا البيت يحج ويعتمر، كما اجتهد الصديق وأفتى بذلك، واجتهد عثمان وأفتى بذلك.
وقوله: «إِنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُنَا بِالتَّمَامِ» ، يشير إلى قوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ [البَقَرَة: 196]؛ ومعنى الإتمام: أن يتم الحج فيحرم بالحج ويتمه، ويحرم بالعمرة في وقت آخر.
وقوله: «وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ» ، يعني: أن الرسول ﷺ ما تحلل حتى رمى جمرة العقبة يوم العيد ونحر هديه وحلق رأسه.
والصواب: أن التمتع أفضل؛ لأنه هو الذي أمر به النبي ﷺ أصحابه.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الفاضل قد يجتهد ويكون اجتهاده مخالفًا للسنة فلا يؤخذ به.
وفيه: أن سنة رسول الله ﷺ مقدمة على سنة الخلفاء الراشدين؛ لحديث: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي [(185)] وإنما يؤخذ بسنة الخلفاء الراشدين إذا لم يكن في المسألة سنة عن الرسول ﷺ، فإن كان هناك سنة عن النبي ﷺ فهي مقدمة على سنة الخلفاء الراشدين؛ ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما لمن عارضه بقول أبي بكر وعمر: يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر.
المتن:
باب مَنْ لَبَّدَ رَأْسَهُ عِنْدَ الإِْحْرَامِ وَحَلَقَ
1725 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟ قَالَ: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ.
الشرح:
1725 قوله: إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ. فيه: بيان أن من لبد رأسه عند الإحرام فإنه يحلق بعد ذلك عند الإحلال، وتلبيد الرأس معناه: أن يجعل عليه شيئًا من صمغ أو نحوه كالعسل يمنعه من التشعث؛ لأن المدة تطول فيتشعث الرأس وينتشر فيجعل على الرأس شيئًا يجمع الشعر ثم إذا حل فإنه يحلق.
ولهذا لما سألت حفصة النبي ﷺ قالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا بِعُمْرَةٍ وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ؟» ، أي: لما وصلوا مكة أمرهم النبي أن يطوفوا ويسعوا ويتحللوا ولم يتحلل هو ﷺ أبان لها أنه لتلبيد رأسه وسوقه الهدي فلا يحل حتى ينحر.
وأما الذين تحللوا فإنهم لم يسوقوا الهدي، فمن ساق الهدي فإنه يكون قارنًا ولا يتحلل إلا يوم العيد.
المتن:
باب الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِْحْلاَلِ
1726 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ نَافِعٌ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّتِهِ.
1727 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَالْمُقَصِّرِينَ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ: رَحِمَ اللَّهُ الْمُحَلِّقِينَ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ.
قَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ وَقَالَ: فِي الرَّابِعَةِ وَالْمُقَصِّرِينَ.
1728 حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُحَلِّقِينَ، قَالُوا: وَلِلْمُقَصِّرِينَ قَالَهَا ثَلاَثًا قَالَ: وَلِلْمُقَصِّرِينَ.
1729 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: حَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ.
1730 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِشْقَصٍ.
الشرح:
قوله: «بَاب الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ عِنْدَ الإِْحْلاَلِ» هذه الترجمة معقودة لبيان أن الحلق أفضل من التقصير وأنهما من النسك.
1726 قوله: «حَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَجَّتِهِ» ، فيه: بيان أن الحلق نسك.
1727، 1728 في هذين الحديثين: أن الحلق نسك كما هو مذهب الجمهور وليس هو إطلاق من محظور؛ لأن النبي ﷺ دعا لفاعله والدعاء لا يكون إلا على عبادة يثاب عليها.
وقال بعض أهل العلم: إنه إطلاق من محظور حتى يتحلل.
والصواب: أنه نسك.
وفيه: دليل على أن الحلق أفضل من التقصير لأربعة أسباب:
الأول: أنه فعل النبي ﷺ.
الثاني: أنه دعا للمحلقين ثلاثًا وللمقصرين مرةً.
الثالث: أنه أبلغ في امتثال الأمر في التعبد لله .
الرابع: أن الذي يحلق رأسه فإنه أزال الزينة طاعة لله ولرسوله؛ ولهذا دعا النبي ﷺ للمحلقين ثلاثًا ودعا للمقصرين مرةً واحدة.
وإذا قَصّر فلا حرج لأن به يحصل التحلل أيضًا، ففي حديث عبدالله بن محمد بن أسماء الآتي قال: «حَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ» ؛ ولكن لابد أن يكون التقصير يعم جميع الرأس لا من جهة واحدة.
1729 قوله: «حَلَقَ النَّبِيُّ ﷺ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ بَعْضُهُمْ» ، فيه: بيان جواز الحلق أو التقصير عند الإحلال، والحلق أفضل كما تقدم في حديثي عبدالله بن عمر وأبي هريرة.
1730 قوله: «قَصَّرْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِشْقَصٍ» ؛ هذا في عمرة الجعرانة على الصحيح لا في عمرة القضاء كما قاله بعضهم؛ لأنه في عمرة القضاء لم يُسْلِم معاوية إنما أَسْلَم زمن الفتح، فهذا في عمرة الجعرانة بعد الفتح.
وأما في الحج فإنه لم يقصر عليه الصلاة والسلام وإنما حلق يوم العيد.
وفيه: تولى معاوية تقصير شعر النبي ﷺ بعد عمرته «بِمِشْقَصٍ» ، وهو النصل العربي.
وثمرة هذا الخلاف أنه إذا كان نسكًا فهو عبادة فلابد منه، وإذا تركه فعليه دم فهو نسك من مناسك الحج، وإذا كان إطلاقًا من محظور فليس فيه شيء.
المتن:
باب تَقْصِيرِ الْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ
1731 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي كُرَيْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا.
الشرح:
قوله: «بَاب تَقْصِيرِ الْمُتَمَتِّعِ بَعْدَ الْعُمْرَةِ» ، يعني: عند الإحلال منها فإنه يقصر أو يحلق، لكن إذا كان في وقت الحج إذا كان متمتعًا والوقت قريب فإنه يسن له أن يقصر للعمرة ويترك الحلق للحج.
أما إذا كان الوقت واسعًا كأن يعتمر مثلاً في شوال فله أن يحلق للعمرة ويحلق في الحج؛ لأنها مدة طويلة ينبت فيها الشعر.
1731 قوله: «لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ يَحِلُّوا وَيَحْلِقُوا أَوْ يُقَصِّرُوا» ، هؤلاء الذين لم يسوقوا الهدي، أما من ساق الهدي فإنه بقي على إحرامه.
المتن:
باب الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ
وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَخَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الزِّيَارَةَ إِلَى اللَّيْلِ.
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى.
1732 وَقَالَ لَنَا أَبُو نُعَيْمٍ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا ثُمَّ يَقِيلُ ثُمَّ يَأْتِي مِنًى يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ وَرَفَعَهُ عَبْدُالرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ.
1733 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَْعْرَجِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ، فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا حَائِضٌ. قَالَ: حَابِسَتُنَا هِيَ؟، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: اخْرُجُوا.
وَيُذْكَرُ عَنْ الْقَاسِمِ وَعُرْوَةَ وَالأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَفَاضَتْ صَفِيَّةُ يَوْمَ النَّحْرِ.
الشرح:
قوله: «بَاب الزِّيَارَةِ يَوْمَ النَّحْرِ» يعني: باب طواف الزيارة يوم النحر وهو أن يزور الحاج البيت للطواف به طواف الإفاضة، ويسمى طواف الصدر وطواف الركن وطواف الحج أيضًا، وهو طواف الحج والعمرة بالنسبة للقارن، وطواف الحج للمتمتع والمفرد.
والسنة للحاج في هذا الطواف أن يكون يوم النحر، فبعد أن يرمي جمرة العقبة ثم يذبح هديه ثم يحلق رأسه يذهب لطواف الإفاضة لفعل النبي ﷺ ذلك، لكن إذا كان فيه مشقة أو زحام فلا بأس أن يؤخر طواف الإفاضة إلى يوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر، ولا حرج حتى بعد أيام التشريق الثلاثة.
وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه إذا أخر طواف الإفاضة عن أيام التشريق الثلاثة فعليه دم[(186)]، والصواب أنه ليس عليه دم؛ لكن الأفضل أن يأتي به في أيام التشريق الثلاثة.
قوله: «وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَخَّرَ النَّبِيُّ ﷺ الزِّيَارَةَ إِلَى اللَّيْلِ» هذا الأثر ضعيف؛ لأنه وهمٌ من أبي الزبير، وأبو الزبير يدلس، والصواب أن النبي ﷺ لم يؤخر الزيارة إلى الليل إنما طاف طواف الزيارة ضحًى.
قوله: «وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَزُورُ الْبَيْتَ أَيَّامَ مِنًى» . وهذا أيضًا غير صحيح، والمحفوظ الصحيح: أن النبي ﷺ زار البيت ضحىً، والبخاري رحمه الله أراد أن يذكر ما ورد في الباب، ولا يلزم بذلك أن يكون مراده تأييد ما ترجم به، ولو فرض أنه أراد ذلك فليس بصحيح؛ لأن هذه الآثار غير صحيحة، مخالفة للأحاديث الصحيحة ولأصول أهل العلم ولأصل البخاري نفسه، فقد ثبت في الأحاديث الصحيحة أن النبي ﷺ طاف طواف الزيارة ضحًى ولم يؤخرها إلى الليل، ولم يثبت أن النبي ﷺ كان يزور البيت أيام منى.
1732 قوله: «عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ طَافَ طَوَافًا وَاحِدًا» ، يعني: هو طواف الزيارة، «ثُمَّ يَقِيلُ» ، يعني: يجلس يرتاح للقيلولة، «ثُمَّ يَأْتِي مِنًى يَعْنِي يَوْمَ النَّحْرِ» ، فكان ابن عمر إذا كان في الضحى طاف طواف الإفاضة، ثم يستريح القيلولة، ثم يأتي منىً.
1733 قوله: «أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ» أي: طفنا طواف الإفاضة يوم النحر؛ وهذا فيه دليل على بطلان الآثار التي ذكرها في أول الباب، الدالة على أنه أخَّر الزيارة إلى الليل، وكان يزور البيت أيام منىً.
والعمدة على ما قالته عائشة رضي الله عنها: «فَأَفَضْنَا يَوْمَ النَّحْرِ» .
قوله: «فَحَاضَتْ صَفِيَّةُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْهَا مَا يُرِيدُ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهَا حَائِضٌ. قَالَ: حَابِسَتُنَا هِيَ؟» استفهام، والتقدير: أحابستنا هي؟ «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ» ، يعني: طافت طواف الإفاضة.
قوله: «قَالَ: اخْرُجُوا» ؛ فيه: أن النبي ﷺ أفاض يوم النحر نهارًا ولم يؤخره إلى الليل.
وفيه: دليل على أن المرأة إذا لم تطف طواف الإفاضة فهي تحبس الركب وتحبس وليها حتى تطوف طواف الإفاضة؛ لقوله ﷺ: حَابِسَتُنَا هِيَ؟.
وفيه: دليل على أن المرأة إذا طافت طواف الإفاضة ثم حاضت سقط عنها طواف الوداع إذا جاء السفر وهي على حالها؛ ولهذا لما قيل للنبي ﷺ: «إِنَّهَا حَائِضٌ. قَالَ: حَابِسَتُنَا هِيَ؟، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: اخْرُجُوا» .
وسيعقد المؤلف رحمه الله بابًا لطواف الوداع يذكر فيه حديث ابن عباس: أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن الحائض[(187)]؛ والحديث الثاني: لما كان الناس ينصرفون في كل وجه، قال: لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ [(188)].
فالحائض يسقط عنها طواف الوداع، أما طواف الركن، طواف الإفاضة، فلابد لها منه حتى إنها تحبس وليها حتى تطهر، ثم تغتسل، ثم تطوف.
أما حكم طواف الإفاضة فقد جاء في حديثٍ أن النبي ﷺ قال لرجلين بعدما رميا جمرة العقبة وحلقا وتحللا ولبسا ثيابهما، فجاء المساء وهما لم يطوفا طواف الإفاضة، فقال لهما النبي ﷺ: عُدْتُمْ حُرُمًا، كَهَيْئَتِكُمْ [(189)] يعني: البسا ثياب الإحرام؛ لكن هذا حديث ضعيف. قال صاحب كتاب القرى في قصد أم القرى: «لم يأخذ بهذا الحديث أحد من أهل العلم، ولم يعمل به أحد» ، فهو حديث ضعيف مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ويدل على بطلانه وعدم صحته قول عائشة رضي الله عنها: «كنت أطيب رسول الله ﷺ لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت» [(190)]، وقولها: «لحله» دليل على أنه تحلل.
وهذا القول قال به الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله بأنه إذا لم يطف طواف الإفاضة يوم العيد حتى جاء المساء يعود حرمًا كما كان، يفتي بإحرامه أخذًا بهذا الحديث؛ وهو قول مردود؛ فإن الحديث ضعيف ولم يقل به أحد من أهل العلم.
والصواب: أنه يتحلل بالرمي والحلق ولو لم يطف طواف الإفاضة إلا اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر أو الثالث عشر أو بعده؛ فهذا هو الذي عليه الفتوى وعليه أهل العلم قاطبة.
المتن:
باب إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً
1734 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قِيلَ لَهُ: فِي الذَّبْحِ وَالْحَلْقِ وَالرَّمْيِ وَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ.
1735 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ: لاَ حَرَجَ. فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ، وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ.
الشرح:
قوله: «بَاب إِذَا رَمَى بَعْدَ مَا أَمْسَى أَوْ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً» . هذه الترجمة معقودة لبيان جواز الرمي بعد المساء، وسبق أن المساء يطلق على الوقت من بعد الزوال، وأنه لا حرج إذا رمى بعد الزوال، والأفضل أن يرمي ضحًى، وكذلك إذا حلق قبل أن يذبح، الأفضل أن يذبح أولاً، وإذا حلق قبل الذبح فلا حرج ناسيًا أو جاهلاً أو عامدًا.
أما تقييد المؤلف رحمه الله بقوله: «نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً» فهذا ليس بقيد؛ لأنه يجوز تقديم بعضها على بعض حتى للعامد؛ لأن الأحاديث الأخرى ليس فيها التقييد بالنسيان والجهل؛ فبعضها فيه التقييد، قال: «لم أشعر» [(191)]، وبعضها ليس فيه التقييد، وأن النبي ﷺ ما سئل عن شيء قدم أو أخر إلا قال: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ.
والحكمة في ذلك والله أعلم التوسعة من الله تعالى لعباده؛ لأن الإنسان قد يحتاج إلى لبس ثيابه قبل الذبح، قد يحتاج إلى أن يرمي ويحلق ويلبس ثيابه ويذهب حتى ينحر هديه، ولأن النبي ﷺ لم يقيد بل رفع الحرج عن الناسي والجاهل.
1734 قوله: لاَ حَرَجَ، فيه: رفع الحرج والمشقة في تقديم بعض المناسك على بعض.
1735 قوله: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى فَيَقُولُ: لاَ حَرَجَ. فَسَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ، وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ فَقَالَ: لاَ حَرَجَ.» ؛ هذه أسئلة غير التي سئل عنها ضحًى؛ لأن هذا اليوم يقع فيه أسئلة كثيرة لكثرة الخطأ.
فالنبي ﷺ رخص كما جاء في حديث أسامة بن شريك عند أبي داود أن رجلاً قال: سعيت قبل أن أطوف، قال: لاَ حَرَجَ. [(192)] يعني: إذا قدم السعي على الطواف، أو قدم الرمي أو الحلق أو الطواف أو السعي، إذا قدم بعضها على بعض فلا حرج.
ويرى جمهور أهل العلم: أنه لا يجوز تقديم السعي على الطواف، وتأولوا حديث أسامة بن شريك: «سعيت قبل أن أطوف» ، قالوا: المراد أنه سعى بعد طواف القدوم قبل أن يطوف طواف الإفاضة؛ فحملوا: «سعيت» ، يعني قدمت السعي على طواف الإفاضة؛ لأن السعي وقع بعد طواف مشروع وهو طواف القدوم؛ فلا حرج أن يسعى قبل طواف الإفاضة أو بعد طواف القدوم للمفرد والقارن، والأحوط للإنسان ألا يقدم السعي على الطواف.
المتن:
باب الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ
1736 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عِيسَى ابْنِ طَلْحَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَقَفَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ، فَقَالَ: رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ. فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ قَالَ: ارْمِ وَلاَ حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ.
الشرح:
قوله: «بَاب الْفُتْيَا عَلَى الدَّابَّةِ عِنْدَ الْجَمْرَةِ» هذه الترجمة ذكرها المؤلف في كتاب العلم وأعادها هنا لاستنباط الأحكام، فمنها:
- جواز التقديم والتأخير.
- جواز الفتيا على الدابة عند الجمرة.
فالنبي ﷺ وقف على ناقته، وجعل الناس يسألونه ويفتيهم؛ فلا حرج أن يفتي الإنسان وهو على دابته أو وهو واقفٌ أو وهو يمشي.
1736 قوله: «فَقَالَ: رَجُلٌ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟» . هذا دليل على أنه لم يكن متعمدًا، لكن جاء في الحديث الآخر أنه لم يقيده به، أي ليس فيه تقييد بقوله: «لم أشعر» .
قوله: «قَالَ: اذْبَحْ وَلاَ حَرَجَ، هذه فتوى تدل على أنه لا بأس بتقديم الحلق على الذبح.
وقوله: «فَجَاءَ آخَرُ فَقَالَ: لَمْ أَشْعُرْ فَنَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟» ، قدم النحر على الرمي.
قوله: «ارْمِ وَلاَ حَرَجَ. فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ قُدِّمَ وَلاَ أُخِّرَ إِلاَّ قَالَ: «افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ»» ، يعني: من قدم على الرمي الحلق أو الطواف أو النحر فلا بأس به.
المتن:
الشرح:
1737 هذا الحديث واضح في مراد ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله في الترجمة وهو أن النبي أفتى يوم النحر وهو على دابته.
قوله: «يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ» ، احتج به بعض العلماء على مشروعية الخطبة للإمام ونائبه يوم النحر، ويقال: إن هناك خطبًا متعددة، فمن المتفق عليه الخطبة في يوم عرفة، فأما الخطبة يوم النحر فمختلف فيها.
وأما هذا الحديث ففيه: أن النبي ﷺ خطب يوم النحر، وفي أحاديث أخرى أنه خطب في يوم السابع عند الكعبة، ويوم الحادي عشر، ويوم الثاني من أيام التشريق ـ وهو يوم الرءوس كما جاء في الحديث ـ وقال: أليس اليوم أوسط أيام التشريق؟ [(193)]، ففيه: خلاف بين العلماء.
وهنا حدث عبدالله بن عمرو أنه شهد النبي يخطب يوم النحر فسمع خطبة، وجاء في الحديث الآخر أن النبي خطب يوم النحر وقال: إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام [(194)].
وقوله: «كُنْتُ أَحْسِبُ أَنَّ كَذَا قَبْلَ كَذَا حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ نَحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ لَهُنَّ كُلِّهِنَّ»، فَمَا سُئِلَ يَوْمَئِذٍ عَنْ شَيْءٍ إِلاَّ قَالَ: افْعَلْ وَلاَ حَرَجَ هذا فيه: رفع الحرج عن الناسي والجاهل، وأحاديث أخرى دلت على رفع الحرج حتى عن العامد بلا قيد.
المتن:
1738 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى نَاقَتِهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
الشرح:
1738 قوله: «وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى نَاقَتِهِ» . هذا هو شاهد الترجمة أن النبي ﷺ كان يفتي الناس وهو على دابته.
فلا حرج أن يفتي المفتي الناس وهو على دابته أو وهو واقف أو جالس.
المتن:
باب الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى
1739 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ، فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟. قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟. قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.
الشرح:
قول المؤلف: «بَاب الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى» ، يعني: مشروعيتها، خلافًا لمن قال: لا تشرع، وأيام منى هي يوم العيد وثلاثة أيام بعده.
قال بعض العلماء: المذكور في الحديث من قبيل الوصايا العامة، فأما مشروعية الخطبة بعرفات فهذا موضع اتفاق.
والبخاري رحمه الله اختار أنها خطبة ولهذا بوب قال: «بَاب الْخُطْبَةِ أَيَّامَ مِنًى» ، فألحق المختلف فيه وهو خطبة يوم النحر، بالمتفق عليه وهو خطبة عرفة.
1739 قوله: «خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ النَّحْرِ» ، فيه: مشروعية الخطبة يوم النحر، وهو ما ترجم به البخاري.
وقوله: «فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ استفهام المراد منه بيان ما بعده حتى ينتبه الناس ليهتموا بما بعده، «قَالُوا: يَوْمٌ حَرَامٌ» ، وهو يوم العيد، وفي اللفظ الآخر أنه قال: «فسكت حتى ظننا أن سيسميه بغير اسمه» .
قال: فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟. قَالُوا: بَلَدٌ حَرَامٌ» مكة حرمها الله يوم خلق السموات والأرض، وفي اللفظ الآخر: «فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه» .
قال: فَأَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟. قَالُوا: شَهْرٌ حَرَامٌ» ، شهر ذي الحجة معروف أنه من الأشهر الحرم، وفي اللفظ الآخر: «فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه» .
وقوله: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فيه تحذير الناس من العدوان بعضهم على بعض في الدماء والأموال والأعراض وأنها محرمة تحريمًا شديدًا كحرمة يوم النحر والبلد الحرام والشهر الحرام.
وقوله: «فأعادها مرارًا» لأهميتها؛ لأن العدوان على الناس في الدماء والأموال والأعراض أمر عظيم.
وقوله: «فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ . شهد الناس له بالبلاغ، وفي اللفظ الآخر أنه «جعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها للناس» : اللهم اشهد اللهم اشهد، ثلاثا [(195)] فشهدوا له بالبلاغ.
ونحن نشهد له بالبلاغ، نشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد في الله حق جهاده.
ثم قال ابن عباس: «فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ» ، أن يبتعدوا عن العدوان في الدماء والأموال والأعراض.
وقوله: «فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» الشاهد هم الصحابة يبلغون الغائب وهم التابعون ومن بعدهم إلى يوم القيامة.
وقوله: لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ . فيه: دليل على أن قتال المسلمين من الأعمال الكفرية؛ لكنه كفر أصغر لا يخرج من الملة إلا إذا استحله؛ مثل قوله ﷺ: اثنتان في الناس هما بهم كفر: الطعن في النسب ، والنياحة على الميت[(196)] لأن الذي يستحل معلومًا من الدين بالضرورة مرتدٌّ، ومتبع للهوى وللشيطان، أما من يفعل ذلك ولا يستحله فهو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب ومن الأعمال العظيمة، وفي الحديث: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دمًا حرامًا [(197)] وقال تعالى: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا [المَائدة: 32].
المتن:
1740 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرنِي عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ.
تَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو.
الشرح:
1740 قوله: «يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ» ، فيه: مشروعية الخطبة بعرفة وهي من الأمور المتفق عليها.
الشرح:
الشرح:
1741 قوله: «خَطَبَنَا النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ» ، فيه: مشروعية الخطبة يوم النحر للإمام ونائبه، وهو محل الشاهد لما ترجم به البخاري.
وذهب البعض إلى أنها وصايا عامة وليست بخطبة.
وفي هذا الحديث: تأكيد تحريم هذه الحرمات الثلاثة: الدماء، والأموال، والأعراض.
قوله: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ استفهام المراد منه التنبيه لتأكيد حرمة ما سيقوله من تحريم الدماء والأموال والأعراض.
وقوله: «قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ» . فيه: أنه لا بأس أن يقال في حياة النبي ﷺ: الله ورسوله أعلم؛ لأنه ينزل عليه الوحي ﷺ، أما بعد وفاته، فيقال: الله أعلم.
ثم سألهم أيضًا عن الشهر: «قَالَ: أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟. قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ فَقَالَ: أَلَيْسَ ذُو الْحَجَّةِ. قُلْنَا: بَلَى قَالَ: «أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟». قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: أَلَيْسَتْ بِالْبَلْدَةِ الْحَرَامِ. قُلْنَا: بَلَى» .
ثم بين أن الدماء والأموال حرام كحرمة الشهر والبلد واليوم.
وقوله: أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ. قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ فقد يكون مبلَّغ يفهم ما لا يفهمه السامع، وقد يكون من المتأخرين من يفهم من الحديث ويستنبط من الأحكام ما لا يستنبطه السابقون.
ثم قال: فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ وسبق الكلام عنه في الحديث الأول في الباب.
المتن:
1742 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: بِمِنًى: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟. قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَقَالَ: فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا. قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: بَلَدٌ حَرَامٌ أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟. قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ: شَهْرٌ حَرَامٌ. قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا.
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَقَفَ النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَْكْبَرِ فَطَفِقَ النَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ.
الشرح:
1742 يستفاد من هذا الحديث ـ وهو حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما ـ ما استنبطه البخاري رحمه الله من الاستدلال على أن هذا خطبة، وفيه تأكيد الحرمات الثلاث.
ويستفاد من حديث ابن عمر الأخير في الباب: تحديد المكان، وأنه وقف ﷺ بين الجمرات؛ يعني بعدما رمى جمرة العقبة وقف بينها وبين الجمرة الوسطى وبينها وبين الجمرة الصغرى، وقال: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَْكْبَرِ، فيه: دليل على أن يوم العيد هو يوم الحج الأكبر؛ لأن معظم المناسك تكون في يوم العيد، وهي رمي جمرة العقبة، ثم النحر وذبح الهدي، ثم الحلق، ثم الطواف والسعي.
وقال بعض أهل العلم: إن يوم الحج الأكبر هو يوم عرفة، والصواب الأول لنص النبي ﷺ على ذلك.
ثم يليه في الفضيلة يوم عرفة؛ لأن صيامه يكفر الله به ذنوب سنتين، ويشرع صيامه لغير الحاج.
قوله: «وَوَدَّعَ النَّاسَ فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ» ، وهذه هي الحجة الوحيدة التي حجها النبي ﷺ بعد الهجرة، فودع الناس، وسميت حجة الوداع.
أما قبل الهجرة فقد حج، النبي ﷺ مرات في مكة؛ وفي أول الدعوة كان يعرض نفسه في موسم الحج على القبائل؛ لكن بعد هجرته إلى المدينة حج حجة واحدة، وهي حجة الوداع.
المتن:
باب هَلْ يَبِيتُ أَصْحَابُ السِّقَايَةِ أَوْ غَيْرُهُمْ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى
1743 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رَخَّصَ النَّبِيُّ ﷺ.
1744 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَذِنَ.
1745 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ ﷺ لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ.
تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ خَالِدٍ وَأَبُو ضَمْرَةَ.
الشرح:
1743، 1744، 1745 حديث عبدالله بن عمر الوارد في الباب بطرقه الثلاثة، فيه: دليل على وجوب المبيت ليالي منى للحاج؛ والبيتوتة تعني الوجود على أرض منى أكثر من نصف الليل، سواء كان نائمًا، أو جالسًا، أو قاعدًا، أو واقفًا.
أما وجه الدلالة: أنه قال في الحديث الأول: «رَخَّصَ النَّبِيُّ ﷺ» ، وفي الحديث الثاني قال: «أَذِنَ» ، وقال في الحديث الثالث: «أَنَّ الْعَبَّاسَ اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ ﷺ لِيَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ فَأَذِنَ لَهُ» ؛ فإنه رخص له فلم يبت ليالي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من أجل أنه يسقي الحجيج.
فالحديث دل على وجوب المبيت بمنى للحاج ليالي منى؛ لأن النبي ﷺ رخص للعباس لما استأذنه، ولو كان المبيت غير واجب لكان رخصة للجميع، فكونه يستأذنه العباس ويأذن له؛ دليل على أن غيره لا يؤذن له، فالرخصة والإذن لا تكون إلا من شيء واجب.
وعلى هذا فمن ترك المبيت ليلتين أو ثلاثًا فعليه دم عند جمهور العلماء، شاة يذبحها؛ لقول ابن عباس رضي الله عنهما: «من ترك نسكًا أو نسيه فليهرق دمًا» ، روي مرفوعًا وموقوفًا، والموقوف له حكم الرفع.
أما من ترك ليلة واحدة فإنه يتصدق بشيء على الصحيح على ما ذهب إليه صاحب «المغني» [(198)]، وقال بعض العلماء: إن عليه دما، والصواب: أن ليلة واحدة فيها صدقة، والليلتين فيهما دم.
وفي هذا الحديث: الرخصة لأهل السقاية في عدم المبيت بمنى من أجل سقاية الحاج في مكة.
ومثلهم رعاة الإبل لورود النص بالرخصة لهم.
ويقاس عليهم من هو مثلهم أو أولى منهم كالمريض والطبيب؛ لأنهم أصحاب أعذار، ومثلهم من له مال يخاف ضياعه، أو أمر يخاف فوته.
فالأقوال في المبيت بمنى ثلاثة عند أهل العلم:
قيل: إنه واجب عند جمهور العلماء، وهو الصواب ومن تركه فعليه دم، كما دل عليه هذا الحديث.
وقيل: إنه سنة ليس في تركه شيء.
وقيل: إنه ركن ومن تركه فلا يصح حجه.
وقال بعض الناس: إنه منزلٌ نزله، بمعنى أنه شيء مباح لا واجب ولا سنة ولا ركن، وهذا قول لا ينظر إليه.
وقال بعض العلماء: إنه لا يرخص إلا لأهل السقاية.
وقال بعضهم: لا يرخص إلا للعباس، وهذا جمود وتعنت لا وجه له.
وقال بعضهم: يقاس عليه الرعاة؛ لأن السقاة يعدون ماء للشاربين.
وقال بعضهم: يقاس عليه الأكل أي كل من أعد الاكل للحجاج.
ولا حرج إذا جلس من المغرب إلى بعد نصف الليل ثم ذهب؛ لكن الأفضل بقاء الليل والنهار.
أما المبيت في المزدلفة: فيرخص للضعفاء ألا يبيتوا، ولهم أن يذهبوا، وكذلك من كان من ذوي الأعذار، كالمريض ونحوه.
المتن:
باب رَمْيِ الْجِمَارِ
وَقَالَ جَابِرٌ: رَمَى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ.
1746 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ وَبَرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما مَتَى أَرْمِي الْجِمَارَ؟ قَالَ: إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ فَأَعَدْتُ عَلَيْهِ الْمَسْأَلَةَ قَالَ: كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَيْنَا.
الشرح:
قوله: «بَاب رَمْيِ الْجِمَارِ» ، يعني: حكم رمي الجمار ووقته.
وقوله: «وَقَالَ جَابِرٌ: رَمَى النَّبِيُّ ﷺ يَوْمَ النَّحْرِ ضُحًى» ، يعني: يوم العيد، «وَرَمَى بَعْدَ ذَلِكَ بَعْدَ الزَّوَالِ» ، يعني: في الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر.
1746 قوله: «إِذَا رَمَى إِمَامُكَ فَارْمِهْ» . خاف عليه من أن يخالف إمامه فيحصل عليه ضرر، قال: لا تخالف إمامك؛ يعني الأمير الذي في الحج.
فلما كرر عليه أخبره بقوله: «كُنَّا نَتَحَيَّنُ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ رَمَيْنَا» ، يعني: ننتظر ونستعد، فإذا زالت الشمس رمينا.
وأفضل أوقات الرمي بعد الزوال وقبل الصلاة، فكان النبي ﷺ يرمي بعد أن تزول الشمس، ثم يذهب ويصلي في رحله إن تيسر، وإن لم يتيسر يختار الوقت المناسب له فيؤدي العبادة بارتياح، وبهذا قال جمهور العلماء.
وروي عن عطاء وطاوس أنه لا بأس بالرمي قبل الزوال، ورخص بعض الحنفية في الرمي قبل الزوال في يوم النفر اليوم الثاني عشر[(199)]، لكن هذان قولان لا يعتمد عليهما، والصواب أنه لا يجوز الرمي إلا بعد الزوال؛ لأن النبي ﷺ لم يرخص لأحد أن يرمي قبل الزوال؛ فكان معه في حجته مائة ألف ﷺ؛ وكانت المشاعر ضيقة، والإبل كلها منتشرة، وكانت جمرة العقبة مرتفعة على الجبل، لكن الناس يتأدبون بالآداب الشرعية.
وبالنسبة للرمي قبل الزوال من أجل السفر فلا يجوز، فمناسك الحج مقدمة، فيؤدي مناسكه ثم يسافر.
فمن رمى قبل الزوال فالصواب الذي عليه الجمهور أن عليه دم شاة يذبحها؛ لأنه رمى في غير وقته، وسواء كان ترك جمرة واحدة أو جمرتين أو ثلاثا أو الجميع، فكله واجب.
المتن:
باب رَمْيِ الْجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي
1747 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: رَمَى عَبْدُ اللَّهِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَالَ: وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ﷺ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ بِهَذَا.
الشرح:
1747 قوله: «رَمْيِ الْجِمَارِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي» . فيه: أن الأفضل للحاج إن تيسر له أن يرمي جمرة العقبة من بطن الوادي، يجعل مكة عن يساره ومنى عن يمينه، وإن رماها من أي جهة فلا حرج.
ولما قيل لابن مسعود: «إِنَّ نَاسًا يَرْمُونَهَا مِنْ فَوْقِهَا فَقَالَ: وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ﷺ» ، يعني: أن النبي ﷺ رماها من بطن الوادي؛ فهذا هو الأفضل، ومعلوم أن جمرة العقبة يدخلونها من جهة واحدة.
وفيه: جواز قول سورة البقرة خلافًا للحجاج بن يوسف في كراهته لذلك، وخص سورة البقرة بالذكر؛ لأن فيها آيات الحج وأحكامه، أو لأنها سورة طويلة وفيها أحكام عظيمة.
وقد ثبت أن النبي ﷺ سماها بسورة البقرة كما في الحديث: يؤتى بالقرآن تقدمه سورة البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو ظلتان تحاجان عن صاحبهما يوم القيامة [(200)] وقد خطب الحجاج بن يوسف في الناس، فقال لهم: لا تقولوا: سورة البقرة، ولكن قولوا: السورة التي تذكر فيها البقرة. وهذا لا وجه له؛ فالحجاج بن يوسف ليس أهلاً لأن يؤخذ عنه؛ فهو أمير ظالم فلا يعتمد على فتواه.
المتن:
باب رَمْيِ الْجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ
ذَكَرَهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1748 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ وَرَمَى بِسَبْعٍ، وَقَالَ: هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ﷺ.
الشرح:
قوله: «بَاب رَمْيِ الْجِمَارِ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ» . والسبع لها شأن: فالطواف بالبيت سبع، والسعي بين الصفا والمروة سبع، ورمي الجمار سبع، والفاتحة سبع، والسموات سبع، والأرضون سبع.
1748 قوله: «جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ» هذا هو الأفضل؛ أن يجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه، وإذا رمى من أي جهة فلا حرج.
وقوله: «وَرَمَى بِسَبْعٍ» . فيه: دليل على أن الرمي يكون بسبع حصيات، ولا يكون أقل من سبع.
المتن:
باب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ
1749 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَرَآهُ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْكُبْرَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا مَقَامُ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ.
الشرح:
البخاري ينوع التراجم لاستنباط الأحكام؛ فنوع هذه الترجمة ليبين مكان الرامي.
1749 قوله: «فَجَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنًى عَنْ يَمِينِهِ» . هذا هو الأفضل كما تقدم.
فإذا لم يتيسر رماها من أي جهة.
وفيه: دليل على أنه لا بأس أن يقال: سورة البقرة.
المتن:
باب يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ
قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1750 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَجَّاجَ يَقُولُ: عَلَى الْمِنْبَرِ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عِمْرَانَ وَالسُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا النِّسَاءُ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ أَنَّهُ كَانَ مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ حِينَ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ حَتَّى إِذَا حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ قَالَ: مِنْ هَا هُنَا وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ﷺ.
الشرح:
1750 مراد الأعمش توضيح خطأ الحجاج بن يوسف وليس الرواية عنه؛ فإن «الحجاج» ليس أهلاً للرواية عنه، فالحجاج لا يرى إضافة السورة إلى الاسم؛ فقد ردَّ عليه إبراهيم النخعي بما رواه عن ابن مسعود، والصحابة أعلم وأحكم من الحجاج؛ فإنه يتورع عن قول: سورة البقرة بقوله: السورة التي تذكر فيها البقرة، والسورة التي يذكر فيها آل عمران، ولم يتورع عن قطع الرقاب، وقتل الناس!
وفيه: دليل على مشروعية التكبير مع كل حصاة؛ لأن التكبير سنة، وأما رمي الجمار فلا يجوز الزيادة على السبع، أو النقصان عنها.
وقال بعض العلماء: إنه يكفي التكبير ولو لم يرم، وهذا قول ضعيف.
والصواب: أنه لابد من رمي الجمار.
والجمرة اسم لمجتمع الحصى؛ سميت بذلك لاجتماع الناس، يقال: تجمر بنو فلان إذا اجتمعوا.
وقيل: إن العرب تسمي الحصى الصغار جمارًا، فسميت بذلك من تسمية الشيء بلازمه.
وقيل: لأن آدم أو إبراهيم لما عرض له إبليس حصبه فجمر بين يديه يعني أسرع؛ فسميت بذلك.
المتن:
باب مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَمْ يَقِفْ
قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ
الشرح:
قوله: «مَنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَلَمْ يَقِفْ» . الصواب: أن جمرة العقبة ليس بعدها دعاء ولا وقوف، وينصرف سواء في يوم العيد أو أيام التشريق الثلاثة؛ لكن الجمرة الأولى والجمرة الثانية، فيهما وقوف ودعاء ورفع لليدين.
المتن:
باب إِذَا رَمَى الْجَمْرَتَيْنِ يَقُومُ وَيُسْهِلُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ
1751 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يُسْهِلَ فَيَقُومَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيَسْتَهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلاً وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَقُومُ طَوِيلاً ثُمَّ يَرْمِي جَمْرَةَ ذَاتِ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَفْعَلُهُ.
الشرح:
1751 في الحديث: مشروعية استقبال القبلة، والدعاء بعد الجمرة الأولى وبعد الجمرة الوسطى.
أما العقبة الكبرى فلا يقف بعدها ولا يدعو.
جاء في الحديث الآخر أن النبي ﷺ دعا بعد الجمرة الأولى دعاء طويلاً بمقدار قراءة سورة البقرة، ثم لما رمى الجمرة الوسطى استقبل القبلة ودعا دعاءً بمقدار قراءة سورة البقرة، ثم لما رمى جمرة العقبة انصرف ولم يقف.
اختلف العلماء في ذلك فقال بعضهم: لأن جمرة العقبة مكانها ضيق متكئة على الجبل، وليس هناك متسع للوقوف؛ لكن هذا القول ضعيف.
والصواب: أن النبي ﷺ لما رمى جمرة العقبة انتهت العبادة فانصرف، فكأنه سلّم من الصلاة.
أما الجمرة الأولى والجمرة الوسطى فكأنه في صلب الصلاة، والدعاء أثناء العبادة أفضل من الدعاء بعدها؛ كما قاله المحققون كابن القيم[(201)] وغيره.
وفيه: مشروعية الإسهال بعد رمي الجمرة الأولى؛ أي أن يكون في المكان السهل، والأخذ بذات اليمين وجعلها عن يساره، واستقبال القبلة ورفع يديه والدعاء طويلاً.
ومشروعية الإسهال بعد الجمرة الوسطى، والأخذ بذات الشمال وجعلها عن يمينه واستقبال القبلة ورفع يديه والدعاء طويلاً.
المتن:
باب رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ جَمْرَةِ الدُّنْيَا وَالْوُسْطَى
1752 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الدُّنْيَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ عَلَى إِثْرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيُسْهِلُ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلاً فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى كَذَلِكَ فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فَيُسْهِلُ وَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلاً فَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْجَمْرَةَ ذَاتَ الْعَقَبَةِ مِنْ بَطْنِ الْوَادِي وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا وَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَفْعَلُ.
الشرح:
1752 يستفاد من الحديث ـ غير ما تقدم ـ جواز رفع اليدين عند الدعاء بعد الجمرة الأولى، وبعد الجمرة الوسطى، وهو ما ترجم به البخاري.
فائدة:
ترفع اليدان في الدعاء في الحج في ستة مواطن:
الأول: على الصفا عند السعي.
الثاني: على المروة.
الثالث: في عرفة.
الرابع: في مزدلفة بعد الوقوف عند المشعر الحرام.
الخامس: بعد الجمرة الأولى.
السادس: بعد الجمرة الثانية.
المتن:
باب الدُّعَاءِ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ
1753 وَقَالَ مُحَمَّدٌ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ مِنًى يَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ تَقَدَّمَ أَمَامَهَا فَوَقَفَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو وَكَانَ يُطِيلُ الْوُقُوفَ ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الثَّانِيَةَ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَمَى بِحَصَاةٍ ثُمَّ يَنْحَدِرُ ذَاتَ الْيَسَارِ مِمَّا يَلِي الْوَادِيَ فَيَقِفُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ يَدْعُو ثُمَّ يَأْتِي الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الْعَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُ وَلاَ يَقِفُ عِنْدَهَا قَالَ الزُّهْرِيُّ: سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ مِثْلَ هَذَا عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ.
الشرح:
1753 يستفاد من الحديث ـ غير ما تقدم ـ ما ترجم به البخاري من جواز الدعاء بعد الجمرة الأولى وبعد الجمرة الوسطى.
المتن:
باب الطِّيبِ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الإِْفَاضَةِ
1754 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَاهُ وَكَانَ أَفْضَلَ أَهْلِ زَمَانِهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ وَبَسَطَتْ يَدَيْهَا».
الشرح:
1754 قوله: «طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ» ، يعني: قبل أن يحرم.
قوله: «وَلِحِلِّهِ حِينَ أَحَلَّ» يعني: بعد أن أحل.
ويستفاد من الحديث مشروعية التطيب في موضعين:
الأول: قبل أن يحرم.
الثاني: بعد أن يتحلل من إحرامه، ويكون التحلل بعد الرمي والحلق ثم التطيب، وهذا هو التحلل الأول، وفيه حديث ضعيف: إذا رميتم وحلقتم فقد حل لكم الطيب والنساء [(202)].
وهذا مذهب الجمهور، وهو الأفضل والأحوط؛ لما فيه من الخروج من خلاف العلماء.
وقال آخرون من أهل العلم: إذا رمى جمرة العقبة تحلل التحلل الأول، والأحوط أن يضم إلى الرمي الحلق أو الطواف.