المتن:
باب بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا
2193 وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عَنْ سَهْلِ ابْنِ أَبِي حَثْمَةَ الأَْنْصَارِيِّ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ، فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ: إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ أَصَابَهُ مُرَاضٌ أَصَابَهُ قُشَامٌ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ: فَإِمَّا لاَ فَلاَ تَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ.
وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الأَْصْفَرُ مِنْ الأَْحْمَرِ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ حَدَّثَنَا حَكَّامٌ حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ عَنْ زَكَرِيَّاءَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ سَهْلٍ عَنْ زَيْدٍ.
2194 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ.
2195 حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: يَعْنِي حَتَّى تَحْمَرَّ.
2196 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ سَلِيمِ بْنِ حَيَّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ مِينَا قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ فَقِيلَ: وَمَا تُشَقِّحُ؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا.
الشرح:
هذا الباب معقود لبيان حكم بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، والأدلة دلَّت على التحريم والمنع، وأنه لا يجوز أن تباع الثمرة قبل أن يبدو صلاحها، والحكمة في المنع أنها قبل بدو الصلاح معرضة للآفات، فإذا بدا الصلاح فإنها تأمن من العاهات والآفات في الغالب، وبدو الصلاح يختلف باختلاف الثمار، فبدو الصلاح في النخل أن يحمر أو يصفر، وبدو الصلاح في العنب أن يسود، وبدو الصلاح في الحب أن يشتد، وقبل ذلك لا يجوز أن يبيعه وهو أخضر إلا في حالة واحدة وهي أن يشترط القطع.
ولم يجزم المؤلف بالحكم في هذه المسألة لقوة الخلاف، فقال بعض العلماء: إنه يبطل مطلقًا، وقال بعض العلماء: إنه لا يبطل، بل يجوز مطلقًا، وقال بعضهم: إن اشترط القطع جاز وإلا فلا، والصواب من هذه الأقوال أنه لا يجوز البيع قبل بدو الصلاح إلا في حالة واحدة وهو أن يشترط القطع.
2193 قوله: «كَانَ النَّاسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَتَبَايَعُونَ الثِّمَارَ» ، يعني: قبل أن يبدو الصلاح.
قوله: «فَإِذَا جَدَّ النَّاسُ وَحَضَرَ تَقَاضِيهِمْ قَالَ الْمُبْتَاعُ» ، أي: المشتري الذي اشترى الثمر.
قوله: «إِنَّهُ أَصَابَ الثَّمَرَ الدُّمَانُ أَصَابَهُ مُرَاضٌ أَصَابَهُ قُشَامٌ عَاهَاتٌ يَحْتَجُّونَ بِهَا» والمعنى أن زيدًا يقول: كان الناس في عهد النبي ﷺ يبيعون الثمر قبل أن تبدو صلاحها، فيبيع البلح قبل أن يحمر أو يصفر، ويبيع العنب قبل أن يسود، ثم إذا حضر وقت الجداد وحضر تقاضيهم صار المشتري يدعي ويقول: أنا اشتريت منك البلح، لكن أصابه مرض، أصابه الدمان، والثاني يقول: أصابه قشام عاهات يحتجون بها.
قوله: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَمَّا كَثُرَتْ عِنْدَهُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ: فَإِمَّا لاَ فَلاَ تَتَبَايَعُوا حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُ الثَّمَرِ كَالْمَشُورَةِ يُشِيرُ بِهَا لِكَثْرَةِ خُصُومَتِهِمْ» وقول زيد : «كَالْمَشُورَةِ» هو اجتهاد من زيد، فكان يرى أن هذا النهي ليس للتحريم، وإنما هو للتنزيه من باب المشورة، وقد ثبت في الأحاديث الأخرى أن هذا أمر إلزام، وليس أمر استحباب، كحديث ابن عمر: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ» ، وفي الحديث الثاني: «نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ» ، وفي الحديث الثالث: «حَتَّى تُشَقِّحَ» .
والأصل أن النهي للتحريم إلا بصارف، ولا صارف هنا، لكن زيدًا اجتهد فقال: إن النبي ﷺ نهاهم من باب المشورة، يعني: من باب الاستحباب لما كثرت الخصومة.
قوله: «لَمْ يَكُنْ يَبِيعُ ثِمَارَ أَرْضِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الثُّرَيَّا فَيَتَبَيَّنَ الأَْصْفَرُ مِنْ الأَْحْمَرِ» ؛ لأنه إذا طلعت الثريا في الغالب يبدو الصلاح في النخل، وحينئذ تقل العاهات.
2194 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، نَهَى الْبَائِعَ وَالْمُبْتَاعَ» . المبتاع يعني: المشتري، وهذا ظاهر في التحريم.
2195 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ تُبَاعَ ثَمَرَةُ النَّخْلِ حَتَّى تَزْهُوَ. قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ:» في تفسير «حَتَّى تَزْهُوَ» أي: «حَتَّى تَحْمَرَّ» .
2196 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ حَتَّى تُشَقِّحَ» . يقال: أشقح يشقح من باب أكرم يكرم.
قوله: «فَقِيلَ: وَمَا تُشَقِّحُ؟ قَالَ: تَحْمَارُّ وَتَصْفَارُّ وَيُؤْكَلُ مِنْهَا» هذا يدل على أن النهي للتحريم، والمؤلف لم يجزم في الترجمة بالحكم؛ لهذا الخلاف القوي في المسألة، وكان من عادته رحمه الله أنه يجزم بالحكم إذا كان الدليل قويًّا، وهنا الدليل قوي واضح.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب بَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا» ، يعني: إذا باع الثمر قبل بدو صلاحه. قال بعض العلماء: يبطل مطلقا» أي: يبطل البيع لأن النهي يقتضي الفساد، هذا قول ابن أبي ليلى والثوري وجماعة.
ثم قال رحمه الله: «وقيل: يجوز مطلقًا» . وهذا مقابل للقول الأول.
ثم قال رحمه الله: «ووهم من نقل الإجماع فيه أيضًا، وقيل: إن شرط القطع لم يبطل وإلا بطل» ، وهذا هو الصواب إذا اشترط القطع في الحال ليكون علفًا للدواب فلا بأس أن يبيع قبل بدو الصلاح، أما إذا لم يشترط القطع فلا يجوز حتى يبدو الصلاح، وهذا قول الجمهور والشافعي[(216)] وأحمد[(217)] وهو الصواب والذي تؤيده الأدلة.
ثم قال رحمه الله: «وقيل: يصح» . وهذا ضعيف.
ثم قال رحمه الله: «وقيل: هو على ظاهره لكن النهي فيه للتنزيه» . وهذا هو القول الخامس، فالمسألة على خمسة أقوال: قيل: يبطل مطلقًا، وقيل: يجوز مطلقًا، وقيل: إن اشترط القطع جاز وإلا فلا، وهذا قول الجمهور، وقيل: النهي للتنزيه.
ثم قال رحمه الله: «وحديث زيد بن ثابت المصدر به الباب يدل للأخير» . يعني: أن هذا النهي للتنزيه لقول زيد: «كَالْمَشُورَةِ» .
ثم قال رحمه الله: «وقد يحمل على الثاني» . وهو القول بالجواز مطلقًا، وسيأتي بعد باب أن البخاري يختار صحة البيع، لكن إذا أصابته عاهة فيكون بضمان البائع؛ وعليه فيكون البيع صحيحًا مع الإثم أو الكراهة عند البخاري، والأقرب أنه يأثم؛ لأن الأصل في النهي التحريم، وعلى هذا فيكون الراجح من هذه الأقوال: إما أن يقال: إن البيع غير صحيح، لأن النهي للتحريم، وإما أن يقال: صحيح مع الإثم، وعلى هذا فإذا باع الثمرة قبل بدو صلاحها يكون البيع فاسدًا فيرد الثمر ويرد عليه النقود، ومن قال: إنه صحيح مع الإثم فعليه التوبة والاستغفار والندم، ومن قال: إنه صحيح وأن النهي للتنزيه، يقول: ليس عليه شيء.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «واختلف السلف في قوله: «حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا» ، هل المراد به جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلاً جاز بيع الثمرة في جميع البساتين وإن لم يبد الصلاح فيها؟ أم لابد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة، أو لابد من بدو الصلاح في كل جنس على حدة أو في كل شجرة على حدة على أقوال أربعة» اهـ.
وهذه الأقوال هي:
القول الأول: إذا بدا الصلاح في البلد في بستان فهو الصلاح لجميع البساتين، لكن هذا القول ضعيف.
القول الثاني: أنه إذا بدا الصلاح في النخل يعتبر صلاحًا للعنب ولو لم يبد.
القول الثالث: أنه لابد من بدو الصلاح في كل جنس، وهذا هو الأقرب، فإذا بدا الصلاح في النخل فاحمر أو اصفر في البستان في بعض النخلات فهو لجميع النخلات، وإذا بدا في بعض العنب فاسودَّ فهو لجميع العنب ولو لم يسود في جميع الأشجار.
القول الرابع: لابد أن يكون في كل شجرة يبدو الصلاح فيها.
المتن:
باب بَيْعِ النَّخْلِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا
2197 حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْهَيْثَمِ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ الرَّازِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَعَنْ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا يَزْهُو؟ قَالَ: يَحْمَارُّ، أَوْ يَصْفَارُّ.
الشرح:
الفرق بين هذه الترجمة والترجمة السابقة أن الترجمة الأولى عامة؛ فالثمار تشمل ثمار النخيل وثمار العنب وغيرها، أما هذه الترجمة فخاصة بثمر النخل.
2197 قوله: «نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرَةِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَعَنْ النَّخْلِ حَتَّى يَزْهُوَ. قِيلَ: وَمَا يَزْهُو؟ قَالَ: يَحْمَارُّ، أَوْ يَصْفَارُّ» . والأصل في النهي التحريم، والمراد: بيع الزهو إذا ظهرت الثمرة، وقد حمله الشارح على بيع النخل قبل أن يزهو، لكن هذا ليس بظاهر؛ فقد جاء في الحديث: «من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» [(218)]، والتأبير: التلقيح.
المتن:
باب إِذَا بَاعَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ
2198 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ، فَقِيلَ لَهُ وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ.
2199 قَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً ابْتَاعَ ثَمَرًا قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ كَانَ مَا أَصَابَهُ عَلَى رَبِّهِ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها ثم تصيبها العاهة، هل تكون من ضمان البائع أو من ضمان المشتري؟ وجزم المؤلف في الترجمة أنها تكون من ضمان البائع.
قوله: «بَاب إِذَا بَاعَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ» ، يعني: من ضمانه، فإذا باع النخل وهو أخضر ثم أصابته عاهة وتلف يرجع المشتري على البائع ويقول: أعطني نقودي لأنها تلفت قبل أن يبدو الصلاح، لكن سبق في الأحاديث السابقة أنه لا يجوز البيع قبل أن يبدو الصلاح، لكن إذا خالف وباع ثم أصابته جائحة فهذا على القول بأن البيع صحيح، والمسألة فيها خلاف.
2198 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى تُزْهِيَ، فَقِيلَ لَهُ وَمَا تُزْهِي؟ قَالَ: حَتَّى تَحْمَرَّ وتزهي من الأفعال التي تلزم صيغة المبني للمفعول.
قوله: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ وقد استدل به البخاري رحمه الله على أن الثمرة إذا تلفت فهي على البائع.
2199 قوله: «لَوْ أَنَّ رَجُلاً ابْتَاعَ ثَمَرًا» ، يعني: اشترى.
قوله: «قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ كَانَ مَا أَصَابَهُ عَلَى رَبِّهِ» يعني: على البائع.
قوله: لاَ تَتَبَايَعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، وَلاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ بِالتَّمْرِ. واختلف العلماء فيمن خالف وباع الثمر قبل بدو صلاحه، والشارح رحمه الله ذكر الخلاف في هذا، وهل يكون البيع صحيحًا أو غير صحيح؟ وهل تكون الثمرة كلها على البائع، أو يكون شيء منها على المشتري؟
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب إِذَا بَاعَ الثِّمَارَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا، ثُمَّ أَصَابَتْهُ عَاهَةٌ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ» . جنح البخاري في هذه الترجمة إلى صحة البيع وإن لم يبد صلاحه، لكنه جعله قبل الصلاح من ضمان البائع، ومقتضاه أنه إذا لم يفسد فالبيع صحيح وهو في ذلك متابع للزهري رحمه الله كما أورده عنه في آخر الباب» . اهـ.
والصواب: أنه لا يجوز البيع قبل بدو الصلاح؛ لأن النهي يقتضي الفساد، والنهي إنما يتعلق بالمنهي عنه، فيرجع إلى ذات المنهي عنه، أي: لا يجوز البيع قبل بدو الصلاح، فإذا باع النخل وهو أخضر فالبيع فاسد، لكن البخاري يرى أنه صحيح، فإن سلم وأخذ المشتري الثمر، فأصابته عاهة صارت على البائع من ضمانه.
ثم قال الحافظ رحمه الله: «وقد روى مسلم، من طريق أبي الزبير، عن جابر، ما يقوي رواية الرفع في حديث أنس ولفظه: قال رسول الله ﷺ: لو بعت من أخيك ثمرًا فأصابته عاهة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا، بم تأخذ مال أخيك بغير حق؟ [(219)]» اهـ. يعني: إذا باع الثمر بعد بدو صلاحه ثم أصابته جائحة هل تكون من ضمان البائع أم من ضمان المشتري؟ فيها خلاف بين العلماء فمنهم من قال: تكون من ضمان البائع، ومنهم من قال: من ضمان المشتري، ومنهم من قال: توضع الجوائح بقدر الثلث.
ثم قال الحافظ رحمه الله: «واستدل بهذا على وضع الجوائح في الثمر» ؛ وفيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: قول مالك[(220)] أنها: توضع عنه إذا بلغت الثلث.
القول الثاني: قول أحمد[(221)] وأبي عبيد قالا: يضع عنه الجميع فيكون على ضمان البائع.
القول الثالث: قول الشافعي[(222)] ومن وافقه: قالوا: لا يرجع على البائع بشيء وتكون من ضمان المشتري.
ثم قال الحافظ رحمه الله: «وقالوا: إنما ورد وضع الجائحة فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع» . اهـ.
