الشرح:
1920 قوله: «كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ تَكُونُ سُرْعَتِي أَنْ أُدْرِكَ السُّجُودَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» السجود المراد به الصلاة أي: صلاة الفجر، سميت سجودًا؛ لأن أهم الأركان السجود، والمعنى: إني أتسحر في أهلي ثم أسرع حتى أدرك الصلاة مع النبي ﷺ؛ ذلك أن التأخير أعون على التقوي على الصيام، أما ما يفعله بعض الناس من كونه يتسحر في نصف الليل أو قبل الفجر بساعتين أو ثلاث أو أربع، فهذا مخالف للسنة، والسنة أن يكون قبيل الفجر لكن يحتاط فلا يتأخر بحيث يخشى طلوع الفجر.
قوله: «أُدْرِكَ السُّجُودَ» . ذكر الحافظ ابن حجر أن في رواية الكشميهني: «السحور» ، والصواب: «السُّجُودَ» يعني: الصلاة؛ لأنه قد تسحر فكيف يدرك السحور؟!
المتن:
باب قَدْرِ كَمْ بَيْنَ السَّحُورِ وَصَلاَةِ الْفَجْرِ
1921 حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً.
الشرح:
1921 قوله: «تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَ الأَْذَانِ وَالسَّحُورِ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةً» . فيه: تأخير السحور إلى قبل الفجر بقدر خمسين آية من الترتيل يعني: عشر دقائق أو ربع ساعة فهذا هو السنة، ولأنه أعون على الصيام؛ فأنت إذا تسحرت في نصف الليل تذهب قوة السحور، لكن في آخر الليل تبقى قوة السحور في الصائم؛ ولأن الملائكة يصلون على المتسحرين: إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين [(399)]؛ ولأنه فيه مخالفة لأهل الكتاب, ففي الحديث: فَصْل مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ [(400)].
كل هذه الفوائد تفوت على الذين يتسحرون في نصف الليل، يأكلون أكلة واحدة تكون في منتصف الليل ثم ينامون، وإذا كان يستيقظ لصلاة الصبح فهذا على خير، ولكن إذا كان لا يصلي الصبح فهذه مصيبة، فبعض الناس يتسحر نصف الليل ولا يستيقظ إلا بعد شروق الشمس؟!
كيف يزعم أنه يحافظ على فريضة الصيام ويضيع فريضة الصلاة التي هي عمود الإسلام؟!
فالواجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل وأن يستيقظوا لصلاة الصبح، وإذا كان ولابد أن يفوت فضيلة السحور فيجب عليه أن يجعل الصلاة في وقتها ولا يؤخر الصلاة.
حديث: إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ، فَلَا تَصُومُوا [(394)] فهذا حديث من رواية العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وقد اختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه.
فالذين ضعفوه قالوا: إنما الممنوع أن يتقدم رمضان بصوم يوم أو يومين، أما قبل ذلك فلا بأس.
والذين صححوه قالوا: إن معنى الحديث إذا انتصف شهر شعبان فلا تصوموا بنية الاحتياط.
أما من صام من أول الشهر واستمر حتى تجاوز نصف الشهر فهذا لا بأس به؛ لما ثبت في الحديث الصحيح، أن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان النبي ﷺ يصوم شعبان إلا قليلاً» [(395)].
المتن:
باب بَرَكَةِ السَّحُورِ مِنْ غَيْرِ إِيجَابٍ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَأَصْحَابَهُ وَاصَلُوا وَلَمْ يُذْكَرْ السَّحُورُ
1922 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَاصَلَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَنَهَاهُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ؛ إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى.
1923 حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً.
الشرح:
استدل البخاري رحمه الله في هذه الترجمة على أن السحور مستحب وليس بواجب بأن النبي ﷺ وأصحابه واصلوا يومًا بعد يوم ولم يتسحروا، فدل على أن السحور ليس بواجب.
1922 قوله: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ وَاصَلَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ» الوصال: هو أن يصل الصائم الليل بالنهار ولا يأكل، فيصوم يومين متتاليين مع الليل، أو يصوم ثلاثة أيام مع ليلتين أو أربعة أيام مع ثلاث ليال، فالنبي ﷺ وأصحابه واصلوا ولم يُذكر السحور، يعني: واصلوا يومين، ولم يأكلوا في الليل، والوصال كان يفعله النبي ﷺ وهو من خصائصه ﷺ، ونهى الأمة عن فعله ﷺ، قال: لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر [(401)].
قوله: «فَنَهَاهُمْ، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ» نهاهم شفقة ورحمة بأمته ﷺ.
قوله: «قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ؛ إِنِّي أَظَلُّ أُطْعَمُ وَأُسْقَى، يعني: أنا أتحمل وأنتم لا تتحملون، فالصحابة أرادوا أن يقتدوا به، وأن يصلوا يومين ولا يأكلوا بالليل.
وقد اختلف العلماء في قوله ﷺ: أُطْعَمُ وَأُسْقَى فقال بعضهم: يؤتى بطعام من الجنة، وعلى هذا يكون الإطعام حسيًّا، وهذا قول ضعيف؛ لأنه لو كان يأكل طعامًا من الجنة لم يكن مواصلاً وكان مفطرًا.
وقيل: إن هذا الإطعام والسقي معنوي، وهو ما يفتح الله على نبيه ﷺ من مواد أنسه، ونفحات قدسه، والتلذذ بمناجاته وموارد لطفه مما يغنيه عن الطعام والشراب، وهذا هو الصواب. كما قال الشاعر:
لها أحاديث من ذكراك تلهيها | عن الطعام وتغنيها عن الزاد |
وقال بعضهم أيضاً في قوله: أَظَلُّ أُطْعَمُ، يعني: في النهار، ولو كان يطعم ويسقى في النهار ما كان صائمًا.
فالنبي ﷺ نهاهم عن الوصال وهو يواصل، فأرادوا أن يقتدوا به فنهاهم، ولكنهم لم ينتهوا رغبة في الخير، ورجاء أن يسمح لهم النبي ﷺ، فلم يتركوا الوصال، بل واصلوا معه ﷺ، فلما أبوا أن ينتهوا واصل بهم النبي ﷺ يومًا بعد يوم في آخر الشهر فصاموا يوم الثامن والعشرين، ثم صاموا الليل ولم يأكلوا، ثم صاموا يوم التاسع والعشرين، ثم رؤي الهلال، ولم يتم الشهر ثلاثين يومًا، فقال النبي ﷺ: لو تأخر الهلال لزدتكم يوم الثلاثين تصومونه [(402)] كالمنكّل لهم من باب التعزير، لمّا لم ينتهوا.
وللعلماء قولان في حكم الوصال:
القول الأول: أنه حرام؛ لأن النبي ﷺ نهى عنه.
القول الثاني: أنه مكروه، وهو الصواب: وليس حرامًا؛ لأن النبي ﷺ واصل بالناس لما لم ينتهوا ولو كان حرامًا لما فعل بهم الحرام، فالنبي ﷺ لا يفعل الحرام، فيكون وصاله بهم صارفًا للنهي عن الوصال من التحريم إلى التنزيه.
وكذلك بعض الصحابة كانوا يواصلون، فروي عن ابن الزبير وجماعة أنهم كانوا يواصلون اليومين والثلاثة، وكأنه اجتهاد منهم حتى روي عن عبدالله بن الزبير أنه واصل سبعة أيام، لا يأكل في الليل ولا في النهار، وهذه قوة عظيمة، فلعله تأول أنه يجد في نفسه قوة، وأن النهي لمن يشق عليه، وهو يرى أنه لا يشق عليه، فكان في اليوم السابع يجعل شيئًا من السمن حتى يلين الأمعاء قبل الأكل؛ لأنها تكون قد يبست، فهذا اجتهاد منه.
والصواب: أنه لا يشرع الوصال.
وهناك وصال جائز وهو الوصال إلى السحر يأكل أكلة واحدة في السحر في آخر الليل فيجعل عشاءه سحوره، وسحوره عشاءه، هذا لا بأس به وهو جائز؛ لما ثبت في الحديث أن النبي ﷺ قال: أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر [(403)] لكن الأفضل منه أن يبادر إلى الإفطار من حين غروب الشمس؛ لما جاء في الحديث القدسي: يقول الرب تعالى: أحب عبادي إلي أعجلهم فطراً [(404)].
فالأحوال ثلاثة للصائم:
الأولى: أن يبادر بالفطر من حين غروب الشمس؛ وهذا هو الأفضل، وهي حالة الكمال، كما جاء عن النبي ﷺ وأصحابه.
الثانية: أن يواصل إلى السحر، فيأكل مرة واحدة في آخر الليل، وهذا جائز.
الثالثة: أن يواصل يومين مع الليل لا يأكل وهذا مكروه أو حرام.
1923 قوله: تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً. فأكْلة السحور مستحبة، ودل الأمر بالسحور على الاستحباب، والصارف عن الوجوب هو وصال النبي ﷺ وأصحابه.
ففي السحور من الفوائد: بركة اتباع النبي ﷺ وامتثال أمره.
وفيه: مفارقة أهل الكتاب؛ لحديث: فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَكْلَةُ السَّحَرِ [(405)].
وفيه أيضًا: الحصول على الصلاة من الله وملائكته لحديث: إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين[(406)].
وفيه: النشاط والتقوي على الصيام والاستيقاظ في آخر الليل للذكر وقد يشاركه غيره في السحور، وقد يتصدق على فقير؛ هذه مصالح وفوائد في السحور؛ تفوت من ترك السحور.
المتن:
باب إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا
وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا لاَ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا.
وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ .
1924 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ رَجُلاً يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم نية الصوم بالنهار هل يصح أو لا يصح؟ قال: «بَابٌ إِذَا نَوَى بِالنَّهَارِ صَوْمًا» يعني: هل يصح مطلقاً أم لا؟
ذكر المؤلف أن ظاهر الأدلة أنه تصح نية الصوم بالنهار إذا كان نفلاً، وأما إذا كان فرضًا فلابد من أن يفرض النية بالليل.
قوله: «وَقَالَتْ أُمَّ الدَّرْدَاءِ: كَانَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُولُ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟» ، على حذف حرف الاستفهام أي: هل عندكم طعام؟
قوله: «فَإِنْ قُلْنَا لاَ قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ يَوْمِي هَذَا» ؛ فيفرض النية من النهار، لكن بشرط ألا يكون فعل شيئًا من المفطرات من الفجر إلى وقت النية.
قوله: «وَفَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةُ » فكلهم ينوون صيام النفل من النهار، لكن لا يكتب له الأجر إلا من حين نيته، فإذا أراد أن يصوم في الضحى الساعة التاسعة أو العاشرة أو قبل الظهر أو بعد الظهر له ذلك بشرط ألا يكون فعل شيئًا من المفطرات من الفجر إلى وقت نيته.
1924 قوله: «عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ رَجُلاً يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ: أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ. هذا قبل أن يفرض رمضان في السنة الأولى من الهجرة، فكان صوم عاشوراء واجبًا، ثم لما فرض رمضان نسخت فرضية عاشوراء، وصار صومه مستحبًا، فمن شاء صام ومن شاء ترك.
واستدل الجمهور بهذا الحديث ـ حديث سلمة ـ كما قال النووي[(407)]، على أن صوم النفل يجوز بنية من النهار إذا لم يفعل مفطرًا؛ لأن النبي ﷺ بعث منادياً: أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ، وَمَنْ لَمْ يَأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ، لكنه ما نوى إلا من النهار.
ومثل هذا الحديث ما في «صحيح مسلم» عن عائشة السابق رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله ﷺ ذات يوم، فقال: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قلنا: لا. قال: فَإِنِّي إِذَنْ صَائِمٌ [(408)] فدل على أن له أن يصوم في أثناء النهار.
وكذلك له أن يفطر؛ كما ثبت في تتمة حديث عائشة رضي الله عنها السابق حيث قالت: ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله أهدي لنا حيس. فقال: أَرِينِيهِ، فَلَقَدْ أَصْبَحْتُ صَائِمًا، فأكل.
وأما صوم الفريضة فيشترط له النية من الليل: كصوم رمضان أو صوم نذر أو كفارة، أو قضاء رمضان؛ ولا يجوز الإفطار إلا بعذر؛ لما ثبت في الحديث عن حفصة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ [(409)] وفي رواية الدارقطني: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يَفْرِضْهُ مِنَ اللَّيْلِ [(410)] وهذا الحديث أخرجه أصحاب «السنن» من حديث عبدالله بن عمر عن أخته حفصة.
وجمع العلماء بين الأحاديث في هذا بأن صوم الفرض لابد له من النية بالليل، وصوم النفل يجوز النية من النهار إذا لم يفعل مفطرًا.
وقال بعض العلماء: لابد من تبييت النية من الليل للصيام فرضًا كان أو نفلاً، وقال آخرون يصح الصوم بنية من النهار فرضًا أو نفلاً، وهذان القولان ضعيفان، والصواب: التفرقة بينهما كما فرقت الأحاديث، فالفريضة لابد أن ينويها من الليل، والنفل يجوز من النهار إذا لم يفعل مفطراً، لكن لا يُكتب له من الأجر إلا من وقت ما نوى.
وقال بعض العلماء: يجوز أن ينوي قبل الزوال، وأما بعد الزوال فلا، والصواب أن له أن ينوي، فلو كان ما أكل ولا شرب ولا جامع من أول النهار، ثم لما أصبح الساعة التاسعة أو العاشرة أو بعد الظهر فنوى الصيام، صح صومه.
المتن:
باب الصَّائِمِ يُصْبِحُ جُنُبًا
1925، 1926 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَأَبِي حِينَ دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ح.
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ أَخْبَرَ مَرْوَانَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.
وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَكَانَتْ لأَِبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَِبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلاَ مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ وَهُوَ أَعْلَمُ.
وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ، وَالأَْوَّلُ أَسْنَدُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الصائم إذا أصبح وعليه جنابة هل يصح صومه أم لا؟
1925، 1926 قوله: «أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» دليل على أن من أصبح جنبًا من جماع أو احتلام صح صومه، لكن بشرط أن يلزم الصوم، فيمتنع عن الأكل والشرب ثم يغتسل ولو بعد الفجر؛ لأن النبي ﷺ كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم.
ولو استيقظ متأخرًا وعليه جنابة من احتلام أو غير احتلام فإنه يبدأ بالسحور أولاً، فيأكل ويشرب، ثم يلزم الصوم، ثم يغتسل ولو بعد الفجر؛ لأن الحديث دليل على أن من أصبح جنبًا من جماع أو احتلام صح صومه بشرط أن يلزم الصوم قبل طلوعه، ثم يغتسل بعد طلوعه، ولكن عليه أن يبادر حتى يدرك الجماعة، وهذا هو الصواب الذي عليه الجمهور.
وقال بعض التابعين: لا صوم له. ثم ارتفع الخلاف، واستقر الإجماع على خلافه وهو أن صومه صحيح.
قوله: «وَقَالَ مَرْوَانُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ: أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ» . فقد كان أبو هريرة يفتي بأن من أدركه الفجر وهو جنب لا صوم له، فلما روى هذا الحديث عبد الرحمن بن الحارث لمروان وهو أمير المدينة، أقسم مروان على عبد الرحمن أن يخبر أبا هريرة بهذا الحديث؛ لأنه على خلاف فتواه.
قوله: «لَتُقَرِّعَنَّ بِهَا أَبَا هُرَيْرَةَ» أي: لتفزعن سَمْعَه حتى تعلمه إعلامًا صريحًا.
قوله: «وَمَرْوَانُ يَوْمَئِذٍ عَلَى الْمَدِينَةِ» أي: أمير المدينة.
قوله: «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ قُدِّرَ لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ» أي: إن عبدالرحمن بن الحارث ما أحب أن يأتيه، ثم لما التقى به في ذي الحليفة أخبره.
قوله: «وَكَانَتْ لأَِبِي هُرَيْرَةَ هُنَالِكَ أَرْضٌ» أي: مزرعة قريبة من ذي الحليفة بالمدينة، فهذا أبو هريرة الفقير الذي كان يسقط من الجوع صار له بعد ذلك مزرعة ، لأنه في آخر الأمر تولى وصار له إمارة.
قوله: «فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ لأَِبِي هُرَيْرَةَ: إِنِّي ذَاكِرٌ لَكَ أَمْرًا وَلَوْلاَ مَرْوَانُ أَقْسَمَ عَلَيَّ فِيهِ لَمْ أَذْكُرْهُ لَكَ» ، أي: لولا مروان ـ وهو أمير المدينة، فتجب طاعته ـ أقسم علي أن أخبرك ما ذكرته لك.
قوله: «فَذَكَرَ قَوْلَ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ» ، يعني: أن النبي ﷺ كان يصبح جنبًا ثم يصوم.
قوله: «فَقَالَ: كَذَلِكَ حَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ» . فالفضل بن العباس أخو عبدالله حدث أبا هريرة بمثل هذا الحديث.
قوله: «وَهُوَ أَعْلَمُ» ، في رواية: «وهن أعلم» ، أي: أمهات المؤمنين؛ وهذا دليل على أن أبا هريرة رجع إلى فتوى عائشة وأم سلمة.
قوله: «وَقَالَ هَمَّامٌ وَابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَأْمُرُ بِالْفِطْرِ، وَالأَْوَّلُ أَسْنَدُ» يعني: أن الأول أقوى وأصح سندًا؛ لكونه جاء من طرق كثيرة بمعنى واحد، وهو عدم الفطر لمن أصبح جنبًا.
المتن:
باب الْمُبَاشَرَةِ لِلصَّائِمِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: يَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْجُهَا.
1927 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ: عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ.
الشرح:
قولها: «وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لِإِرْبِهِ» لإربه بالكسر: أي عضوه، والعضو هو الفرج؛ وأما لأربه بفتح الهمزة فالمراد: الحاجة.
المتن:
وَقَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَآرِبُ حَاجَةٌ.
قَالَ طَاوُسٌ أُولِي الإِرْبَةِ الأَْحْمَقُ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ.
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم مباشرة الصائم لزوجته، هل يؤثر في الصيام أو لا يؤثر؟
1927 قولها: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُقَبِّلُ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ» . الحديث دليل على جواز تقبيل الصائم ومباشرته، وأن صومه صحيح، لكن إن خرج منه مني فسد صومه، وإن خرج منه مذي فعلى قولين للعلماء، أصحهما أنه لا يفسد صومه؛ لأن المذي يبتلى به الإنسان، وقيل: يفسد صومه بالمذي، وهو المذهب عند الحنابلة[(411)]، لكن إن كان الصائم يخشى من المباشرة أو القبلة خروج المني لكونه سريع الإنزال وجب عليه ترك المباشرة؛ لأن حفظ الصيام عن الإفساد واجب؛ وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن وقع منه إنزال المني وهو صائم فلا يخلو إما أن يكون خرج منه المني باختياره أو بغير اختياره، فإن خرج منه المني باختياره فسد صومه، كأن يباشر أو يقبل مختارًا، وكذلك إذا كرر النظر وأنزل، وعليه قضاء ذلك اليوم، ولا كفارة عليه إلا في الجماع.
وأما من وقع منه الإنزال بغير اختياره فإنه لا يفسد صومه، كإنسان فكر ثم أنزل بدون اختياره، أو أنزل في النوم باحتلام، أو نظر نظرة واحدة وكف فأنزل بدون اختياره، فهذا صومه صحيح.
قوله: «وَقَالَ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: إِنْ نَظَرَ فَأَمْنَى يُتِمُّ صَوْمَهُ» . هذا محمول على النظرة الواحدة التي نظرها بدون قصد ولم يكررها، فهذه معفو عنها.
المتن:
باب الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ
وقال جابر بن زيد: إن نظر فأمنى يتم صومه.
1928 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ ح.
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضَحِكَتْ.
1929 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا رضي الله عنهما قَالَتْ: بَيْنَمَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْخَمِيلَةِ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي فَقَالَ: مَا لَكِ أَنَفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ وَكَانَتْ هِيَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم القبلة للصائم.
هذان الحديثان اللذان ذكرهما المؤلف عن عائشة وأم سلمة فيهما إباحة القبلة للصائم، وأن الصائم له أن يقبل، لكن إن كان يخشى من تحرك شهوته أو أنه لا يملك نفسه وجب عليه أن يمتنع حفاظًا على الصوم حتى لا يتسبب في إفساده، وإن كان لا يخشى شيئًا فلا بأس، وإذا أنزل بقبلة فسد الصوم وعليه قضاء ذلك اليوم وليس عليه كفارة، فالكفارة خاصة بالجماع.
1928 قولها: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ ضَحِكَتْ» ضحكت تعجبًا ممن خالف هذا، أو أنها تعجبت من نفسها حيث تحدثت بمثل هذا الذي يستحيي النساء من قول مثله للرجال، لكن هذا للضرورة، وهي تبليغ العلم؛ وقد يكون الضحك خجلاً من إخبارها عن نفسها بذلك.
1929 قولها: «وَكَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ» . هذا هو الشاهد، وفيه جواز النوم مع الحائض، والاضطجاع معها، وهذا لا حرج فيه، إنما الممنوع الجماع.
المتن:
باب اغْتِسَالِ الصَّائِمِ
وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلاً.
وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ.
وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ اسْتَاكَ وَهُوَ صَائِمٌ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَلاَ يَبْلَعُ رِيقَهُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لاَ أَقُولُ يُفْطِرُ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ قِيلَ لَهُ: طَعْمٌ قَالَ: وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ.
وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا.
1930 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَأَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ.
1931 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ بْنِ هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ كُنْتُ أَنَا وَأَبِي فَذَهَبْتُ مَعَهُ حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَصُومُهُ.
1932 ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: مِثْلَ ذَلِكَ
الشرح:
قوله: «بَابُ اغْتِسَالِ الصَّائِمِ» هذه الترجمة ذكرها المؤلف رحمه الله لبيان ما يجوز للصائم فعله من الاغتسال، والتبرد، والسواك، والتطعم بالماء، ثم ذكر رحمه الله آثارًا ثم استدل عليها بالأحاديث، وليس عنده من الأحاديث المسندة إلا حديث اغتسال النبي ﷺ بعد الفجر، يعني: يجوز ذلك وأن الصائم لا بأس له أن يغتسل للجنابة، ولا حرج عليه.
قوله: «وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ» . فكون الإنسان يتبرد ويغتسل وينام تحت المكيف وتحت الزروع لا بأس ولا حرج فيه.
قوله: «وَدَخَلَ الشَّعْبِيُّ الْحَمَّامَ وَهُوَ صَائِمٌ» ، يعني: دخل الحمام ليغتسل فلا بأس بذلك، ولا يؤثر في الصوم.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَتَطَعَّمَ الْقِدْرَ أَوْ الشَّيْءَ» ، يعني: يتذوق الطعام؛ ليعرف أهو يحتاج إلى ملح أم لا؟ لكن الرجل الذي يطبخ أو المرأة التي تطبخ في البيت تتطعم ثم تلفظه.
قوله: «وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ» ، فيتمضمض ثم يلفظه ويلقيه، أو يتبرد، فلا بأس.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِذَا كَانَ صَوْمُ أَحَدِكُمْ فَلْيُصْبِحْ دَهِينًا مُتَرَجِّلاً» . فلو تدهن الصائم وسرح شعره لا يؤثر.
قوله: «وَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ لِي أَبْزَنَ أَتَقَحَّمُ فِيهِ وَأَنَا صَائِمٌ» ، يعني: حوضًا منقورًا من الحصى، يملؤه ماءً ثم ينغمس فيه للتبرد فلا حرج في ذلك.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَسْتَاكُ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَلاَ يَبْلَعُ رِيقَهُ» . فيذكر عن النبي ﷺ أنه استاك وهو صائم، فلا بأس بالسواك، وإذا كان في ريقه قطع من السواك لا يبلعه؛ وهذا هو الصواب أن الصائم له أن يستاك في أول النهار وآخره؛ وذهب بعض العلماء إلى أنه يستاك في أول النهار ولا يستاك في آخره، وقالوا: إن السواك في آخر النهار مكروه؛ ذهب إلى هذا الحنابلة[(413)] وجماعة. وقالوا: إن قوله ﷺ: لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ [(414)] يقتضي أن يبقى الخلوف، فإذا تسوك أزال رائحة الخلوف. والصواب أنه يستاك، فالخلوف لا يزيله السواك؛ الخلوف منبعث من خلو المعدة من الطعام والشراب فهو موجود سواء تسوك أو لم يتسوك، فالصواب أنه يشرع السواك في أول النهار وآخره ولكن بشرط أن يكون السواك لا يتفتت ولا يذهب الفتات إلى الحلق، وكذلك لا يكون قويًّا يجرح اللثة، وألا يكون فيه شيء آخر مما تضعه الناس ليعطيه طَعْمًا، كما يفعل بعض الناس يضع فيه شيئًا أو مادة للطعم أو شيئا حارًّا.
قوله: «وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ ازْدَرَدَ رِيقَهُ لاَ أَقُولُ يُفْطِرُ» ، يعني: يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه، وإن ازدرد ريقه لا أقول يفطر. فإن كان ريقًا عاديًّا ما كان فيه شيء، أما إذا كان فيه طعم شيء كان في فمه فيجب أن يلفظه.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ قِيلَ لَهُ: طَعْمٌ قَالَ: وَالْمَاءُ لَهُ طَعْمٌ وَأَنْتَ تُمَضْمِضُ بِهِ» ، يعني: لا يضر.
قوله: «ولم ير أنس والحسن وإبراهيم بالكحل للصائم بأسا» . قال بعض أهل العلم: إذا وجد طعم الكحل في الحلق أفطر. فالأحوط الترك، ولكن الأصل أنه لا يفطر؛ لأن العين ليست منفذًا بخلاف الأنف.
1930 قولها: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ حُلْمٍ فَيَغْتَسِلُ وَيَصُومُ» أي: يغتسل بعد الفجر وهو صائم.
1931، 1932 قولها: «إِنْ كَانَ لَيُصْبِحُ جُنُبًا مِنْ جِمَاعٍ غَيْرِ احْتِلاَمٍ ثُمَّ يَصُومُهُ» . فالشاهد من الحديثين: أن النبي ﷺ اغتسل بعد طلوع الفجر وهو صائم؛ فدل على جواز الاغتسال للصائم، وأنه لا حرج في ذلك.
المتن:
باب الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ نَاسِيًا
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ فِي حَلْقِهِ لاَ بَأْسَ إِنْ لَمْ يَمْلِكْ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ دَخَلَ حَلْقَهُ الذُّبَابُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ: إِنْ جَامَعَ نَاسِيًا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
1933 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الأكل والشرب والجماع للصائم وهو ناسٍ، من حيث فساد صومه أو صحته.
1933 قوله: إِذَا نَسِيَ فَأَكَلَ وَشَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ؛ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ. فالحديث دليل على أن من أكل أو شرب ناسيًا فصومه صحيح، ولا قضاء عليه ولا كفارة، ولا إثم.
وهذا الذي عليه الجمهور، ومثله من جامع ناسيًا، فصومه صحيح في أصح قولي العلماء.
وذهب الإمام مالك رحمه الله[(415)] إلى أن من أكل أو شرب ناسيًا فعليه القضاء؛ لأن صومه باطل؛ لأن الصوم قد فات ركنه، فركنه الامتناع عن الأكل والشرب، فإذا أكل أو شرب فصومه باطل ولكن حديث النبي ﷺ وهو حديث الباب يرد على مالك قوله، فقول مالك مردود عليه كما حكم مالكٌ بذلك؛ حيث ثبت عن مالك أنه قال: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا رسول الله ﷺ.
فالصواب القول الأول أن من أكل أو شرب ناسيًا فصومه صحيح، وكذلك لو جامع ناسيًا.
قال بعض العلماء: إذا جامع ناسيًا فسد صومه وعليه القضاء، وهذا ضعيف، وحجة من أوجب القضاء على المجامع أنه قال: الجماع له مقدمات فلا يمكن وقوعه ناسيًا، يقال له: كذلك الأكل له مقدمات، فإذا كان ناسيًا فالنسيان لا حيلة فيه ويستوي في ذلك الأكل والشرب والجماع على الصحيح.
وقد يقول البعض: كيف تكون المساواة بين الصائم إذا جامع ناسيًا مع من أكل أو شرب ناسيًا، مع أن النص جاء بالأكل والشرب فقط، ومن المعلوم أنه لا قياس في العبادات، ومثله نهي الرسول ﷺ عن الأكل متكئًا[(416)].
قال بعض العلماء: لا يقاس الشرب عليه، فلا نهي عن الشرب متكئًا؟!
والجواب: أن الحكم واحد؛ لأن العلة واحدة وهي النسيان فالمعنى واحد والحكم واحد.
وأما مسألة المرأة التي يجامعها زوجها في نهار رمضان وهي جاهلة بالحكم فإن الواجب عليها القضاء؛ لأنها لا تعذر بالجهل فيجب عليها أن تسأل، وليس الجهل كالنسيان، فالنسيان لا حيلة فيه، لكن الجهل لا تعذر به؛ لأنها تجد العلماء ولا تسألهم، وعليها التوبة والكفارة إن كانت تستطيع وهي العتق، فإن لم تجد صامت شهرين متتابعين، فإن عجزت أطعمت ستين مسكيناً عن كل يوم.
المتن:
باب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ
وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لاَ أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ.
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ.
وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ.
وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ.
وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ.
1934 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ حُمْرَانَ رَأَيْتُ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ نَحْوَ وَضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان أن الصائم له أن يستخدم السواك الرطب واليابس مطلقًا في أول النهار وآخره.
وأما حديث: إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشي [(417)] فهو حديث ضعيف، لا يحتج به.
وقال بعض أهل العلم: يحتج بهذا الحديث على أنه يكره السواك في آخر النهار حتى لا يزيل الخلوف، والصواب أن الصائم له أن يستاك مطلقًا؛ ولهذا ذكر المؤلف رحمه الله آثارًا تؤيد ذلك.
قوله: «وَيُذْكَرُ عَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَسْتَاكُ وَهُوَ صَائِمٌ مَا لاَ أُحْصِي أَوْ أَعُدُّ» . في الحديث: ضعف؛ لهذا علق المؤلف إسناده بصيغة التمريض.
قوله: «وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ وفي رواية: مَعَ كُلِّ صَلاَةٍ [(418)].
ووجه الدلالة: أن النبي ﷺ لم يستثن الصائم، بل عمم مشروعية السواك، فدل على مشروعيته للصائم وغير الصائم.
قوله: «وَيُرْوَى نَحْوُهُ عَنْ جَابِرٍ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ» كلهم يروون مشروعية السواك.
قوله: «وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ» . هذا وجه الدلالة.
قوله: «وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ. هذا الحديث رواه النسائي بسند جيد[(419)]، وقد علقه المؤلف بصيغة الجزم، فإذا كان هذا وصف السواك فكيف يحرم الصائم منه وهو مطهرة للفم مرضاة للرب؟! لكن ينبغي أن يكون السواك لينًا لا يجرح اللثة، وألا يكون فيه طعم، كنعناع أو حرارة، أو غير ذلك.
قوله: «وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ: يَبْتَلِعُ رِيقَهُ» يعني: أنه مباح لا شيء فيه.
1934 قوله: «رَأَيْتُ عُثْمَانَ تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُسْرَى إِلَى الْمَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى ثَلاَثًا، ثُمَّ الْيُسْرَى ثَلاَثًا» . هكذا وصف حمران وضوء عثمان .
قوله: «ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ تَوَضَّأَ نَحْوَ وَضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ إِلاَّ غُفِرَ لَه مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ هذا دليل على أن الوضوء وصلاة ركعتين بدون حديث النفس من أسباب مغفرة الذنوب الماضية.
وإذا غسل اليسرى قبل اليمنى صح وضوءه عند الجمهور، وقيل: لا يصح لحديث: ابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ [(420)] فالأولى أن يبدأ باليمنى من باب الاحتياط.
والحديث: دليل على جواز استعمال السواك الرطب قياسًا على أن المتوضئ يتمضمض فالماء يدخله الصائم في فمه وهو رطب فكذلك السواك الرطب، والنبي ﷺ ما فرق بين الصائم وغيره.
وأما بلع الريق بعد التسوك فإذا لم يكن في السواك شيء فلا بأس، وأما إذا كان فيه شيء كحرارة أو نعناع فلا يبتلعه.
واستعمال المعجون لا بأس به، ولكن تركه أولى؛ لأن له نفوذًا قويًّا.
المتن:
باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ وَلَمْ يُمَيِّزْ بَيْنَ الصَّائِمِ وَغَيْرِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ وَيَكْتَحِلُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لاَ يَضِيرُهُ إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ وَمَاذَا بَقِيَ فِي فِيهِ، وَلاَ يَمْضَغُ الْعِلْكَ فَإِنْ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ لاَ أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ فَإِنْ اسْتَنْثَرَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ لاَ بَأْسَ لَمْ يَمْلِكْ.
الشرح:
ذكر المؤلف رحمه الله الترجمة، وذكر الآثار، ولم يذكر شيئًا من الأحاديث؛ لأنه لم يثبت على شرطه شيء، وهذا من دقائق فقه البخاري رحمه الله، فإنه لا يترك بابًا إلا وطرقه، وبحثه من جميع النواحي ويستدل بالآثار، ولو من بُعد.
قوله: «بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: إِذَا تَوَضَّأَ فَلْيَسْتَنْشِقْ بِمَنْخِرِهِ الْمَاءَ ، ولم يميز بين الصائم وغيره» ؛ فهذا دليل على مشروعية الاستنشاق للصائم.
قوله: «وَقَالَ الْحَسَنُ: لاَ بَأْسَ بِالسَّعُوطِ لِلصَّائِمِ إِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى حَلْقِهِ وَيَكْتَحِلُ» . فالسعوط يكون في الأنف، فلا بأس به للصائم إن لم يصل إلى حلقه؛ لأن الصائم يستنشق الماء فكذلك السعوط، والأولى ترك السعوط؛ لأنه يخشى وصوله إلى الحلق؛ ولأن الأنف منفذ؛ لقول النبي ﷺ في حديث لقيط بن صبرة: وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا [(421)] بخلاف العين والأذن فإن منفذهما ضعيف، ولهذا إذا قطر في أذنه أو في عينه فلا يؤثر على الصحيح.
وكذلك الكحل فله أن يكتحل، والأولى ترك ذلك أو تأخيره إلى الليل؛ لقول بعض العلماء: إذا وجد طعم الكحل في حلقه أفطر.
فإذا صام قضى احتياطًا فهو أولى وإلا فالأصل أنه ليس منفذًا.
قوله: «وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ أَفْرَغَ مَا فِي فِيهِ مِنْ الْمَاءِ لاَ يَضِيرُهُ إِنْ لَمْ يَزْدَرِدْ رِيقَهُ» يعني: إذا لم يبق شيء، فإذا زال ولم يبق شيء فالمضمضة لا تؤثر.
قوله: «وَلاَ يَمْضَغُ الْعِلْكَ فَإِنْ ازْدَرَدَ رِيقَ الْعِلْكِ لاَ أَقُولُ إِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ» هذا قول عطاء، ولكن ينبغي ترك العلك للصائم؛ لأنه يتحلل منه طعم كالحلوى، ولا وجه لتوقف عطاء هنا في العلك بل الصواب أنه يفطر؛ فالعلك ليس مثل الماء.
واذا استنثر ثم تحرك الماء إلى حلقه بدون اختياره، أو صار إلى حلقه ذباب أو غبار فصومه صحيح؛ لأن هذا بدون اختياره، ويعفى عنه.
المتن:
باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ.
وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ.
1935 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ بْنَ هَارُونَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ أَخْبَرَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: إِنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّهُ احْتَرَقَ، قَالَ: مَا لَكَ؟، قَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ، فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِمِكْتَلٍ يُدْعَى الْعَرَقَ، فَقَالَ: أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ؟ قَالَ: أَنَا قَالَ: تَصَدَّقْ بِهَذَا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الجماع في نهار رمضان، وكون المجامع غير معذور إذا جامع مختارًا، وأراد المؤلف بهذه الترجمة أن يبين أن الحكم في الجماع عمدًا يوجب الكفارة المغلظة والمرتبة كما ذكر الله ، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يجد فيطعم ستين مسكينًا مثل كفارة الظهار، وعليه التوبة، وعليه قضاء ذلك اليوم.
أما الفطر بالأكل والشرب عمدًا فهو كبيرة من كبائر الذنوب، واختلف فيه السلف على قولين: أرجحهما وجوب القضاء إذا أكل أو شرب متعمدًا.
وقال بعض أهل العلم: لا يقضي؛ لأن ذنبه عظيم أكبر من القضاء، وقال آخرون: يقضي مع التوبة والاستغفار.
قوله: «وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَلاَ مَرَضٍ لَمْ يَقْضِهِ صِيَامُ الدَّهْرِ وَإِنْ صَامَهُ. وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ» ، أي: وهو قول ابن مسعود، وهكذا ذكر المؤلف رحمه الله التعليق بصيغة التمريض، والمعنى: أن المفطر عمدًا لا يقضي وهو قول ضعيف لاضطراب الحديث الذي استدلوا به، فالصواب القضاء مع عظم الذنب الذي ارتكبه.
قوله: «وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَإِبْرَاهِيمُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادٌ يَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ» هذا هو الصواب، أن من أفطر عمدًا بغير جماع يقضي يومًا مكانه مع التوبة.
1935 ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث المجامع في نهار رمضان واختصره، لكن سيأتي به المؤلف بعد ذلك مفصلاً.
وفيه: دليل على وجوب الكفارة على من جامع في نهار رمضان، وفيه أن الكفارة على الترتيب وأنها مثل كفارة الظهار، فهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يجد فإطعام ستين مسكينًا، وأنها تسقط عند العجز، وقيل: لا تسقط، لقول النبي ﷺ: تَصَدَّقْ بِهَذَا. لكن قال بعض العلماء: تسقط؛ لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس أو العيال.
وفي هذا الحديث دليل على أن الإفطار في رمضان من غير عذر للجماع أو غيره كبيرة؛ لأن النبي ﷺ أقر هذا الرجل على قوله: «إِنَّهُ احْتَرَقَ»، فقال: «أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ؟»، وفي لفظ أن الرجل قال: هلكت وأهلكت، وأن النبي ﷺ قال: مَا أَهْلَكَكَ؟، قال: أَصَبْتُ أَهْلِي فِي رَمَضَانَ [(422)].
وفيه: دليل على أن المعاصي هلاك وأنها سبب في الوصول إلى النار التي تحرق الإنسان، والواجب التوبة من المعاصي.
المتن:
باب إِذَا جَامَعَ فِي رَمَضَانَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ
1936 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ: مَا لَكَ؟، قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا؟، قَالَ: لاَ قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟، قَالَ: لاَ فَقَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟، قَالَ: لاَ قَالَ: فَمَكَثَ النَّبِيُّ ﷺ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟، فَقَالَ: أَنَا قَالَ: خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ، فَقَالَ: الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ.
الشرح:
1936 هذا هو الحديث السابق في الترجمة السابقة، أعاده المؤلف لاستنباط الأحكام.
قوله: «فَتُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَلْيُكَفِّرْ» . فيه: إشارة من المؤلف أن الإعسار لا يُسقط الكفارة، بل تبقى في ذمته، وهذا قول الجمهور.
وهذا الرجل جامع وليس عنده شيء، فجيء بعَرَق: وهو المكتل، فتُصُدِّق عليه. وهذا دليل على أن الإعسار لا يُسقط الكفارة، بل تبقى في ذمته، وهو قول الجمهور وظاهر اختيار البخاري.
وقال بعض أهل العلم: إن الكفارة تسقط بالعجز والإعسار؛ واستدلوا بأن النبي ﷺ قال: «أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ» والكفارة لا تصرف إلى النفس أو الأهل، ولم يبين النبي ﷺ استقرارها في ذمته إلى حين يساره، بل سكت، فدل على أنها سقطت، وهذا اختيار شيخنا الشيخ ابن باز رحمه الله.
وفيه أيضًا: دليل على أن الجماع في نهار رمضان كبيرة لإقرار النبي ﷺ للرجل على قوله: هَلَكْتُ.
وفيه: دليل على أن الكفارة على الترتيب، فهي عتق رقبة، فإن لم يجد صام شهرين متتابعين، فإن لم يجد أطعم ستين مسكينًا.
واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن المجامع في نهار رمضان يعطى من الكفارة إذا كان فقيرًا.
المتن:
باب الْمُجَامِعِ فِي رَمَضَانَ هَلْ يُطْعِمُ أَهْلَهُ مِنْ الْكَفَّارَةِ إِذَا كَانُوا مَحَاوِيجَ
1937 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ الأَْخِرَ وَقَعَ عَلَى امْرَأَتِهِ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ: أَتَجِدُ مَا تُحَرِّرُ رَقَبَةً، قَالَ: لاَ قَالَ: فَتَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟، قَالَ: لاَ قَالَ: أَفَتَجِدُ مَا تُطْعِمُ بِهِ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟، قَالَ: لاَ قَالَ: فَأُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ وَهُوَ الزَّبِيلُ قَالَ: أَطْعِمْ هَذَا عَنْكَ، قَالَ: عَلَى أَحْوَجَ مِنَّا مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ مِنَّا قَالَ: فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ.
الشرح:
1937 هذا الحديث كرره المؤلف؛ لاستنباط الأحكام.
قوله: فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ. استدل به بعض أهل العلم على أن المجامع في نهار رمضان يطعم أهله من الكفارة إذا كانوا محاويج.
وقال آخرون من أهل العلم: لا يطعم أهله من الكفارة؛ لأن الكفارة لا تصرف إلى النفس أو العيال، والذي أذن له في صرفها إلى أهله ليس على سبيل الكفارة، إنما على سبيل الصدقة، والكفارة تبقى في ذمته.
وقيل: إن الكفارة سقطت عنه بالإعسار.
قوله: «إِنَّ الأَْخِرَ» بهمزة غير ممدودة، يعني: الأبعد، يقصد نَفْسَهُ.
المتن:
باب الْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ لِلصَّائِمِ
وَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِذَا قَاءَ فَلاَ يُفْطِرُ إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلاَ يُولِجُ.
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَالأَْوَّلُ أَصَحُّ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ.
وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً.
وَيُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأُمِّ سَلَمَةَ احْتَجَمُوا صِيَامًا.
وَقَالَ بُكَيْرٌ: عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلاَ تَنْهَى.
وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ.
وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ، قِيلَ لَهُ: عَنْ النَّبِيِّ ﷺ؟ قَالَ: نَعَمْ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَعْلَمُ.
1938 حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ.
1939 حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ صَائِمٌ.
1940 حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ ثَابِتًا الْبُنَانِيَّ يَسْأَلُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ وَزَادَ شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ.
الشرح:
قوله: «بَابُ الْحِجَامَةِ وَالْقَيْءِ لِلصَّائِمِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الحجامة والقيء للصائم، والآثار التي ذكرها تابعة للترجمة يذكرها المؤلف رحمه الله ليؤيد بها الترجمة ثم يعقبها بالأحاديث فتكون دليلاً عليها، وهذه طريقة البخاري رحمه الله في تراجمه.
قوله: «وَقَالَ لِي يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ: حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلاَّمٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ إِذَا قَاءَ فَلاَ يُفْطِرُ» يعني: إذا قاء بدون أن يستدعي القيء، أما إذا قاء عامدًا واستدعى القيء فإنه يفطر على الصحيح، وورد فيه حديث: من ذرعه القيء فلا شيء عليه، ومن استقاء عامدًا فيفطر [(424)] واستقاء عامدًا يعني أدخل أصبعه في حلقه، أو غمز بطنه، أو نظر شيئًا فقاء فهذا يفطر، أما إذا تقيأ بدون اختياره فلا شيء عليه على الصحيح.
قوله: «إِنَّمَا يُخْرِجُ وَلاَ يُولِجُ» ، يعني: يصح الصوم مع خروج القيء، بخلاف ما إذا وصل إلى جوفه شيء فإنه يفطر.
قوله: «وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُفْطِرُ وَالأَْوَّلُ أَصَحُّ» يعني: كان أبو هريرة له قولان:
القول الأول: أنه لا يفطر.
القول الثاني: أنه يفطر، والأول أصح، يعني أن القول بأنه لا يفطر إذا تقيأ بدون اختياره أصح.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: الصَّوْمُ مِمَّا دَخَلَ وَلَيْسَ مِمَّا خَرَجَ» . الصوم من الذي يدخل في الجوف لا الذي يخرج، ولكن هذا حكم الأغلب وليس عامًّا؛ لأن الحيض الذي يأتي المرأة مما يخرج، وكذلك الحجامة مما يخرج، ولا شك أن الحيض مبطل للصوم وهناك خلاف في الحجامة.
قوله: «وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ تَرَكَهُ فَكَانَ يَحْتَجِمُ بِاللَّيْلِ.
وَاحْتَجَمَ أَبُو مُوسَى لَيْلاً.
وَيُذْكَرُ عَنْ سَعْدٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَأُمِّ سَلَمَةَ احْتَجَمُوا صِيَامًا.
وَقَالَ بُكَيْرٌ: عَنْ أُمِّ عَلْقَمَةَ كُنَّا نَحْتَجِمُ عِنْدَ عَائِشَةَ فَلاَ تَنْهَى» .
قوله: «وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مَرْفُوعًا فَقَالَ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ.
وَقَالَ لِي عَيَّاشٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ مِثْلَهُ» . فيهما أن الحجامة تفطر فالآثار بعضها فيه ما يدل على أن الحجامة تُفَطّر، وبعضها فيه ما يدل على أنها لا تُفْطِر.
1938، 1939 ذكر حديثي ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم»، «حْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ وَهُوَ صَائِمٌ» وسبق الكلام عليه في الحديث السابق.
1940 قوله: «يَسْأَلُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ وَزَادَ شَبَابَةُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ»
من أجل هذه الآثار اختلف العلماء في القيء والحجامة للصائم، هل يفسدان الصوم أو أحدهما يفسد والآخر لا يفسد؟
أما القيء ففيه ثلاثة أقوال للعلماء :
فالجمهور على التفرقة قالوا: فيه تفصيل بين من سبقه القيء وذرعه بدون اختياره فلا يفطر، وبين من تعمده فإنه يفطر، واعتمدوا في ذلك على حديث: مَنْ ذَرَعَهُ القَيْءُ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ [(425)] وهذا هو الصواب.
وقال بعض العلماء: لا يفطر مطلقًا تعمد أو لا، وهو ظاهر اختيار المصنف البخاري رحمه الله.
وقيل: يفطر مطلقًا.
وأما الحجامة للصائم فمختلف فيها أيضًا، والجمهور على أن الحجامة لا تفطر مطلقًا، واستدلوا بحديث الباب: «َنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» ، وحديث أنس أنه سئل: «أَكُنْتُمْ تَكْرَهُونَ الْحِجَامَةَ لِلصَّائِمِ؟ قَالَ: لاَ إِلاَّ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ» .
وذهب الإمام أحمد[(426)] وبعض الشافعية[(427)] إلى أن الحجامة تفطر، وهو قول بعض الصحابة وبعض التابعين، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(428)] والعلامة ابن القيم رحمه الله[(429)] والشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وهذا القول هو الأرجح والأحوط، فإذا احتجم فإنه يقضي ذلك اليوم.
ويقاس على الحجامة الفصد وسحب الدم بإبرة إذا كان الدم كثيرًا، أما القليل من الدم الذي يخرج من رأس الإصبع للتحليل فلا شيء عليه، وكذلك الرعاف والجراحات لا تؤثر.
وقال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد»[(430)]: حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم واحتجم وهو صائم» لا يتم للجمهور الاستدلال به على أن الحجامة لا تفطر، إلا إذا تمهدت أربعة أمور فنستطيع حينئذ أن نقول إن الحجامة لا تفطر:
أحدها: أن يكون النبي ﷺ احتجم في صيام الفرض لا في صيام النفل، فيحتمل أن يكون النبي ﷺ احتجم في صيام وحينئذ فلا بأس أن يفطر.
الثاني: أن يكون احتجم وهو مقيم غير مسافر فالنبي ﷺ يحتمل أن يكون احتجم وهو مسافر؛ لأن المسافر له أن يفطر.
الثالث: ألا يكون منسوخًا، فيحتمل أن يكون النبي ﷺ احتجم ثم قال: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، يعني: فيكون قوله نَسَخ الحكم السابق.
الرابع: أن يكون احتجم وهو صحيح غير مريض؛ لأنه يحتمل أن يكون احتجم لأنه مريض، والمريض يصح له أن يفطر.
فإذا تمهدت هذه الأمور الأربعة أمكن الاستدلال بالحديث على أن الحجامة لا تفطر الصائم، وهي أن يكون احتجم صحيحًا مقيماً في صوم الفريضة بعد قوله: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ.
أما إذا لم تتمهد هذه الأمور الأربعة فلا يمكن الاستدلال بحديث ابن عباس رضي الله عنهما على أن الحجامة لا تفطر.
واستدل الإمام أحمد[(431)] ومن معه على أن الحجامة تفطر الصائم بحديث شداد بن أوس[(432)] وثوبان[(433)] أن النبي ﷺ قال: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، أما الحاجم فيفطر عقوبة له، وأما المحجوم فلخروج الدم.
وأجاب الجمهور عن حديث شداد بأجوبة، منها:
الأول: ترجيح حديث ابن عباس على حديث شداد، وقالوا: إن حديث ابن عباس أصح سندًا من حديث شداد.
الثاني: أنهم تأولوا قول النبي ﷺ: أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، فأولوه بما سيئول إليه، والمعنى أنهما سيفطران، يعني سيئول أمرهما إلى الفطر، كقوله تعالى: قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا [يُوسُف: 36]. وفسر له يوسف بأنه سوف يخرج من السجن ويعصر الخمر، ولا يخفى تكلف هذا التأويل، ويقرب من هذا التأويل تأويل البغوي في «شرح السنة» [(434)]، قال: معنى أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ، تعرضاً للإفطار، أما الحاجم فإنه لا يأمن وصول الدم إلى جوفه عند المص، وأما المحجوم فإنه لا يأمن ضعف قوته عند خروج الدم، فيئول أمره إلى أن يفطر.
الثالث: أجابوا عن حديث شداد بأنه منسوخ، وأن حديث ابن عباس: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَاحْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» ناسخ له؛ لأن هذا في حجة الوداع، قال هذا ابن عبدالبر[(435)] وقبله الشافعي[(436)]، وهو كذلك منسوخ بحديث أبي سعيد: أرخص النبي ﷺ في الحجامة للصائم[(437)]، وإسناده صحيح فوجب الأخذ به؛ ولأن الرخصة لا تكون إلا بعد العزيمة، لكن الحديث اختلف في رفعه ووقفه، أي حديث أبي سعيد، وله شاهد من حديث أنس، لكن في متنه نكارة.
فالمعتمد عند الجمهور النسخ وأن حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس.
المتن:
باب الصَّوْمِ فِي السَّفَرِ وَالإِْفْطَارِ
1941 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَقَالَ لِرَجُلٍ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُ فَشَرِبَ، ثُمَّ رَمَى بِيَدِهِ هَا هُنَا، ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.
تَابَعَهُ جَرِيرٌ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ.
1942 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَْسْلَمِيَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ.
1943 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ عَمْرٍو الأَْسْلَمِيَّ قَالَ لِلنَّبِيِّ ﷺ: أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان أن المسافر مخير بين الصوم والإفطار، لكن الفطر أفضل، إلا إذا شق عليه الصوم فإنه يكره له الصوم، والحديث الآتي: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ [(438)] يكون معناه: ليس من البر الكامل، للجمع بينه وبين حديث أن النبي ﷺ كان يصوم في السفر[(439)].
1941 قوله: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي؛ الجدح معناه: تحريك السويق بعد خلطه بالماء بعود مجنح الرأس.
قوله: «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ» يعني: الحمرة بعد غروب الشمس.
وفيه: دليل على أنه لا عبرة بالحمرة أو الصفرة التي تبقى بعد غروب الشمس على الجدران وفوق رءوس الجبال، وفي لفظ: قال: يا رسول الله، إن عليك نهارًا قال: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي قال: يا رسول الله، لو أمسيت[(440)].
قوله: «فَشَرِبَ» يعني: النبي ﷺ.
قوله: «ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، يعني: إذا غربت الشمس ورأيتم الليل أقبل من هاهنا من جهة المشرق، وأدبر النهار من هاهنا من جهة المغرب فقد أفطر الصائم.
وفيه: أن النبي ﷺ كان صائمًا في السفر، ومراجعة هذا الرجل دلت على أنه ظن أنه خفي على النبي ﷺ وجود الحمرة «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّمْسُ» أي: الحمرة، وفي اللفظ المتقدم: «إن عليك نهاراً» ، وفيه أيضًا: «لو أمسيت» ، والنبي ﷺ يقول: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي يعني: اخلط السويق بالماء، يعني: هيئه للإفطار.