المتن:
(32)كِتَاب صَـلاَةِ التَّرَاوِيح
باب فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ
2008 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ لِرَمَضَانَ: مَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
2009 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ ابْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالأَْمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الأَْمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما.
2010 وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ.
2011 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ.
2012 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ حَتَّى خَرَجَ لِصَلاَةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا، فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالأَْمْرُ عَلَى ذَلِكَ.
2013 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً؛ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي.
الشرح:
هذا الكتاب «كتاب صلاة التراويح» ، ثم بوب فقال: «بَابُ فَضْلِ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ» يعني: من قام لياليه مصليًا، والمراد من قيام الليل ما يحصل به مطلق القيام وهو التهجد، والمراد بقيام رمضان: الصلاة في رمضان في أوله وفي آخره، أما قول النووي: «المراد بالقيام في رمضان هو صلاة التراويح خاصة» [(510)] فلا، بل هو عام.
2008 في حديث أبي هريرة: بيان فضل قيام رمضان، وأن من قام رمضان له من الثواب والمغفرة إذا وفى بالشرط الذي شرطه النبي ﷺ قال: مَنْ قَامَهُ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، اشترط للمغفرة هذا الشرط إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، يعني: صام إيمانًا بالله ورسوله ﷺ، وتصديقًا ورضًا بشرعه، واحتسابًا للأجر والثواب، بخلاف من يقوم رمضان رياءً أو تقليدًا لا عن تصديق واحتساب الأجر، واحتسابه بأن يكون عن نية، فلا بد من هذا القيد، وقيد آخر: أنه لا بد من اجتناب الكبائر، فإذا صام رمضان عن إيمان واحتساب واجتنب الكبائر كفر الله ذنوبه السابقة بالصيام، وكذلك بالقيام.
فصيام رمضان يشترط فيه هذا الشرط، فقد ثبت في الحديث عن النبي ﷺ أنه قال: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ، إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ [(511)] فإذا صام رمضان يشترط له هذا الشرط لمغفرة الذنوب، فلابد لمغفرة الذنوب للصائم والقائم من أداء الواجبات وترك المحرمات؛ لحديث أبي هريرة مرفوعًا عند مسلم: الْصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمُعُةِ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانِ إِلَى رَمَضَانَ مُكفِّرَاتٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا اجْتُنِبَتِ الْكَبَائِرُ [(512)] ولقوله : إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا [النِّسَاء: 31] فلا بد من هذين الشرطين: أداء الفرائض، وترك الكبائر، والثاني: أن يكون الصيام أو القيام إيمانًا واحتسابًا.
وكذلك ليلة القدر من أسباب المغفرة، لكن بهذا الشرط؛ لما ثبت في الصحيح: مَنْ قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ [(513)] فيكون قيامها عن إيمان واحتساب، مع ترك الكبائر.
وقد اغتر قوم بهذا الفضل، وقالوا: نحن نقوم رمضان ونقوم ليلة القدر ونصلي الجمعة؛ فنحن مغفور لنا، فصاروا لا يبالون بالكبائر، وبعضهم لا يصلي إلا في رمضان، وبعض الناس إذا جاء رمضان يصلي التراويح ولا يفوته شيء منها، فإذا انتهى رمضان لا يصلي ويظن أنه يكفي، وبعضهم يصلي الجمعة وحدها، ويقول: إنها تكفي للأسبوع.
2009 قوله: «قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالأَْمْرُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ كَانَ الأَْمْرُ عَلَى ذَلِكَ فِي خِلاَفَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما» ، كما يأتي في حديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي ﷺ صلى التراويح في رمضان بالناس ثلاث ليال، ثم تركها خشية أن تفرض عليهم، فصار الناس في آخر حياة النبي ﷺ يصلون متفرقين، وفي خلافة أبي بكر كذلك، وصدرًا من خلافة عمر نحوًا من سنتين، ثم جمعهم عمر على إمام واحد.
2010 قوله: «وَعَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَيْلَةً فِي رَمَضَانَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا النَّاسُ أَوْزَاعٌ مُتَفَرِّقُونَ يُصَلِّي الرَّجُلُ لِنَفْسِهِ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ فَيُصَلِّي بِصَلاَتِهِ الرَّهْطُ» ، يعني: يصلي الناس متفرقين؛ هذا يصلي لنفسه، وهذا يصلي خلفه ثلاثة، وهذا يصلي خلفه أربعة، وهذا يصلي خلفه خمسة.
قوله: «فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي أَرَى لَوْ جَمَعْتُ هَؤُلاَءِ عَلَى قَارِئٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَمْثَلَ ثُمَّ عَزَمَ فَجَمَعَهُمْ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ» فصاروا يصلون كلهم خلف إمام واحد.
