المتن:
(33)كِتَاب فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدِرِ
باب فَضْلِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القَدر: 1-5].
قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَمَا أَدْرَاكَ فَقَدْ أَعْلَمَهُ وَمَا قَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ [الأحزَاب: 63] فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ.
2014 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ وَإِنَّمَا حَفِظَ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
الشرح:
هذا الباب معقود لبيان فضل ليلة القدر، ذكر فيه السورة الكريمة: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [القَدر: 1] يعني: القرآن الكريم وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ [القَدر: 2] للتفخيم والتعظيم من شأنها لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ [القَدر: 3]، هذا يدل على فضلها، قال العلماء: قيامها والعمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر؛ أي: أكثر من ثلاث وثمانين سنة. تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ [القَدر: 4-5]، أي: تنزل الملائكة والروح وهو جبريل ، وهي من كل أمر سلام، وأن السلام مستمر حتى طلوع الفجر، وسميت ليلة القدر، فالقدر: هو العظمة والشأن؛ لعظمتها وتفخيمها، وعظم قدرها عند الله، أو لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من صحة ومرض، وحياة وموت، وشقاء وسعادة، وعز وذل، وخفض ورفع إلى غير ذلك.
2014 في الحديث الذي ساقه المؤلف: أن صيام رمضان من أسباب المغفرة، وكذلك قيام ليلة القدر من أسباب المغفرة، ولكن بشرطين: أن يكون عن إيمان واحتساب، لا عن رياء ولا عن تجلد، فبعض الناس قد يصوم رياء أو تجلدًا؛ لئلا يخالف الناس أو لغير ذلك من المقاصد، فلا بد أن يكون ذلك إيمانًا واحتسابًا، ولا بد أيضًا من ترك الكبائر.
وأما قول ابن عيينة: «مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ وَمَا أَدْرَاكَ فقد أُعْلِمَهُ وما قال : وَمَا يُدْرِيكَ فَإِنَّهُ لَمْ يُعْلِمْهُ» فيعني: إذا قال: وَمَا أَدْرَاكَ: فقد علمه النبي ﷺ، وإذا قال: وَمَا يُدْرِيكَ: فإنه لم يعلمه، هذا في الأغلب.
وأما قوله تعالى: وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى [عَبَسَ: 3]، فقد علم النبي ﷺ حال ابن أم مكتوم، وأنه ممن تزكى ونفعته الذكرى، وأجاب عنه البعض أنه عند نزول الآية لم يكن النبي ﷺ يعلم حاله ثم علم بعد ذلك.
المتن:
باب الْتِمَاسِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي السَّبْعِ الأَْوَاخِرِ
2015 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَْوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَْوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَْوَاخِرِ.
2016 حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ وَكَانَ لِي صَدِيقًا فَقَالَ: اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْعَشْرَ الأَْوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ فَخَطَبَنَا، وَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ؛ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلْيَرْجِعْ، فَرَجَعْنَا وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ حَتَّى سَالَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لالتماس ليلة القدر في السبع الأواخر، وأن السبع الأواخر أرجى من غيرها.
2015 قوله: «عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رِجَالاً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ ﷺ أُرُوا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْمَنَامِ فِي السَّبْعِ الأَْوَاخِرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ فِي السَّبْعِ الأَْوَاخِرِ يعني: قد اتفقت.
وفيه: دليل على أن الرؤيا قد تكون سببًا في التشريع كما في ليلة القدر، وكما في الأذان؛ فقد تشاور المسلمون ماذا يفعلون للتنبيه على أن وقت الصلاة قد حان، فقال بعضهم: نضرب ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: نتخذ بوقًا كبوق اليهود، وقال آخرون: نشعل نارًا، ثم ناموا في تلك الليلة، فرأوا الأذان في النوم[(521)]، فأخبروا النبي ﷺ؛ فكان سببًا في التشريع، وهذه الرؤيا كانت سببًا في تشريع قيام ليلة القدر. وهذا في وقت التشريع خاصة، أما بعد وفاة النبي ﷺ فقد استقرت الشريعة وأكمل الله الدين، فلو رأى أحد رؤًى كثيرة تخالف الشريعة فإنها من الشيطان لا يُعمل بها، كما لو رأى أحد في المنام من يقول له: لا صلاة عليك أو لا صيام عليك، فهذا من الشيطان، ولا يلتفت إليه.
قوله: فَمَنْ كَانَ مُتَحَرِّيهَا فَلْيَتَحَرَّهَا فِي السَّبْعِ الأَْوَاخِرِ، يعني: تحريها في السبع الأواخر لا يدل على أنها منحصرة فيها، بل هي في العشر الأواخر، كما قال النبي ﷺ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ [(522)] كما أنها تتحرى في الوتر، قال النبي ﷺ: تحروا ليلة القدر في الوتر في العشر الأواخر من رمضان [(523)] وقد تكون في غير الوتر، وقد تكون في الأوتار، لكن الأوتار أرجى، والسبع الأواخر أرجى.
2016 قوله: «اعْتَكَفْنَا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْعَشْرَ الأَْوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ فَخَرَجَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ» فيه: دليل على أن من اعتكف في العشر فإنه يخرج صبيحة العشرين.
وفيه: أن النبي ﷺ قال: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا أَوْ نُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ فِي الْوَتْرِ، وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنِّي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، ثم صلى النبي ﷺ وسجد في الماء والطين تلك الليلة، ففيه دليل على أن الرؤيا قد تكون بعينها نفس الرؤيا التي رآها في المنام أنه يسجد في ماء وطين فقد تحققت في اليقظة، فسجد في ماء وطين، فصادفت ليلة القدر في تلك السنة ليلة إحدى وعشرين؛ ولهذا انصرف النبي ﷺ ليلة إحدى وعشرين، وقد سجد في الماء والطين، ولا يلزم استمرارها في هذه الليلة؛ بل هي متنقلة، فقد تكون في بعض السنين ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون ليلة اثنتين وعشرين، وقد تكون ليلة ثلاث وعشرين.
وفيه: دليل على أن المصلي لا يزيل في أثناء الصلاة ما على جبهته من تراب وغيره إلا بعد السلام؛ لأن النبي ﷺ انصرف والطين في جبهته، ولم يزله أثناء الصلاة.
المتن:
باب تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ فِيهِ عُبَادَةُ
2017 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا أَبُو سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.
2018 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ وَأَنَّهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ جَاوَرَ فِيهِ اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَمَرَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ، ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ، فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَثْبُتْ فِي مُعْتَكَفِهِ، وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا فَابْتَغُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، فَاسْتَهَلَّتْ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَمْطَرَتْ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِي نَظَرْتُ إِلَيْهِ انْصَرَفَ مِنْ الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً.
2019 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْتَمِسُوا.
2020 حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُجَاوِرُ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ وَيَقُولُ: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ.
2021 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى.
2022 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَْسْوَدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ وَعِكْرِمَةَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هِيَ فِي الْعَشْرِ هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ، أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ، يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ.
قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: عَنْ أَيُّوبَ وَعَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْتَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ.
الشرح:
2017 هذا الباب في «تَحَرِّي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ فِيهِ عُبَادَةُ» ، وذكر فيه حديث عبادة، ولكن الأحاديث التي ذكرها فيها أنها تتحرى في جميع الليالي في أوتارها وأشفاعها، وتحريها في الوتر من العشر يدل على أنها أرجى في الوتر من غيرها، والأوتار هي: ليالي إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين، ولا يدل على أنها لا تكون في غيرها، فقد تكون في غير الوتر، كما أن تحريها في السبع الأواخر يدل على أنها أرجى من غيرها، ولا يدل على أنها لا تكون في غير السبع الأواخر، بل قد تكون ليلة القدر في ليلة إحدى وعشرين، وقد تكون ليلة اثنين وعشرين، كما دل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ مِنْ الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فهو يدل على أنها مختصة بالعشر أشفاعها وأوتارها.
وفيه: دليل على أنها متنقلة وليست خاصة، ولو كانت معلومة لأخبر النبي ﷺ بها، وقد كانت في عهد النبي ﷺ ليلة إحدى وعشرين وصارت في غيرها.
2018 قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُجَاوِرُ فِي رَمَضَانَ» ، يعني: يعتكف.
قوله: «الْعَشْرَ الَّتِي فِي وَسَطِ الشَّهْرِ» ، يعني: العشر الأوسط من الشهر.
قوله: «فَإِذَا كَانَ حِينَ يُمْسِي مِنْ عِشْرِينَ لَيْلَةً تَمْضِي وَيَسْتَقْبِلُ إِحْدَى وَعِشْرِينَ رَجَعَ إِلَى مَسْكَنِهِ» ، أي: خرج من معتكفه.
قوله: «وَرَجَعَ مَنْ كَانَ يُجَاوِرُ مَعَهُ وَأَنَّهُ أَقَامَ فِي شَهْرٍ جَاوَرَ فِيهِ اللَّيْلَةَ الَّتِي كَانَ يَرْجِعُ فِيهَا فَخَطَبَ النَّاسَ فَأَمَرَهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: كُنْتُ أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ أي: الأوسط ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ العَشْرَ الأَوَاخِرَ . فهذا قبل أن يعلم أنها في العشر الأواخر، فكان في أول الأمر يعتكف العشر الأوسط، فلما أعلمه الله أنها في العشر الأواخر داوم على اعتكاف العشر الأواخر، واعتكف في هذه السنة عشرين، اعتكف العشر الأوسط، فلما خرج قال للناس: من اعتكف معي في العشر الأوسط فليعتكف في العشر الأواخر [(524)]؛ لأن الله أعلمه أنها في العشر الأواخر؛ ولهذا قال: وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا فَابْتَغُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ وَابْتَغُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ يعني: ابتغوها في العشر الأواخر، ابتغوها في كل وتر، هذا هو الأرجى.
قوله: وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. قال أبو سعيد: «فَاسْتَهَلَّتْ السَّمَاءُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَأَمْطَرَتْ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ فِي مُصَلَّى النَّبِيِّ ﷺ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَبَصُرَتْ عَيْنِي نَظَرْتُ إِلَيْهِ» أي: رسول الله ﷺ «انْصَرَفَ مِنْ الصُّبْحِ وَوَجْهُهُ مُمْتَلِئٌ طِينًا وَمَاءً» ؛ هذا يدل على أن تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين صادفت ليلة القدر.
2020 قوله: تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ هذا يشمل الأشفاع والأوتار.
2021 قوله: الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، فِي تَاسِعَةٍ تَبْقَى، فِي سَابِعَةٍ تَبْقَى فِي خَامِسَةٍ تَبْقَى هذا يدل على أنها تكون في الأشفاع والأوتار.
2022 قوله: هِيَ فِي الْعَشْرِ هِيَ فِي تِسْعٍ يَمْضِينَ، أَوْ فِي سَبْعٍ يَبْقَيْنَ؛ هذا يدل على أنها في الأشفاع وفي الأوتار، ويدل على ذلك حديث ابن عباس الذي بعده: الْتَمِسُوا فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ وهي من الأشفاع، فالحاصل أن العلماء اختلفوا في تعيين ليلة القدر اختلافًا واسعًا.
القول الأول: أن ليلة القدر رفعت، فهي غير موجودة.
القول الثاني: أنها موجودة، وهي في رمضان، ولا يدرى في أي رمضان.
القول الثالث: أنها في العشر الأواخر من رمضان، وهذا هو الصواب، ثم قال بعضهم: إنها مختصة بليلة معينة، وقال آخرون: إنها متنقلة.
والصواب: أنها تكون في الأشفاع والأوتار، بمعنى أنها تكون في بعض السنين ليلة إحدى وعشرين، وفي بعض السنين ليلة اثنين وعشرين، وفي بعض السنين ليلة ثلاث وعشرين، ولكن الأوتار أرجى من غيرها، والسبع الأواخر أرجى من غيرها، وليلة سبع وعشرين أرجى من غيرها، لكن ليس هناك جزم؛ فقد تكون في الأشفاع، وقد تكون في الأوتار.
ومن علاماتها: أن الشمس تطلع صبيحتها ليس لها شعاع[(525)].
المتن:
باب رفع معرفة ليلة القدر
2023 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ لِيُخْبِرَنَا بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلاَحَى رَجُلاَنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ: خَرَجْتُ لأُِخْبِرَكُمْ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَتَلاَحَى فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فَرُفِعَتْ، وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لَكُمْ، فَالْتَمِسُوهَا فِي التَّاسِعَةِ وَالسَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ.
الشرح:
2023 فيه: أن معرفة ليلة القدر رفعت بسبب التلاحي والتنازع والخصومات.
فالحديث: يدل على ذم هذه الأشياء والتحذير منها، وأنها قد تكون سببًا في العقوبة والحرمان من الخير؛ فالنبي ﷺ علم ليلة القدر، وخرج ليخبر الناس، فلما تلاحى بعض الصحابة رفعت ونسيها ﷺ.
وقول النبي ﷺ: وَعَسَى أَنْ يَكُونَ خَيْرًا يعني: لعل هذا فيه خير؛ لأن الناس إذا علموا أنها ليلة معينة اجتهدوا في هذه الليلة، وتركوا بقية الليالي، فلما لم يعلموا صاروا يجتهدون العشر الأواخر كلها؛ فتكثر الأعمال، وتكثر العبادات والطاعات، ويكثر الثواب والأجر، وهذا هو الخير.
وفيه: أن ليلة القدر تلتمس في الأشفاع كما تلتمس في الأوتار.
المتن:
باب الْعَمَلِ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ
2024 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ.
الشرح:
2024 في الحديث: فضل العشر الأواخر من رمضان، وأنه ينبغي للمسلم أن يزيد في نشاطه وفي العبادة في العشر الأواخر؛ اقتداء بالنبي ﷺ، فكان ﷺ يخص العشر الأواخر بما لا يخص غيرها.
قولها: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ» معنى شد المئزر: يعني: اعتزل النساء.
وقيل: اجتهد في العبادة.
وفي الحديث: استحباب الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان؛ اقتداء بالنبي ﷺ، فمن الأعمال التي يخص بها العشر: إحياء الليل، وإيقاظ الأهل؛ التماسًا لليلة القدر.