شعار الموقع
  1. الصفحة الرئيسية
  2. الدروس العلمية
  3. الحديث وعلومه
  4. شرح كتاب البيوع من صحيح البخاري
  5. شرح كتاب البيوع من صحيح البخاري (34-6) من باب إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً فَوَضَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ - إلى باب النَّهْيِ لِلْبَائِعِ أَنْ لاَ يُحَفِّلَ الإِْبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ

شرح كتاب البيوع من صحيح البخاري (34-6) من باب إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً فَوَضَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ - إلى باب النَّهْيِ لِلْبَائِعِ أَنْ لاَ يُحَفِّلَ الإِْبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ

00:00
00:00
تحميل
122

المتن:

باب إِذَا اشْتَرَى مَتَاعًا أَوْ دَابَّةً فَوَضَعَهُ عِنْدَ الْبَائِعِ أَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ

وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: مَا أَدْرَكَتْ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ.

2138 حَدَّثَنَا فَرْوَةُ بْنُ أَبِي الْمَغْرَاءِ، أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ إِلاَّ يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيْ النَّهَارِ، فَلَمَّا أُذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ إِلَى الْمَدِينَةِ لَمْ يَرُعْنَا إِلاَّ وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَِمْرٍ حَدَثَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لأَِبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا هُمَا ابْنَتَايَ، يَعْنِي عَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ، قَالَ: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؟ قَالَ: الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: الصُّحْبَةَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فَخُذْ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم ما إذا اشترى المشتري سلعة أو دابة، ثم تركها عند البائع، أو مات قبل أن يقبض، ثم تلفت هذه السلعة، فعلى من يكون الضمان؟

والصواب: أنها في ضمان البائع حتى يقبضها المشتري.

فيؤخذ من هذه الترجمة أنه إذا اشترى شيئًا ولم يقبضه فإنه يكون من ضمان البائع، إلا إذا وضعه عنده أمانة، فلا يضمنه، إلا إذا فرط، فإن فرط ضمنه، وإن لم يفرط فلا يضمنه.

قوله: «مَا أَدْرَكَتْ الصَّفْقَةُ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ» أي: فهو من ضمان المشتري.

ومعنى هذا الأثر: أن ما كان عند العقد حاضرًا مجتمعًا غير متفرق، فهو من ضمان المشتري، ومفهومه أن ما كان في الذمة فهو من ضمان البائع، وهذه التفرقة غير صحيحة، والصواب الذي تدل عليه ظواهر النصوص أن المبيع من ضمان البائع حتى يقبضه المشتري مطلقًا، كما في حديث ابن عمر السابق: مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ [(140)]. وحديث ابن عمر: «رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله ﷺ أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم» [(141)]. وحديث ابن عمر: مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا، فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَهُ [(142)].

2138 قوله: «لَقَلَّ يَوْمٌ كَانَ يَأْتِي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ إِلاَّ يَأْتِي فِيهِ بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ أَحَدَ طَرَفَيْ النَّهَارِ» ، فيه: فضيلة لأبي بكر ومنزلته عند النبي ﷺ؛ فلما كان النبي ﷺ قلما يأتي عليه يوم إلا أتى أبا بكر إما أول النهار أو آخره، دل ذلك على الصحبة الخاصة له .

قوله: «طَرَفَيْ النَّهَارِ» أي: أول النهار وآخره وخص طرفي النهار لأن وسطه يكون وقت القيلولة ووقت الراحة، وهو غير مناسب للزيارة، وكذلك في الليل؛ حيث كان من عادة النبي ﷺ إذا صلى العشاء أوى إلى فراشه فينام النصف الأول، فإذا انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل قام ليصلي ﷺ، لكن كان يسمر أحيانًا مع أبي بكر وعمر في مصالح المسلمين، وهذا مستثنى من عادته، وكذا يستثنى سهره مع الضيف أو مع الأهل.

قوله: «لَمْ يَرُعْنَا إِلاَّ وَقَدْ أَتَانَا ظُهْرًا» يشعر بالمفاجأة؛ لأنه أتى في غير الوقت المعتاد.

قوله: «فَخُبِّرَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ» يعني: أخبره مخبر.

قوله: «مَا جَاءَنَا النَّبِيُّ ﷺ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ إِلاَّ لأَِمْرٍ حَدَثَ» ، وهو حدث الهجرة، وهو حدث عظيم.

قوله: «فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ قَالَ لأَِبِي بَكْرٍ: أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ، يعني: يريد أن يخبره وحده؛ لأن هذا خبر عظيم، وقد اشتد أذى قريش للنبي ﷺ، وحاولوا قتله، فلا يريد أن يشيع الخبر.

قوله: أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ؟ يعني: علمت أنه قد أذن لي في الخروج من مكة إلى المدينة، فقال أبو بكر: «الصُّحْبَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ، يعني: أكون صاحبًا لك، قال: الصُّحْبَةَ، فأذن له رسول الله ﷺ بالصحبة.

