شعار الموقع

شرح كتاب الحج من صحيح البخاري (25-11) من باب طَوَافِ الْوَدَاعِ - إلى باب الاِدِّلاَجِ مِنْ الْمُحَصَّبِ

00:00
00:00
تحميل
105

المتن:

باب طَوَافِ الْوَدَاعِ

1755 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ.

1756 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ.

تَابَعَهُ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي خَالِدٌ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.

الشرح:

قوله: «بَاب طَوَافِ الْوَدَاعِ» هذه الترجمة معقودة لطواف الوداع، ما حكمه؟ هل هو واجب أو سنة؟ وقد استدل البخاري رحمه الله بما أورده من أحاديث على أنه واجب.

1755 قوله «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ» . فيه: دليل على وجوب طواف الوداع لقوله: «أُمِرَ النَّاسُ» ، والأمر للوجوب.

وقوله: «إِلاَّ أَنَّهُ خُفِّفَ عَنْ الْحَائِضِ» . دل على أنه واجب على غير الحائض، والتخفيف لا يكون إلا من شيء واجب، ولو كان طواف الوداع غير واجب لخُفِّف على كل أحد، فلما خفف عن الحائض دون غيرها دل على وجوبه، وعليه فمن تركه فعليه دم؛ لأنه نسك من مناسك الحج، وهذا هو مذهب الجمهور.

وقول ابن عباس: «من ترك نسكًا أو نسيه فليهرق دمًا» [(203)]، روي مرفوعًا وموقوفًا؛ والموقوف أصح، لكن له حكم الرفع؛ لأن مثله لا يقال بالرأي.

وقال بعض العلماء: طواف الوداع سنة لا يجب بتركه شيء، والصواب القول الأول؛ لقوله: «أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ» .

وفي الحديث الآخر: لما كان الناس ينفرون من كل وجه قال النبي ﷺ: لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ [(204)].

1756 قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ ثُمَّ رَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ» . وهذا كان في ليلة الرابع عشر من ذي الحجة، رقد عند المحصب، وهو الوادي الذي فيه الحصباء، بعدما انتقل من منى، بين مكة ومنى.

قوله: «ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ» ؛ يعني: طواف الوداع، فدل على أنه واجب؛ وبعض العلماء يرى أنه مستحب.

والصواب: أنه واجب، وهو الذي عليه الفتوى، والأحاديث ظاهرها الوجوب، وعلى هذا فمن سافر وتركه فعليه دم شاة يذبحها في مكة.

مسائل:

إذا رمى الجمرات فسقطت في الحوض أجزأت أو رماها في الحوض ثم خرجت أجزأت، أما إذا لم تسقط في الحوض فيبدلها بغيرها.

المسألة الأولى: طواف الوداع للعمرة فيه خلاف:

القول الأول: ذهب جمهور العلماء إلى أنه مستحب.

القول الثاني: أنه واجب في العمرة، واختاره الشيخ محمد بن العثيمين رحمه الله، واستدل بقول النبي ﷺ للرجل الذي تضمخ بالطيب: اغسل عنك أثر الطيب، وانزع الجبة، واصنع في عمرتك ما أنت صانع في حجك [(205)].

قالوا: هذا دليل على أن طواف الوداع واجب؛ لأنه يفعل في العمرة كما يفعل في الحج، وطواف الوداع واجب في الحج فكذلك في العمرة.

ولكن الجمهور على أنه مستحب في العمرة وواجب في الحج؛ فإن في الحديث: لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ وذلك إنما يكون في الحج.

المسألة الثانية: طواف الطفل : إذا كان صغيرًا وليس له نية فيطاف له طوافٌ مستقلٌّ؛ لأنه لا يمكن أن تكون نيتان في طواف واحد، فهو ينوي عن نفسه ثم يطوف، ثم ينوي عن الطفل ثم يطوف، أما لو كان الطفل مميزًا فلا بأس أن يطوف عن نفسه.

المسألة الثالثة: إكمال الطواف بعد قطعه : إذا قطع طوافه لعذر مرض أو غيره فالصواب أنه لابد من إعادة الطواف إذا كان الفاصل طويلاً، والأشواط لابد أن تكون متوالية.

