شعار الموقع

شرح أبواب العمرة من صحيح البخاري (26-1) بَابُ وُجُوبِ العُمْرَةِ وَفَضْلِهَا - إلى باب يَفْعَلُ فِي الْعُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الْحَجِّ

00:00
00:00
تحميل
143

المتن:

(27)كِتَاب الْعُمْرَةِ

بَابُ وُجُوبِ العُمْرَةِ وَفَضْلِهَا

باب وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ وَعَلَيْهِ حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: إِنَّهَا لَقَرِينَتُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالَعُمْرَةَ لِلَّهِ.

1773 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ.

الشرح:

قوله: «كتاب العمرة» . هذا الكتاب عقده المؤلف رحمه الله للعمرة وما يتعلق بها من الأحكام، وتحته أبواب.

قوله: «بَاب وُجُوبِ الْعُمْرَةِ وَفَضْلِهَا» ؛ جزم المؤلف رحمه الله بأن العمرة واجبة فذهب في هذه الترجمة إلى وجوبها وهو متابع في ذلك.

والمشهور عن الشافعي[(211)] وأحمد[(212)] وغيرهما من أهل الأثر وجمهور العلماء على أن العمرة واجبة كالحج. وذهب بعض العلماء إلى أن العمرة ليست واجبة، وهو المشهور عن المالكية[(213)]، وهو قول الحنفية[(214)]، قالوا: العمرة ليست واجبة، إنما الواجب الحج؛ أما العمرة فهي سنة.

وقال بعض العلماء: إنها واجبة على غير أهل مكة.

فالأقوال إذن ثلاثة:

قيل: إن العمرة واجبة في العمر مرة على كل أحد، وهذا قول الجمهور.

وقيل: إن العمرة ليست واجبة وإنما الواجب الحج فقط.

وقيل: إن العمرة واجبة على غير أهل مكة.

والصواب الأول أنها واجبة مطلقًا على المكي وغيره في العمر مرة واحدة مع الاستطاعة.

والمؤلف رحمه الله لم يذكر حديثًا واحدًا في وجوب العمرة؛ لأنه لم يجد حديثًا على شرطه، فاكتفى بهذا الحديث في فضل العمرة.

لكن جاء ما يدل على وجوب العمرة في حديث رواه ابن خزيمة وابن حبان في جواب النبي ﷺ لجبرائيل لما سأله عن الإسلام قال: أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، وتعتمر، وتغتسل من الجنابة، وتتم الوضوء [(215)]. فهذا دليل على وجوب العمرة.

وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها لما قالت للنبي ﷺ: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ فقال ﷺ: نَعَمْ، عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ، لَا قِتَالَ فِيهِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ [(216)].

1773 حديث الباب وهو حديث أبي هريرة رفعه: الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ

 فيه: فضل العمرة إلى العمرة، وأنها تكفر ما بينهما من الذنوب؛ ولكن هل تكفر الكبائر أم الصغائر؟ الظاهر أنها تكفر الصغائر، أما الكبائر فلابد لها من توبة.

- وفيه: فضل الحج وأن الحج، والمبرور الذي ليس فيه إثم ولا معصية ولا فسوق ولا رفث ولا جدال، ليس له جزاء إلا الجنة.

المتن:

باب مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ

1774 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ: عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ مِثْلَهُ.

الشرح:

قوله: «بَابُ مَنْ اعْتَمَرَ قَبْلَ الْحَجِّ» . هذه الترجمة معقودة للعمرة قبل الحج وهل يجزئه إذا اعتمر قبل الحج أو لا؟

والجواب: أن العمرة قبل الحج تجزئ، وهي عمرة المتمتع والقارن ويسقط بها الواجب، فإذا اعتمر قبل الحج عمرة مستقلة تمتع وتحلل بعدها، أو عمرة قرنها مع الحج، فإنه يسقط عنه الواجب.

1774 قوله: «أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ: لاَ بَأْسَ. قَالَ عِكْرِمَةُ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ».

وفيه: جواز العمرة قبل الحج ، وأنها عمرة مجزئة؛ ولأن النبي ﷺ اعتمر قبل أن يحج، بل عُمَر النبي ﷺ كلها قبل الحج، وكلها في شهر ذي القعدة، فلا بأس بالعمرة قبل الحج ، أو بعد الحج ، أو أثناء السنة؛ فإذا اعتمر مرة في العمر سقط عنه الواجب.

المتن:

باب كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ

1775 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ فَإِذَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلاَةَ الضُّحَى، قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاَتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ، ثُمَّ قَالَ لَهُ: كَمْ اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ؟ قَالَ: أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ فَكَرِهْنَا أَنْ نَرُدَّ عَلَيْهِ.

1776 قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ، قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ.

الشرح:

قوله: «بَابٌ كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ» هذه الترجمة معقودة لبيان عُمَر النبي ﷺ كم هي؟ وعُمَر النبي ﷺ كما دلت عليها الأحاديث وذهب إليه الجمهور، كلها في ذي القعدة وهي:

- عمرة الحديبية سنة ست من الهجرة، وَصُد عنها، ثم ذبح وتحلل، وتعتبر عمرة لأن أجرها تام، وإن كان لم يتممها.

- عمرة القضية التي قاضاها النبي ﷺ مع المشركين أن يعتمر من العام القادم.

- عمرة الجعرانة بعد الفتح.

- العمرة التي مع حجته.

1775 قوله: «فَإِذَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ، وَإِذَا نَاسٌ يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ صَلاَةَ الضُّحَى، قَالَ: فَسَأَلْنَاهُ عَنْ صَلاَتِهِمْ، فَقَالَ: بِدْعَةٌ» . لعل مراد ابن عمررضي الله عنهما أن فعل صلاة الضحى في البيت هو الأفضل. وأن هؤلاء يقصدون الصلاة في المسجد، ولكن إطلاق أنها بدعة مشكل، والصواب أنها سنة ولو في المسجد، ولكن الصلاة في البيت أفضل.

1776 قوله: «قَالَ: وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ» ، يعني: تسوك أسنانها حتى سمعوا ضربها بالمسواك، فناداها عروة ـ وهي خالته أخت أمه فعروة بن الزبير أمه أسماء بنت أبي بكر.

قوله: «فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا أُمَّاهُ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِالرَّحْمَنِ؟ قَالَتْ: مَا يَقُولُ؟ قَالَ: يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرَاتٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ» .

فردت عليه «يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِالرَّحْمَنِ» وهو ابن عمر «مَا اعْتَمَرَ عُمْرَةً إِلاَّ وَهُوَ شَاهِدُهُ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ» ، يعني: تريد أن تقول: نسي، فالرسول ﷺ ما اعتمر إلا وهو معه، لكنه ما اعتمر في رجب ، إنما عمره كلها في ذي القعدة.

وفيه: أن الصحابي الجليل قد يخفى عليه بعض أحوال النبي ﷺ، وأنه قد يدخله الوهم والنسيان لكونه غير معصوم.

قال بعض العلماء: لعل هذه عمرة خامسة حفظها ابن عمر دون غيره، وهذا الاحتمال وارد؛ لأن ابن عمر ثقة حافظ وتوهيم الحافظ خلاف الأصل، ولأن ابن عمر يثبت عمرة خامسة والمثبت مقدم على النافي.

وعلى هذا القول تكون العمرة في رجب مشروعة ومستحبة، ويؤيده أن عمر كان يعتمر في رجب وهو الخليفة الراشد.

والجمهور على أن عُمر النبي ﷺ أربع عمر، وأن ابن عمر وهم في ذلك، وأن النبي ﷺ ما اعتمر في رجب.

المتن:

1777 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرنِي عَطَاءٌ عَنْ عُرْوَةَ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي رَجَبٍ.

الشرح:

1777 قولها: «مَا اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي رَجَبٍ» . وفي الحديث السابق: «وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ» ؛ لأن عمره محفوظة كلها في ذي القعدة.

المتن:

1778 حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ سَأَلْتُ أَنَسًا كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: أَرْبَعٌ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ، وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ قُلْتُ: كَمْ حَجَّ؟ قَالَ: وَاحِدَةً.

الشرح:

1778 حديث أنس أنه سئل: «كَمْ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ؟ قَالَ: أَرْبَعٌ» .

قوله: «عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ» . وهذه ما كملها، فإنه أحرم، ثم صالح المشركين، ثم ذبح وتحلل، لكن تعد عمرة لأن أجرها تام.

وهذا أنس موافق لعائشة أنها أربع عمر ليس منها في رجب، وهذه الأولى.

قوله: «وَعُمْرَةٌ مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ حَيْثُ صَالَحَهُمْ» يعني قاضاهم، قالوا: من الصلح أنك ترجع هذا العام وتأتي العام القادم بعمرة، وهذه الثانية.

قوله: «وَعُمْرَةُ الْجِعِرَّانَةِ إِذْ قَسَمَ غَنِيمَةَ أُرَاهُ حُنَيْنٍ» ، وهذه الثالثة.

والرابعة: عمرة مع حجته.

المتن:

1779 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا فَقَالَ: اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ حَيْثُ رَدُّوهُ وَمِنْ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.

الشرح:

1779 قوله: «اعْتَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ حَيْثُ رَدُّوهُ» ، وهذه عمرة الحديبية.

قوله: «وَمِنْ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ» ، يعني: في العام التالي لعمرة الحديبية، وهي عمرة القضاء.

قوله: «وَعُمْرَةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ» ، وهي عمرة الجعرانة.

قوله: «وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ» ، وهي الرابعة مع حجة الوداع.

المتن:

1780 حَدَّثَنَا هُدْبَةُ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ وَقَالَ: اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي اعْتَمَرَ مَعَ حَجَّتِهِ عُمْرَتَهُ مِنْ الْحُدَيْبِيَةِ وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَمِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.

الشرح:

1780 في الحديث: أربع عمر وهي المحفوظة. والعمرة « وَمِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ» هي عمرة القضاء.

والمقاضاة من المصالحة، حيث صالحهم ﷺ على أن يرجع هذا العام ويعتمر من العام القادم.

المتن:

1781 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَأَلْتُ مَسْرُوقًا وَعَطَاءً وَمُجَاهِدًا فَقَالُوا: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَقَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي ذِي الْقَعْدَةِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ مَرَّتَيْنِ.

الشرح:

1781 حديث البراء، وفيه يقول: «اعتمر رسول الله ﷺ في ذي القعدة قبل أن يحج مرتين».

تقدم أنه في حديث أنس يقول: أربع عمر وعدها، والبراء يقول: عمرتين؛ ووجه الجمع بينهما : أنه أسقط العمرة التي صد عنها لأنها لم تكمل، وأسقط العمرة التي مع حجته لأنها ليست مستقلة.

المتن:

باب عُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ

1782 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يُخْبِرُنَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاِمْرَأَةٍ مِنْ الأَْنْصَارِ سَمَّاهَا ابْنُ عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا: مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّينَ مَعَنَا؟ قَالَتْ: كانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلاَنٍ وَابْنُهُ لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ.

الشرح:

1782 قوله: «قَالَتْ: كانَ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلاَنٍ وَابْنُهُ لِزَوْجِهَا وَابْنِهَا وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ» . والناضح هو: البعير، و «يُنضح عليه» ، يعني: نسقي عليه، فركبه «أبو فلان» يعني: زوجها.

قوله: فَإِذَا كَانَ رَمَضَانُ اعْتَمِرِي فِيهِ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ. ورد في صحيح مسلم: عُمْرَة فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً، أو قال: حجة معي [(217)]. وهذا الحديث في فضل العمرة في رمضان.

وأن عمرة في رمضان تعدل حجة في الفضل والأجر، وهذا يحصل في أي يوم من أيام رمضان، وليس لآخره فضل على أوله، فهي تعدله في الثواب، ولكنها لا تسقط الحج عمن لم يحج.

وهذا الفضل ليس خاصًّا بهذه المرأة، فنصوص الشريعة عامة، والخصوصية تحتاج إلى دليل. فالخصوص مثل ما قال النبي ﷺ لخال البراء أبي بردة بن نيار: تجزيك ولا تجزي عن أحد بعدك [(218)].

المتن:

باب الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا

1783 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ فَقَالَ لَنَا: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ؛ فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي.

الشرح:

قوله: «بَابُ الْعُمْرَةِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ وَغَيْرِهَا» . المراد بليلة الحصبة ليلة الرابع عشر من ذي الحجة ، ليلة النزول بالمحصب ، وهو الوادي الذي نزل فيه النبي ﷺ، سمي الحصبة والمحصب والتحصيب لأنه فيه حصباء وهي الحصا الصغار، نزله النبي ﷺ ليلة الرابع عشر من شهر ذي الحجة لما نفر من منى، وصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد، فلما كان في آخر الليل طاف طواف الوداع وقفل راجعًا إلى المدينة.

فالمؤلف يقول: لا بأس بالعمرة ليلة الرابع عشر وغيرها؛ حيث اعتمرت عائشة، فلا بأس بالعمرة ليلة الحصبة وغيرها؛ قبلها وبعدها.

1783 وذكر في الباب حديث عائشة، قالت: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ فَقَالَ لَنَا: مَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِالْحَجِّ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ بِعُمْرَةٍ؛ فَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ. أخبرهم النبي ﷺ قال: لا أستطيع أن أتحلل لأني أهديت، أي: سقت الهدي.

قوله: «قَالَتْ: فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَأَظَلَّنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ، يعني: ارفضي أعمالها ، وإلا فهي أدخلت الحج على العمرة.

قوله: ارْفُضِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، فيه: جواز نقض الرأس بدون المشط للمحرم، والمراد بالنقض هنا أن تفك الشعر المفتول، والمراد بالمشط فتل الشعر وجعله ضفائر بيديها، وإن سقط شعرٌ ميت فلا حرج، إنما الممنوع قطع الشعر بالمشط أو باليد.

قوله: وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فاغتسلت وأهلت بالحج، فكانت قارنة.

قوله: «فَلَمَّا كَانَ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَالرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ» ، يعني: مستقلة مكان عمرتي التي قرنتها بالحج، فحصلت لها العمرتان: عمرة مع حجها قارنة ، وعمرة مستقلة بعد الحج.

وفي الحديث: دليل على جواز العمرة للحاج إذا تم حجه بعد انقضاء أيام التشريق في ليلة الحصبة وغيرها، فلا بأس أن يعتمر الحاج بعد انقضاء أيام التشريق.

المتن:

باب عُمْرَةِ التَّنْعِيمِ

1784 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ وَيُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ.

قَالَ: سُفْيَانُ مَرَّةً سَمِعْتُ عَمْرًا كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو.

الشرح:

1784 قوله: «َنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يُرْدِفَ عَائِشَةَ وَيُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ» ، فيه: أنه لا بأس بإرداف المحرم إحدى محارمه، فعبدالرحمن أردف أخته ولا بأس بخلوة المحارم.

وفيه: جواز العمرة من التنعيم وأنه لا بأس بها، وأنها غير مكروهة.

قوله: «قَالَ: سُفْيَانُ مَرَّةً سَمِعْتُ عَمْرًا كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ عَمْرٍو» . وكم للتكثير يعني: سمعته كثيرًا من شيخي عمرو، وهو ابن دينار.

يقول سفيان: سمعت من شيخي عمرو عدد ما لبث نوح في قومه من الأحاديث، يعني: ألف سنة إلا خمسين عامًا، فيكون روى عنه تسعمائة وخمسين من الأحاديث عدد ما لبث نوح في قومه للدعوة.

المتن:

1785 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ حَبِيبٍ الْمُعَلِّمِ عَنْ عَطَاءٍ حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَطَلْحَةَ وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَذِنَ لأَِصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلاَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ، وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ قَالَ: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحَجَّةِ، وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لاَ بَلْ لِلأَْبَدِ.

الشرح:

1785 هذا الحديث ساقه المؤلف رحمه الله لبيان عمرة عائشة ، وأنها اعتمرت من التنعيم ، وأن العمرة من التنعيم لا كراهة فيها ولا بأس بها.

ذكر حديث جابر «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَهَلَّ وَأَصْحَابُهُ بِالْحَجِّ وَلَيْسَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَدْيٌ غَيْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَطَلْحَةَ وَكَانَ عَلِيٌّ قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ وَمَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» ، فلا بأس أن يهل بإهلال معلق فيقول: أهللت بما أهل به فلان.

قوله: «وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَذِنَ لأَِصْحَابِهِ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً يَطُوفُوا بِالْبَيْتِ ثُمَّ يُقَصِّرُوا وَيَحِلُّوا إِلاَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ فَقَالُوا: نَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى وَذَكَرُ أَحَدِنَا يَقْطُرُ» ، فشق عليهم لأنهم كانوا في الجاهلية لا يعتمرون في أشهر الحج؛ قالوا: كيف نتحلل ونجامع النساء ثم بعد ذلك نحرم بالحج، فما بين جماع النساء والإحرام بالحج إلا قليل؛ فاستنكروا هذا لأنهم كانوا في الجاهلية يرون أنه من أفجر الفجور.

قوله: «فَبَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لَأَحْلَلْتُ، يعني: لو كنت أظن أن أصحابي سيتوقفون وسيتحرجون لما سقت الهدي حتى أتحلل فيشاهدوني متحللاً ويقتدوا بي.

قوله: «وَأَنَّ عَائِشَةَ حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا غَيْرَ أَنَّهَا لَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ قَالَ: فَلَمَّا طَهُرَتْ وَطَافَتْ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟ فَأَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا إِلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ فِي ذِي الْحَجَّةِ» ، فيه: أن عائشة حاضت فأدت المناسك كلها إلا أنها ما طافت بالبيت، ولما طهرت طافت ، فأدخلت الحج على العمرة، فقالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنْطَلِقُونَ بِعُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ وَأَنْطَلِقُ بِالْحَجِّ؟» يعني: هي حصل لها الحج وإن كان معه عمرة قران وهي تريد عمرة مستقلة، فأمر النبي ﷺ أخاها أن يهل بها من التنعيم.

قوله: «وَأَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَقِيَ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِالْعَقَبَةِ وَهُوَ يَرْمِيهَا فَقَالَ: أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّةً يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: لاَ بَلْ لِلأَْبَدِ، يعني: العمرة مستمرة للأبد إلى يوم القيامة.

وهذا الحديث فيه فوائد:

- فيه: جواز العمرة لمن كان بمكة، وأن من أراد العمرة وهو بمكة فلابد أن يخرج إلى الحل. وقيل: إلى التنعيم خاصة. والصواب: الأول أنه يخرج إلى الحل: التنعيم، أو عرفة، أو الجعرانة، أو الشميسي.

- وفيه: جواز العمرة المكية، وبعض العلماء أنكر العمرة المكية وقال: أهل مكة ليس عليهم عمرة، ولكن الحديث فيه أن أهل مكة ومن كان بمكة يحرمون بالعمرة من الحل، أما الحج فمن مكة.

- وفيه: جواز تكرار العمرة في أقل من شهر حيث اعتمرت عائشة عمرتين في عشرة أيام.

- وفيه: جواز العمرة بعد الحج لمن اعتمر قبل الحج.

- وفيه: أنه لا تحديد بوقت بين العمرة والعمرة كما في حديث البخاري في الباب الأول: العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا [(219)].

- وفيه: جواز إرداف المحرم للمرأة إذا كان محرمًا لها، وجواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيقه.

- وفيه: عدم التكلف.

- وفيه: جواز الخلوة بالمحارم في السفر أو في الحضر.

- وفيه: أن الحائض إذا أحرمت بالعمرة إذا جاء الحج فإنها تدخل الحج على العمرة وتكون قارنة، وتفعل المناسك كلها إلا الطواف بالبيت.

- وفيه: جواز القران، وأن أفعال العمرة تدخل في أفعال الحج خلافًا لمن أوجب التمتع كابن عباس رضي الله عنهما وغيره؛ فالمتعة في أشهر الحج مستحبة عند جمهور العلماء.

- وفيه: جواز العمرة في أشهر الحج خلافًا لما يعتقده أهل الجاهلية من عدم الجواز.

- وفيه: جواز فسخ الحج إلى العمرة لمن ليس معه هدي وكان الوقت متسعًا، وأن ذلك ليس خاصًّا بالصحابة، بل هو للأمة كلها إلى الأبد؛ لقول النبي ﷺ لسراقة بن جعشم: بَلْ لِلأَْبَدِ.

والأمر بفسخ الحج إلى العمرة للاستحباب، وقال ابن عباس: إنه للوجوب، أي: يجب على كل أحد. والصواب أنه مستحب؛ والذي صرف الأمر للاستحباب أمور:

منها: أن النبي ﷺ خير الناس بين الأنساك الثلاثة عند الميقات: المتعة، والقران، والإفراد.

ومنها: حديث سراقة أنه جاء إلى النبي ﷺ فقال: هي لنا أو للأبد؟ فقال النبي ﷺ: بَلْ لِلأَْبَدِ. في دخول العمرة في الحج.

ومنها: أن النبي ﷺ أمر عائشة رضي الله عنها بأن تدخل الحج على العمرة فتكون قارنة، ففيه: جواز القران خلافًا لمن أوجب المتعة.

ومنها: قول النبي ﷺ: دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [(220)] فهذا يدل على أن نسخ الحج إلى العمرة ليس واجبًا، وإنما هو مستحب ، خلافًا لابن عباس رضي الله عنهما.

المتن:

باب الاِعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ

1786 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرنِي أَبِي قَالَ: أَخْبَرتْنِي عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَت: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: دَعِي عُمْرَتَكِ، وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي، وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ إِلَى التَّنْعِيمِ، فَأَرْدَفَهَا فَأَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِهَا فَقَضَى اللَّهُ حَجَّهَا وَعُمْرَتَهَا، وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلاَ صَدَقَةٌ وَلاَ صَوْمٌ.

الشرح:

قوله: «بَابُ الاِعْتِمَارِ بَعْدَ الْحَجِّ بِغَيْرِ هَدْيٍ» ، هذه الترجمة معقودة لبيان العمرة بعد الحج، وأن الإنسان إذا اعتمر بعد الحج فليس عليه هدي ولا صدقة ولا صوم.

أما العمرة التي قبل الحج فيكون الإنسان عليه هدي للتمتع والقران، وإذا اعتمر بعمرة ثانية فليس عليه لا هدي ولا صدقة ولا صوم.

1786 ذكر في الباب حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحَجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ بِحَجَّةٍ فَلْيُهِلَّ، وَلَوْلاَ أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَكُنْتُ مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحِضْتُ قَبْلَ أَنْ أَدْخُلَ مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» وفيه: أن عائشة ذكرت أن النبي ﷺ خيّر الناس من الميقات، فكان منهم من أهل بعمرة، ومنهم من أهل بحج، وبقي النبي ﷺ على إحرامه لأنه ساق الهدي، وعائشة كانت ممن أهل بعمرة، لكنها حاضت قبل أن تدخل مكة، واستمر الدم عليها حتى جاء يوم عرفة، فأدخلت الحج على العمرة، فشكت إلى النبي ﷺ أنها جاءها الحج وهي على حالها.

فقال النبي ﷺ: دَعِي عُمْرَتَكِ يعني: دعي أعمال العمرة وإلا فإنها أدخلت الحج على العمرة.

قوله: وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي. نقض الرأس يعني فك فتل الشعر، والامتشاط هو فتل الشعر باليد وليس بالمشط.

قوله: وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ» ، وهي ليلة الرابع عشر من ذي الحجة أرسل معها أخاها إلى التنعيم «فأردفها فأهلت بعمرة مكان عمرتها» ، يعني مكان عمرتها التي أرادت أن تكون منفردة عن الحج، وإلا فقد حصلت لها العمرتان: عمرة مع الحج، لأنها قارنة؛ وعمرة منفردة.

فقوله: «مَكَانَ عُمْرَتِهَا» ، يعني: مكان عمرتها التي أرادت أن تكون منفردة عن الحج لكنها لم تستطع، حيث جاءها الدم، فأدخلت الحج على العمرة، ثم قضى الله حجها وعمرتها، ولم يكن في ذلك هدي ولا صدقة ولا صوم؛ ففيه دليل على أن العمرة بعد الحج ليس فيها هدي ولا صدقة ولا صوم.

المتن:

باب أَجْرُِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ

1787 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ قَالاَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ، فَقِيلَ لَهَا: انْتَظِرِي فَإِذَا طَهَُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ.

الشرح:

قوله: «بَابٌُ أَجْرُِ الْعُمْرَةِ عَلَى قَدْرِ النَّصَبِ» ، يعني على قدر التعب، فكلما زاد التعب يكون الأجر أكبر.

1787 وذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ يَصْدُرُ النَّاسُ بِنُسُكَيْنِ وَأَصْدُرُ بِنُسُكٍ» ، يعني: يصدر الناس بنسكين حج وعمرة وأصدر بنسك وهو الحج، ولم تذكر النسك الثاني وهو العمرة؛ لأنه ليس بمستقل ، وإلا فهي صدرت بنسكين ، فحصل لها حج وعمرة ، لكن العمرة ليست مستقلة ، ولذا ما طابت نفسها.

قوله: «فَقِيلَ لَهَا: انْتَظِرِي فَإِذَا طَهَُرْتِ فَاخْرُجِي إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهِلِّي، ثُمَّ ائْتِينَا بِمَكَانِ كَذَا، وَلَكِنَّهَا عَلَى قَدْرِ نَفَقَتِكِ أَوْ نَصَبِكِ، يعني: الأجر على قدر النفقة والنصب.

والمعنى أن الثواب في العبادة يكثر بكثرة التعب وكثرة النفقة، ولكن المراد التعب والنفقة اللذان لا يذمهما الشرع، وهذا ليس على إطلاقه ، فقد يكون العمل قليلاً ويكون الأجر كثيرًا ولو لم يكن فيه تعب.

المتن:

باب الْمُعْتَمِرِ إِذَا طَافَ طَوَافَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ خَرَجَ هَلْ يُجْزِئُهُ مِنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ

1788 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا سَرِفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لأَِصْحَابِهِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلاَ، وَكَانَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ذَوِي قُوَّةٍ الْهَدْيُ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ عُمْرَةً فَدَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟، قُلْتُ: سَمِعْتُكَ تَقُولُ لأَِصْحَابِكَ مَا قُلْتَ فَمُنِعْتُ الْعُمْرَةَ قَالَ: وَمَا شَأْنُكِ؟، قُلْتُ: لاَ أُصَلِّي قَالَ: فَلاَ يَضُِرْكِ أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا، قَالَتْ: فَكُنْتُ حَتَّى نَفَرْنَا مِنْ مِنًى فَنَزَلْنَا الْمُحَصَّبَ فَدَعَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَقَالَ: اخْرُجْ بِأُخْتِكَ الْحَرَمَ فَلْتُهِلَّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ افْرُغَا مِنْ طَوَافِكُمَا أَنْتَظِرْكُمَا هَا هُنَا، فَأَتَيْنَا فِي جَوْفِ اللَّيْلِ، فَقَالَ: فَرَغْتُمَا؟، قُلْتُ: نَعَمْ فَنَادَى بِالرَّحِيلِ فِي أَصْحَابِهِ، فَارْتَحَلَ النَّاسُ، وَمَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ خَرَجَ مُوَجِّهًا إِلَى الْمَدِينَةِ.

الشرح:

1788 ذكر في الباب حديث عائشة وقد تقدم مرارًا، واستدل بالحديث على عدم وجوب طواف الوداع للعمرة؛ لأن عائشة رضي الله عنها فرغت من العمرة في جوف الليل، ولم تذكر أنها طافت طواف الوداع، فصار طوافها للعمرة يكفيها عن طواف الوداع للحج.

وهذا أرجح الأقوال الثلاثة في المسألة وهي:

الأول: وجوب طواف الوداع للحج والعمرة.

الثاني: وجوب طواف الوداع للحج دون العمرة.

الثالث: وجوب طواف الوداع للخارج من مكة، وهذا فيه: شدة وحرج، وهذا ضعيف.

وفي الحديث: أن المعتمر إذا طاف للعمرة ثم خرج كفاه عن طواف الوداع؛ فإن عائشة رضي الله عنها اعتمرت وطافت وسعت، ثم خرجت ولم تطف طواف الوداع ، فاكتفت بطواف العمرة عن الوداع؛ لأنه آخر عهدها بالبيت.

وفي حديث عائشة قالت: «خَرَجْنَا مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحُرُمِ الْحَجِّ فَنَزَلْنَا سَرِفَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لأَِصْحَابِهِ: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلاَ، وفيه: أن النبي ﷺ خير الناس عند الميقات، وأن منهم من اعتمر، وأن النبي ﷺ لم يعتمر. وكذلك من ساق الهدي ـ عمرة مستقلة، قالت: فلم تكن عمرة ـ يعني عمرة مستقلة ـ بل عمرة مقرونة مع الحج.

وأن عائشة حاضت فدخل عليها النبي ﷺ وهي تبكي، فقال لها: فَلاَ يَضُِرْكِ أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ كُتِبَ عَلَيْكِ مَا كُتِبَ عَلَيْهِنَّ فَكُونِي فِي حَجَّتِكِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَرْزُقَكِهَا؛ لأن هذا مكتوب على بنات آدم في كتاب الله ، والكتابة من الصفات الفعلية لله، لا من الصفات الذاتية.

وفي الحديث من الفوائد:

1- دليل على أن من أراد العمرة من أهل مكة فإنه لا بد من أن يخرج من الحرم ويحرم من الحل.

2- جواز فسخ الحج إلى العمرة.

3- أن المُهدي لا يفسخ الحج إلى عمرة بل يبقى على إحرامه حتى ينحر هديه.

4- أن المعتمر إذا كان بمكة يحرم من الحل لا من مكة.

5- أن المرأة المعتمرة إذا حاضت وجاء الحج ولم تطهر أدخلت الحج على العمرة.

6- أن المعتمر إذا طاف فخرج إلى بلده، فإنه يجزئه من طواف الوداع كما فعلت عائشة، وهذا هو المراد من الترجمة.

المتن:

باب يَفْعَلُ فِي الْعُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الْحَجِّ

1789 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا عَطَاءٌ قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ يَعْنِي عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ أَوْ قَالَ صُفْرَةٌ، فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَقَالَ عُمَرُ: تَعَالَ أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْوَحْيَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَغَطِيطِ الْبَكْرِ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ.

الشرح:

قوله: «بَابٌ يَفْعَلُ فِي الْعُمْرَةِ مَا يَفْعَلُ فِي الْحَجِّ» ، هذه الترجمة معقودة لبيان أنه يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، يعني المراد: الطواف والسعي والحلق، بخلاف غيرها من الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة، فهذا خاص بالحج.

1789 وذكر في الباب حديثين، الأول: حديث يعلى بن أمية، وفيه قصة هذا الرجل الذي تضمخ بالطيب فقال له النبي ﷺ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، استدل بالحديث على أن المحرم إذا تطيب جاهلاً أو ناسيًا فلا شيء عليه. ولهذا لم يأمره النبي ﷺ بالفدية.

وكذا إذا أخذ شيئًا من شعره أو أظفاره أو لبس المخيط أو أخذ شيئًا من رأسه ناسيًا أو مخطئًا فلا شيء عليه؛ لقول الله تبارك وتعالى: رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البَقَرَة: 286] قال الله: قد فعلت [(221)]، ولهذا الحديث وهو دليل خاص بالمسألة أن هذا الرجل لما تضمخ بالطيب قال له النبي ﷺ: وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، ولم يأمره بفدية.

وفيه: أن النبي ﷺ يحصل له شدة من الوحي.

وأنه يحصل له «غَطِيطِ» . قال يعلى: «وَأَحْسِبُهُ قَالَ: كَغَطِيطِ الْبَكْرِ» ، وهو صغير الإبل، «فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ» ، يعني كشف الوحي «قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، ولم يقل عليك الفدية لأنه جاهل، ثم قال وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ؛ وأنق من الإنقاء، أو اتق من التوقي.

قوله: وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ، يعني: من الطواف والسعي.

المتن:

1790 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السِّنِّ: أَرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا فَلاَ أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: كَلاَّ لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا؛ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ فِي الأَْنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِْسْلاَمُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا.

زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ: مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلاَ عُمْرَتَهُ؛ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

الشرح:

1790 حديث عائشة رضي الله عنها، وذكرت فيه: بيان ما كانوا يفعلونه في الجاهلية، وأنهم كانوا يهلون لمناة ويطوفون بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام تحرجوا من الطواف بين الصفا والمروة؛ فأنزل الله هذه الآية لرفع الجناح.

وقد فهم عروة فهمًا خاطئًا لهذه الآية، وقال: «فَلاَ أُرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» ، فبينت له عائشة رضي الله عنها سبب النزول.

وفيه: دليل على أن معرفة سبب النزول يكون معينًا على فهم الآية. قالت عائشة: «كَلاَّ لَوْ كَانَتْ كَمَا تَقُولُ كَانَتْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا؛ إِنَّمَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ فِي الأَْنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ، وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ، وَكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِْسْلاَمُ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا [البَقَرَة: 158]» ، بينت له أن هذه الآية أنزلت في الأنصار؛ فإنهم كانوا يهلون لمناة وهو صنم لأهل المدينة ومن حولهم من أهل الساحل وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة. فلما جاء الإسلام سألوا النبي ﷺ، فأنزل الله هذه الآية التي فيها رفع الجناح.

قوله: «زَادَ سُفْيَانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ: مَا أَتَمَّ اللَّهُ حَجَّ امْرِئٍ وَلاَ عُمْرَتَهُ؛ لَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» ، هذا هو الشاهد حيث نفى تمام الحج والعمرة إن لم يطف صاحبهما بين الصفا والمروة؛ فكما يطوف ويسعى في الحج فإنه يطوف ويسعى أيضًا في العمرة.

وأما حكم السعي بين الصفا والمروة فلم تتعرض له الآية، فهو مسكوت عنه. وفيه للعلماء أقوال ثلاثة:

القول الأول: أنه ركن في الحج وركن في العمرة.

القول الثاني: أنه واجب يجبر بدم.

القول الثالث: أنه مستحب.

والأول أرجحها؛ أن السعي بين الصفا والمروة ركن في الحج وركن في العمرة.

والشاهد: أنه يفعل بالعمرة ما يفعل بالحج، يعني من السعي والطواف، بخلاف ما اختص به الحج.

واحتج به بعض العلماء كالشيخ محمد بن عثيمن رحمه الله على وجوب طواف الوداع للعمرة؛ لأنه قال: وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ.

والجمهور على أن طواف الوداع للعمرة مستحب وليس بواجب، وإنما الواجب طواف الوداع للحج خاصة.

وأما قوله: وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ يعني: مما يتفقان فيه.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد