المتن:
باب مَنْ رَأَى أَنَّ صَاحِبَ الْحَوْضِ وَالْقِرْبَةِ أَحَقُّ بِمَائِهِ
2366 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقَدَحٍ فَشَرِبَ، وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ، هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالأَْشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ، قَالَ: يَا غُلاَمُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَْشْيَاخَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُِوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ.
الشرح:
في الحديث السابق في سقي الكلب، وجاء في الحديث الآخر: «أن النبي ﷺ أمر بقتل الكلاب» [(395)]، وهذا كان أولاً ثم نسخ الأمر بقتل الكلاب إلا ما خص من ذلك كالكلب العقور والكلب الأسود؛ لأنه يروع الناس.
والكلب العقور والكلب الأسود والسباع -كالنمور والأسود والذئاب- لا تسقى بل تترك حتى تموت؛ لأنه مأمور بقتلها، وإسقاؤها فيه إعانة لها، ويحتمل أنها تسقى ثم تقتل كما قال ابن التين وغيره من الشراح.
2366 قوله: يَا غُلاَمُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الأَْشْيَاخَ؟ فَقَالَ: مَا كُنْتُ لأُِوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ» استدل المؤلف رحمه الله للترجمة بقصة الغلام لما شرب النبي ﷺ من القدح وأعطى الغلام عن يمينه وترك الأشياخ؛ لأن مَن على اليمين هو الأحق لما في الحديث: الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ [(396)].
وهذا من بديع استنباط البخاري رحمه الله؛ لأنه امتاز بتراجمه العظيمة التي حيرت العلماء؛ حتى قالوا: إن فقه البخاري في تراجمه، وهذه من التراجم الدقيقة؛ لأنه إذا كان أحد الجلساء أحق بماء الشرب من غيره فصاحب الحوض والقربة أحق بمائه من باب أولى؛ فهو الذي أخذ الماء ووضعه في الحوض أو وضعه في قربة أو في إناء وتعب فيه فهو أحق به من غيره، فدل على أن الماء يملك.
وفيه: الرد على من قال: إن الماء لا يملك.
المتن:
الشرح:
2367 قوله: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَذُودَنَّ رِجَالاً عَنْ حَوْضِي هذا في يوم القيامة، حين الورود على الحوض في موقف النبي ﷺ.
قوله: كَمَا تُذَادُ الْغَرِيبَةُ مِنْ الإِْبِلِ عَنْ الْحَوْضِ يعني: في الدنيا، فإن الإنسان إذا كان له حوض في الدنيا ترد عليه إبله فإنه يبعد الغريبة عنه، وجاء في الحديث الآخر يقول النبي ﷺ: ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني ثم يحال بيني وبينهم [(397)] وفي اللفظ الآخر: ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ أَصْحَابِي، فَيُقَالُ: إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ [(398)] ووجه مناسبة الحديث للترجمة أنه ما جاز لصاحب الحوض طرد إبل غيره عن حوضه إلا وهو أحق بحوضه من غيره، فدل على أن ما في الحوض يُملك، وهذا من بدائع استنباط البخاري رحمه الله.
المتن:
الشرح:
2368 وجه مناسبة هذا الحديث للترجمة أن النبي ﷺ أقر أم إسماعيل في قولها للذين نزلوا عليها: وَلاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ؛ لأنها حوطت ماء زمزم وجعلته حوضًا وحازته فصارت أحق به من غيرها، فدل على أن الإنسان إذا حوض حوضًا أو حاز الماء في الحوض أو في القربة ملكه.
المتن:
2369 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَامَالَ رَجُلٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ أَبَا صَالِحٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ.
الشرح:
2369 في الحديث: الوعيد على هؤلاء الثلاثة وأن كل واحد منهم ارتكب كبيرة.
الأول: رَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى، وفي لفظ آخر: لَقَدْ أَعْطَى بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَى، بفتح الهمزة، بمعنى باعها بأكثر مما أعطاه، فإذا سامها إنسان له حلف أنه أعطى بها أكثر من سومه فيقول: أنت سمتها بثمانين، وأنا أعطيت بها مائة، وهو كاذب في ذلك.
الثاني: وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، أي: ختم يومه بهذه المعصية.
الثالث: وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ فَيَقُولُ اللَّهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ ووجه الدلالة: أن المعاقبة وقعت على منعه الفضل، فدل على أنه أحق بالأصل، فالأصل أن الإنسان أحق بما يحتاجه من مائه؛ أما الفاضل فإذا منعه فإنه يعاقب عليه.
المتن:
باب لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ ﷺ
2370 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، أَنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَحْيَى.
وَقَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَمَى النَّقِيعَ وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى السَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ.
الشرح:
2370 قوله: لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ يَحْيَى؛ الحمى المكان المحمي ـ أي: الممنوع وهو ضد المباح ـ فهي فعال بمعنى مفعول، والمراد به أن يحمي إمام المسلمين أرضًا ويمنع الناس من الرعي فيها لتختص بها إبل الصدقة ودواب وخيل الجهاد.
وفيه: دليل على إبطال حمى الجاهلية الذي كانوا يحمونه، فكان أهل الجاهلية إذا نزل واحد منهم أرضًا حماها، وأتى بكلب يعوي فيحمي ما بلغ الصوت من هاهنا ومن هاهنا، فهذا باطل.
مسألة: هل للإمام أن يحمي أرضًا فيها كلأ وعشب ويخص بها إبل الصدقة وخيل الجهاد فيها خلاف بين أهل العلم:
فجمهور العلماء على أن الإمام له أن يحمي لإبل الصدقة ولخيل الجهاد ولا يحمي لنفسه.
واستدل الجمهور بقصة عمر أنه ـ فيما رواه أسلم عند أبي عبيد وابن أبي شيبة والبخاري والبيهقي ـ حمى أرضًا واستعمل مولى له يقال له: هني، وقال: «يا هني اضمم جناحك على المسلمين، واتق دعوة المظلوم؛ فإنها مجابة، وأدخل رب الصُريمة والغُنيمة، وإياك ونَعم ابن عوف ونَعم ابن عفان، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وأما رب الصَريمة والغُنيمة فإنه إن تهلك ماشيته يأتي ببنيه إليّ، أفتاركهم أنا لا أبا لك! فالماء والكلأ أيسر عليّ من الذهب والورق» ، يعني: أنه حمى الأرض وقال لمولاه: أدخل رب الصُريمة والغُنيمة أي: الذي له شاة واحدة اتركها ترعى، لكن نعم ابن عوف وابن عفان لا تدخل في الحمى ـ فهما من الأغنياء ولهم إبل كثيرة ـ فإن ماتت ماشيتهما فعندهما نخل وزرع يرجعان إليه، أما رب الصريمة والغنيمة فما عنده شيء يرجع إليه، فإذا ماتت شاته أتى بأولاده إلي فيقول: ما عندي شيء، فأنفق عليهم الذهب والفضة، وهذا فيه دليل على أن الإمام له أن يحمي؛ ولذلك حمى عمر أيضًا في السرف والربذة.
وقال بعض العلماء: إنه لا يحمي.
وقال الشافعي رحمه الله[(399)]: يحتمل معنى الحديث شيئين:
الأول: أنه ليس لأحد أن يحمي للمسلمين إلا ما حماه النبي ﷺ.
الثاني: ليس لأحد أن يحمي إلا على مثل ما حمى عليه النبي ﷺ.
وعلى الأول ليس لأحد من الولاة أن يحمي؛ لأن الحمى خاص بالنبي ﷺ.
وعلى المعنى الثاني: ليس لأحد أن يحمي إلا على مثل ما حمى عليه النبي ﷺ وعلى هذا يكون الولاة بعد النبي ﷺ لهم أن يحموا للمسلمين مثل ما حمى النبي ﷺ، والثاني هو الذي عليه العمل وهو الأرجح، ويكون الحمى يختص بولاة الأمور القائمين مقام النبي ﷺ، وهم الملوك والأمراء ويؤيد هذا حديث النعمان بن بشير.
وفيه: أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ [(400)] وعليه فالإمام له أن يحمي بقعة لا تضر المسلمين لدواب بيت المال وإبل الصدقة.
المتن:
باب شُرْبِ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ مِنْ الأَْنْهَارِ
2371 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْخَيْلُ لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ، فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ بِهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ طِيَلُهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ؛ فَهِيَ لِذَلِكَ أَجْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلاَ ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ، وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَِهْلِ الإِْسْلاَمِ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ وِزْرٌ.
وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْحُمُرِ؟ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآْيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ.
الشرح:
هذه الترجمة داخلة في كتاب الشرب؛ لأن كتاب الشرب عام، يشمل الشرب للزروع والدواب من الأنهار، والشرب من مياه الأمطار ومياه العيون والآبار.
وهذه الترجمة لشرب الناس وسقي الدواب من الأنهار؛ لأن الأنهار مشتركة بين الناس كما في الحديث: الْنَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ [(401)] فكما أن الناس شركاء في مياه الغدران فهم شركاء في مياه الأنهار، ومن حفر بئرًا فإنه يأخذ حاجته ويسقي دوابه وما زاد يبذله للناس، وليس له أن يمنع ما زاد عن حاجته، وكذلك الأنهار ليس لأحد أن يمنع أحدًا أن يشرب منها أو يسقي منها دوابه، وكذلك مياه السيول والأمطار ومياه الآبار كل هذا الناس شركاء فيه.
ولهذا جاء الوعيد الشديد على من منع فضل مائه وأن الله تعالى يقول له يوم القيامة: اليَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ [(402)].
ولكن من حاز الماء في إنائه أو في حوضه أو في قربته فإنه يملكه ويجوز له بيعه في هذه الحالة.
2371 في الحديث: أقسام الخيل بالنسبة للناس، أو أقسام الناس تجاه الخيل، وأن الناس الذين يقتنون الخيول على ثلاثة أحوال:
الحال الأولى: أن تكون له أجرًا.
الحال الثانية: أن تكون له سترًا.
الحال الثالثة: أن تكون عليهم وزرًا.
قوله: فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي: هذا هو القسم الأول الذي له الأجر، وربط الخيل يعني: أعدها للجهاد في سبيل الله.
قوله: فَأَطَالَ بِهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ يعني: ربطها بحبل في مرج أو روضة فيها عشب وفيها نبات.
قوله: فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا ذَلِكَ مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، أي: كلما أكلت من العشب والنبات في هذه الروضة يكون له حسنات عدد ما أكلت.
قوله: وَلَوْ أَنَّهُ انْقَطَعَ طِيَلُهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ آثَارُهَا وَأَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ طيلها يعني: حبلها، والمعنى أنه إذا انقطع الحبل الذي ربطها به، فاستنت شرفًا أو شرفين ـ يعني: مشت شوطًا أو شوطين ـ تكون آثارها وأرواثها له حسنات.
قوله: وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ مِنْهُ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَ كَانَ ذَلِكَ حَسَنَاتٍ لَهُ هذا هو الشاهد للترجمة شُرْبِ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ مِنْ الأَْنْهَارِ، والمعنى: يكون له أجر وهو لا يريد أن يسقي، فإذا أراد أن يسقي كان أعظم أجرًا، فهذا القسم الأول من الناس الذي ربط الخيل في سبيل الله، فجميع تصرفات الخيل تكتب له حسنات، إذا أكلت من العشب كان ذلك له حسنات، وإذا انقطع حبلها فمشت شوطًا أو شوطين كانت آثارها وأرواثها حسنات، وإذا مرت بنهر فشربت منه سواء أراد أن يسقي أو لم يرد كان ذلك له حسنات.
قوله: وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَتَعَفُّفًا ثُمَّ لَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَلاَ ظُهُورِهَا فَهِيَ لِذَلِكَ سِتْرٌ، وهذا هو القسم الثاني الذي تكون الخيل له سترًا، وهو الذي ربطها ليغتني بها ويقضي بها حاجته ويتعفف بها عن الحاجة إلى الناس، ولم ينس حق الله في رقابها ولا ظهورها فهو يحمل عليها من يحتاج إلى الحمل، وإذا كان أعدها للتجارة أخرج الزكاة.
وظاهر الحديث أنه لا أجر له بل هي ستر، فلا أجر له ولا وزر عليه، ولكن دلت النصوص الأخرى على أنه إذا نوى وقصد الاستغناء عن الناس والإنفاق على من تحت يديه وأداء الواجب الذي عليه فإنه مأجور.
قوله: وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً. وهذا هو القسم الثالث، الذي يستكثر من الخيل ويربطها من باب المباهاة والمراءاة والتفاخر على الناس والتعاظم عليهم.
قوله: وَنِوَاءً لأَِهْلِ الإِْسْلاَمِ، يعني: معاداة لأهل الإسلام لسوء نيته.
قوله: «وَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ الْحُمُرِ؟» ، الحمر جمع حمار، والمعنى أنه ﷺ سئل إذا كان إنسان عنده حمار أهلي فما حكمه؟ هل هو مأجور أو مأزور؟
قوله: «فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا شَيْءٌ إِلاَّ هَذِهِ الآْيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ . الْجَامِعَةُ يعني: الشاملة التي لم تترك شيئًا من الخير ولا من الشر، والْفَاذَّةُ الفردة « فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزّلزَلة: 7-8]» أي: من يعمل مثقال ذرة سواء عمله بنفسه أو بدابته يلقى الخير، ومن يعمل شرًّا بنفسه أو بدوابه فإنه يلقى جزاءه.
