شعار الموقع
شعار الموقع

شرح كتاب البيوع من صحيح البخاري (34-7) من باب إِنْ شَاءَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ وَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ - إلى باب إِذَا اشْتَرَطَ شُرُوطًا فِي الْبَيْعِ لاَ تَحِلُّ

00:00

00:00

تحميل
59

المتن:

باب إِنْ شَاءَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ وَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ      

2151 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زِيَادٌ أَنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ.

الشرح:

قوله: «بَاب إِنْ شَاءَ رَدَّ الْمُصَرَّاةَ وَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ» . تقدير الترجمة: وإن شاء أمسكها فهو بالخيار.

2151 في الحديث: أن من اشترى غنمًا مصراة فحلبها فهو بالخيار إن شاء أبقاها، وإن شاء ردها، وإذا ردها رد معها صاعًا من تمر قطعًا للنزاع.

المتن:

باب بَيْعِ الْعَبْدِ الزَّانِي

وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ شَاءَ رَدَّ مِنْ الزِّنَا.

2152 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا زَنَتْ الأَْمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ.

2153، 2154 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ سُئِلَ عَنْ الأَْمَةِ إِذَا زَنَتْ وَلَمْ تُحْصِنْ؟ قَالَ: إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ.

قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيع العبد الزاني، ووجود العبيد يدل على قوة المسلمين، فإذا كان المسلمون أقوياء وجاهدوا في سبيل الله وغنموا الكفرة وأسروهم صار هناك عبيد يباعون ويشترون.

قوله: «وَقَالَ شُرَيْحٌ: إِنْ شَاءَ رَدَّ مِنْ الزِّنَا» ؛ لأنه عيب فله الخيار إذا لم يعلم، فإذا اشترى شخص عبدا ثم تبين أنه يزني ولم يخبره المشتري فهذا عيب يرده به؛ لأنه لم يعلم.

2152 ذكر المؤلف رحمه الله حديث أبي هريرة : إِذَا زَنَتْ الأَْمَةُ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ ومعنى لا يثرب: لا يلومها فيكفي إقامة الحد عليها وهو الجلد، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَلْيَبِعْهَا وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ والأمر للوجوب وتباع بحبل من شعر؛ لأن البائع إذا أخبر بالعيب نقصت قيمتها.

والأمة والعبد ليس عليهما رجم، ولو تكرر الزنا منهما، وسواءٌ في ذلك البكر والثيب، إنما الرجم خاص بالحرائر، وإنما ينصف الحد عليهما فهو خمسون جلدة؛ لقول الله : فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ [النِّسَاء: 25] يعني: نصف ما على الحرائر، والذي يتولى الجلد والتعذيب أسيادهم، وإذا زنت المرة الأولى يجلدها سيدها، والثانية يجلدها سيدها، وفي الثالثة يبيعها، والحكمة في الأمر بالبيع - كما ذكر الشارح - أن المشتري وهو السيد الثاني قد يكون أهيب لها فيؤدبها أكثر من الأول، أو يزوجها السيد الثاني أو يعفها بنفسه بعد استبرائها، وعلى كل هذا فتنقّلها بالبيع أفيد لها وأصون وأصلح.

2153، 2154 قوله: ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَبِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لاَ أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ» . وإذا باعها فلابد من إخبار المشتري بهذا العيب، فإن لم يخبره فله الخيار.

قال الحافظ رحمه الله: «قال ابن بطال: إن فائدة بيع الأمة الزانية المبالغة في تقبيح فعلها، والإعلام بأن الأمة الزانية لا جزاء لها إلا البيع أبدًا، وأنها لا تبقى عند سيدها زجرًا لها عن معاودة الزنا، ولعل ذلك يكون سببًا لإعفافها، إما بأن يزوجها المشتري، أو يعفها بنفسه، أو يصونها بهيبته» اهـ.

المتن:

باب الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَعَ النِّسَاءِ

2155 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرْتُ لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اشْتَرِي وَأَعْتِقِي فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ الْعَشِيِّ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ.

2156 حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي عَبَّادٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا يُحَدِّثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها سَاوَمَتْ بَرِيرَةَ فَخَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَلَمَّا جَاءَ قَالَتْ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يَبِيعُوهَا إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطُوا الْوَلاَءَ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.

قُلْتُ: لِنَافِعٍ حُرًّا كَانَ زَوْجُهَا أَوْ عَبْدًا؟ فَقَالَ: مَا يُدْرِينِي.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان حكم البيع والشراء مع النساء، فلا حرج أن يبيع الإنسان ويشتري مع المرأة مع الحجاب والتستر التام.

2155 في الحديث: اشترت عائشة رضي الله عنها بريرة من أهلها، فدل على جواز البيع والشراء مع النساء.

وفيه: أن بريرة كاتبت أهلها ـ كما جاء في الحديث الآخر ـ يعني: اشترت نفسها منهم بتسع أواق، كل سنة تدفع أوقية يعني: منجمة على تسع سنين، فجاءت بريرة وقالت: ساعديني يا أم المؤمنين أنا اشتريت نفسي الآن، فقالت: إن شاء أهلك أن أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون الولاء لي فذهبت فشاورت أهلها قالوا: لا، إن كانت تريد أن تشتريها احتسابًا ويكون الولاء لنا فلا بأس، فأخبرت النبي ﷺ فقال: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ، فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ [(162)]، أي: سيكون لكِ سواء اشترط أو لم يشترط، وهذا محمول على أنه بلغهم ذلك فلو جهلوا الحكم أن الولاء لمن أعتق لثبت لهم الخيار لكنه محمول على أنه بلغهم؛ ولهذا قال النبي ﷺ: اشْتَرِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ [(163)].

