شعار الموقع

شرح كتاب البيوع من صحيح البخاري (34-3) من باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ - إلى باب ذِكْرِ الْحَجَّامِ

00:00
00:00
تحميل
118

المتن:

باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْحَلِفِ فِي الْبَيْعِ

2088 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى ، أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً [آل عِمرَان: 77].

الشرح:

هذه الترجمة فيها كراهة الحلف في البيع، والمراد بالكراهة هنا كراهة التحريم؛ دلَّ على ذلك حديث عبدالله بن أبي أوفى الآتي.

2088 قوله: «أَنَّ رَجُلاً أَقَامَ سِلْعَةً وَهُوَ فِي السُّوقِ، فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، يعني: كذب وحلف بالله أنه أعطى بها أكثر مما قدرت به، ومثاله: جاء إنسان يشتري السلعة فقال: بسبعين فحلف صاحبها أنه أعطيها بثمانين، وقال: كيف أبيعها لك بسبعين وقد سامني شخص بثمانين؟ وهو كاذب، فنزلت الآية: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عِمرَان: 77].

وقوله: «لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِ» فيه ضبطان:

الأول: «لقد أُعْطِيَ بها ما لم يعط» يعني: سمي له في ثمنها أكثر مما قيل.

الثاني : «لقد أعطى بها ما لم يعط» يعني: لقد اشتراها بأكثر مما اشتراها به.

والآية:  إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً تفيد الوعيد الشديد على الذين يحلفون وهم كاذبون، وعلى الذين اشتروا بعهد الله ثمنًا قليلاً، والدنيا كلها ثمن قليل.

والمعنى أنه يخبر بغير الواقع، أما إذا كان يخبر بالواقع فلا بأس، وتجميل السلعة إن كان بالحق لا بأس به.

المتن:

باب مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغِ

وَقَالَ طَاوُسٌ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا.

وَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلاَّ الإِْذْخِرَ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ فَقَالَ: إِلاَّ الإِْذْخِرَ.

2089 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا ، قَالَ: كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ، وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ أَعْطَانِي شَارِفًا مِنْ الْخُمْسِ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي؛ فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنْ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرُسِي.

2090 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَلَمْ تَحِلَّ لأَِحَدٍ قَبْلِي وَلاَ لأَِحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلاَ يُلْتَقَطُ لُقْطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ.

وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلاَّ الإِْذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَلِسُقُفِ بُيُوتِنَا فَقَالَ: إِلاَّ الإِْذْخِرَ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: هَلْ تَدْرِي مَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أَنْ تُنَحِّيَهُ مِنْ الظِّلِّ وَتَنْزِلَ مَكَانَهُ.

قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: عَنْ خَالِدٍ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الصواغ، وبيان أن الصياغة حرفة لا بأس بها، والصواغ: هو الذي يصوغ الذهب ويحميها على النار، ويجعل منها أساور وخواتيم وقلائد، فهي مهنة شريفة كالحدادة والنجارة والجزارة.

قوله: «بَابُ مَا قِيلَ فِي الصَّوَّاغِ» ، يعني: فيما ورد في الصواغ.

قوله: «وَقَالَ طَاوُسٌ: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: النَّبِيُّ ﷺ لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، والمراد مكة، وهذا من خصائصها، فلا يحتش حشيشها الأخضر الذي لم يستنبته الآدميون، ولا يقطع الشجر الأخضر، أما اليابس فلا بأس به.

قوله: «وَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلاَّ الإِْذْخِرَ» ، طلب العباس من النبي ﷺ أن يستثني الإذخر، والإذخر نبت طيب الرائحة يشبه ما يسمى في نجد بالثمام.

قوله: «فإنه لقينهم وبيوتهم» ، يعني: للحدادين، يشعلون به نيرانهم لإحماء الحديد، وللبيوت يوضع في السقف مع الخشب أو لرائحته الطيبة.

قوله: «فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ» يحتمل أنه استثنى بوحي من الله وهذا هو الظاهر، أو أن النبي ﷺ قال ذلك باجتهاده وأقره الله على ذلك.

والمعنى: أن العباس طلب من النبي ﷺ أن يستثني الإذخر من حشيش الحرم؛ لأن الناس يحتاجونه لقينهم أي: الحدادين، وفي اللفظ الآخر: «لصاغتنا وقبورنا» [(42)]؛ يعني: أن الإذخر يحتاجه الحداد ليشعل عليه النار حتى يحمي الحديد، وكذلك الصاغة يحتاجونه لإحماء الذهب عليه، وكذلك القبور ليوضع في سد الخلل الذي بين اللبِنَات، وفي اللفظ الآخر: «ولسقف بيوتنا» [(43)]. فحينما يسقفون السقف ويجعلون الخشب يضعون الإذخر بين الخشب في الخلل، وكان عندنا في نجد يُجعل في سقف البيوت الخشب ثم الجريد ثم الخوص فيكون بدل الخوص عندنا، وفي مكة لا يوجد نخل، وإنما يوجد الإذخر؛ فلهذا طلب العباس من النبي ﷺ أن يستثني الإذخر فاستثناه.

والشاهد قوله: «لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ» فهو دليل على أن الصياغة مهنة شريفة؛ ولهذا لم ينكرها النبي ﷺ لما قال العباس: «لِصَاغَتِنَا» ، فلو كانت الصياغة مهنة ممنوعة لأنكرها النبي ﷺ فلما لم ينكرها دل على أنها مهنة شريفة.

2089 ذكر المؤلف رحمه الله حديث علي في قصة بنائه بفاطمة بنت النبي ﷺ، فعلي بن أبي طالب ابن عم النبي ﷺ وزوج ابنته فاطمة.

قوله: «كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ» ، يعني: مغانم بدر؛ حيث غنم المسلمون غنائم ووزعت بينهم، فكان من نصيب علي شارف، وهو البعير الكبير، وأعطاه النبي ﷺ شارفًا آخر من الخمس ـ وهو حق النبي ﷺ في المغنم ـ فصار له شارفان شارف من نصيبه وشارف أعطاه النبي ﷺ.

قوله: «فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» ، أبتني يعني: أتزوج، ويسمى الزواج بناء؛ لأنه كان أحدهم في الجاهلية إذا أراد أن يتزوج امرأة بنى عليها خيمة، فقوله: أن أبتني بفاطمة، يعني: أن أبني خيمة للزواج.

قوله: «وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ» ، وهذا هو الشاهد أن عليًّا واعد رجلاً صواغًا، ولم ينكر النبي ﷺ الصياغة، فدل على أنها مهنة شريفة.

قوله: «أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِي؛ فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ، أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ مِنْ الصَّوَّاغِينَ، وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرُسِي» ، يعني: أن عليًّا واعد رجلاً من الصواغين من بني قينقاع أن يذهب معه فيحتشون الإذخر على الشارفين، ويأتون بالإذخر ويبيعونه على الصواغين، ويجعل ثمنه في وليمة عرسه على فاطمة بنت النبي ﷺ.

وفيه: مشروعية الوليمة، وأن عليًّا احتش الإذخر بنفسه، وهو من أرفع الناس حسبًا.

وفيه: أن العالم والكبير لا بأس أن يحترف، وأن يقضي حوائجه بنفسه؛ وهذا ليس فيه غضاضة ولا مخالفة للمروءة؛ فالنبي ﷺ كان يقضي حوائجه بنفسه.

2090 ذكر المؤلف حديث ابن عباس رضي الله عنهما يوم الفتح وأن النبي ﷺ حرم مكة، واستثنى الإذخر، قال: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ ، يعني: القتال فيها، وَلَمْ تَحِلَّ لأَِحَدٍ قَبْلِي وَلاَ لأَِحَدٍ بَعْدِي، وَإِنَّمَا حَلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، يعني: جزءًا من الزمان حتى يتم الفتح، وهي من الصباح إلى العصر، قال: لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا، أي: لا يحتش حشيشها الأخضر، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، أي: لا يقطع شجرها، وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا، أي: لا ينفر من مكان إلى مكان، كما سيأتي، وَلاَ يُلْتَقَطُ لُقْطَتُهَا إِلاَّ لِمُعَرِّفٍ، يعني: لمنشد أبد الدهر، بخلاف لقطة غير الحرم فإنه يملكها بعد مضي سنة، فإذا عرفها ولم يأت أحد فإنه يضبط أوصافها ويسجلها عنده ثم تكون له، فلابد أن يعرف عفاصها ووكاءها، كما قال النبي ﷺ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا [(44)]، والعفاص: الكيس الذي تكون فيه الدراهم، والوكاء: الرباط الذي تربط به، فإذا كانت دراهم فلابد أن يعرف من أي: فئة؟ وكم عددها؟ فإن جاء صاحبها يومًا من الدهر أعطاه إياها وإلا فهي له، أما لقطة الحرم فمن خصائص الحرم أنها لا تملك، بل لا يلتقطها أحد إلا أن يعرِّفها مدى الدهر وإلا فلا يأخذها، والآن وجدت لجنة تقبل الأشياء الضائعة في جهة الصفا، فله أن يلتقطها ويسلمها إليهم فيسلم من تبعتها ويؤجر.

وقوله: «وَقَالَ عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلاَّ الإِْذْخِرَ» ، يعني: استثن لنا الإذخر، وهو نوع من الحشيش، فإنه «لِصَاغَتِنَا وَلِسُقُفِ بُيُوتِنَا» ، يعني: يحتاجه الصواغون والحدادون يشعلون به النار ويُجعل في سقف البيوت في الخلل.

قوله: «فَقَالَ عِكْرِمَةُ: هَلْ تَدْرِي مَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا هُوَ أَنْ تُنَحِّيَهُ مِنْ الظِّلِّ وَتَنْزِلَ مَكَانَهُ» يعني: لا يجوز للإنسان أن ينفر الصيد بمكة بأن يطرده من الظل ويجلس مكانه.

قوله: «قَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: عَنْ خَالِدٍ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا» يعني: أن الإذخر يحتاجه أهل مكة الصواغون، ويحتاج إليه في القبور في الخلل بين اللبنات.

والشاهد أن الصياغة حرفة لا بأس بها.

والقين الحداد، بخلاف القينات أي: المغنيات.

المتن:

باب ذِكْرِ الْقَيْنِ وَالْحَدَّادِ

2091 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ: كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَيْنٌ فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ، قَالَ: لاَ أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَقُلْتُ: لاَ أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالاً وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَ فَنَزَلَتْ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا ۝ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مَريَم: 77-78].

الشرح:

وقوله: «الْقَيْنِ» : هو الصائغ أو الحداد، وكأن البخاري ذهب إلى التغاير بينهما لذكره إياهما في ترجمتين.

قال ابن دريد: «القين أصله الحداد، ثم صار كل صائغ قينًا» [(45)]. فالقين والحداد متقاربان.

والشاهد من الحديث: أن الحِدادة حرفة لا بأس بها، ولا عيب فيها كالصياغة، ولذلك كان من الصحابة رضوان الله عليهم حدادون، فكان خباب «قَيْنًا» ، أي: حدادًا، ولم ينه النبي ﷺ عنها؛ فدل على أنها مهنة شريفة.

2091 في الحديث: أن خبابًا كان حدادًا في الجاهلية، وكان له دين على العاص بن وائل، وهو من رءوس الكفر، قال: «فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ» ، أي: يطالبه بقضاء دينه، فامتنع العاص بن وائل، وقال: «لاَ ءأُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ ﷺ، فَقُلْتُ: لاَ أَكْفُرُ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ تُبْعَثَ، قَالَ: دَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ وَأُبْعَثَ، فَسَأُوتَى مَالاً وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَ فَنَزَلَتْ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأَُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا ۝ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا [مَريَم: 77-78]..

وفيه: مماطلة الكفار للمسلمين في قضاء حقوقهم لحثهم على الكفر وإغرائهم به، فالعاص بن وائل ماطل خبابًا، لكن خبابًا رد عليه وقال: «لا أكفر حتى يميتك الله ثم تبعث» وفي ذلك دليل على قوة إيمان الصحابة رضوان الله عليهم.

المتن:

باب ذِكْرِ الْخَيَّاطِ

2092 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ أَبِي طَلْحَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: فَذَهَبْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ، فَقَرَّبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ وَقَدِيدٌ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الْقَصْعَةِ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان أن الخياطة مهنة شريفة، وليس فيها عيب، والخياط هو الذي يخيط الثياب للناس.

2092 قوله: «إِنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لِطَعَامٍ صَنَعَهُ» ، فأجاب النبي ﷺ دعوته، فقرب الخياط للنبي ﷺ «خُبْزًا وَمَرَقًا فِيهِ دُبَّاءٌ» ، والدباء هو القرع، «وقديد» وهو اللحم المجفف.

وكان الناس قبل اختراع الثلاجات يجففون اللحم، ولاسيما في أيام الأضاحي، فكانوا يشقون اللحوم ويشرحونها، وينشرونها في الشمس ويشرقونها ولهذا سميت أيام التشريق، ويجعلون فيها الملح حتى لا تنتن، فهذا الخياط قدَّم للنبي ﷺ خبزًا ومرقًا فيه دباء وفيه لحم قديد. قال أنس: «فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوَالَيْ الْقَصْعَةِ، قَالَ: فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ» ، وفي اللفظ الآخر أن أنسًا قال: «فجعلت أجمعه فأدنيه منه» [(46)]، أي: للنبي ﷺ.

وفيه: إجابة دعوة الخياط، وأن الخياطة مهنة شريفة.

وفيه: حسن خلق النبي ﷺ وإجابته لرعيته وتواضعه ﷺ.

وفيه: فضل الدباء وهو القرع.

وفيه: جواز الأكل من حوالي القصعة إذا كان الطعام أنواعًا، أما إذا كان الطعام نوعًا واحدًا فإنه يأكل مما يليه، كما قال النبي ﷺ لربيبه عمر بن أبي سلمة: يَا غُلاَمُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ [(47)].

وفيه: جواز الإجارة، وذلك أن الخياط يستأجره الناس ليخيط لهم.

وفيه: جواز اجتماع الصنعة والآلة في البيع، فإن الخياط يبيع الثوب ويخيطه.

وفيه: جواز اجتماع الشرطين فأكثر في البيع؛ لأنه يخيط ويكون الخيط والثوب منه، وجاء في الحديث الآخر: «أن النبي ﷺ نهى عن شرطين في بيع» [(48)].

والعلماء لهم كلام في هذا منهم من حمله على الشرطين اللذين يخالفان مقتضى العقد، أو إذا كانا فاسدين.

أما البيع والشرط فهذا لا بأس به كما جاء في الأحاديث الصحيحة، كما في حديث جابر لما باع للنبي ﷺ الجمل واشترط حملانه إلى المدينة[(49)].

المتن:

باب ذِكْرِ النَّسَّاجِ

2093 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْسُنِيهَا، فَقَالَ: نَعَمْ، فَجَلَسَ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْمَجْلِسِ ثُمَّ رَجَعَ فَطَوَاهَا ثُمَّ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلاً، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ.

الشرح:

هذا الباب معقود لبيان حكم النساج وهو الذي يصف الخيوط ويربط بعضها ببعض حتى تكون كساءً، وغرض المؤلف رحمه الله أن يبين أن النساجة مهنة شريفة لا بأس بها، كبقية المهن، عدا مهنة الحجام فإنها مكروهة، لقول النبي ﷺ: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ [(50)]. والمراد بالخبث الكراهة، وشبيه بها مهنة الكساح الذي يخرج العذرة من البيوت، حيث كان الناس في الماضي يجعلون مكانًا تقضى فيه الحاجة قبل أن توجد الآن الحمامات الجديدة، وكان إذا امتلأ المكان بالعذرة يأتي الكساح ويخرجه إلى مكان آخر، وهذه مهنة أردأ من مهنة الحجامة، وهي وإن كانت مهنة رديئة وكسبها شبيه بكسب الحجام إلا أنها ليست بحرام.

2093 قوله: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ بِبُرْدَةٍ، قَالَ: أَتَدْرُونَ مَا الْبُرْدَةُ؟ فَقِيلَ لَهُ: نَعَمْ، هِيَ الشَّمْلَةُ مَنْسُوجٌ فِي حَاشِيَتِهَا» ، يعني: قطعة قماش منسوجة في حاشيتها، «قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي نَسَجْتُ هَذِهِ بِيَدِي أَكْسُوكَهَا» ؛ كأنها قطعة قماش يلفها على نصفه الأسفل، بمثابة الإزار «فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ ﷺ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ» ، أي: شد بها النصف الأسفل. «فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اكْسُنِيهَا» ، أي: طلبها منه، والنبي ﷺ لا يرد سائلاً أبدًا، والفرزدق الذي مدح زين العابدين فقال له:

مَا قَالَ: لاَ، قَطُّ إلاَّ فِي‌ تَشَهُّدِهِ لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ

قالوا: إن هذه الأبيات لا تنبغي أن تكون إلا للنبي ﷺ.

قوله: «فَقَالَ: نَعَمْ، أي: لم يرده النبي ﷺ، ثم دخل بيته ﷺ فخلعها وطواها وأعطاها إياه، «فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، سَأَلْتَهَا إِيَّاهُ، لَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ سَائِلاً، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا سَأَلْتُهُ إِلاَّ لِتَكُونَ كَفَنِي يَوْمَ أَمُوتُ، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ» ، وقصد هذا الرجل من ذلك أن يتبرك بهذه البردة التي لامست جسده ﷺ فتكون كفنه؛ لما جعل الله في جسده ﷺ من البركة، وهذا خاص به ﷺ لا يقاس عليه غيره.

وفيه أن النبي ﷺ يقبل الهدية ويثيب عليها.

وفيه: أنه لا بأس بادخار الإنسان كفنًا له، لاسيما إذا كان من حلال.

واستدل المؤلف رحمه الله بهذا الحديث على جواز مهنة النساجة، وأنه لا عيب فيها؛ ولهذا لم ينكر النبي ﷺ على هذه المرأة التي جاءت بالبردة ونسجتها، ولو كانت مهنة ممنوعة لأنكرها عليها.

المتن:

باب النَّجَّارِ

2094 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: أَتَى رِجَالٌ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ يَسْأَلُونَهُ عَنْ الْمِنْبَرِ فَقَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى فُلاَنَةَ امْرَأَةٍ قَدْ سَمَّاهَا سَهْلٌ، أَنْ: مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ عَلَيْهِنَّ إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ، فَأَمَرَتْهُ يَعْمَلُهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ فَجَلَسَ عَلَيْهِ.

2095 حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ امْرَأَةً مِنْ الأَْنْصَارِ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ لِي غُلاَمًا نَجَّارًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتِ، قَالَ: فَعَمِلَتْ لَهُ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، قَعَدَ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي صُنِعَ؛ فَصَاحَتْ النَّخْلَةُ الَّتِي كَانَ يَخْطُبُ عِنْدَهَا حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّتُ حَتَّى اسْتَقَرَّتْ قَالَ: بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان أن حرفة النجارة حرفة شريفة لا عيب فيها، وكان نبي الله نوح نجارًا، كما أن مهنة الحدادة مهنة شريفة، وكان نبي الله داود حدادًا يصنع الدروع، وكل المهن المباحة شريفة، لكن بعض الناس الآن تركوا المهن ولا يريدون إلا الوظيفة الراتبة، وإذا لم يجد الوظيفة جلس عالة على الناس، والعمل ليس محصورًا في الوظائف، فالصناعات والحرف كثيرة، فيمكنه أن يكون نجّارًا، أو حدّادًا، أو صوّاغًا، أو نسّاجًا، أو حرّاثًا، زرّاعًا، أو خرّازًا، أو جزّارًا، أو سبَّاكًا، أو كهربائيًّا، أو تاجرًا، فكل هذه المهن شريفة؛ وهي أفضل من أن يكون الإنسان عالة على الناس، ولا يترك الإنسان التجارة من أجل الوظيفة، فالبيع والشراء والحرف فيها خير ورزق، فلا ينبغي للشاب أن يكون عاطلاً، وأن يتطلع إلى الوظيفة فإن وجد وظيفة وإلا جلس، بل عليه أن يسعى في أرض الله ويعمل في الحرف، وفي البيع والشراء حتى يكسب من المال الحلال فيتزوج وينفق على نفسه وينفق على أهله.

2094 في الحديث: أن النبي ﷺ بعث إلى امرأة أن: مُرِي غُلاَمَكِ النَّجَّارَ يَعْمَلُ لِي أَعْوَادًا، ولم ينكر عليه النجارة، فدل على أنها مهنة شريفة.

قوله: إِذَا كَلَّمْتُ النَّاسَ، يعني: إذا خطبت الناس.

قوله: «فَأَمَرَتْهُ يَعْمَلُهَا مِنْ طَرْفَاءِ الْغَابَةِ» ، الطرفاء: نوع من الشجر.

قوله: «ثُمَّ جَاءَ بِهَا فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَوُضِعَتْ فَجَلَسَ عَلَيْهِ» ، يعني: صارت منبرًا له.

وفيه: جواز اتخاذ المنبر ـ سواء من خشب أو غيره ـ للخطيب يوم الجمعة لما فيه من مصلحة إسماع الناس.

2095 في الحديث: أن النبي ﷺ لما وضع له منبر وجلس عليه وكان قبل المنبر يخطب على جذع نخلة صاحت النخلة التي كان يخطب عليها «حَتَّى كَادَتْ تَنْشَقُّ، فَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى أَخَذَهَا فَضَمَّهَا إِلَيْهِ فَجَعَلَتْ تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ» وهو يسكتها بيده حتى استقرت وسكتت.

قوله: بَكَتْ عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنْ الذِّكْرِ، فيه: معجزة للنبي ﷺ، ودليل من دلائل نبوته ﷺ، ومن دلائل قدرة الله وأن الله على كل شيء قدير: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]، وقد أخبر الله تعالى أن من الجبال ما يهبط من خشية الله، وقال النبي ﷺ في جبل أحد: جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ [(51)] فجعل الله فيه إحساسًا، قال تعالى: وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [البَقَرَة: 74].

المتن:

باب شِرَاءِ الْحَوَائِجَ بِنَفْسِهِ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: اشْتَرَى النَّبِيُّ ﷺ جَمَلاً مِنْ عُمَرَ.

وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: جَاءَ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ فَاشْتَرَى النَّبِيُّ ﷺ مِنْهُ شَاةً وَاشْتَرَى مِنْ جَابِرٍ بَعِيرًا.

2096 حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان جواز شراء الإمام الحوائج بنفسه، وأن هذا لا يقدح في المروءة، ولكن بشرط ألا يأمر بإنقاص البائع الثمن مراعاة له.

قوله: «وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: اشْتَرَى النَّبِيُّ ﷺ جَمَلاً مِنْ عُمَرَ» أي: باشر البيع بنفسه ﷺ، واشترى ابن عمر بنفسه أيضًا اقتداء بالنبي ﷺ.

قوله: «وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما: جَاءَ مُشْرِكٌ بِغَنَمٍ فَاشْتَرَى النَّبِيُّ ﷺ مِنْهُ شَاةً» ، وقوله: «وَاشْتَرَى مِنْ جَابِرٍ بَعِيرًا» . فيه: أنه باشر الشراء فقضى حوائجه بنفسه ﷺ.

2096 قوله: «اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ» ، يعني: بثمن مؤجل.

وفيه: أنه لا بأس أن يباشر الإمام أو العالم أو الكبير الحوائج بنفسه، وأن ذلك لا ينقص من مروءته ولا يخدش في كرامته، والنبي ﷺ له من يقضي حوائجه، ولكنه فعل ذلك تشريعًا للأمة منه ﷺ وتعليمًا لها.

وفيه: جواز معاملة المشركين واليهود في البيع والشراء والإجارة، وأن هذا ليس من موالاتهم، ففي الحديث: جاء رجل مشرك مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي ﷺ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ أو قال: أَمْ هِبَةً قال: لا بل بيع. فاشترى منه شاة[(52)]. وعامل أهل خيبر من اليهود[(53)]، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من شعير[(54)].

وفيه: جواز البيع نسيئة ويسمى البيع المؤجل، سواء كان أقساطًا أو قسطًا واحدًا، وهذا كالإجماع من المسلمين، وقد كان فيه خلاف لبعض السلف ثم زال، ويدل عليه قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البَقَرَة: 282]، وروي أن عائشة رضي الله عنها اشترت بريرة من أهلها، وكانت كاتبت أهلها على تسع أواق[(55)]، في كل عام أوقية؛ وهذا بيع مقسط، فلا بأس ببيع النسيئة سواء كان مقسطًا أم غير مقسط، وسواء كان أقساطًا شهرية أم سنوية أم الثمن كله مؤجلاً، وإذا زاد الثمن في بيع النسيئة فلا بأس به؛ لأن البيع المؤجل ليس مثل البيع الحال، فإذا قال له: اشتر هذه السيارة بخمسين ألف حاضرة أو بسبعين ألف مؤجلة إلى سنة فلا بأس، لكنه يختار أحدهما قبل أن يعقد البيع.

وفيه: جواز الرهن في الحضر، وأما قوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البَقَرَة: 283]، فهذا وصف أغلبي، يعني: الغالب أنه لا يوجد الكاتب في السفر فيحتاج إلى الرهن، وإلا فالرهن في الحضر لا بأس به كما في هذا الحديث، فالنبي ﷺ رهن درعه في الحضر، أي: وهو في المدينة.

المتن:

باب شِرَاءِ الدَّوَابِّ وَالْحَمِيرَ وَإِذَا اشْتَرَى دَابَّةً أَوْ جَمَلاً وَهُوَ عَلَيْهِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ؟

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: قَال النَّبِيُّ ﷺ لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ يَعْنِي جَمَلاً صَعْبًا.

2097 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهمَا قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: جَابِرٌ، فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟، قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا فَتَخَلَّفْتُ فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ، ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: تَزَوَّجْتَ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟، قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ؛ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ، قَالَ: أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ، ثُمَّ قَالَ: أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلِي وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: آلآْنَ قَدِمْتَ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعْ جَمَلَكَ، فَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ فَأَرْجَحَ فِي الْمِيزَانِ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى وَلَّيْتُ، فَقَالَ: ادْعُ لِي جَابِرًا، قُلْتُ: الآْنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الْجَمَلَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ، قَالَ: خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم شراء الدواب والحمير، والمؤلف رحمه الله قاس الدواب والحمير على الجمل، فإذا جاز شراء البعير جاز شراء الدواب والحمير.

وشراء الدابة أو الجمل والبائع عليه، هل يكون هذا قبضًا؟ أو لابد أن ينزل عن الجمل والدابة ويخلي بينه وبينها؟ المسألة خلافية بين أهل العلم، فمن العلماء من قال: لا يتم البيع حتى ينزل عن الدابة ويسلمها للمشتري ويخلي بينه وبينها، أما أن يبيعها وهو عليها فإنه لا يتم البيع بهذا؛ لأنه لا يسمى قبضًا، فقبض الدابة بالتخلية، كما أنه إذا باع بيتًا فإنه يسلم مفاتيحه وصكه.

وقال بعض أهل العلم: لا بأس ولو لم ينزل.

2097 ذكر المؤلف رحمه الله حديث جابر في قصة بيعه للنبي ﷺ وفي قصة تأخره، وكون النبي ﷺ نزل يحجنه بمحجنه، فقال جابر : «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزَاةٍ فَأَبْطَأَ بِي جَمَلِي وَأَعْيَا» ، يعني: صار يتأخر ويتثاقل في المشي وأصابه إعياء، «فَأَتَى عَلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: جَابِرٌ، فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: مَا شَأْنُكَ؟، يعني: ما لك متخلف عن الناس؟ «قُلْتُ: أَبْطَأَ عَلَيَّ جَمَلِي وَأَعْيَا فَتَخَلَّفْتُ فَنَزَلَ يَحْجُنُهُ بِمِحْجَنِهِ» ، والمحجن هو العصا التي في آخرها منعطف، وأحجنه بمحجنه، يعني: ضربه بمحجنه، «ثُمَّ قَالَ: ارْكَبْ، فَرَكِبْتُ، فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ أَكُفُّهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ» ، وهذا من معجزاته ﷺ فالجمل كان بطيئًا فلما حجنه النبي ﷺ بمحجنه وضربه، صار يسرع حتى إنه يكفه عن النبي ﷺ من سرعته، «قَالَ: تَزَوَّجْتَ؟ وهذا من حسن خلقه ومداعبته، وهذا على تقدير حرف الاستفهام أي: هل تزوجت؟ «قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟، قُلْتُ: بَلْ ثَيِّبًا، قَالَ: أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ، قُلْتُ: إِنَّ لِي أَخَوَاتٍ؛ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً تَجْمَعُهُنَّ وَتَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ» .

فيه: مشروعية الزواج والمبادرة إليه.

وفيه: أن تزوج البكر أفضل من الثيب؛ ولهذا قال النبي ﷺ: أَفَلاَ جَارِيَةً تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ إلا لمصلحة تقتضي تقديم الثيب، كحال جابر ويوضحها ما جاء في رواية أخرى قال: «يا رسول الله توفي أبي وترك لي أخوات فكرهت أن أجمع إليهن بجارية خرقاء مثلهن» ، ولكن آتي بثيب قد خبرت الأمور ومضى عليها مدة فتقوم عليهن وتمشطهن وتصلح حالهن، أما إذا جئت بشابة تكون مثلهن فلا يستفدن منها، فجابر قدم مصلحة أخواته على مصلحة نفسه، فقال له النبي ﷺ: أصبت [(56)]، ففي هذه الحالة الثيب أفضل؛ لما يترتب عليها من مصلحة، وإلا فالأفضل الجارية، ثم قال له النبي ﷺ: أَمَّا إِنَّكَ قَادِمٌ، فَإِذَا قَدِمْتَ فَالْكَيْسَ الْكَيْسَ وهذا من نصحه ﷺ قال بعضهم: الكيس الجماع، والصواب أنه يشمل الجماع وغيره يعني: الحزم والإتقان في أمورك كلها ومن ذلك الجماع.

قوله: أَتَبِيعُ جَمَلَكَ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، فَاشْتَرَاهُ مِنِّي بِأُوقِيَّةٍ، ثُمَّ قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلِي وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ، فَجِئْنَا إِلَى الْمَسْجِدِ، فَوَجَدْتُهُ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، قَالَ: آلآْنَ قَدِمْتَ؟، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَدَعْ جَمَلَكَ، فَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَدَخَلْتُ فَصَلَّيْتُ، فَأَمَرَ بِلاَلاً أَنْ يَزِنَ لَهُ أُوقِيَّةً، فَوَزَنَ لِي بِلاَلٌ فَأَرْجَحَ» ، فيه: مشروعية صلاة ركعتين للمسافر إذا قدم البلد.

وفيه: أن النبي ﷺ أمر بلالاً أن يزن له الأوقية، وأن يرجح في الميزان.

وفيه: حسن خلق النبي ﷺ.

قوله: «الآْنَ يَرُدُّ عَلَيَّ الْجَمَلَ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْهُ» ، أي: من الجمل لأنه حصل له ما حصل من الإعياء. فقال النبي ﷺ: خُذْ جَمَلَكَ وَلَكَ ثَمَنُهُ، وفي اللفظ الآخر أن النبي ﷺ قال له: أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ، خُذْ جَمَلَكَ، وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ [(57)]، لأن النبي ﷺ ماكسه في الأول يعني: قال: أتبيع علي بكذا قال: بل بكذا، حتى قال له: بأوقية، والمماكسة: التفاوض مع البائع في نقص سعر السلعة.

وفيه: جود النبي ﷺ وكرمه.

وفيه: جواز البيع والشرط؛ لأن جابرًا اشترط حملانه إلى المدينة فرضي النبي ﷺ بالشرط، وهذا لا خلاف فيه، وإنما الخلاف في جواز الشرطين في البيع.

وفيه: دليل على أنه لا بأس بمباشرة البيع للكبير والعالم وأنه لا ينقص من قدره ولا ينافي المروءة إذا كان لا يشغله عن طاعة الله، أو عن طلب العلم، وإنما يكون بقدر الحاجة.

المتن:

باب الأَْسْوَاقِ الَّتِي كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَتَبَايَعَ بِهَا النَّاسُ فِي الإِْسْلاَمِ

2098 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِوٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا كَانَ الإِْسْلاَمُ تَأَثَّمُوا مِنْ التِّجَارَةِ فِيهَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ (فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ) قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ كَذَا.

الشرح:

هذه الترجمة فيها بيان أنه لا بأس بالبيع والشراء في الأسواق، ولو في الأسواق التي كانت في الجاهلية، فلا حرج إذا لم يكن هناك محظورٌ في البيع، وإذا لم يكن فيها ربًا ولا غش ولا خداع.

2098 قوله: «كَانَتْ عُكَاظٌ وَمَجَنَّةُ وَذُو الْمَجَازِ أَسْوَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَلَمَّا كَانَ الإِْسْلاَمُ تَأَثَّمُوا مِنْ التِّجَارَةِ فِيهَا» ، يعني: خافوا من الإثم.

قوله: «فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ (فِي مَوَاسِمِ الْحَجِّ)» هذه قراءة شاذة، ولكنها ثابتة وتحمل على أنها تفسير، فلا بأس من البيع والشراء والإنسان حاجٌّ إذا لم يؤثر هذا على المناسك.

وفي قصة الرجل الذي نذر أن ينحر إبلاً ببوانة، فقال ﷺ: هَلْ كَانَ فِيهَا وَثَنٌ مِنْ أَوْثَانِ الْجَاهِلِيَّةِ يُعْبَدُ؟ قال: لا قال: كَانَ فِيهَا عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِهِمْ؟ ، قال: لا، قال: فأَوْفِ بِنَذْرِكَ [(58)]، دليل على أن الأماكن الموبوءة بالمعاصي قد تؤثر في عملية البيع والشراء، لكن الأسواق التي كانت في الجاهلية لم يكن فيها إلا البيع والشراء، والأصل في البيع الحل.

وليس كل أمور الجاهلية ممنوعة، فإنهم كانوا يتناشدون الأشعار، وكان النبي ﷺ يسمع الصحابة يتناشدون الشعر ويتذكرون أشياء من أمر الجاهلية فيتبسم[(59)]، لكن المحذور مشاهدة أعياد الجاهلية واحتفالاتهم، والمشاركة فيها بالإهداء أو بقبول الهدية، فلا يجوز تشجيعهم أو تهنئتهم في أعيادهم.

المتن:

باب شِرَاءِ الإِْبِلِ الْهِيمِ أَوْ الأَْجْرَبِ الْهَائِمُ الْمُخَالِفُ لِلْقَصْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ.

2099 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: كَانَ هَا هُنَا رَجُلٌ اسْمُهُ نَوَّاسٌ وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَاشْتَرَى تِلْكَ الإِْبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ، فَجَاءَ إِلَيْهِ شَرِيكُهُ، فَقَالَ: بِعْنَا تِلْكَ الإِْبِلَ، فَقَالَ: مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ قَالَ: مِنْ شَيْخٍ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: وَيْحَكَ ذَاكَ وَاللَّهِ ابْنُ عُمَرَ فَجَاءَهُ، فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلاً هِيمًا وَلَمْ يَعْرِفْكَ، قَالَ: فَاسْتَقْهَا، قَالَ: فَلَمَّا ذَهَبَ يَسْتَاقُهَا، فَقَالَ: دَعْهَا رَضِينَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: لاَ عَدْوَى.

سَمِعَ سُفْيَانُ عَمْرًا.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم شراء الشيء المعيب، وأنه إذا رضي المشتري بالعيب فلا بأس، وإذا لم يرض به ولم يعلم فإنه يرده بالخيار.

قوله: «بَابُ شِرَاءِ الإِْبِلِ الْهِيمِ أَوْ الأَْجْرَبِ» ، يعني: الإبل التي أصابها الهيام، وهو داء معروف يصيبها فتشرب الماء بكثرة، ويقال للذكر: أهيم وللأنثى: هيماء.

قوله: «الأَْجْرَبِ» بالعطف للمفرد على الجمع، كأنه قال: شراء الإبل الهيم وشراء الإبل الجرب. وشرح المؤلف الهيم بقوله: «الْهَائِمُ الْمُخَالِفُ لِلْقَصْدِ فِي كُلِّ شَيْءٍ» .

2099 ذكر المؤلف رحمه الله قصة شراء الإبل الهيم وفيها أن رجلاً «اسْمُهُ نَوَّاسٌ وَكَانَتْ عِنْدَهُ إِبِلٌ هِيمٌ فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فَاشْتَرَى تِلْكَ الإِْبِلَ مِنْ شَرِيكٍ لَهُ» . وهذه الإبل فيها عيب، وهو أنها «إِبِلٌ هِيمٌ» ، يعني: فيها داء الهيام، إما الجرب أو غيره، فجاء نواس إلى شريكه فقال: أين الإبل؟ قال: بعتها، قال: «مِمَّنْ بِعْتَهَا؟ قَالَ: مِنْ شَيْخٍ كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: وَيْحَكَ ذَاكَ وَاللَّهِ ابْنُ عُمَرَ» صاحب رسول الله ﷺ، كيف تبيع عليه الإبل وهي فيها عيب ولم تخبره بالعيب؟ فجاء نواس إلى ابن عمر «فَقَالَ: إِنَّ شَرِيكِي بَاعَكَ إِبِلاً هِيمًا وَلَمْ يَعْرِفْكَ، قَالَ: فَاسْتَقْهَا» ، يعني: خذها ما دام فيها عيب، ثم لما أراد أن يستاقها الرجل قال ابن عمر: «دَعْهَا رَضِينَا» ، أي: رضينا بالعيب، فإن رسول الله ﷺ قال: لاَ عَدْوَى.

وفيه: دليل على أن من اشترى سلعة معيبة ولم يعلمه البائع بالعيب إما برؤية أو بوصف كامل فهو بالخيار، إن شاء قبل السلعة على ما فيها من العيب وإن شاء ردها.

وبعضهم يأخذ من الحديث شراء الكبير والعالم حاجته بنفسه، فابن عمر رضي الله عنهما من فضلاء الصحابة ومع ذلك اشترى بنفسه.

وفيه: توقي الظلم عامة وظلم الرجل الصالح خاصة؛ فإن نواس قال لصاحبه: «وَيْحَكَ ذَاكَ وَاللَّهِ ابْنُ عُمَرَ» .

المتن:

باب بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الْفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا

وَكَرِهَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ بَيْعَهُ فِي الْفِتْنَةِ.

2100 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ ابْنِ أَفْلَحَ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَامَ حُنَيْنٍ، فَأَعْطَاهُ يَعْنِي دِرْعًا فَبِعْتُ الدِّرْعَ فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِْسْلاَمِ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم «بَيْعِ السِّلاَحِ فِي الْفِتْنَةِ وَغَيْرِهَا» ، وفي قصة أبي قتادة الآتية أنه باع سلاحًا لكن في غير الفتنة، وهو شاهد لأحد شقي الترجمة.

ولا كراهة في بيع السلاح في غير وقت الفتنة، أما في وقت الفتنة فمكروه؛ لأنه قد يستعان به على القتل فيكون تعاونًا على الإثم والعدوان؛ لأنه تسبب في كونه ربما يقتل به بغير حق.

2100 ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي قتادة وقد قتل رجلاً من المشركين، وقال النبي ﷺ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ [(60)]. فلما قتله أخذ سلبه، ومن السلب الدرع التي باعها.

قال أبو قتادة: «فَبِعْتُ الدِّرْعَ» ، أي: الدرع الذي أصابه من سلب المشرك الذي قتله، «فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا» ، يعني: اشتريت بستانًا في بني سلمة، قال: «فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِْسْلاَمِ» أي: أول مال تملكته في الإسلام.

وفيه: دليل على أنه لا بأس ببيع السلاح في غير الفتنة.

 وفيه: أنه لا بأس بالبيع والاتجار وإبقاء المال وشراء البستان، وأنه لا كراهة في ذلك، وأنه يجوز للإنسان أن يكون عنده مال أكثر من حاجته، وسبق في قصة أبي ذر أنه يرى أنه لا يجوز للإنسان أن يبقي أكثر من حاجته، وأنه إذا أبقى شيئًا زائدًا على حاجته فإنه كنز يكوى به في جهنم، وهذا كان أولاً ثم نسخ، ولم يعلم أبو ذر بالناسخ، ويستدل بالآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَِنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التّوبَة: 34-35]، والصواب: أن المال الذي أديت زكاته ليس بكنز، فإن الزكاة تطهر المال، أما إذا لم يؤد الزكاة فهو كنز يكوى به ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ

ولهذا كان في الصحابة التجار، فكان أبو بكر وعبدالرحمن بن عوف وعثمان من الأغنياء، وأسهم عثمان في تجهيز جيش العسرة بثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها[(61)]، ولم ينكر عليه النبي ﷺ كونه يتمول الأموال؛ فدل هذا على أن أبا ذر لم يعلم بالناسخ.

المتن:

باب فِي الْعَطَّارِ وَبَيْعِ الْمِسْكِ

2101 حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ؛ لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة للعطار وبيع المسك، وفي بعض الروايات: «الْعَطَّارِ» ، والصواب: العطار بالطاء المهملة لا بالصاد، ويدل عليه قوله: «وَبَيْعِ الْمِسْكِ» للارتباط بينهما.

2101 استدل المؤلف رحمه الله للترجمة بحديث أبي موسى أن النبي ﷺ قال: مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ؛ لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ، أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً، والشاهد قوله: لاَ يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ فدلَّ على أنه لا بأس بمهنة العطار، ولا بأس ببيعه للمسك والعطور.

وفي الحديث: بيان تأثير الجليس الصالح والجليس السوء، وأن الجليس الصالح له تأثير يتضح على جليسه، وفي لفظ: فَحَامِلُ المِسْكِ: إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً [(62)] فأنت مستفيد على كل حال، إما أن تشتري، أو يعطيك هدية، أو يَعْلَق بك منه رائحة طيبة، وكذلك الجليس الصالح أنت مستفيد منه على كل حال، فإما أن يعينك على الخير، أو يحذرك من الشر.

وأما جليس السوء فأنت متضرر منه على كل حال ككير الحداد، إما أن يحرق بيتك أو ثوبك أو تجد منه ريحًا خبيثة، فكذلك جليس السوء لابد أن تتضرر منه، فإما أن يهون الطاعة في نفسك، أو يهون المعصية حتى تفعلها، فينبغي الحذر من جليس السوء والحرص على الجليس الصالح.

المتن:

باب ذِكْرِ الْحَجَّامِ

2102 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ.

2103 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ، وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ.

الشرح:

قوله: «الْحَجَّامِ» هو الذي يحجم الإنسان بمعنى يمص الدم الفاسد ويستخرجه، فكان الحجام في الماضي يمص الدم بفمه وقد يذهب إلى حلقه شيء من الدم، ولهذا قال النبي ﷺ: أَفْطَرَ الحَاجِمُ وَالمَحْجُومُ [(63)]، أما الآن فقد صارت الحجامة عن طريق الآلات وليست عن طريق المص، والحجامة مهنة رديئة وكسبها كسب مكروه؛ لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ [(64)]، والخبث يطلق ويراد به الحرام، ويطلق ويراد به الكراهة، فمهر البغي خبيث يعني: حرام، وحلوان الكاهن أي: أجرته خبيثة يعني: حرام، أما كسب الحجام خبيث يعني: مكروه، ومنه قول النبي ﷺ: مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْخَبِيثَةِ، فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا [(65)]، يعني: الثوم أو البصل، والمراد بالخبث: الكراهة.

2102 في حديث أنس بن مالك : «حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ» . فالنبي ﷺ أعطى الحجام أجرته صاعًا من تمر مقابل الحجامة، وأبو طيبة مولى، فأمر النبي ﷺ أن يخفف من خراجه، والخراج هو ما يجعله السيد على عبده كل يوم مما يكسبه، فإذا كان العبد له عدة صناعات كأن يكون حدادًا ونجارًا وخياطًا، يقول له سيده: أنت تكسب من هذه الصناعات، فأعطني كل يوم عشرة والباقي لك، ولا بأس بهذا، وكان للزبير ألف عبد وجعل على كل واحد منهم كل يوم درهمًا؛ فكان يأخذ كل يوم ألف درهم، وقد قتل أبو لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة عمر بن الخطاب حين شكا لعمر كثرة الخراج الذي يدفعه لسيده المغيرة، فسأله عمر ما الصناعة التي تصنعها؟ قال: أصنع كذا وأصنع كذا وأصنع كذا، قال: كم تعطيه؟ قال: أعطيه كل يوم درهمين، فقال له عمر: قليل. فحقد عليه.

وفي رواية أنه توعده بالقتل، فلما كبر عمر لصلاة الفجر جاء وطعنه تحت سرته ست طعنات حتى خرج الدم، وكان خلفه عبدالرحمن بن عوف، فأخذ عمر بيده وقدمه وأكمل بالناس الصلاة وصلى بالناس صلاة خفيفة، وكان عمر لا يكبر حتى يصف الصفوف ويقول: استووا استووا، وكان يقرأ سورة يوسف أو النحل كلها حتى يتلاحق الناس الركعة الأولى، فلما كبر طعنه الخبيث طعنات، وجعل الخبيث يهرب من الناس، وجعل السلاح الذي معه وله حدان يضرب من هنا ومن هنا حتى جرح ثلاثة عشر رجلاً، فلما رأى بعض الصحابة أنه لا يقوى عليه ألقى عليه برنسًا مثل المشلح حتى كتمه ثم أخذ، فلما علم الخبيث أنه مقتول قتل نفسه، وقد رأت الصفوف الأمامية الأمر، أما الصفوف المتأخرة فلم يعلموا ما الحال إلا حين اختلف عليهم صوت عمر، فجعلوا يقولون: سبحان الله سبحان الله.

2103 قوله: «احْتَجَمَ النَّبِيُّ ﷺ، وَأَعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُعْطِهِ» فهذا استدلال جيد من ابن عباس رضي الله عنهما، فقد استدل على أن كسب الحجام ليس بحرام بأن النبي ﷺ أعطاه أجرة، فلو كان كسبه حرامًا ما أعطاه النبي ﷺ أجرة، فلما أعطاه دلَّ على أنه ليس بحرام.

وقوله سبحانه: وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ [البَقَرَة: 267]، يعني: الرديء، فالأولى ألا يأخذ الحجام أجرة؛ لأنه إحسان بإخراج الأذى، ومثله عسب الفحل، يعني: ضراب الذكر من الإبل أو البقر أو الغنم، وقد نهى النبي ﷺ عن عسب الفحل[(66)].

فإذا كان عندك تيس ثم طلب أخوك أن ينزو تيسك على غنمه فلا تأخذ أجرة، ولكن إذا أعطاك كرامة أو هدية فلا بأس، أما الأجرة فهذا منهي عنه، وكذلك كسب الحجام، فالأولى ألا يأخذ شيئًا، وإن أخذ فالأولى ألا يضعه فيما يؤكل، وإنما يضعه في وقود البيت أو وقود السيارة وما أشبه ذلك؛ لأنه كسب رديء، لكنه ليس بحرام.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد