المتن:
باب بَيْعِ الأَْرْضِ وَالدُّورِ وَالْعُرُوضِ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ
2214 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ.
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بِهَذَا وَقَالَ: فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ.
تَابَعَهُ هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ.
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: فِي كُلِّ مَالٍ.
رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
الشرح:
2214 أعاد المؤلف رحمه الله هذا الحديث لاستنباط الأحكام، فذكره في الترجمة السابقة لبيان أن الشريك له أن يبيع من شريكه، وإذا باع إلى غير شريكه ولم يخبره فإنه يشفع، ثم أعاده في هذه الترجمة لبيان «بَيْعِ الأَْرْضِ وَالدُّورِ وَالْعُرُوضِ مُشَاعًا غَيْرَ مَقْسُومٍ» ؛ فإذا كانت لك أرض بينك وبين إنسان مشاعًا فإن لك أن تبيع نصيبك له ولو كان غير مقسوم، وإن لم يقبلها فبعها على غيره؛ وذلك لأنها وإن كانت أرضًا غير محددة فهي محددة بالنسبة لك بالمشاع، وكذلك إذا كانت الدار مشتركة بينك وبين الشخص فإنها تباع ولو لم تقسم، وكذلك في المنقول كعروض التجارة كالسيارات والأقمشة والأواني وقطع الغيار وغيرها كلها إذا كانت بينك وبين شريك لك فيها، فلك أن تبيعها ولو كانت غير مقسومة.
واختلف العلماء في شفعة الجار والصحيح أن الجار له الشفعة إذا كان الطريق الذي بينهما واحدًا؛ كما في حديث جابر الآخر: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا [(232)].
أما إذا كان لكل واحد طريق فإنه لا يشفع في هذه الحالة.
المتن:
باب إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَرَضِيَ
2215 حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: خَرَجَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ، فَأَصَابَهُمْ الْمَطَرُ؛ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ، قَالَ: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ، فَقَالَ: أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالْحِلاَبِ، فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ، فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي، فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ، قَالَ: فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ! فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، قَالَ: فَفُرِجَ عَنْهُمْ، وَقَالَ الآْخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ، فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ؛ فَقُمْتُ، وَتَرَكْتُهَا، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ، وَقَالَ الآْخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ، فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ؛ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ، فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا، فَكُشِفَ عَنْهُمْ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع الفضولي، والفضولي هو الذي يبيع سلعة غيره بغير إذنه ولم يوكله، وفي صحة البيع خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال: إنه لا يصح، ومنهم من قال: إنه يصح إذا أذن، وهذا هو الصواب أنه يصح بإذنه؛ فمثلا لو جاء إنسان وأخذ سيارتك وباعها لشخص وهي تساوي مثلا عشرين ألفًا فباعها بثلاثين ألفًا، ولما أخبرك رضيت فينفذ، أما إذا لم ترض ولم تأذن له فيكون باطلاً.
ومن ذلك قصة عروة البارقي لما أعطاه النبي ﷺ درهمًا يشتري به شاة فاشترى به شاتين، ثم باع إحداهما بدرهم فجاء إلى النبي ﷺ بشاة ودرهم فقال: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه[(233)].
ومثله أيضًا إذا زوج الإنسان ابنته بغير إذنها فيكون موقوفًا على إذنها، فإذا رضيت صح النكاح؛ ويدل على هذا أن جارية بكرًا أتت إلى النبي ﷺ فقالت: يا رسول الله إن أبي زوجني من ابن أخيه يرفع بي خسيسته ـ تعني من دون إذني ـ فجعل النبي ﷺ الأمر لها، فقالت: قد رضيت ما رضي أبي، وإنما أَردتُ أن أُعلم الرجال أنه ليس لهم من الأمر شيء[(234)]. فالنبي ﷺ جعل زواجها موقوفًا على إذنها فنفذ.
وشاهد الترجمة من هذا الحديث: فعل هذا الرجل الذي استأجر أجيرًا بفرق من ذرة ـ أي: كف من ذرة ـ فلم يأخذ أجرته، فتصرف فيها فصار يبيع ويشتري فيها حتى نماها وصارت واديًا من الإبل، وواديًا من البقر، وواديًا من الغنم، ثم أخذ الكل ـ الأجرة ونتاجها ـ فهذا الرجل تصرف في أجرة الأجير وأقره صاحبها، وإن كان هذا في شرع من قبلنا.
واختلف في شرع من قبلنا؛ فقيل: شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا، وقيل: هو شرع لنا، والصواب التفصيل، وهو أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يأت شرعنا بخلافه، فإن جاء شرعنا بنفيه فليس شرعًا لنا، وإن جاء شرعنا بإقراره فهو شرع لنا، وإن سكت عنه شرعنا فهو شرع لنا إذا لم يأت بما يخالفه.
ويؤيد هذا أن النبي ﷺ ساق هذا مساق الثناء على صاحبه من بني إسرائيل؛ فدل على أن الإنسان إذا اشترى شيئًا لغيره بغير إذنه ثم رضي نفذ البيع.
وفيه: فوائد عظيمة، فيأتي مثلا في بر الوالدين، ويأتي في العفة عن الفواحش، ويأتي هنا في البيوع؛ ولهذا عقد المؤلف رحمه الله هذه الترجمة.
وهذا الحديث له ألفاظ متعددة ساقها المؤلف رحمه الله في مواضع.
2215 قوله: خَرَجَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ، فَأَصَابَهُمْ الْمَطَرُ ، يعني: من بني إسرائيل، وفي بعض الروايات: فأواهم الليل [(235)].
قوله: فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ الغار هو النقب في الجبل.
قوله: فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ يعني: انحدرت صخرة من على الجبل فأحكمت باب الغار.
قوله: فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ، وفي اللفظ الآخر: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلَّا أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ [(236)]، فدعوا الله بصالح أعمالهم فنجاهم؛ فدلَّ على أن الأعمال الصالحة سبب في النجاة من الكربات، والتوسل إلى الله بالأعمال الصالحة توسل مشروع، وهؤلاء الثلاثة أحدهم توسل ببره لوالديه، والثاني توسل بعفته عن الفواحش، والثالث توسل بأمانته؛ فنجاهم الله ، وهو شاهد لقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطّلاَق: 2].
قوله: اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى، يعني: يرعى الغنم، وهذا هو الأول الذي توسل ببره لوالديه.
قوله: ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ، فَأَجِيءُ بِالْحِلاَبِ، يعني: باللبن.
قوله: فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ، فَيَشْرَبَانِ، ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي. وهذا من بره لوالديه، يرعى الغنم فيأتي أبويه فيسقيهما شراب اللبن أول الليل ويسمى الغبوق، ويسقيهما في الصباح ويسمى الصبوح.
قوله: فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً، فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ. في ليلة من الليالي تأخر فوجد أبويه الشيخين قد ناما.
قوله: فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا حتى لا يؤذيهما وينغص عليهما المنام.
قوله: وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ! الصبية ـ أي: الأطفال ـ يصيحون ويبكون يريدون أن يسقيهم اللبن، لكنه وقع بين أمرين: كره أن يسقي الصبية والأولاد قبل أبويه، وكره أن يوقظ والديه.
قوله: فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ ثم سقاهما، وبعد ذلك سقى الصبية والأهل والزوجة.
والأدلة تدل على أنه لا حرج عليه لو سقى الصبية وأهله وامرأته واحتفظ بحق أبويه، لكنه من شدة حرصه على بر والديه جعل لا يقدم عليهما أحدًا، وصبر وتحمل البقاء حتى استيقظا.
قوله: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، قَالَ: فَفُرِجَ عَنْهُمْ، أي: استجاب الله له.
وفيه: دليل على أن التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة من أفضل القربات وأجل الطاعات؛ فقد توسل ببره لوالديه فانفرجت فرجة ولكن لا يستطيعون الخروج.
قوله: وَقَالَ الآْخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ، فَقَالَتْ: لاَ تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ . يعني: أنها أصابتها سنة وصارت في شدة وحاجة فجاءت إليه فقالت: أعطني يا ابن عمي شيئًا من الدراهم، يعني: ساعدني في قضاء حاجتي، فقال: لا حتى تخلي بيني وبين فعل الفاحشة فرفضت، ثم أصابتها شدة فجاءت المرة الثانية فقال لها مثل ما قال في المرة الأولى فامتنعت، ثم أصابتها شدة فجاءت المرة الثالثة فقال لها مثل ذلك فوافقت في المرة الثالثة من شدة الحاجة.
قوله: فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا، فأعطاها إياها ومكنته من نفسها.
قوله: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ فذكرته بالله .
قوله: فَقُمْتُ، وَتَرَكْتُهَا، وفي اللفظ الآخر: وَهِيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ [(237)] يعني: لما ذكرته بالله خاف وارتعد وقام وتركها من شدة الخوف وترك الذهب، ومن يستطيع أن يكبح جماح نفسه في هذه الحالة وهو يتمناها من قديم، وحاول معها ثلاث مرات وتمكن منها وليس عندهما أحد؟! وهذا الخوف العظيم الذي يحجزه عن محارم الله يطفئ بحورًا عظيمة من الخطايا كما قال الله تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ [الرَّحمن: 46]، وقال : ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم: 14]، فالخوف الصحيح هو الذي يحمل صاحبه على فعل الأوامر وترك النواهي؛ فهذا الخوف العظيم حمله على أن يترك هذه الفاحشة مع قدرته عليها، كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ [(238)].
قوله: فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً، قَالَ: فَفَرَجَ عَنْهُمْ الثُّلُثَيْنِ، لكنهم لا يستطيعون الخروج.
قوله: وَقَالَ الآْخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ يعني: بكف من ذرة.
قوله: فَأَعْطَيْتُهُ، وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ؛ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا، أي: أعطاه أجرته فقال: لا، الأجرة قليلة ولا أريدها، ثم تركها، ثم مضت سنين طويلة وتذكر الرجل.
قوله: ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا، وفي اللفظ الآخر: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ [(239)].
قوله: فَقَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ بِي؟ قَالَ: فَقُلْتُ: مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، وَلَكِنَّهَا لَكَ» ، فساقها كلها وأخذها.
قوله: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا، فَكُشِفَ عَنْهُمْ فانحدرت الصخرة وكشف عنهم وخرجوا يمشون.
وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحة من أفضل القربات وأجل الطاعات؛ قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ [المَائدة: 35] يعني: اطلبوا إليه القرب بطاعته.
المتن:
باب الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ
2216 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ مُشْرِكٌ مُشْعَانٌّ طَوِيلٌ بِغَنَمٍ يَسُوقُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: بَيْعًا أَمْ عَطِيَّةً؟ ـ أَوْ قَالَ: أَمْ هِبَةً ـ قَالَ: لاَ، بَلْ بَيْعٌ فَاشْتَرَى مِنْهُ شَاةً.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم الشراء والبيع مع المشركين وأهل الحرب، والأدلة دلت على أنه لا بأس بالشراء والبيع وغيرها من المعاملات مع الكفار، وأن هذا لا يعتبر من الموالاة.
2216 دل الحديث: على جواز معاملة الكفار في البيع والإجارة والهبة، وأن ذلك ليس من الموالاة؛ فإن الموالاة أصلها المحبة في القلب ثم النصرة فتكون حينئذ من التولي، والتولي ردة؛ فمحبة الكفار ردة، قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المَائدة: 51]؛ ولهذا اشترى النبي ﷺ من هذا الرجل المشرك غنمًا، ومات ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي بصاع من شعير، وعامل أهل خيبر بشأن ما يخرج منها من ثمر أو زرع.
والبيع والشراء والإحسان أيضًا إلى الكفار غير الحربيين لا بأس به، قال الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَولَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المُمتَحنَة: 8-9] فالكافر الحربي الذي بيننا وبينه حرب لا يطعم ولا يسقى ولا يعطى شيئًا.
أما الكافر الذمي فيسقى ويطعم؛ ولهذا ربط النبي ﷺ ثمامة بن أثال في مسجده وأطعم وسُقي[(240)]، وكذلك أيضًا لما سألت أسماء رضي الله عنها النبي ﷺ في أن تصل أمها فقال: صِلِي أُمَّكِ [(241)].
المتن:
باب شِرَاءِ الْمَمْلُوكِ مِنْ الْحَرْبِيِّ وَهِبَتِهِ وَعِتْقِهِ
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِسَلْمَانَ: كَاتِبْ. وَكَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ.
وَسُبِيَ عَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النّحل: 71].
2217 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: لاَ تُكَذِّبِي حَدِيثِي؛ فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي؛ وَاللَّهِ إِنْ عَلَى الأَْرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا؛ فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ؛ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ.
قَالَ الأَْعْرَجُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتْ: اللَّهُمَّ، إِنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ؛ فَأُرْسِلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا؛ فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ هَذَا الْكَافِرَ؛ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ؛ فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلاَّ شَيْطَانًا، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً.
2218 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا قَالَتْ: اخْتَصَمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ فِي غُلاَمٍ، فَقَالَ سَعْدٌ: هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ أَخِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، عَهِدَ إِلَيَّ أَنَّهُ ابْنُهُ، انْظُرْ إِلَى شَبَهِهِ، وَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: هَذَا أَخِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِي مِنْ وَلِيدَتِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى شَبَهِهِ فَرَأَى شَبَهًا بَيِّنًا بِعُتْبَةَ فَقَالَ: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ؛ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ، وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ؛ فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ.
2219 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِصُهَيْبٍ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَدَّعِ إِلَى غَيْرِ أَبِيكَ! فَقَالَ صُهَيْبٌ: مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا وَأَنِّي قُلْتُ ذَلِكَ، وَلَكِنِّي سُرِقْتُ وَأَنَا صَبِيٌّ.
2220 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ أَوْ أَتَحَنَّتُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صِلَةٍ، وَعَتَاقَةٍ، وَصَدَقَةٍ، هَلْ لِي فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ حَكِيمٌ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ.
الشرح:
هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان حكم شراء المملوك من الحربي، وكذلك هبة الكافر وعتقه، وقيَّده بالحربي، أما غير الحربي ـ وهو الذمي ـ فلا خلاف في جواز المعاملة معه، وقد سبق أن النبي ﷺ اشترى غنمًا من مشرك[(242)]، وعامل اليهود؛ لأن النبي ﷺ وادعهم وصالحهم[(243)]، ومات ﷺ ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعًا من شعير[(244)]، بل إن الذمي يحسن إليه ويطعم ويسقى إذا احتاج لأن النبي ﷺ أمر أن يربط ثمامة بن أثال في المسجد ثلاثة أيام، فربط بسارية من سواري المسجد وأُطعم وسُقي[(245)]، ولما قدمت أم أسماء في الهدنة التي بين النبي ﷺ وبين كفار قريش تطلب الرفق قال النبي ﷺ لأسماء: صِلِي أُمَّكِ [(246)].
فالكافر إذا كان بيننا وبينه عهد أو أمان أو صلح أو كان من أهل الذمة ويدفع الجزية فلا بأس بمعاملته، وليس هذا من الموالاة في شيء، قال الله تعالى: لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَولَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [المُمتَحنَة: 8-9].
وظاهر الترجمة أن المصنف يميل إلى جواز المعاملة؛ لأنه ذكر الأدلة للشراء والهبة والعتق، لكن يبقى النظر هل شرط سيد العبد أن لا يكون حربيًّا أم لا؟ لم يحقق الحافظ ابن حجر رحمه الله المسألة في هذا، واختصر البحث، والمسألة تحتاج إلى مزيد عناية وبحث، والأدلة التي استدل بها المؤلف رحمه الله تفيد أن البخاري رحمه الله يميل إلى الجواز وأن الكافر الحربي يملك ويهب ويعتق ويبيع ويشتري.
قوله: «وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِسَلْمَانَ: كَاتِبْ يعني: كاتب مواليك من اليهود.
قوله: «وَكَانَ حُرًّا فَظَلَمُوهُ وَبَاعُوهُ» أي: كان سلمان حرًّا، ولما أخذه قومه وظلموه وباعوه على قوم من اليهود بقي حتى هاجر النبي ﷺ إلى المدينة، وأسلم سلمان ، فأمره النبي ﷺ أن يشتري نفسه من مواليه اليهود، وهذا فيه إقراره ﷺ لملك اليهود عليه، وأن الكافر يتملك.
ولما هاجر ﷺ إلى المدينة وادع اليهود ـ وكانت اليهود ثلاث قبائل: بني قينقاع وبني قريظة وبني النضير ـ فصاروا أهل صلح ليسوا حربيين، وقد أعان النبي ﷺ سلمان حتى تحرر.
قوله: «وَسُبِيَ عَمَّارٌ وَصُهَيْبٌ وَبِلاَلٌ» كان عبدالله بن جدعان اشترى صهيبًا ، واشترى أبو بكر بلالاً رضي الله عنهما من أمية بن خلف وكان كافرًا حربيًّا في ذلك الوقت، لكن هذا كان في أول الإسلام قبل أن يهاجر النبي ﷺ، والمسلمون ضعفاء.
قوله: «وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [النّحل: 71]» والشاهد من الآية قوله تعالى: فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ، والآية خطاب للكفار المشركين في مكة، لكن هل كانوا حربيين وأقرهم الله على التملك؟ هذا محتمل؛ ولهذا لم يجزم المؤلف بالترجمة.
المتن:
2217 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ، فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ؛ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: لاَ تُكَذِّبِي حَدِيثِي؛ فَإِنِّي أَخْبَرْتُهُمْ أَنَّكِ أُخْتِي؛ وَاللَّهِ إِنْ عَلَى الأَْرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ، فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا؛ فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ؛ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ.
قَالَ الأَْعْرَجُ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَتْ: اللَّهُمَّ، إِنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ؛ فَأُرْسِلَ، ثُمَّ قَامَ إِلَيْهَا؛ فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ هَذَا الْكَافِرَ؛ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ فَيُقَالُ: هِيَ قَتَلَتْهُ؛ فَأُرْسِلَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلاَّ شَيْطَانًا، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ، فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً.
الشرح:
2217 قوله: هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ بِسَارَةَ يعني: هاجر من بلاد حران أو بلاد الشام.
قوله: فَدَخَلَ بِهَا قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ مِنْ الْمُلُوكِ أَوْ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ في اللفظ الآخر: أن القرية هي مصر.
قوله: فَقِيلَ: دَخَلَ إِبْرَاهِيمُ بِامْرَأَةٍ هِيَ مِنْ أَحْسَنِ النِّسَاءِ، وهي سارة بنت عمه، وكانت من أجمل النساء رضي الله عنها وكانت لا تلد، ثم وهب الله لها في آخر عمرها لما تقدم بها السن فأنجبت إسحاق .
فلما جاء إبراهيم إلى مصر ومعه زوجته جاء الناس من أهل الشر أتباع الملوك الذين رأوهما وأخبروا الملك بأنه دخل البلاد رجل ومعه امرأة من أحسن الناس فلا ينبغي أن تكون إلا لك.
قوله: فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ مَنْ هَذِهِ الَّتِي مَعَكَ؟ قَالَ: أُخْتِي أراد أخته في الإسلام، ولم يقل: زوجتي لظنه أن ذلك أقرب إلى السلامة من أن يغار منه.
قوله: وَاللَّهِ إِنْ عَلَى الأَْرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرُكِ. إن نافية بمعنى ما، والمعنى ما على الأرض مؤمن غيري وغيرك؛ لأن هاجر رضي الله عنها آمنت بعد ذلك.
قوله: فَأَرْسَلَ بِهَا إِلَيْهِ، فَقَامَ إِلَيْهَا؛ فَقَامَتْ تَوَضَّأُ وَتُصَلِّي يعني: تتوضأ على حذف التاء الثانية.
وفيه: أن الوضوء كان مشروعًا في الأمم السابقة.
وفيه: الرد على من قال: إن الوضوء من خصائص هذه الأمة، وكذلك الصلاة.
وفيه: أن المسلم يتوضأ ويفزع إلى الصلاة إذا حزبه أمر، وكان النبي ﷺ إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة[(247)]، وسارة رضي الله عنها امرأة صالحة لما أمر بها ذلك الكافر أن تؤخذ وترسل إلىه قامت تتوضأ وتصلي وتتضرع إلى الله وتسأله بإيمانها به وبرسوله إبراهيم أن ينجيها من كيد هذا الكافر.
قوله: فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ الْكَافِرَ فيه: التوسل بالإيمان والعمل الصالح، وهذا التوسل بالإيمان من أفضل القربات كما أخبر الله عن أولي الألباب أنهم يتوسلون بالإيمان، قال تعالى: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ [آل عِمرَان: 193]، وقال : رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ [آل عِمرَان: 53]، فالتوسل إلى الله بالإيمان والتوحيد من أفضل القربات وأجل الطاعات، والإيمان بالله ورسوله ﷺ أصل الدين وأساس الملة؛ ولهذا قبل الله دعاءها.
قوله: فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ الغط قيل: هو صوت النائم من شدة النفخ، يعني: أنه اختنق حتى صار كأنه مصروع، وفي الرواية الأخرى أنه عوقب بقبض يده[(248)]، أي: شلت يد هذا الجبار.
قوله: اللَّهُمَّ إِنْ يَمُتْ يُقَالُ هِيَ قَتَلَتْهُ. والمعنى: اللهم لا تمته خشية أن يقال: إنها قتلته، وهي لا تريد هذا.
قوله: فَقَامَتْ تَوَضَّأُ تُصَلِّي، وَتَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ آمَنْتُ بِكَ وَبِرَسُولِكَ، وَأَحْصَنْتُ فَرْجِي إِلاَّ عَلَى زَوْجِي فَلاَ تُسَلِّطْ عَلَيَّ هَذَا الْكَافِرَ؛ فَغُطَّ حَتَّى رَكَضَ بِرِجْلِهِ أي: توضأت مرة ثانية وصلت وتوسلت إلى الله بعملها الصالح فغط.
قوله: وَاللَّهِ مَا أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ إِلاَّ شَيْطَانًا، ارْجِعُوهَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ، وَأَعْطُوهَا آجَرَ فردها على إبراهيم ، وأعطاها هدية، وهي آجر أم إسماعيل ، يقال لها: آجر ويقال: هاجر، فرجعت إلى إبراهيم . وهذا من كرامة الله لأوليائه وحمايته لهم وحفظه لهم من أعدائهم، وهو شاهد لقول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطّلاَق: 2]. فهي رضي الله عنهما مؤمنة تقية آمنت بالله وبرسوله ﷺ، وأحصنت فرجها، وتوسلت إلى الله بذلك فاستجاب الله دعاءها، وحفظها، وصانها، وسلم عرضها من هذا الكافر.
قوله: فَرَجَعَتْ إِلَى إِبْرَاهِيمَ ، فَقَالَتْ: أَشَعَرْتَ أَنَّ اللَّهَ كَبَتَ الْكَافِرَ أي: أعلمت أن الله رد كيده في نحره.
قوله: وَأَخْدَمَ وَلِيدَةً، يعني: أعطانا أمة.
والشاهد من الحديث: صحة هبة الكافر، حيث قبلت سارة رضي الله عنها الوليدة، وأمضاها إبراهيم ؛ فدل على أن الكافر يتملك ويهب، ثم بعد ذلك أعطتها إبراهيم فتسراها، فولدت إسماعيل أبا العرب ـ المستعربة ـ، ثم بعد اثنتي عشرة سنة من ولادة إسماعيل رزق الله سارة رضي الله عنها ولدًا نبيًّا كريمًا وهو إسحاق ، وكانت لا تلد؛ ولهذا لما بشرتها الملائكة كما جاء في قوله : فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ [الذّاريَات: 29] فاستنكرت واستغربت أنه لم يأتها أولاد في وقت الشباب فكيف يأتيها ولد بعد الكبر وبعد أن صارت عجوزًا؟! فقالت لها الملائكة: كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ [الذّاريَات: 30].
المتن:
الشرح:
2218 هذا الحديث سبق في مواضع، وهذه القصة حدثت في عام الفتح سنة ثمان من الهجرة، حيث جاء سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة رضي الله عنهما يختصمان في ولد ولدته وليدة زمعة، فقال سعد: هذا ابن أخي عهد إلي أخي به قبل أن يتوفى، وقال: إنه ولده، أما عبد بن زمعة فقال: هذا أخي ولد على فراش أبي.
قوله: هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ؛ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ. هذه قاعدة عامة أن المرأة إذا كانت فراشًا ثم ولدت، فإن الولد يكون للأب ـ الزوج ـ، ولو سبق منها زنًا، إلا إذا نفاه باللعان فينتفي، وكذلك إذا كانت الأمة فراشًا يطؤها سيدها ثم ولدت فإن الولد يلحقه، هذه هي القاعدة، ولذا فقد أعطاه النبي ﷺ عبد بن زمعة ؛ لأنه أخوه وَوُلد على فراش أبيه.
قوله: وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ؛ فَلَمْ تَرَهُ سَوْدَةُ قَطُّ» ؛ وذلك احتياطًا للفروج خشية أن يكون من عتبة بن أبي وقاص؛ لأنه ﷺ رأى الشبه واضحًا بينه وبين عتبة بن أبي وقاص الذي ادعى سعد أنه عهد إليه أنه ابنه، فلم يرها حتى لقيت ربها رضي الله عنها، وعلى هذا فالحكم الشرعي أنه أخوها، والنبي ﷺ عمل بالحكم الشرعي وجعل الولد لزمعة، واحتاط أيضًا للفروج فأمر سودة أن تحتجب بسبب الشبه القوي البين الواضح الذي رآه بعتبة.
والشاهد من الحديث للترجمة: أن النبي ﷺ قرر ملك زمعة للوليدة وأجرى أحكام الرق عليها، وزمعة كان غير مسلم في ذلك الوقت، لكن هل كان حربيًّا؟ إذا قيل: إنه حربي صار فيه دليل للبخاري رحمه الله الذي يرى التملك للحربي، وإذا قيل: إنه كافر ليس بحربي فلا.
المتن:
الشرح:
2219 قوله: «قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ لِصُهَيْبٍ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلاَ تَدَّعِ إِلَى غَيْرِ أَبِيكَ!» يعني: أنه إذا انتسب إلى أبيه ولو كان كافرًا فالنسبة صحيحة؛ لأن الزواج صحيح وفي رواية أخرى أن عمر قال له ذلك[(249)].
والشاهد أن عمر أو عبد الرحمن رضي الله عنهما أقر نسبه ولو إلى كافر؛ فدل على أن الكافر تجري عليه الأحكام وزواجه صحيح، وأولاده ينسبون إليه، وهبته صحيحة، وعتقه صحيح، وبيعه وشراؤه صحيحان، لكن هل هو حربي أو غير حربي؟ هذا محل خلاف.
وكان صهيب الرومي في الأول عربيًّا ينسب إلى قبيلة من العرب، ولكنه سُرق وتربى في الروم، وصار لسانه أعجميًّا.
المتن:
الشرح:
2220 قوله: «أَرَأَيْتَ أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ أَوْ أَتَحَنَّتُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ» يعني: أتعبد بها.
قوله: «مِنْ صِلَةٍ» ، أي: صلة الرحم.
قوله: «وَعَتَاقَةٍ» أي: عتق العبيد.
والشاهد هنا أن النبي ﷺ أقر حكيم بن حزام رضي الله عنه على الصدقة والعتق والصلة التي كان يتعبد بها في الجاهلية؛ فدل على أن الكافر يتملك، ولولا أن ملكه كان صحيحًا ما صح عتقه، وكذلك الصدقة فلولا أن ملكه للمال كان صحيحًا ما صحت صدقته؛ فدل على أن الكافر يتملك المال ويبيع ويشتري ويعتق ويصل ويتصدق.
قوله: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ، وقال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [الأنفَال: 38] فيه: دليل على أن الكافر إذا أسلم أحرز أعماله الصالحة فيجازى بها ويثاب عليها، أما إذا أسلم ولم يتب من بعض الذنوب كشرب الخمر مثلاً فإنه يعاقب على ذنبه في الجاهلية وفي الإسلام، كما جاء في الحديث الآخر: إِذَا أَسْلَمَ العَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلاَمُهُ، يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ [(250)]، فإذا أسلم ولم يحسن إسلامه أخذ بالأول والآخر، وإذا كان في كفره يتعامل بالربا ويشرب الخمر ثم تاب من الشرك ومن التعامل بالربا ولم يتب من شرب الخمر، فإن إسلامه يهدم الشرك ويهدم التعامل بالربا ويبقى عليه إثم الخمر.
المتن:
باب جُلُودِ الْمَيْتَةِ قَبْلَ أَنْ تُدْبَغَ
2221 حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحٍ، قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ شِهَابٍ، أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَرَّ بِشَاةٍ مَيِّتَةٍ؛ فَقَالَ: هَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا، قَالُوا: إِنَّهَا مَيِّتَةٌ! قَالَ: إِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهَا.
الشرح:
2221 قوله: هَلاَّ اسْتَمْتَعْتُمْ بِإِهَابِهَا. فيه: دليل على أنه ينتفع بجلد الميتة، وليس فيه تعرض للبيع، والكتاب كتاب البيوع؛ فكيف استنبط المؤلف جواز البيع؟! فكأن المؤلف أخذ جواز البيع من جواز الانتفاع؛ لأن كل ما ينتفع به يصح بيعه.
وفي الحديث: دليل على أن جلد الميتة مأكولة اللحم يطهر بالدباغ، وجاء في الحديث الآخر أنهم لما قالوا: إنها ميتة، قال: يُطَهِّرُهَا الْمَاءُ وَالْقَرَظُ [(251)]، وفي اللفظ الآخر: دِبَاغُهَا طُهُورُهَا [(252)]، فيكون الدباغ لجلد الميتة بمثابة التذكية لها، فكما أن التذكية تحلها فالدباغ يطهرها.
واختلف العلماء في جلد غير مأكول اللحم ـ كالأسد والنمر والفهد والكلب والحيات والعقارب ـ هل يستعمل أم لا يستعمل؟
فمن العلماء من قال: إن الدباغ مطهر لجلد الميتة أيًّا كانت مأكولة أو غير مأكولة، وهو قول قوي، وأخذ به البخاري رحمه الله وجماعة، واستدلوا بالعمومات: دباغ جلود الميتة طهورها [(253)].
وقال آخرون: إن هذا خاص بمأكول اللحم ـ وهو المفتى به ـ إذ إن السباع ذبحها لا يحلها، فكذا دباغ جلدها لا يطهرها.
المتن:
باب قَتْلِ الْخِنْزِيرِ
وَقَالَ جَابِرٌ: حَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْعَ الْخِنْزِير.
2222 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لاَ يَقْبَلَهُ أَحَدٌ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم قتل الخنزير، يعني: هل يشرع قتله كما شرع تحريم أكله؟ ووجه دخوله في أبواب البيع الإشارة إلى أن ما أمر بقتله لا يجوز بيعه.
قوله: «حَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْعَ الْخِنْزِير» . الخنزير حيوان يأكل العذرة، ويأكله اليهود والنصارى، وهو موجود الآن في بعض المطاعم في جميع أنحاء الدنيا ما عدا هذه البلاد ـ المملكة العربية السعودية ـ، ويقال: إن الخنزير هذا ليس فيه غيرة، والذين يأكلونه تموت الغيرة عندهم على محارمهم ـ نسأل الله السلامة والعافية ـ.
ومن العلماء ـ كالحنابلة[(254)] ـ من جعله كالكلب في أن نجاسته أو لعابه يغسل سبع مرات أولاهن بالتراب.
2222 قوله: وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ، يعني: يأمر بقتله وإعدامه مبالغة في تحريم أكله.
وفيه: توبيخ للنصارى الذين يدعون أنهم على طريقة عيسى وأنهم يتبعونه وهم يستحلون أكل الخنزير ويحبونه! حتى إنه اللحم المفضل عندهم.
وفيه: أن عيسى إذا نزل يفعل ثلاثة أشياء منها كسر الصليب توبيخًا للنصارى الذين يعبدون الصليب، وهذا من جهلهم وضلالهم، وهم كفار يزعمون أن عيسى قتل وصلب، ثم يعبدون الصليب الذي صلب عليه عيسى ويعظمونه، وقد كذبهم الله في قوله: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ [النِّسَاء: 157] فهم قتلوا الشبيه الذي ألقى الله عليه شبه عيسى وصلبوه، ورفع الله عيسى وسينزل في آخر الزمان فيكسر الصليب مبالغة في إبطال ما عليه النصارى، ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف، وهذا ليس تشريعًا من عيسى بل هو من شريعتنا؛ فقد أخبرنا النبي ﷺ أن اليهود والنصارى يخيرون بين الإسلام أو السيف أو الجزية، وأنه بنزول عيسى فإنه لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، ويهلك الله الأديان كلها في زمن عيسى فلا يبقى إلا الإسلام.
وهل قتل الخنزير يلحق بكسر الصليب أو بوضع الجزية؟ إن ألحق بكسر الصليب قلنا بجواز قتله الآن، وإن ألحق بوضع الجزية قلنا بعدم جواز قتل الخنزير الآن؛ لأن الجزية غير موضوعة الآن بل هي مقبولة.
والأقرب أن الخنزير لا يقتل الآن وهو كالكلب نجس، وجاء في الحديث أن النبي ﷺ أمر بقتل الكلاب، ثم نهى عن ذلك فقال: لَوْلَا أَنَّ الْكِلَابَ أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ لَأَمَرْتُ بِقَتْلِهَا [(255)].
وإذا مس إنسان ظهر كلب وكان يابسًا لم يضره، أما إذا كانت اليد رطبة فيغسلها؛ فالنجاسة اليابسة لا تضر سواء كانت خنزيرًا أو كلبًا أو غيره.