قوله: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّه . والمراد بكتاب الله: حكم الله.

ففيه: إطلاق حكم الله على كتاب الله.

وفيه: جواز البيع والشراء مع النساء.

وفيه: أن بريرة لما اشترتها عائشة عتقت، وكان زوجها عبدًا واسمه مغيث، وأن النبي ﷺ خيرَّها لما أعتقها، فاختارت نفسها ففارقته وفسخ نكاحها[(164)] ـ وإذا عتقت الأمة تحت العبد كان لها الخيار بالبقاء معه أو الفراق؛ لأنها ملكت نفسهاـ وكان زوجها يحبها كثيرًا حتى إنه كان يمشي في الأسواق ودموعه تجري على خديه فهو يريدها وهي لا تريده، حتى قيل: واعجبًا لحب مغيث لبريرة وبغضها له، حتى إن النبي ﷺ شفع لمغيث لما رأى تعلقه بها فقال: لو راجعته، وكانت فقيهة، فقالت: يا رسول الله تأمرني أو تشفع؟ إن كان أمرا سمعًا وطاعة لله ولرسوله. قال: لا، بل أشفع، قالت: لا حاجة لي فيه[(165)]، وهذا دليل على أن الشافع أجره على الله سواء قبلت أو لم تقبل شفاعته.

وفيه: شفاعة الكبير في المحتاج.

وفيه: أنه لا يلزم المشفوع إليه أن يقبل الشفاعة حيث إن النبي ﷺ شفع لمغيث عند بريرة ولم تقبل شفاعته.

وهناك فوائد أخرى مأخوذة من هذا الحديث:

منها: أن «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .

ومنها: أن من اشترط شرطًا فاسدًا فإنه يصح البيع ويبطل الشرط، وهو كونهم اشترطوا لهم الولاء.

ومنها: أنه أهدي لبريرة أو تصدق عليها بلحم، وكان يطبخ، وكانت عند عائشة رضي الله عنها، فقدم للنبي ﷺ الطعام، فقال: ما لي لا أرى اللحم على الطعام؟ قالوا: هو لبريرة صدقة وأنت لا تأكل الصدقة، قال: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ [(166)]. فتغير حاله.

وفيه: دليل على أنه إذا تصدق على فقير ثم أهداه للغني فإنه يأكل من الطعام؛ لأنه لما أعطي للفقير صار صدقة ولما أهدى الفقير للغني صار هدية.

وفيه: دليل على جواز بيع الأقساط، وعلى بيع التأجيل، وهذا كالإجماع من أهل العلم أن البيع المؤجل لا بأس به، وهو داخل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البَقَرَة: 282]، فبيع الدين وبيع التأجيل جائز.

المتن:

باب هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ وَهَلْ يُعِينُهُ أَوْ يَنْصَحُهُ؟

وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ.

وَرَخَّصَ، فِيهِ عَطَاءٌ.

2157 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ سَمِعْتُ جَرِيرًا يَقُولُ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

2158 حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، قَالَ: فَقُلْتُ: لاِبْنِ عَبَّاسٍ مَا قَوْلُهُ لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا.

الشرح:

هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان حكم بيع الحاضر للباد، بأجر أو بغير أجر، والمراد بالحاضر: المقيم في البلد، والمراد بالبادي: الجالب الذي يجلب السلعة من خارج البلد، سواء كان بدويًّا أم حضريًّا، وسمي باديًا لأنه يبدو إلى أهل البلد أي: يظهر لهم.

وصورته: أن يأتي البلد رجل معه سلعة يريد أن يبيعها بسعر يومها فيأتيه رجل من البلد ويقول: أعطني السلعة أبيعها لك، وهذا ليس فيه مصلحة لأهل البلد؛ حيث إن البادي يريد أن يبيع السلعة برخص، ثم يذهب فإذا أخذها الحاضر فإنه يبيعها بغلاء، والنبي ﷺ «نهى عن بيع الحاضر للبادي» [(167)].

واختلف العلماء هل النهي للفساد أو لا؟ فمن العلماء من قال: لا يجوز بيع الحاضر للبادي وإذا باع الحاضر للبادي فالبيع فاسد مطلقًا، ومنهم من قال: البيع صحيح، ومنهم من قال: إذا باعه بأجرة فالبيع فاسد، وإن باعه بغير أجرة فالبيع صحيح، وهذا اختيار البخاري رحمه الله؛ ولهذا قيد الترجمة فقال: «بَاب هَلْ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِغَيْرِ أَجْرٍ؟» يعني: إذا باع حاضر لباد بغير أجر فلا بأس، وإذا باعه بأجر فلا، وأخذ المؤلف رحمه الله هذا من آخر حديث ابن عباس الآتي.

وفيه: قول طاوس لابن عباس: «ما قوله: لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا» . والسمسار هو الدلال يبيعه بأجرة، أما إذا باعه بغير أجرة فلا بأس، هذا ما ذهب إليه البخاري رحمه الله.

وهل إذا استنصحه البادي وسأله هل ينصح له؟ وهل يكون آثما أو لا يكون؟ المؤلف رحمه الله ذهب إلى أنه إذا شاوره أو استنصحه فإنه ينصح له لعموم أدلة النصيحة، فإذا جاء البادي للحاضر وقال: ما رأيك في السلعة هل تساوي هذه القيمة أو لا تساوي؟ فإنه ينصح له ويقول له: لا، قيمتها كذا أو تبيعها أو لا تبيعها؛ لعموم قوله ﷺ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ [(168)]؛ ولعموم حديث جرير: «والنصح لكل مسلم» ؛ ولهذا قال المؤلف رحمه الله: «وقال النبي ﷺ: إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ. [(169)]. يعني: إذا شاوره وسأله فإنه ينصح له، فالمؤلف ذهب إلى أن هذا ليس من البيع للبادي. ومن العلماء من منعها مطلقًا وقال: إن هذا لا يدخل في النصيحة.

قال المؤلف: «وَرَخَّصَ، فِيهِ عَطَاءٌ» يعني: رخص عطاء في بيع الحاضر للبادي، وقول عطاء هذا مصادم للنص، فلا يعتبر قوله؛ لأن النهي عن بيع الحاضر للبادي صريح.

2157 استدل المؤلف على أنه لا بأس أن ينصح الحاضر للبادي إذا شاوره بحديث جرير أنه قال: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ» يعني: لولاة الأمور في طاعة الله، «وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» : وهو شامل لما إذا جاء البادي للحاضر وشاوره وسأله عن السلعة، أما إذا لم يأت إليه فلا يجوز للحاضر أن يأتي إليه ويبيع له، أو يقول: لا تبع كذا أو بع كذا؛ لأنه منهي عنه.

وعلى هذا فتكون النصيحة خلاف البيع.

وهناك خلاف في بيع الحاضر للبادي؛ فعلى قول لأهل العلم: إن البيع فاسد؛ لأن النبي ﷺ نهى عن بيع الحاضر للبادي[(170)]، والنهي يرجع إلى ذات المنهي عنه، ومنهم من قال: إنه لا يفسد، ومنهم من قال بالتفصيل، فالأقوال إذن ثلاثة:

الأول: أنه يصح بيع الحاضر للبادي مع الإثم.

الثاني: أنه لا يجوز مطلقًا فهو بيع فاسد لا يصح.

الثالث: لا يجوز إذا كان بأجر، ويجوز إذا كان بغير أجر.

والصواب القول الاول بعدم الجواز، والمؤلف رحمه الله اختار القول الوسط، وهو أنه إذا باع له بأجر فلا يجوز، وإذا باعه بغير أجر فلا بأس؛ لأنه لا يستفيد، كما أن هذا يدخل في باب النصيحة.

2158 في هذا الحديث أن ابن عباس رضي الله عنهما: «قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تَلَقَّوْا الرُّكْبَانَ وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وفيه: النهي عن تلقي الركبان الذين يَرِدُون إلى بلد القوم معهم سلع يريدون أن يبيعوها، فيأتي بعض الناس من البلد ويتلقاهم قبل ورودهم إلى السوق فيشتري منهم السلع، فهذا لا يجوز، فإذا وردوا إلى السوق ووجدوا أنهم مغبونون فإن لهم الخيار.

وفيه: النهي عن بيع الحاضر للبادي، وهو أن يأتي الحاضر إلى من ورد البلد ويبيع له السلعة، ومن العلماء من قال: إن النهي يقتضي الفساد؛ لأنه يرجع إلى ذت المنهي عنه، وقيل: يصح البيع ولكنه يأثم، وقيل: يصح إذا كان بأجر وهو اختيار البخاري كما قيده في الترجمة، والصواب الأول وهو عدم صحة البيع مطلقًا سواء باع له بأجر أم لا، مع وجاهة القول الثاني، والمؤلف رحمه الله ذهب إلى أن المشاورة والنصيحة ليست داخلة في هذا، وذلك أن يأتي البادي للحاضر ويشاوره في البيع فينصح له، أما أن يجيء الحاضر إلى البادي ابتداء لينصح له بزعمه، فهذا لا يجوز.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن المنير وغيره: حمل المصنف النهي عن بيع الحاضر للبادي على معنى خاص، وهو البيع بالأجر أخذًا من تفسير ابن عباس، وقوى ذلك بعموم أحاديث: الدِّينُ النَّصِيحَةُ؛ لأن الذي يبيع بالأجرة لا يكون غرضه نصح البائع غالبًا، وإنما غرضه تحصيل الأجرة، فاقتضى ذلك إجازة بيع الحاضر للبادي بغير أجرة من باب النصيحة.

قلت: ويؤيده ما في بعض طرق الحديث المعلق أول أحاديث الباب، وكذلك ما أخرجه أبو داود من طريق سالم المكي: «أن أعرابيًّا حدثه أنه قدم بحلوبة له على طلحة بن عبيدالله، فقال له: إن النبي ﷺ نهى أن يبيع حاضر لباد، ولكن اذهب إلى السوق فانظر: من يبايعك فشاورني حتى آمرك وأنهاك» [(171)].

وقوله: «وقال النبي ﷺ: إِذَا اسْتَنْصَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَنْصَحْ لَهُ. هو طرف من حديث وصله أحمد من حديث عطاء بن السائب، عن حكيم بن أبي يزيد، عن أبيه، حدثني أبي قال: قال رسول الله ﷺ: دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، فإذا استنصح الرجل الرجل فلينصح له [(172)]. ورواه البيهقي[(173)] من طريق عبدالملك بن عمير، عن أبي الزبير، عن جابر مرفوعًا مثله؛ وأما ما رواه سعيد بن منصور من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قال: «إنما نهى رسول الله ﷺ أن يبيع حاضر لباد لأنه أراد أن يصيب المسلمون غرتهم، فأما اليوم فلا بأس. فقال عطاء: لا يصلح اليوم. فقال مجاهد: ما أرى أبا محمد إلا لو أتاه ظئر له من أهل البادية إلا سيبيع له» . فالجمع بين الروايتين عن عطاء أن يحمل قوله هذا على كراهة التنزيه؛ ولهذا نسب إليه مجاهد ما نسب، وأخذ بقول مجاهد في ذلك أبو حنيفة وتمسكوا بعموم قوله ﷺ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ؛ وزعموا أنه ناسخ لحديث النهي، وحمل الجمهور حديث: الدِّينُ النَّصِيحَةُ على عمومه، إلا في بيع الحاضر للبادي فهو خاص، فيقضي على العام، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، وجمع البخاري بينهما بتخصيص النهي بمن يبيع له بالأجرة كالسمسار، وأما من ينصحه فيعلمه بأن السعر كذا مثلاً فلا يدخل في النهي عنده. والله أعلم» اهـ.

ثم قال الحافظ رحمه الله: «قال ابن المنذر: اختلفوا في هذا النهي، فالجمهور أنه على التحريم بشرط العلم بالنهي، وأن يكون المتاع المجلوب مما يحتاج إليه، وأن يعرض الحضري ذلك على البدوي، فلو عرضه البدوي على الحضري لم يمنع. وزاد بعض الشافعية عموم الحاجة، وأن يظهر ببيع ذلك المتاع السعة في تلك البلد.

قال ابن دقيق العيد: أكثر هذه الشروط تدور بين اتباع المعنى أو اللفظ، والذي ينبغي أن ينظر في المعنى إلى الظهور والخفاء، فحيث يظهر يخصص النص أو يعمم، وحيث يخفى فاتباع اللفظ أولى، فأما اشتراط أن يلتمس البلدي ذلك فلا يقوى لعدم دلالة اللفظ عليه» .

والصواب في هذه المسألة: أنه لا يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقًا بأجرة أو بغير أجرة؛ لعموم النهي وأنه إذا باع فهو آثم، وهل يفسد البيع أو لا يفسد؟ محل نظر، والأقرب أنه يفسد، والقاعدة عند أهل العلم أن النهي إذا كان يرجع إلى ذات المنهي عنه فإنه يقتضي الفساد، مثل النهي عن بيع الخمر والخنزير، أما إذا كان النهي يرجع إلى شيء خارج فإنه يصح مع الإثم، فالأقرب أنه يصح مع الإثم.

المتن:

باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ بِأَجْرٍ

2159 حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَبَّاحٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ، عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ.

وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ.

الشرح:

المراد بالكراهة هنا كراهة التحريم؛ لأن النبي ﷺ نهى عنه والنهي للتحريم إلا بصارف، والجمهور كرهوا هذا بأجر أو بغير أجر، وأما البخاري رحمه الله فإنه قيَّده بما كان بأجر فإنه يكره وإن كان بغير أجر فلا يكره.

2159 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «كذا أورده من حديث ابن عمر، وليس فيه التقييد بالأجر كما في الترجمة، قال ابن بطال: أراد المصنف أن بيع الحاضر للبادي لا يجوز بأجر ويجوز بغير أجر، واستدل على ذلك بقول ابن عباس، وكأنه قيد به مطلق حديث ابن عمر، قال: وقد أجاز الأوزاعي أن يشير الحاضر على البادي، وقال: ليست الإشارة بيعًا. وعن الليث وأبي حنيفة: لا يشير عليه؛ لأنه إذا أشار عليه فقد باعه. وعند الشافعية في ذلك وجهان، والراجح منهما الجواز؛ لأنه إنما نهى عن البيع له، وليست الإشارة بيعًا؛ وقد ورد الأمر بنصحه، فدل على جواز الإشارة» . اهـ.

المتن:

باب لاَ يَبْيِع حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ

وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَإِبْرَاهِيمُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي.

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: إِنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ بِعْ لِي ثَوْبًا وَهِيَ تَعْنِي الشِّرَاءَ.

2160 حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ يَبْتَاعُ الْمَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ.

2161 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه: نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ.

الشرح:

قوله: «بِالسَّمْسَرَةِ» أي: بالدلالة يعني: يكون دلالاً بالأجرة، والحاضر الذي في البلد، والبادي من قدم البلد، وكما أن الحاضر لا يبيع للباد فكذلك لا يشتري له؛ ولهذا قال المؤلف: «بَاب لاَ يَبْيِع ـ وفي رواية: لا يَشْتَرِي ـ حَاضِرٌ لِبَادٍ» ، وقد ذهب البخاري رحمه الله في هذه الترجمة إلى أنه لا يجوز للحاضر أن يشتري للبادي قياسًا على البيع له، أو استعمالاً للفظ البيع في البيع والشراء، وهو داخل في قوله ﷺ: لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ [(174)]، وإلى هذا ذهب ابن سيرين وإبراهيم النخعي وابن حبيب من المالكية[(175)]. وهو رواية عن الإمام مالك[(176)]؛ وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن شراء الحاضر للبادي جائز؛ لأن النهي خاص بالبيع، فالنبي ﷺ قال: لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ ، ولم يقل: لا يشتري حاضر لباد، والبيع لا يدخل فيه الشراء غالبًا، وإلى هذا ذهب الإمام مالك في إحدى الروايتين [(177)]، وهذا هو الأقرب؛ لأن البادي إذا ورد إلى البلد بسلعة يريد أن يبيعها بسعر يومها، ويريد أن يرخِّص على الناس؛ فإذا طلبها منه من كان في البلد حتى يبيعها له شق على الناس؛ أما إذا ورد باد إلى البلد، وقال لشخص: اشتر لي سلعة، فهذا لا يشق على أهل البلد.

والبخاري رحمه الله ذهب إلى أن الحاضر إذا باع للبادي بغير أجرة فهو جائز، وإذا كان بأجرة فلا يجوز، وكذلك الشراء، فلا يشتري له بالسمسرة والأجرة، وقياسه أنه إذا اشترى له بغير سمسرة، أو بغير أجرة، فإنه يجوز، والأقرب أن الشراء غير البيع.

2160 ذكر البخاري رحمه الله الدليل على ما ذهب إليه، فذكر حديث: لاَ يَبْتَاعُ الْمَرْءُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ. فقوله: «لاَ يَشْتَرِي حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ» ، قاس الشراء على البيع، فقال: لا يشتري له إذا كان بالسمسرة، أما إذا كان من غير سمسرة، فالمؤلف يرى أنه لا بأس به.

2161 ذكر المؤلف رحمه الله حديث أنس، قال: «نُهِينَا أَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ» . فهل يقاس عليه الشراء؟ من العلماء من قاسه عليه وقال: لا فرق بين البيع والشراء، وعلى ذلك فكلمة لاَ يَبْتَاعُ [(181)] تشمل البيع والشراء؛ ومن العلماء من فرَّق بينهما وقال: إن النهي إنما جاء في البيع ولم يأت في الشراء، والبخاري رحمه الله جعل ذلك مقيدًا بالسمسرة، فإذا باع أو اشترى بالسمسرة فلا يجوز؛ لأنه إنما راعى مصلحة نفسه، وإذا باع له أو اشترى بغير السمسرة فيجوز؛ لأنه في هذه الحالة يكون ناصحًا.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب لاَ يَشْتَرِي حَاضِرٌ لِبَادٍ بِالسَّمْسَرَةِ» ، أي: قياسًا على البيع له، أو استعمالاً للفظ البيع في البيع والشراء، قال ابن حبيب المالكي: الشراء للبادي مثل البيع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: لا يبيع بعضكم على بعض [(178)] فإن معناه الشراء. وعن مالك في ذلك روايتان» اهـ.

قوله: «وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أما قول ابن سيرين فوصله أبو عوانة في «صحيحه» من طريق سلمة بن علقمة، عن ابن سيرين، قال: «لقيت أنس بن مالك فقلت: لا يبيع حاضر لباد، أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم؟ قال: نعم» [(179)]. قال محمد: وصدق، إنها كلمة جامعة؛ وقد أخرجه أبو داود من طريق أبي هلال، عن ابن سيرين، عن أنس، بلفظ: «كان يقال: لا يبيع حاضر لباد» [(180)]. وهي كلمة جامعة، لا يبيع له، شيئًا ولا يبتاع له شيئًا؛ وأما إبراهيم فهو النخعي، فلم أقف عنه كذلك صريحًا» . ا هـ.

والمقصود: أن من قال بالمنع ذهب إلى إلحاق الشراء بالبيع، ومن فرق بينهما قال: إن النبي ﷺ إنما نهى عن البيع خصوصًا، فهما قولان لأهل العلم، والثالث اختيار البخاري، وهو تقييده بالسمسرة.

المتن:

باب النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ

وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ لأَِنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا وَهُوَ خِدَاعٌ فِي الْبَيْعِ وَالْخِدَاعُ لاَ يَجُوزُ.

2162 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ التَّلَقِّي، وَأَنْ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ.

2163 حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَا مَعْنَى قَوْلِهِ لاَ يَبِيعَنَّ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ فَقَالَ: «لاَ يَكُنْ لَهُ سِمْسَارًا».

2164 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثنِي التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ: مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ.

2165 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ يَبِيعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَلاَ تَلَقَّوْا السِّلَعَ حَتَّى يُهْبَطَ بِهَا إِلَى السُّوقِ.

الشرح:

قوله: «النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ» ، والركبان هم: الذين يَرِدون على البلد من خارجها معهم سلع، وسموا ركبانًا لأنهم يركبون الدواب، ومن المعلوم أن القادم المسافر يحتاج إلى مركوب يركب عليه، فكان الناس يركبون على الدواب: الإبل وغيرها، والآن صاروا يأتون بالسيارات، فمن قدم البلد ومعه سلعة فهو من الركبان، سواء ركب دابة، أو سيارة، أو حتى قدم على رجليه ومعه سلعة، يعني: المقصود: ورود شخص إلى البلد معه سلعة يريد أن يبيعها، فيخرج إليه رجل أو جماعة من أهل البلد قبل أن يدخل البلد ويشترون منه السلعة.

2162 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ التَّلَقِّي» .

 المؤلف رحمه الله جزم بأن البيع مردود حيث قال في الترجمة: «بَاب النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ» . وجزم المؤلف برد البيع بناء على أن النهي يقتضي الفساد، إذا كان عالمًا به، قال البخاري رحمه الله: « وَهُوَ خِدَاعٌ فِي الْبَيْعِ وَالْخِدَاعُ لاَ يَجُوزُ» ، وإلى هذا ذهب بعض المالكية[(185)] وبعض الحنابلة[(186)]، لكن كأن المصنف رحمه الله غفل عما ورد في «صحيح مسلم» وأبي داود والترمذي بأن له الخيار، ولفظه: قال النبي ﷺ: لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ [(187)]. فهذا صريح في أن البيع غير فاسد.

وفيه: التخيير، وهذا هو الصواب أنه لا يفسد البيع لا كما قال المؤلف، فإن خرج إلى خارج البلد وتلقى الركبان واشترى منهم، ثم دخل البائع السوق ورأى أنه مغبون فله الخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء أبقى البيع؛ عملاً بهذا الحديث، ويكون النهي لا يقتضي الفساد وإنما يقتضي الإثم، وهو القول الثاني لأهل العلم، والخيار هذا إنما يكون لدفع الضرر عن الركبان؛ لأن النهي لا يرجع إلى ذات المنهي عنه وهو العقد، وإنما يرجع إلى خارج عنه فيصح البيع ويثبت الخيار.

وقال آخرون من أهل العلم: يثبت للبائع الخيار مطلقًا، ولو لم يقع له في البيع غبن، فالأقوال ثلاثة:

الأول: أنه إذا تَلقى الركبان فالبيع فاسد وهذا اختيار البخاري.

الثاني: أنه ليس بفاسد بل هو صحيح، لكن إذا ورد البائع البلد ورأى أنه مغبون فله الخيار إن شاء أبقى البيع وإن شاء فسخه.

الثالث: أن البائع له الخيار مطلقًا سواء حصل له غبن أو لم يحصل، وهذا قول لبعض أهل العلم.

ولكن أعدل الأقوال القول الوسط وهو أن له الخيار بشرط الغبن، فإن لم ير أنه مغبون فلا خيار له، جمعًا بين الحديثين.

2164 قوله: مَنْ اشْتَرَى مُحَفَّلَةً فَلْيَرُدَّ مَعَهَا صَاعًا. قَالَ: وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ تَلَقِّي الْبُيُوعِ» محفلة يعني: الدابة التي حبس اللبن في ضرعها، وهذا منهي عنه، فإذا اشترى دابة محفلة، ثم حلبها ووجد الحليب ناقصًا فإنه يردها ويرد معها صاعًا من تمر.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، وَأَنَّ بَيْعَهُ مَرْدُودٌ لأَِنَّ صَاحِبَهُ عَاصٍ آثِمٌ إِذَا كَانَ بِهِ عَالِمًا، وَهُوَ خِدَاعٌ فِي الْبَيْعِ وَالْخِدَاعُ لاَ يَجُوزُ» . جزم المصنف بأن البيع مردود بناء على أن النهي يقتضي الفساد، لكن محل ذلك عند المحققين فيما يرجع إلى ذات المنهي عنه، لا ما إذا كان يرجع إلى أمر خارج عنه فيصح البيع ويثبت الخيار بشرطه، لكن لا يلزم من ذلك أن يكون البيع مردودًا؛ لأن النهي لا يرجع إلى نفس العقد، ولا يخل بشيء من أركانه وشرائطه، وإنما هو لدفع الإضرار بالركبان، والقول ببطلان البيع صار إليه بعض المالكية وبعض الحنابلة، ويمكن أن يحمل قول البخاري أن البيع مردود على ما إذا اختار البائع رده فلا يخالف الراجح» اهـ.

وهذا الحمل ليس بظاهر.

ثم قال الحافظ رحمه الله: «وقد تعقبه الإسماعيلي وألزمه والتناقض ببيع المصراة؛ فإن فيه خداعًا ومع ذلك لم يبطل البيع» . اهـ. يعني: الإسماعيلي تعقب البخاري وقال: البخاري متناقض، فإن بيع المصراة فيه خداع ومع ذلك يجيز البيع، وتلقي الركبان فيه خداع ولا يجيزه، فلماذا يفرق بينهما؟!

قال الحافظ رحمه الله: «وبكونه فصل في بيع الحاضر للبادي بين أن يبيع له بأجر أو بغير أجر، واستدل عليه أيضًا بحديث حكيم بن حزام الماضي في بيع الخيار ففيه: فإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما [(182)] قال: فلم يبطل بيعهما بالكذب والكتمان للعيب، وقد ورد بإسناد صحيح: «أن صاحب السلعة إذا باعها لمن تلقاه يصير بالخيار إذا دخل السوق» ثم ساقه من حديث أبي هريرة، قال ابن المنذر: أجاز أبو حنيفة التلقي وكرهه الجمهور.

قلت: الذي في كتب الحنفية: يكره التلقي في حالتين: أن يضر بأهل البلد، وأن يلتبس السعر على الواردين. ثم اختلفوا فقال الشافعي: من تلقاه فقد أساء وصاحب السلعة بالخيار، وحجته حديث أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة «أن النبي ﷺ نهى عن تلقي الجلب، فإن تلقاه فاشتراه فصاحبه بالخيار إذا أتى السوق» [(183)]. قلت: وهو حديث أخرجه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة من طريق أيوب، وأخرجه مسلم من طريق هشام عن ابن سيرين بلفظ: لَا تَلَقَّوْا الْجَلَبَ، فَمَنْ تَلَقَّاهُ فَاشْتَرَى مِنْهُ، فَإِذَا أَتَى سَيِّدُهُ السُّوقَ، فَهُوَ بِالْخِيَارِ [(184)]. وقوله: «فهو بالخيار» أي: إذا قدم السوق وعلم السعر، وهل يثبت له مطلقًا أو بشرط أن يقع له في البيع غبن؟ وجهان، أصحهما الأول، وبه قال الحنابلة، وظاهره أيضًا أن النهي لأجل منفعة البائع وإزالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه.

قال ابن المنذر: وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة، وإلى ذلك جنح الكوفيون، والأوزاعي قال: والحديث حجة للشافعي؛ لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق» . اهـ.

والصواب من هذا: أنه بالخيار، وأن البيع صحيح لكن البائع بالخيار إذا ورد السوق، ورأى أنه مغبون.

المتن:

باب مُنْتَهَى التَّلَقِّي

2166 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ، فَنَهَانَا النَّبِيُّ ﷺ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ.

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِاللَّهِ.

2167 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِاللَّهِ قَالَ: كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان «مُنْتَهَى التَّلَقِّي» الذي نهي عنه في حديث: لاَ تَلَقَّوُا الرُّكْبَانَ [(189)] وانتهاؤه من جهة المتلقي إذا خرج من أعلى السوق لحديث: «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ» ، وأما انتهاؤه من جهة الجالب فلا حد لانتهائه، بل يتناول طول المسافة وقصرها، فلو تلقاه عند أول البلد أو تلقاه قبل مسافة يوم أو مسافة يومين فكله يعتبر متلقيًا، فمطلق النهي عن التلقي يتناول طول المسافة وقصرها.

ومن العلماء من قيَّد النهي بحد مخصوص، فقال بعضهم: مسافة ميل، وقال بعضهم: فرسخان، وقيل: يومان، وقيل: مسافة قصر، وهذه الأقوال لا دليل عليها، والصواب أنه يتناول طول المسافة وقصرها من جهة الجالب، أما من جهة المتلقي نفسه فإذا خرج من أعلى السوق فيعتبر متلقيًا.

2166 ذكر المؤلف رحمه الله حديث ابن عمر: «كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ، فَنَهَانَا النَّبِيُّ ﷺ أَنْ نَبِيعَهُ حَتَّى يُبْلَغَ بِهِ سُوقُ الطَّعَامِ» ، أي: فإذا تجاوز السوق واشترى يعتبر متلقيًا، هذا من جهة المتلقي، فإذا تلقاه من أي: مسافة طويلة أو قصيرة فإنه يعتبر متلقيًا.

قال أبو عبدالله هو البخاري: هذا في أعلى السوق.

2167 ذكر المؤلف رحمه الله حديث ابن عمر الثاني: «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ» ، وذكر السوق؛ لأن الإنسان قبل أن يرد إلى السوق لا يدري الأسعار، فإذا ورد السوق علم الأسعار، فإذا تلقاه قبل دخوله إلى السوق يعتبر متلقيًا.

وفيه: دليل على أنه لا يجوز للإنسان أن يبيع السلعة في مكانها حتى ينقلها إلى مكان آخر.

والبخاري رحمه الله فهم من الحديث أن منتهى التلقي أعلى السوق فاستدل بهذا الحديث.

والراجح أن منتهى التلقي يشمل طول المسافة وقصرها، وابتداؤه خروجه من السوق ولا حد لانتهائه من جهة الجالب، والمعروف عند المالكية[(191)] اعتبار السوق مطلقًا كما هو ظاهر الحديث، وهو قول أحمد[(192)] وإسحاق، قال بعضهم وهو الليث: ولو على باب البيت حتى تدخل السلعة السوق.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب مُنْتَهَى التَّلَقِّي» ، أي: وابتدائه؛ وقد ذكرنا أن الظاهر أنه لا حد لانتهائه من جهة الجالب، وأما من جهة المتلقي فقد أشار المصنف بهذه الترجمة إلى أن ابتداءه الخروج من السوق أخذًا من قول الصحابي: «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ فَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ، فَنَهَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ» ، ولم ينههم عن التبايع في أعلى السوق؛ فدل على أن التلقي إلى أعلى السوق جائز، فإن خرج عن السوق ولم يخرج من البلد فقد صرح الشافعية بأنه لا يدخل في النهي، وحد ابتداء التلقي عندهم الخروج من البلد، والمعنى فيه أنهم إذا قدموا البلد أمكنهم معرفة السعر وطلب الحظ لأنفسهم، فإن لم يفعلوا ذلك فهو من تقصيرهم، وأما إمكان معرفتهم ذلك قبل دخول البلد فنادر، والمعروف عند المالكية اعتبار السوق مطلقًا كما هو ظاهر الحديث، وهو قول أحمد وإسحاق، وعن الليث كراهة التلقي ولو في الطريق، ولو على باب البيت حتى تدخل السلعة السوق.

قوله: «قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ:» هو المصنف. قوله: «هَذَا فِي أَعْلَى السُّوقِ» ، أي: حديث جويرية عن نافع بلفظ: «كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ فَنَشْتَرِي مِنْهُمْ الطَّعَامَ» ، الحديث، قال البخاري: «يُبَيِّنُهُ حَدِيثُ عُبَيْدِاللَّهِ» ابن عمر، يعني: عن نافع، أي: حيث قال: «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ» ، الحديث مثله، وأراد البخاري بذلك الرد على من استدل به على جواز تلقي الركبان لإطلاق قول ابن عمر: «كُنَّا نَتَلَقَّى الرُّكْبَانَ» ، ولا دلالة فيه؛ لأن معناه أنهم كانوا يتلقونهم في أعلى السوق كما في رواية عبيدالله بن عمر عن نافع، وقد صرح مالك في روايته عن نافع بقوله: ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها السوق [(190)] فدل على أن التلقي الذي لم ينه عنه إنما هو ما بلغ السوق، والحديث يفسِّر بعضه بعضًا» اهـ.

يعني: أنه إذا تلقاه في السوق فلا حرج ما دام أنه وصل إلى السوق وتلقاه واشترى منه، أما إذا تلقاه قبل أن يدخل السوق فهو منهي عنه حتى ولو داخل البلد، ويشمل من جهة الجالب لو تلقاه قبل دخول البلد بمسافة يوم أو يومين أو ثلاثة، أو مائة كيلو أو مائتين فكله منهي عنه، فإذا علم أن شخصًا عنده سلع وسافر إليه واشترى منه قبل أن يصل إلى البلد، فهذا منهي عنه حتى يصل إلى السوق، فإذا اشترى منه ولو بعدما دخل إلى البلد فهو كذلك حتى يصل إلى السوق، فإذا وصل إلى السوق انتهى الأمر.

المتن:

باب إِذَا اشْتَرَطَ شُرُوطًا فِي الْبَيْعِ لاَ تَحِلُّ

2168 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي، فَقُلْتُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ فَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.

2169 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ.

الشرح:

هذه الترجمة معقودة لبيان ما إذا اشترط البائع شروطًا مخالفة للشرع، قال: «إِذَا اشْتَرَطَ شُرُوطًا فِي الْبَيْعِ لاَ تَحِلُّ» ، يعني: هل يفسد البيع ويبطل الشرط؟ أو يفسد البيع والشرط؟ الذي دل عليه الحديث أنه إذا اشترط البائع شروطًا لا تحل فإن البيع صحيح والشرط باطل.

2168 قوله: «كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ» . ذكر المؤلف رحمه الله حديث بريرة ـ وقد سبق ـ وبريرة أمة كاتبت أهلها ـ يعني: أسيادها ـ على تسع أواق في كل عام أوقية ـ والأوقية أربعون درهمًا ـ أي: منجمة على تسع سنوات وهذا يسمى المكاتبة، فالعبد المكاتب هو الذي يشتري نفسه من سيده ثم يخلي سيده بينه وبين العمل فيعمل ويسلم له هذه الأقساط.

فجاءت بريرة إلى عائشة تستعينها في قضاء دينها، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: «إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ» ، وفي اللفظ الآخر: «إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة فعلت» [(193)]، وهذا دليل على أن عائشة أحيانًا يكون عندها نقود؛ ولهذا كان ثمنها حاضرًا عندها، وكانت كريمة رضي الله عنها؛ فلما جاءها طعام وهي صائمة، أنفقته كله ولم تبق شيئًا للإفطار.

والولاء هو أن ينتسب العبد الذي اشتراه سيده إليه، فإذا كان من بني تميم صار العبد من بني تميم، ويكون له الفضل عليه، وإذا مات العبد وليس له ورثة ورثه السيد الذي أعتقه وأبناؤه وعصبته فهذا الولاء عصوبة، والعلماء قالوا: والعصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، فيرث بها المعتق، والولاء لحمة كلحمة النسب مثل النسب لا يباع ولا يورث ولا يوهب.

فقال أهلها: إن أحبت عائشة رضي الله عنها أن تتطوع فجزاها الله خيرًا، لكن الولاء يكون لنا، ولا نريد أن نفرط في الولاء، «فَسَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ يعني: يصح البيع ويبطل الشرط، وهذا هو شاهد الترجمة، فأهل بريرة أرادوا أن يبيعوها على عائشة، لكن اشترطوا شرطًا فاسدًا وهو أن يكون الولاء لهم، والمعنى أن الولاء لك ولو شرطوا؛ لأن الشرط فاسد.

وهذه قاعدة شرعية وهي: أن من أعتق يكون له الولاء.

قوله: «فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، والمراد بكتاب الله: حكم الله سواء في الكتاب أو في السنة.

قوله: مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وهذا فيه: دليل على أن الإنسان إذا باع بيعًا، وكان العقد ليس فيه شيء يقتضي الفساد إلا أنه اشترط شروطًا فاسدة فإن البيع يصح ويبطل الشرط، كما صحح النبي ﷺ شراء عائشة رضي الله عنها للجارية وأبطل الشرط الذي اشترطه أهلها، وهو أن يكون لهم الولاء.

2169 قوله: «أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَتُعْتِقَهَا، فَقَالَ أَهْلُهَا: نَبِيعُكِهَا عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. وهذا هو الحديث الثاني الذي استدل به البخاري في هذا الباب.

وفيه: دليل على أن من اشترط شروطًا لا تصح ولا تحل فإنها تبطل ويصح البيع إذا لم يكن فيه مانع، وهذا هو شاهد ترجمة الباب.

وحديث بريرة فيه فوائد ـ كما سبق ـ فقد استنبط منه أهل العلم أكثر من مائة فائدة:

منها: جواز البيع والشراء مع النساء.

ومنها: أن الولاء لمن أعتق.

ومنها: أن من اشترط في البيع شروطًا لا تحل فإنه يصح البيع ويبطل الشرط أو الشروط.

ومنها: أن الجارية إذا أعتقت وكانت تحت عبد فلها الخيار إن شاءت بقيت معه وإن شاءت فسخت، فإن بريرة كان زوجها عبدًا، فخيرها النبي ﷺ فاختارت نفسها فتركته؛ لأنها صارت حرة وهو لا يزال رقيقًا.

ومنها: أنه إن تصدق على الفقير بصدقة وأهدى منها إلى الغني فإنه يصح للغني أن يأكل منها ولو كانت من الزكاة؛ لأنها تغيرت حالها؛ فإن بريرة أهدي لها لحم فدخل النبي ﷺ وطلب طعامًا فقدموا له طعامًا وليس فيه لحم، فقال: أَلَمْ أَرَ البُرْمَةَ فِيهَا لَحْمٌ؟، فقالوا: يا رسول الله هذا لحم تُصدق به على بريرة وأنت ما تأكل الصدقة، قال: هُوَ عَلَيْهَا صَدَقَةٌ، وَهُوَ مِنْهَا لَنَا هَدِيَّةٌ [(196)]. فإذا أعطي الفقير زكاة ثم عمل وليمة أو دعا الغني وأعطاه من هذا الطعام الذي تصدق به عليه فإنه يأكل منه الغني لأنه تغيرت حاله فصار هدية.

وبيع المرأة وشراء المرأة لا بأس به مع التحجب والتحفظ، وشراء الرجل من المرأة أو شراء المرأة من الرجل لا حرج فيه إذا لم يكن هناك ريبة ولا خلوة ولا سفور، أما إذا كان هناك ريبة فلا يجوز، ولا تركب المرأة مع الرجل ولو كانت مع اثنين أو ثلاثة إذا كان هناك شك، أما إذا لم يكن هناك ريبة فلا بأس إذا زالت الخلوة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد