المتن:
(36)كِتَاب السِّلَمِ
باب السَّلَمِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ
2239 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الْمَدِينَةَ، وَالنَّاسُ يُسْلِفُونَ فِي الثَّمَرِ الْعَامَ وَالْعَامَيْنِ أَوْ قَالَ عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، شَكَّ إِسْمَاعِيلُ فَقَالَ: مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ بِهَذَا: فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ.
الشرح:
السَّلَمَ هو السلف وزنًا ومعنًى، وهو تعجيل الثمن وتأجيل المبيع، أو يقال: هو بيع موصوف في الذمة ببدل يعطى عاجلاً، وقيل: السلف تقديم رأس المال، والسلم تسليمه في المجلس، وقيل: السلم والسلف واحد، باعتبار أن السلف لغة أهل العراق، والسلم لغة أهل الحجاز، وهذا هو الصواب.
والسلم عكس المداينة؛ فالمداينة تعجيل المبيع وتأجيل الثمن، والسلم تعجيل الثمن وتأجيل المبيع.
وشرطه أن يكون له أجل محدد معلوم، وإذا كان مكيلاً فلابد أن يكون بكيل معلوم، أو كان موزونًا فلابد أن يكون بوزن معلوم، وأن يكون موصوفًا بوصف تام في الذمة، ولابد أن يقدم الثمن، وأما السلعة فتؤجل لمدة سنة أو ستة أشهر أو خمسة أشهر، لكن لابد أن يكون الأجل معلومًا فلا يكون مجهولاً.
2239 قوله: مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، وفي لفظ آخر: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ [(285)] فلابد أن يكون بكيل معلوم إذا كان مكيلاً، أو بوزن معلوم إذا كان موزونًا، ولابد أن يكون الوصف مضبوطًا، ولابد أن يكون لأجل معلوم.
ومثال ذلك أن يعطيه مثلاً مائة درهم بمائة وزنٍ من التمر موصوفًا في الذمة، يتم تسليمه في المدينة، في وقت كذا أو في شهر كذا أو في وقت الحصاد، ويعطيه الثمن مقدمًا في الحال، وكل منهما منتفع، فهذا منتفع بالدراهم، وذا ينتفع بالسلعة حينما يأخذها رخيصة بأقل من ثمنها، وهذا غالبًا ما يستعمله الفلاحون، فمثلاً يأتي المشتري ويعطي الفلاح ألف درهم بألف كيلو ـ مثلاً ـ من التمر، فالفلاح يأخذ الألف درهم يستعملها في حاجاته؛ فيشتري بها بهيمة الأنعام من الإبل أو البقر أو الغنم ويشتري بها علفًا لدوابه، ويشتري بها طعامًا لأهله، والثاني ينتفع بأنه أخذ التمر بأقل من ثمنه، فكل منهما مستفيد، ومثله الآن لو أسلف في سيارة؛ فأعطاه مثلاً خمسين ألفًا أو ستين ألفًا في سيارة صفتها كذا وموديلها كذا بعد ستة أشهر أو بعد سنة فهذا يقال له: سلم، ويقال له: سلف.
المتن:
باب السَّلَمِ فِي وَزْنٍ مَعْلُومٍ
2240 حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ بِالتَّمْرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ وَقَالَ: فَليُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
2241 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، يَقُولُ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَقَالَ: فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
الشرح:
2240، 2241 في هذين الحديثين: أنه لابد أن يكون الوزن والكيل معلومين.
قوله: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ، هذا عام؛ فكلمة «شَيْءٍ» تشمل المكيل والموزون والحيوانات والسيارات وغيرها بشرط أن توصف بأوصاف مضبوطة، أما الحديث الذي في الترجمة السابقة: مَنْ سَلَّفَ فِي تَمْرٍ [(286)]، فهذا خاص بالثمار؛ فيشمل المكيل ويشمل الموزون.
ولا يشترط في السلم أن يكون عند البائع السلعة، بل من الممكن إذا حل الأجل أن يشتري له هذه السلعة بأوصافها كاملة.
أما ما يفعله بعض الباعة الذين إذا طلب منهم سلعة فيقول: ليس عندي الآن ولكن أحضرها لك، فأسلم لي بعض المبلغ أو كله فهذا يدخل في بيع ما لا يملك، والصواب أن لا يسلمه شيئًا، وإنما يعده فيقول: تأتينا في الوقت الفلاني فإذا اشتريناها فهي لك.
المتن:
2242، 2243 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ ابْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ.
وحَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ.
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدٌ أَوْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْمُجَالِدِ قَالَ: اخْتَلَفَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ وَأَبُو بُرْدَةَ فِي السَّلَفِ فَبَعَثُونِي إِلَى ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: إِنَّا كُنَّا نُسْلِفُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ، وَالتَّمْرِ، وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبْزَى فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ.
الشرح:
2242، 2243 في الحديث: دليل على أن السلف يكون في الحنطة والشعير والزبيب والتمر، كما كانوا يسلفون على عهد رسول الله ﷺ، ويكون في غيره أيضًا كالحيوانات والسيارات والسكر والأرز، فمثلاً تعطيه عشرة آلاف في مائة كيس من الأرز مضبوطة بأوصاف محددة؛ فكيلها كذا ووزنها كذا وعددها كذا، أو في حيوان أو سيارة، فشرط كل منها أن يكون الوصف منضبطًا والأجل محددًا.
وفيه: الرجوع إلى أهل العلم عند الاختلاف؛ فإن عبدالله بن شداد وأبا بردة اختلفا فبعثا ابن أبي المجالد إلى ابن أبي أوفى يسألانه، فبيَّن لهما السنة، وأنهم كانوا يسلفون على عهد رسول الله ﷺ في ذلك، فيجب الرجوع إلى النصوص من الكتاب والسنة عند النزاع، كما يقول الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَومِ الآخِرِ [النِّسَاء: 59].
قوله: «وَسَأَلْتُ ابْنَ أَبْزَى فَقَالَ: مِثْلَ ذَلِكَ» ، وابن أبزى هو: عبدالرحمن المكي.
المتن:
باب السَّلَم إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ
2244، 2245 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْمُجَالِدِ قَالَ: بَعَثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ وَأَبُو بُرْدَةَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما فَقَالاَ: سَلْهُ هَلْ كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ يُسْلِفُونَ فِي الْحِنْطَةِ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّأْمِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ قُلْتُ: إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُهُ عِنْدَهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ بَعَثَانِي إِلَى عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ أَلَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لاَ.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ بِهَذَا وَقَالَ: فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ سُفْيَانَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ وَقَالَ: وَالزَّيْتِ.
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ وَقَالَ: فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ.
2246 حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ الطَّائِيَّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ، قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُوكَلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ وَأَيُّ شَيْءٍ يُوزَنُ؟ قَالَ: رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ حَتَّى يُحْرَزَ.
وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيِّ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما نَهَى النَّبِيُّ ﷺ مِثْلَهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة في «السَّلَم إِلَى مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ أَصْلٌ» والمراد أصل الشيء الذي يسلم فيه فأصل الحب مثلاً الزرع، وأصل الثمر الشجر، والغرض من الترجمة أنه لا يشترط في الذي تسلم إليه أن يكون صاحب بستان أو عنده زرع، أو يكون صاحب نخل، بل قد لا يكون عنده زرع ولا عنده نخل وتسلم إليه مثلاً خمسة آلاف بألف من التمر وإذا جاء الوقت يشتريها لك من السوق.
ولو أسلف في نخل معين لا يصح، وإنما يسلم في ذمته كما سيأتي.
2244، 2245 قوله: «كُنَّا نُسْلِفُ نَبِيطَ أَهْلِ الشَّأْمِ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّيْتِ» الأنباط هم الشوام الذين اختلطت أنسابهم ودخلوا في الأعاجم.
قوله: «إِلَى مَنْ كَانَ أَصْلُهُ عِنْدَهُ قَالَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ» فالأنباط ليس عندهم أصل المسلم فيه من نخيل وزرع وغير ذلك.
وقوله: «ثُمَّ بَعَثَانِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ ﷺ يُسْلِفُونَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ نَسْأَلْهُمْ أَلَهُمْ حَرْثٌ أَمْ لاَ» ؛ لأنه لا يشترط أن يكون عندهم زرع.
قوله: «فِي الْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ، وَالزَّبِيبِ» يعني: لا بأس أن يسلف في أي: شيء؛ فالمهم أن يكون كل من الكيل والوزن والوصف والأجل معلومًا.
2246 قوله: «قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ» ، أي: في نخل معين.
قوله: «قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُوكَلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ» ؛ لأنه لا يمكن أن تسلف في نخل معين فتعطيه الثمن معجلاً وتقول هذه ألف ريال بمائة كيلو من هذا النخل المعين؛ لأن النخل قد يُخرج وقد لا يُخرج، وإنما تسلف في تمر موصوف في الذمة.
قوله: «فَقَالَ: الرَّجُلُ وَأَيُّ شَيْءٍ يُوزَنُ؟ قَالَ: رَجُلٌ إِلَى جَانِبِهِ حَتَّى يُحْرَزَ» ، ويحرز بتقديم الراء على الزأي: يعني: يحفظ ويصان، وفي رواية: «حتى يحزر» [(287)] بتقديم الزأي: على الراء أي: حتى يوزن أو يخرص، وهذا إنما يكون بعد بدو صلاحه.
المتن:
باب السَّلَمِ فِي النَّخْلِ
2247، 2248 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ؟ فَقَالَ: نُهِيَ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَصْلُحَ، وَعَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ.
وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ؟ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ أَوْ يَأْكُلَ مِنْهُ وَحَتَّى يُوزَنَ.
2249، 2250 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهمَا عَنْ السَّلَمِ فِي النَّخْلِ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَصْلُحَ وَنَهَى عَنْ الْوَرِقِ بِالذَّهَبِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ وَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ بَيْعِ النَّخْلِ حَتَّى يَأْكُلَ أَوْ يُؤْكَلَ وَحَتَّى يُوزَنَ قُلْتُ: وَمَا يُوزَنُ؟ قَالَ: رَجُلٌ عِنْدَهُ حَتَّى يُحْرَزَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة للسلم في النخل يعني: في ثمر النخل.
2247، 2248 هذا الحديث محمول على السلم الحال عند من يقول به، أو ما قرب أجله، واستدل به على جواز السلم في النخل المعين من المشتري المعين لكن بعد بدو صلاحه.
ونقل ابن المنذر اتفاق الأكثر على منع السلم في بستان معين؛ لأنه غرر، والأكثر حمل الحديث على السلم الحال.
قوله: «وَعَنْ بَيْعِ الْوَرِقِ نَسَاءً بِنَاجِزٍ» الورق: الفضة، ونساء يعني: تأجيلاً؛ فلا يجوز بيع دراهم بدراهم مؤجلة، بل لا بد أن يكون يدًا بيد.
2249، 2250 قوله: «حَتَّى يُؤْكَلَ مِنْهُ أَوْ يَأْكُلَ» شك من الراوي، والمعنى واحد، والمراد حتى يطيب ويطعم.
قوله: «وَحَتَّى يُوزَنَ» هو لازم قوله: «حَتَّى يَأْكُلَ» فإنه إذا طاب أكل منه ووزن وحفظ.
وقوله: «حَتَّى يُحْرَزَ» بالراء قبل الزأي: أي: حتى يحفظ ويصان، وروي بتقديم الزاي: «حتى يحزر» [(288)] أي: حتى يخرص، والمعنى واحد، والمراد حتى ينضج ويطيب.
المتن:
باب الْكَفِيلِ فِي السَّلَمِ
2251 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَّمٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الأَْسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِنَسِيئَةٍ، وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ.
الشرح:
2251 في الحديث: أن النبي ﷺ وهو أشرف الناس وأفضلهم اشترى بنفسه من هذا اليهودي وباشر البيع بنفسه.
وفيه: مباشرة الكبير والرئيس البيع بنفسه وقضاء حوائجه، وأنه ليس فيه غضاضة، فمن كان كبيرًا أو عالمًا أو داعية ويشتري لأهله الحوائج من السوق فليس في ذلك عيب ولا غضاضة، إلا إذا كان المشتري يراعيه بنقص من الثمن؛ فهذا ينبغي أن يكون له وكيل غير معروف حتى لا ينقص شيئًا من الثمن، أما إذا كان يعطيه بنفس السعر فلا بأس.
وفيه: جواز البيع نسيئة؛ فالنبي ﷺ اشترى طعامًا من يهودي بنسيئة؛ لأن بيع الدراهم بالطعام ليس من الربا، فإذا كان أحد العوضين بُرًّا أو شعيرًا أو تمرًا أو ملحًا والثاني أحد النقدين فلا بأس أن يؤجل؛ لأن النبي ﷺ اشترى طعامًا من يهودي بدراهم مؤجلة، ويقاس السلم على البيع نسيئة؛ لأن كلًّا منهما فيه تأجيل أحد العوضين، فإذا اشتريت مثلاً طعامًا من شخص والدراهم مؤجلة فهذا يسمى بيع نسيئة، والسلم بالعكس.
وفيه: جواز الرهن في الحضر؛ لأنه قال: «وَرَهَنَهُ دِرْعًا لَهُ مِنْ حَدِيدٍ» ، وأما تقييده في السفر بقول الله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ [البَقَرَة: 283] فليس قيدًا وإنما هو لبيان الأغلب؛ فالأغلب أنه في السفر يحتاج إلى الرهن.
وليس في الحديث ذكر الكفيل، ولكن المؤلف رحمه الله استنبطه من الحديث، وقاسه على الرهن؛ وذلك أنه إذا جاز الرهن في الدين جاز الكفيل بالقياس عليه، وهذا من دقائق تراجم البخاري رحمه الله.
المتن:
باب الرَّهْنِ فِي السَّلَمِ
2252 حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ، حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ فِي السَّلَفِ؛ فَقَالَ: حَدَّثنِي الأَْسْوَدُ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَارْتَهَنَ مِنْهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ
الشرح:
2252 هذا الحديث أعاده المؤلف رحمه الله لاستنباط الأحكام، والمؤلف رحمه الله قاس السلم على البيع المؤجل، فإذا كان البيع المؤجل يجوز فيه الرهن فكذلك السلم يجوز فيه الرهن؛ لأن كلًّا منهما بيع فيه أحد العوضين مؤجل وأحد العوضين مقبوض، وهذا من دقائق تراجم البخاري رحمه الله.
وفيه: جواز معاملة اليهود والمشركين والبيع معهم، وأن ذلك لا يستلزم الموالاة؛ فالموالاة شيء والمعاملة شيء آخر.
وقد تبايع النبي ﷺ مع اليهود وعاملهم، والمدينة فيها من يبيع الطعام من المسلمين، فلماذا لم يتعامل النبي ﷺ مع المسلمين؟ ولماذا اشترى من اليهودي ولم يشتر من المسلمين؟ نقول: إن ذلك لبيان الحكم الشرعي، ولأنه قد يكون غير مسلم ولكن سلعته أجود، أو هو أحسن معاملة، أو لأنه يؤجل الثمن وغيره لا يؤجل الثمن؛ ولهذا عامل النبي ﷺ اليهود، ولا يستلزم ذلك الموالاة.
المتن:
باب السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ
وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَبُو سَعِيدٍ وَالأَْسْوَدُ وَالْحَسَنُ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لاَ بَأْسَ فِي الطَّعَامِ الْمَوْصُوفِ بِسِعْرٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ مَا لَمْ يَكُ ذَلِكَ فِي زَرْعٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ.
2253 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ؛ فَقَالَ: أَسْلِفُوا فِي الثِّمَارِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْوَلِيدِ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، وَقَالَ: فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ.
2254، 2255 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي مُجَالِدٍ قَالَ: أَرْسَلَنِي أَبُو بُرْدَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى فَسَأَلْتُهُمَا عَنْ السَّلَفِ؟ فَقَالاَ: كُنَّا نُصِيبُ الْمَغَانِمَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَكَانَ يَأْتِينَا أَنْبَاطٌ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّأْمِ، فَنُسْلِفُهُمْ فِي الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالزَّبِيبِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمَّى، قَالَ: قُلْتُ: أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالاَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة للسلم إلى أجل معلوم وأنه لابد من تحديد الأجل، ويشير المؤلف رحمه الله إلى الرد على من أجاز السلم الحال في ثمر بستان معين.
2253 قوله: «قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلاَثَ» فيه: جواز أن يكون الدين والسلم على قسطين أو ثلاثة أقساط.
قوله: فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أي: إذا كان مكيلاً فلابد أن يكون الكيل معلومًا، وإذا كان موزونًا فلابد أن يكون الوزن معلومًا.
والشاهد قوله: إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ أي: لابد أن يكون إلى أجل محدد، وإذا كان الأجل مجهولاً فلا يصح.
2254، 2255 أعاد المؤلف رحمه الله حديث عبدالله بن أبي أوفى وفيه: أن الصحابة كانوا يصيبون من المغانم مع النبي ﷺ فيأتي الأنباط من أنباط الشام فيسلفونهم في الحنطة والشعير والزيت إلى أجل؛ يعني: يعطونهم دراهم يشترون بها الحنطة والشعير والزيت إلى أجل مسمًّى بعد سنة أو بعد ستة أشهر.
قوله: «أَكَانَ لَهُمْ زَرْعٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ زَرْعٌ؟ قَالاَ: مَا كُنَّا نَسْأَلُهُمْ عَنْ ذَلِكَ» ، فلا يشترط أن يكون لهم زرع، بل المهم أن يأتوا لهم بالحنطة والشعير والزيت إذا حل الأجل؛ لأنهم يسلفونهم في الذمة، والأوصاف مضبوطة.
قال الحافظ رحمه الله: «قوله: «بَاب السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» ، يشير إلى الرد على من أجاز السلم الحال، وهو قول الشافعية؛ وذهب الأكثر إلى المنع، وحمل من أجاز الأمر في قوله: «إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» على العلم بالأجل فقط، فالتقدير عندهم من أسلم إلى أجل فليسلم إلى أجل معلوم لا مجهول، وأما السلم لا إلى أجل فجوازه بطريق الأولى؛ لأنه إذا جاز مع الأجل وفيه الغرر فمع الحال أولى؛ لكونه أبعد عن الغرر، وتعقب بالكتابة، وأجيب بالفرق؛ لأن الأجل في الكتابة أي: المكاتبة شرع لعدم قدرة العبد غالبًا» .
والمقصود: أنه إذا كان مؤجلاً فلابد أن يكون لأجل معلوم، وإذا أسلم في نخل معين فلابد أن يكون بعد بدو الثمر.
المتن:
باب السَّلَمِ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ
2256 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْجَزُورَ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ؛ فَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ، فَسَّرَهُ نَافِعٌ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا.
الشرح:
تُنتج على صفة المبني للمجهول ولكنها حقيقة للمعلوم مثل يُهرعون
2256 قوله: «كَانُوا يَتَبَايَعُونَ الْجَزُورَ إِلَى حَبَلِ الْحَبَلَةِ؛ فَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ» أي: نهى عن بيع حبل الحبلة، وهو بيع كانوا يتبايعونه في الجاهلية.
قوله: «فَسَّرَهُ نَافِعٌ أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ مَا فِي بَطْنِهَا» واختلف في هذا البيع فقيل: المعنى أنهم يبيعون نتاج النتاج يقول: بعتك ما تنتجه ما في بطن هذه الناقة؛ فهذا ممنوع لأنه بيع مجهول، ولأنه لا يدرى هل تلد الناقة أم لا؟ ثم إذا ولدت لا يدرى هل تحمل أو لا تحمل؟
وقيل: المعنى أن الأجل يحدد إلى هذا النتاج، فيقول مثلاً: بعتك هذه السلعة إلى أجل نتاج النتاج؛ أي: إذا حملت هذه الناقة ثم ولدت التي في بطنها حل الأجل، ويكون الأجل بذلك مجهولاً.
فعلى الأول: يكون البيع ممنوعًا؛ لأنه بيع مجهول ومعدوم.
وعلى الثاني: يكون الأجل مجهولاً.
قوله: «بَاب السَّلَمِ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ» ، يعني: لا يصح أن يكون السلم إلى أن تنتج الناقة؛ لأن الأجل غير معلوم، والحديث الذي استدل به البخاري ليس فيه السلم، بل فيه أنهم في الجاهلية كانوا يتبايعون إلى حبَل الحبَلة، لكن المؤلف رحمه الله قاس عليه السلم؛ لأن السلم نوع من أنواع البيع فإذا كان البيع إلى نتاج النتاج لا يجوز فكذلك السلم إلى نتاج النتاج لا يجوز.