الشرح:
1942، 1943 قوله: «أَأَصُومُ فِي السَّفَرِ؟ وَكَانَ كَثِيرَ الصِّيَامِ، فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَصُمْ وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ. فحمزة بن عمرو الأسلمي سأل النبي ﷺ عن الصيام في السفر ، فخيره النبي ﷺ بين الصيام والفطر؛ يعني: أن يأتي الأحب إليه، فإذا رأى الصيام في رمضان وفي غيره أقوى له وأنشط مع الناس صام، وإذا كان يشق عليه؛ لأن الوقت حار أو غير ذلك فالأفضل له الفطر، ويكره في حقه الصوم.
وفيه: أن النبي ﷺ هنا أفطر على السويق، وكان يفطر على التمر، وهذا محمول على أن النبي ﷺ لم يجد تمرًا فأمر أن يُصنع له شراب من السويق وهو الحب المحموس وإلا فالتمر أفضل.
المتن:
باب إِذَا صَامَ أَيَّامًا مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ سَافَرَ
1944 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَالْكَدِيدُ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ وَقُدَيْدٍ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة فيما إذا صام أيامًا من رمضان ثم سافر، هل يجوز له أن يفطر، أو يجب عليه أن يصوم لأنه صام أول الشهر؟
وهذه المسألة خلافية بين أهل العلم، فبعض العلماء يقول: إذا صام أول رمضان في البلد فليس له أن يفطر، بخلاف إذا ما أدركه شهر رمضان في السفر.
1944 في الحديث: دليل على أن من أدرك أيامًا من رمضان ثم سافر فلا بأس أن يفطر، كما فعل النبي ﷺ في سفره عام الفتح فإنه ﷺ «خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ» ـ وهو ماء بين عسفان وقديد ـ «أَفْطَرَ فَأَفْطَرَ النَّاسُ» . وهذا قول الجمهور وهو الصواب.
وقال بعض العلماء: إن من استهل عليه رمضان في الحضر ثم سافر بعد ذلك فليس له أن يفطر، واستدلوا بقول الله تعالى: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البَقَرَة: 185]. ولكن هذا قول ضعيف لمخالفته للسنة، وأما الآية فهي في المقيم وليست في المسافر.
واستُدل بهذا الحديث أيضًا على أن الإنسان لو نوى الصيام من الليل في السفر وأصبح صائمًا فله أن يفطر في أثناء النهار ، وهذا قول الجمهور، وهو الصواب كما دل عليه الحديث؛ وقال بعض العلماء: ليس له أن يفطر ما دام نوى الصيام من الليل، وهذا قول ضعيف غير صحيح.
وكذلك استدل الإمام أحمد[(441)] وإسحاق بهذا الحديث على أنه لو نوى الصيام وهو مقيم في البلد ثم سافر أثناء النهار جاز له أن يفطر، واختار هذا المزني صاحب الإمام الشافعي[(442)]، ومنع الجمهور من الفطر وقالوا: لو نوى الصيام وهو مقيم ثم سافر في أثناء النهار فليس له أن يفطر بل يتم ذلك اليوم.
والصواب: أن له أن يفطر؛ لأن النبي ﷺ أفطر لما بلغ الكديد.
وفي رواية: أن النبي ﷺ صام في سفره إلى مكة عام الفتح في رمضان، فلما بلغ الكديد أفطر، فلما قيل له: إن الناس شق عليهم الصيام أمر الناس بالفطر، ثم لما قيل له: إن بعض الناس قد صام، قال: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ [(443)]؛ لأنهم خالفوا أمره لهم بالفطر.
المتن:
باب
1945 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ حَمْزَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ فِي يَوْمٍ حَارٍّ حَتَّى يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ وَمَا فِينَا صَائِمٌ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ وَابْنِ رَوَاحَةَ.
الشرح:
1945 في الحديث: دليل على جواز الصيام في السفر، وهذا محمول عند بعض العلماء على أن النبي ﷺ فعل ذلك قبل قوله: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ [(444)]، أو أن هذا لمن يجد في نفسه قوة وتحملاً فلا بأس بالصيام في السفر، ويكون حديث: «ليس من البر الصيام في السفر» لمن شق عليه الصوم وأجهده من غير تحمل، أو أن النبي ﷺ صام مع المشقة لبيان الجواز.
المتن:
باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ لِمَنْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ
1946 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَْنْصَارِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلاً قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: مَا هَذَا؟، فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ.
الشرح:
1946 قوله: لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ معناه: ليس من البر الكامل الصوم في السفر، فمن شق عليه الصوم في السفر فإن الصوم في حقه مكروه، فإن لم يشق عليه الصوم فهو مخير بين الصيام والإفطار، كما يدل عليه الحديث في الترجمة التالية.
والعلماء اختلفوا في أيهما أفضل، قال بعض أهل العلم: الإفطار أفضل؛ لأن فيه أخذًا بالرخصة.
وقال آخرون: الصوم أفضل؛ لأن فيه إسراعًا في براءة الذمة؛ ولأنه لا يشق عليه إذا صام مع الناس وأعون له، وهذا إذا لم يشق عليه، أما إذا شق فالصوم في حقه مكروه والفطر أفضل.
المتن:
باب لَمْ يَعِبْ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّوْمِ وَالإِْفْطَارِ
1947 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلاَ الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ.
الشرح:
1947 هذا الحديث: يدل على أن الإنسان مخير بين الصيام والإفطار وأنه لا كراهة في الصوم إذا لم يشق عليه؛ لأن الصحابة كانوا يسافرون مع النبي ﷺ فلا يعيب المفطر على الصائم ولا الصائم على المفطر، فمن شاء أفطر ومن شاء صام.
المتن:
باب مَنْ أَفْطَرَ فِي السَّفَرِ لِيَرَاهُ النَّاسُ
1948 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ، فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَفْطَرَ؛ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم من أفطر في السفر ليراه الناس حتى يقتدوا به.
1948 قوله: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَرَفَعَهُ إِلَى يَدَيْهِ لِيُرِيَهُ النَّاسَ، فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ» فيه: دليل على أن الفطر للمسافر أفضل إذا كان ممن يقتدى به لفضيلة البيان.
وفيه: دليل على أن الصائم إذا صام أول الشهر في رمضان ثم سافر في أثنائه أنه لا حرج أن يفطر.
وفيه: الرد على من قال: إنه ليس له أن يفطر إذا استهل عليه الشهر وهو مقيم.
المتن:
باب وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الأَْكْوَعِ: نَسَخَتْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ.
1949 حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَرَأَ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان أن شرعية صيام رمضان دارت على ثلاثة أطوار:
الأول: التخيير بين الصيام وبين الإطعام لمن يطيق الصيام، والصيام أفضل قال تعالى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البَقَرَة: 184].
الثاني: إيجاب الصيام حتمًا على المطيق، دون المسافر والمريض فعليهما القضاء إذا أفطرا، لكن كان الإفطار من الليل ما لم ينم الصائم أو يُصَلِّ العشاء، فإذا نام أو صلى العشاء فإنه يحرم عليه الجماع والأكل والشرب إلى الليلة القادمة، ثم بعد ذلك حصلت لهم مشقة وتخونوا أنفسهم، كما حدث مع قيس بن صِرْمة وأنه غلبته عيناه، وكان يعمل في أرض له ثم أصبح صائمًا فغشي عليه في منتصف النهار، فنزلت الرخصة: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البَقَرَة: 187].
الثالث: أباح الله الفطر في ليالي الصيام من أوله إلى آخره.
ولهذا بوب المؤلف فقال: «بَابٌ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ [البَقَرَة: 184]» .
قوله: «قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَسَلَمَةُ بْنُ الأَْكْوَعِ: نَسَخَتْهَا شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [البَقَرَة: 185] فقوله: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ فيه: التخيير، وهذه الآية فيها إيجاب الصوم حتمًا.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ ﷺ نَزَلَ رَمَضَانُ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَكَانَ مَنْ أَطْعَمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا تَرَكَ الصَّوْمَ مِمَّنْ يُطِيقُهُ وَرُخِّصَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَنَسَخَتْهَا وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البَقَرَة: 184] فَأُمِرُوا بِالصَّوْمِ» الصحيح أن التي نسختها: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البَقَرَة: 185].
وأما هذه الآية: ُ ﷺ ِ فهي مخيرة بين الصوم والإفطار إلا أن الصوم أفضل.
1949 قوله: «عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَرَأَ فِدْيَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ قَالَ: هِيَ مَنْسُوخَةٌ» يعني أن الآية الأولى: وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ [البَقَرَة: 184] ـ وفي قراءة «مساكين» ـ منسوخة بقوله: فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البَقَرَة: 185].
مسائل:
والتبرع بالدم لا يفطر قياسًا على الحجامة؛ لأن الحجامة فيها خلاف، والجمهور على أنها لا تفطر، لكن إذا أراد الإنسان أن يؤجلها لليل فإنه أحوط وأبرأ لذمته وإن قضى احتياطًا فهو أفضل.
وأما السوائل التي تخرج من الأنف مثل النخامة فيحرم على الصائم بلعها، ويجب أن يلفظها؛ قال العلماء: إذا وصلت إلى فمه ثم ابتلعها أفطر؛ لأنها من جنس الأكل والشرب، أما إذا كانت في الحلق أو في الصدر فلا تؤثر.
وأما إذا استمنى بيده فأنزل وهو صائم فهذه مسألة فيها تفصيل:
فالاستمناء باليد حرام، وهو نكاح اليد، وهو من العدوان فقد قال تعالى بعد أن ذكر إباحة الزوجة والسرية: فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ [المؤمنون: 7] فهذا عدوان، وإذا استمنى وهو صائم فسد صومه؛ لأن هذا من الشهوة التي يدعها الصائم؛ لقول الرب في الحديث القدسي في الصائم: يدع شهوته وطعامه وشرابه من أجلي [(423)] وعليه القضاء والتوبة، وليس عليه كفارة؛ فالكفارة خاصة بالجماع.
وقد يقول البعض: كيف تكون المساواة بين الصائم إذا جامع ناسيًا مع من أكل أو شرب ناسيًا، مع أن النص جاء بالأكل والشرب فقط، ومن المعلوم أنه لا قياس في العبادات، ومثله نهي الرسول ﷺ عن الأكل متكئًا[(416)].
قال بعض العلماء: لا يقاس الشرب عليه، فلا نهي عن الشرب متكئًا؟!
والجواب: أن الحكم واحد؛ لأن العلة واحدة وهي النسيان فالمعنى واحد والحكم واحد.
وأما مسألة المرأة التي يجامعها زوجها في نهار رمضان وهي جاهلة بالحكم فإن الواجب عليها القضاء؛ لأنها لا تعذر بالجهل فيجب عليها أن تسأل، وليس الجهل كالنسيان، فالنسيان لا حيلة فيه، لكن الجهل لا تعذر به؛ لأنها تجد العلماء ولا تسألهم، وعليها التوبة والكفارة إن كانت تستطيع وهي العتق، فإن لم تجد صامت شهرين متتابعين، فإن عجزت أطعمت ستين مسكيناً عن كل يوم.
وإذا أُذِّن للفجر يجب على الإنسان أن يمسك، لكن لو كان في يده كأس وشربه والمؤذن يؤذن أرجو ألا يكون فيه حرج، لكن ليس له إذا سمع الأذان أن يبحث عن كأس ليشرب، وفي كل حال ينبغي للإنسان أن يحتاط لصيامه، وأن يفرغ من طعامه قبل الأذان احتياطًا لهذه العبادة؛ لأن الأذان المبني على التقويم يفيد غلبة الظن، ولأنك إذا نظرت إلى طلوع الشمس تجد أن التقويم مقارب، فإذا أكل بعد الأذان فإنه عليه القضاء بذلك.
ولو كان الإنسان في برية ورأى الصبح فإنه عليه أن يمسك.
المتن:
باب مَتَى يُقْضَى قَضَاءُ رَمَضَانَ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فِي صَوْمِ الْعَشْرِ لاَ يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ.
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا.
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلاً وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ الإِْطْعَامَ إِنَّمَا قَالَ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.
1950 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ رضي الله عنها تَقُولُ: كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ.
قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ ﷺ.
الشرح:
هذه الترجمة أراد بها المؤلف رحمه الله أن يبين حكم قضاء رمضان، من حيث اشتراط التتابع فيه أو عدم اشتراطه، ومن جوازه على التراخي أو وجوبه على الفور، وذكر رحمه الله آثارًا واستدل بها وبالآية على أنه يجوز التفريق في قضاء رمضان ويجوز التراخي.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُفَرَّقَ» يعني: يفرق القضاء إذا كان عليه أيام من رمضان، ولا يلزم التتابع، فله أن يسرد بعض الأيام ويفطر بعضًا حتى يكملها، واستدل بقول الله تعالى: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البَقَرَة: 184].
وهذا هو الحق، أنه يجوز التفريق في قضاء رمضان؛ لأن الله تعالى أوجب في القضاء عدة الأيام، ولم يشترط التتابع، كما أنه يجوز التراخي ، وهو قول الجمهور ، فيجوز أن يؤخر القضاء إلى رمضان الثاني، ولا يجوز له أن يؤخره بعد رمضان الثاني إلا لعذر، فوقت القضاء موسع من رمضان إلى رمضان، وإذا بقي من شعبان قدر الأيام التي عليه وجب عليه أن يقضي بأن يصوم هذه الأيام إلا إذا كان معه عذر، كالمريض والمسافر.
وقال بعض العلماء: يجب التتابع، نقله ابن المنذر عن علي وعائشة رضي الله عنهما، وهو قول بعض أهل الظاهر، والصواب: أن التتابع لا يجب.
قوله: «وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: فِي صَوْمِ الْعَشْرِ لاَ يَصْلُحُ حَتَّى يَبْدَأَ بِرَمَضَانَ» ، يعني: إذا كان عليه أيام من رمضان ويريد أن يصوم عشر ذي الحجة يبدأ بالأيام التي عليه من رمضان؛ لأنها هي الواجبة، أما صيام تسع ذي الحجة فهو مستحب، والله لا يسأل الإنسان عن النافلة، وإنما يسأله عن الفريضة، وبعض العلماء أجاز أن يتنفل ويصوم صوم النفل ولو كان عليه أيام من رمضان، لكن الصواب: أنه ينبغي له أن يبدأ بالقضاء، كما قال سعيد بن المسيب، ثم يصوم تسع ذي الحجة أو يصوم الإثنين والخميس أو ثلاثة أيام من الشهر، أو أيامًا من المحرم.
قوله: «وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا.
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلاً وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ الإِْطْعَامَ إِنَّمَا قَالَ: فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ» هذه المسألة فيمن فرط ولم يقض الأيام التي عليه حتى جاء رمضان الثاني، فإنه يصوم رمضان الحاضر، ثم يصوم الأيام التي عليه من رمضان الأول، واختلف العلماء: هل يطعم أم لا؟ فقال بعض العلماء: يطعم مع القضاء عن كل يوم مسكينًا، أفتى بذلك بعض الصحابة من باب الاجتهاد والتأديب والردع لهذا المفرط، وهو اجتهاد حسن، وقال بعض الصحابة: لا إطعام عليه؛ لأن الله لم يذكر الإطعام، وهذا اختيار البخاري رحمه الله فقال: «وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ الإِْطْعَامَ» ، قال هذا تفقهًا، لكن القول بالإطعام حسن؛ لأنه أفتى به بعض الصحابة، أما إذا كان معذورًا ولم يفرط ولا شفي من مرضه قدر الأيام التي عليه فهذا يقضي وليس عليه شيء.
1950 قولها: «كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَ إِلاَّ فِي شَعْبَانَ. قَالَ يَحْيَى: الشُّغْلُ مِنْ النَّبِيِّ أَوْ بِالنَّبِيِّ ﷺ» فيه: دليل على جواز تأخير قضاء رمضان إلى شعبان، لكن المبادرة بالقضاء أفضل؛ فعائشة رضي الله عنها اعتذرت لانشغالها بالنبي ﷺ؛ لأنه يحتاجها، وقد تحتاج إلى الإذن ، وقد لا يأذن لها إلا في شعبان.
ولا يلزم من هذا أن تكون عائشة رضي الله عنها لا تصوم النوافل، كأن تصوم ستة أيام من شوال، أو عاشوراء والتاسع قبله، أو تصوم تطوعًا، فقد يحتمل أنها ترى أنه لا بأس في النفل وتتنفل قبل ذلك؛ لأن بعض العلماء يرى جواز التنفل قبل قضاء رمضان، والصواب: أنه يبدأ بالواجب؛ فالواجب أهم، ثم يتنفل.
فالمرأة التي عليها أيام من رمضان ، الصواب: أن تبدأ بقضاء الأيام التي فاتتها، ثم بعد ذلك تصوم الأيام الست من شوال لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ [(445)] والتي عليها القضاء لم تصم رمضان بعدُ بل صامت بعضه، والفرائض مقدمة على النوافل، فإن بقي من شوال ما يسع صيام الأيام الست فبها ونعمت ، وإلا فيكتب لها ما نوته.
وإذا صامت أيامًا من شوال ونوتها عن القضاء ، والست من شوال ، فالأقرب أن صومها يقع عن القضاء فقط، وإن نوت عن الست فقط ، فإنه يلزمها القضاء بعد ذلك.
المتن:
باب الْحَائِضِ تَتْرُكُ الصَّوْمَ وَالصَّلاَةَ
وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ.
1951 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدٌ عَنْ عِيَاضٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا.
الشرح:
هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان أن الحائض لا تصوم ولا تصلي، وتقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.
1951 قوله: أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ؟. هذا قول النبي ﷺ الذي استدل به البخاري رحمه الله على أن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة، خلافًا للخوارج الذين يقولون: إن الحائض تقضي الصلاة، ولهذا لما جاءت معاذة لعائشة تسألها وقالت ـ ولم تحسن السؤال: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: «أحرورية أنت؟!ـ نسبة إلى بلدة حروراء في العراق فقد تجمع فيها الخوارج ـ» تعني أأنت من الخوارج فتعترضي؟ قالت: لا لست بحرورية، ولكني أسأل. قالت: «كان يصيبنا هذا على عهد النبي ﷺ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة» [(446)].
قوله: فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا لكن هذا النقصان لا يضر دينها، ولا تأثم به؛ لأنها لا حيلة لها فيه، وهو نقصان في الواقع، ويرجى لها ثواب المصلين والصائمين إذا كانت امرأة صالحة تنوي أنها لو كانت قادرة صلت وصامت.
قوله: «وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: إِنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلاَفِ الرَّأْيِ فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْضِي الصِّيَامَ وَلاَ تَقْضِي الصَّلاَةَ» . أبو الزناد هذا أخو عبدالله بن ذكوان، وكأن أبا الزناد لم تتبين له الحكمة في قضاء الحائض الصوم دون الصلاة، مع أنها واضحة وهي أن الصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات فيشق قضاؤها، بخلاف الصوم فلا يكون في السنة إلا مرة فلا يشق قضاؤه، فإذا أفطرت خمسة أيام قضتها، وأبو الزناد لما لم تظهر له الحكمة ذهب إلى أن الحكمة تعبدية، ومثل ذلك قول علي : «لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه» . فهو يقول إن الماسح على الخفين يمسح أعلى الخف، وكان الأولى ـ إذا كان الدين بالرأي ـ أن يمسح الأسفل؛ لأنه هو الذي يباشر الأرض، ولكن إذا تأمل الإنسان وجد أن الحكمة أنه لو مسح الإنسان أسفل الخف لصار فيه رطوبة تتعلق بالتراب والأشياء القذرة.
المتن:
باب مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاَثُونَ رَجُلاً يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ.
1952 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ.
تَابَعَهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو.
رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ.
1953 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِالرَّحِيمِ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى.
قَالَ سُلَيْمَانُ: فَقَالَ الْحَكَمُ وَسَلَمَةُ: وَنَحْنُ جَمِيعًا جُلُوسٌ حِينَ حَدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالاَ: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا يَذْكُرُ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي خَالِدٍ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ الْحَكَمِ وَمُسْلِمٍ الْبَطِينِ وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ أُخْتِي مَاتَتْ.
وَقَالَ يَحْيَى وَأَبُو مُعَاوِيَةَ: حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ.
وَقَالَ أَبُو حَرِيزٍ: حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَاتَتْ أُمِّي وَعَلَيْهَا صَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم من مات وعليه صوم واجب، كأن كان عليه أيام من رمضان لم يقضها ولم يصمها، أو أيام نذر لم يصمها، أو كفارة لم يصمها، وبيان كيفية قضاء هذه الأيام عن الميت.
1952 قوله: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ. كلمة وَعَلَيْهِ تفيد الوجوب، يعني: عليه صيام واجب، وهذا الحديث عام في كل من عليه صيام، سواء كان عليه صيام من رمضان ، أو صيام نذر ، أو صيام كفارة، فإنه يقضى عنه، فهو عام في المكلفين وعام في الصيام، وهذا هو الصواب الذي عليه المحققون من أهل العلم، والولي: القريب، سواء كان وارثًا أو غير وارث، من أب، أو ابن، أو أخ، أو زوجة، أو أم، أو عم، أو ابن عم؛ وإن صام عنه غير وليه فلا حرج أيضًا.
وهذا الأمر للإرشاد والاستحباب لا للوجوب، فلا يجب على الولي أن يصوم؛ لأن الله تعالى يقول: وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعَام: 164]، لكن إذا أحب أن يصوم صام والحمد لله، فإن لم يصم الولي أطعم مسكينًا عن كل يوم.
وذهب بعض أهل الظاهر إلى أن هذا الأمر للوجوب، وأنه يجب على الولي أن يصوم، والصواب أنه ليس للوجوب ، وأنه للاستحباب.
وقال بعض أهل العلم: لا يصام عنه إلا النذر خاصة، ولا يصام عنه أيام من رمضان فما وجب عليه بأصل الشرع لا يقضى عنه، فكما أنه إذا مات وعليه صلاة لا يصلى عنه ـ فكذلك إذا مات وعليه صيام رمضان لا يصام عنه، واحتجوا بحديث ابن عباس وفيه أن امرأة قالت: «إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ» ، قالوا: هذا دليل أنه خاص بالنذر.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يصام عن الميت مطلقًا، لا صوم نذر ولا كفارة ولا غيرها. فالأقوال ثلاثة:
الأول: يصام عنه كل صوم واجب، وهذا هو الصواب في ظاهر الحديث، سواء كان من رمضان، أو صوم نذر، أو كفارة.
الثاني: لا يصام عنه مطلقًا، لا صوم نذر، ولا كفارة، ولا من رمضان، وهذا قول الشافعي[(447)] ومالك[(448)] وأبي حنيفة[(449)].
الثالث: يصام عنه النذر خاصة، وحملوا حديث عائشة على حديث ابن عباس؛ فإن حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيه: أن امرأة قالت: «إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ» .
قوله: «وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاَثُونَ رَجُلاً يَوْمًا وَاحِدًا جَازَ» . يعني: لو كان الإنسان عليه ثلاثون يومًا نذر أو كفارة أو شهر رمضان ، ثم تطوع ثلاثون رجلاً وصاموا عنه في يوم واحد أجزأه، لكن هذا الجواز مقيد بصوم لا يجب فيه التتابع كقضاء رمضان وكنذر لم يشترط فيه التتابع.
أما الصوم عن كفارة القتل، أو الظهار، أو كفارة الجماع في نهار رمضان، فعليه أن يصوم شهرين متتابعين، فلا يجزئ أن يصوم عنه ستون رجلاً يومًا واحدًا؛ لأن التتابع مفقود في هذه الصورة والله تعالى اشترط التتابع، قال تعالى: فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ [النِّسَاء: 92]. وكذلك إذا نذر الميت نذرًا ألزم نفسه فيه بالتتابع.
والصواب أنه عام، ويؤيد هذا ما ورد في «مسند الإمام أحمد رحمه الله» ، عن ابن عباس، قال: أتت امرأة النبي ﷺ فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر رمضان، فأقضيه عنها؟ قال: لو كان عليها دين أكنت قاضية عنها؟»قالت: نعم، قال: فدين الله أحق أن يُقضى [(450)] وهذا يدل على أن حديث عائشة عام، وليس خاصًّا بصوم النذر.
وهذا الصيام عن الميت في قضاء رمضان فيما إذا تمكن من الصيام ولم يصم، بأن صح وشفي من مرضه عدد الأيام التي عليه ثم لم يصمها حتى مات، فهذا يقضى عنه، أما إن استمر به المرض حتى مات، فهذا لا يقضى عنه؛ لأنه لم يجب عليه الصوم، وكذلك إذا أفطر وهو مسافر ثم مات قبل أن يتمكن من القضاء فهذا لا يقضى عنه؛ لعدم قدرته ، فلم يكن داخلاً في قوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البَقَرَة: 184]، ولا يطعم عنه؛ لأنه لم يجب عليه الصيام، وبالتالي لم يجب الإطعام.
المتن:
باب مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ
وَأَفْطَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ.
1954 حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.
1955 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ: يَا فُلاَنُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ النَّبِيُّ ﷺ ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.
الشرح:
هذه الترجمة فيها بيان «مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ؟» ، وأنه يحل بغروب الشمس.
قوله: «ووَأَفْطَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ» . فيه: أنه إذا غاب قرص الشمس فإنه يفطر الصائم.
1954 قوله: إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، فيه: دليل على أنه إذا غاب قرص الشمس، وأقبل الليل من جهة المشرق، وأدبر النهار من جهة المغرب ـ فقد أفطر الصائم.
1955 قوله: فَاجْدَحْ لَنَا يعني: اخلط لنا الماء بالسويق، فالجدح: وضع الماء في السويق وتحريكه بعود مجنح، وهذا مثل العصير الذي يفطر الناس الآن عليه.
وفيه: دليل أنه لا عبرة بالحمرة والبياض والضوء الذي يبقى بعد غروب الشمس، وأنه لا يمنع الصائم من الفطر.
وهذا الصحابي راجع النبي ﷺ ثلاث مرات كل مرة يقول له النبي ﷺ: قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا، يعني: جاء وقت الإفطار، وهو يقول: «يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ» ، فهو ينظر إلى الحمرة، يظن أن الحمرة لها تأثير، ثم بين له النبي ﷺ فقال: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ يعني: إذا أقبل الليل من جهة المشرق، وأدبر النهار من جهة المغرب ، وغربت الشمس ، فقد أفطر الصائم.
وفيه: جواز مراجعة المفضول للفاضل ، والتلميذ لشيخه ، في الشيء الذي قد يظن خفاؤه عليه.
وفيه: استحباب تعجيل الفطر، فيستحب للصائم أن يعجل الفطر بشرط أن يتحقق من غروب الشمس.
المتن:
باب يُفْطِرُ بِمَا تَيَسَّرَ عَلَيْه الْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ
1956 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ: سِرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتْ الشَّمْسُ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا، فَنَزَلَ فَجَدَحَ ثُمَّ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ اللَّيْلَ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ قِبَلَ الْمَشْرِقِ.
الشرح:
1956 هذا هو الحديث السابق أعاده المؤلف رحمه الله وكرره لاستنباط الأحكام، ففي الترجمة السابقة ترجم فقال: «بَابٌ مَتَى يَحِلُّ فِطْرُ الصَّائِمِ» ، وأنه يفطر إذا غربت الشمس، وأعاده في هذه الترجمة ليبين أنه يجوز للصائم أن يفطر على الماء وعلى السويق، وأن الفطر على التمر هو الأفضل، وإذا لم يجد أفطر على الماء ولا حرج.
ففي هذا الحديث: أنه جدح له الماء، فشرب منه النبي ﷺ, فالنبي ﷺ أفطر بالماء المخلوط بالسويق، وهو ما يفعله أكثر الناس اليوم من شرب العصير عند الإفطار من التوت وغيره.
فهذا الحديث يصرف الأمر في الحديث الآخر من الوجوب إلى الاستحباب، وهو حديث: إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ، فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ [(451)] وفيه: الرد على ابن حزم حيث أوجب الفطر على التمر وإلا فعلى الماء.
والصواب: أنه لا يجب، بل مستحب.
والخلاصة: أنه يستحب الفطر على التمر، ويجوز الفطر على الماء أو غيره مما أحل الله من طعام أو شراب، وإن لم يجد شيئًا نوى الإفطار بقلبه، ولا يحتاج أن يمص أصبعه كما يعتقد بعض العامة، فإن هذا لا دليل عليه.
المتن:
باب تَعْجِيلِ الإِْفْطَارِ
1957 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ ابْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ.
1958 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي سَفَرٍ فَصَامَ حَتَّى أَمْسَى قَالَ لِرَجُلٍ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، قَالَ: لَوْ انْتَظَرْتَ حَتَّى تُمْسِيَ، قَالَ: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، إِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم تعجيل الفطر.
1957 قوله: لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ. فيه: استحباب تعجيل الفطر؛ لأنهم إذا عجلوا الفطر دل على الامتثال للسنة ومخالفة اليهود والنصارى والشيعة، وإذا أخروا دل على الغلو، وأن عندهم اجتهادًا في مقابل النص.
وجاء في حديث آخر عن أبي هريرة عن النبي ﷺ: لايزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون[(452)]. فهم يؤخرون إلى اشتباك النجوم، وكذلك الشيعة والرافضة لا يفطرون إلا إذا طلعت النجوم، والمشروع للمسلم أن يخالفهم وأن يمتثل السنة، ويبادر بالإفطار قبل الذهاب إلى الصلاة بعد غروب الشمس إذا تحقق الرؤية، أو بإخبار ثقة كالمؤذن، أو بإخبار عدلين إذا كان معه عدلان، وكذلك باستخدام الساعة إن تأكد أنها منضبطة مع الرؤية.
1958 هذا الحديث أعاده مرة ثالثة لاستنباط حكم ثالث وهو مشروعية تعجيل الفطر إذا تحقق غروب الشمس، وفيه كما سبق أن النبي ﷺ قال: انْزِلْ فَاجْدَحْ لِي، ثلاث مرات، وهذا من المبادرة، والصحابي يقول: «لَوْ انْتَظَرْتَ حَتَّى تُمْسِيَ» . يظن أن الحمرة بعد الغروب لها تأثير، والنبي ﷺ بادر بالإفطار ولو كانت الحمرة باقية.
المتن:
باب إِذَا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ
1959 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ: أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ، قِيلَ لِهِشَامٍ فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ قَالَ: بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ.
وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا لاَ أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لاَ.
الشرح:
قوله: «بَابٌ إِذَا أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ» ، يعني: هل يُقضى هذا اليوم أم لا يُقضى؟ وهذه المسألة التي ترجم لها المؤلف مسألة خلافية بين أهل العلم؛ لهذا لم يذكر البخاري رحمه الله الحكم في الترجمة؛ لقوة الخلاف.
1959 قوله: «قِيلَ لِهِشَامٍ فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ قَالَ: بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ» ، استفهام إنكاري محذوف الأداة والمعنى: لابد من القضاء.
قوله: «وَقَالَ مَعْمَرٌ: سَمِعْتُ هِشَامًا لاَ أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لاَ» . لهذا اختلف العلماء إذا أفطر قبل غروب الشمس ـ لغيم ـ ثم طلعت الشمس هل يتم صوم هذا اليوم ويصح، أو لابد من قضائه، على قولين:
القول الأول: وهو قول جمهور العلماء وهو اختيار الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله وهو أنه لابد من قضاء هذا اليوم، ويؤيده أمران:
الأمر الأول : أن راوي الحديث هشام بن عروة جزم بذلك فقال: «بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ» .
الأمر الثاني : أنه لو غم هلال رمضان فأصبح الناس مفطرين ثم تبين أن ذلك اليوم من رمضان فإنه يجب القضاء بالاتفاق، فكذلك هذا أيضًا.
القول الثاني: ذهب بعض العلماء إلى أنه لا يجب قضاء ذلك اليوم؛ لأنهم أدوا ما عليهم ، وهو قول بعض الحنابلة[(453)] وإسحاق ، وابن خزيمة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله[(454)]، وهو اختيار الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله.
ووجه هذا القول: أن المكلفين إنما خوطبوا بالظاهر ، فإذا اجتهدوا فأخطئوا فلا حرج عليهم.
ولكن القول الأول هو الذي عليه جماهير العلماء وأكثر المحققين، وهو الذي ترجحه الأدلة وهو أحوط وأبرأ للذمة.
وهذا الأمر يندرج تحته جميع الصور المشابهة له كمثل أن يظن إنسان عدم طلوع الفجر فيأكل فله حالتان:
الحالة الأولى: إن تبين له أنه أكل بعد طلوع الفجر فلابد من القضاء، وشيخ الإسلام[(455)] وجماعة يقولون: لا يفطر.
الحالة الثانية: إذا أكل ظانًّا ـ أي إنه شك في الفجر ـ ولكن لم يتبين له فالأصل بقاء الليل.
ومثله لو أفطر قبل غروب الشمس ظانًّا أنها غربت ولم يتبين له أنها لم تغرب ، فالأصل أن صومه صحيح. لكن الخلاف إذا تبين أنه أكل بعد الفجر ، أو تبين له طلوع الشمس بعد أن أفطر ، فهذا هو الذي يجب عليه القضاء في الصورتين.
المتن:
باب صَوْمِ الصِّبْيَانِ
وَقَالَ عُمَرُ : لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ وَيْلَكَ وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ فَضَرَبَهُ.
1960 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: أَرْسَلَ النَّبِيُّ ﷺ غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَْنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ، قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِْفْطَارِ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم صوم الصبيان، وأنه يشرع للولي أن يصوم الصبيان ليعتادوا على الصيام، والظاهر أن المؤلف رحمه الله اختار أنه يشرع له ذلك، ولهذا استدل بقول عمر .
قوله: «وَقَالَ عُمَرُ : لِنَشْوَانٍ فِي رَمَضَانَ وَيْلَكَ وَصِبْيَانُنَا صِيَامٌ فَضَرَبَهُ» . نشوان يعني: سكران جاءوا به إلى عمر فقال: ويلك أتفطر وتشرب الخمر وصبياننا صائمون فضربه؛ وجاء أنه ضربه ثمانين جلدة.
1960 قوله: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ.
قوله: «قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِْفْطَارِ» فيه: دليل على مشروعية تدريب الصبيان على الصيام، ومسألة صيام الصبيان اختلف فيها العلماء، هل يشرع أم لا؟ لذلك لم يذكر البخاري رحمه الله الحكم في المسألة، وإنما قال: «بَابُ صَوْمِ الصِّبْيَانِ» ، والجمهور على أن صوم الصبيان مشروع، فيؤمرون به للتمرين عليه إذا أطاقوه، واستحب ذلك جماعة من السلف، منهم: ابن سيرين والزهري، وقال به الشافعي[(457)]، وهو ظاهر اختيار البخاري رحمه الله في ذكر أثر عمر في الترجمة، ثم استدل بالحديث، والحديث حجة على مشروعية تدريب الصبيان على الصيام، لكن الجمهور على أنه لا يجب على ما دون البلوغ.
وذهب الإمام مالك والمالكية في المشهور عنهم[(458)] إلى أنه لا يشرع الصيام في حق الصبيان، وقولهم في هذا ضعيف، والصواب أنه يشرع التدريب على الصلاة والصيام، ولهذا قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح: مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر [(459)] وفي هذا الحديث أن الصبيان يصومون.
وقال إبراهيم: «كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار» ، فالسلف كانوا يضربون الصبي إذا شهد شهادة زور ، أو أخلف عهده؛ حتى لا يتعود الكذب ، وحتى لا يتعود التساهل بشهادة الزور.
هذا الحديث استدل به بعض العلماء على أن صوم عاشوراء كان فرضًا قبل أن يفرض رمضان؛ لأن النبي ﷺ أمر بصومه.
وقال آخرون: إنه كان متأكدًا تأكيدًا يداني الوجوب.
ورُجِحَ الأول وهو قول الأحناف[(456)]؛ لأن النبي ﷺ أمر بالصوم والأمر للوجوب إلا بصارف ولا صارف، فلما فرض رمضان نسخ الوجوب أو التأكيد الذي يداني الوجوب وبقي الاستحباب.
المتن:
باب الْوِصَالِ وَمَنْ قَالَ: لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ:؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ.
وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ رَحْمَةً لَهُمْ وَإِبْقَاءً عَلَيْهِمْ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ التَّعَمُّقِ.
1961 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لاَ تُوَاصِلُوا، قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ؛ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى أَوْ إِنِّي أَبِيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى.
1962 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ قَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى.
1963 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ الْهَادِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ، قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ.
1964 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدٌ قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ رَحْمَةً لَهُمْ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الوصال، والوصال هو أن يصوم يومين فأكثر مع الليل فلا يفطر بالليل، ويصل الليل بالنهار، وأقله يومان أي: نهاران مع الليل.
والصواب: في هذه المسألة أنه مشروع في حق النبي ﷺ وهو من خصائصه لهذا قال: لَسْتُ كَأَحَدٍ مِنْكُمْ فهذا دليل على الخصوصية.
أما الوصال في حق الأمة فهو مكروه في أصح قولي العلماء، وقال بعض العلماء: إنه حرام، والصواب أنه مكروه كراهة تنزيه؛ لأن النبي ﷺ فعله ونهى الأمة عنه، فالنهي دليل على الحرمة، وفعله ﷺ صرف النهي من التحريم إلى التنزيه.
والنبي ﷺ واصل بالناس يومًا بعد يوم، واصل بهم في آخر الشهر يوم الثامن والعشرين والتاسع والعشرين، فصاموا الثامن والعشرين ولم يفطروا بالليل، وجاء يوم التاسع والعشرين فلم يفطروا، ثم رأوا الهلال، فقال النبي ﷺ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ [(460)] كالمنكّل لهم من باب التعزير؛ ليبين لهم أنهم ما يستطيعونه، ولو كان الوصال حرامًا لما فعله النبي ﷺ؛ لأنه لا يفعل المحرم.
1963 قوله: فَأَيُّكُمْ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ. فيه: أن الوصال إلى السحر لا بأس به ، وهو جائز غير مكروه، وذلك بأن يجعل عشاءه سحورًا ، ولا يأكل إلا مرة واحدة في آخر الليل، لكن تركه أفضل؛ لأجل الأحاديث التي فيها فضل المبادرة إلى الفطر بعد غروب الشمس ، مثل: لاَ يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الفِطْرَ [(463)].
فأحوال الصائم ثلاثة :
الأولى: أن يبادر بالفطر من حين غروب الشمس، وهذا هو الأفضل والمستحب.
الثانية: أن يواصل إلى السحر ولا يأكل إلا أكلة واحدة في السحر وهذا جائز غير مكروه.
الثالثة: أن يواصل الليل مع النهار ولا يفطر بالليل وهذا مكروه أو حرام على قولين لأهل العلم، والصواب أنه مكروه.
قوله: إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى أَوْ إِنِّي أَبِيتُ أُطْعَمُ وَأُسْقَى، وفي رواية: إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي [(461)] وفي لفظ: إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي، وَسَاقٍ يَسْقِينِي اختلف العلماء في إطعامه وإسقائه، فقال بعض العلماء: إنه يؤتى بطعام وشراب من الجنة، وهذا ضعيف؛ لأنه لو كان يؤتى بطعام وشراب من الجنة لما كان صائمًا، بل كان مفطرًا؛ ولأنه جاء في بعض الروايات: إِنِّي أَظَلُّ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِي [(462)] وكلمة أظل تعني أن ذلك في النهار، والنهار ليس فيه أكل ولا شرب للصائم، فدل على أنه لم يؤت بطعام حسي وشراب حسي، إنما هو طعام معنوي وشراب معنوي، وهو ما يفتح الله عليه من مواد أنسه والاشتغال بذكره ودعائه، كما قال الشاعر:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها | عن الطعام وتغنيها عن الزاد |
فإذا انشغل بذكر الله ودعائه ومناجاته وما فتح الله عليه من مواد أنسه ونفحات قدسه والتلذذ بمناجاته أغناه عن الطعام والشراب، وصار لا يفكر في الطعام والشراب، ولو جلس مدة، وهذه حال النبي ﷺ.
فيه: دليل على مشروعية الوصال في حق النبي ﷺ؛ لأنه من خصائصه، وأنه مكروه في حق أمته.
المتن:
باب التَّنْكِيلِ لِمَنْ أَكْثَرَ الْوِصَالَ
رَوَاهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
1965 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَأَيُّكُمْ مِثْلِي؛ إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَلَمَّا أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا عَنْ الْوِصَالِ وَاصَلَ بِهِمْ يَوْمًا ثُمَّ يَوْمًا ثُمَّ رَأَوْا الْهِلاَلَ، فَقَالَ: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُم، كَالتَّنْكِيلِ لَهُمْ حِينَ أَبَوْا أَنْ يَنْتَهُوا.
1966 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ، مَرَّتَيْنِ. قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟ قَالَ: إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ، فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ.
الشرح:
هذه الترجمة فيها بيان مشروعية التعزير لمن أكثر الوصال.
1965 قوله: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّوْمِ» . فيه: أن النبي ﷺ نهاهم عن الوصال، لكنهم أبوا أن ينتهوا، لا عصيانًا -كما سبق- لكن محبة للخير ومراجعة لعله يسمح لهم، فلما أبوا أن ينتهوا، عزرهم وواصل بهم تنكيلاً، فواصل بهم يومين: اليوم الثامن والعشرين، واليوم التاسع والعشرين، ثم رأوا الهلال ليلة الثلاثين، وما تم الشهر في تلك السنة.
قوله: لَوْ تَأَخَّرَ لَزِدْتُكُمْ، أي: لصُمْت بكم ثلاثة أيام بلياليها، كالتنكيل لهم؛ ليُبين لهم أنهم لا يستطيعون حين أبوا أن ينتهوا.
1966 قوله: إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ تحذير.
قوله: «قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ؟» فيه: من الفوائد: مراجعة العالم فيما يفعله بخلاف ما يأمر به والسؤال عن ذلك، فقد راجعه الصحابة، قالوا: يا رسول الله إنك تنهانا عن الوصال وأنت تواصل، فإذا كان النبي ﷺ وهو إمام الأئمة يُراجع فغيره من العلماء من باب أولى، فإذا رأيت العالم يقول شيئًا ويفعل خلافه فراجعه.
وقوله: فَاكْلَفُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ يعني: خذوا من العمل ما تطيقونه ولا يشق عليكم، واتركوا ما يشق عليكم، فإن الدين يسر، كما في الحديث: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ [(464)] وفي الحديث الآخر يقول النبي ﷺ: بُعِثْتُ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ [(465)].
المتن:
باب الْوِصَالِ إِلَى السَّحَرِ
1967 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَبَّابٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ. قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ؛ إِنِّي أَبِيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وَسَاقٍ يَسْقِينِ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان جواز الوصال إلى السحر، بأن يجعل عشاءه سحورًا، وسحوره عشاء، فيأكل أكلة واحدة، لكن كونه يبادر بالإفطار أفضل، كما دلت عليه الأحاديث.
1967 قوله: لاَ تُوَاصِلُوا فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ. قَالُوا: فَإِنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ» . فيه: دليل على أن الوصال من خصائصه ﷺ، وأن الأمة منهية عن الوصال؛ لكن من أراد أن يواصل إلى السحر، بأن يؤخر الإفطار إلى السحر، ولا يأكل إلا مرة واحدة، فهذا جائز، ولكن الأفضل المبادرة إلى الإفطار من حين غروب الشمس؛ أما كونه يصل الليل بالنهار فهذا مكروه أو حرام على قولين لأهل العلم.
المتن:
باب مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ أَوْفَقَ لَهُ
1968 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا أَبُو الْعُمَيْسِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: آخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً، فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ، قَالَ: مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ، قَالَ: فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ، قَالَ: نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الآْنَ فَصَلَّيَا، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَِهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: صَدَقَ سَلْمَانُ.
الشرح:
هذه الترجمة أراد بها المؤلف رحمه الله أن يبين حكم من أفطر في صوم التطوع، وأن الإنسان إذا صام تطوعًا له أن يفطر، ولا يجب عليه القضاء، فإن شاء أن يقضي فهو أفضل، وإن شاء ألا يقضي فلا حرج؛ لأن المتطوع أمير نفسه.
أما الصيام الواجب فيحرم عليه أن يفطر، فإذا صام نذرًا، أو كفارة، أو قضاء رمضان، لا يجوز له أن يفطر إلا من عذر، كالمرض أو السفر.
ولفظ الترجمة: «بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ» والطريق التي ساقها المؤلف ليس فيها قسم بل قال: «مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ» ، لكن جاء في رواية البزار عن محمد بن بشار شيخ البخاري أنه قال: «أقسمت عليك لتفطرن» [(466)] ولهذا ترجم المؤلف فقال: «بَابُ مَنْ أَقْسَمَ عَلَى أَخِيهِ لِيُفْطِرَ فِي التَّطَوُّعِ، وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ قَضَاءً إِذَا كَانَ أَوْفَقَ لَهُ» ، وروي بدون كلمة «لَهُ».
1968 في هذه القصة: أن النبي ﷺ آخى بين سلمان وأبي الدرداء، وذلك أن النبي ﷺ لما هاجر إلى المدينة، وهاجر المهاجرون وتركوا أهلهم وأولادهم، وما بقي عندهم شيء، ربط كل واحد من المهاجرين بواحد من الأنصار وقال: هذا أخوك، وصاروا يتوارثون بهذه الأخوة في أول الإسلام ثم نسخ ذلك، وصار التوارث بالنسب، وكان الأنصاري يقاسم أخاه ماله ، فيعطيه نصف المال، وإذا كان له زوجتان قال: انظر إلى أيهما أعجبتك فأطلقها ثم تعتد ثم تتزوجها، وهذا من إيثاره.
قوله: «فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً» ، أي: عليها ثياب ليست جميلة، وهذا محمول على أن هذا كان قبل الحجاب، ويحتمل أن يكون بعد الحجاب ولا يلزم من ذلك أن تكون متبرجة.
وفيه: جواز مخاطبة الأجنبية للحاجة.
قوله: «فَقَالَ لَهَا: مَا شَأْنُكِ؟» يعني: إن ثيابك رثة.
قوله: «قَالَتْ: أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا» ؛ لأنه مشغول بالعبادة ، يصوم بالنهار ويصلي بالليل فترك أهله.
قوله: «فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ» ، فسلمان قد أتى ليزوره وهو أخوه.
قوله: «فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا فَقَالَ: كُلْ، قَالَ: فَإِنِّي صَائِمٌ» أي: قال أبو الدرداء لضيفه وأخيه سلمان وقد قدم له الطعام: كل ولم يأكل هو، وذكر له أنه صائم.
قوله: «مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ» ، وفي رواية: «أقسمت عليك لتفطرن» ؛ فأفطر أبو الدرداء وأكل، فناما جميعًا في المكان.
قوله: «فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ» ، يعني: من أول الليل.
قوله: «قَالَ: نَمْ فَنَامَ» ، يعني: قال له سلمان: نم الآن ليس ثَمَّ صلاة، ولكن ثَمَّ نوم.
قوله: «ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ، فَقَالَ: نَمْ» يعني: ذهب ليقوم في منتصف الليل ، فقال له سلمان: نم.
قوله: «فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، قَالَ سَلْمَانُ: قُمْ الآْنَ فَصَلَّيَا» ؛ فقاما للصلاة جميعًا.
قوله: «فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلأَِهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ» ، يعني: إذا صرت تصلي الليل، وتصوم النهار، ضيعت الحقوق؛ حقوق أهلك، والكسب لأولادك، وحق الضيف، فكل هذه حقوق.
قوله: «فَأَتَى النَّبِيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ» ، أي: ذهب أبو الدرداء للنبي ﷺ وقال له الذي قاله سلمان.
قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: صَدَقَ سَلْمَانُ. في الحديث :جواز الفطر من صوم التطوع، وهو قول الجمهور ولو كان واجبًا بالشروع لبينه النبي ﷺ في السنة.
وفيه: أنه ينبغي للإنسان مراعاة الحقوق التي عليه بالتناسب، وأن لا يجتهد في بعضها، ويهمل البعض الآخر.
وفيه: أن القضاء ليس بواجب إذا أفطر من صوم التطوع؛ لأن النبي ﷺ ما أمر أبا الدرداء، بقضاء هذا اليوم.
المتن:
باب صَوْمِ شَعْبَانَ
1969 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلاَّ رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ.
1970 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها حَدَّثَتْهُ قَالَتْ: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ ﷺ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً دَاوَمَ عَلَيْهَا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم صوم شعبان، هل هو مستحب أو ليس بمستحب؟
1969 ظاهر الحديث أن صيام شعبان مستحب؛ لأن النبي ﷺ كان يصوم شعبان إلا قليلاً، وجاء في الحديث الآخر: «ولم أره صائمًا من شهر قط أكثر من صيامه من شعبان، كان يصوم شعبان كله، كان يصوم شعبان إلا قليلاً» [(467)].
واختلف في معنى هذا الحديث، فقيل: العبارة التالية تفسر الأولى، وأن من صام أكثر الشهر فقد صام الشهر كله، فكان يصوم شعبان كله أي: كان يصوم شعبان إلا قليلاً.
وقيل: إنه كان في بعض السنين يصوم الشهر كاملاً، وفي بعضها يصوم أغلب الشهر.
واختلف العلماء في الحكمة من الإكثار من الصوم في شهر شعبان فقال بعضهم: لأنه يتفرغ في شعبان فيصوم ثلاثة الأيام التي كانت تفوته من الشهور الأخرى، وقيل: لأنه شهر يكون فيه الغفلة، كما جاء في بعض الروايات: ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ [(468)] والمقصد أن النبي ﷺ كان يكثر من الصيام في شهر شعبان، وكان كما قالت عائشة رضي الله عنها: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لاَ يَصُومُ» ، وهذا هديه ﷺ وهو أنه إذا كان الصوم يضعفه عن القيام بمصالح العامة يفطر، وإذا كان في وقت لا يمنعه الصيام من أمور العامة فإنه يصوم لكي يجمع بين الأمرين، على خلاف ما يتكلف كثير من العباد من الصوم المستمر الذي يضعف أحدهم عن القيام بواجباته الأخرى وبالمصالح العامة، فالنبي ﷺ ربما سرد الصوم وربما سرد الفطر، على حسب فراغه وشغله.
قولها: «وَأَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ، وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاَةً دَاوَمَ عَلَيْهَا» . فيه: فضل المداومة على العمل الصالح وإن كان قليلاً، فركعات معدودة يصليها من آخر الليل وأيام يصومها من كل شهر ويداوم عليها أفضل من كونه مرة يصلي كثيرًا ومرة لا يصلي، وأفضل من أن يصوم كثيرًا في بعض الشهور، وفي بعضها لا يصوم.
1970 قوله: فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا. الملل هنا صفة كمال تليق بالله، وهي في مقابلة من مل فترك العمل، ومن ثمرات هذه الصفة: قطع الثواب عند قطع العمل، فإذا قطع العبد العمل، قطع الله الثواب، ومثلها الكيد والمكر والخداع، الذي ورد في قوله: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ [الأنفَال: 30] وقوله: وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطّارق: 16] وقوله: يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النِّسَاء: 142] فهذا فيه مقابلة الماكر والكائد والمخادع من الناس بصفات تليق بالله مجازاة لهؤلاء، وهي في المخلوق صفات نقص، لكن الله تعالى يتصف بها وله الكمال فيها.