فإذا كان عنده حمار وعمل فيه خيرًا، فحمل من يحتاج إلى الحمل، أو حمل عليه أموالاً أو أمتعة يتصدق بها على الفقراء، أو ركبه لينتقل من مكان إلى مكان لطلب العلم أو للإحسان إلى الفقراء أو غير ذلك من المقاصد الحسنة فهي له أجر، وإذا ركب الحمار لأجل أن يؤذي الناس، ولأجل أن يتتبع عورات المسلمين كانت عليه وزرًا، فكلٌّ حسب قصده.
ومثل هذه الآية في الشمول والعموم قول الله تعالى: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبيَاء: 47].
والشاهد من الحديث شرب الخيل من النهر وأن شربها من النهر لا يحتاج إلى إذن من أحد؛ لأن الناس شركاء في مياه الأنهار والآبار والأمطار.
المتن:
الشرح:
2372 قوله: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً العفاص: الوعاء الذي تكون فيه النقود، والوكاء: الرباط الذي يربط به.
فإذا ما وجد الإنسان لقطة ـ دراهم أو نقودًا أو غيرها ـ فإنه يعرفها لمدة سنة في مجامع الناس وفي أبواب الجوامع، فيقول: من له ضالة؟ من له نقود؟ من له كذا؟ ولا يحددها، ولكن عليه أن يعرف وعاء هذه اللقطة، فإذا جاء صاحبها قال له: كم عددها؟ فإذا قال: عددها كذا، قال له: ما وكاؤها؟ فإذا قال: وكاؤها كذا، قال له: ما عفاصها؟ فإذا عرفها أعطاه إياها، فإذا مضت سنة ولم يأت أحد كان له تملكها، ولو جاء طالبها يوما من الدهر وعرف الأوصاف دفعها له إلا لقطة الحرم في مكة فإنها لا تملك بل يعرفها مدى الدهر؛ لأن من خصائص مكة أن لقطتها لا تملك.
قوله: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلاَّ فَشَأْنَكَ بِهَا، يعني: فإنك تملكها، وهذا الحديث فيه أن اللقطة تملك بعد تعريفها سنة.
قوله: «قَالَ: فَضَالَّةُ الْغَنَمِ؟ قَالَ: هِيَ لَكَ أَوْ لأَِخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ. فيه: أن ضالة الغنم تؤخذ؛ لأنها لا تمتنع من السباع، فإما أن تأخذها أنت، وإما أن يأخذها أخوك، وإما أن يأكلها الذئب، وهو بالخيار في هذه الحالة إن شاء أبقاها سنة مع غنمه ويعرفها، فإذا جاء صاحبها دفعها إليه، وإن كان يشق عليه ذلك فله أن يبيعها ويحفظ ثمنها لصاحبها، وله أن يأكلها ويقدر ثمنها فإذا جاء صاحبها دفعها إليه، وإن لم يأت بعد التعريف فهي له.
قوله: قَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا، مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا مَعَهَا سِقَاؤُهَا أي: تشرب الماء وتخزنه في بطنها ويكفيها يومين وثلاثة، ومعها حذاؤها وهو خف البعير، وهي تمتنع من السباع؛ فلا تؤخذ ضالة الإبل لهذا.
قوله: تَرِدُ الْمَاءَ، وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، أي: إذا احتاجت الماء وردت الماء ولو كان بعيدًا، وتأكل الشجر، فهي تعيش حتى يأتيها ربها، فلا تؤخذ ضالة الإبل اللهم إلا في حالة نادرة كأن تكون في مسبعة تجتمع عليها السباع، فينقلها من المسبعة إلى مكان آمن.
وبهذا يتبين أن الضالة ثلاثة أنواع: إن كانت من النقود فإنه يعرفها سنة بعد معرفة الوكاء والرباط والعدد، وإن كانت من الغنم يأخذها؛ لأنها لا تمتنع من السباع، وإن كانت من الإبل فإنه يتركها؛ لأنها تمتنع من السباع، ولأنها تطلب الماء وتطلب الرعي.
والشاهد قوله: تَرِدُ الْمَاءَ؛ لأن الماء مشترك.
المتن:
باب بَيْعِ الْحَطَبِ وَالْكَلَأِ
2373 حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلاً، فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، فَيَبِيعَ، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهِ وَجْهَهُ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أُعْطِيَ أَمْ مُنِعَ.
2374 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: لَأَنْ يَحْتَطِبَ أَحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ أَحَدًا فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيع الحطب والكلأ، والكلأ: العشب الرطب، والحطب: العشب اليابس، والكلأ في البرية مشترك بين الناس، وليس لأحد أن يمنع أحدًا من أن يحتطب أو يحتش الحشيش كما في الحديث: النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ [(403)]، لكن إذا احتطب الحطب وحازه أو احتش الحشيش وحازه جاز له بيعه؛ لأنه اختص به في هذه الحالة؛ لأنه تعب في جمعه ونقله.
2245 قوله: لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ أَحْبُلاً، فَيَأْخُذَ حُزْمَةً مِنْ حَطَبٍ، فَيَبِيعَ، فَيَكُفَّ اللَّهُ بِهِ وَجْهَهُ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ النَّاسَ أُعْطِيَ أَمْ مُنِعَ. أحبلاً جمع حبل.
وفيه: دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يسأل الناس إلا لضرورة أو لحاجة كما في حديث قبيصة بن مخارق: إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قوامًا من عيش، ورجل تحمل حمالة فيسأل حتى يجدها، ورجل أصابه فقر وفاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانًا فاقة [(404)] ـ تحمل حمالة: يعني: تحمل في ذمته مالاً ليصلح بين الناس ـ فهؤلاء يسألون وما عداهم لا يجوز له أن يسأل، وإذا سأل فإنه مذموم وعليه الوعيد الشديد؛ ولهذا جاء في الحديث: لا يزال الرجل يسأل حتى يأتي يوم القيامة وليس في وجهه مزعة لحم [(405)] فكون الإنسان يحتطب أو يحتش هذا خير له من أن يسأل الناس ويشحذ أعطوه أو منعوه، ولهذا أمر النبي ﷺ الإنسان أن يطلب الرزق والكسب ولا يكون عالة على الناس؛ فهذا خير له، وبعض الناس عندهم كسل، فلا يحب إلا أن يعمل عملاً خفيفًا، ولو كان مردوده قليلاً، لكن لو باع واشترى لحصل مكسبًا كثيرًا، لكنه الكسل، فينبغي للإنسان أن يكون عنده نشاط وهمة عالية، فيبيع ويشتري ويكسب ويتعلم صنعة، مثل أن يكون كهربائيًّا أو سباكًا أو نجارًا أو حدادًا أو دهانًا، ولا يكون كسلانًا، وبعض الناس ذلت نفسه فتعود على سؤال الناس وهو قادر على الكسب، وهذا هو الذي عليه الوعيد الشديد؛ ولهذا بين النبي ﷺ أن كون الإنسان يحتش الحشيش ويحتطب الحطب ويبيع فيكف الله بها وجهه عن السؤال فهذا خير له من سؤال الناس.
2374 في الحديث: أن الإنسان يحتطب ويحوز الحطب والكلأ ويتكسب منه خير له من أن يسأل الناس.
والشاهد: أن الحطب يباع ويتكسب منه.
المتن:
الشرح:
2375 قوله: «أَصَبْتُ شَارِفًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي مَغْنَمٍ» ، أي: حصل له من قسمة غنائم غزوة بدر شارف، والشارف: البعير الكبير.
قوله: «وَأَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَارِفًا أُخْرَى» ، أي: أعطاني بعيرًا آخر؛ فأخذ بعيرين.
قوله: «فَأَنَخْتُهُمَا يَوْمًا عِنْدَ بَابِ رَجُلٍ مِنْ الأَْنْصَارِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَحْمِلَ عَلَيْهِمَا إِذْخِرًا لأَِبِيعَهُ» ، يريد أن يحمل عليهما إذخرًا ليبيعه ويستعين به على وليمة زواجه بفاطمة بنت النبي ﷺ، والإذخر: نوع من النبات الذي يجعل في القبور وفي البيوت بين خلل الخشب؛ فهو يريد أن يحتش الإذخر ويبيعه.
قوله: «وَمَعِي صَائِغٌ مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ» وفي رواية: «صائغ» [(406)].
قوله: «وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ يَشْرَبُ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ» ، أي: يشرب الخمر، وذلك قبل أن تحرم.
قوله: «مَعَهُ قَيْنَةٌ» ، أي: الجارية المغنية.
قوله: «أَلاَ يَا حَمْزُ» ، وفي لفظ: «يا حمز» [(407)]: حمز ترخيم حمزة، مثل: فاطم ترخيم فاطمة.
قوله: «لِلشُّرُفِ» ، جمع شارف وهو البعير الكبير.
قوله: «النِّوَاءِ» ، هي: الناقة السمينة. والمعنى: أنها تحثه على أنه يأتي البعيرين الذي أناخهما علي بن أبي طالب فيذبحهما، فهيجته وهو سكران، فجاء إلى البعيرين فقطع أسنمتهما بالسيف، وبقر خواصرهما، وشق بطونهما، واستخرج أمعاءهما، وجعل يأكل من أكبادهما، فأُخبر علي فجاء فوجد البعيرين بهذه الحال ووجد حمزة يأكل من أكبادهما -وكان منظرًا فظيعًا- فرجع إلى النبي ﷺ يشتكي حمزة، قال: «فَأَتَيْتُ نَبِيَّ اللَّهِ ﷺ وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ» ، فأخبره الخبر، فخرج النبي ﷺ ومعه زيد وعلي، فدخل النبي ﷺ على حمزة، فتغيظ عليه ووبخه، «فَرَفَعَ حَمْزَةُ بَصَرَهُ» ينظر للنبي ﷺ ومن معه ـ وهو ما زال سكران لا يسمع ـ فقال: «هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لآِبَائِي؟» ، فعرف النبي ﷺ أنه سكران، فرجع النبي ﷺ القهقرى؛ خشية أن يضربه حمزة بشيء إذا ولاه ظهره، لكن حمزة لا يؤاخذ بكل هذا؛ لأنه لا يعقل ما يقول لسكره.
وفيه: أن السكران كالمجنون لا يؤاخذ بأقواله، وكانت هذه القصة قبل أن تحرم الخمر.
وفيه: دليل على شدة خبث الخمر، وأنها أم الخبائث.
والشاهد: كون علي أراد أن يحتش الإذخر ويبيعه؛ لأن الناس شركاء في الكلأ.
المتن:
باب الْقَطَائِعِ
2376 حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا ، قَالَ: أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُقْطِعَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ؛ فَقَالَتْ الأَْنْصَارُ: حَتَّى تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِثْلَ الَّذِي تُقْطِعُ لَنَا، قَالَ: سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي.
الشرح:
قوله: «بَاب الْقَطَائِعِ» . القطائع: المنح، وهي الأرض التي تمنح، وولي الأمر له أن يمنح أرضًا للزراعة أو لغيرها.
2376 قوله: «أَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُقْطِعَ مِنْ الْبَحْرَيْنِ» ، يعني: يمنحهم من البحرين أرضًا للزراعة.
والبحرين: هي كل هَجَر، فالأحساء وما حولها كانت كلها تسمى البحرين، وأما الآن ـ حسب التقسيم الجغرافي ـ صارت كلمة البحرين مخصصة ببلد واحد فقط.
قوله: «فَقَالَتْ الأَْنْصَارُ: حَتَّى تُقْطِعَ لِإِخْوَانِنَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ» ، فيه: كرم الأنصار، وفضلهم، ومواساتهم، وإيثارهم، والسبب في ذلك ـ والله أعلم ـ تعفف الأنصار وعدم تطلعهم إلى الأعطيات والأموال.
قوله: سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي فيه: علم من أعلام نبوته ﷺ؛ لأنه وقع ما أخبر به، والمعنى: إنكم سترون في المستقبل بعدي من يؤثر عليكم من الأمراء ولا يعطيكم حقكم فاصبروا، وفي رواية أخرى: فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ [(408)].
المتن:
باب كِتَابَةِ الْقَطَائِعِ
2377 وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَنَسٍ : دَعَا النَّبِيُّ ﷺ الأَْنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ؛ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ فَعَلْتَ فَاكْتُبْ لِإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا، فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ؛ فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي.
الشرح:
قوله: «بَاب كِتَابَةِ الْقَطَائِعِ» . كتابة القطائع يعني: كتابة المنح بأن يجعلها في صك حتى تثبت ملكيتها، فالترجمة الأولى في القطائع، وهذه الترجمة في كتابتها.
2377 قوله: «دَعَا النَّبِيُّ ﷺ الأَْنْصَارَ لِيُقْطِعَ لَهُمْ بِالْبَحْرَيْنِ» . المراد بالبحرين: هجر والأحساء وما حولها.
قوله: «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنْ فَعَلْتَ فَاكْتُبْ لِإِخْوَانِنَا مِنْ قُرَيْشٍ بِمِثْلِهَا» ، أي: تعطيهم منحًا كما أعطيتنا.
قوله: «فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ» ، لم يكن عنده ﷺ ما يكفي لهؤلاء وهؤلاء، والحديث ليس فيه بيان هل أقطعهم النبي ﷺ أو لم يقطعهم؟ فالله أعلم.
قوله: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي، يعني: من تطول به الحياة فسيرى شدة وابتلاء، وسترون من يفضِّل غيركم عليكم.
وفيه: تعفف الأنصار، وعدم تطلعهم لما في أيدي السلطان، واستغناؤهم بحروثهم وزروعهم واشتغالهم بها، وأن الملوك والأمراء بعد ذلك لن يلتفتوا إليهم في الأعطيات والإقطاعات، بل سيؤثرون غيرهم عليهم، وعلاج هذا هو قوله ﷺ: فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي.
المتن:
باب حَلَبِ الإِْبِلِ عَلَى الْمَاءِ
2378 حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي عَنْ هِلاَلِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي عَمْرَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مِنْ حَقِّ الإِْبِلِ أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ.
الشرح:
2378 قوله: مِنْ حَقِّ الإِْبِلِ أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ. حلب الإبل على الماء لنفع المحتاجين والفقراء والمساكين بالشرب من ألبانها من حق الإبل، وفي معناه حديث: ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقَّها إلا أقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر [(409)] ومن حقها أيضًا أن تخرج زكاتها، وتحمل عليها من احتاج إلى الحمل، والحمل عليها في سبيل الله، كما جاء في الحديث: إطراق فحلها، وإعارة دلوها، ومنحتها، وحلبها على الماء، وحمل عليها في سبيل الله [(410)].
قوله: «بَاب حَلَبِ الإِْبِلِ عَلَى الْمَاءِ» ، أي: عند ورودها الشرب؛ لأنه يحضره المساكين والفقراء.
المتن:
باب الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ أَوْ شِرْبٌ فِي حَائِطٍ أَوْ فِي نَخْلٍ
قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ بَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ، فَلِلْبَائِعِ الْمَمَرُّ وَالسَّقْيُ حَتَّى يَرْفَعَ، وَكَذَلِكَ رَبُّ الْعَرِيَّةِ.
2379 أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ حَدَّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: مَنْ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ.
الشرح:
قوله: «بَاب الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ أَوْ شِرْبٌ فِي حَائِطٍ أَوْ فِي نَخْلٍ» فيه: بيان أن الرجل إذا كان له ممر أو شِرب في حائط أو في نخل فلا بأس أن يمر في بستان جاره إذا احتاج إلى المرور وليس له طريق إلا المرور من هذا البستان، وكذلك لو اشترى نخلة في بستان فإنه يحتاج إلى الدخول حتى يأخذ ثمرتها يوما بعد يوم فلا حرج من أن يمر في بستان جاره حتى يصل إلى نخلته.
قوله: مَنْ بَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ. إلى هنا انتهى قول النبي ﷺ.
قوله: «فَلِلْبَائِعِ الْمَمَرُّ وَالسَّقْيُ حَتَّى يَرْفَعَ وَكَذَلِكَ رَبُّ الْعَرِيَّةِ» هذا من كلام البخاري رحمه الله وليس مرفوعًا للنبي ﷺ، وهو استنباط وتفقهٌ منه رحمه الله.
فإذا باع نخلاً بعد التأبير ـ وهو التلقيح ـ لم تدخل الثمرة في البيع، فالذي يستحقها هو البائع وانتقل ملك النخل إلى المشتري؛ وعليه فالبائع يحتاج لأن يدخل كل يوم للبستان ينظر الثمرة، ويعتني بها، ويزيل ما يكون سببا في تلف الثمرة، وإذا نضجت الثمرة يجوز له أن يجذها ويخرفها، أما إن كانت غير ملقحة فالثمرة للمشتري.
قوله: «وَكَذَلِكَ رَبُّ الْعَرِيَّةِ» والعرية: هي الثمر الذي على رءوس النخل فمن المعلوم أن بيع التمر بالتمر لا يجوز؛ لأنه من المزابنة، فلابد من التساوي، ولكن يستثنى من هذا العرية بشروطها؛ وهو أن يكون هناك فقير يحتاج أن يتفكه هو وأولاده بأكل الرطب مع الناس وليس عنده نقود وعنده تمر قديم، فيتفق مع صاحب النخل على أن يبيع التمر القديم بالتمر الجديد بالخرص، فيخرص التمر الذي في رءوس النخل كم يساوي إذا يبس فيكون مائة كيلو ـ مثلاً ـ من الرطب، والفقير عنده مائة كيلو من التمر اليابس فيجوز البيع؛ لأن الأوزان متساوية، وهذا مستثنى في هذه الحالة خاصة، وضابط جوازها: أنها بيع رطب في نخل يكون خرصه إذا صار تمرًا أقل من خمسة أوسق بنظيره في الكيل من التمر، مع قبض البائع التمر في المجلس ويقبض المشتري الرطب بالتخلية، بشرط أن يكون المشتري فقيرًا محتاجًا إلى تمر الرطب، وليس عنده نقود، فهذا البيع لا بأس به، وإذا باعه يكون محتاجًا أن يدخل البستان كل يوم حتى يأخذ من الثمرة، فله أن يدخل ويمر، فمن فقه البخاري رحمه الله أن بوب: «بَاب الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ مَمَرٌّ أَوْ شِرْبٌ فِي حَائِطٍ أَوْ فِي نَخْلٍ» ، أي: لا بأس أن يدخل ويمر في الحائط أو النخل.
2379 قوله: مَنْ ابْتَاعَ نَخْلاً بَعْدَ أَنْ تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ يعني: إذا باعها بعد أن تؤبر فله أن يدخل البستان، ولا يمنع.
قوله: وَمَنْ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلَّذِي بَاعَهُ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ، إذا باع عبده وله مال، فالمال للبائع؛ لأن العبد هو وما ملك لسيده إلا إن اشترط المشتري فقال: أشترط أن يكون مال العبد تبعًا في البيع.
المتن:
وَعَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ فِي الْعَبْدِ.
2380 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: رَخَّصَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُبَاعَ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا.
الشرح:
2380 قوله: «رَخَّصَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ تُبَاعَ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا تَمْرًا» . سبق أن ذكرنا أن العرايا ـ يعني: الرطب في رءوس النخل ـ تباع بخرصها تمرًا، والخرص: هو حزر ما على النخل من الرطب بالتمر اليابس كيلاً والحكمة منه: سدُّ حاجة الفقير، ودفع الأذى عن البائع إن كان فإن الفقير يحتاج للرطب أن يدخل الحائط كل يوم، ولا يمنعه المالك من المرور في حائطه، وهذا هو الشاهد للترجمة.
المتن:
الشرح:
2381 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ الْمُخَابَرَةِ وَالْمُحَاقَلَةِ» . سبق الكلام عن المخابرة والمحاقلة والمزابنة، وأن المخابرة: إجارة الأرض ببعض ما يخرج منها.
والمحاقلة: هي بيع البر بالسنبل.
والمزابنة: بيع الثمر بالتمر. وكل هذا نهى عنه النبي ﷺ؛ لما فيه من الغرر، وعدم التماثل وألا تباع إلا بالدينار والدرهم إلا العرايا فإنها مستثناة.
المتن:
الشرح:
2382 قوله: «رَخَّصَ النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا بِخَرْصِهَا مِنْ التَّمْرِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ أَوْ فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ ـ شَكَّ دَاوُدُ فِي ذَلِكَ ـ» . «أو» هنا للشك، والشك من داود بن الحصين، والغالب أن خمسة أوسق تكفي آل بيت المحتاج، والأولى أن يكون أقل من خمسة أوسق، وهذا أقل حد الرخصة في العرايا.
والوسق ستون صاعًا بصاع النبي ﷺ فيكون الحد ثلاثمائة صاعٍ ولا يزيد عنها.
المتن:
2383، 2384 حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ، أَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ وَسَهْلَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ حَدَّثَاهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إِلاَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ.
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي بُشَيْرٌ مِثْلَهُ.
الشرح:
قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إِلاَّ أَصْحَابَ الْعَرَايَا فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُمْ» . هذه المزابنة، وهي بيع الثمر من الرطب على رءوس النخل بالتمر اليابس، وهي منهي عنها؛ لما فيها من الغرر وعدم المماثلة إلا أصحاب العرايا، فإنه أذن لهم بشروطه الخاصة.
رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ» . خديج مكبر، وهناك «معاوية بن حديج» بالتصغير وبالحاء المهملة صحابي صغير.