المتن:
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَلاَ رَفَثَ
1819 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
باب قَوْلِ اللَّهِ : وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ
1820 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ.
الشرح:
1820 كرر البخاري رحمه الله هذا الحديث في ترجمتين: الترجمة الأولى: «بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَلاَ رَفَثَ [البَقَرَة: 197]» ، والترجمة الثانية «بَابُ قَوْلِ اللَّهِ: وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البَقَرَة: 197]» ؛ لأن الحديث مشتمل على شرطين: ألا يرفث، وألا يفسق.
وهناك شرط ثالث لحصول الثواب الكامل ، ألا وهو ترك الجدال؛ ولذلك قال البخاري رحمه الله: «بَابُ قَوْلِ اللَّهِ : الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البَقَرَة: 197].
قوله: مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ، أي: من حج مؤمنًا بالله ورسوله ﷺ عن إخلاص وصدق ومتابعة للنبي ﷺ.
قوله: فَلَمْ يَرْفُثْ الرفث: هو الجماع ودواعيه من تعلق بالنساء، وحتى الكلام في النساء وقت الإحرام داخل في الرفث.
قوله: وَلَمْ يَفْسُقْ، الفسوق يطلق على جميع المعاصي.
وأما الجدال فالمراد به الجدال بالباطل، وأما الجدال لإظهار الحق ورد الباطل فهذا مطلوب.
وهذا الحديث يدل ظاهره على أن الحج يكفر الذنوب: الصغائر والكبائر لكن بشرط اجتناب الرفث، والفسوق، والجدال.
وهذا إن تاب من الذنوب كلها، فإذا كان مصرًّا على كبيرة فإنه لا يتحقق فيه هذا الشرط، والكبيرة إما ترك فريضة أو فعل معصية كبيرة، كالزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، وقطيعة الرحم، والتعامل بالربا، وأكل الرشوة، وأذية الجار، والغيبة، والنميمة، فإن تاب من الذنوب كلها ولم يكن مصرًّا على كبيرة فإنه يحصل له هذا الثواب، ويرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، ليس عليه شيء من الذنوب.
والحديث موافق للآية الكريمة: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا [النِّسَاء: 31].
وأما حديث: الْحَجُّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ [(255)] الذي أخرجه مسلم في «صحيحه» ، فهو حديث مطلق، ومقيد بهذا الحديث، فيكون معناه: إن الحج يهدم ما كان قبله بشرط ترك الرفث، والفسوق، والجدال. والمعنى أنه يتوب حتى لا يكون مصرًّا على رفث أو فسوق، وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور.
وقال بعض العلماء: إن الحج يكفر الكبائر والصغائر، وهذا في الحج خاصة. وهذا قول معتبر، إلا أن الصلاة وهي أعظم من الحج اشترط النبي ﷺ في تكفيرها للذنوب اجتناب الكبائر، كما في حديث أبي هريرة عند الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه: الْصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعُةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانِ إِلَى رَمَضَانَ مُكفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ [(256)] فإذا كانت الصلاة وهي أعظم من الحج اشترط النبي ﷺ لتكفيرها الذنوب اجتناب الكبائر فالحج كذلك لابد أن يجتنب فيه الكبائر.