قوله: «ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُ لَيْلَةً أُخْرَى وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلاَةِ قَارِئِهِمْ قَالَ عُمَرُ: نِعْمَ الْبِدْعَةُ هَذِهِ» . المراد بالبدعة هنا: البدعة اللغوية ـ ليس المراد البدعة الشرعية ـ وهو جمعهم واستمرارهم على ذلك بعد انقطاع؛ لأن النبي ﷺ جمعهم فصلوا خلفه، ثم انقطع، ثم أعادهم عمر، فسماها بدعة، وقد تعلق قوم بهذه اللفظة من عمر فظنوا أنها بدعة شرعية، وقالوا: إنها بدعة حسنة، وقالوا: إن البدعة تنقسم إلى قسمين: بدعة حسنة، وبدعة سيئة، وهذا غلط؛ فليس في الشريعة بدعة حسنة، بل كل البدع ضلال، كما قال النبي ﷺ: كُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ [(514)].
قوله: «وَالَّتِي يَنَامُونَ عَنْهَا أَفْضَلُ مِنْ الَّتِي يَقُومُونَ يُرِيدُ آخِرَ اللَّيْلِ وَكَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ أَوَّلَهُ» . المراد أن جنس الصلاة في آخر الليل أفضل منها في أوله.
أما صلاة التراويح في أول الليل فهي أفضل منها في آخره؛ لما في ذلك من إحياء السنة والنشاط، وصلاة الجماعة وسماع القراءة، وليس المراد أن صلاة آخر الليل أفضل من صلاة التراويح.
2011 ذِكُره: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ صَلَّى وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ» أي: صلى بالناس وذلك في رمضان.
2012 في الحديث: أن النبي ﷺ صلى بهم ثلاث ليال، ففيه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاَتِهِ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا، فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ، فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاَتِهِ، فَلَمَّا كَانَتْ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ» أي: صلى النبي ﷺ بالناس ثلاث ليال، وفي الليلة الرابعة لم يخرج إليهم، فلما قضى الفجر أخبرهم ﷺ أنه علم بمكانهم، وقال: خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا.
قوله: «فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَالأَْمْرُ عَلَى ذَلِكَ» يعني: على أنهم يصلون التراويح فرادى.
2013 في الحديث: أن عائشة سئلت: «كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي رَمَضَانَ؟ فَقَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» المراد: ما كان يزيد في غالب أحواله على إحدى عشرة ركعة، وقد ثبت في حديث ابن عباس[(515)] وغيره أنه كان يصلي في بعض الأحيان ثلاث عشرة ركعة، كما أنه ينقص في بعض الأحيان عن إحدى عشرة ركعة؛ وذلك على حسب نشاطه.
فقد ثبت في «الصحيح» : أن النبي ﷺ صلى تسعًا وسردها، لا يجلس إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يقوم فيصل التاسعة[(516)].
وأوتر بسبع جلس في السادسة للتشهد الأول، وأثنى على الله، ثم قام إلى السابعة، ثم تشهد وسلم[(517)].
وأوتر بخمس لم يجلس بينهن[(518)].
وصلى ثلاثًا سردها ثم سلم، ولم يجلس في الثانية ولم يتشهد، ولم يشبهها بالمغرب[(519)]، فالمراد من كلام عائشة أن هذا في الأغلب، وإلا فقد أوتر بثلاث عشرة ركعة، وأوتر بسبع، وأوتر بتسع.
أما قول عائشة: «يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا» فليس المراد أنه يسردها بسلام واحد؛ بل المراد أنه يصلي ثنتين ثم ثنتين ثم ثنتين ثم ثنتين وهذه الثمان يطيلها، ثم يصلي ثلاثًا خفيفة، وهذا الحديث مجمل، يفسر بالأحاديث المحكمة الواضحة ـ والأحاديث يفسر بعضها بعضًا ـ التي تدل على أنه ﷺ كان يسلم من كل ركعتين.
قال ابن القيم في «إعلام الموقعين» : «النبي ﷺ أجاب السائل له عن صلاة الليل بأنها مثنى مثنى ولم يسأله عن الوتر وأما ـ أحاديث ـ السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر» [(520)].
وبهذا أمكن الجمع بين قوله وفعله ﷺ ولا تعارض بينهما، فالفعل مجمل والقول مفسر؛ فالحاصل أن السنة أن يسلم من كل ثنتين، إلا إذا نواها وترًا يسرد ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو تسعًا، ولا يصلي أربعًا أو ستًّا بسلام واحد.