المتن:
(35)كِتَاب البُيُوعِ
كِتَاب الْبُيُوعِ وَقَوْلُ اللَّهِ : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البَقَرَة: 275]
وَقَوْلُهُ: إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ [البَقَرَة: 282]
الشرح:
بعدما ذكر المؤلف رحمه الله أركان الإسلام الخمسة في كتب وأبواب وأحاديث أعقب ذلك بكتاب البيوع على عادة المؤلفين؛ فالمؤلفون يبدءون أولاً بكتاب التوحيد والإيمان والكلام في الشهادتين؛ لأن التوحيد والإيمان والشهادتين أصل الدين وأساس الملة؛ ثم بعد ذلك يبوبون للطهارة؛ لأنها مفتاح الصلاة، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الصيام، ثم الحج؛ ولكن البخاري قدَّم الحج على الصوم؛ لما جاء في بعض الروايات: وأن تحج البيت وأن تصوم [(1)] ثم بعد ذلك يذكرون البيع والشراء؛ لأن المعاملات تأتي بعد العبادات، فإذا انتهوا من الكلام في العبادات بوبوا للمعاملات، وأول المعاملات البيع، ثم تأتي بقية المعاملات كالصلح والإجارة والمساقاة والمزارعة، ثم يأتي بعد ذلك النكاح، لكن الإمام مسلم قدَّم النكاح، فبعد الحج أتى بكتاب النكاح ثم الطلاق ثم العتق ثم بعده كتاب البيع، وأكثر المؤلفين يبدءون بالبيع قبل النكاح.
والبيع لغة: الأخذ والإعطاء.
واصطلاحًا: أن ينقل ملكًا إلى غيره بثمن والشراء قبوله بثمن.
وجمع المؤلف رحمه الله فقال: البيوع؛ لاختلاف الأنواع؛ فالبيع أنواع متعددة.
والبيع مشروع وحلال، دلَّ على حله وإباحته الكتاب العزيز والسنة المطهرة والإجماع، قال الله تعالى في كتابه العظيم: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البَقَرَة: 275]، وقال النبي ﷺ لما سئل: أي: الكسب أطيب؟ قال: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ [(2)]، وأجمع المسلمون على حل البيع.
«وَقَوْلُ اللَّهِ : وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ، وَقَوْلُهُ: إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ [البَقَرَة: 282]» ، هاتان الآيتان دليل لأصل من الأصول، وهو أن الأصل في البيوع الحل، فإذا أشكل عليك هذا البيع حلال أم حرام، فالأصل أنه حلال حتى يأتي الدليل على أنه حرام، والأصل في الأبضاع والفروج التحريم حتى يأتي الحل، والأصل في الذبائح التحريم، بخلاف العبادات فإن الأصل فيها أنها توقيفية، فالأصل فيها الحظر والمنع.
وللعلماء في الآية الأولى أقوال:
قيل: إنها من العام المخصوص، فإن اللفظ عام يتناول كل بيع فيقتضي إباحة الجميع، لكن منع الشارع بيوعًا أخرى فيكون عامًّا مخصوصًا بما دلّ الدليل على منعه.
وقيل: أنها من العام الذي أريد به الخصوص.
وقيل: أنها مجملة بيَّنتها السنة.
المتن:
باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الجُمُعَة: 10-11]
وَقَوْلِهِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النِّسَاء: 29]
2047 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَْسْوَاقِ، وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنْ الأَْنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ، وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا مِنْ مَسَاكِينِ الصُّفَّةِ أَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ: أَنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلاَّ وَعَى مَا أَقُولُ، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ.
2048 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَْنْصَارِ مَالاً فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي وَانْظُرْ أَيَّزَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ: فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ، هَلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجَارَةٌ؟ قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ، قَالَ: فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ، قَالَ: ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَزَوَّجْتَ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَمَنْ؟، قَالَ: امْرَأَةً مِنْ الأَْنْصَارِ، قَالَ: كَمْ سُقْتَ؟، قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.
2049 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَْنْصَارِيِّ وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا فَأَتَى بِهِ أَهْلَ مَنْزِلِهِ فَمَكَثْنَا يَسِيرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: مَهْيَمْ؟، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الأَْنْصَارِ، قَالَ: مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟، قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ.
2050 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَلَمَّا كَانَ الإِْسْلاَمُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ فَنَزَلَتْ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البَقَرَة: 198] قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ.
الشرح:
وهذه الترجمة الأولى في كتاب البيوع ذكر فيها المؤلف رحمه الله آيتين وأحاديث فيها جواز العمل بالتجارة، وأنه يشرع للمسلم أن يتكسب شيئًا من المال عن طريق البيع والشراء حتى ينفق على نفسه وأهله وأولاده، وأن هذا أقره النبي ﷺ، وعمل به الصحابة، والله تعالى بيَّنه في كتابه؛ قال سبحانه: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجُمُعَة: 10]، وهذه الصلاة المراد بها صلاة الجمعة، ويدخل في الابتغاء من فضل الله: التكسب بالبيع والشراء والتجارة وهذا الأمر للإباحة؛ لأن الأمر إذا جاء بعد الحظر يكون للإباحة، فقبل هذه الآية قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ [الجُمُعَة: 9]، أي: اتركوا البيع عند النداء للصلاة، ثم أمر بالانتشار بعدها، يعني: ويباح لكم البيع بعد الصلاة.
وقوله تعالى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا [الجُمُعَة: 11]، أنكر الله عليهم خروجهم وتركهم النبي ﷺ، ولم ينكر التجارة؛ لأنه لا بأس بها في غير وقت الصلاة، وستأتي ترجمة المؤلف على هذه الآية ليبين أن الصحابة إنما خرجوا قبل العلم، ثم لما عاتبهم الله لم يعودوا لمثلها.
ثم ذكر الآية الثانية وهي قوله تعالى: « لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ [النِّسَاء: 29]» ، وهذه الآية فيها تحريم أكل المال بالباطل، والاستثناء بـ«إلا» استثناء منقطع، والمعنى: لكن إن كانت تجارة عن تراض منكم فلا بأس بذلك؛ لأن هذا ليس من أكل مال الناس بالباطل.
2047 قوله: «إِنَّكُمْ تَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَتَقُولُونَ: مَا بَالُ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارِ لاَ يُحَدِّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمِثْلِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ» ، وفي لفظ آخر زيادة: «والله الموعد» [(3)] أي: يهدد هؤلاء الذين اتهموه.
وفيه: عتابه لبعض الناس الذين يقولون: إن أبا هريرة يكثر من الحديث وغيره من الصحابة لا يكثر، فبيَّن أبو هريرة سبب إكثاره من الحديث أنه كان ملازمًا للنبي ﷺ، وكان كثير من الصحابة يتخلفون بسبب انشغالهم بالتجارة والتكسب لأهلهم أو انشغالهم بحرثهم ومزارعهم.
قوله: «وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بِالأَْسْوَاقِ» ، يعني: أن المهاجرين كانوا يشتغلون في التجارة، وهو المراد بالصفق في الأسواق، وهذا هو الشاهد يعني: يبيعون ويشترون لينفقوا على عوائلهم وبيوتهم، فهذا الذي كان يشغلهم.
وسمي البيع والشراء صفقًا؛ لأن من العادة أن الرجل إذا باع للرجل ضرب بيده على يده إشارة إلى أنه تملك هذا الشيء.
قوله: «وَكُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي» ، أي: أن المهاجرين كانوا يشتغلون بالبيع والشراء، وأنا ملازم للنبي ﷺ على ملء بطني، وكان أبو هريرة من أصحاب الصفة، يسكن في غرفة في المسجد.
قوله: «فَأَشْهَدُ إِذَا غَابُوا وَأَحْفَظُ إِذَا نَسُوا، وَكَانَ يَشْغَلُ إِخْوَتِي مِنْ الأَْنْصَارِ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ» ، يعني: كان الأنصار يشتغلون في العمل بحرثهم وفلاحتهم.
والشاهد من الحديث: اشتغال الصحابة بالتجارة في زمن النبي ﷺ، وتقريره لهم؛ فدلَّ على مشروعية البيع والشراء والتجارة، وأنه لا حرج في ذلك، بل يستحب للإنسان أن يكسب المال، وقد يجب على الإنسان ذلك، فإذا كان يستطيع الكسب فيجب عليه أن يكسب ما يكفيه، ويكف وجهه عن السؤال وعن الحاجة إلى الناس.
قوله: «وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ: أَنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَ إِلَيْهِ ثَوْبَهُ إِلاَّ وَعَى مَا أَقُولُ، فَبَسَطْتُ نَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إِذَا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي، فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ تِلْكَ مِنْ شَيْءٍ» ، نمرة: أي: كساء مخطط ومراد النبي ﷺ: من يبسط ثوبه ثم يضمه إليه فلا ينسَ الحديث الذي أحدث، ففعل أبو هريرة فبسط ثوبًا له، فلما انتهى الحديث ضمه إليه وجمعه، فلم ينس شيئًا من حديث رسول الله ﷺ.
2048 قوله: «لَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنِي وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ» أي: لما هاجر المهاجرون إلى المدينة تركوا أموالهم وأهليهم وأولادهم، فربط النبي ﷺ كل واحد من المهاجرين بواحد من الأنصار، فآخى بين عبدالرحمن بن عوف وبين سعد بن الربيع، وصاروا في أول الهجرة يتوارثون بهذه الأخوة، ثم نسخ الله ذلك وصار الميراث للقرابة، ونزل قول الله تعالى: وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ [الأنفَال: 75].
قوله: «فَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَْنْصَارِ مَالاً فَأَقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مَالِي وَانْظُرْ أَيَّزَوْجَتَيَّ هَوِيتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فَإِذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا» . هذا كرم عظيم حيث يعطيه نصف ماله، وينزل له عن إحدى زوجتيه فيطلقها فتعتد، فإذا خرجت من العدة تزوجها.
قوله: «لاَ حَاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ» ، وفي اللفظ الآخر: «بارك الله لك في أهلك ومالك، دلني على السوق» [(4)]؛ لم يكن يعرف مكان السوق.
قوله: «قَالَ: سُوقُ قَيْنُقَاعٍ» ، وقينقاع: قبيلة من اليهود، يذهب إليهم لأجل السوق.
قوله: «فَغَدَا إِلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ» أي: ذهب إلى السوق يبيع ويشتري.
قوله: «فَأَتَى بِأَقِطٍ وَسَمْنٍ» يعني: كسب في أول يوم حيث باع واشترى وأتى بأقط وسمن، والأقط هو اللبن المجفف.
قوله: «ثُمَّ تَابَعَ الْغُدُوَّ» يعني: صار يتردد كل يوم على السوق.
قوله: «فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَلَيْهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ» ، والصفرة أثر الطيب في الثوب.
وفيه: التسامح بالشيء اليسير من الزعفران، ففي اللفظ الآخر أنه أثر زعفران الذي يصيب الرجل المتزوج من امرأته، وإلا فالرجل منهي عن الزعفران، ففي الحديث الآخر: «نهى ﷺ أن يتزعفر الرجل» [(5)] ونهى أن يلبس الثوب المعصفر بالزعفران» [(6)] فهذه أشياء خاصة بالنساء، فلا ينبغي للرجل أن يتشبه بالنساء، لكن هذا شيء يسير يتسامح فيه.
قوله: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تَزَوَّجْتَ؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَمَنْ؟، قَالَ: امْرَأَةً مِنْ الأَْنْصَارِ» فيه: أن عبدالرحمن لم يُعْلِم النبي ﷺ أنه تزوج حتى عرف من أثر الطيب عليه.
قوله: «قَالَ: كَمْ سُقْتَ؟، قَالَ: زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ» ، فيه: التخفيف من المهر أو تخفيف المهر والتسامح فيه.
قوله: «فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ، فيه: مشروعية الوليمة للمتزوج، والأمر هنا للاستحباب، ولو كان للوجوب لكان متجهًا.
وفيه: أن أقل الوليمة شاة لمن أيسر الله عليه، وإن أولم بأقل منها، بطعام ليس فيه لحم فلا حرج، فالنبي ﷺ أولم على صفية بالحيس، وهو الأقط والسمن والتمر ليس فيه لحم، وفي زواجه من زينب أشبع الناس خبزًا ولحمًا، وفي اللفظ الآخر أنه قال: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ [(7)].
وفيه: الدعاء للمتزوج.
والشاهد من الحديث: أن عبدالرحمن ذهب إلى السوق، وأقره النبي ﷺ على ذلك؛ فدل على مشروعية البيع والشراء والتجارة.
2049 قوله: «فَآخَى النَّبِيُّ ﷺ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الأَْنْصَارِيِّ وَكَانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى، فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أُقَاسِمُكَ مَالِي نِصْفَيْنِ وَأُزَوِّجُكَ، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلُّونِي عَلَى السُّوقِ» وهكذا يكون أصحاب الهمة العالية ما يتكفف الناس ولا يسألهم.
قوله: «فَمَا رَجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أَقِطًا وَسَمْنًا» ، يعني: باع واشترى واستفضل أقطًا وسمنًا ربحًا.
قوله: «فَمَكَثْنَا يَسِيرًا أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ فَجَاءَ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ[(8)] مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: مَهْيَمْ؟ يعني: ما حالك وما شأنك؟
قوله: «قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الأَْنْصَارِ، قَالَ: مَا سُقْتَ إِلَيْهَا؟ يعني: من المهر.
2050 قوله: «كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ» ، يعني: يبيعون ويشترون فيها.
قوله: «فَلَمَّا كَانَ الإِْسْلاَمُ فَكَأَنَّهُمْ تَأَثَّمُوا فِيهِ» ، أي: تأثموا أن يتجروا فيها في وقت الحج، فأنزل الله هذه الآية لرفع الحرج: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البَقَرَة: 198]، فلا حرج على الإنسان أن يتجر وهو في وقت الحج ـ كأن يكون صاحب سيارة يحمل ركابًا ينقلهم بين المشاعر ـ فلا حرج في ذلك إذا لم يؤثر على مناسك الحج.
وأما قراءة ابن عباس: « لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ [البَقَرَة: 198] فهذه قراءة شاذة، وهي صحيحة، فيجب أن تحمل على أنها تفسير.
والشاهد: أن الله رخَّص لهم أن يتجروا في مواسم الحج إذا لم يؤثر ذلك على المناسك.
وهذا يدل على جواز التجارة والبيع والشراء، وأنه لا حرج فيها.
المتن:
باب الْحَلاَلُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ
2051 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ عَنْ النَّبِيَّ ﷺ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي فَرْوَةَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنْ الإِْثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الإِْثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان درجات الحلال والحرام وأنها ثلاث: حلال بيِّن، وحرام بيِّن، ومشتبه.
2051 قوله: الْحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَةٌ، يعني: الأشياء أمام الإنسان ثلاثة: حلال بيِّن وهذا يفعله الإنسان ويباشره ولا إشكال فيه، وحرام بيِّن وهذا يبتعد عنه ولا إشكال فيه، والأمر الثالث أمور مشتبهة لا يدري هل هي حلال أو حرام؟
قال النبي ﷺ: فَمَنْ تَرَكَ مَا شُبِّهَ عَلَيْهِ مِنْ الإِْثْمِ كَانَ لِمَا اسْتَبَانَ أَتْرَكَ، وَمَنْ اجْتَرَأَ عَلَى مَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ الإِْثْمِ أَوْشَكَ أَنْ يُوَاقِعَ مَا اسْتَبَانَ، وأوشك يعني: قارب؛ لأن تعاطي الشبهات قد يصادف الحرام، وإن لم يتعمده أو يقع فيه لاعتياده، وهذه الأمور المشتبهة أمور نسبية وهي لا تشتبه على أهل البصيرة والمعرفة، ولكنها تشتبه على كثير من الناس، فيجب على المسلم أن يترك المتشابه.
وهذا أصل أصيل وعظيم، وهو أن من ترك المتشابه كان تركه للحرام الواضح البيِّن أولى، ومن تجرأ على المشكوك فيه فهو حري أن يتجرأ على المحرم البيِّن.
وقوله: اسْتَبَانَ، يعني: ما ظهر تحريمه.
قوله: وَالْمَعَاصِي حِمَى اللَّهِ، مَنْ يَرْتَعْ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ أي: إن المعاصي كالحمى الذي يضعه الإنسان، ولهذا جاء في اللفظ الآخر: أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ [(9)]، والحمى يجعله بعض الملوك حتى لا يصل إليه أحد، فإذا جاء إنسان فرعى حول هذا الحمى أوشك أن يواقعه فيرتع فيه، فيعاقبه الملك، فكذلك المعاصي حمى الله فمن واقع المعاصي فإنه يتعرض للعقوبة.
المتن:
باب تَفْسِيرِ الْمُشَبَّهَاتِ
وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْ الْوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ.
2052 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِالرَّحْمَنِ ابْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ.
2053 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَقَالَ: ابْنُ أَخِي، قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَامَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فَقَالَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَتَسَاوَقَا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي كَانَ قَدْ عَهِدَ إِلَيَّ فِيهِ، فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ وَلِيدَةِ أَبِي وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: احْتَجِبِي مِنْهُ، لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ بِعُتْبَةَ فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ.
2054 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ النَّبِيَّ ﷺ عَنْ الْمِعْرَاضِ؟، فَقَالَ: إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْ؛ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، وَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ، قَالَ: لاَ تَأْكُلْ؛ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآْخَرِ.
الشرح:
هذا الباب معقود لتفسير المشبهات، وبيان الطريق إلى معرفتها لتجتنب، وتوضيحها بالأمثلة.
قوله: «مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَهْوَنَ مِنْ الْوَرَعِ دَعْ مَا يَرِيبُكَ» ، يعني: هذا لمن هونه الله عليه، وقد وصله أحمد في «الورع» ، وأبو نعيم في «الحلية» بلفظ: إذا شككت في شيء فاتركه [(10)]. و يَرِيبُكَ، يعني: تشك فيه، أي: دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه.
وترجمة الباب معقودة لتوضح المشبهات بالأمثلة، وقد ذكر المصنف رحمه الله في هذا الباب ثلاثة أحاديث فيها ثلاثة أمثلة للمتشبهات.
الأول: فراق عقبة بن الحارث لابنة أبي إهاب للشبهة التي ذكرتها المرأة وهي الرضاع.
الثاني: احتجاب سودة زوج النبي ﷺ عن أخيها ابن وليدة زمعة للشبهة.
الثالث: ترك ما صاده الكلب المعلم إذا كان معه كلب آخر للشبهة، وهي كونه لم يسم على الكلب الآخر وقد يكون صاده.
2052 قوله: «أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ جَاءَتْ فَزَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْهُمَا، فَذَكَرَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَتَبَسَّمَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ وَقَدْ كَانَتْ تَحْتَهُ ابْنَةُ أَبِي إِهَابٍ التَّمِيمِيِّ» فقوله: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ هذا من الورع، حيث أمره أن يفارقها للشبهة التي ذكرتها المرأة السوداء، والمعنى أن عقبة بن الحارث كانت تحته ابنة أبي إهاب، فجاءت امرأة سوداء إليهما، وقالت لهما: قد أرضعتكما، وقالت هذا في ليلة الزواج أو غيرها، وفي اللفظ الآخر أنه قال: «ما أعلم أنك أرضعتني ولا أخبرتني» [(11)]، ثم ركب إلى النبي ﷺ بالمدينة ـ وكان عقبة في مكة ـ فقال: يا رسول الله هذه المرأة قالت: أرضعتكما، فأعرض عنه النبي ﷺ وتبسم، وقال: كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ؟ يعني: هذه شبهة، ففارقها عقبة، وهذا من الورع.
والشبهة هي قول المرأة السوداء: قد أرضعتكما، وإن كان لابد أن تكون المرأة ثقة حتى يقبل قولها في الرضاع، لكن هذه شبهة، ففارقها عقبة وتركها لأجل الشبهة.
2053 قوله: «كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ مِنِّي فَاقْبِضْهُ» ، وزمعة هو والد سودة بنت زمعة أم المؤمنين زوج النبي ﷺ، ووليدته يعني: جاريته، لكن هذه الوليدة ادعى عتبة بن أبي وقاص أنه زنا بها في الجاهلية، وأنها حملت، فقبل أن يتوفى عتبة عهد إلى أخيه سعد بن أبي وقاص، فقال: إذا ولدت جارية زمعة ولدًا فاقبضه فإنه مني في الجاهلية.
قوله: «فَلَمَّا كَانَ عَامَ الْفَتْحِ أَخَذَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ» ، أي: لما ولدت جارية زمعة هذا الولد أخذه سعد عملاً بوصية أخيه عتبة، لكن عبد بن زمعة قال: إن هذا أخي ولد على فراش أبي، فاختصما فيه، يقول سعد: هذا ابن أخي عهد إلي أخي به قبل أن يتوفى، وقال إنه ولده، وقال للنبي ﷺ: انظر: يا رسول الله إلى شبهه، وكان به شبه قوي بعتبة.
قوله: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وهذا حكم شرعي أن الولد يكون للفراش ولو كانت هذه المرأة الزوجة أو الأمة سبق منها زنا فلا يعتبر بالزاني، إنما يعتبر بالزوج.
والمعنى أن الولد للفراش، وهو مولود على فراش زمعة، وللعاهر أي: الزاني الخيبة والحد.
وهذا أصل أصيل وهو أنه لو زنت المرأة أو الأمة فالولد للزوج الذي ولد على فراشه، إلا إذا لاعن الزوج ونفى الولد، فإنه لا يكون له، وإنما ينسب إلى أمه، والملاعنة أن يشهد أربع مرات أنها زنت، وأن الولد ليس له، وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النُّور: 7]، ثم تشهد هي أربع شهادات أنه كذب عليها، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ [النُّور: 9]، ففي هذه الحالة يفرِّق الحاكم بينهما، والولد ينسب إلى أمه، ولا ينسب إلى الأب، أما إذا لم يلاعن فإن الولد يكون لصاحب الفراش الذي يطؤها على فراشه سواء كانت زوجة أو سرية، أما الزاني فلا يعطى ولدًا، وإنما له الحجر والخيبة، ويقام عليه الحد إذا اعترف أو ثبت عليه.
قوله: «ثُمَّ قَالَ لِسَوْدَةَ بِنْتِ زَمْعَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ: احْتَجِبِي مِنْهُ، وهذا هو الشاهد من الحديث أن النبي ﷺ لما رأى فيه شبهًا بيِّنًا بعتبة، قال لأم المؤمنين سودة: احْتَجِبِي مِنْهُ، وهو من باب الورع.
قوله: «فَمَا رَآهَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ» يعني: احتجبت منه سودة وإن كان أخوها شرعًا.
2054 قوله: «الْمِعْرَاضِ؟» : وهو بكسر الميم سهم بلا ريش ولا نصل، وإنما يصيب بعرضه دون حده.
قوله: إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْ؛ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ يعني: إذا كان للعصا رأس مدبب لكنه ضرب بعرضه فهذا وقيذ، أي: موقوذة وميتة، لكن إذا ضرب بحد مثل السكين فإنه يأكل منه فقد ذكي.
قوله: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُرْسِلُ كَلْبِي وَأُسَمِّي، فَأَجِدُ مَعَهُ عَلَى الصَّيْدِ كَلْبًا آخَرَ لَمْ أُسَمِّ عَلَيْهِ، وَلاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ، قَالَ: لاَ تَأْكُلْ؛ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ، وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى الآْخَرِ وصيد الكلب حلال بشروط:
الشرط الأول: أن يكون الكلب معلَّمًا، والمعلَّم هو الذي إذا أرسلته أَرْسِل، وإذا زجره يمتنع.
الشرط الثاني: أن يسمي الله إذا أرسل، فيقول: بسم الله.
الشرط الثالث: لا يأكل من الصيد
وأمر ﷺ عديًّا بالامتناع عن الأكل من باب الورع، فمن الورع أن لا يأكل الصيد إذا كان مع كلبه كلب آخر لم يسم عليه للشبهه خشية أن يكون الكلب الآخر هو الذي صاده.
المتن:
باب مَا يُتَنَزَّهُ مِنْ الشُّبُهَاتِ
2055 حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ طَلْحَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ﷺ بِتَمْرَةٍ مَسْقُوطَةٍ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ مِنْ صَدَقَةٍ لَأَكَلْتُهَا.
وَقَالَ هَمَّامٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: أَجِدُ تَمْرَةً سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي.
الشرح:
هذه الترجمة فيما يجتنب من الشبهات من فعله ﷺ لتتأسى به الأمة.
2055 ترك النبي ﷺ للتمرة الساقطة على فراشه خشية أن تكون من الصدقة التي لا تحل لمحمد ولا لآل محمد من الورع العظيم؛ لأن الأصل في الذي في بيت الإنسان هو الإباحة حتى يقوم دليل على التحريم، فكيف إذا كانت على فراشه فتركها خشية أن تكون من الصدقة؟! فهذا أبلغ في الورع.
والرسول ﷺ لا تحل له الصدقة؛ لقوله ﷺ: لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد [(12)]، وكذا الزكاة؛ لأنها أوساخ الناس، لكن عوَّضهم الله عنها الخمس من الغنيمة.
والنبي ﷺ هو الأسوة لنا، فإذا كان هذا ورع النبي ﷺ العظيم، فينبغي على الإنسان أن يتورع عن المتشابهات.
وفي هذا الحديث: دليل على جواز أخذ الإنسان ما سقط على الأرض وتملكه إذا كان قليلاً لا تتبعه همة أوساط الناس من دون تعريف، كالتمرة والبيضة والسوط والنعل الذي لا قيمة له.
المتن:
باب مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنْ الشُّبُهَاتِ
2056 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاَةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: لاَ؛ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: لاَ وُضُوءَ إِلاَّ فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ.
2057 حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطُّفَاوِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لاَ نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ.
الشرح:
قوله: «بَابُ مَنْ لَمْ يَرَ الْوَسَاوِسَ وَنَحْوَهَا مِنْ الشُّبُهَاتِ» هذه الترجمة معقودة لبيان وجوب ترك الوساوس التي تطرأ على الأصل المتيقن، وأنها ليست من الشبهات التي تجتنب، فإذا استرسل الإنسان معها لن تسلم له حال.
وذكر المصنف رحمه الله حديثين:
الحديث الأول: في قطع الصلاة إذا وجد في بطنه شيئًا.
الحديث الثاني: إذا أتي بلحم لا يدري هل سمي عليه أم لا؟
2056 قوله: «شُكِيَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ الرَّجُلُ يَجِدُ فِي الصَّلاَةِ شَيْئًا أَيَقْطَعُ الصَّلاَةَ؟ قَالَ: لاَ؛ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا، وفي اللفظ الآخر: إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ أَمْ لَا، فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنَ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا، أَوْ يَجِدَ رِيحًا [(13)].
وهذا أصل عظيم تؤخذ منه القاعدة الشرعية: أن اليقين لا يترك إلا باليقين، فأنت متوضئ بيقين، فإذا شككت في الحدث فلا تخرج حتى تتيقن.
وفيه: استصحاب الأصل عند الشك حتى يأتي اليقين، فالأصل أنك متوضئ، فتستصحب هذا الأصل حتى يأتي اليقين.
وفي الحديث أن من وجد في بطنه شيئًا، كالقرقرة في الصلاة، فإنه لا يخرج من الصلاة حتى يتحقق وجود الحدث بوجود ريح أو صوت أو غيرهما، وكذا خارج الصلاة بالنسبة للوضوء.
قوله: حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا، يعني: حتى يتيقن من الحدث بالرائحة أو الصوت والرائحة: الفساء، والصوت: الضراط.
وهذا مثال للحدث، وقد يكون بغيرهما كالبول والغائط والنوم وغيرها، وإلا فالبول والغائط أبلغ من الريح والصوت.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ: «لاَ وُضُوءَ إِلاَّ فِيمَا وَجَدْتَ الرِّيحَ أَوْ سَمِعْتَ الصَّوْتَ»» يعني: وما كان أبلغ كالبول والغائط.
2057 قوله: «أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ، لاَ نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لاَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ. وهذا الحديث أيضًا فيه: استصحاب الأصل عند الشك حتى يأتي اليقين، وأن الوسوسة الطارئة على الأصل المتيقن ليست شبهة، بل يجب استصحاب الأصل، والأصل أن ذبيحة المسلم حلال لا يسأل عنها، والأصل أنه يسمي، ويسمي المسلم عليها عند الأكل استحبابًا، وكذلك ما جاء من اللحوم من أهل الكتاب، فالأصل أنه تؤكل ذبائحهم إلا إذا تحققنا أنهم يذبحون بغير اسم الله أو بغير تذكية، وما جاء من غير أهل الكتاب من المشركين فلا يؤكل؛ بناء على الأصل أنه لا تؤكل ذبيحة المشرك والوثني إلا إذا تحقق أنه ذبحها مسلم أو كتابي.
وينبغي على المسلم أن يحتاط، لاسيما وأن الذبائح بحمد الله موجودة في بلاده، فلا حاجة للذبائح المستوردة؛ لأنه كثر الكلام فيها، وهناك عدد كبير زاروا مجازرهم وقالوا: إنهم يذبحون بالصعق بالكهرباء أو بالخنق، وما دام كثر الكلام فينبغي للمسلم أن يحتاط ويتورع ويكتفي بالذبائح الموجودة في بلاده، وغلبة الظن ملحقة باليقين.
المتن:
باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا
2058 حَدَّثَنَا طَلْقُ بْنُ غَنَّامٍ حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ قَالَ: حَدَّثنِي جَابِرٌ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِذْ أَقْبَلَتْ مِنْ الشَّأْمِ عِيرٌ تَحْمِلُ طَعَامًا فَالْتَفَتُوا إِلَيْهَا حَتَّى مَا بَقِيَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ إِلاَّ اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً فَنَزَلَتْ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا [الجُمُعَة: 11].
الشرح:
2058 هذه الحادثة وقعت في أول الإسلام قبل أن يعلموا أن ذلك لا يجوز، فلما عاب الله عليهم ذلك ونبههم على خطئهم لم يعودوا لمثل ذلك .
والسبب فيما فعلوه ما أصابهم رضوان الله عليهم من الشدة في أول الأمر، فلما سمعوا بعير تحمل طعامًا التفتوا إليها، وخرجوا إليها بسبب ما أصابهم من الحاجة.
وورد في حديث مرسل: «أن ذلك كان في أول الإسلام وأن الخطبة كانت بعد الصلاة» [(14)].
وفيه: أن انفضاض الناس عن الخطبة كان بعد الصلاة، يعني: صلوا ثم خطب النبي ﷺ فانفضوا.
والشاهد من الحديث والآية: أن التجارة لا بأس بها إذا لم تشغل عن ذكر الله.
المتن:
باب مَنْ لَمْ يُبَالِ مِنْ حَيْثُ كَسَبَ الْمَالَ
2059 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلاَلِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ.
الشرح:
2059 هذا الحديث فيه فائدتان:
الأولى: أن ما ذكر علم من أعلام النبوة، وأن هذا الأمر سيقع ويأتي على الناس زمان لا يبالي المرء أخذ ماله من الحلال أم من الحرام، وليس ببعيد أن يكون الزمان المقصود زماننا هذا الآن، فكثير من الناس في هذا الزمان لا يبالي بالحلال ولا بالحرام، فما حلَّ بيده هو الحلال وما عجز عنه هو الحرام، وكثير منهم الآن يتعامل بالربا، فإذا أخذ أحدهم قرضًا من بنك يجيء آخر ويشتري منه هذا القرض، وهذا ربا الجاهلية، وبعضهم يكون له مستحقات عند الحكومة بعد سنة فيأتي شخص آخر ويشتريه منه حالاً بأقل من قيمته، وهذا ربا صريح.
والنبي ﷺ عندما أخبر بأنه سيأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه أمن الحلال أم من الحرام، فإنه يدل على ضعف الإيمان، وقلة الخوف من الله، أو فقدان الخوف من الله في هذا الزمان.
الثانية: التحذير من التساهل في هذا الأمر، وأنه ينبغي للمسلم ألا يكون من هذا الصنف الذي لا يبالي بما أخذ أمن الحلال أم من الحرام، بل عليه أن يتورع عن المتشابه وأن لا يأخذ إلا الحلال الواضح.
المتن:
باب التِّجَارَةِ فِي الْبَرِّ وَقَوْلِهِ: رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ.
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَبَايَعُونَ وَيَتَّجِرُونَ وَلَكِنَّهُمْ إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ.
2060، 2061 حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو ابْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ قَالَ: كُنْتُ أَتَّجِرُ فِي الصَّرْفِ فَسَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ.
وحَدَّثَنِي الْفَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعَامِرُ بْنُ مُصْعَبٍ أَنَّهُمَا سَمِعَا أَبَا الْمِنْهَالِ يَقُولُ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ، فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الصَّرْفِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ.
الشرح:
قوله: نِسيئًا بكسر النون وسكون الموحدة أي: مؤجلاً، وفي رواية الكشميهني: نَسَاءً بفتح النون، ففيها الوجهان.
هذه الترجمة معقودة للتجارة في البز أي: الأقمشة، أو التجارة في البر وهي الحبوب.
قوله: «فِي الْبَرِّ» ، ويحتمل في البر، والبر ليس مقابلاً للبحر، وقد يكون له وجه؛ لأن المؤلف سيأتي ويترجم: «التجارة في البحر» بعد هذا، فيكون التجارة في البر والتجارة في البحر، لكن أكثر النسخ ذكرت البز وهي الثياب والأقمشة، أو البُرّ يعني: الحبوب.
وفي الأحاديث التي ذكرها المؤلف إباحة التجارة من طريق عموم المكاسب المباحة؛ وقوله: رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النُّور: 37] عام لجميع المكاسب في البُر، أو البز، أو في البر، أو البحر.
2060، 2061 قوله: «سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ، فَقَالاَ: كُنَّا تَاجِرَيْنِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ الصَّرْفِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ نَسَاءً فَلاَ يَصْلُحُ فالمشروع في الصرف التقابض في المجلس يدًا بيد، مطلقًا في كل صرف، فلا يكون نسيئة أبدًا، فإن اختلفت الأجناس جاز التفاضل ووجب التقابض، وإن اتفقت وجب التساوي والتقابض.
فهذا الحديث فيه: وجوب التقابض في المجلس يدًا بيد في كل صرف، وأن النسيئة في الصرف لا تجوز؛ لأنه ربا.
وفي حديث عبادة بن الصامت أن النبي ﷺ قال: الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح، مثلا بمثل سواءً بسواءٍ يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم [(15)].
وإذا كان الصرف في الذهب والفضة والأوراق النقدية ففيه تفصيل، فإن كانت العملة متفقة فيجب شرطين:
الأول: المماثلة بأن تكون الدراهم بدراهم مثلها في العدد، والذهب بذهب يساويه، والفضة بفضة تساويها.
الثاني: التقابض بالمجلس العام.
وقاس بعض العلماء عليهما المطعوم المكيل المدخر كالأرز وغيره.
أما إذا اختلف الصنفان بأن كان الذهب بالفضة، أو البر بشعير، أو التمر بملح وجب شرط واختل شرط، فيجب التقابض بمجلس العقد، وأما التفاضل فلا بأس به.
وإذا أردت تحويل عملة أجنبية إلى الخارج فإنك يجب أن تشتري العملة ثم تحولها ومثال ذلك إذا أردت تحويل دولارات مثلاً فعليك شراء الدولارات بالريالات السعودية ثم تحول الدولارات.
وفي شراء الذهب الأقرب ـ والله أعلم ـ أنه إذا حوله في حسابه يكون ذلك استلامًا.
المتن:
باب الْخُرُوجِ فِي التِّجَارَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجُمُعَة: 10].
2062 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَْشْعَرِيَّ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ ابْنِ الْخَطَّابِ ، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَكَأَنَّهُ كَانَ مَشْغُولاً، فَرَجَعَ أَبُو مُوسَى فَفَرَغَ عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ؟ ائْذَنُوا لَهُ، قِيلَ: قَدْ رَجَعَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: تَأْتِينِي عَلَى ذَلِكَ بِالْبَيِّنَةِ فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسِ الأَْنْصَارِ فَسَأَلَهُمْ، فَقَالُوا: لاَ يَشْهَدُ لَكَ عَلَى هَذَا إِلاَّ أَصْغَرُنَا أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ فَذَهَبَ بِأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، فَقَالَ عُمَرُ: أَخَفِيَ عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَْسْوَاقِ يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ.
الشرح:
2062 هذه القصة فيها أن أبا موسى الأشعري استأذن على عمر بن الخطاب فلم يُؤذن له، ثم أذن له بعد ذلك، وجاء في اللفظ الآخر في الصحيح: «أن أبا موسى استأذن على عمر ثلاثًا، فكأنه وجده مشغولاً فرجع، فقال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس؟ ائذنوا له. فدعي له فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال: إنا كنا نؤمر بهذا. قال: لتقيمن على هذا بينة أو لأفعلن. فخرج فانطلق إلى مجلس من الأنصار، فقالوا: لا يشهد لك على هذا إلا أصغرنا، فقام أبو سعيد فقال: كنا نؤمر بهذا. فقال عمر: خفي علي هذا من أمر رسول الله ﷺ ألهاني عنه الصفق بالأسواق» [(16)].
وفي اللفظ الآخر قال: «إني لم أتهمك، ولكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله ﷺ» [(17)].
وأراد عمر من ذلك التثبت وزيادة الحيطة والطمأنينة، وإلا فإن خبر الواحد مقبول عند الصحابة، وإنما فعل ذلك لأنه خشي أن يأتي أناس من التابعين يتساهلون بحديث رسول الله ﷺ، فأراد أن يشدد في أنه لا يتكلم أحد إلا وعنده دليل.
ثم قال لما شهد أبو سعيد: «أَخَفِيَ عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَْسْوَاقِ يَعْنِي الْخُرُوجَ إِلَى تِجَارَةٍ» .
وفي الحديث: مشروعية الخروج للتجارة، ولو كانت بعيدة.
وكان عمر وصاحب له يتناوبان النزول على النبي ﷺ، فإذا نزل أحدهما أخبر صاحبه بما فاته من العلم.
المتن:
باب التِّجَارَةِ فِي الْبَحْرِ
وَقَالَ مَطَرٌ: لاَ بَأْسَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ بِحَقٍّ ثُمَّ تَلاَ وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [فَاطِر: 12].
وَالْفُلْكُ السُّفُنُ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ وَلاَ تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنْ السُّفُنِ إِلاَّ الْفُلْكُ الْعِظَامُ.
2063 وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلاً مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَرَجَ فِي الْبَحْرِ فَقَضَى حَاجَتَهُ. وَسَاقَ الْحَدِيثَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان أنه تجوز التجارة في البحر كما أنه تجوز في البر، فلا بأس أن يركب الإنسان البحر للتجارة.
وفي الآية والحديث إباحة ركوب البحر للتجارة، والرد على من منع ركوب البحر، فبعض العلماء منع ركوب البحر، وقالوا: فيه خطر، وأراد المؤلف رحمه الله أن يبيِّن أنه لا حرج في ركوب البحر للتجارة، فكما أنه يتجر في البر يتجر في البحر.
ووجه الاستدلال من الآية: وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ أنها سيقت في مقام الامتنان، والمعنى أن السفن تسير في البحر لأجل أن تبتغوا من فضله، للتجارة وغيرها.
قوله: «وَقَالَ مَطَرٌ: لاَ بَأْسَ بِهِ» يعني: التجارة في البحر.
قوله: «وَالْفُلْكُ السُّفُنُ الْوَاحِدُ وَالْجَمْعُ سَوَاءٌ» ، يعني: لفظ الفلك مفرد وجمع.
قوله: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: تَمْخَرُ السُّفُنُ الرِّيحَ وَلاَ تَمْخَرُ الرِّيحَ مِنْ السُّفُنِ إِلاَّ الْفُلْكُ الْعِظَامُ» ، يقال: مخرت السفينة، إذا شقت الماء بصوت.
2063 وحديث أبي هريرة في قصة الرجل من بني إسرائيل فيه عبرة لأهل الصدق، وهذا الرجل من بني إسرائيل جاء إلى رجل آخر من قومه فطلب منه أن يقرضه مالاً حتى يقضي حاجته ويسافر بها، فقال: ابغني شهيدًا ـ أي: هات شهيدًا ـ قال: كفى بالله شهيدًا، قال: أعطني كفيلاً، قال كفى بالله كفيلاً، قال: رضيت، فأعطاه ألف دينار أو ألف درهم، فركب البحر وواعده بأن يأتيه في اليوم الفلاني، وحدد اليوم بعد ستة أشهر أو سبعة أشهر، فلما جاء الموعد أراد هذا الرجل من بني إسرائيل أن يركب البحر، وأخذ الألف درهم يريد أن يوفي صاحبه فلم يجد سفينة، وحاول في اليوم الثاني والذي بعده فلم يجد، فأخذ خشبة ونقرها وجعل فيها ألف درهم، وكتب فيها كتابًا من فلان إلى فلان إني جئت على الموعد وطلبت السفينة فلم أجد، ثم زجج عليها ورماها في البحر، فصارت هذه الخشبة تقذف بها الأمواج حتى وصلت إلى الساحل الآخر، وكان الرجل الأول يأتي كل يوم يترقب لعل صاحبه يأتي، فخرج مرة فلم يجده ووجد خشبة فأخذها حطبًا لأهله، فلما كسرها وجد فيها الألف درهم ووجد فيها الكتاب، ثم وجد الرجل السفينة فجاء وجاء بالألف درهم مرة ثانية، قال: يا أخي أعتذر إليك لم أجد سفينة من ذلك الوقت، فقال له إن الدراهم التي بعثتها في الخشبة قد جاءتني.
وهذا يدل على أن هناك من بني إسرائيل من هم أمناء، وهذا الحديث ساقه المؤلف رحمه الله في موضع آخر غير هذا الموضع.
وفيه: عبرة عظيمة وتأييد الله لأهل الصدق.
وهذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على جواز ركوب البحر للتجارة، ووجه الاستدلال من الحديث أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت في شرعنا ما يخالفه، ولم يأت في شرعنا ما يخالفه، بل فيه ما يوافقه كما في الآية وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ [فَاطِر: 12]، وكما في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ ضحك من قوم من أصحابه يركبون ثبج البحر الأخضر غزاة في سبيل الله[(18)]، وقد ركب الصحابة البحر في زمن معاوية ، فكل هذا يدل على جواز ركوب البحر.
أما حديث أبي داود في النهي عن ركوب البحر، قال: لا يركب البحر إلا غاز أو حاج أو معتمر [(19)] فهذا حديث ضعيف، وما في «الصحيح» مقدم عليه.