والمقصود: أن المسألة في وضع الجوائح، وهل تكون من ضمان المشتري، أو من ضمان البائع، أو مقدار الثلث؟ فيها أقوال لأهل العلم، فالذين قالوا إنها من ضمان المشتري استدلوا بقصة الرجل الذي أصابه الدين بسبب ثمار ابتاعها، ولم يبطل النبي ﷺ دين الغرماء؛ لكن هذا الحديث مجمل، والأقرب عموم حديث: أَرَأَيْتَ إِذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ، بِمَ يَأْخُذُ أَحَدُكُمْ مَالَ أَخِيهِ.
المتن:
باب شِرَاءِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ
2200 حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: ذَكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ، فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ، ثُمَّ حَدَّثَنَا عَنْ الأَْسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم «شِرَاءِ الطَّعَامِ إِلَى أَجَلٍ» ، ولا بأس بشراء الطعام إلى أجل، فتشتري مثلاً طعامًا بدراهم مؤجلة؛ لأن هذا مستثنى، فإذا بيع واحد من الأربعة: التمر أو الشعير أو البر أو الملح بدراهم مؤجلة فلا بأس.
2200 قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ إِلَى أَجَلٍ، فَرَهَنَهُ دِرْعَهُ» . هذا الحديث دل على جواز بيع التأجيل، وهو داخل في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ [البَقَرَة: 282]، وهو قول كثير من أهل العلم.
وفيه: خلاف قديم لبعض السلف، ولكن انعقد الإجماع على جوازه.
وفي الحديث: جواز البيع والشراء مع اليهود والكفار، وأن ذلك لا يلزم منه مودتهم ومحبتهم.
وفيه: جواز الرهن في الحضر، وأما قول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البَقَرَة: 283]، فتقييد الرهن بالسفر أغلبي، أو لبيان الواقع.
المتن:
باب إِذَا أَرَادَ بَيْعَ تَمْرٍ بِتَمْرٍ خَيْرٍ مِنْهُ
2201 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع تمر بتمر خير منه، والمراد: بيان ما يصنع ليسلم من الربا، وهو أن يبيع التمر الرديء بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم التمر الجيد، ولا يجوز له أن يبيع تمرًا بتمر متفاضل ولو كان أحدهما خيرًا من الآخر، بل يبيع صاعًا بصاع.
2201 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ» . التمر الجنيب هو الجيد.
قوله: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَكُلُّ تَمْرِ خَيْبَرَ هَكَذَا؟، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا بِالصَّاعَيْنِ، وَالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لاَ تَفْعَلْ بِعْ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ ابْتَعْ بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا وهذا هو المخرج؛ فإذا أراد أن يبيع التمر بتمر خير منه وأراد السلامة من الربا، فعليه بيع التمر الرديء بالدراهم، ثم يشتري بالدراهم تمرًا جيدًا.
وورد في رواية أخرى أن الذي فعل ذلك بلال، وأن النبي ﷺ قال له لما باع الصاع بالصاعين: أَوَّهْ أَوَّهْ!! لا تفعل؛ عين الربا عين الربا [(223)]. ثم أمره ببيع التمر بالدراهم، ثم شرائه جنيبًا.
وفيه: دليل على أنه لا يباع التمر بالتمر متفاضلاً، بل لابد من المساواة، أو يباع التمر بالدراهم أو بالطعام غير التمر، بشرط التقابض في المجلس.
المتن:
باب مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أَوْ بِإِجَارَةٍ
2203 قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُخْبِرُ عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ: أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِّرَتْ لَمْ يُذْكَرْ الثَّمَرُ، فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ وَالْحَرْثُ. سَمَّى لَهُ نَافِعٌ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَ.
2204 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ.
الشرح:
قوله: «بَاب مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، أَوْ أَرْضًا مَزْرُوعَةً أَوْ بِإِجَارَةٍ» . جاء في رواية أخرى أن بلالاً فعل هذا.
قوله: «قَدْ أُبِّرَتْ» ، يعني: لُقّحت، والتأبير هو التلقيح، وهو شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيه شيءٌ من طلع النخلة الذكر، فإذا باع نخلاً قد أبرت أو أرضًا مزروعة أو بإجارة فالثمر للبائع إلا أن يشترطه المشتري، والمؤلف رحمه الله ذكر هذا ولم يجزم بالحكم في هذه المسألة لوجود الخلاف.
2203 قوله: «وقَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ:» عَلّقه هنا؛ إما لأنه سمعه في المذاكرة أو لغير ذلك.
قوله: «أَيُّمَا نَخْلٍ بِيعَتْ قَدْ أُبِّرَتْ لَمْ يُذْكَرْ الثَّمَرُ، فَالثَّمَرُ لِلَّذِي أَبَّرَهَا» . والذي أبرها يعني: لقّحها.
قوله: «وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ» ، فإذا باعه سيده ومعه مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المشتري؛ لأن العبد هو وماله للسيد، فإذا أعطى السيد للعبد فرسًا أو سلاحًا ـ مثلاً ـ ثم باعه فماله يكون للبائع، إلا أن يشترط المشتري.
قوله: «وَالْحَرْثُ» ، أي: وكذلك الحرث، يعني: الزرع يكون للبائع؛ فلو باع الأرض المزروعة فالزرع يكون للبائع إلا أن يشترطه المشتري، وكذا المؤجرة.
2204 قوله: مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ، أي: لقحت.
قوله: فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ والمراد: بالمبتاع المشتري فمن اشترى نخلا قد لقحت فثمرها للبائع إلا إذا اشترط المشتري أن تكون الثمرة له بعد تلقيحها، ورضي بذلك البائع، فإنها تكون للمشتري.
المتن:
باب بَيْعِ الزَّرْعِ بِالطَّعَامِ كَيْلاً
2205 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْمُزَابَنَةِ: أَنْ يَبِيعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ إِنْ كَانَ نَخْلاً بِتَمْرٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ كَرْمًا أَنْ يَبِيعَهُ بِزَبِيبٍ كَيْلاً، وَإِنْ كَانَ زَرْعًا أَنْ يَبِيعَهُ بِكَيْلِ طَعَامٍ، وَنَهَى عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ.
الشرح:
2205 في الحديث: النهي عن المزابنة، والمزابنة فسَّرها بثلاثة أشياء:
الأول: بيع ثمر الحائط إذا كان نخلاً بتمر كيلاً، يعني: يبيع الرطب على رءوس النخل بتمر يابس مكيل.
الثاني: أن يبيع الكرم ـ وهو العنب ـ على رءوس الشجر بزبيب ـ وهو العنب اليابس ـ كيلاً.
الثالث: أن يبيعه زرعًا في سنبله بكيل طعام أي: حب يابس.
فقد نهى ﷺ عن ذلك كله، والعلة في النهي: عدم التساوي في بيع الربويين المتماثلين، فإذا بيع الربوي بجنسه فلابد أن يتساويا في الكيل أو الوزن، فلو بيع تمر بتمر أو عنب بزبيب أو حنطة بحنطة فلابد من التساوي، وهنا لا يعلم التساوي ولا يمكن معرفته؛ لأن الرطب على رءوس النخل ييبس، وإذا يبس نقص، فكيف يعلم التساوي بينه وبين التمر اليابس؟ وكذلك العنب على رءوس الشجر إذا يبس نقص، فكيف يعلم التساوي بينه وبين الزبيب اليابس؟، وكذلك الحب في الزرع في سنبله إذا يبس نقص، فكيف يعلم التساوي بينه وبين الحب اليابس؟ فلهذا نهى النبي ﷺ عن المزابنة لما فيها من الربا؛ وفي حديث أبي سعيد عن النبي ﷺ قال: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ [(224)]، فالربويات إذا تماثلت وجب شرطان:
الشرط الأول: التماثل في الكيل أو الوزن.
الشرط الثاني: التقابض في مجلس العقد.
وإذا اختلفت كتمر بزبيب، أو ملح ببر، فإنه يجوز التفاضل.
المتن:
باب بَيْعِ النَّخْلِ بِأَصْلِهِ
2206 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلاً ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ، إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع النخل بأصله، يعني: بيع شجر النخل.
2206 قوله: أَيُّمَا امْرِئٍ أَبَّرَ نَخْلاً ثُمَّ بَاعَ أَصْلَهَا فَلِلَّذِي أَبَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ. والتأبير هو التلقيح.
قوله: إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، أي: المشتري؛ وفي هذه الحالة تكون الثمرة تابعة للأصل، وتغتفر الجهالة؛ لأن التابع يتسامح فيه ما لا يتسامح في الأصل.
المتن:
باب بَيْعِ الْمُخَاضَرَةِ
2207 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثنِي إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ الأَْنْصَارِيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَةِ، وَالْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ.
2208 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَِنَسٍ مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ، وَتَصْفَرُّ، أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع المخاضرة، وهو بيع الزرع الأخضر قبل بدو الصلاح، ويقال: المحاقلة، وهي بيع الحب في سنبله وهو أخضر بالحب اليابس، وهو ممنوع.
2207 قوله: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُخَاضَرَةِ، وَالْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ» . المحاقلة: بيع الحقل وهو الحب في سنبله بالحب اليابس، وهو الطعام.
والمخاضرة: بيع الزرع الأخضر قبل بدو الصلاح.
والملامسة: أن يلمس السلعة ويجعل بيعه لمسًا من غير أن يتأملها أو يقلبها.
والمنابذة: أن يقول: إذا نبذت إليك كذا فهو بكذا من غير أن يتأمل.
والمزابنة: هي بيع الرطب على رءوس النخل بالتمر اليابس، وبيع العنب على رءوس الشجر بالزبيب، وبيع الحب في سنبله بالحب اليابس.
2208 قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ ثَمَرِ التَّمْرِ حَتَّى يَزْهُوَ. فَقُلْنَا لأَِنَسٍ مَا زَهْوُهَا؟ قَالَ: تَحْمَرُّ، وَتَصْفَرُّ» . فإذا بدا الصلاح تسلم من العاهات، وأما قبل ذلك فهي تتعرض للآفات.
قوله: أَرَأَيْتَ إِنْ مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ يعني: لو بعتها قبل زهوها وقبل أن تحمر وتصفر، ثم أصابتها جائحة، فكيف تستحل مال أخيك بدون مقابل؟!
المتن:
باب بَيْعِ الْجُمَّارِ وَأَكْلِهِ
2209 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ وَهُوَ يَأْكُلُ جُمَّارًا، فَقَالَ: مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ كَالرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ، فَإِذَا أَنَا أَحْدَثُهُمْ قَالَ: هِيَ النَّخْلَةُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان بيع الجُمَّار، والجمار معروف وهو قلب النخلة، وهو لين ولذيذ أبيض.
2209 الحديث اختصره المؤلف رحمه الله وساقه مطولا في مواضع أخرى.
وفيه: أن النبي ﷺ سأل الصحابة عن شجرة هي مثل المؤمن، فوقع الناس في شجر البوادي. قال ابن عمر: فوقع في نفسي أنها النخلة، فنظرت فإذا أنا أصغر القوم أو أحدثهم، فسكت، فقال النبي ﷺ: هِيَ النَّخْلَةُ. فقال عمر: لو قلت: إنها النخلة لكان أحب إلي من كذا وكذا[(225)].
يعني: ينبغي للصغير أن لا يحقر نفسه وأن يتكلم بما عنده ولو كان مع الكبار.
والمؤلف ساق هذا الحديث في «بَاب بَيْعِ الْجُمَّارِ وَأَكْلِهِ» ، وليس في الحديث ذكر البيع؛ لكن الأكل منه دليل على جواز بيعه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ويحتمل أنه لم يجد حديثًا على شرطه» اهـ.
وفيه: أكل النبي ﷺ بحضرة الناس.
وفيه: رد على من كره إظهار الأكل أو استحب إخفاءه.
المتن:
باب مَنْ أَجْرَى أَمْرَ الأَْمْصَارِ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ فِي الْبُيُوعِ وَالإِْجَارَةِ وَالْمِكْيَالِ وَالْوَزْنِ وَسُنَنِهِمْ عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ الْمَشْهُورَةِ
وَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْغَزَّالِينَ: سُنَّتُكُمْ بَيْنَكُمْ رِبْحًا.
وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لاَ بَأْسَ الْعَشَرَةُ بِأَحَدَ عَشَرَ وَيَأْخُذُ لِلنَّفَقَةِ رِبْحًا.
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لِهِنْدٍ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ. وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النِّسَاء: 6].
وَاكْتَرَى الْحَسَنُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِرْدَاسٍ حِمَارًا فَقَالَ: بِكَمْ؟ قَالَ: بِدَانَقَيْنِ فَرَكِبَهُ ثُمَّ جَاءَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: الْحِمَارَ الْحِمَارَ، فَرَكِبَهُ، وَلَمْ يُشَارِطْهُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ.
الشرح:
عقد المؤلف رحمه الله هذه الترجمة لبيان أن أمور البيوع والإجارات والمكيال والوزن يرجع فيها إلى العرف، وذكر آثارًا تدل على ذلك.
قوله: «مَنْ أَجْرَى أَمْرَ الأَْمْصَارِ عَلَى مَا يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ فِي الْبُيُوعِ، وَالإِْجَارَةِ وَالْمِكْيَالِ وَالْوَزْنِ» ، يعني: الناس يرجعون في بيوعهم إلى العرف، فإذا باع سلعة على شخص فإنها تجري على ما يتعارف عليه الناس، وكذلك الإجارة يرجع فيها إلى العرف.
وكذا المكيال، فإذا اشتريت من شخص مثلاً مائة من هذا، ثم أراد أن يعطيك مائة من غيره فلا؛ فإن العبرة بما يتعارف عليه البلد. وكذا الوزن.
وكذلك طريقتهم في البيع، فإن كان لابد من إعطاء الصك فلابد أن تعطيه، وكذلك الأوامر والإطلاقات والتقييدات كلها يرجع فيها للعرف.
قوله: «وَسُنَنِهِمْ» أي: على طريقتهم وما يتمشى مع العرف، فلا تخالف العرف بأن تبيع بما يخالف ما عليه أهل هذه البلد.
قوله: «عَلَى نِيَّاتِهِمْ وَمَذَاهِبِهِمْ الْمَشْهُورَةِ» . فإذا بعتك هذا على نية أهل البلد فلا تعطني شيئًا آخر، فلو بعتك مثلاً هذه السلعة بمائة ريال فلا تعطني دولارًا، فلا يصلح هذا؛ للعرف.
قوله: «وَقَالَ شُرَيْحٌ لِلْغَزَّالِينَ: سُنَّتُكُمْ بَيْنَكُمْ» ، يعني: جائزة على ما تتعارفون عليه في بيعكم الغزل، فإذا كانوا يبيعون الغزل بشيء معين أو مقدار معين، كأن يبيعه منسوجًا أو غير منسوج، فيكون على حسب العرف.
قوله: «وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ:» ، يعني: محمد بن سيرين.
قوله: «لاَ بَأْسَ الْعَشَرَةُ بِأَحَدَ عَشَرَ وَيَأْخُذُ لِلنَّفَقَةِ رِبْحًا» يعني: أن يبيع ما اشتراه بعشرة بأحد عشر إذا كان عرف البلد ذلك.
قوله: «وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لِهِنْدٍ خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ، وذلك لما اشتكت هند أبا سفيان وأنه لا يعطيها من النفقة، وسألته: هل تأخذ خفية؟ فقال لها: خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ.
والشاهد قوله: بِالْمَعْرُوفِ أي: ما يتعارف عليه الناس، فإن كان يكفي أهل البلد مثلاً مائة كل شهر فخذي مائة، وإذا كان أهل البلد يكفيهم مائتان فخذي مائتين، فلم يحدد لها كم تأخذ من النفقة.
قوله: «وَقَالَ تَعَالَى: وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النِّسَاء: 6]» هذا ولي اليتيم الذي يُنمي ماله، فإذا كان غنيًّا فليستعفف، وإن كان فقيرًا وهو قد فرغ نفسه للعمل في مال اليتيم وتنسيق تجارته فإنه يأكل وينفق على نفسه بالمعروف، والمعروف أي: ما تعارف عليه الناس في بلده وفي زمانه.
قوله: «وَاكْتَرَى الْحَسَنُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِرْدَاسٍ حِمَارًا» ، أي: استأجر.
قوله: «فَقَالَ: بِكَمْ؟ قَالَ: بِدَانَقَيْنِ» ، والدانق هو سدس الدرهم.
قوله: «فَرَكِبَهُ ثُمَّ جَاءَ مَرَّةً أُخْرَى، فَقَالَ: الْحِمَارَ الْحِمَارَ» أي: أعطني الحمار، أي: أستأجره مرة أخرى ولم يشارطه.
قوله: «فَبَعَثَ إِلَيْهِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ» ، ولم يشارطه اعتمادًا على الأجرة السابقة المتقدمة، وزاد عليها على طريق الفضل فأعطاه نصف درهم، فقد حدد الأجرة أولاً ثم لم يحدد بعد ذلك اكتفاءً بالعرف.
المتن:
الشرح:
2210 قوله: «حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَبُو طَيْبَةَ؛ فَأَمَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ» والشاهد في هذا الحديث أن النبي ﷺ لم يشارط أبا طيبة على الأجرة اعتمادًا على العرف، فأعطاه صاعًا من تمر، وإذا كان المتعارف بين الناس أن الحجام نعطيه درهمًا فيعطى درهمًا، فإذا كان متعارف بين الناس مثلاً أجرة السيارة فلا يحتاج إلى شرط.
قوله: «وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ» ، وهذا زيادة، فأبو طيبة مولى، والسيد يقول للعبد: اشتغل وكُلّ يوم تأتيني بعشرة ريالات، والباقي لك، وهذا يسمى الخراج، والنبي ﷺ أمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه فإذا كان يأتي في اليوم بخمسة مثلاً، فيخفف أهله عنه فيأتي بأربعة.
وفيه: دليل على جواز الحجامة، والحجامة عبارة عن علاج يستعمل عند الحاجة عن طريق إخراج الدم الفاسد، وكسب الحجام كسب رديء، ولا بأس به فليس بحرام، بدليل أن النبي ﷺ أعطى الحجام أجرته، وأما قوله ﷺ: كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ [(226)] فالمراد بالخبث الكراهة أي: كراهة التنزيه، أما قول النبي ﷺ: حلوان الكاهن خبيث [(227)]. فالمراد: حرام فالخبيث يطلق على المحرَّم، ويطلق على الرديء.
المتن:
الشرح:
2211 قوله: «قَالَتْ: هِنْدٌ أُمُّ مُعَاوِيَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ أَنْ آخُذَ مِنْ مَالِهِ سِرًّا؟ قَالَ: خُذِي أَنْتِ وَبَنُوكِ مَا يَكْفِيكِ بِالْمَعْرُوفِ. ووجه الدلالة من هذا الحديث أنه أحالها على العرف، أي: ليس هناك تحديد في الشرع.
وفيه: دليل على أن قولها: «شَحِيحٌ» مستثنى من الغيبة المحرمة؛ لحاجتها في طلب حقها عند الحاكم الشرعي، ويستثنى في ذلك ستة أشياء ومنها هذا عند الاستفتاء وطلب الحق من الحاكم، فيجوز للإنسان أن يقول عند الحاكم: ظلمني فلان، وأخذ حقي فلان؛ لأنه مضطر لأن يطالب بحقه، وكذلك أيضًا إذا كان الإنسان لا يعرف إلا بصفة معينة كالأعمى والأعرج فلا بأس به، وكذلك إذا أراد إنسان أن يطلب أخاه ليساعده على إنكار المنكر، وكذلك أيضًا إذا استشاره في أن يزوجه أو أن يشاركه في معاملة، فكل هذا مستثنى من الغيبة المحرمة.
المتن:
الشرح:
2212 قوله: «حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ» أطلق البخاري ولم يبيِّن من هو إسحاق حتى قال بعضهم: إن البخاري مدلس. وأجيب بجوابين:
الأول: أن ذلك معروف عند أهل الحديث، وإذا أطلق إسحاق فهو يقصد شيخه إسحاق بن منصور.
الثاني: أن شيوخ البخاري كلهم ثقات، فإذا قال: حدثني إسحاق، فهو إما إسحاق بن منصور، أو إسحاق بن إبراهيم، أو إسحاق بن نصر، وكلهم ثقات، فلا لوم عليه بعد ذلك، والتدليس إنما يحصل لو كان أحدهم ضعيفًا أو متكلمًا فيه أو مجروحًا.
وأما رواية البخاري عن محمد الذهلي، فهي تدل على إنصافه رحمه الله؛ لأنه يعلم أنه ثقة فهو يحدث عنه، وهو من شيوخه؛ فلا يعتبر ذلك تدليسًا، وقد اعتدى محمد الذهلي عليه ونسبه إلى البدعة لما فصل بين اللفظ والملفوظ في القرآن، وقال: لفظه مخلوق والملفوظ كلام الله، وهذا التفصيل هو الحق والصواب في مسألة اللفظ، ومنع من ذلك محمد الذهلي وأحمد بن حنبل، فالبخاري رحمه الله فصَّل والإمام أحمد أجمل، ولا منافاة بين قول الإمام أحمد وبين قول الإمام البخاري؛ فإن البخاري فصَّل وميَّز بين ما يقول به العبد ويقول به الرب، والإمام أحمد أجمل وقال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: غير مخلوق فهو مبتدع. وأراد أحمد رحمه الله سد الباب.
ولما رأى الإمام مسلم صاحب «الصحيح» عدوان الذهلي على الإمام البخاري رحمه الله لم يحدث عنه، وردَّ عليه أحاديثه التي أخذها عنه، والإمام مسلم تلميذ الإمام البخاري.
وأما محمد بن سلام فهو شيخ البخاري، والأفصح فيه التخفيف: سلاَم، وهذا هو الكثير المعروف، وقيل: بالتشديد: سلاَّم، وهو قليل.
قوله: « وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ [النِّسَاء: 6] أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ، وَيُصْلِحُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ فَقِيرًا أَكَلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ» . والشاهد: أن ولي اليتيم الذي يصلح ماله يرجع إلى العرف في أكله من اليتيم.
المتن:
باب بَيْعِ الشَّرِيكِ مِنْ شَرِيكِهِ
2213 حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ : جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيع الشريك من شريكه، وأن الشريك له أن يبيع من شريكه في كل شيء مشاع، فإن باعه ولم يخبره فإن له أن يشفع.
2213 الشفعة أن يبيع شخص ـ بدون علم شريكه ـ نصيبه لشخص آخر، فللشريك أن ينتزع الحصة التي باعها شريكه من المشتري ويعطيه ثمنها ليرفع الضرر عنه، لكن هل هذا خاص بالثابت أو بالمنقول؟ الجمهور على أنه خاص بالثابت.
قوله: «فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ» هذا دليل الجمهور على أنه الشفعة خاصة بالثابت، وفي رواية مسلم: الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شِرْكٍ، فِي أَرْضٍ، أَوْ رَبْعٍ، أَوْ حَائِطٍ [(228)] [(229)] وهذا دليل آخر على أنها خاصة بالثابت.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى أنه عام في الثابت والمنقول؛ لما ثبت في رواية الطحاوي: الشُّفْعَةُ فِي كُلِّ شَيْءٍ [(230)] ورواته ثقات؛ ولأن الضرر كما يكون في الثابت يكون في المنقول.
وفي الحديث: أنه لابد من أمرين في انتفاء الشفعة:
الأول: وقوع الحدود.
الثاني: تصريف الطرق. فإذا وجد أحدهما دون الآخر فالشفعة باقية.
والجار له الشفعة إذا كانت طريقهما واحدة، كما في حديث جابر أن النبي ﷺ قال: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا [(231)].