المسألة الرابعة: لو أن رجلاً من أهل مكة كان يدرس بالرياض حج عن رجل من أهل نجد هل عليه طواف الوداع؟

والجواب: أنه إذا خرج من مكة فإنه يطوف الوداع أما ما دام باقيًا في مكة فليس عليه وداع حتى يخرج ولو بعد سنة أو سنتين.

المتن:

باب إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ

1757 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟. قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ: فَلاَ إِذًا.

1758، 1759 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ، قَالَ لَهُمْ: تَنْفِرُ، قَالُوا: لاَ نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ، قَالَ: إِذَا قَدِمْتُمْ الْمَدِينَةَ فَسَلُوا فَقَدِمُوا الْمَدِينَةَ فَسَأَلُوا فَكَانَ فِيمَنْ سَأَلُوا أُمُّ سُلَيْمٍ فَذَكَرَتْ حَدِيثَ صَفِيَّةَ. رَوَاهُ خَالِدٌ وَقَتَادَةُ عَنْ عِكْرِمَةَ.

1760 حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ.

1761 قَالَ: وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تَنْفِرُ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ لَهُنَّ.

1762 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَلاَ نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ وَكَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَطَافَ مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ نِسَائِهِ وَأَصْحَابِهِ وَحَلَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَحَاضَتْ هِيَ، فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي قَالَ: مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا؟، قُلْتُ: لاَ. قَالَ: فَاخْرُجِي مَعَ  أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ وَمَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا، فَخَرَجْتُ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَقْرَى حَلْقَى، إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟، قَالَتْ: بَلَى قَالَ: فَلاَ بَأْسَ انْفِرِي. فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ.

وَقَالَ: مُسَدَّدٌ قُلْتُ: لاَ تَابَعَهُ جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ فِي قَوْلِهِ: لاَ.

الشرح:

قوله: «بَاب إِذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ بَعْدَ مَا أَفَاضَتْ» ، فإنها تنفر ويسقط عنها طواف الوداع؛ أما إذا حاضت قبل طواف الإفاضة فإنها تحبس وليها ولا تنفر, ولهذا قال النبي ﷺ: إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا.

1757 قوله: عن عائشة «أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ حَاضَتْ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ يعني: هل هي لم تطف طواف الإفاضة؟.

قوله: «قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ قَالَ: فَلاَ إِذًا يعني: فلا تحبسنا.

1758، 1759 قوله: «أَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ سَأَلُوا ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ امْرَأَةٍ طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ» ، أي: طافت طواف الإفاضة، وهو الركن ، ثم حاضت.

قوله: «قَالَ لَهُمْ: تَنْفِرُ» يعني: تسافر.

قوله: «قَالُوا: لاَ نَأْخُذُ بِقَوْلِكَ وَنَدَعُ قَوْلَ زَيْدٍ» يعني: زيد بن ثابت ، وكان أكبر سنًّا من ابن عباس، وكان زيد يفتي بأن المرأة إذا طافت الإفاضة ثم حاضت فإنها لا تنفر، قد خفيت عليه هذه السُّنة.

والصواب مع ابن عباس رضي الله عنهما أنها إذا طافت طواف الإفاضة ثم حاضت فإنها تنفر ويسقط عنها طواف الوداع.

1760 قوله: «رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ إِذَا أَفَاضَتْ» يعني: إذا طافت طواف الركن، وهو الإفاضة، ثم حاضت فإنها تسافر ويسقط عنها طواف الوداع.

وجاء في الحديث الآخر: «أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف على الحائض» [(206)].

وفي الحديث الآخر أن الناس لما كانوا ينفرون من كل وجه قال النبي ﷺ: لَا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ [(207)].

فالحائض يرخص لها، وهذا يدل على أن طواف الوداع واجب مخفف في حقها، بخلاف طواف الإفاضة فإنه ركن لا يسقط مطلقًا، بل لابد من الإتيان به.

1761 قوله: «وَسَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ» القائل هو طاوس، «يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تَنْفِرُ» يعني: من طافت طواف الإفاضة ثم حاضت قال: لا تنفر.

قوله: «ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ لَهُنَّ» خفيت السُّنة على ابن عمر أولاً، ثم عَلِمَ السُّنة فأفتى بالرخصة للحائض في ترك طواف الوداع إذا كانت أفاضت قبل حيضها.

1762 قوله: «خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَلاَ نَرَى إِلاَّ الْحَجَّ فَقَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَلَمْ يَحِلَّ» ، لأنه ساق الهدي أما من لم يكن معه هدي فإنه طاف وسعى وتحلل.

وقوله: «فَحَاضَتْ هِيَ» ، يعني: عائشة رضي الله عنها.

وقوله: «فَنَسَكْنَا مَنَاسِكَنَا مِنْ حَجِّنَا» ، يعني أدت المناسك.

وقوله: «فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ لَيْلَةُ النَّفْرِ» . ليلة الحصبة هي ليلة المبيت بالمحصب وهو الوادي، وهي ليلة الرابع عشر من ذي الحجة، ليلة النفر الثاني.

وقوله: «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُلُّ أَصْحَابِكَ يَرْجِعُ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ غَيْرِي» هي رجعت بحج وعمرة ، إلا أن عمرتها داخلة في حجتها قارنة ، وهي تريد عمرة منفردة كما فعلت صواحباتها.

وقوله: «قَالَ: مَا كُنْتِ تَطُوفِينَ بِالْبَيْتِ لَيَالِيَ قَدِمْنَا؟، قُلْتُ: لاَ» . فكأن النبي ﷺ نسي أنها حاضت لما قدمت مكة.

قال: فَاخْرُجِي مَعَ أَخِيكِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي بِعُمْرَةٍ. فأهلت بعمرة.

والشاهد من الحديث قوله في آخر الحديث: «وَحَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَقْرَى حَلْقَى، إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا. عقرى حلقى: دعاء بمعنى: عقرك الله، وحلق الله شعرك، لكن هذه كلمات لا يراد بها حقيقتها، تجري على اللسان لتأكيد الكلام وليس المراد منها الدعاء.

قال: إِنَّكِ لَحَابِسَتُنَا، أَمَا كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟، قَالَتْ: بَلَى» . هذا دليل على أن المرأة إذا حاضت قبل أن تطوف طواف الإفاضة فإنها تحبس وليها، وتبقى حتى تطهر ثم تغتسل ثم تطوف.

وقوله: فَلاَ بَأْسَ انْفِرِي. دليل على سقوط طواف الوداع عن الحائض إذا أفاضت.

وفي هذه الأحاديث دليل على أن طواف الإفاضة ركن، وأن الطهارة شرط لصحة الطواف، وأن طواف الوداع واجب، والواجب أخف من الركن.

مسألة: إذا حاضت المرأة قبل طواف الإفاضة فلها حالات:

الحالة الأولى: إن ضاقت الحيل ويمكن الرجوع فيذهب بها وليها وترجع، إذا كانت ساكنة في الطائف أو في جدة أو في الرياض أو في إحدى الدول العربية أيضًا يمكن أن يذهب بها وليها ويرجع.

الحالة الثانية: إذا كانت بعيدة في الشرق أو في الغرب ولا يمكن أن تبقى وضاقت بها الحيل ولا يمكن أن يبقى معها وليها، ولا يمكن أن تذهب وترجع، ماذا تصنع؟ العلماء لهم قولان في هذه المسألة:

القول الأول: لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(208)] وابن القيم رحمه الله[(209)] أنها في هذه الحالة تتحفظ وتتلجم وتطوف للضرورة، وهذا لا يُفتى به كل أحد؛ لأن كل قضية لها ملابساتها ولها أحكامها الخاصة.

القول الثاني: أنها محصرة والمحصرة تذبح وتتحلل وتذهب ويبقى عليها الحج في ذمتها؛ لأنها ممنوعة شرعًا، وقد أفتى به أخيرًا سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله بأنها تكون محصرة مثل المحصر الممنوع من الوصول للبيت، هي ممنوعة من الطواف شرعًا فتكون مثل الذي منع من دخول المسجد الحرام أو منع من الوصول إلى مكة، يذبح هديًا ويتحلل، فتذبح وتتحلل وتسافر ويبقى في ذمتها الحج متى ما قدرت.

والصواب: أن أهل العلم وأهل الفتوى ينظرون في الشخص الذي يأتي وعنده قضية فيسأل، وينظر هل يمكن الرجوع أو لا يمكن؟ وهل يمكن أن يبقى معها أو لا يمكن أن يبقى؟ ثم يُفتى على حسب حاله.

قولها: «فَلَقِيتُهُ مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ» . والظاهر أنها جاءت ـ كما سيأتي في الترجمة التي بعد هذا ـ حين انتهت من العمرة.

والنبي ﷺ ذاهب إلى البيت ليطوف طواف الوداع، فهي داخلة إلى مكة، والنبي ﷺ داخل إلى الحرم «مُصْعِدًا عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَأَنَا مُنْهَبِطَةٌ أَوْ أَنَا مُصْعِدَةٌ وَهُوَ مُنْهَبِطٌ» ، يعني: الرسول منهبط  إلى المسجد الحرام ليطوف طواف الوداع.

المتن:

باب مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالأَْبْطَحِ

1763 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ رُفَيْعٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ عَقَلْتَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟ قَالَ: بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟ قَالَ: بِالأَْبْطَحِ افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ.

1764 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُتَعَالِ بْنُ طَالِبٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ أَنَّ قَتَادَةَ حَدَّثَهُ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ حَدَّثَهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إِلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ.

الشرح:

قوله: «بَاب مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ بِالأَْبْطَحِ» هذه الترجمة معقودة لصلاة العصر يوم النفر بالأبطح، المراد به يوم النفر الثاني ، وهو اليوم الثالث عشر.

و «الأبطح» المراد به البطحاء التي بين مكة ومنى ، وهو المحصب ، وهو الوادي؛ وقديمًا كانت بنيان مكة قليلة وكان هناك فضاء واسع بين مكة ومنى، لكن الآن اتصل البنيان بمنى.

1763 قوله: «أَيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ؟» وهو اليوم الثامن، قال: «بِمِنًى. قُلْتُ: فَأَيْنَ صَلَّى الْعَصْرَ يَوْمَ النَّفْرِ؟» يعني: يوم الثالث عشر، قال: «بالأبطح» ؛ ثم قال للسائل: «افْعَلْ كَمَا يَفْعَلُ أُمَرَاؤُكَ» يعني لا تخالف الأمراء حتى لا يحصل بينك وبينهم نزاع، والأمر في هذا سهل كونك تصلي في الأبطح أو في أي مكان فلا يضر؛ لكن لا تخالف الأمير حتى لا يحصل بينك وبينه نزاع.

1764 قوله: «أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَرَقَدَ رَقْدَةً بِالْمُحَصَّبِ» المحصب: الوادي الذي به حصباء، وهو الأبطح وهو خيف بني كنانة بين مكة ومنى.

لما رمى النبي ﷺ الجمرة رماها لما زالت الشمس بعد الظهر، ثم لم يرجع إلى منى، وإنما تقدم وصلى بالأبطح، صلى الظهر في وقتها ركعتين، والعصر في وقتها ركعتين، والمغرب في وقتها ثلاثًا، والعشاء في وقتها ركعتين، ثم رقد رقدة ، فلما كان آخر الليل نزل إلى مكة وطاف طواف الوداع، فأدركته صلاة الفجر فصلى بالناس بعد طواف الوداع وقرأ بسورة الطور، ثم بعد الصلاة قفل راجعًا إلى المدينة عليه الصلاة والسلام.

المتن:

باب الْمُحَصَّبِ

1765 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: إِنَّمَا كَانَ مَنْزِلٌ يَنْزِلُهُ النَّبِيُّ ﷺ لِيَكُونَ أَسْمَحَ لِخُرُوجِهِ يَعْنِي بِالأَْبْطَحِ.

1766 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَيْسَ التَّحْصِيبُ بِشَيْءٍ إِنَّمَا هُوَ مَنْزِلٌ نَزَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.

الشرح:

قوله: «بَاب الْمُحَصَّبِ» ، يعني: ما حكم النزول به؟

والمحصب: هو الوادي الذي فيه الحصباء، نزل فيه النبي ﷺ في اليوم الثالث عشر من ذي الحجة بعد ما رمى الجمرات الثلاث.

فهل نزله لأنه مقصود فيكون سنة، أو أنه نزله لكونه منزلاً اتفاقيًّا؟

1765، 1766 دل حديثا الباب على أن المحصب منزل اتفاقي، وليس منزلاً مقصودًا؛ وإنما نزل النبي ﷺ ذلك المنزل ليكون أسمح لخروجه إلى المدينة، فنزل يستريح، وفي آخر الليل طاف للوداع ثم سار.

القول الثاني قول الجمهور: أن المحصب منزل مقصود وإلى هذا ذهب أبو بكر وعمر، وقد نزله النبي ﷺ والخلفاء بعده ويؤيد ذلك أن النبي ﷺ سئل: أين تنزل غدًا؟ قال: بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ، حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الكُفْرِ [(210)] فهو منزل مقصود أراد النبي ﷺ أن يظهر فيه شعائر الإسلام؛ لأن هذا المكان أظهرت فيه شعائر القطيعة، وتقاسم الكفار على الكفر، وحاصروا بني هاشم وبني المطلب في الشِّعْب، وكتبوا صحيفة آثمة: ألاّ يبايعوهم ولا يناكحوهم حتى يُسَلّموا لهم النبي ﷺ حتى يقتلوه.

فأراد النبي ﷺ أن يظهر شعائر الإسلام في المكان الذي أظهرت فيه شعائر الكفر، فهو منزل مقصود، وهذا هو الأرجح.

المتن:

باب النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالنُّزُولِ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ

1767 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ، وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا لَمْ يُنِخْ نَاقَتَهُ إِلاَّ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَْسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا ثَلاَثًا سَعْيًا وَأَرْبَعًا مَشْيًا، ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَنْطَلِقُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ فَيَطُوفُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُنِيخُ بِهَا.

1768 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِالْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: سُئِلَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ الْمُحَصَّبِ فَحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يُصَلِّي بِهَا ـ يَعْنِي الْمُحَصَّبَ ـ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ أَحْسِبُهُ قَالَ: وَالْمَغْرِبَ؟ قَالَ خَالِدٌ: لاَ أَشُكُّ فِي الْعِشَاءِ وَيَهْجَعُ هَجْعَةً، وَيَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.

الشرح:

قوله: «بَاب النُّزُولِ بِذِي طُوًى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ وَالنُّزُولِ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ» . هذه الترجمة معقودة لبيان حكم النزول بذي طوى قبل أن يدخل مكة، وهو مكان الآن يسمى بحي الزاهر في مكة، فكان النبي ﷺ ينزل بذي طوى إذا قدم مكة، ويبيت فيه ثم يدخل مكة نهارًا، فهل هو مشروع؟

كان ابن عمر يفعل هذا اقتداء بالنبي ﷺ، وكذلك كان إذا انصرف راجعًا من مكة ينزل بالبطحاء التي بذي الحليفة؛ لأن النبي ﷺ كان ينزل بها، وهذا اجتهاد من ابن عمر والصواب أنه غير مشروع.

1767 قوله: «أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَبِيتُ بِذِي طُوًى بَيْنَ الثَّنِيَّتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلُ مِنْ الثَّنِيَّةِ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ» . يعني: اقتداء بالنبي ﷺ، وإذا قدم مكة أناخ عند المسجد.

وقوله: «ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَأْتِي الرُّكْنَ الأَْسْوَدَ فَيَبْدَأُ بِهِ، ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعًا ثَلاَثًا سَعْيًا» ، يعني: يهرول وهو الخبب.

وقوله: «وَأَرْبَعًا مَشْيًا» يعني: يمشي في الأربعة الباقية ولا يهرول.

وقوله: «ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» يعني: ركعتين وهما ركعتا الطواف.

وقوله: «وَكَانَ إِذَا صَدَرَ عَنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ» أي: أراد الرجوع إلى المدينة.

وقوله: «أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ» اجتهادا منه في تتبعه آثار النبي ﷺ.

1768 قوله: «نَزَلَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ» يعني: المحصب؛ ولهذا كان ابن عمر يصلي بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء اقتداء بالنبي ﷺ.

المتن:

باب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ

1769 وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَقْبَلَ بَاتَ بِذِي طُوًى حَتَّى إِذَا أَصْبَحَ دَخَلَ وَإِذَا نَفَرَ مَرَّ بِذِي طُوًى وَبَاتَ بِهَا حَتَّى يُصْبِحَ وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ.

الشرح:

قوله: «بَاب مَنْ نَزَلَ بِذِي طُوًى إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ» هذه الترجمة معقودة لبيان جواز النزول بذي طوى مرتين مرة عند دخول مكة ومرة عند الخروج منها.

1769 هذا الحديث من معلقات الإمام البخاري، وفيه: أن ابن عمر كان يفعل هذا، وكان يذكر أن النبي ﷺ كان يفعل ذلك.

وكما تقدم قريبًا أن هذا المكان الآن يعرف بحي الزاهر الذي صار حيًّا من أحياء مكة.

المتن:

باب التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ

1770 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رضي الله عنهما: كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الإِْسْلاَمُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ.

الشرح:

قوله: «بَاب التِّجَارَةِ أَيَّامَ الْمَوْسِمِ وَالْبَيْعِ فِي أَسْوَاقِ الْجَاهِلِيَّةِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان جواز التجارة في موسم الحج، وأنه لا حرج في البيع والتجارة في وقت الحج، إذا لم يؤثر على المناسك.

1770 قوله: «كَانَ ذُو الْمَجَازِ وَعُكَاظٌ مَتْجَرَ النَّاسِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ الإِْسْلاَمُ كَأَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البَقَرَة: 198]» .

فيه: دليل أنه لا بأس بأن يأتي الإنسان بأشياء يبيعها وهو حاج إذا لم يؤثر على مناسك الحج.

وقوله: «فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ» ، هو كلام للراوي ذكره تفسيرًا.

المتن:

باب الاِدِّلاَجِ مِنْ الْمُحَصَّبِ

1771 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلاَّ حَابِسَتَكُمْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قِيلَ: نَعَمْ قَالَ: فَانْفِرِي.

1772 قَالَ أَبُو عَبْداللَّهِ: وَزَادَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا مُحَاضِرٌ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: حَلْقَى عَقْرَى، مَا أُرَاهَا إِلاَّ حَابِسَتَكُمْ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟، قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: فَانْفِرِي، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ قَالَ: فَاعْتَمِرِي مِنْ التَّنْعِيمِ، فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا، فَقَالَ: مَوْعِدُكِ مَكَانَ كَذَا وَكَذَا.

الشرح:

قوله: «بَاب الاِدِّلاَجِ مِنْ الْمُحَصَّبِ» . الادِّلاج -بتشديد الدال- السَّير آخر الليل وهو المراد هنا، أما الإدْلاج -بسكون الدال- فهو السير أول الليل، والمحصب هو الوادي مكان الحصباء، فالنبي ﷺ بات بالمحصب ليلة الرابع عشر من ذي الحجة، ثم أسرع في آخر الليل فطاف طواف الوداع وسافر.

1771 قوله: «حَاضَتْ صَفِيَّةُ لَيْلَةَ النَّفْرِ فَقَالَتْ: مَا أُرَانِي إِلاَّ حَابِسَتَكُمْ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: عَقْرَى حَلْقَى أَطَافَتْ يَوْمَ النَّحْرِ؟ قِيلَ: نَعَمْ قَالَ: فَانْفِرِي. هذا دليل على أنها تنفر ويسقط عنها طواف الوداع؛ إذا كانت طافت طواف الإفاضة.

1772 قوله: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ الْحَجَّ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا أَنْ نَحِلَّ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ النَّفْرِ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ» ليلة النفر من منى ، وكانت طافت طواف الإفاضة.

وقوله: حَلْقَى عَقْرَى، مَا أُرَاهَا إِلاَّ حَابِسَتَكُمْ. ظن أنها لم تطف طواف الإفاضة.

وقوله: ثُمَّ قَالَ: كُنْتِ طُفْتِ يَوْمَ النَّحْرِ؟، قَالَتْ: نَعَمْ قَالَ: «فَانْفِرِي»» دل على أن الحائض يسقط عنها طواف الوداع.

قالت عائشة: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَمْ أَكُنْ حَلَلْتُ» لما قدمنا مكة، لأنها جاءها الحيض فأدخلت الحج على العمرة.

قال: فَاعْتَمِرِي مِنْ التَّنْعِيمِ عمرة أخرى.

وقوله: «فَخَرَجَ مَعَهَا أَخُوهَا» . قال: «فَلَقِينَاهُ مُدَّلِجًا» هذا هو شاهد الترجمة، لقيا النبي مدَّلجًا ، يعني: مسرعًا آخر الليل إلى مكة؛ ليطوف طواف الوداع.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد