شعار الموقع

شرح كتاب البيوع من صحيح البخاري (34-2) من باب وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا - إلى باب يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ

00:00
00:00
تحميل
126

المتن:

باب وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ

وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَّجِرُونَ وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ حَتَّى يُؤَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ.

2064 حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثنِي مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمِ ابْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقْبَلَتْ عِيرٌ وَنَحْنُ نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْجُمُعَةَ فَانْفَضَّ النَّاسُ إِلاَّ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآْيَةُ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا.

الشرح:

قوله تعالى: « رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النُّور: 37]» فيه: ثناء عليهم بأنهم لا تلهيهم التجارة عن ذكر الله ولا عن أداء الواجبات، ولم ينكر عليهم التجارة؛ فدل على مشروعيتها، وأنه لا بأس بها.

قوله: «وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقَوْمُ يَتَّجِرُونَ» يعني: الصحابة ومن بعدهم.

قوله: «وَلَكِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا نَابَهُمْ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ لَمْ تُلْهِهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» ، أي: إن أدوا الواجبات فلا بأس بالتجارة.

2064 وقصة انفضاض الناس عن النبي ﷺ وهو يخطب كانت في أول الإسلام قبل أن يعلموا، ثم انتهوا لما بيَّن الله لهم ذلك، وفي حديث مرسل أن هذا كان لما كانت الخطبة بعد الصلاة.

المتن:

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ

2065 حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، لاَ يَنْقُصُ بَعْضُهُمْ أَجْرَ بَعْضٍ شَيْئًا.

الشرح:

وفي قوله تعالى: أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ [البَقَرَة: 267] الأمر بالإنفاق، وهو للاستحباب؛ لأن الزكاة هي التي يجب إخراجها، وما زاد عن ذلك فهو مستحب.

2065 قوله: إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ طَعَامِ بَيْتِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهَا أَجْرُهَا بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِزَوْجِهَا بِمَا كَسَبَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ. فيه: فضل الله تعالى وإحسانه، وأن الله تعالى يجزي ثلاثة بالصدقة الواحدة: صاحب البيت الذي كسب، والمرأة التي تأمر به، والخازن الذي ينفذ.

والخازن هو المؤتمن على الخزانة وقد يكون خادمًا، أو لا، فهؤلاء لا ينقص بعضهم أجر بعض، وكلهم مأجورون، الزوج له الأجر لأنه هو الكاسب، والمرأة لها أجر لأنها أنفقت، والخازن له أجر لأنه يناول المسكين.

المتن:

2066 حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ.

الشرح:

2066 قوله: إِذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ كَسْبِ زَوْجِهَا عَنْ غَيْرِ أَمْرِهِ المراد بالأمر أنها أنفقت عن غير أمره الصريح أو الخاص، لكن أذن فيه عرفًا أو إذنا عامًّا جمعًا بين الأدلة، فلو لم يأذن لها الزوج فلا يجوز لها ذلك، لكن إذا كان الإذن عامًّا، أو تعرف من حاله أنه يسمح، أو يكون طعامًا يفسد لو ترك، فلا بأس به.

قوله: فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِهِ، يعني: يكون له جزء من الأجر ولها جزء آخر فهما جزءان، ولا يلزم من ذلك التساوي.

المتن:

باب مَنْ أَحَبَّ الْبَسْطَ فِي الرِّزْقِ

2067 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الْكِرْمَانِيُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ.

الشرح:

قوله: «بَابُ مَنْ أَحَبَّ الْبَسْطَ فِي الرِّزْقِ» ، يعني: التوسع، وتقدير الترجمة من أحب البسط في الرزق والتوسع فليصل رحمه.

2067 قوله: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ رِزْقُهُ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، أي: يحصل له الأمرين البسط في الرزق، والنسءُ في الأثر، يعني: التأخير في الأجل.

وفيه: فضل صلة الرحم، وأنها سبب في بسط الرزق والزيادة في العمر، والبركة فيهما.

والرحم هي القرابة من الأب والأم وهما عمودا النسب، فالأب والأم هما أقرب الناس رحمًا ثم الأجداد والجدات والأبناء والبنات وأبناؤهم، ثم الأخوة وأبناؤهم والأخوات وأبناؤهم والأعمام وأبناؤهم والأخوال وأبناؤهم، وهكذا الأقرب فالأقرب، ويصلهم بأن يتفقد أحوالهم ويسلم عليهم ويجيب دعوتهم وينفق على المحتاج منهم ويعظ جاهلهم.

والمرأة تصل أقاربها بالهدية وبالسؤال عن حالهم، وبصلة أولادهم على وجه لا يكون معه فتنة ولا خلوة.

قال بعض العلماء: الزيادة في العمر تعني البركة.

وقال آخرون: الزيادة حقيقية وكل منهما كتبه الله، فكتب الله في اللوح المحفوظ أن هذا يزيد عمره بالصلة، وهذا ينقص عمره بالقطيعة، فالسبب والمسبب مكتوبان جميعًا..

المتن:

باب شِرَاءِ النَّبِيِّ ﷺ بِالنَّسِيئَةِ

2068 حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَمِ فَقَالَ: حَدَّثنِي الأَْسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ.

2069 حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ ح.

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ أَبُو الْيَسَعِ الْبَصْرِيُّ حَدَّثَنَا هِشَامٌ الدَّسْتَوَائِيُّ عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ، وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ ﷺ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَِهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ صَاعُ بُرٍّ وَلاَ صَاعُ حَبٍّ وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ.

الشرح:

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان بيع وشراء الأجل، أو بيع النسيئة. وبيع الأجل وشراء الأجل جائز، وهو كالإجماع من أهل العلم، ومن أدلة هذا قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البَقَرَة: 282]، وهذه الآية تسمى آية الدين، وهي أطول آية في القرآن الكريم، وهي دليل على بيع الأجل، والمؤلف رحمه الله عبَّر بشراء النبي ﷺ، ولم يقل: شراء الأجل؛ ليبيِّن أن النبي ﷺ باشر بيع النسيئة وشراء النسيئة، فدلَّ على أنه جائز، وقد كان فيه خلاف قديم ثم زال، ويسمى بيع التقسيط، سواء كانت الأقساط شهرية أو سنوية.

2068 قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ» دلَّ على أنه بيع وشراء الأجل جائز.

وهذا الحديث فيه ثلاثة أحكام واضحة:

الأول: جواز معاملة أهل الكتاب والشراء منهم والبيع إليهم، وأن ذلك ليس من موالاتهم؛ لأن الموالاة هي محبتهم ونصرتهم لدينهم.

الثاني: جواز البيع والشراء بالنسيئة، وهو الأجل وهذا هو الحكم الذي ترجم له المؤلف رحمه الله.

الثالث: جواز الرهن في الحضر؛ لأن النبي ﷺ اشترى طعامًا من يهودي وهو في الحضر إلى أجل ورهن عنده درعًا من حديد.

فإن قال قائل: فكيف تقول في قول الله : وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البَقَرَة: 283]، فقد بيَّن أن الرهن يكون في السفر؟ فالجواب أن هذا وصف أغلبي؛ إذ الغالب أن الرهن يكون في السفر لعدم وجود الكاتب، وليس هذا قيدًا، وهو مثل قول الله تعالى: وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا [النِّسَاء: 101]؛ فقيد القصر في الصلاة بالخوف، وهذا وصف أغلبي في ذلك الوقت أو منسوخ، أو أن القصر في الخوف ثبت في القرآن، والقصر مع الأمن ثبت في السنة، ومثله قوله تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ [النِّسَاء: 23]، فإن كون الربيبة في الحجر وصف أغلبي، وإلا فبنت الزوجة محرمة، سواء كانت في حجر الإنسان أو ليست في حجره، لكن النصَّ على كونه في الحجر وصف أغلبي.

2069 قوله: «عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ مَشَى إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ» يعني: شحمة متغيرة الرائحة، وأكلها النبي ﷺ من أجل الحاجة.

وفيه ما أصاب النبي ﷺ من الشدة، حتى إنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي اشترى به شعيرًا لأهله، وذلك أن الله زوى عنه الدنيا لما له عند الله من الكرامة ﷺ.

قوله: «وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ ﷺ دِرْعًا لَهُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ يَهُودِيٍّ، وَأَخَذَ مِنْهُ شَعِيرًا لأَِهْلِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَمْسَى عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ ﷺ صَاعُ بُرٍّ وَلاَ صَاعُ حَبٍّ وَإِنَّ عِنْدَهُ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ» فيه: جواز أكل طعام اليهود وغيرهم، ممن يغلب عليهم التعامل في الحرام ـ فإن اليهود يأكلون السحت ويأكلون الربا ـ ما لم يعلم بأن هذا الطعام وهذا المال بعينه سرقة أو ربًا أو غصب، فإنه لا يأكله ولا يشتريه، أما إذا جهل الحال فإنه لا بأس بشرائه وأكله، فإذا دعي إلى طعام وكان الداعي يتعامل بالحرام أو فاسقًا فإنه يأكل من طعامه، إلا إذا علم أن هذا الطعام بعينه من الحرام أو من الربا أو من الغصب أو من السرقة، فلا يأكل ولا يشتر.

كذلك البيع والشراء معهم إذا علم أن هذا المال مسروق لا يشتريه، لكن إذا لم يعلم فإنه في حل؛ لأن النبي ﷺ باع واشترى من اليهود، واشترى غنمًا من مشرك[(20)]، ودعته يهودية إلى طعام، وقدمت له شاة مسمومة، فأكل منها[(21)].

المتن:

باب كَسْبِ الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ بِيَدِهِ

2070 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: لَمَّا اسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، قَالَ: لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي، وَشُغِلْتُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ.

الشرح:

وهذا مما لا خلاف فيه أن من شغل بأمر المسلمين يعطى من بيت المال، كالوالي والقاضي، والمدرس، وغيرهم، والداعية، ورجال الحسبة، والطلاب الذين شغلوا بطلب العلم، وكذا الأئمة، والمؤذنون، كل هؤلاء شغلوا بأمر المسلمين فيعطون رواتب من بيت المال، وكذلك ولي الأمر يصرف له من بيت المال، وكان أبو بكر الصديق له حرفة فيكسب كل يوم ما يكفي لأهله ولأولاده، ولهذا لما حصل بينه وبين عمر منافسة، وطلب النبي ﷺ من كل أحد منهم أن ينفق جاء عمر بنصف ماله فقال: ما أبقيت لهم؟ قال: أبقيت لهم نصف مالي، ثم جاء أبو بكر بجميع ماله قال: ما أبقيت لهم؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله، فقال عمر: لا أسابقك أبدًا[(22)].

وقال العلماء: لا بأس أن يتصدق الإنسان بجميع ماله، إذا كان له حرفة فيستطيع أن يكسب كل يوم، وأبو بكر يستطيع أن يكسب كل يوم ما يكفيه وأولاده؛ ولهذا تصدق بجميع ماله، أو كان أهله يصبرون، وإلا فلا يجوز له أن يتصدق بجميع ماله ويترك أولاده يتكففون الناس، ولهذا قال النبي ﷺ لكعب بن مالك، لما قال: إن من توبتي أن أنخلع من جميع مالي، قال: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ [(23)].

2070 قوله: «لَقَدْ عَلِمَ قَوْمِي أَنَّ حِرْفَتِي لَمْ تَكُنْ تَعْجِزُ عَنْ مَئُونَةِ أَهْلِي» أي: إنه كان بيدي حرفة أشتغل وأكسب بها، ولكنني الآن شغلت بأمر المسلمين ووليت الخلافة فلا أستطيع أن أذهب أحترف وأترك أمر المسلمين.

قوله: «فَسَيَأْكُلُ آلُ أَبِي بَكْرٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ وَيَحْتَرِفُ لِلْمُسْلِمِينَ فِيهِ» . جاء في كتب التاريخ أنه قال: لا أترك أهلي يضيعون، قالوا: كيف تترك أمر المسلمين؟ قال: لا أترك أهلي يضيعون، فقال الصحابة: نجعل لك كل يوم درهمين، ففرضوا له درهمين.

والشاهد من الحديث: أن أبا بكر كان يحترف ويعمل ويكسب بيده، فكسب الرجل وعمله بيديه من أفضل المكاسب ومن أحلها، كما سيأتي في الحديث الآخر: «ما أكل أحد طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده» فأبو بكر كان يحترف ويعمل ويكتسب بيده، لكن لما شغل بأمر المسلمين أكل من بيت المال نظير تفرغه.

المتن:

2071 حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، قَالَ: حَدَّثنِي أَبُو الأَْسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عُمَّالَ أَنْفُسِهِمْ؛ وَكَانَ يَكُونُ لَهُمْ أَرْوَاحٌ فَقِيلَ لَهُمْ: لَوْ اغْتَسَلْتُمْ.

رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ.

الشرح:

2071 قوله: لَوْ اغْتَسَلْتُمْ، يعني: في يوم الجمعة، واحتج به بعض العلماء القائلين بأنه يجب غسل الجمعة على العمال الذين لهم روائح.

وقال آخرون: إن غسل الجمعة واجب على كل أحد، واستدلوا بحديث غسل الجمعة واجب على كل محتلم [(24)].

وذهب الجمهور إلى أن غسل الجمعة مستحب، واستدلوا بحديث: مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنِ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ [(25)]، فهذه أقوال ثلاثة في الغسل يوم الجمعة.

والشاهد من الحديث: أن الصحابة كانوا يعملون بأيديهم ويتكسبون.

المتن:

2072 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ ثَوْرٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ عَنْ الْمِقْدَامِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ.

الشرح:

2072 قوله: مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، احتج به بعض العلماء على أن أفضل المكاسب ما يكسبه الإنسان بيده، وقال آخرون: أفضل المكاسب التجارة، وقال آخرون: أفضل المكاسب الحراثة والزراعة.

والدليل على تفضيل العمل باليد وأنه من أفضل المكاسب وأحلها أن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده، فكان حدادًا يصنع الدروع، وكان زكريا نجارًا، فالأنبياء لهم مهن وليس ذلك عيبًا، إلا الحجامة فإنها مهنة رديئة، ولهذا قال ﷺ: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ [(26)]، لكنها ليست حرامًا، فخبيث هنا بمعنى رديء، وتأتي بمعنى التحريم، كما في قوله: مَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ [(27)]، يعني: حرام.

المتن:

2073 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ ابْنِ مُنَبِّهٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أَنَّ دَاوُدَ كَانَ لاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِه.

الشرح:

2073 في الحديث" أن داود كان يصنع الدروع.

وفيه: دليل على أن الصناعات المباحة شرف، ولا عيب فيها، كالنجارة والخرازة والحدادة، والعيب أن يكون الإنسان عالة يتكفف الناس.

المتن:

2074 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ.

2075 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلَهُ.

الشرح:

2074، 2075 فيهما: حث النبي ﷺ للصحابة على العمل والتكسب بأيديهم، وكراهية سؤال الناس والتقاعس عن العمل، وكان النبي ﷺ إذا حث الصحابة على الصدقة صار أحدهم يحامل ـ أي: يكون حمالاً يروح يحمل على ظهره ـ ثم يكتسب ويتصدق منه وينفق على أهله منه، أو يحتطب الحطب، أو يحتش الحشيش، وكان أهل نجد كذلك في العهد القريب، يحتطبون ويحتشون الحشيش ويبيعونه.

المتن:

باب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ

2076 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ قَالَ: حَدَّثنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى.

الشرح:

2076 في الحديث: الحث على السماحة في الشراء والبيع والاقتضاء؛ حيث قال النبي ﷺ: رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى، واقتضى يعني: طلب قضاء حقه، فيطلبه بسهولة وعدم إلحاح، وقوله: رَحِمَ اللَّهُ يحتمل أن يكون خبرًا، ويحتمل أن يكون دعاء له بالرحمة والسهولة والسماحة، والمراد بالسماحة ترك المضاجرة ونحوها.

وجاء في الحديث الآخر: مَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ وَافٍ، أَوْ غَيْرِ وَافٍ [(28)].

وفي الحديث الآخر: غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ، كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ [(29)].

وذكر الشارح أحاديث في فضل السماحة والسهولة، مثل حديث: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ سَمْحَ البَيْعِ، سَمْحَ الشِّرَاءِ، سَمْحَ القَضَاءِ [(30)]، وعند النسائي من حديث عثمان: أدخل الله الجنة رجلاً كان سهلاً مشتريًا وبائعًا وقاضيًا ومقتضيًا [(31)].

وفيه: الحض على السماحة في المعاملة، واستعمال معالي الأخلاق وترك المشاحة، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة، وأخذ العفو منهم، فينبغي للإنسان أن يكون عنده سهولة وسماحة في شرائه وفي بيعه، وفي طلب قضائه حقه من الديون التي على الناس.

ولا ينبغي أن يطلب من البائع كما هو متعارف عليه أن يخفض له من قيمة السلعة ويلح عليه في ذلك، ولكن لا بأس أن يماكس بعض الشيء.

المتن:

باب مَنْ أَنْظَرَ مُوسِرًا

2077 حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ أَنَّ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ حَدَّثَهُ أَنَّ حُذَيْفَةَ حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: تَلَقَّتْ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ.

وَقَالَ أَبُو مَالِكٍ: عَنْ رِبْعِيٍّ كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ.

وَتَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ.

وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ عَبْدِالْمَلِكِ عَنْ رِبْعِيٍّ أُنْظِرُ الْمُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ.

وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: عَنْ رِبْعِيٍّ فَأَقْبَلُ مِنْ الْمُوسِرِ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ.

الشرح:

هذه الترجمة فيها فضل من انظر: موسرًا، يعني: صبر عليه ولم يطالبه بإلحاح، والمراد بالموسر الغني، وذلك أن الموسر الغني وإن كان عنده أموال، لكن قد تكون أمواله غير حاضرة فيحتاج إلى من ينظره.

2077 قوله: تَلَقَّتْ الْمَلاَئِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، قَالُوا: أَعَمِلْتَ مِنْ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا وَيَتَجَاوَزُوا عَنْ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ فَتَجَاوَزُوا عَنْهُ ؛ بين أن الله قد تجاوز عنه بسبب تجاوزه عن الموسر، ومن انظره: احتسابًا لوجه الله فله هذا الأجر.

ففيه: فضل إنظار الموسر على عكس ما يقول بعض العوام، فإنهم يقولون: الموسر ليس فيه حسنة، وهذا غلط.

وفيه: دليل على أن الإنسان يؤجر إذا أمر بالشيء ولو لم يباشره بنفسه، فهذا الرجل أمر فتيانه من الخدم والأجراء أن يتجاوزوا عن الموسر، يقول لهم: إذا جاءكم موسر تجاوزوا عنه وخففوا عنه ولا تشددوا عليه، فلقي الله فتجاوز الله عنه.

وفيه: دليل على أن الجزاء من جنس العمل، فمن تجاوز عن الناس تجاوز الله عنه، ومن أحسن إلى الناس أحسن الله إليه، ومن شدد على الناس شدد الله عليه، فالجزاء من جنس العمل.

قوله: «َقَالَ أَبُو مَالِكٍ: عَنْ رِبْعِيٍّ كُنْتُ أُيَسِّرُ عَلَى الْمُوسِرِ وَأُنْظِرُ الْمُعْسِرَ» يعني: يصبر على الغني، وينتظر المعسر.

قوله: «وَقَالَ نُعَيْمُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ: عَنْ رِبْعِيٍّ فَأَقْبَلُ مِنْ الْمُوسِرِ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِر أما المعسر فإنه يتجاوز عنه ويسقط عنه بعض حقه.

والموسر هو من عنده مئونته ومئونة من تلزمه نفقته، وبعض العلماء حدده فقال: الموسر من كان عنده خمسون درهمًا أو قيمتها.

والصواب أن الإيسار والإعسار يرجع إلى العرف، ويختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، فقد يكون الغني في هذا اليوم فقيرًا في يوم آخر، وقد يكون الفقير في بلد الآن غنيًّا في بعض البلدان الأخرى.

أما ما حدده بعض العلماء بخمسين درهمًا أو مائة درهم، فهذا ليس بشيء، فالخمسون درهمًا لا تساوي شيئًا في هذا الزمن.

وإذا عرف الدائن أن مدينه مماطل فله أن يشدد عليه لقوله ﷺ: مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ [(32)]، وقوله: لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ، وَعُقُوبَتَهُ [(33)]. والمراد أن من كان ذا غنًى ويسار وماطل دائنه فإنه يظلمه، وللدائن أن يشدد عليه.

المتن:

باب مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا

2078 حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ.

الشرح:

هذه الترجمة تقابل الترجمة السابقة، فالترجمة السابقة إنظار الموسر، وهذه الترجمة إنظار المعسر، والموسر: الغني، والمعسر: الفقير، وإنظاره: إمهاله والصبر عليه، وكل من الفقير والغني في إنظاره أجر وثواب.

فالموسر الغني قد يكون بحاجة إلى من ينظره حتى يجمع ماله، والمعسر الفقير يحتاج إلى من ينظره حتى ييسر الله له قضاء الدين، ولكن إنظار الموسر مستحب، وإنظار المعسر واجب لقول الله تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ [البَقَرَة: 280]، فقوله: فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ خبر بمعنى الأمر، والمعنى: فانظروه، وقوله: وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ، يعني: وأن تصدقوا على هذا الفقير بإسقاط شيء من الدين أو كله فهو خير.

إذن عندنا واجب ومستحب، فالواجب إنظار المعسر، وإسقاط الدين أو بعض الدين مستحب، والأفضل إسقاطه، ولهذا يقال في القاعدة: الفريضة تفضل النافلة: إلا في مواضع وهذا منها تكون النافلة أفضل من الفريضة، فإنظار المعسر فريضة، وإسقاط بعض الدين نافلة، ولكن النافلة ـ وهي كونك تسقط بعض الدين ـ أفضل من كونك تنظره.

2078 قوله: كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ: تَجَاوَزُوا عَنْهُ، لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا، فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ. فيه: دليل على أن الجزاء من جنس العمل، فمن تجاوز عن الناس تجاوز الله عنه، وذكر الشارح حديث أبي اليسر الذي رواه الإمام مسلم في «صحيحه» ، قال: من انظر: معسرًا أو وضع له أظله الله في ظله [(34)] وفي حديث أبي قتادة: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ، أَوْ يَضَعْ عَنْهُ [(35)]، ولأحمد من حديث ابن عباس قال: وَقَاهُ اللهُ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ [(36)].

وفي هذا الحديث قال: كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ، وعند النسائي أن رجلاً كان لا يعمل خيرًا قط وكان يداين الناس.

وفيه: أيضًا: خذ ما يَسُرَ واترك ما عَسُرَ وتجاوز [(37)]، وقوله في هذه الرواية: لا يعمل خيرًا قط يعني: زيادة عن التوحيد.

وفيه: والذي قبله أن اليسير من الحسنات إذا كان خالصًا لله كفَّر كثيرًا من السيئات.

وفيه: أن الأجر يحصل لمن يأمر به وإن لم يتول ذلك بنفسه؛ لأن هذا التاجر قال لفتيانه: افعلوا كذا.

المتن:

باب إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا

وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ ﷺ هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ لاَ دَاءَ وَلاَ خِبْثَةَ وَلاَ غَائِلَةَ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالإِْبَاقُ.

وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ فَيَقُولُ: جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ جَاءَ الْيَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً.

وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلاَّ أَخْبَرَهُ.

2079 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ رَفَعَهُ إِلَى حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا، مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا.

الشرح:

هذه الترجمة عقدها المؤلف لبيان حكم البَيِّعَيْنِ إذا نصحا ولم يكتما.

قوله: «بَابٌ إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَان» ، يعني: بيَّنا العيوب التي في السلعة ولم يكتما ما فيها من العيوب ونصحا، ولم يذكر الجواب، وهو معروف، والتقدير: بورك لهما في بيعهما.

قوله: «وَيُذْكَرُ عَنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: كَتَبَ لِي النَّبِيُّ ﷺ هَذَا مَا اشْتَرَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ الْعَدَّاءِ بْنِ خَالِدٍ بَيْعَ الْمُسْلِمِ الْمُسْلِمَ لاَ دَاءَ، يعني: لا عيب يكتمه البائع.

قوله: وَلاَ خِبْثَةَ، يعني: أخلاق خبيثة، والمراد: ليس في المبيع أخلاق خبيثة، كأن يكون عبدًا نمامًا، أو عبدًا فيه صفة الإباق والهروب والشرود من سيده.

قوله: وَلاَ غَائِلَةَ، أي: ليس فيه فجور وسكوت على مكروه في البيع.

قوله: «وَقَالَ قَتَادَةُ: الْغَائِلَةُ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَالإِْبَاقُ» ، يعني: الغائلة في العبد أن يكون فيه عيب كالزنا أو السرقة أو الإباق من سيده أي: الهروب، فإن كانت فيه هذه العيوب فلابد من بيانها، فالنبي ﷺ لما اشترى من العداء، قال له: لاَ دَاءَ وَلاَ خِبْثَةَ وَلاَ غَائِلَةَ يعني: لا عيوب تكتم، ولا أخلاق خبيثة، ولا غائلة فجور.

قوله: «وَقِيلَ لِإِبْرَاهِيمَ إِنَّ بَعْضَ النَّخَّاسِينَ» إبراهيم: هو النخعي، والمراد بالنخاسين تجار العبيد، والعبيد يأتون من الجهاد في سبيل الله، فإذا قاتل المسلمون الكفار سبوا نساءهم وذراريهم فصاروا رقيقًا وعبيدًا، ولكن الآن لا يوجد عبيد، ووجود العبيد يدل على قوة الإسلام وقوة المسلمين، وعدم وجود العبيد يدل على ضعف المسلمين، لكن إذا أقام الله عَلَم الجهاد وانتصر المسلمون على الكفار وسبوا ذراريهم ونساءهم، كان هناك سوق للعبيد، يسمى سوق النخاسين.

قوله: «يُسَمِّي آرِيَّ خُرَاسَانَ وَسِجِسْتَانَ» ، وفي رواية غير أبي ذر «آريّ» والآريّ: المربط أو المعلف والمراد: يسمي مربط الدابة أو معلفها خراسان أو سجستان، على أسماء مدن ببلاد فارس.

قوله: «جَاءَ أَمْسِ مِنْ خُرَاسَانَ جَاءَ الْيَوْمَ مِنْ سِجِسْتَانَ» ، يعني: إذا أراد أن يبيعه يوهم المشتري أن هذا الفرس وارد من خراسان أو سجستان، فيكون له قيمة أكثر، فيقول: إن هذا الفرس جاء من خراسان، ويقصد من المربط أو المعلف الذي سماه خراسان، بينما يظن المشتري أنه جاء من بلاد خراسان.

قوله: «فَكَرِهَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً» ؛ لأن هذا غش وتدليس على المشتري، وإيهام بأنه جاء من بلاد بعيدة، وهو يقصد أنه جاء من المكان الذي سماه بهذا الاسم الذي ربط فيه الفرس.

قوله: «وَقَالَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يَبِيعُ سِلْعَةً يَعْلَمُ أَنَّ بِهَا دَاءً إِلاَّ أَخْبَرَهُ» أي: لا يحل لشخص أن يبيع سلعة يعلم أن بها داءً ـ يعني: عيبًا ـ إلا أخبره، فإن كتمه صار بهذا مدلسًا غاشًّا، وإذا علم المشتري بعد ذلك أن فيه عيبًا وكُتِمَه فله الخيار، فلو باع شخص سيارة ويعلم فيها عيوبًا ولم يخبر المشتري فله الخيار؛ لأن البائع كتم العيب.

2079 قوله: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقا فيه: إثبات خيار المجلس للبائعين، فإذا اشترى الإنسان سلعة من آخر فله الخيار ما دام في المجلس، كأن جلس معه ساعة أو ساعتين، فإن رأى أن يفسخ البيع فله ذلك، فلو باعه شيئًا وجعلوا يتحدثون في مجلس، يأكلون ويشربون ويتضاحكون، ثم بدا له بعد ساعة أن يفسخ البيع فله ذلك؛ لأنه ما زال في المجلس، فإذا تفرقا بالأبدان انقطع الخيار، فإذا اشترط وقال: لك الخيار ثلاثة أيام أو عشرة أيام أو شهر أو سنة، فيسمى ذلك خيار الشرط، والمؤمنون عند شروطهم، أما إذا لم يشترطا فإذا تفرقا تم البيع.

قوله: فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا. هذا هو الشاهد من الحديث، إن صدقا في بيعهما، وبيَّنا ما في السلعة من العيوب بورك لهما في بيعهما، وإن كتما العيوب وكذبا ودلسا محقت بركة بيعهما، وهذا فيه الوعد من الله تعالى بالبركة لمن صدق في البيع.

وفيه: الوعيد على البيعين الكاذبين اللذين يخفيان ما في السلعة من العيوب، وأنهما موعودان بمحق البركة، نسأل الله العفو والعافية.

فلا عذر، يسيرًا كان أو كبيرًا، لمن يكتم ولا يخبر ما في السلعة، فيجب أن يبين ما يعلمه فيها.

ومن التدليس أيضًا: ذلك الذي يكتب على باب دكانه ثمنًا ويكتب على السلع ثمنًا آخر فإنه تدليس يستوجب محق البركة.

المتن:

باب بَيْعِ الْخِلْطِ مِنْ التَّمْرِ

2080 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ: كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ وَهُوَ الْخِلْطُ مِنْ التَّمْرِ، وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع الخلط من التمر، والخلط: التمر الرديء، ولا بأس ببيعه إن كان ظاهرًا ومعلومًا للمشتري.

2080 قوله: «كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الْجَمْعِ» يعني: من بيت المال، وتمر الجمع هو الخلط من التمر، يعني: أنواع من التمر غالب عليها الرداءة.

قوله: «وَكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ» ، أي: نبيع صاعين من الرديء بصاع جيد.

قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ؛ لأنه ربا، إلا أن يكون مِثْلاً بمِثْل، فالتمر بالتمر مع الفضل ربا، لكن إذا أراد الإنسان المخرج الشرعي فعليه أن يبيع هذا التمر الرديء بدراهم ثم يشتري بالدراهم تمرًا جيدًا؛ وذلك لما ثبت في الحديث الآخر أن النبي ﷺ طلب من بلال أن يأتيه بتمر، فأتاه بتمر برني جيد من خيبر، فلما أتى به قال له النبي ﷺ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟ قال: لا والله يا رسول الله، إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين؟ والصاعين بالثلاثة، فقال النبي ﷺ: لاَ تَفْعَلْ، بِعْ الجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا [(38)].

فنهاه النبي ﷺ أن يشتري الصاع الجيد بالصاعين من التمر الرديء، وأمره أن يبيع التمر الرديء بالدراهم، ويشتري بالدراهم جنيبًا، وهو التمر الجيد.

والحديث فيه: دليل على جواز بيع الخلط من التمر، يعني: إذا كان هناك تمر رديء ومعروف فلا بأس بيعه، لكن إذا كان فيه تدليس بأن يجمع ما بين الرديء والجيد ويجعل الجيد هو الأعلى، فهذا غش، لكن إذا جمع أنواعًا متعددة من التمر وكان أغلبه رديئًا فلا بأس ببيعه؛ لأنه معروف ليس فيه غش.

وفيه: النهي عن بيع التمر بالتمر متفاضلة، وعن بيع الدراهم بالدراهم متفاضلاً، فلا بد من المماثلة؛ للخروج من دائرة الربا.

المتن:

باب مَا قِيلَ فِي اللَّحَّامِ وَالْجَزَّارِ

2081 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: حَدَّثنِي شَقِيقٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ الأَْنْصَارِ، يُكْنَى: أَبَا شُعَيْبٍ، فَقَالَ لِغُلاَمٍ لَهُ قَصَّابٍ: اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ ﷺ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ، فَدَعَاهُمْ فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، فَأْذَنْ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ.

الشرح:

هذه الترجمة المقصود منها جواز الجزارة، وأنها حرفة لا عيب فيها، مثل النجارة والحدادة وغيرها من الحرف سواء القديمة أو الجديدة فكلها حرف شريفة، ما عدا الحجام؛ لأن كسبه رديء، وينبغي للإنسان أن تكون له حرفة وألا يكون عالة على الناس.

2081 قوله: «اجْعَلْ لِي طَعَامًا يَكْفِي خَمْسَةً؛ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَدْعُوَ النَّبِيَّ ﷺ خَامِسَ خَمْسَةٍ، فَإِنِّي قَدْ عَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْجُوعَ، فَدَعَاهُمْ فَجَاءَ مَعَهُمْ رَجُلٌ» ، أي: جاء النبي ﷺ ومعه أربعة، وجاء معهم رجل سادس فاستأذن له النبي ﷺ، فقال: إِنَّ هَذَا قَدْ تَبِعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، فَأْذَنْ لَهُ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ يَرْجِعَ رَجَعَ، فَقَالَ: لاَ بَلْ قَدْ أَذِنْتُ لَهُ» فيه: دليل على أن من دعا عددًا محددًا فلا يأتي معهم أحد إلا بالاستئذان؛ لئلا يكون فيه إحراج له، أما إذا لم يحدد فالأمر واسع.

وفيه: دليل على أن الجزارة حرفة لا عيب فيها، وأن القصاب ـ أي: الجزار ـ إذا سلم من نجاسة الدم وتحرز منها، فلا عيب عليه فيها.

المتن:

باب مَا يَمْحَقُ الْكَذِبُ وَالْكِتْمَانُ فِي الْبَيْعِ

2082 حَدَّثَنَا بَدَلُ بْنُ الْمُحَبَّرِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْخَلِيلِ يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ قَالَ: حَتَّى يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا.

الشرح:

هذه الترجمة مقابلة لترجمة سابقة، ذكرت أن حكم البيعين إذا صدقا وبيَّنا ولم يكتما أن يبارك لهما في بيعهما، وهذا حكم البيعين إذا كتما وكذبا أن تمحق بركة البيع.

2082 ذكر المؤلف هذا الحديث في هذا الباب وفي الباب المشار إليه سابقًا «بَابٌ إِذَا بَيَّنَ الْبَيِّعَانِ وَلَمْ يَكْتُمَا وَنَصَحَا» ، فالحديث له شطران:

الشطر الأول: ترجم له بالترجمة الأولى أن البيعان إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما.

والترجمة هنا للشطر الثاني وهو: قوله: وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا فيؤخذ من هذا الحديث حكمان:

الأول: أن البيّعين إذا صدقا وبيَّنا العيوب ولم يكتما بارك الله في بيعهما.

الثاني: أن البيّعين إذا كتما العيوب وكذبا محق الله بركة بيعهما.

المتن:

باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

2083 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ.

الشرح:

هذه الترجمة فيها التحذير من أكل الربا.

وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً» فيه: بيان الحال التي كانوا عليها في الجاهلية، وهي أنهم كانوا يأكلون الربا أضعافًا مضاعفة، وليس المراد أن الربا لا يَحْرُم إلا إذا كان أضعافًا مضاعفة؛ بل المعنى: لا تأكلوا الربا؛ لأنه إذا تساهل الإنسان في أكله أوصله ذلك إلى أن يأكله أضعافًا مضاعفة، وكانوا في الجاهلية إذا كان لأحد دين على أحد وَحَلَّ الدين، قال له: إما أن تقضي وإما أن تربي، فإذا لم يقضه زاده في الأجل وفي الدين، وهكذا حتى يتراكم الدين على المدين أضعافًا مضاعفة.

وروى مالك عن زيد بن أسلم في تفسير هذه الآية، قال: كان الربا في الجاهلية أن يكون للرجل على رجل حق إلى أجل، فإذا حلَّ قال: أتقضي أم تربي؟ فإن قضى أخذ وإلا زاده في الحق وزاد الآخر في الأجل. وهكذا حتى يتراكم الربا، فتتراكم الديون على المدين أضعافًا مضاعفة، فأنزل الله هذه الآية.

2083 قوله: لَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لاَ يُبَالِي الْمَرْءُ بِمَا أَخَذَ الْمَالَ أَمِنْ حَلاَلٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ ، في الحديث فائدتان:

الأولى: أن هذا لابد أن يقع في الأمة، وهو علم من أعلام النبوة.

الثانية: التحذير من التساهل في أكل أموال الناس بالباطل.

وذكر الشارح حديث: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَأْكُلُونَ الرِّبَا، فَمَنْ لَمْ يَأْكُلْهُ أَصَابَهُ مِنْ غُبَارِهِ [(39)].

المتن:

باب آكِلِ الرِّبَا وَشَاهِدِهِ وَكَاتِبِهِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البَقَرَة: 275].

2084 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: لَمَّا نَزَلَتْ آخِرُ الْبَقَرَةِ قَرَأَهُنَّ النَّبِيُّ ﷺ عَلَيْهِمْ فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ.

الشرح:

2084 قوله: «ثُمَّ حَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ» . يحتمل أن تحريم التجارة في الخمر كان حين نزل تحريم الربا؛ ولذا قرأ النبي ﷺ الآيات في تحريم الربا ثم حرَّم التجارة في الخمر، فيكون تحريم الربا وتحريم الخمر في وقت واحد.

ويحتمل أن النبي ﷺ حرَّم التجارة في الخمر تأكيدًا لتحريمها السابق، وإن كانت حرمت قبل الربا.

المتن:

2085 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ، فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ، فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا.

الشرح:

وفي الحديث: بيان تحريم الربا وشدة تغليظه، قال الله تعالى: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البَقَرَة: 275]، وهذا وعيد شديد، يعني: أنهم يبعثون يوم القيامة صرعى كالمجانين، وسبب ذلك أنهم قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البَقَرَة: 275].

2085 في الحديث: رأى النبي ﷺ المرابي بأنه في نهر الدم قائم، وعلى الشاطئ رَجُل في يديه حجارة يرميه في فيه، كلما أراد أن يخرج رماه، وهذا عذابه في البرزخ قبل يوم القيامة.

يشير المؤلف في هذه الترجمة إلى ما جاء في الحديث الآخر: لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء [(40)]؛ فكلهم ملعونون، فدل ذلك على أنه من الكبائر؛ واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، ولا شك أن آكل الربا أشد.

ومما تجدر الإشارة إليه أن البنوك الآن فيها أعمال فيها ربا، وأخرى ليس فيها ربا، فالذي يكتب كتابات أخرى غير التعامل بالربا يختلف حكمه عن حكم المرابي وكاتب الربا.

المتن:

باب مُوكِلِ الرِّبَا

لِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ۝ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ۝ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ۝ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البَقَرَة: 278-281].

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ.

2086 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ:نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنْ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ.

الشرح:

قوله: «بَابُ مُوكِلِ الرِّبَا» ، يعني: باب إثم موكل الربا وما عليه من الوعيد.

قوله: «لقول الله تعالى: وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا أي: اتركوا ما بقي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، جعل هذا شرطًا في الإيمان، ثم قال: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ آذن الله المرابي بحرب من الله ورسوله، ولا نعلم معصية من المعاصي بعد الشرك بالله وعد لها بمثل هذا الوعيد إلا الربا.

وجاء في بعض الآثار أنه يقال للمرابي يوم القيامة: خذ سلاحًا وحارب ربك. نسأل الله السلامة والعافية.

وقوله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ، فيه: دليل على أن الإنسان إذا أعطي دراهم من الربا لا يأخذها، فما له إلا رأس المال، وبعض الناس يقول: أترُكُها لهم ينفقونها على النصارى أو على الكنائس؟! فنجيبه أنه لا يستحقها، والزيادة فوق هذا الربا ليس له فيه حق، فإن كان لا يريد أن يستفيدوا من هذا فلا يضع نقوده عندهم، أما إذا وضعها للضرورة فلا يأخذ زيادة.

قوله: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ» ، أي: قوله سبحانه: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ [البَقَرَة: 281].

2086 قوله: «رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى عَبْدًا حَجَّامًا فَسَأَلْتُهُ» ، الحديث فيه: اختصار والتقدير: رأيت أبي اشترى حجامًا فأمر بمحاجمه فكسرت فسألته عن ذلك لم كسرت محاجمه؟

قوله: «فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَثَمَنِ الدَّمِ، وَنَهَى عَنْ الْوَاشِمَةِ وَالْمَوْشُومَةِ وَآكِلِ الرِّبَا وَمُوكِلِهِ وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ» فيه: تحريم ثمن الكلب، وأن الكلب لا ثمن له حتى ولو كان معلَّمًا، أو كان كلب صيد فإنه يهدى ولا يباع، والدم المراد به دم الحجامة؛ لأن أبا جحيفة اشترى حجامًا وأمر بكسر محاجمه، وكأن أبا جحيفة يرى تحريم ثمن الحجامة، والصواب أن ثمن الحجامة ليس حرامًا، وإنما هو مكروه؛ لأنه كسب رديء، وأما قول النبي ﷺ: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ [(41)]. فالمراد به خبث الكراهة.

أما بيع الدم لمن احتاجه فهذا لا يجوز، وإنما يتبرع به؛ لأن الدم نجس لا ثمن له، بخلاف الحجام الذي يحجم فإنه محسن بإخراج الدم الذي يضر، ويحتمل أن يقال: إنه لا يجوز بيع الدم؛ لأنه مما يجب أن يبذله الإنسان ويتبرع به مجانًا لمن احتاج إليه.

والمراد بالنجس الدم المسفوح، أما ما يبقى في العروق واللحم فليس بنجس، فعروق ولحم الشاة المذبوحة يبقى بها دم وليس بنجس، إنما النجس الدم المسفوح عند الذبح، ويعفى عن الشيء اليسير.

وفيه أيضا: النهي عن الواشمة والموشومة، والواشمة التي تفعل الوشم، والموشومة التي يفعل بها الوشم.

والوشم هو أن يشق الإنسان الجلد، ويقوم بغرز إبرة فيه ويضع فيه شيئًا من الكحل لكي يبقى، وقد يكون على صورة طير، فإذا فعله الإنسان ثم تاب فإذا كان يستطيع أن يزيل هذا الوشم فليُزِلْه، وإذا كان لا يستطيع فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وكل من الواشمة والموشومة مرتكبة لكبيرة ملعونة.

وآكل الربا كذلك ملعون، وكذلك موكله الذي يعطي الربا.

وكذلك المصور الذي يصور صور ذوات الأرواح من الآدميين أو الحيوانات أو الطيور أو الحشرات، فهؤلاء كلهم ملعونون.

المتن:

باب يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [البَقَرَة: 276]

2087 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ.

الشرح:

2087 قوله: الْحَلِفُ، المراد: الحلف الكاذب.

قوله: مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَة، يعني: ينفقها ويروجها، ومنفقة من النَفاق وهو الرواج، فتجد بعض الناس يقول: والله ما اشتريت إلا بكذا، والله بعتها بكذا، والله لا أتخلف عليك يوم كذا، فهو منفقة للسلعة، لكن تمحق البركة، وإذا كان صادقًا فهو مكروه؛ لقول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ [المَائدة: 89]، فلا ينبغي للإنسان أن يحلف ولو كان صادقًا، أما إذا كان كاذبًا فهو حرام.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد