المتن:
باب لاَ يُذَابُ شَحْمُ الْمَيْتَةِ وَلاَ يُبَاعُ وَدَكُهُ
رَوَاهُ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
2223 حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي طَاوُسٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، يَقُولُ: بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ فُلاَنًا بَاعَ خَمْرًا؛ فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا؛ أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا.
2224 حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ يَهُودَ؛ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا. قَالَ أَبُو عَبْداللَّهِ: قَاتَلَهُمُ اللَّهُ لَعَنَهُمْ قُتِلَ لُعِنَ الْخَرَّاصُونَ الْكَذَّابُونَ.
الشرح:
2224 قوله: قَاتَلَ اللَّهُ يَهُودَ، يعني: لعنهم، واستدل بقوله : قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ [الذّاريَات: 10]، أي: لُعنوا، والخراصون: «الْكَذَّابُونَ» .
وفي الحديث: تحريم بيع شحوم الميتة، وأنه لا يذاب شحمها ولا يباع، ولا يبيح البيع كونه يذاب ويكون ودكًا.
وفي الحديث: إِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ [(257)].
وفيه: تحريم الحيل؛ فاليهود تحيلوا لما حرم الله عليهم شحوم الميتة فأذابوها بالنار مثلما تحيلوا في اصطياد الحوت يوم السبت؛ فقد حرم الله عليهم اصطياد الحوت يوم السبت، وكانت الحيتان تأتي لهم يوم السبت ابتلاء وامتحانًا، وتظل ستة أيام لا تأتيهم؛ فنصبوا شباكهم يوم الجمعة فتصيد يوم السبت فيأخذونها يوم الأحد؛ فعاقبهم الله تعالى ومسخهم قردة وخنازير لما تحيلوا على المحرم.
وفيه: تحذير من فعل اليهود وهو التحيل على محارم الله ؛ ولهذا قال النبي ﷺ: لا ترتكبوا ما ارتكب اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل [(258)].
وفيه: دليل على أن الحيلة إلى محرم حرام، والوسيلة إلى المحرم حرام ولا تبيحه.
2223 قوله: «بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ فُلاَنًا بَاعَ خَمْرًا؛ فَقَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا» أي: أنكر عمر عليه، وجاء في اللفظ الآخر: أن سمرة هو الذي باع خمرًا وأنه تأول[(256)].
واختلف العلماء في كيفية بيع سمرة للخمر، فقال بعضهم: إنه أخذها من أهل الكتاب عن قيمة الجزية فباعها متأولاً، وقيل: إنه باع العصير إلى من يتخذه خمرًا واعتقد الجواز، وقيل: إنه خلل الخمر.
قوله: «أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ، فَجَمَلُوهَا، فَبَاعُوهَا، أي: إن هذه حيلة، والله تعالى أبطل الحيل ولعن اليهود على تحيلهم.
واستدل بعضهم بهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعيَّن، وكذلك استدل بعضهم به على تحريم بيع جثة الكافر، وعلى منع بيع وأكل المحرم النجس ولو كانت فيه منفعة، وهذه كلها فيها نزاع.
المتن:
باب بَيْعِ التَّصَاوِيرِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رُوحٌ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ
2225 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ أُحَدِّثُكَ إِلاَّ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا، فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: وَيْحَكَ، إِنْ أَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: سَمِعَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ مِنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ هَذَا الْوَاحِدَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم «بَيْعِ التَّصَاوِيرِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا رُوحٌ وَمَا يُكْرَهُ مِنْ ذَلِكَ» ، أما التي فيها روح فلا تجوز.
2225 قوله: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ وجه الدلالة منه أن الذي يعذب بسبب صنعه لا يجوز بيعه، وهي الصور التي فيها روح.
قوله: «فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ» ، يعني: انتفخ وارتعد.
قوله: «وَيْحَكَ، إِنْ أَبَيْتَ إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ» فما ليس فيه روح كالشجر، أو النهر، أو البيت، أو الطائرة، أو السيارة، فلا بأس.
أما ذوات الأرواح: كالآدميين، والحيوانات، والحشرات، والحيتان، والطيور، فلا يجوز تصويرها.
أما المؤلف رحمه الله فأشار في ترجمته بالكراهة للصور التي ليست فيها روح.
وتصوير ذوات الأرواح نوعان:
الأول: التصوير المجسم؛ أي: الصور التي لها جسم مثل ما هو موجود الآن من خشب أو من طين أو من زجاج أو من فخار أو من غيرها من الأشياء الجديدة كالبلاستيك وما أشبهه، كل هذه تسمى صورًا مجسمة وهي محرمة بإجماع العلماء.
الثاني: التصوير غير المجسم كالتصوير في الفرش والبسط والورق والصور الشمسية والفوتوغرافية، وهي محرمة عند جمهور العلماء؛ لعموم النصوص كقوله ﷺ: إِنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُصَوِّرُونَ [(259)]، وقوله ﷺ: مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فِي الدُّنْيَا كُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ [(260)]، وقوله ﷺ: كُلُّ مُصَوِّرٍ فِي النَّارِ [(261)]، وقول علي لأبي الهياج الأسدي: «ولا صورة إلا طمستها» [(262)]، فيشمل ما كان مجسمًا وغير مجسم.
وقالت طائفة من العلماء: يجوز التصوير غير المجسم وقالوا: إن الصور الشمسية ليست صورة، وإنما هي حبس وإمساك للظل، وهي عبارة عن خط، واستدلوا بقوله ﷺ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ [(263)] يعني: إلا صورة في ثوب؛ فدل على أن الصورة التي ليس لها جسم جائزة، والصواب المنع؛ لعموم النصوص كما سبق، ولأن الطمس إنما يكون فيما لا ظل له، ولأن النبي ﷺ لما فتح مكة وجد في الكعبة صورًا فأمر بها فمحيت[(264)]، وهذه الصور ليس لها ظل.
وأما قوله ﷺ: إِلَّا رَقْمًا فِي ثَوْبٍ ، فهذا مستثنى من عدم دخول الملائكة، لا من التصوير؛ لأن أول الحديث: إنَّ المَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ [(265)].
والصور إذا كانت في الوسائد والفرش جاز إبقاؤها ولا تمنع دخول الملائكة، لأنها توطأ وتنتهك، فيكون الاستثناء متصلاً، ويحتمل أن يكون المراد بالرقم النقوش، إلا أن النقوش غير الصور فيكون الاستثناء منقطعًا.
وأما تصوير غير ذوات الأرواح كالشجر والنهر فمن العلماء من منعه، واستدلوا بحديث: فَلْيَخْلُقُوا ذَرَّةً، أَوْ لِيَخْلُقُوا حَبَّةً أَوْ لِيَخْلُقُوا شَعِيرَةً [(266)]. وقالوا: إن الذرة والحبة والشعيرة ليس لها روح، والصواب: أن صور غير ذوات الأرواح جائزة؛ لما جاء في الحديث أن النبي ﷺ قال: فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي فِي الْبَيْتِ يُقْطَعُ، فَيَصِيرُ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ [(267)] فإذا كان في ستر تقطع الصور، وتكون كهيئة الشجر، فدل على جواز صور غير ذوات الأرواح.
وكذلك لا ينبغي التحنيط وإن لم يكن فيه صورة؛ لأن من رآه يظن أنه صورة فيكون إعلامًا له بأنه تصوير ويكون حثًّا له على التصوير.
والتصوير بكاميرات الفيديو لا يجوز مطلقًا.
أما الضرورة كالصورة في البطاقة الشخصية أو جواز السفر أو في الشهادة العلمية أو في رخصة القيادة فهذا مستثنى، قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعَام: 119].
المتن:
باب تَحْرِيمِ التِّجَارَةِ فِي الْخَمْرِ
وَقَالَ جَابِرٌ : حَرَّمَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْعَ الْخَمْرِ.
2226 حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَْعْمَشِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَمَّا نَزَلَتْ آيَاتُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ عَنْ آخِرِهَا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ فَقَالَ: حُرِّمَتْ التِّجَارَةُ فِي الْخَمْرِ.
الشرح:
2226 في الحديث: تحريم التجارة في الخمر؛ لأن الخمر حرام، وإذا حرَّم الله شيئًا حرم ثمنه.
ومن العلماء من قال: إن الخمر حرمت قبل ذلك، وإن النبي ﷺ أعاد تحريمها.
وقد لعن النبي ﷺ عشرًا في الخمر، لعن الخمر نفسها، وشاربها، وبائعها، ومبتاعها ـ يعني: المشتري ـ وعاصرها، ومعتصرها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها[(269)].
المتن:
باب إِثْمِ مَنْ بَاعَ حُرًّا
2227 حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان إثم من باع حرًّا عامدًا متعمدًا، والمراد من بني آدم.
2227 ذكر المؤلف رحمه الله هذا الحديث القدسي، والحديث القدسي من كلام الله تعالى لفظًا ومعنى.
قوله: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ جاء في اللفظ الآخر: وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [(270)].
قوله: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وهذا الأول، رجل أعطى بالله يعني: عاهد عهدًا وحلف عليه بالله ثم نقضه، وهذا عليه الوعيد الشديد، ويدل هذا على أنه من كبائر الذنوب.
قوله: وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وهذا الثاني، رجل باع رجلاً حرًّا؛ أي: كان حرًّا فحبس حريته فجعله مثل الأرقاء.
قوله: وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ. وهذا الثالث، والخبر يدل على الوعيد الشديد، وأن كل واحد من هؤلاء الثلاثة فعله من كبائر الذنوب، ويدل على شدة التحريم.
المتن:
باب أمر النبي ﷺ اليهود ببيع أرَضِيهم حين أجلاهم
فيه المقبري عن أبي هريرة.
الشرح:
قوله: «أرَضيهم» بفتح الراء بلا ألف، ولم يذكر فيه حديثًا، وذكر الشارح إلى أنه يشير إلى ما أخرجه في الجهاد في باب: «إخراج اليهود من جزيرة العرب» من طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: بينما نحن في المسجد إذ خرج علينا النبي ﷺ فقال: انْطَلِقُوا إِلَى يَهُودَ ، وفيه: فقال: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُجْلِيَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَرْضِ، فَمَنْ يَجِدْ مِنْكُمْ بِمَالِهِ شَيْئًا فَلْيَبِعْهُ [(271)]، ويكون المصنف أخذ بيع الأرضين بعموم بيع المال.
المتن:
باب بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً
وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَدْ يَكُونُ الْبَعِيرُ خَيْرًا مِنْ الْبَعِيرَيْنِ.
وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ: آتِيكَ بِالآْخَرِ غَدًا رَهْوًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لاَ رِبَا فِي الْحَيَوَانِ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً.
2228 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ ، قَالَ: كَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع العبد والحيوان نسيئة، والتقدير بيع العبد بالعبد والحيوان بالحيوان نسيئة ـ يعني: مؤجلاً ـ وعطف الحيوان على العبد من عطف العام على الخاص.
قوله: «وَاشْتَرَى ابْنُ عُمَرَ رَاحِلَةً بِأَرْبَعَةِ أَبْعِرَةٍ مَضْمُونَةٍ عَلَيْهِ يُوفِيهَا صَاحِبَهَا بِالرَّبَذَةِ» أي: لا بأس أن يكون البعير بالبعيرين أو بثلاثة، وليس فيه ربًا على الصحيح.
قوله: «وَاشْتَرَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ بَعِيرًا بِبَعِيرَيْنِ فَأَعْطَاهُ أَحَدَهُمَا وَقَالَ: آتِيكَ بِالآْخَرِ غَدًا رَهْوًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ» ، يعني: سهلاً سريعًا من غير مطل.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لاَ رِبَا فِي الْحَيَوَانِ الْبَعِيرُ بِالْبَعِيرَيْنِ وَالشَّاةُ بِالشَّاتَيْنِ إِلَى أَجَلٍ» . هذا هو الصواب.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بَعِيرٌ بِبَعِيرَيْنِ نَسِيئَةً» هذا صحيح.
جاء في بعض نسخ صحيح البخاري بعد الترجمة: قوله: «ودرهم بدرهم نسيئة» وهذا غلط من ابن سيرين رحمه الله ـ إن صح عنه ـ إلا إذا كان يقصد القبض، وإلا فبيع الدرهم بدرهم نسيئة منكر؛ لأنه ربًا.
2228 قوله: «كَانَ فِي السَّبْيِ صَفِيَّةُ، فَصَارَتْ إِلَى دَحْيَةَ الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ» يشير إلى بعض طرق الحديث عند مسلم رحمه الله أن النبي ﷺ عوض دحية عنها رضي الله عنها بسبعة أرؤس[(272)]، ولا بأس به.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بَاب بَيْعِ الْعَبِيدِ وَالْحَيَوَانِ بِالْحَيَوَانِ نَسِيئَةً» التقدير بيع العبد بالعبد نسيئة والحيوان بالحيوان نسيئة، وهو من عطف العام على الخاص، وكأنه أراد بالعبد جنس من يستعبد فيدخل فيه الذكر والأنثى، ولذلك ذكر قصة صفية رضي الله عنها، أو أشار إلى إلحاق حكم الذكر بحكم الأنثى في ذلك لعدم الفرق، قال ابن بطال: اختلفوا في ذلك فذهب الجمهور إلى الجواز» اهـ.
والجواز هو الصواب، وبعض العلماء منع من ذلك، وقال: بيع الحيوان بالحيوان ربًا.
وقال الحافظ رحمه الله: «لكن شرط مالك أن يختلف الجنس، ومنع الكوفيون وأحمد مطلقًا لحديث سمرة المخرَّج في السنن[(273)] ورجاله ثقات إلا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة» اهـ.
والصواب: أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة، وهذا الحديث الذي فيه منع بيع الحيوان بالحيوان نسيئة ضعيف، والكوفيون يعني: الأحناف.
ثم قال الحافظ رحمه الله: «وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما عند البزار والطحاوي ورجاله ثقات أيضًا إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، فرجح البخاري رحمه الله وغير واحد إرساله، وعن جابر عند الترمذي وغيره وإسناده لين، وعن جابر بن سمرة عند عبد الله في زيادات المسند، وعن ابن عمر رضي الله عنهما عند الطحاوي والطبراني، واحتج للجمهور بحديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي ﷺ أمره أن يجهز جيشًا.
وفيه: فابتاع البعير بالبعيرين بأمر رسول الله ﷺ. أخرجه الدارقطني[(274)] وغيره، وإسناده قوي؛ واحتج البخاري رحمه الله هنا بقصة صفية رضي الله عنها واستشهد بآثار الصحابة» . اهـ.
المتن:
باب بَيْعِ الرَّقِيقِ
2229 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ مُحَيْرِيزٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُصِيبُ سَبْيًا، فَنُحِبُّ الأَْثْمَانَ، فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟ فَقَالَ: أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلاَّ هِيَ خَارِجَةٌ.
الشرح:
2229 قوله: «نُصِيبُ سَبْيًا» يعني: إماء تسبى من العدو وتوزع، فإذا وقع في سهم الإنسان جارية فإنه يطؤها بعد أن يستبرئ رحمها بحيضة.
قوله: «فَنُحِبُّ الأَْثْمَانَ، فَكَيْفَ تَرَى فِي الْعَزْلِ؟» يعني: إنا نحب أن نبيعها ونحب أن نتسراها ولا نحب أن تحمل ونريد أن نعزل؛ لأنها إذا حملت صارت أم ولد فلا تباع، والعزل معناه إنزال المني خارج الفرج حتى لا تحمل؛ فالنبي ﷺ رخَّص لهم في العزل، وقال: أَوَإِنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ لاَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا ذَلِكُمْ؛ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ نَسَمَةٌ كَتَبَ اللَّهُ أَنْ تَخْرُجَ إِلاَّ هِيَ خَارِجَةٌ. ومثل حديث جابر : «كنا نعزل على عهد النبي ﷺ والقرآن ينزل» [(275)]، والمعنى أنه لا بأس بالعزل، وإذا أراد الله أن تحمل المرأة سبقه الماء، وجاء في الحديث الآخر أن رجلا قال: يا رسول الله أنعزل؟ قال: اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ثم جاء بعد مدة فقال: يا رسول الله إن الجارية قد حملت فقال: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا [(276)]. فإذا أراد الله أن يخلق نسمة سبقه الماء، وما من جميع الماء يكون الولد؛ فالولد يكون من بعض الماء.
والحديث: دليل على أنه لا بأس ببيع الأمة التي يتسراها الإنسان.
قال العلماء: لابد من استئذان الحرة في العزل، لأن لها حقًّا في الولد؛ أما الأمة فلا تحتاج إلى استئذان.
واستدل بهذا الحديث: على جواز استخدام الحبوب المانعة للحمل، لكن ينبغي ألا يعتقد أن العزل والحبوب تمنع خلق ما كتبه الله ، وهذه الوسائل تستخدم عند الحاجة بشرط ألا تكون مضرة بالصحة.
المتن:
باب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ
2230 حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: بَاعَ النَّبِيُّ ﷺ الْمُدَبَّرَ.
2231 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، يَقُولُ: بَاعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ.
2232، 2233 حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ قَالَ: حَدَّث ابْنُ شِهَابٍ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ وَأَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُسْأَلُ عَنْ الأَْمَةِ تَزْنِي وَلَمْ تُحْصَنْ؛ قَالَ: اجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ.
2234 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ: إِذَا زَنَتْ أَمَةُ أَحَدِكُمْ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ عَلَيْهَا، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ فَلْيَجْلِدْهَا الْحَدَّ، وَلاَ يُثَرِّبْ، ثُمَّ إِنْ زَنَتْ الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَلْيَبِعْهَا، وَلَوْ بِحَبْلٍ مِنْ شَعَرٍ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان حكم بيع المدبر؛ والمدبر هو الذي عَلَّق مالكه عتقه بموته، كأن يقول: هذا العبد حر بعد موتي؛ وسمي بذلك لأن الموت دُبر الحياة، أو لأن فاعله دبر أمر دنياه وآخرته، أما دنياه فباستمراره على الانتفاع بخدمة عبده وآخرته بثواب العتق، ولأن عتقه إنما يكون بعد حياته فهل يجوز بيعه أو لا يجوز؟
2230، 2231 تقدم في «بَاب بَيْعِ الْمُزَابَنَةِ» ، أن رجلاً أعتق غلامًا له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي ﷺ فقال: مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟ فاشتراه نعيم بن عبدالله [(277)]؛ فدلَّ هذا على أنه إذا احتاج إلى ثمنه فلا بأس ببيعه، وكذلك إذا كان له غرماء وقد أفلس فإنه يباع ويقسم بين الغرماء.
والمقصود أن المدبر يباع، وجاء في الحديث الآخر أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له، فأرق النبي ﷺ أربعة وأمضى اثنين[(278)].
2232، 2233 قال العلماء: والحكمة في بيع الأمة إذا زنت التأديب لها فقد يكون البائع الثاني أهيب من السيد الأول فيؤدبها ويزجرها أو يعفها فيتسراها هو أو يزوجها.
ووجه الاستدلال للترجمة عموم الأمر ببيع الأمة إذا زنت، وتشمل ما إذا ما كانت مدبرة أو غير مدبرة، ويؤخذ منه جواز بيع المدبر في الجملة؛ لأن النبي ﷺ أمر ببيع الأمة إذا زنت ولم يقل: إذا كانت مدبرة فلا تباع، والأمر بالبيع للوجوب، ولابد بإخبار البائع المشتري بهذا العيب وهو الزنا، ولا يجوز أن يبيعها ويسكت.
المتن:
باب هَلْ يُسَافِرُ بِالْجَارِيَةِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا؟
وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِذَاوُهِبَتْ الْوَلِيدَةُ الَّتِي تُوطَأُ أَوْ بِيعَتْ أَوْ عَتَقَتْ فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ وَلاَ تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون: 6].
2235 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ خَيْبَرَ، فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ، وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا، وَكَانَتْ عَرُوسًا؛ فَاصْطَفَاهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِنَفْسِهِ، فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغْنَا سَدَّ الرَّوْحَاءِ حَلَّتْ؛ فَبَنَى بِهَا، ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ، فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ عَلَى صَفِيَّةَ، ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَ: فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ، فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ.
الشرح:
هذه الترجمة في بيان السفر بالجارية، يعني: الأمة التي سبيت من العدو هل يسافر بها قبل أن يستبرئها بحيضة أو ينتظر حتى تطهر من حيضتها؟
وقد ذكر المؤلف رحمه الله آثارًا تدل على أنه لا بأس بأن يسافر بها، ولا بأس بأن يستمتع بها بما دون الفرج حتى يستبرئها بحيضة؛ لأن هذه الوليدة التي سبيت من العدو قد يكون لها زوج سابق وطئها فلابد أن يستبرئ رحمها بحيضة حتى لا يختلط ماؤه بماء الرجل السابق، والمرأة إذا سبيت من العدو ينفسخ نكاحها من زوجها الكافر السابق بمجرد السبي، قال الله : وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النِّسَاء: 24]، يعني: يحرم عليكم المحصنات من النساء إلا ما ملك الإنسان، ويسمون بملك اليمين، فإذا قاتل المسلمون الكفار وغنموا ذراريهم ونساءهم صارت النساء إماء للمسلمين، فيوزعها قائد الجيش أو الإمام على الغانمين، ومن وقع في سهمه جارية فإنها تكون أمة يسترقها، وله أن يطأها لكن بعد أن يستبرئ رحمها بحيضة، وإذا كانت حاملاً فلابد من وضع الحمل.
قوله: «وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُقَبِّلَهَا أَوْ يُبَاشِرَهَا» ، يعني: لا بأس أن يقبلها ويباشرها ويستمتع بها، لكن ليس له أن يطأها حتى تحيض وتفرغ من حيضتها ويتبين أن رحمها سليم ليس فيه ولد حتى لا يجتمع الماءان، وحتى لا تختلط الأنساب، وحتى لا يسقي ماءه زرع غيره.
قوله: «إِذَاوُهِبَتْ الْوَلِيدَةُ» الوليدة هي الجارية، ولو كانت حرة قبل أن تسبى، ولو كانت من أرفع الناس نسبًا، ولو كانت جميلة، ولهذا لما قاتل النبي ﷺ اليهود صارت صفية رضي الله عنها جارية وهي بنت سيد اليهود حيي بن أخطب، وكذلك جويرية بنت الحارث رضي الله عنها كانت من أرفع العرب فلما جاءهم النبي ﷺ بالإسلام ولم يقبلوا أغار عليهم وهم غافلون وأنعامهم تسقى على الماء ـ وقد سبق أن بلغتهم الدعوة ـ فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، واصطفى لنفسه جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.
قوله: «فَلْيُسْتَبْرَأْ رَحِمُهَا بِحَيْضَةٍ» فليس له أن يطأها قبل أن يستبرئها بحيضة ـ سواء كانت وهبت له أو صارت من قسمه ـ أو تضع الحمل إذا كانت حاملاً؛ حتى لا تختلط الأنساب، وحتى لا يطأ جارية فيها ماء غيره.
قوله: «وَلاَ تُسْتَبْرَأُ الْعَذْرَاءُ» يعني: البكر؛ لأن تحقق براءة الرحم معلوم، وذهب الجمهور من العلماء إلى أن العذراء تستبرأ كغيرها وهو الصواب لحديث: «لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» [(279)] وهذا عام يشمل العذراء وغيرها، ولأنه قد يظن أنها عذراء فتكون غير عذراء فلابد أن يحتاط؛ فالقول بالاستبراء فيه سد للذريعة.
وأما قول ابن عمر رضي الله عنهما هنا فهو اجتهاد منه أخذ به بعض أهل العلم، ولكن ما ذهب إليه جمهور العلماء هو الصواب، وهو أنه لابد أن تستبرأ حتى ولو كانت عذراء.
قوله: «لاَ بَأْسَ أَنْ يُصِيبَ مِنْ جَارِيَتِهِ الْحَامِلِ مَا دُونَ الْفَرْجِ» ، يعني: إذا أصاب جارية وهي حامل ليس له أن يطأها حتى تضع حملها، لكن لا بأس أن يستمتع بها فيقبلها أو يلمسها، لكن لا يجامعها حتى تضع حملها.
قوله: «وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ [المؤمنون: 6]» ، يعني: أن ما ملكت يمينه لا يمنع من الاستمتاع بها.
2235 ذكر حديث أنس في اصطفاء النبي ﷺ لصفية بنت حيي رضي الله عنها وبنائه بها.
قوله: «حَلَّتْ» أي: طهرت من حيضها، وهذا هو الشاهد.
والصواب: أن النبي ﷺ أعتقها وجعل عتقها صداقها فصارت حرة، ولهذا اختلف الصحابة هل هي أمة والنبي ﷺ وطئها على أنها أمة، أم أنها من أمهات المؤمنين؟ فقالوا: انظروا إن حجبها النبي ﷺ فهي من أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فليست من أمهات المؤمنين، فلما بنى بها حجبها النبي ﷺ وجعل يحوي رداءه حتى تركب فعرفوا أنها من أمهات المؤمنين[(280)].
قوله: «ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ» . الحيس هو: تمر وأقط يعجنان بالسمن.
قوله: آذِنْ مَنْ حَوْلَكَ قاله النبي ﷺ لأنس يعني: أخبرهم أن يأتوا للوليمة، والوليمة كانت حيسًا.
وفيه: دليل على أن الوليمة لا يشترط أن يكون فيها لحم، ولا يشترط أن تكون ذبيحة، لكن الأفضل أن يكون في الوليمة لحم، وأقلها شاة، وفي وليمته ﷺ على زينب رضي الله عنها أشبع الناس خبزًا ولحمًا[(281)].
قوله: «فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ» فعرفوا أنها من أمهات المؤمنين، ولو كانت أمة ما حجبها ﷺ.
والشاهد: أن النبي ﷺ استبرأ صفية رضي الله عنها بحيضة قبل أن يبني بها؛ فدل على أن الجارية التي توهب أو تسبى من المشركين لابد أن تستبرأ قبل الوطء بحيضة إلا إذا كانت حاملاً فلابد من وضع الحمل.
المتن:
باب بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالأَْصْنَامِ
2236 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ؛ فَإِنَّهَا يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ: لاَ؛ هُوَ حَرَامٌ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عِنْدَ ذَلِكَ: قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ؛ إِنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ شُحُومَهَا جَمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ.
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ كَتَبَ إِلَيَّ عَطَاءٌ سَمِعْتُ جَابِرًا عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
الشرح:
2236 في الحديث: تحريم بيع الميتة والأصنام والخنزير كما ترجم المؤلف رحمه الله.
قوله: «أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: عَامَ الْفَتْحِ، وَهُوَ بِمَكَّةَ: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ»» لقد فرض تحريم الخمر قبل عام الفتح في العام السابع من الهجرة، والنبي ﷺ أعاد تحريمها تبليغًا للناس.
وحكمة تحريم الخمر لأنها تغيب العقول، كما أن تحريم الميتة لأنها نجسة، والخنزير كذلك نجس، والأصنام لأنها تعبد من دون الله .
والميتة ما مات دون ذكاة شرعية، والخنزير حيوان معروف يأكله اليهود والنصارى، وإذا نزل عيسى فإنه يقتل الخنزير.
قوله: «وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟» ، يعني: يضعون شحوم الميتة في المصباح ـ وهو السراج ـ وكان الناس قبل أن توجد الكهرباء يستخدمون الزيت أو الشحم أو الدهن في إشعال المصابيح.
قوله: لاَ؛ هُوَ حَرَامٌ يعني: الانتفاع بشحوم الميتة حرام، كما أن بيعها حرام.
قوله: جَمَلُوهُ يعني: ذابوه.
وفيه: تحريم الحيل، وأنه لا يجوز للإنسان أن يحتال على ما حرم الله بأن يذيب الشحم ويقول: أنا لم أبع الميتة وإنما بعت الودك أو الدهن! فهذه حيلة لا تنفع عند الله ، وقد حرم الله على اليهود اصطياد الحوت يوم السبت فاحتالوا ونصبوا شباكهم يوم الجمعة فصارت تصيد يوم السبت ويأخذونها يوم الأحد، وقالوا: ما صدنا يوم السبت، فمسخهم الله قردة وخنازير ـ نعوذ بالله ـ فشحوم الميتة حرام بأية وسيلة سواء أذيبت أو لم تذب.
وهناك إجماع من أهل العلم على تحريم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام، وكلها لا يجوز الانتفاع بها، إلا إذا كانت الأصنام من الذهب أو الفضة فتكسر وتستعمل في شيء آخر.
المتن:
باب ثَمَنِ الْكَلْبِ
2237 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَْنْصَارِيِّ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ.
2238 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: رَأَيْتُ أَبِي اشْتَرَى حَجَّامًا، فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ؛ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ، قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَثَمَنِ الْكَلْبِ، وَكَسْبِ الأَْمَةِ، وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ، وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ.
الشرح:
لم يجزم المؤلف رحمه الله بالتحريم لوجود الخلاف، والصواب أن ثمنه حرام، والأصل أن يقول: «باب ثمن الكلب حرام» .
2237 قوله في حديث أبي مسعود الأنصاري : «نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» . النهي يفيد التحريم، فنهيه ﷺ عن ثمن الكلب يدل على أن ثمنه حرام، وأنه لا يباع.
أما البغي الزانية فمهرها هو أجرتها على الزنا، وسمي مهرًا تشبيهًا له بالمهر؛ فما تعطاه الزانية على الزنا سحت حرام.
قوله: «وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ» أي: أجرته على الكهانة، وسمي حلوانًا لأنه يأخذه حلوًا بدون مشقة وبدون تعب فهذا حرام وكسب خبيث.
وهذا هو الصواب أن ثمن الكلب حرام, وهو عام في كل كلب سواء أكان معلمًا أم غير معلم، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء، وهو الصواب.
وأجاز أبو حنيفة رحمه الله[(282)] بيع الكلب الذي فيه منفعة وأوجب القيمة على متلفه.
وعن مالك رحمه الله روايات[(283)]:
الأولى: لا يجوز البيع وتجب القيمة.
الثانية: كقول أبي حنيفة رحمه الله.
الثالثة: كقول الجمهور.
والبخاري رحمه الله لم يجزم في الترجمة مراعاة للخلاف، والصواب قول الجمهور؛ لأن النبي ﷺ نهى عنه والنهي يفيد التحريم إلا بصارف ولا صارف.
2238 قوله: «اشْتَرَى حَجَّامًا، فَأَمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ» ، يعني: اشترى غلامًا عبدًا حجامًا، وكسر محاجمه وهي الأدوات التي يستخدمها في عمل الحجامة، سدًّا للذريعة حتى لا يستعملها في الحجامة؛ لأن ثمن الحجامة رديء؛ لأن النبي ﷺ نهى عن ثمن الحجامة.
قوله: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ ثَمَنِ الدَّمِ» . اختلف في المراد بثمن الدم فقيل المراد أجرة الحجامة، وقيل: هو على ظاهره وأن المراد تحريم بيع الدم كما يحرم بيع الميتة والخنزير، وبيع الدم حرام وأخذ ثمنه حرام، فلو تبرع الإنسان بدمه فلا يجوز أن يأخذ عليه ثمنًا، أما إذا كان هدية أو شيئًا تعطيه له الجهة المتبرع إليها فأرجو ألا يكون هناك حرج.
وأبو جحيفة قد أَوَّل النهي عن ثمن الدم أن المراد بثمنه الحجامة، ولهذا أمر بالمحاجم فكسرت خشية أن يدخل ثمن الحجامة في الطعام والشراب لأنه كسب رديء، فهذا مقصود أبي جحيفة ، ولكن الرسول ﷺ كان أورع من أبي جحيفة ومع ذلك فإن أبا طيبة حجم النبي ﷺ وأعطاه أجرته وأمر مواليه أن يخففوا عنه خراجه[(284)].
قوله: «وَكَسْبِ الأَْمَةِ» يعني: كسب الجارية من الزنا؛ لأنها إذا ترك لها الكسب فقد يكون كسبها من فرجها إن لم تجد ببيعها وشرائها أو في عملها بيدها كسبًا؛ ولذلك نهى النبي عن كسبها سدًّا للباب، وإلا لو كسبت الأمة كسبًا مباحًا فلا حرج.
قوله: «وَلَعَنَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ» . الواشمة هي التي تفعل الوشم، والمستوشمة هي التي يُفعل بها الوشم؛ والوشم هو أن يشق الجلد حتى يخرج الدم، ثم يصب فيه شيء من الكحل فيبقى ولا يزيله الماء؛ وهذا يجب إزالته إلا إذا كان يشق عليه.
فالواشمة ملعونة والمستوشمة التي يفعل بها وهي راضية ملعونة، وهذا يدل على أن الوشم من الكبائر.
قوله: «وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ» ، أي: كل منهما ملعون.
قوله: «وَلَعَنَ الْمُصَوِّرَ» أي: الذي يصور ذوات الأرواح؛ لأنه مرتكب لكبيرة، والراضي كالفاعل؛ فالذي يرضى بالصورة حكمه حكم المصور، ويستثنى من ذلك الصورة التي للضرورة التي لا يستطيع الناس تركها، قال الله تعالى: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ [الأنعَام: 119]، وذلك كالصور في الأوراق النقدية وفي بطاقة الأحوال الشخصية وفي رخصة القيادة وجواز السفر والشهادة العلمية وما أشبه ذلك، فهذا مستثنى، وما عدا ذلك فلا يجوز للإنسان أن يقتني الصور ولا أن يصور.