المتن:
باب بَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ
2170 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ سَمِعَ عُمَرَ رضي الله عنهمَا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: الْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع التمر بالتمر، يعني: هل يجوز أو لا؟
2170 دلَّ الحديث على أنه يجوز بيع التمر بالتمر بشرطين:
الأول: التماثل في الكيل أو الوزن.
الثاني: التقابض في مجلس العقد يدًا بيد.
وكذلك البر، وكذلك الشعير، فإذا باع برًّا ببر فلابد من هذين الأمرين حتى يصح البيع: التماثل صاعًا بصاع، والتقابض في مجلس العقد بخذ وأعط.
وفي الحديث ثلاثة أصناف، وفي حديث أبي سعيد زاد ثلاثة أصناف أخرى، وهي: الذهب، والفضة، والملح، فإذا باع ذهبًا أو فضة أو ملحًا فلابد من الشرطين، ففي حديث أبي سعيد: الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، سواء بسواء، يدًا بيد؛ فمن زاد أو استزاد فقد أربى [(197)].
أما إذا اختلفت هذه الأصناف كأن كان ذهب بفضة أو بر بتمر، أو شعير بملح سقط شرط التماثل وبقي شرط التقابض؛ لقول النبي ﷺ في الحديث الصحيح: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا، كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ [(198)] فيجوز أن تبيع مائة كيلو من الفضة بخمسين كيلو من الذهب لا حرج لكن يكون يدًا بيد، ولو باعت امرأة ذهبًا قديمًا بذهب، فلا يجوز التفاضل في الميزان، والمخرج أن تبيع الذهب القديم بدراهم ثم تشتري بالدراهم ذهبًا جديدًا.
واختلف العلماء هل يجري الربا في غيرها أو لا؟
القول الأول: قول الظاهرية أنه خاص بالستة وما عداها فلا بأس.
القول الثاني: ذهب الأئمة الأربعة أنه يقاس عليها ما جامعها في العلة، فذهب الأحناف والحنابلة[(199)] إلى أن العلة هي الكيل والوزن، فقالوا: كل مكيل وموزون لابد فيه من الشرطين، وعلى هذا يدخل النحاس والرصاص والحديد، وذهب الشافعية[(200)] إلى أن العلة الطعم، وذهب المالكية[(201)] إلى أن العلة هي الاقتيات والادخار في الأربعة.
والأقرب أنه لابد من الكيل مع الأمرين: الادخار، والطعم، فلابد أن يكون مطعومًا والرصاص والنحاس ليس مطعومًا، ولابد أن يدخر ويبقى فإذا كان مثل الفواكه والخضار فهذه لا تكال ولا تدخر ولا يجري فيها الربا.
ومثال ذلك الأرز فلم ينص عليه في الحديث، فيقول الحنبلي أو الحنفي[(202)]: الأرز كالبر في جريان الربا فيهما بجامع الكيل والوزن، ويقول الشافعي[(203)]: بجامع الطعم فكل منهما مطعوم، ويقول المالكي[(204)]: بجامع الادخار مع الكيل والطعم، فلا يجوز بيع الأرز بالبر مؤجلاً، بل لابد من أن يكون يدًا بيد.
فعلة الربا في المطعومات اختلف العلماء فيها اختلافًا كبيرًا؛ إلا الذهب والفضة فالعلة ثمنية كل منهما، ومن ذلك الأوراق النقدية حكمها حكم الذهب والفضة؛ لأن العلة الثمنية.
قال مالك[(205)]: لو تبايع الناس بالجلود لكان لها حكم الذهب والفضة، والورق الآن أقل من الجلود.
المتن:
باب بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ وَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ
2171 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ.
وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلاً.
2172 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ.
قَالَ: وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلٍ إِنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ.
2173 قَالَ: وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم «بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ وَالطَّعَامِ بِالطَّعَامِ» ، فإذا باع زبيبًا بزبيب فلابد من التماثل والتقابض في مجلس العقد، وكذلك الطعام بالطعام.
2171 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ» . المزابنة من الزبن والدفع؛ لأن كلًّا منهما يدفع إلى صاحبه الثمن أو البيع.
قوله: «وَالْمُزَابَنَةُ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً» ، هكذا فسر المزابنة، والثمر ـ بالمثلثة ـ هو الرطب على رءوس النخل، والتمر ـ بالمثناة ـ يعني: التمر اليابس على الأرض فلا يباع الرطب على رءوس النخل بالتمر اليابس على الأرض.
قوله: «وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ كَيْلاً» والزبيب هو العنب اليابس بالكرم وهو العنب الرطب على رءوس الشجر، والحكمة في النهي عدم التساوي بين المتماثلين الربويين فكل منهما ربوي فلابد من التساوي؛ لأن الرطب الذي في رءوس النخل والعنب في رءوس الشجر ينقصان إذا يبسا فلا يجوز للإنسان أن يبيع رطبًا في رءوس النخل بتمر يابس.
2172 قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ، قَالَ: وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يَبِيعَ الثَّمَرَ بِكَيْلٍ» أي: يبيع الثمر في رءوس الشجر بكيل.
قوله: «ِنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ» . هذا لا يجوز لما فيه من عدم التساوي، والجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، ولا يستثنى من هذا إلا العرايا بشروط.
2173 قوله: «وَحَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا» . فالعرايا جائزة، وهي: مستثناة من المزابنة، فالمنهي عنه بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر اليابس، وبيع الكرم وهو العنب الرطب بالزبيب، وبيع الزرع في سنبله بالحب اليابس، والحكمة من النهي عدم التماثل بين الرطب وبين اليابس؛ لأن الرطب إذا يبس نقص؛ ويستثنى من هذا العرايا في حدود خمسة أوسق وهي أن يكون هناك فقير عنده تمر قديم وليس عنده نقود، ويريد أن يتفكه مع الناس ويأكل رطبًا جديدًا وليس عنده شيء، فيأتي إلى الفلاح ويقول: بعني هذا الرطب على رءوس الشجر بتمر يابس أتفكه مع الناس، فيجوز له في حدود خمسة أوسق ـ والوسق ستون صاعًا ـ دفعًا لحاجته؛ لأنه فقير وليس عنده دراهم، فإن كان غنيًّا فلا.
فالشروط ثلاثة:
الأول: ألا يكون عنده دراهم.
الثاني: أن يكون محتاجًا إلى أن يأكل رطبًا مع الناس.
الثالث: أن يكون في أقل من خمسة أوسق.
فبهذه الشروط يستثنى من المزابنة.
وقد جاء في الحديث: لا تسموا العنب كرمًا؛ فإن الكرم الرجل المسلم [(206)]، وهو حديث صحيح، ويجمع بينه وبين حديث الباب بأن النهي للتنزيه لا للتحريم، والقاعدة أن النبي ﷺ إذا نهى عن شيء ثم فعله صار النهي للتنزيه لا للتحريم، مثل نهيه عن الجلوس إذا مرت الجنازة ثم جلس، فدل على أن النهي ليس للتحريم، وقال: إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ، فَقُومُوا [(207)] ثم جلس، فيكون الأمر ليس للوجوب، وهذه عادته ﷺ إذا نهى عن شيء ثم يفعله فلبيان الجواز.
قال بعضهم: يجاب عن حديث الباب بأنه منسوخ، لكن هذا مرجوح، والعمل بالحديثين معًا ما أمكن هو المتعين.
المتن:
باب بَيْعِ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ
2174 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ، وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ.
الشرح:
هذه الترجمة: «بَاب بَيْعِ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ» ، يعني: ما حكمه؟
والجواب: أنه يجوز بشرطين:
الأول: التماثل بالكيل.
الثاني: التقابض في مجلس العقد من دون تأخير.
2174 الحديث فيه: بيع الشعير بالشعير، وذكر في أوله القصة التي حدثت لمالك بن أوس «أَنَّهُ الْتَمَسَ صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ» ، ومعلوم أن الدينار ذهب والدراهم فضة، فأراد صرف الفضة بذهب.
قوله: «فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا» يعني: تفاوضنا وتجارينا الكلام في قدر العوض والزيادة.
قوله: «حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي فَأَخَذَ الذَّهَبَ يُقَلِّبُهَا فِي يَدِهِ» ولم يعطه الدراهم.
قوله: «حَتَّى يَأْتِيَ خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ» مكان داخل البساتين، أي: لما يأتي الخازن أعطيك الدراهم.
قوله: «وَعُمَرُ يَسْمَعُ ذَلِكَ فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْهُ» ، أي: لا تفارق حتى تأخذ الدراهم.
قوله: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلاَّ هَاءَ وَهَاءَ وهذا الحديث ذكر فيه أربعة أصناف: الذهب والبر والشعير والتمر، وبقي الملح والفضة وهما مذكوران في حديث أبي سعيد.
ولا يجوز أن يكون البيع بخمسمائة ورقة فيجد معه أربعمائة فيأخذها والمائة بعد ساعة أو ساعتين، ومثله أيضًا مما يغلط فيه بعض الناس: يشتري مثلاً سلعة من صاحب الدكان أو طعامًا أو فاكهة أو خضارًا ثم يعطيه فئة خمسمائة أو فئة مائة أو فئة مائتين ثم يصرف له ويبقى عنده، فلابد أن يسلمه في الحال ولا يجوز له أن يبقي شيئًا؛ لأن هذا بيع وصرف، فإذا اشتريت سلعة من صاحب الدكان وسلمت له دراهم فلابد أن يرد عليك البقية في الحال ولا يبقي شيئًا ولا يقول: البقية تبقى بعد ساعة أو ساعتين؛ لأن هذا صرف.
المتن:
باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ
2175 حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ قَالَ: حَدَّثنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرَةَ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ.
الشرح:
قوله: «بَاب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ» ، يعني: وهما متماثلان، أي: يجب الشرطان: التماثل بالميزان، والتقابض في المجلس؛ لأنهما ربويان.
2175 قوله: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يعني: بالميزان.
قوله: وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يعني: بالميزان أيضًا.
قوله: وَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْتُمْ، يعني: إذا كان يدًا بيد، كما في الحديث الآخر، والمعنى أن له البيع كيف شاء من الزيادة والنقص، فلا بأس ببيع الذهب بالفضة وأحدهما زائد على الآخر، لكن لابد من التقابض في مجلس العقد؛ لقوله في الحديث الآخر: إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ [(208)].
المتن:
باب بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ
2176 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا عَمِّي حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: حَدَّثنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَدِيثًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَلَقِيَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ مَا هَذَا الَّذِي تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ فِي الصَّرْفِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ مِثْلاً بِمِثْلٍ.
2177 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِز.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع الفضة بالفضة، والحكم واحد ـ كما سبق ـ لكن المؤلف رحمه الله يعدد التراجم، فترجم: «بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ» ، وترجم: «بَيْعِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ» ، وترجم: «بَيْعِ الشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ» ؛ ليبيِّن أنه لابد من التماثل، فلا يزيد أحدهما على الآخر بالوزن أو بالكيل، والشرط الآخر وهو التقابض في مجلس العقد.
2176 قوله: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ يعني: بالميزان.
قوله: وَالْوَرِقُ بِالْوَرِقِ، يعني: الفضة بالفضة.
قوله: مِثْلاً بِمِثْلٍ يعني: بالميزان، هذا الشرط الأول، والشرط الثاني وهو التقابض في مجلس العقد ذكره في الحديث الذي بعده.
2177 قوله: لاَ تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ هذا الشرط الأول التماثل.
قوله: وَلاَ تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، يعني: لا تفضلوا بعضها على بعض.
قوله: وَلاَ تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ. والورق: الفضة.
قوله: وَلاَ تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِز، وهذا هو الشرط الثاني.
المتن:
باب بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ نَسَاءً
2178، 2179 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّ أَبَا صَالِحٍ الزَّيَّاتَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ، فَقُلْتُ: لَهُ فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُهُ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ قَالَ: كُلَّ ذَلِكَ لاَ أَقُولُ، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنِّي، وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لاَ رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ.
الشرح:
التراجم كلها في بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، وبيان اشتراط الشرطين، وهذه الترجمة فيها أنه لا يجوز الإخلال بأحد الشرطين.
وعندي بحث عن الذهب الأبيض ـ وقد سأل عنه بعض الإخوان ـ وخلاصة ما كتب فيه: أن هناك أنواعًا من الذهب، فالذهب الأحمر يضاف النحاس النقي إليه، والذهب الوردي تضاف الفضة إليه، والذهب الأصفر بإضافة فضة نقية إليه، والذهب الأبيض بإضافة النيكل والزنك إلى الذهب النقي، وعلى كل حال فالذهب الأبيض تبين أنه خليط فلا يعتبر ذهبا خالصًا، والعبرة بالذي يستخلص من الذهب، يعني: المواد التي تضاف إليه لا عبرة بها مثل ما يضاف الآن إلى الجنيهات من المواد الأخرى.
وقوله في الترجمة: «بَاب بَيْعِ الدِّينَارِ بِالدِّينَارِ نَسَاءً» ، يعني: ما حكم بيع الذهب بالذهب مؤجلاً، أي: من دون تقابض باليد؟
والجواب: أن حكم هذا هو الربا الأعظم كما سيأتي في الحديث، فتعطيه ذهبًا ولا يعطيك الذهب إلا بعد فترة: بعد ساعة، أو ساعتين، أو يوم، أو يومين، أو أسبوع، أو شهر، أو سنة؛ هذا هو الربا الأعظم؛ لأنه كما سبق إذا بيع الربوي بالربوي فلا بد من شرطين:
الأول: التماثل بالوزن.
الثاني: التقابض في مجلس العقد، فإذا اختلفت الأصناف كأن كان الذهب بفضة، والبر بشعير، والتمر بملح جازت الزيادة والتفاضل، وحرم التأخير والنساء.
وأما مع عدم اختلاف الأصناف فعدم التماثل والتقابض هو ربا الجاهلية.
2178، 2179 قوله: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ» ، يعني: إذا بيع الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم، فلا زيادة.
قوله: «فَقُلْتُ: لَهُ» ، يعني: قال أبو صالح الزيات لأبي سعيد الخدري.
قوله: «فَإِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لاَ يَقُولُهُ» ، يعني: ابن عباس كان يرى في الأول جواز ربا الفضل.
قوله: «فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَأَلْتُهُ فَقُلْتُ: سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟» وفيه أن الأحكام لا تطلب إلا من الكتاب والسنة.
قوله: «وَلَكِنْ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: لاَ رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ، وهذا يدل على أن ابن عباس كان أول من يقول بجواز ربا الفضل عملاً بحديث أسامة هذا، ثم رجع لما بيَّن له أبو سعيد الخدري، وبيَّن له علي رضي الله عنهما، فرجع عن القول بإباحة ربا الفضل، وقال: «وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنِّي» .
قوله: لاَ رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ كقول رسول الله ﷺ: الْحَجُّ عَرَفَةُ [(209)]، يعني: ركن الحج الأعظم عرفة، وكذلك: لاَ رِبًا إِلاَّ فِي النَّسِيئَةِ؛ وفي اللفظ الآخر: إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ [(210)]، يعني: إنما الربا الأعظم ربا الجاهلية يكون في النسيئة، وقد روي إباحة ربا الفضل عن ابن عمر، لكنه رجع بعد ذلك.
وإذا أراد بيع جنسين فالمخرج أن يبيع بالدراهم، فيبيع التمر الرديء بالدراهم، ويشتري بالدراهم تمرًا جيدًا.
المتن:
باب بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسِيئَةً
2180، 2181 حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَبِيبُ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ قَالَ: سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، فَكِلاَهُمَا يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا.
الشرح:
قوله: «بَاب بَيْعِ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسِيئَةً» ، يعني: مؤجلاً؛ وحكمه أنه لا يجوز التأجيل، بل لابد من التقابض في مجلس العقد، وهذا الشرط متفق عليه.
2180، 2181 قوله: «سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ عَنْ الصَّرْفِ» . الصرف هو بيع الذهب بالفضة.
قوله: «فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي» ، يعني: اسأله.
وفيه: فضل الصحابة وورعهم، وعدم تزكيتهم لأنفسهم.
قوله: «فَكِلاَهُمَا يَقُولُ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا» ، يعني: مؤجلاً فلابد من التقابض في مجلس العقد، أما بيعهما متفاضلاً فلا بأس به للاختلاف؛ لأن الذهب جنس والفضة جنس، فإذا اختلفت الأجناس جاز التفاضل.
المتن:
باب بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ يَدًا بِيَدٍ
2182 حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا.
الشرح:
بيع الورق بالذهب يدًا بيد حكمه الجواز، فإذا باع الذهب بالورق يعني: بالفضة يدًا بيد فلا بأس وهو جائز ولو كان هناك زيادة؛ لأن الجنس مختلف.
2182 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ» أي: بالميزان؛ وذلك لأن الجنس متحد.
قوله: «وَأَمَرَنَا أَنْ نَبْتَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ كَيْفَ شِئْنَا وَالْفِضَّةَ بِالذَّهَبِ كَيْفَ شِئْنَا» ، يعني: بالزيادة؛ لأن الجنس مختلف، يعني: إذا كان يدًا بيد، فلابد من هذا القيد ـ كما هو معروف من الحديث الآخر عند مسلم[(211)].
المتن:
باب بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ وَبَيْعُ الْعَرَايَا
قَالَ أَنَسٌ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ.
2183 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ.
2184 قَالَ سَالِمٌ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ.
2185 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلاً، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً.
2186 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ مَوْلَى ابْنِ أَبِي أَحْمَدَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ.
2187 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ.
2188 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرْخَصَ لِصَاحِبِ الْعَرِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهَا بِخَرْصِهَا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيع المزابنة، وفسَّرها المؤلف رحمه الله فقال: «وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ» يعني: بيع التمر اليابس في الأرض، بالثمر، يعني: بالرطب على رءوس النخل.
قوله: «وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ» . الزبيب يعني: العنب اليابس، والكرم العنب الرطب، وكذلك جاء في الحديث أنه يدخل في المزابنة.
قوله: «وَالْمُحَاقَلَةِ» ، وهي بيع الحب في سنبله بالحب في الأرض.
والنهي في الحديث يفيد التحريم، فلا يجوز بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر اليابس، ولا يجوز بيع العنب على رءوس الشجر بالزبيب اليابس، ولا يجوز بيع الحب في سنبله بالحب اليابس، والحكمة في النهي عدم المماثلة؛ لأن هذا ربوي بيع بجنسه، ولابد في بيع الجنس بجنسه من التماثل في الكيل، ولا يمكن معرفة التماثل؛ لأن الرطب على رءوس النخل ينقص إذا يبس، وكذلك العنب على رءوس الشجر ينقص إذا يبس، وكذلك الحب في سنبله ينقص إذا يبس، فكيف يعلم التساوي؛ وإذا كان لا يعلم التساوي صار ممنوعًا؛ لأنه بيع ربوي بدون معرفة التماثل، فهذه المزابنة.
ويستثنى من هذا العرايا؛ فإن النبي ﷺ رخَّص فيها ـ وسيأتي لها باب خاص ـ وهي أن يكون الفقير ليس عنده نقود، وعنده تمر يابس، ويريد أن يتفكه مع الناس، ويأكل رطبًا هو وأولاده، فرخَّص له أن يشتري من صاحب البستان رطبًا على رءوس الشجر يخرصه ويعطيه مقداره من التمر اليابس يدًا بيد، فيقول مثلاً: هذه النخلة كم فيها الآن؟ مائة كيلو رطبًا لكن إذا يبست صارت ثمانين، أعطيك ثمانين كيلو من التمر اليابس، ويسلمه التمر اليابس ويسلمه الآخر النخل ويكون في حدود خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا بصاع النبي ﷺ، وهذه رخصة خاصة دفعًا لحاجة الفقير، وما عدا ذلك فلا، والرخصة إنما تكون من شيء ممنوع منهي عنه.
. وسميت المزابنة من الزبن وهو: الدفع؛ لأن كل واحد من المتبايعين يدفع الآخر عن حقه، والمحاقلة نوع من المزابنة، وهي: بيع الحقل وهو الزرع في سنبله بالحب اليابس.
2183 قوله: لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ. فيه: النهي عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه؛ لأنه إذا بدا الصلاح في الغالب فإنه يسلم من الآفات، وقبل ذلك يكون معرضًا للآفات، وبدو الصلاح للتمر أن يحمر أو يصفر، وللعنب أن يسود، وللحب أن يشتد، فهذا بدو الصلاح.
قوله: وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ الثمر بالمثلثة: الرطب خاصة، أي: لا تبيعوا الرطب بالتمر اليابس.
2184 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْعِ الْعَرِيَّةِ بِالرُّطَبِ أَوْ بِالتَّمْرِ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي غَيْرِهِ» . فالرخصة في العرايا إنما جاءت بعد النهي عن المزابنة، خلافًا لبعض الحنفية[(213)] الذين يقولون: إن بيع العرايا منسوخ بالنهي عن المزابنة، وهذا قول ضعيف، والصواب أن العرية كانت بعد النهي عن المزابنة رخصة مستثناة؛ لأنه قال: رخَّص للعرايا، والرخصة إنما تكون من شيء ممنوع.
2185 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ» . الثمر المراد به ـ كما في «صحيح مسلم» ـ ثمر النخل، وهو الرطب خاصة، أي: لا يباع بالتمر اليابس كيلاً، يعني: بمقداره من الكيل إذا يبس.
قوله: «وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلاً» ، والكرم شجر العنب، والمراد به نفس العنب كما أوضحته رواية مسلم[(214)]، يعني: بيع العنب بالزبيب كيلاً.
2186 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةُ اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ» ، يعني: هذا مثال للمزابنة، ويدخل في المزابنة بيع العنب بالزبيب وبيع الزرع بالحب، والحكمة في النهي عن المزابنة والمحاقلة أنه لا يعلم التساوي بين التمر الرطب واليابس، ولا يعلم التساوي بين العنب والزبيب، ولا يعلم التساوي بين الحب في السنبل والحنطة.
2187 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ» . والمحاقلة هي بيع الحقل، وهو الحب في السنبل بحب مثله، وهو بيع الزرع بالحنطة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ» ، بالزاي: والموحدة والنون، مفاعلة من الزبن بفتح الزأي: وسكون الموحدة، وهو الدفع الشديد؛ ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها، وقيل للبيع المخصوص: المزابنة؛ لأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه، أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع بفسخه، وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع. قوله: «وَهِيَ بَيْعُ الثَّمَرِ» بالمثناة والسكون «بِالتَّمْرِ» بالمثلثة وفتح الميم، والمراد به الرطب خاصة. وقوله: «وَبَيْعُ الزَّبِيبِ بِالْكَرْمِ» ، أي: بالعنب، وهذا أصل المزابنة، وألحق الشافعي بذلك كل بيع مجهول بمجهول، أو بمعلوم من جنس يجري الربا في نقده، قال: وأما من قال: أضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعًا مثلاً فما زاد فلي، وما نقص فعلي فهو من القمار، وليس من المزابنة.
قلت: لكن تقدم في «بَاب بَيْعِ الزَّبِيبِ بِالزَّبِيبِ» من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر: والمزابنة أن يبيع الثمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي، فثبت أن من صور المزابنة أيضًا هذه الصورة من القمار، ولا يلزم من كونها قمارًا أن لا تسمى مزابنة.
ومن صور المزابنة أيضًا بيع الزرع بالحنطة كيلاً، وقد رواه مسلم من طريق عبيدالله بن عمر عن نافع بلفظ: «والمزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلاً، وبيع العنب بالزبيب كيلاً، وبيع الزرع بالحنطة كيلاً» [(212)]. اهـ.
فكل هذه الأصناف داخلة في بيع المزابنة: بيع الرطب بالتمر اليابس، والعنب بالزبيب، وبيع الزرع بالحنطة.
ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وستأتي هذه الزيادة للمصنف من طريق الليث عن نافع بعد أبواب. وقال مالك: المزابنة كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغيره، سواء كان من جنس يجري الربا في نقده أم لا، وسبب النهي عنه ما يدخله من القمار والغرر.
قال ابن عبدالبر: نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة -وهي المدافعة- ويدخل فيها القمار والمخاطرة. وفسر بعضهم المزابنة بأنها بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وهو خطأ.
قوله: «رَخَّصَ بَعْدَ ذَلِكَ» ، أي: بعد النهي عن بيع الثمر بالتمر «في بيع العرايا» . وهذا من أصرح ما ورد في الرد على من حمل من الحنفية النهي عن بيع الثمر بالتمر على عمومه، ومنع أن يكون بيع العرايا مستثنى منه، وزعم أنهما حكمان مختلفان وردا في سياق واحد، وكذلك من زعم منهم كما حكاه ابن المنذر عنهم أن بيع العرايا منسوخ بالنهي عن بيع الثمر بالتمر؛ لأن المنسوخ لا يكون بعد الناسخ، واختلف السلف: هل يلحق العنب أو غيره بالرطب في العرايا؟ فقيل: لا، وهو قول أهل الظاهر، واختاره بعض الشافعية منهم المحب الطبري، وقيل: يلحق العنب خاصة، وهو مشهور مذهب الشافعي، وقيل: يلحق كل ما يدخر، وهو قول المالكية، وقيل: يلحق كل ثمرة، وهو منقول عن الشافعي أيضًا» اهـ.
والصواب: أنه خاص بالتمر والرطب على رءوس النخل، اللهم إلا أن يكون هناك بلد يقتاتون الزبيب، ومنهم من يريد أن يتفكه مع الناس، وليس عنده نقود.
المتن:
باب بَيْعِ الثَّمَرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ
2189 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي الزُّبَيْرِعَنْ جَابِرٍ ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ، وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلاَّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلاَّ الْعَرَايَا.
2190 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا وَسَأَلَهُ عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ: أَحَدَّثَكَ دَاوُدُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
2191 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: سَمِعْتُ بُشَيْرًا قَالَ: سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا.
الشرح:
وفي النسخة الثانية: «يأكلونها» على اللغة القليلة ومثل ذلك قوله تعالى: وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا [الأنبيَاء: 3]، وقوله ﷺ: يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ: مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ [(215)].
المتن:
وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا قَالَ: هُوَ سَوَاءٌ، قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ: لِيَحْيَى وَأَنَا غُلاَمٌ إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكَّةَ؟ قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ، فَسَكَتَ، قَالَ سُفْيَانُ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابِرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
قِيلَ لِسُفْيَانَ وَلَيْسَ فِيهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، قَالَ: لاَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع الثمر وهو الرطب في رءوس النخل بالذهب والفضة والنقود، يعني: أنه لا بأس به، وكذلك لو باعه بعروض كقماش أو باعه مثلاً بدابة: حيوان أو سيارة فلا بأس، والممنوع أن يبيعه بجنسه ويفاضله، أما أن يبيعه بجنس آخر فلا حرج، فلو باع الرطب على رءوس النخل بحنطة، أو بملح، أو بزبيب، أو بسيارة، أو بدابة، أو بذهب، أو بفضة، فلا حرج.
قوله: «بَاب بَيْعِ الثَّمَرِ» ، يعني: الرطب على رءوس النخل بعد أن يطيب.
قوله: «بِالذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ» ، يعني: بالنقود أو ما قام مقامها، وهذا لا بأس به.
2189 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَطِيبَ» يعني: يبدو صلاحه.
قوله: «وَلاَ يُبَاعُ شَيْءٌ مِنْهُ إِلاَّ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ إِلاَّ الْعَرَايَا» . يعني: لا يباع الرطب على رءوس النخل بتمر يابس مثلاً، إلا العرايا خاصة فهي مستثناة.
2190 قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ؟ قَالَ: نَعَمْ» وهذا شك من الراوي، هل الرخصة في العرايا في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق؟ والأحوط أن تكون دون خمسة أوسق؛ لأن خمسة أوسق مشكوك فيها.
والوسق ستون صاعًا، والصاع عشرون ومائة مثقال، والصاع أربع حفنات، كل حفنة ملء يدي الرجل المتوسط، فتكون شروط العرايا ـ وهي بيع الرطب على رءوس النخل ـ خمسة:
الأول: أن تكون لمحتاج.
الثاني: ألا يكون عنده نقود بل عنده تمر قديم، أما إذا كان عنده دراهم فنقول: اشتر بالدراهم.
الثالث: أن يكون البيع بخرصها تمرًا، فتقول: كم تساوي إذا يبست؟ فإن كانت وهي رطبة تساوي مائة وثلاثين كيلو، لكن إذا يبست نقصت وصارت تساوي مائة، فنقول تعطي للفقير مائة كيلو من التمر اليابس؛ لأن هذا هو خرصها إذا يبست.
الرابع: أن تكون فيما دون خمسة أوسق، والوسق ستون صاعًا، يعني: أقل من ثلاثمائة صاع بصاع النبي ﷺ.
الخامس: أن يدفع التمر بكيل الخارص في الحال، ويقبض النخلة بثمرها قبل أن يتفرقا، فيخلي الفقير بينه وبين الرطب على رءوس النخلة، فإذا وجدت هذه الشروط الخمسة صحت العرايا.
2191 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ، وَرَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا يَأْكُلُهَا أَهْلُهَا رُطَبًا. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً أُخْرَى: إِلاَّ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي الْعَرِيَّةِ يَبِيعُهَا أَهْلُهَا بِخَرْصِهَا يَأْكُلُونَهَا رُطَبًا قَالَ: هُوَ سَوَاءٌ، قَالَ سُفْيَانُ: فَقُلْتُ: لِيَحْيَى وَأَنَا غُلاَمٌ إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يَقُولُونَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِي أَهْلَ مَكَّةَ؟» يعني: أهل مكة ليس عندهم نخل فما الذي يدريهم عن العرية؟!
قوله: «قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَرْوُونَهُ عَنْ جَابِرٍ، فَسَكَتَ، قَالَ سُفْيَانُ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنَّ جَابِرًا مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. قِيلَ لِسُفْيَانَ وَلَيْسَ فِيهِ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ» يعني: أليس في الحديث المذكور؟
قوله: «قَالَ: لاَ» يعني: ليس في هذا الحديث وإن كان هو صحيحًا من رواية غيره.
والخرص معناه التقدير والتخمين والحدس، يقال: يخرص يعني: يُقَدّر، ويعفى عن الخطأ في هذا، ومن المعلوم أنه لا يستطيع الخارص أن يضبط لكنه مقارب.
المتن:
باب تَفْسِيرِ الْعَرَايَا
وَقَالَ مَالِكٌ: الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ.
وَقَالَ ابْنُ إِدْرِيسَ: الْعَرِيَّةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالْكَيْلِ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ لاَ يَكُونُ بِالْجِزَافِ.
وَمِمَّا يُقَوِّيهِ قَوْلُ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: بِالأَْوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: كَانَتْ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ.
وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ: الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ.
2192 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَخَّصَ فِي الْعَرَايَا أَنْ تُبَاعَ بِخَرْصِهَا كَيْلاً.
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَالْعَرَايَا نَخَلاَتٌ مَعْلُومَاتٌ تَأْتِيهَا فَتَشْتَرِيهَا.
الشرح:
هذا الباب معقود لتفسير العرايا، والحديث فسَّرها بتفسير والعلماء لهم تفاسير، وما ثبت في الحديث مقدَّم. إذن فالعرايا بيع ثمر قديم برطب على رءوس النخل.
2192 قوله: «قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: وَالْعَرَايَا نَخَلاَتٌ مَعْلُومَاتٌ تَأْتِيهَا فَتَشْتَرِيهَا» ، يعني: يشتري ثمرتها بتمر. وهذا هو المعتمد.
قوله: «الْعَرِيَّةُ أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ النَّخْلَةَ ثُمَّ يَتَأَذَّى بِدُخُولِهِ عَلَيْهِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا مِنْهُ بِتَمْرٍ» . هذا تفسير مالك للعرية، حيث فسَّرها بالهبة؛ يعني: يأتي صاحب البستان ويهب الفقير نخلة أو نخلتين يأكل تمرها، ويتردد الفقير كل يوم ليأخذ التمر، فيتأذى صاحب البستان فيقول: بع علي هاتين النخلتين اللتين أعطيتك ووهبتك إياها فيشتريها صاحب البستان أي: يشتري رطبًا بتمر يابس فصار هذا عكس ما جاء في الحديث، والذي في الحديث أن الذي يشتري هو الفقير وهنا صار الذي يشتري هو صاحب النخل.
قوله: «الْعَرِيَّةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالْكَيْلِ مِنْ التَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ» . يعني: يقدر الرطب على رءوس النخل بكيل ويكون يدًا بيد، ولا يكون بالجزاف.
قوله: «بِالأَْوْسُقِ الْمُوَسَّقَةِ» يعني: المكيلة.
قوله: «كَانَتْ الْعَرَايَا أَنْ يُعْرِيَ الرَّجُلُ فِي مَالِهِ النَّخْلَةَ وَالنَّخْلَتَيْنِ» فسَّرها بالهبة، يعني: يهب صاحب البستان ثمر نخلة أو نخلتين للفقير.
قوله: «الْعَرَايَا نَخْلٌ كَانَتْ تُوهَبُ لِلْمَسَاكِينِ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَنْتَظِرُوا بِهَا رُخِّصَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوهَا بِمَا شَاءُوا مِنْ التَّمْرِ» وهذا تفسير آخر، فقد فسَّر العرايا بأنها ثمر نخل يهبها الفلاح لبعض الفقراء، فيأتي مثلاً بخمسة فقراء ويعطي كل واحد ثمر النخلة، وبدو الصلاح يحتاج إلى فترة، والمساكين لا يستطيعون أن ينتظروا، فقالوا: لا نصبر، الآن نريد أن يبيعون لغيره هذا الثمر بتمر يابس.
وكل ما سبق تفاسير للعرايا، لكن ما ثبت في الحديث مقدَّم، وهو أن العرية أن يحتاج الفقير إلى أن يأكل رطبًا مع الناس وعنده تمر قديم وليس عنده دراهم، فَرُخِّص له أن يشتري من صاحب البستان الرطب على رءوس النخل بالخرص في حدود خمسة أوسق.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب تَفْسِيرِ الْعَرَايَا» :هي جمع عرية وهي عطية ثمر النخل دون الرقبة» .
يعني: دون رقبة النخلة، فلا يعطيه النخلة، بل يعطيه الثمر فقط، ومثل ذلك المنيحة وهي أن يُعطى الإنسان الشاة يشرب لبنها مدة شهر أو شهرين، ويردها على صاحبها، ومثله الآن أن تعطي الفقير سيارة يستعملها شهرًا أو شهرين في قضاء حوائجه، ويرد عليك السيارة.
قال الحافظ رحمه الله: «كان العرب في الجدب يتطوع أهل النخل بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الإبل بالمنيحة، وهي عطية اللبن دون الرقبة، قاله حسان بن ثابت ـ فيما ذكر ابن التين ـ وقال غيره: هي لسويد بن الصلت:
ليست بِسَنْهاءٍ، ولا رُجَّبِـيَّةٍ | ولكِنْ عَرايا في السِّنينَ الجَوائِـح |
ومعنى سنهاء: أن تحمل سنة دون سنة، والرجبية: التي تدعم حين تميل من الضعف، والعرية فعيلة بمعنى مفعولة أو فاعلة، يقال: عَرَى النخل بفتح العين والراء بالتعدية يعروها إذا أفردها عن غيرها، بأن أعطاها لآخر على سبيل المنحة ليأكل ثمرها وتبقى رقبتها لمعطيها، ويقال: عَرِيت النخل بفتح العين وكسر الراء تعرى على أنه قاصر، فكأنها عريت عن حكم أخواتها واستثبتت بالعطية، واختلف في المراد بها شرعًا» اهـ.