قوله: «إِنَّ عِنْدِي نَاقَتَيْنِ أَعْدَدْتُهُمَا لِلْخُرُوجِ فَخُذْ إِحْدَاهُمَا، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ، هو الشاهد للترجمة واستدل به المؤلف رحمه الله على أن النبي ﷺ اشترى هذه الناقة وتركها عند أبي بكر ولم يقبضها، فقام الدليل على أن المشتري إذا وضع ما اشتراه عند البائع فإنه يكون أمانة، فلا يضمنه إلا بتفريط، إلا إذا كان مكيلاً أو موزونًا، فلا يتم القبض والاستيفاء إلا بإخراجه، أما إذا كان غير مكيل أو موزون ووضعه عنده فإنه يكون أمانة، والقاعدة: أن المؤتمن إن فرط فإنه يضمن، وإن لم يفرط فإنه لا يضمن، وعلى المؤتمن أن يحفظ الأمانة بما تحفظ به عادة، وأن يعتني بها، فإن تلفت قضاءً وقدرًا من دون تفريط فلا يضمن، وإن كان فرط ـ كأن جعلها في مكان غير حرز ـ ثم تلفت فإنه يضمن.

وفيه: أن شراء الصاحب من صاحبه لا يخل بالصحبة، وأنه ليس كل شيء يأخذه الصاحب بدون مقابل، فإن أبا بكر يسره كثيرًا ألا يأخذ ثمنًا من النبي ﷺ، لكن النبي ﷺ أبى وقال: قَدْ أَخَذْتُهَا بِالثَّمَنِ.

المتن:

باب لاَ يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلاَ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ حَتَّى يَأْذَنَ لَهُ أَوْ يَتْرُكَ

2139 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ.

2140 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِيعُ الرَّجُلُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا.

الشرح:

قوله: «لاَ يَبِيعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَلاَ يَسُومُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ» يعني: لا يبيع على بيع أخيه، ولا يسوم على سومه حتى يأذن له أو يترك السلعة.

واستدل على ذلك بحديث ابن عمر الآتي، وليس فيه النهي عن السوم.

2139 قوله: لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ يعني: لا يجوز للإنسان أن يبيع على بيع أخيه، فهو حرام، لأن النهي للتحريم، ولا يشتري على شرائه، ولا يسوم على سومه، إلا إذا أذن له أخوه، فيقول: أذنت لك، أو ترك السلعة، فإن أذن أو ترك السلعة جاز له البيع على بيعه والسوم على سومه.

وصفة البيع على بيع أخيه أن يقول لمن اشترى سلعة وهو في زمن الخيار: افسخ البيع لأبيعك بأنقص منها.

ومثال ذلك: شخص اشترى سلعة بمائة وله الخيار ثلاثة أيام، فجاء إنسان للمشتري وقال: افسخ هذه السلعة التي اشتريتها بمائة وأنا أعطيك أحسن منها بثمانين، فهذا بيع على بيع أخيه.

وصفة الشراء على شرائه، أن يأتي إلى البائع الذي باع السلعة بمائة في زمن الخيار ويقول: افسخ البيع وأنا أشتريها بمائة وعشرين، فهذا شراء على شراء أخيه.

وصفة السوم على سوم أخيه أن يأخذ السلعة ليشتريها بثمانين فيركن إليه البائع ويوافق، فيأتي شخص ويقول للمالك: استرد هذه لأشتريها منك بأكثر.

أما إذا كان البيع بالمزاد العلني فلا بأس كما سيأتي في الترجمة التالية: «بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ» .

2140 قوله: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» . فيه: تحريم بيع الحاضر للبادي وسيأتي في ترجمة خاصة.

وقوله: «لِبَادٍ» ، البادي: هو الشخص الذي يَرِدُ إلى بلد من خارجها، معه سلعة يريد أن يبيعها بسعر يومها، فيأتي له رجل من أهل هذه البلد فيقول له: دعها عندي أبيعها لك على التراخي، والمراد بذلك أن أهل البادية يبيعون برخص، ويريد هو أن يرفع على أهل السوق الأسعار، فهذا لا يجوز؛ لأنه يشق على الناس، ومخالف لقوله ﷺ: دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ [(143)].

لكن إذا جاء تاجر من البادية لتاجر من أهل الحاضرة عنده دكان فقال له: أنا أريد أن أضع بضاعتي عندك تبيعها، فهذه مسألة ثانية، لكن الممنوع كون الحاضر يأتي إليه ويقول: دع السلعة عندي أنا أبيعها لك.

قوله: وَلاَ تَنَاجَشُوا، النجش: هو الزيادة في السلعة وهو لا يريد شراءها، وسمي نجشًا من الإثارة ـ ومنه إثارة الصيد ـ لأنه يثير السلعة فيزيد فيها وهو لا يريد شراءها؛ حتى ينتفع البائع أو يُضر المشتري، أو للأمرين معًا، وهو حرام غير جائز.

قوله: وَلاَ يَبِيعُ بالرفع على الخبر، وفي رواية أخرى: ولا يبع [(144)] بالجزم على أنه نهي عن بيع الرجل على بيع أخيه.

قوله: أَخِيهِ لا مفهوم له، بل لا يجوز البيع على بيع الكافر أو الذمي، ولا الشراء على شرائه، وهذا من محاسن الإسلام.

وفيه: دعوة لغير المسلمين إلى الإسلام.

قوله: وَلاَ يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، يعني: إذا خطب إنسان امرأة ليتزوجها فلا يجوز لأحد أن يخطبها حتى يتركها، أو يردوا الخاطب الأول، أو يأذن له.

قوله: وَلاَ تَسْأَلُ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا، يعني: إذا خطب الرجل امرأة ليتزوجها فلا يجوز لها أو لوليها أن يشترطوا عليه أن يطلق زوجته الأولى، وإن أجابهم لشرطهم فحرام عليه أن يطلق زوجته وأم أولاده، وهذا الشرط باطل.

وهذا في حق زوجة ومخطوبة، أما إذا كانتا امرأتين تحت رجل واحد فلا تسأل إحداهما طلاق أختها؛ ليكون لها من حظ العشرة والنفقة أكثر مما كانت عليه.

قوله: لِتَكْفَأَ مَا فِي إِنَائِهَا؛ شبهها بإناء فيه شيء من الطعام ثم يقلب في إناء آخر، فكأن ما يحصل للزوجة الأولى من العشرة والنفقة طعام في إناء كفأته الثانية وأخذته.

والحكمة من النهي أن ذلك يؤدي إلى العداوة والشحناء والبغضاء، وإيغار الصدور، والإسلام حريص على سلامة القلوب واجتماع الكلمة.

المتن:

باب بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ

وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لاَ يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ.

2141 حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ فَاحْتَاجَ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِكَذَا وَكَذَا فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ.

الشرح:

ذكر المؤلف رحمه الله هذه الترجمة بعد النهي عن السوم على سوم أخيه ومراده أن يبيِّن أن مواضع التحريم منه ما إذا ركن البائع إلى المشتري، أما إذا كان في المزاد العلني فلا بأس.

قوله: «بَيْعِ الْمُزَايَدَةِ» : هو أن يُحَرِّج على السلعة، ويسمونه الآن بيع بالحراج، وصورته: أن يبيع الرجل سلعة معينة بالمزاد العلني، فيقول: من يشتري بكذا؟ من يزيد على كذا؟ فيقول رجل: أنا أشتري بعشرة، فيقول: من يزيد؟، فيقول آخر: بعشرين، وهكذا.

وهذه الصورة من البيوع جائزة، ولا تدخل في النهي عن سوم الرجل على سوم أخيه.

قوله: «وَقَالَ عَطَاءٌ: أَدْرَكْتُ النَّاسَ لاَ يَرَوْنَ بَأْسًا بِبَيْعِ الْمَغَانِمِ فِيمَنْ يَزِيدُ» يعني: المغانم التي تؤخذ من الكفار في الجهاد، وهذا ليس خاصًّا ببيع المغانم، فالمزايدة جائزة سواء في المغانم أو في غيرها، فكأن قول عطاء هذا خرج مخرج الغالب فيما يعتاده الناس في البيع بالمزايدة، وليس خاصًّا بالمغانم، بل يلحق بها ما شاركها في الحكم، وأخذ بظاهر ذلك بعض العلماء كالأوزاعي، فخص الجواز ببيع المغانم والمواريث، وهذا ضعيف.

2141 قوله: «أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ» يعني: أعتق عبدًا بعد موته، والمُدَبَّر: هو العبد الذي يعلق عتقه على موت سيده، فإذا مات سيده صار عتيقًا، فإذا أعتق الرجل عبدًا له عن دبر نفذ العتق، إلا إذا كان ليس له مال غيره، فليس له أن يخرج ماله كله؛ ولهذا لم ينفذ النبي ﷺ العتق، وأخذ الغلام وباعه، ودفع ثمنه لسيده.

قوله: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فَاشْتَرَاهُ نُعَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بِكَذَا وَكَذَا فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ» . فيه: مشروعية بيع المزايدة، وقد ورد نص صريح في مشروعيتها أيضًا، في قصة الرجل الذي باع النبي ﷺ متاعه بدرهمين، حيث قال: من يشتري ؟، فقال رجل: بدرهم، فقال: من يزيد؟ فقال آخر: بدرهمين. فباعه عليه، ثم أعطاه أحبلاً وقدومًا وقال: اذهب فاحتطب وبع [(145)]، فهذا بيع بالمزاد العلني.

المتن:

باب النَّجْشِ وَمَنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ

وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى النَّاجِشُ آكِلُ رِبًا خَائِنٌ وَهُوَ خِدَاعٌ بَاطِلٌ لاَ يَحِلُّ.

قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: الْخَدِيعَةُ فِي النَّارِ.

وَمَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.

2142 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ النَّجْشِ.

الشرح:

قوله: «بَابُ النَّجْشِ» بإسكان الجيم، وهو تنفير الصيد واستثارته من مكانه ليصاد، ولذلك سمي الذي يزيد في السلعة ناجشًا لأنه يثير الرغبة في السلعة، وقد يقع هذا بمواطأة من البائع، فيقول: أنا أبيع السلعة وأنت تزيد فيشتركان في الإثم، وقد يقع ذلك من غير علم البائع فيختص الناجش بالإثم.

قوله: «وَمَنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ الْبَيْعُ» وظاهر الترجمة أن البخاري رحمه الله يرى الخيار في البيع، إذا ثبت النجش، وأن السلعة إنما ارتفع سعرها بسبب الناجش، فيكون المشتري بالخيار إن شاء ردها وإن شاء أبقاها؛ لما فيه من الغبن بسبب الخداع، وقالت طائفة من أهل الحديث: يفسد البيع. والقول بالخيار أصح، وهو قول المالكية[(146)].

 قوله: «النَّاجِشُ» يعني: الذي يزيد في السلعة ولا يريد شراءها.

2142 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ النَّجْشِ» ، هو دليل على تحريم النجش.

والمشتري إذا علم بالنجش كان له الخيار، إن شاء أبقى السلعة عنده، وإن شاء ردها، والشارح رحمه الله ذكر الخلاف في صحة البيع وفساده.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «كأنه يشير إلى ما أخرجه عبدالرزاق من طريق عمر بن عبدالعزيز: أن عاملاً له باع سبيًا، فقال له: لولا أني كنت أزيد فأنفقه لكان كاسدًا. فقال له عمر: هذا نجش لا يحل، فبعث مناديًا ينادي أن البيع مردود وأن البيع لا يحل» اهـ. فهذا دليل على أن عمر بن عبدالعزيز يرى أنه يفسد البيع إذا كان فيه نجش.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن بطال: أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله، واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك، ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع، وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك، وهو المشهور عند الحنابلة، إذا كان ذلك بمواطأة البائع أو صنعه، والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار، وهو وجه للشافعية قياسًا على المصراة، والأصح عندهم صحة البيع مع الإثم، وهو قول الحنفية.

وقال الرافعي: أطلق الشافعي في المختصر تعصية الناجش، وشرط في تعصية من باع على بيع أخيه أن يكون عالمًا بالنهي، وأجاب الشارحون بأن النجش خديعة، وتحريم الخديعة واضح لكل أحد، وإن لم يعلم هذا الحديث بخصوصه، بخلاف البيع على بيع أخيه فقد لا يشترك فيه كل أحد» اهـ.

المقصود أن المسألة فيها خلاف، فإذا كان في البيع نجش وعلم المشتري فقيل: يفسد البيع، وقيل: له الخيار، والأرجح أن له الخيار، فإن شاء أبقى السلعة، وإن شاء ردها وأخذ الثمن الذي دفعه.

قوله: «آكِلُ رِبًا خَائِنٌ» ؛ شبهه بآكل الربا وبالخائن؛ لتواطؤ الناجش مع صاحب السلعة على زيادة سعرها على أن يأخذ على ذلك جعلاً، فهذا أكل المال بالباطل.

المتن:

باب بَيْعِ الْغَرَرِ وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ

2143 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا.

الشرح:

قوله: «بَاب بَيْعِ الْغَرَرِ» هذا عام، ثم ذكر شيئًا خاصًّا من أنواع الغرر وهو حبل الحبلة.

قوله: «وَحَبَلِ الْحَبَلَةِ» عطف حبل الحبلة على الغرر من عطف الخاص على العام؛ لأنه نوع من الغرر، وهو منهي عنه ولا يجوز، ومثال ذلك: بيع السمك في الماء، أو بيع الطير في الهواء، أو بيع الجمل الشارد، أو العبد الآبق؛ فكل هذا من باب بيع الغرر؛ لأن هذا كله وما يشبهه في حكم المعدوم والمجهول، لكن يستثنى الشيء اليسير الذي يكون تبعًا لغيره مثل أصول النخل، وأساس الجدران فهي تابعة للبيت.

2143 قوله: «نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» فسر بيع حبل الحبلة بتفسيرين:

الأول: أن يقول البائع: بعتك ما في بطن هذه الناقة، أو بعتك ما في بطن ما تلد هذه الناقة، فهو بيع النتاج أو نتاج النتاج، ففي هذا غرر وجهالة؛ لأنه لا يُدرى ما في بطن الناقة أأنثى أم ذكر أم ذكر وأنثى معًا.

الثاني: أن يبيع بيعًا مؤجلاً ويقول: بعتك هذا البيت والثمن مؤجل إلى أن تنتج الناقة، أو إلى أن تنتج التي في بطنها؛ فهذا أجل مجهول.

فعلى التفسير الأول يكون من بيع المعدوم أو المجهول، وعلى التفسير الثاني يكون البيع إلى أجل مجهول، وكل من الأمرين لا يجوز؛ لما فيه من الغرر.

قوله: «تُنْتَجَ» بضم أوله وفتح ثالثه، صورته صورة المبني للمجهول، مع أنه مبني للمعلوم وهو ملازم له لهذه الصيغة، وهذا في ألفاظ معدودة مثل: تزهى.

قوله: «النَّاقَةُ» فاعل.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أخرج مسلم النهي عن بيع الغرر من حديث أبي هريرة[(147)]، وابن ماجه من حديث ابن عباس[(148)]، والطبراني من حديث سهل بن سعد[(149)]، ولأحمد من حديث ابن مسعود رفعه: لَا تَشْتَرُوا السَّمَكَ فِي الْمَاءِ، فَإِنَّهُ غَرَرٌ [(150)]، وشراء السمك في الماء نوع من أنواع الغرر، ويلتحق به الطير في الهواء، والمعدوم والمجهول، والآبق، ونحو ذلك.

قال النووي: النهي عن بيع الغرر أصل من أصول البيع، فيدخل تحته مسائل كثيرة جدًّا، ويستثنى من بيع الغرر أمران:

أحدهما: ما يدخل في المبيع تبعًا، فلو أفرد لم يصح بيعه.

الثاني: ما يتسامح بمثله إما لحقارته، أو للمشقة في تمييزه وتعيينه، فمن الأول بيع أساس الدار، والدابة التي في ضرعها اللبن، والحامل».

ووقع التسامح في بيع أساس الدار للمشقة في معرفة مقدار ما فيه من الحديد ومواد البناء، وأيضًا مقدار عمق الأساس، فهذه الجهالة التي في أساس الدار يتسامح فيها لأنه بِيع تبعًا مع الدار.

ومن ذلك أيضًا الدابة تباع وفي ضرعها لبن لا يدرى كم وزنه، أو تكون حاملاً ولا يُدرى ما في بطنها أواحد أم اثنان، ذكر أم أنثى.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ومن الثاني: الجبة المحشوة، والشرب من السقاء، قال: وما اختلف العلماء فيه مبني على اختلافهم في كونه حقيرًا أو يشق تمييزه أو تعيينه، فيكون الغرر فيه كالمعدوم فيصح البيع وبالعكس.

وقال: ومن بيوع الغرر ما اعتاده الناس من الاستجرار من الأسواق بالأوراق مثلاً، فإنه لا يصح؛ لأن الثمن ليس حاضرًا؛ فيكون من المعاطاة، ولم توجد صيغة يصح بها العقد، وروى الطبري، عن ابن سيرين، بإسناد صحيح، قال: لا أعلم ببيع الغرر بأسًا.

قال ابن بطال: لعله لم يبلغه النهي، وإلا فكل ما يمكن أن يوجد وأن لا يوجد لم يصح، وكذلك إذا كان لا يصح غالبًا، فإن كان يصح غالبًا كالثمرة في أول بدو صلاحها، أو كان مستترًا تبعًا كالحمل مع الحامل جاز لقلة الغرر، ولعل هذا هو الذي أراده ابن سيرين» اهـ.

ومن صور الغرر في وقتنا الحاضر: التأمين على السيارة، والبضاعة، والنفس، والتأمين الصحي، ففي الصورة الأخيرة يدفع الشخص للمستشفى شيئًا معينًا سنويًّا أو شهريًّا على أن يعالج بالمجان، فربما يحتاج لهذا العلاج وربما لا، وربما يحتاج إلى أكثر مما دفعه في السنة أو في الشهر؛ فهذا كله من الغرر.

المتن:

باب بَيْعِ الْمُلاَمَسَةِ

وَقَالَ أَنَسٌ: نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ.

2144 حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَامِرُ بْنُ سَعْدٍ، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُنَابَذَةِ، وَهِيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَنَهَى عَنْ الْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الثَّوْبِ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ.

2145 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نُهِيَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ثُمَّ يَرْفَعَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ.

باب بَيْعِ الْمُنَابَذَةِ

وَقَالَ أَنَسٌ: نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ ﷺ.

2146 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ.

2147 حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ بَيْعَتَيْنِ الْمُلاَمَسَةِ وَالْمُنَابَذَةِ.

الشرح:

ذكر في هاتين الترجمتين نوعًا من البيع الذي يقع فيه الغرر، وهو بيع الملامسة، وبيع المنابذة.

«وَالْمُنَابَذَةِ» أي: طرح الرجل ثوبه بالبيع إلى أجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، فيقول: بعتك هذا الثوب بمائة ثم يطرحه إليه ولا ينظر إليه ولا يقلّبه، وقد يكون الثوب الذي طرحه لا يساوي إلا عشرة وباعه بمائة، وقد يساوي خمسمائة واشتراه بمائة، فهذا منهي عنه لما فيه من الغرر، فلا يجوز للإنسان أن يشتري حتى يتأمل وينظر، أما أن يطرحه إليه وينبذه إليه من دون أن يقلب فيه ومن دون أن ينظر إليه فهذا لا يجوز.

«الْمُلاَمَسَةِ» ، هي: لمس الثوب لا ينظر إليه، والمراد: بالثوب القطعة الواحدة كالإزار أو الرداء، فيقول مثلا: أي: ثوب لمسته فهو عليك بمائة، فقد يلمس ثوبًا يساوي خمسمائة، وقد يلمس ثوبا يساوي أكثر أو أقل مما قاله، فهذا لا يجوز؛ لما فيه من الغرر في البيع، فلابد أن يتأمل السلعة.

وكذلك من صور المنابذة أن يقول: أي: ثوب نبذته إليك، يعني: طرحته إليك، فهو بمائة، وقد ينبذ إليه ثوبًا يساوي عشرة، وقد ينبذ إليه ثوبًا يساوي خمسمائة.

ومن صور الملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه، كما جاء في بعض الأحاديث التي ذكرها الشارح.

ومن صور المنابذة أن يقول: أنبذ ما معي وتنبذ ما معك، ويشتري كل واحد منهما من الآخر، ويكون هذا الثوب بهذا الثوب من دون نظر ومن دون تأمل.

ومن صورها: أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها.

ومن صور الملامسة: أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك، ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسًا.

فبيع الملامسة وبيع المنابذة منهي عنهما لما فيهما من الغرر، ومن ذلك بيع الحصاة وهو أن يقول: أي: ثوب أصابته هذه الحصاة فهو لك بمائة، ثم يرمي الحصاة، وقد تصيب ثوبا يساوي عشرة، وقد تصيب ثوبا يساوي خمسمائة.

أو يقول: بعتك ما وصلت إليه الحصاة من هذه الأرض بعشرة آلاف، فقد يكون ما وصلت إليه الحصاة عشرين مترًا، وقد يكون عشرة أمتار، وقد يكون خمسة أمتار، فهذا منهي عنه لما فيه من الغرر.

قوله: «نُهِيَ عَنْ لِبْسَتَيْنِ» هما: الاحتباء واشتمال الصماء.

والاحتباء له صور منها: «أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ ثُمَّ يَرْفَعَهُ عَلَى مَنْكِبِهِ» ، والمراد بالثوب القطعة يجعلها على منكبيه، وليس عليه سراويل ولا غيرها، فتبدو العورة، فهذا منهي عنه.

ومنها: أن ينصب قدميه ويجلس على أليتيه ويلف عليها ثوبًا ويكون معتمدًا عليه، فهذا منهي عنه لما فيه من كشف العورة.

واشتمال الصماء له تفسير عند أهل اللغة وله تفسير عند المحدثين، فتفسير أهل اللغة: أن يشتمل الإنسان بالثوب الواحد ليس له مخرج، يعني: قطعة كالكيس يلف بها نفسه وليس لها منفذ، فربما اختنق واحتبس نفسه، وربما لسعته حشرة فلا يستطيع أن يخرج يديه، ومنه سميت صماء، وأهل الحديث يفسرونه بأنه يشتمل على ثوب واحد كالفوطة، وليس عليه سراويل، بل هي قطعة يلف بها نفسه ثم يرفعها حتى يضعها على كتفيه، فنهي عنه لما فيه من كشف العورة. والمقصود أن كلًّا من اللبستين منهي عنها.

2144 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله في حديث أبي سعيد: «نَهَى عَنْ الْمُنَابَذَةِ، وَهِيَ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ بِالْبَيْعِ إِلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ أَوْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَنَهَى عَنْ الْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الثَّوْبِ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ» ، وفي اللباس من طريق يونس عن الزهري بلفظ: «والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه إلا بذلك، والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل ثوبه، وينبذ الآخر بثوبه، ويكون بيعهما عن غير نظر ولا تراض» [(151)]، ولأبي عوانة من طريق أخرى عن يونس: «وذلك أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها، أو يتنابذ القوم السلع كذلك؛ فهذا من أبواب القمار» [(152)]؛ وفي رواية ابن ماجه من طريق سفيان عن الزهري: «والمنابذة أن يقول: ألق إلي ما معك وألقي إليك ما معي» [(153)]، وللنسائي حديث أبي هريرة: «الملامسة: أن يقول الرجل للرجل: أبيعك ثوبي بثوبك، ولا ينظر واحد منهما إلى ثوب الآخر، ولكن يلمسه لمسًا، والمنابذة: أن يقول: أنبذ ما معي، وتنبذ ما معك؛ يشتري كل واحد منهما من الآخر، ولا يدري كل واحد منهما كم مع الآخر، ونحو ذلك» [(154)].

ولم يذكر التفسير في طريق أبي سعيد الثانية هنا ولا في طريق أبي هريرة، وقد وقع التفسير أيضًا عند أحمد من طريق معمر هذه أخرجه عن عبد الرزاق عنه وفي آخره: «والمنابذة: أن يقول: إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع، والملامسة: أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه، إذا مسه وجب البيع» [(155)]، ولمسلم من طريق عطاء بن ميناء عن أبي هريرة: «أما الملامسة: فأن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل، والمنابذة: أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر، لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه» [(156)]، وقد تقدم في الصيام من هذا الوجه وليس فيه التفسير، وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة؛ لأنها مفاعلة، فتستدعي وجود الفعل من الجانبين.

واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور، وهي أوجه للشافعية، أصحها: أن يأتي بثوب مطوي أو في ظلمة فيلمسه المستام، فيقول له صاحب الثوب: بعتكه بكذا، بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك، ولا خيار لك إذا رأيته، وهذا موافق للتفسيرين اللذين في الحديث. الثاني: أن يجعلا نفس اللمس بيعًا بغير صيغة زائدة، الثالث: أن يجعلا اللمس شرطًا في قطع خيار المجلس وغيره.

والبيع على التأويلات كلها باطل، ومأخذ الأول: عدم شرط رؤية المبيع واشتراط نفي الخيار، ومأخذ الثاني: اشتراط نفي الصيغة في عقد البيع فيؤخذ منه بطلان بيع المعاطاة مطلقًا، لكن من أجاز المعاطاة قيدها بالمحقرات، أو بما جرت فيه العادة بالمعاطاة، وأما الملامسة والمنابذة عند من يستعملهما فلا يخصهما بذلك، فعلى هذا يجتمع بيع المعاطاة مع الملامسة والمنابذة في بعض صور المعاطاة، فلمن يجيز بيع المعاطاة أن يخص النهي في بعض صور الملامسة والمنابذة عما جرت العادة فيه بالمعاطاة وعلى هذا يحمل قول الرافعي: إن الأئمة أجروا في بيع الملامسة والمنابذة الخلاف الذي في المعاطاة والله أعلم، ومأخذ الثالث: شرط نفي خيار المجلس، وهذه الأقوال هي التي اقتصر عليها العلماء» اهـ.

والحكمة من نهي بيع الملامسة والمنابذة لما فيه من الغرر، والذي ينبغي للإنسان في البيع أن يتأمل وينظر حتى يكون على بصيرة، أما بيع الغرر فهذا يؤدي إلى الإحن والبغضاء والشحناء، فمن يشتري سلعة لم ينظر فيها ولا تأملها ولا قلبها، فسرعان ما يندم إذا رآها على غير ما تصورها، ولا يستطيع أن يردها على البائع، مما يؤدي إلى الشحناء والبغضاء والعداوة، والإسلام حريص على رأب الصدع، وجمع الكلمة، وسلامة الصدر، وأن يكون المسلمون إخوة متحابين متآلفين.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقوله في الحديث: «وَالْمُلاَمَسَةُ لَمْسُ الثَّوْبِ لاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِ» ، استدل به على بطلان بيع الغائب، وهو قول الشافعي في الجديد، وعن أبي حنيفة يصح مطلقًا ويثبت الخيار إذا رآه، وحكي عن مالك والشافعي أيضًا، وعن مالك يصح إن وصفه، وإلا فلا» اهـ.

يعني: أن العلة من النهي عن بيع الغائب أنه لم يتأمل ويتحقق من السلعة والصواب في بيع الغائب أنه إذا وصف وصفًا واضحًا فلا بأس، فإن وجد الوصف على خلاف ما وصفه فله الخيار.

والمعاطاة المذكورة في كلام الحافظ ابن حجر هي بيع بدون كلام، تضع الثمن وتأخذ المثمن بدون كلام.

المتن:

باب النَّهْيِ لِلْبَائِعِ أَنْ لاَ يُحَفِّلَ الإِْبِلَ وَالْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ

وَالْمُصَرَّاةُ الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ وَجُمِعَ فَلَمْ يُحْلَبْ أَيَّامًا، وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ يُقَالُ: مِنْهُ صَرَّيْتُ الْمَاءَ.

2148 حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَْعْرَجِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: لاَ تُصَرُّوا الإِْبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ.

وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَمُجَاهِدٍ وَالْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ وَمُوسَى بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: صَاعَ تَمْرٍ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: «صَاعًا مِنْ طَعَامٍ وَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا»، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: عَنْ ابْنِ سِيرِينَ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ثَلاَثًا وَالتَّمْرُ أَكْثَرُ.

2149 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ: مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً فَرَدَّهَا فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا، وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُلَقَّى الْبُيُوعُ.

2150 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ، وَلاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تُصَرُّوا الْغَنَمَ، وَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا؛ إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ.

الشرح

هذه الترجمة معقودة للنهي عن بيع المُحَفَّل، والمُحَفَّل من الحيوانات ما حبس اللبن في ضرعه، من التحفيل وهو التجميع، يقال: احتفل القوم إذا كثر جمعهم، ومنه الاحتفال أي: اجتماع الناس، ولهذا سميت البهيمة التي جمع اللبن في ضرعها محفلة، فالبائع إذا أراد أن يبيع الشاة أو البقرة أو الناقة يحبس اللبن في ضرعها يومين لا يحلبها حتى يكون الضرع كبيرًا فيغتر المشتري، ويظن أنها كل يوم هكذا، فهذا منهي عنه، ونهي عنه لما فيه من التغرير للمشتري، فإذا اغتر واشتراها ثم حلبها ووجد اللبن أقل فهو بالخيار، إن شاء أبقاها وإن شاء ردها، وإذا ردها رد صاعًا من تمر قطعًا للنزاع سواء كان اللبن قليلاً أو كثيرًا.

قوله: «وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ» هذا من عطف العام على الخاص، فكل محفلة يريد البائع أن يبيعها منهيٌّ عنها، أما إذا جمع اللبن في الضرع لا يريد البيع إنما يريد أن يكثر اللبن له أو لولدها فهذا فيه خلاف؛ فمن العلماء من منعه لما فيه من الإضرار بالبهيمة، ومنهم من أجازه وقال: هذا يتسامح فيه للمصلحة، والصواب أنه لا بأس بترك اللبن في ضرعها إذا لم يكن للبيع المنهي عنه.

قوله: «وَالْمُصَرَّاةُ الَّتِي صُرِّيَ لَبَنُهَا وَحُقِنَ فِيهِ وَجُمِعَ فَلَمْ يُحْلَبْ أَيَّامًا» يقال لها: مصراة سواء كانت من الإبل أو البقر أو الغنم.

قوله: «وَأَصْلُ التَّصْرِيَةِ حَبْسُ الْمَاءِ يُقَالُ: مِنْهُ صَرَّيْتُ الْمَاءَ» ، فالبخاري رحمه الله حريص على تفسير الكلمات اللغوية إذا وردت.

2148 ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة : لاَ تُصَرُّوا الإِْبِلَ وَالْغَنَمَ. وهذا نهي، ولا تصروا أصلها لا تصرروا يعني: لا تحبسوا اللبن في ضرع الإبل والغنم لتغروا المشتري.

وفي الحديث: أن التصرية حرام للنهي عنها والنهي للتحريم، فلا يجوز للإنسان أن يصري النَعَم، فإذا أراد أن يبيعها فليحلبها ولا يحبس اللبن فيها.

وقوله: فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمْرٍ فالمشتري بالخيار بعد أن يحلبها وينقص الحليب، إن شاء أمسكها وصبر على ما فيها من العيب وأمضى البيع، وإن شاء ردها وإذا ردها رد صاعًا من تمر في مقابل الحليب، سواء كان الحليب كثيرًا أو قليلاً قطعًا للنزاع، وإذا كان في بلاد لا يأكلون التمر دفع صاعًا من طعام أو ما يقابل صاع التمر من النقود.

وقوله: «وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُلَقَّى الْبُيُوعُ» وصورة تلقي البيوع أنه إذا سمع أهل البلد ببعض البائعين قدموا على البلد تلقوهم قبل أن يصلوا إلى السوق، واشتروا منهم السلعة، ويغر أحدهم فيقول: بعني هذه ألا ترى السلع رخيصة فلو ذهبت للسوق لن تربح هذا الثمن، فيشتريها، فإذا ورد البائع البلد ورأى أنه غرَّه فله الخيار.

2150 قوله: لاَ تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ فيه: النهي عن تلقي الركبان الذين يَرِدُون إلى بلد القوم معهم سلع يريدون أن يبيعوها، فيأتي بعض الناس من البلد ويتلقاهم قبل ورودهم إلى السوق فيشتري منهم السلع، فهذا لا يجوز، فإذا وردوا إلى السوق ووجدوا أنهم مغبونون فإن لهم الخيار.

قوله: وَلاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ سبق مثاله.

قوله: وَلاَ تَنَاجَشُوا. النجش: الزيادة في السلعة ولا يريد شراءها.

قوله: وَلاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ. المراد بالحاضر واحد من أهل البلد، والبادي الذي يرد البلد معه سلعة، فيأتيه إنسان من أهل البلد ويقول: دع السلعة عندي حتى أبيعها لك، فهذا لا يجوز؛ لأنه يرفع على الناس السعر.

قوله: وَلاَ تُصَرُّوا الْغَنَمَ وبهذه تمت خمسة أنواع من البيوع منهي عنها: تلقي الركبان، والبيع على بيع أخيه، والنجش، وبيع الحاضر للباد، وتصرية الغنم.

قوله: وَمَنْ ابْتَاعَهَا فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا؛ إِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ سبق بيانه في الحديث الأول في الباب.

وفيه: تحريم التصرية في البيع، وقيل: يحرم مطلقًا، وقصد التعميم أبلغ؛ لما فيه من إيذاء الحيوان، والصواب أنه إذا لم يُرِد بيعه فلا حرج؛ لأنه قد يكون له مصلحة حينما يجمع اللبن ليحلبه مرة واحدة لأولاده أو يجمعه لولد البهيمة فلا بأس.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «مُحَفَّلَةٍ» قال أبو عبيد: سميت بذلك؛ لأن اللبن يكثر في ضرعها، وكل شيء كثرته فقد حفلته، تقول: ضرع حافل أي: عظيم، واحتفل القوم إذا كثر جمعهم، ومنه سمي المحفل.

وقوله: «وَكُلَّ مُحَفَّلَةٍ» بالنصب عطفًا على المفعول، وهو من عطف العام على الخاص، إشارة إلى أن إلحاق غير النعم من مأكول اللحم بالنعم للجامع بينهما وهو تغرير المشتري» اهـ.

يعني: أن غير البهيمة إذا حُفِّل وصار فيه تغرير فللمشتري الخيار.

ثم قال الحافظ رحمه الله: «قال الحنابلة وبعض الشافعية: يختص ذلك بالنعم، واختلفوا في غير المأكول كالأتان والجارية، فالأصح لا يُرد للبن عوضًا، وبه قال الحنابلة في الأتان دون الجارية. وقوله: «وَالْمُصَرَّاةُ» بفتح المهملة وتشديد الراء التي صري لبنها وحقن فيه، أي: في الثدي وجمع فلم يحلب، وعطف الحقن على التصرية عطف تفسيري؛ لأنه بمعناه» اهـ.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقوله: «الإِْبِلَ وَالْغَنَمَ» ، ظاهر النهي تحريم التصرية سواء قصد التدليس أم لا، ومن طريق أبي حازم عن أبي هريرة «نهى عن التصرية» [(157)]، وبهذا جزم بعض الشافعية وعلله بما فيه من إيذاء الحيوان، لكن أخرج النسائي حديث الباب من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج بلفظ: لا تصروا الإبل والغنم للبيع [(158)]، وله من طريق أبي كثير السحيمي عن أبي هريرة: إِذَا بَاعَ أَحَدُكُمُ الشَّاةَ أَوِ اللَّقْحَةَ فَلَا يُحَفِّلْهَا [(159)]، وهذا هو الراجح وعليه يدل تعليل الأكثر بالتدليس، ويجاب عن التعليل بالإيذاء بأنه ضرر يسير لا يستمر فيغتفر لتحصيل المنفعة.

وقوله: فَمَنْ ابْتَاعَهَا بَعْدُ، أي: من اشتراها بعد التحفيل، زاد عبيدالله ابن عمر عن أبي الزناد: فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أخرجه الطحاوي[(160)]، وابتداء هذه المدة من وقت بيان التصرية وهو قول الحنابلة، وعند الشافعية أنها من حين العقد وقيل: من التفرق، ويلزم عليه أن يكون الغرر أوسع من الثلاث» . اهـ.

والمقصود: أن التصرية تعتبر عيبًا في السلعة وتغريرًا للمشتري، فإذا تبين أنه غرَّه وأن لبنها ينقص بعد ذلك فهو بالخيار إن شاء أبقاها وإن شاء ردها وصاعًا من تمر.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد