المتن:
(34)أَبَواب الاِعْتِكَافِ
باب الاِعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ وَالاِعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا
لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [البَقَرَة: 187].
2025 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ أَنَّ نَافِعًا أَخْبَرَهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ.
2026 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ.
2027 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَْوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ فَاعْتَكَفَ عَامًا حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةَ إِحْدَى وَعِشْرِينَ وَهِيَ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْ صَبِيحَتِهَا مِنْ اعْتِكَافِهِ، قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَعْتَكِفْ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ؛ وَقَدْ أُرِيتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ثُمَّ أُنْسِيتُهَا، وَقَدْ رَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ مِنْ صَبِيحَتِهَا، فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ، وَالْتَمِسُوهَا فِي كُلِّ وِتْرٍ، فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَلَى عَرِيشٍ فَوَكَفَ الْمَسْجِدُ، فَبَصُرَتْ عَيْنَايَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الْمَاءِ وَالطِّينِ مِنْ صُبْحِ إِحْدَى وَعِشْرِينَ.
الشرح:
هذا الكتاب عقده المؤلف لبيان أحكام الاعتكاف، والاعتكاف في اللغة: لزوم الشيء، وحبس النفس عليه.
وأما شرعًا: فهو المقام في المسجد، ولزوم المسجد من شخص مخصوص على صفة مخصوصة. والاعتكاف سنة، وليس بواجب إجماعًا إلا من نذره، فمن نذر أن يعتكف وجب عليه الوفاء بنذره، ومن اعتكف وشرع فيه فله أن يقطعه إذا لم يكن نذرًا له.
وأشار المؤلف بقوله: «بَابُ الاِعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ وَالاِعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا» إلى رد حديث: لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة المسجد الحرام ومسجدي والمسجد الأقصى [(526)] وهو حديث معلول؛ أراد المؤلف أن يرده فقال في الترجمة: «وَالاِعْتِكَافِ فِي الْمَسَاجِدِ كُلِّهَا» ؛ فليس خاصًّا بالمساجد الثلاثة كما في هذا الحديث المعلول.
واختلف العلماء في اشتراط الصوم في الاعتكاف، فذهب بعض العلماء إلى أنه لا بد من الصوم، وعلى هذا يكون أقل الاعتكاف يومًا؛ لأنه يصوم يومًا، والقول الثاني: أنه لا يشترط الصوم، وهذا هو الصواب، كما سيأتي أن عمر قال: يا رسول الله، إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام في الجاهلية، قال: أَوْفِ بِنَذْرِكَ [(527)] والليل ليس فيه صيام، فدل على أنه لا يشترط صيام.
وكذلك اختلف العلماء في المسجد هل لابد أن يكون جامعًا تصلى فيه الجمعة؟ فقيل: لا بد أن يكون جامعًا، وإذا لم يكن جامعًا فلا يصح اعتكافه، والصواب: أنه لا يشترط أن تقام فيه الجمعة، بل يشترط أن يكون مسجدًا تصلى فيه الصلوات الخمس.
والآية التي ذكرها المؤلف قوله تعالى: وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البَقَرَة: 187] المباشرة في الآية: الجماع، وإذا جامع المعتكف بطل اعتكافه بالإجماع، فالآية فيها دليل على تحريم الجماع للمعتكف.
وقوله: وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ دليل على أن المعتكف يلزم المسجد، ولا يخرج منه إلا لحاجة؛ فإن خرج لحاجة لم يشترطها بطل اعتكافه، أما المباشرة والتقبيل واللمس بشهوة فالأقرب لا تفسد الصوم فكذا الاعتكاف، فكذلك المعتكف، لكن تركه أولى، وإذا خاف ألا يصبر وجب تركه؛ لأن المعتكف كالصائم فإذا خاف من ثوران الشهوة ترك الاعتكاف.
2025 قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ» فيه: استحباب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، ويجوز في غيرها، كما اعتكف النبي ﷺ العشر الأول من شوال في بعض السنوات[(528)].
2026 قوله: «عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ» فيه: مشروعية اعتكاف النساء في المسجد، إذا لم يكن ثم محذور، فتعتكف المرأة إذا لم يكن هناك ريبة، ولا يخشى عليها من الفتنة، فإذا كان معها محرمها أو زوجها فلا بأس، وينبغي أن تكون النساء في غرفة أو في خباء كما اعتكف أزواج النبي ﷺ.
وفيه: أن النبي ﷺ اعتكف في العشر الأوسط، ثم اعتكف بعدها العشر الأواخر من رمضان، وهذا قبل أن يعلمه الله أنها في العشر الأواخر، فلما علم لزم العشر الأواخر.
وفيه: دليل على أنه في تلك السنة صادفت ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين؛ وهي الليلة التي رأى فيها النبي ﷺ أنه يسجد في الماء والطين، فرؤى الماء والطين في جبهته صبح ليلة إحدى وعشرين، ولكنها متنقلة في العشر الأواخر في أشفاعها وأوتارها.
2027 قوله: أُنْسِيتُهَا وفي رواية أخرى عنده: أو نسيتها [(529)]، وفي هذا حثٌّ على أن يقال في القرآن: نُسِّيت، وفي غيره: نَسيت.
المتن:
باب الْحَائِضُِ تُرَجِّلُ الْمُعْتَكفَ
2028 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
الشرح:
هذا الباب معقود لبيان جواز ترجيل الحائض رأس المعتكف، والترجيل معناه: تسريح الشعر ودهنه، فكان النبي ﷺ في المسجد معتكفًا، وكان بيته على باب المسجد، وكان في أول الأمر للصحابة الذين حول المسجد أبواب صغيرة على المسجد، يخرجون منها إلى المسجد للصلاة، ولهم أبواب أخرى من الجهة الثانية، فلما كان في آخر حياته في مرضه قال النبي ﷺ: سُدُّوا عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا المَسْجِدِ، غَيْرَ خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ [(530)] إشارة إلى أنه الإمام، وأنه خليفة بعده، فسُدت الأبواب التي على المسجد، وصاروا يخرجون من الأبواب الأخرى إلا خوخة أبي بكر.
2028 قوله: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ؛ فَأُرَجِّلُهُ» فعندما كان النبي ﷺ معتكفًا ـ وله باب على المسجد ـ كان يدلي رأسه إلى عائشة رضي الله عنها ـ وهي في حجرتها ـ فتسرح رأسه وتغسله، وهذا يدل على أن إخراج المعتكف رأسه من المسجد لا يدل على خروجه منه ما دامت رجلاه ثابتتين في المسجد.
وفيه: أن من أخرج بعض بدنه من مكان وحلف ألا يخرج منه لم يحنث حتى يخرج رجليه، ويعتمد عليها، فالنبي ﷺ كان بدنه في المسجد، وكان يدخل رأسه إلى عائشة رضي الله عنها فترجله وتدهنه، ولا يعتبر هذا خروجًا.
وفيه: جواز غسل المعتكف رأسه وترجيله ودهنه واغتساله.
المتن:
باب لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةٍ
2029 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُدْخِلُ عَلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأُرَجِّلُهُ وَكَانَ لاَ يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا.
الشرح:
2029 في الحديث: دليل على أن المعتكف لا يخرج من المسجد إلا لحاجة، كالبول والغائط والوضوء والاغتسال والأكل والشرب إن لم يمكن إحضاره في المسجد، وإذا وجد من يحضر له الطعام والشراب فلا يخرج، فإذا لم يجد يخرج ويأكل ويرجع، ويقضي حاجته من البول والغائط، ويلتحق بذلك القيء، والفصد وعلاج المرض.
واختلف العلماء في عيادة المريض وشهود الجنازة والنوم، فقيل: يبطل اعتكافه إن خرج، وهذا هو الصواب، فإذا خرج لعيادة المريض أو شهود الجنازة أو النوم يبطل اعتكافه، إلا إذا اشترط ذلك في ابتداء اعتكافه لم يبطل، وهو رواية عن الإمام أحمد[(531)]؛ ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: «السنة على المعتكف ألا يزور مريضًا، ولا يشهد جنازة» [(532)] إلا أن يشترطه والاشتراط بالنية لا باللفظ، فعند الدخول ينوي أنه يخرج لزيارة المريض، أو يخرج لشهود الجنازة فإذا اشترط فلا بأس، أما إذا لم يشترط فإنه يبطل اعتكافه.
وفيه: دليل على أن من أخرج رأسه أو بعض بدنه من المسجد لا يكون خارجًا منه، ومن حلف لا يدخل بيتًا ولا يخرج منه، فأدخل أو أخرج بعض رأسه أو بدنه لا يحنث ما دامت رجلاه خارج البيت.
المتن:
باب غَُسْلِ الْمُعْتَكِفِ
2030 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ.
2031 وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
الشرح:
2030، 2031 في الحديث: دليل على جواز غسل المعتكف رأسه.
وفيه: دليل على أن الحائض طاهرة: بدنها، وعرقها، وريقها، ويدها، فتغسل وتطحن وتعجن وتخبز وتعمل كل شيء؛ لأنها طاهرة ليست نجسة، والنجاسة تخص الدم فقط؛ ولهذا كان النبي ﷺ يباشر عائشة رضي الله عنها وهي حائض، وكانت تغسل رأسه وهي حائض، وقد قال النبي ﷺ لعائشة رضي الله عنها: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ والخمرة: سجادة صغيرة من الخوص قالت: إني حائض قال: ليست حيضتك في يدك [(533)] فناولته؛ لأن الحائض طاهرة.
المتن:
باب الاِعْتِكَافِ لَيْلاً
2032 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ سَأَلَ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ؟ قَالَ: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الاعتكاف ليلاً.
2032 فيه: دليل على جواز الاعتكاف ليلاً.
وفيه: أنه لا يشترط في الاعتكاف الصوم؛ لأن الليل لا صوم فيه، وهذا فيه الرد على من قال: إن الاعتكاف لا يصح إلا بصوم، كالحنابلة[(534)] الذين يقولون: لا اعتكاف إلا بصوم [(535)]، ولا اعتكاف إلا في مسجد الجماعة، وكانت عائشة ـ أيضًا ـ ترى هذا ففي «بلوغ المرام» [(536)]: كانت عائشة ترى أنه لا اعتكاف إلا بصوم، وكان ابن عباس يرى أنه لا يشترط الصوم.
وهذه المسألة من مسائل النزاع، وإذا رددناها إلى الكتاب والسنة وجدنا أن النبي ﷺ قال لعمر: فَأَوْفِ بِنَذْرِكَ، وهو نذر ليلة، والليل ليس فيه صوم.
وفيه: أن الكافر إذا نذر اعتكافًا أو صومًا أو غيره من العبادات، ثم أسلم ـ فإنه يفي بنذره في الإسلام؛ للنص على الاعتكاف، وتنبيه النص على غيره من العبادات؛ فعمر رضي الله عنه نذر الاعتكاف في الجاهلية فوفى به في الإسلام بأمر النبي ﷺ، وكذلك إذا نذر صومًا أو نذر طاعة في الجاهلية.
المتن:
باب اعْتِكَافِ النِّسَاءِ
2033 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، فَكُنْتُ أَضْرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ، فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً، فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ ﷺ رَأَى الأَْخْبِيَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: آلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟ فَتَرَكَ الاِعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ، ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ.
الشرح:
2033 في الحديث: دليل على جواز اعتكاف المرأة في المسجد إذا كان لا يُخشى عليها من الفتنة، وليس هناك محذور، وبعض العلماء يقول: تعتكف في مسجد بيتها.
والصواب: أنه في مسجد الجماعة، لكن بشرط أن تؤمن عليها الفتنة، ولا يكون عليها خطر، ويكون معها وليها، وتكون في غرفة أو في خباء.
وفي الحديث: دليل على أن المعتكف يدخل معتكفه صبيحة يوم عشرين، لا يدخل في الليل وإنما يدخل في الصباح، وأما ليلة إحدى وعشرين فتتحرى ليلة القدر فيها، ولو لم يدخل المعتكف في الصباح ودخل بعد المغرب ليلة إحدى وعشرين فحسن.
قولها: «فَاسْتَأْذَنَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَضْرِبَ خِبَاءً فَأَذِنَتْ لَهَا» فيه: دليل على فضل عائشة رضي الله عنها؛ لأن حفصة استأذنتها فضربت حفصة خباء ـ خيمة ـ في المسجد ـ حتى تعتكف فيه.
قولها: «فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضَرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ، فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ ﷺ رَأَى الأَْخْبِيَةَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ» أي: قالوا: هذه خيمة لحفصة، وهذه خيمة لزينب، فقال: آلْبِرَّ تُرَوْنَ بِهِنَّ؟ استفهام، أصلها «أالبر» ، ثم سهلت الهمزتان فصارت مدًّا، خاف عليهن عدم الإخلاص في عبادة الاعتكاف، فخاف من أن يكون الحامل لهن على الاعتكاف التنافس الناشئ من الغيرة التي تكون بين الضرائر؛ فلذلك ترك الاعتكاف في العشر الأواخر من تلك السنة.
قولها: «ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ» أي: قضاها في العشر الأوائل من شوال، فَقُوّضت خيمة النبي ﷺ، وَقُوّضت الخيام جميعًا.
المتن:
باب الأَْخْبِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ
2034 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلَمَّا انْصَرَفَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ إِذَا أَخْبِيَةٌ خِبَاءُ عَائِشَةَ، وَخِبَاءُ حَفْصَةَ، وَخِبَاءُ زَيْنَبَ، فَقَالَ: آلْبِرَّ تَقُولُونَ بِهِنَّ؟، ثُمَّ انْصَرَفَ فَلَمْ يَعْتَكِفْ حَتَّى اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ.
الشرح:
2034 هذا الحديث أعاده المؤلف لاستنباط الأحكام، فالمؤلف رحمه الله قد يكرر الحديث أكثر من عشر مرات أحيانًا؛ لاستنباط الأحكام، فهذا الحديث ساقه أولاً لبيان جواز اعتكاف المرأة، أما هنا فلبيان جواز الأخبية في المسجد، والأخبية: الخيام، ففيه جواز وضع الخباء في المسجد للمعتكف ليخلو بربه إذا كان في المسجد سعة، أما إذا كان ضيقًا فلا يضيق على الناس، فإذا كان المسجد فيه غرف تُكِن المعتكفين أو فيه رحبة تتسع لضرب الخيمة لمعتكف أو اثنين أو ثلاثة فلا بأس.
وفيه: أن نساء النبي ﷺ ضربن أخبية، فلما خرج النبي ﷺ ورأى هذه الأخبية خاف عليهن عدم الإخلاص الناشئ عن الغيرة؛ فترك الاعتكاف في تلك السنة.
وفيه: ترك الأفضل للمصلحة؛ فاعتكاف العشر فضيلة، لكن تركها ﷺ للمصلحة وهي خشية الرياء والتنافس والغيرة.
وفيه: ترك الاعتكاف تعزيرًا لأزواجه اللاتي ضربن أخبية تنافسًا بسبب الغيرة؛ خوفًا عليهن من الرياء وعدم الإخلاص.
المتن:
باب هَلْ يَخْرُجُ الْمُعْتَكِفُ لِحَوَائِجِهِ إِلَى بَابِ الْمَسْجِدِ
2035 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرنِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَهَا يَقْلِبُهَا، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ، مَرَّ رَجُلاَنِ مِنْ الأَْنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ: عَلَى رِسْلِكُمَا؛ إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الإِْنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ؛ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان جواز خروج المعتكف لحوائجه إلى باب المسجد، كما خرج النبي ﷺ ليودع زوجته صفية إلى باب المسجد، وكان بابها عند باب المسجد.
2035 في الحديث: جواز زيارة المرأة زوجها وهو معتكف في المسجد.
قوله: «فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً» . المراد: جزء من الزمن، وليس المراد مقدار الساعة المتعارف عليه الآن.
وقوله: «ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ» ، يعني: ترجع إلى بيتها. «فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَهَا يَقْلِبُهَا» يعني: يردها ويعيدها إلى بيتها، «حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ بَابَ الْمَسْجِدِ» وكان بيت صفية رضي الله عنها عند باب المسجد «عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ» .
وفيه: دليل على أن المعتكف يخرج لحوائجه إلى باب المسجد.
وفيه: دليل على جواز خروج المعتكف لرد زوجته إلى باب المسجد، وأن هذا من الحوائج، وإن دعت الحاجة يتجاوز باب المسجد فله ذلك.
وفيه: جواز زيارة المعتكف في المسجد والتحدث معه.
قوله: «مَرَّ رَجُلاَنِ مِنْ الأَْنْصَارِ» ، أي: لما خرج النبي ﷺ يودع زوجته رضي الله عنها رآه رجلان من الأنصار فأسرعا ـ يعني: حياء من النبي ﷺ؛ لأن معه أهله، فقال النبي ﷺ: عَلَى رِسْلِكُمَا يعني: لا تسرعا؛ إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ أي: زوجتي صفية، «فَقَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا» يعني: ما عندنا شك، «فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الإِْنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ؛ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا، وفي لفظ: شرًّا [(537)].
فيه: دليل على أن الإنسان إذا خاف أن يظن به السوء أو يتهم أن يبين حقيقة الأمر حتى لا يظن به السوء، ولا يقف موقف تهمة؛ حتى لا يقذف الشيطان في قلب من رآه شرًّا وسوءًا.
وقوله: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الإِْنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، فيه: دليل على أن الجني قد يدخل بدن الإنسان لقوله في الحديث الآخر: يَجْرِي مِنَ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ [(538)].
وفيه: الرد على من أنكر ذلك من المعتزلة الذين أنكروا دخول الجني الإنسي وهذا قديم، وأصبح الآن بعض الناس على طريقة المعتزلة ينكرون دخول الجني الإنسان، كبعض المتكلمين والمتحدثين في التلفاز وغيره، يقول: الجن موجود، لكني أنكر دخولهم الإنسان.
وهذا يخالف الحس، ويخالف الواقع، والنص صريح، والله تعالى يقول: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البَقَرَة: 275] فالنصوص صريحة في أن الشيطان والجني قد يداخل الإنسان، والحس شاهد على ذلك، فإنكار المعتزلة المتقدمين والمتأخرين لا وجه له.
المتن:
باب الاِعْتِكَافِ وَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ
2036 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ هَارُونَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ﷺ قُلْتُ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَذْكُرُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ: قَالَ: نَعَمْ اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَشْرَ الأَْوْسَطَ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ: فَخَرَجْنَا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ قَالَ: فَخَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَإِنِّي نُسِّيتُهَا فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ فِي وِتْرٍ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَسْجُدَ فِي مَاءٍ وَطِينٍ، وَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلْيَرْجِعْ، فَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى الْمَسْجِدِ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً، قَالَ: فَجَاءَتْ سَحَابَةٌ فَمَطَرَتْ، وَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَسَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الطِّينِ وَالْمَاءِ حَتَّى رَأَيْتُ الطِّينِ فِي أَرْنَبَتِهِ وَجَبْهَتِهِ.
الشرح:
2036 هذا الحديث كرره المؤلف مرات، والأحاديث الباقية كلها مكررة، فالمؤلف رحمه الله يكرر الأحاديث؛ لاستنباط الأحكام، وهذا الحديث ذكره المؤلف في الاعتكاف وبين أن خروج النبي ﷺ كان صبيحة عشرين؛ لأن النبي ﷺ كان أولاً يعتكف العشر الأوسط قبل أن يُعلمه الله أن ليلة القدر في العشر الأواخر، ثم اعتكف العشرين في تلك السنة لما أعلمه الله أنها في العشر الأواخر، وكان قد خرج صبيحة عشرين، ثم رجع مرة أخرى.
وفيه: أن النبي ﷺ أريها في النوم فقال: إِنِّي أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ورؤيا الأنبياء حق؛ لأنها وحي قال: وَإِنِّي نُسِّيتُهَا.
وفيه: أن ليلة القدر تكون في العشر الأواخر من رمضان
وفيه: أنه في تلك السنة صادفت ليلة إحدى وعشرين.
وفيه: أن ليلة القدر متنقلة، وليست خاصة بسبع وعشرين، بل هي متنقلة في العشر الأواخر في الأشفاع والأوتار.
المتن:
باب اعْتِكَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ
2037 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ امْرَأَةٌ مِنْ أَزْوَاجِهِ مُسْتَحَاضَةٌ فَكَانَتْ تَرَى الْحُمْرَةَ وَالصُّفْرَةَ، فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا وَهِيَ تُصَلِّي.
الشرح:
2037 في الحديث: جواز اعتكاف من به حدث دائم كالسلس والاستحاضة والجروح السيالة، لكن مع التحفظ من وقوع شيء من الأذى في المسجد، وهذه المرأة المستحاضة قيل: إنها أم سلمة، والمعروف أنها زينب.
وقولها: «فَرُبَّمَا وَضَعْنَا الطَّسْتَ تَحْتَهَا» ، الطست: يشبه الصحن الكبير الذي يغسل فيه الثياب مبالغة في الحيطة، حتى لا يخرج منها شيء عند قيامها، فوضعوا الطست تحتها محافظة على طهارة المسجد.
المتن:
باب زِيَارَةِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا فِي اعْتِكَافِهِ
2038 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُالرَّحْمَنِ ابْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ أَخْبَرَتْهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ ابْنِ الْحُسَيْنِ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُ أَزْوَاجُهُ فَرُحْنَ فَقَالَ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ: لاَ تَعْجَلِي حَتَّى أَنْصَرِفَ مَعَكِ، وَكَانَ بَيْتُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ مَعَهَا، فَلَقِيَهُ رَجُلاَنِ مِنْ الأَْنْصَارِ فَنَظَرَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ أَجَازَا، وَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ ﷺ: تَعَالَيَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِْنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ؛ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يُلْقِيَ فِي أَنْفُسِكُمَا شَيْئًا.
الشرح:
2038 هذا الحديث قد سبق، وسيكرره المؤلف مرة أخرى لاستنباط الأحكام فذكره هنا لبيان زيارة المرأة لزوجها في الاعتكاف.
وفيه: أنه لا بأس للزوجة أن تزور زوجها في المسجد وهو معتكف، فإذا خرجت يخرج معها يردها إلى بيتها.
وفيه: أن رجلين من الأنصار لما رأيا النبي ﷺ «أَجَازَا» يعني: أسرعا، فقال: تَعَالَيَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ، أي لا تسرعا.
قوله: «قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ» ، فيه: أنه إذا تعجب الإنسان يشرع له أن يقول: سبحان الله، أو الله أكبر، كما قال النبي ﷺ: «الله أكبر إنها السنن قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل: اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعرَاف: 138]» [(539)] قاله لما قالوا له: اجعل لنا ذات أنواط. ولا يشرع له أن يصفق؛ فالتصفيق من صفات النساء ومن فعل المشركين ، قال تعالى: وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً [الأنفَال: 35].
المتن:
باب هَلْ يَدْرَأُ الْمُعْتَكِفُ عَنْ نَفْسِهِ
2039 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّ صَفِيَّةَ أَخْبَرَتْهُ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يُخْبِرُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ صَفِيَّةَ رضي الله عنها أَتَتْ النَّبِيَّ ﷺ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَلَمَّا رَجَعَتْ مَشَى مَعَهَا فَأَبْصَرَهُ رَجُلٌ مِنْ الأَْنْصَارِ فَلَمَّا أَبْصَرَهُ دَعَاهُ فَقَالَ: تَعَالَ هِيَ صَفِيَّةُ، وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: هَذِهِ صَفِيَّةُ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ قُلْتُ لِسُفْيَانَ: أَتَتْهُ لَيْلاً؟ قَالَ: وَهَلْ هُوَ إِلاَّ لَيْلٌ.
الشرح:
قوله: «بَابٌ هَلْ يَدْرَأُ الْمُعْتَكِفُ عَنْ نَفْسِهِ» يعني: هل للمعتكف أن يدفع عن نفسه التهمة في القول أو الفعل إذا خشي أن يقذف الشيطان في قلب من رآه شرًّا وسوءًا.
2039 في الحديث: أنه ينبغي للمعتكف أن يدفع عن نفسه التهم، وعلى المسلم أن يقطع على الشيطان الطريق أن يساء به الظن، ويوصد أمامه الأبواب المؤدية إلى ذلك.
وفيه: جواز زيارة المرأة زوجها في المعتكف، ولو ليلاً.
المتن:
باب مَنْ خَرَجَ مِنْ اعْتِكَافِهِ عِنْدَ الصُّبْحِ
2040 حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَْحْوَلِ خَالِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: وَأَظُنُّ أَنَّ ابْنَ أَبِي لَبِيدٍ حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: اعْتَكَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ الْعَشْرَ الأَْوْسَطَ فَلَمَّا كَانَ صَبِيحَةَ عِشْرِينَ نَقَلْنَا مَتَاعَنَا فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ كَانَ اعْتَكَفَ فَلْيَرْجِعْ إِلَى مُعْتَكَفِهِ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ، وَرَأَيْتُنِي أَسْجُدُ فِي مَاءٍ وَطِينٍ. فَلَمَّا رَجَعَ إِلَى مُعْتَكَفِهِ وَهَاجَتْ السَّمَاءُ فَمُطِرْنَا، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَقَدْ هَاجَتْ السَّمَاءُمِنْ آخِرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا فَلَقَدْ رَأَيْتُ عَلَى أَنْفِهِ وَأَرْنَبَتِهِ أَثَرَ الْمَاءِ وَالطِّينِ
الشرح:
2040 في الحديث: دليل على أنه ﷺ خرج صبيحة عشرين من رمضان، ثم عاد مرة أخرى، واعتكف العشر الأواخر لما أعلمه الله أنها في العشر الأواخر.
وفيه: أن ليلة إحدى وعشرين كانت ليلة القدر في تلك السنة؛ لأنه رأى في الليل أنه يسجد في ماء وطين فتحققت رؤياه، فسجد في الماء والطين ليلة إحدى وعشرين.
وفيه: أن ليلة القدر متنقلة في العشر الأواخر، وليست خاصة بسبع وعشرين، وبعض الناس يجزم أن ليلة سبع وعشرين هي ليلة القدر.
والصواب: أنها أرجى من غيرها، لكن لا جزم.
المتن:
باب الاِعْتِكَافِ فِي شَوَّالٍ
2041 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ وَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ قَالَ: فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ أَنْ تَعْتَكِفَ فَأَذِنَ لَهَا فَضَرَبَتْ فِيهِ قُبَّةً فَسَمِعَتْ بِهَا حَفْصَةُ فَضَرَبَتْ قُبَّةً وَسَمِعَتْ زَيْنَبُ بِهَا فَضَرَبَتْ قُبَّةً أُخْرَى فَلَمَّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْغَدَاةِ أَبْصَرَ أَرْبَعَ قِبَابٍ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَأُخْبِرَ خَبَرَهُنَّ، فَقَالَ: مَا حَمَلَهُنَّ عَلَى هَذَا آلْبِرُّ؟ انْزِعُوهَا فَلاَ أَرَاهَا. فَنُزِعَتْ فَلَمْ يَعْتَكِفْ فِي رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي آخِرِ الْعَشْرِ مِنْ شَوَّالٍ.
الشرح:
2041 هذا الحديث كرره المؤلف ليبين جواز الاعتكاف في شوال.
وفيه: الرد على من قال: لا اعتكاف إلا في رمضان؛ فالنبي ﷺ اعتكف في شوال.
وفيه: أن النبي ﷺ كان يدخل معتكفه بعد أن يصلي الغداة أي: الصبح يوم عشرين، وإن دخله ليلاً؛ أي ليلة إحدى وعشرين فلا بأس.
وإنما قال النبي ﷺ: انْزِعُوهَا؛ لأنه خشي عليهن عدم الإخلاص، وخشي أن يكون الحامل لهن على الاعتكاف التنافس الناشئ عن الغيرة، فخشي عليهن الرياء.
وفيه: ترك العمل إذا خشي الرياء.
المتن:
باب مَنْ لَمْ يَرَ عَلَيْهِ صَوْمًا إِذَا اعْتَكَفَ
2042 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: أَوْفِ نَذْرَكَ، فَاعْتَكَفَ لَيْلَةً.
الشرح:
2042 هذا الحديث أيضًا كرره المؤلف رحمه الله لاستنباط الأحكام، وهذا الحديث فيه دليل على أنه لا يشترط الصوم في الاعتكاف.
وفيه: الرد على من قال: إنه لا بد من الصوم في الاعتكاف؛ لأن الليل لا صوم فيه؛ لأن عمر اعتكف ليلة، والليل ليس فيه صوم.
وفيه: أن الكافر إذا نذر طاعة ثم أسلم شرع له الوفاء بنذره للنص على الاعتكاف، ويقاس عليه غيره من الطاعات فإذا نذر صومًا أو حجًّا يفي به.
المتن:
باب إِذَا نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ أَسْلَمَ
2043 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ نَذَرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ: أُرَاهُ قَالَ: لَيْلَةً قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَوْفِ بِنَذْرِكَ.
الشرح:
2043 قوله: أَوْفِ بِنَذْرِكَ هذا الأمر للوجوب.
وفي الحديث: دليل على وجوب وفاء الكافر بنذره إذا أسلم؛ لأن النبي ﷺ قال له: أَوْفِ بِنَذْرِكَ، والأصل في الأوامر الوجوب، فإذا نذر حال كفره ثم أسلم يجب عليه الوفاء بنذره.
المتن:
باب الاِعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَْوْسَطِ مِنْ رَمَضَانَ
2044حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا.
الشرح:
2044 قوله: «عَنْ أَبِي حَصِينٍ» ـ بفتح الحاء ـ وهو: عثمان بن عاصم، وما عداه من الرواة فهو حُصين بضم الحاء.
قوله: «فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ اعْتَكَفَ عِشْرِينَ يَوْمًا» هي العشر الأواسط والعشر الأواخر كما بين ذلك في رواية أخرى[(540)]، وإنما اعتكف عشرين يومًا في العام الذي قبض فيه استكثارًا من أعمال الخير عند قرب الأجل، ويشرع للمسلم الاستكثار من فعل الخير عند تقدم السن؛ اقتداء بالنبي ﷺ، ومثل ذلك لما نزل قول الله تعالى: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النّصر: 1-3] قال ابن عباس: أجل رسول الله ﷺ أعلمه إياه[(541)]، فكان النبي ﷺ بعد نزول هذه الآية يقول في ركوعه وسجوده: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يتأول القرآن[(542)].
فيشرع للإنسان عند تقدم السن أن يكثر من التسبيح والتهليل والاستغفار.
المتن:
باب مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَخْرُجَ
2045 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَْوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ذَكَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الأَْوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَةُ فَأَذِنَ لَهَا وَسَأَلَتْ حَفْصَةُ عَائِشَةَ أَنْ تَسْتَأْذِنَ لَهَا فَفَعَلَتْ فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ أَمَرَتْ بِبِنَاءٍ فَبُنِيَ لَهَا قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا صَلَّى انْصَرَفَ إِلَى بِنَائِهِ فَبَصُرَ بِالأَْبْنِيَةِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟، قَالُوا: بِنَاءُ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: آلْبِرَّ أَرَدْنَ بِهَذَا؟ مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ، فَرَجَعَ فَلَمَّا أَفْطَرَ اعْتَكَفَ عَشْرًا مِنْ شَوَّالٍ.
الشرح:
2045 قوله: «فَبَصُرَ بِالأَْبْنِيَةِ» يعني: الأخبية؛ وهي خيمات في المسجد.
وفيه: أن من أراد أن يعتكف أو يصوم أو يتصدق أو أن يصنع عبادة نفلاً لا نذرًا، ثم بدا له أن لا يفعل فلا حرج ما لم يحرم بحج أو عمرة، فإذا أحرم بحج أو عمرة فإنه يجب إتمامهما ولو كانا نقلا، أما الصلاة والصيام والاعتكاف فيستحب، فالأفضل إذا اعتكف ـ تطوعًا وليس بنذر ـ أن يستمر، ويجوز أن يخرج؛ ولهذا خرج النبي ﷺ من المعتكف وقال: مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ، ثم قضى هذا في شوال.
وفيه: استحباب قضاء المرء ما اعتاده من الخير إذا فات.
وفيه: تأديب الرجل زوجاته إذا خاف عليهن اختلاف النيات بسبب التنافس الناشئ عن الغيرة، فخاف عليهن ﷺ من الرياء، فقال: آلْبِرَّ أَرَدْنَ بِهَذَا؟ مَا أَنَا بِمُعْتَكِفٍ، يعني: هل يردن البر بهذا التنافس؟ فعزرهن، فقوضت خيمته وقوضت خيامهن، فلم يعتكف تلك السنة ثم قضاها في شوال.
المتن:
باب الْمُعْتَكِفِ يُدْخِلُ رَأْسَهُ الْبَيْتَ لِلْغَُسْلِ
2046 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ النَّبِيَّ ﷺ وَهِيَ حَائِضٌ، وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأْسَهُ.
الشرح:
2046 هذا الحديث كرره المؤلف لاستنباط الأحكام.
وهذا الحديث فيه فوائد منها:
أولاً: جواز غسل المعتكف رأسه، وجواز ترجيل المرأة رأس زوجها المعتكف، وأن ذلك لا يؤثر في الاعتكاف.
ثانيًا: أن بدن الحائض طاهر، ويدها طاهرة، وأن النجاسة تختص بالدم فقط؛ ولهذا لما قال النبي ﷺ لعائشة: نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ قالت: إني حائض قال: ليست حيضتك في يدك [(543)].
ثالثًا: فيه جواز إبقاء شعر الرأس للرجل وتسريحه إلا إذا كان شعارًا للفساق يغازلون به النساء فلولي الأمر منعهم من إبقائه، بل يجب عليه ذلك سدًّا لذريعة الشر والفساد.
أما إذا لم يكن هناك ذريعة فالسنة إبقاء شعر الرأس. قال الإمام أحمد[(544)]: لو نقوى عليه اتخذناه، لكنه يحتاج إلى دهن وغسل، والحلق جائز، لكن إبقاءه سنة إذا أراد أن يقتدي بالنبي ﷺ فقد قال ﷺ: مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ [(545)].
رابعًا: أن خروج بعض البدن كالرأس أو اليد أو الرجل أو إدخاله في شيء لا يعتبر دخولاً ولا خروجًا ما دام مستقرًّا في مكانه بقدميه، ومن ذلك أنه لو أخرج المعتكف رأسه أو يده أو رجله من المسجد لا يعتبر ذلك خروجًا، ولا يؤثر في اعتكافه ولا يعتبر خارجًا من المسجد، ولا يؤمر لذلك بتحية المسجد؛ لأنه ما خرج، ومن ذلك أنه لو حلف بالطلاق أنه لا يخرج من المسجد، ثم أخرج يده أو أخرج رأسه أو صافح إنسانًا لا تطلَّق زوجته، ومن ذلك أيضًا أنه إذا حلف بالطلاق لا يدخل بيت فلان فأدخل يده ليصافح إنسانًا أو أدخل رجله أو أدخل فيه رأسه ليعانقه فإنه لا يحنث؛ لأنه لا يعتبر ذلك دخولاً ما دام مستقرًّا خارج البيت، والله أعلم.