المتن:
(45)كِتَاب الخصومات
باب مَا يُذْكَرُ فِي الإِْشْخَاصِ وَالْخُصُومَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِ
2410 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ: أَخْبَرَنِي، قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ خِلاَفَهَا؛ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؛ فَقَالَ: كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، قَالَ شُعْبَةُ: أَظُنُّهُ قَالَ: لا تَخْتَلِفُوا؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا.
2411 حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَْعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلاَنِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، قَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ؛ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ؛ فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ؛ فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ؛ فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ؟.
2412 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ جَالِسٌ جَاءَ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ ضَرَبَ وَجْهِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِكَ! فَقَالَ: مَنْ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنْ الأَْنْصَارِ، قَالَ: ادْعُوهُ، فَقَالَ: أَضَرَبْتَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، قُلْتُ: أَيْ خَبِيثُ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ! فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ ضَرَبْتُ وَجْهَهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَْنْبِيَاءِ؛ فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَْرْض،ُ فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُْولَى.
2413 حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ ، أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ: أَفُلاَنٌ، أَفُلاَنٌ، حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ؛ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا؛ فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَاعْتَرَفَ؛ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ.
الشرح:
هذا الكتاب معقودة للخصومات وقوله: «بَاب مَا يُذْكَرُ فِي الإِْشْخَاصِ» الإشخاص ـ بكسر الهمزة ـ إحضار الغريم من موضع إلى موضع، يقال: شَخَصَ ـ بالفتح ـ من بلد إلى بلد وأشخص غيره، وزاد في بعض النسخ: «والملازمة» ، وهي مفاعلة من اللزوم، والمراد أن يمنع غريمه من التصرف حتى يعطيه الحق.
2410 قوله: «سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ خِلاَفَهَا؛ فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؛ فَقَالَ: كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ، أي: أن ابن مسعود قرأ بقراءة وصاحبه قرأ بقراءة وكلاهما حق، وجاء في الحديث: إِنَّ القُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [(453)] فالخلاف في القراءات من باب اختلاف التنوع؛ ولهذا قال النبي ﷺ: لاَ تَخْتَلِفُوا؛ فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا وفيه: أن الاختلاف مصحوب بالهلاك؛ ولهذا نهى النبي ﷺ عبدالله بن مسعود أن يختلف مع من خالفه في القراءة.
2411 هذا الحديث والذي يليه فيهما قصة خصومة مسلم مع يهودي.
قوله: «اسْتَبَّ رَجُلاَنِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَرَجُلٌ مِنْ الْيَهُودِ، قَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى الْعَالَمِينَ؛ فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ؛ فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ؛ فَذَهَبَ الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ؛ فَدَعَا النَّبِيُّ ﷺ الْمُسْلِمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ؛ فَأَخْبَرَهُ» ، فيه: أن القاضي والمفتي ينبغي ألا يقضي أو يفتي إلا بعد سماع كلام كلا الخصمين؛ ليقع الحكم والفتوى موافقًا للحال والواقع؛ فإن النبي ﷺ لما ادعى اليهودي هذه الدعوى لم يقبل منه حتى دعا المسلم وسأله.
قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى. لا تخيروني يعني: لا تفضلوني، وهذا قاله النبي ﷺ من باب التواضع وهضم النفس، وإلا فهو ﷺ أفضل من موسى بإجماع العلماء، وقيل إنما المنع من التفضيل إذا كان على وجه الحمية والعصبية.
قوله: فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ هذه الصعقة إنما هي في موقف يوم القيامة وسببها تجلي الله للخلائق.
وفي الحديث: فَإِذَا تَجَلَّى اللَّهُ لِشَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ خَشَعَ لَهُ [(454)] أي: يغمى عليهم ثم يفيقون، فهناك صعقة في آخر الدنيا وهي صعقة الموت ثم صعقة البعث، ثم هذه صعقة ثالثة في موقف القيامة لتجلي الله للخلائق.
قوله: فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ أي: من الصعقة، فأول من يفيق النبي ﷺ.
قوله: فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ هذه منقبة لموسى .
قوله: فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي أي: ما أدري هل صعق فأفاق قبلي أو أنه لم تصبه الصعقة مجازاة له بصعقة يوم الطور؟
قوله: أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ؟. في هذه الرواية وَهْمٌ كما ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله والصواب ـ كما في الحديث الآتي: أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُْولَى [(455)] لأن هذه الصعقة ليس فيها استثناء، إنما الاستثناء من صعقة الموت كما قال الله تعالى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزُّمَر: 68] وقيل إن المستثنى من هذه الصعقة من لم يكتب الله عليهم الموت كالحور العين في الجنة والأرواح، لكن صعقة التجلي يوم القيامة ليس فيها استثناء.
وفي «الصحيحين» حروف يسيرة حصل فيها وَهْم من بعض الرواة مثل ما جاء في حديث: وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ يَمِينُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ [(456)] فهذا وهم؛ فالأصل أن التي تنفق هي اليمين، والصواب: حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ [(457)].
2412 في الحديث أيضًا: قصة الأنصاري الذي لطم وجه اليهودي فقال النبي ﷺ: ادْعُوهُ، فَقَالَ: أَضَرَبْتَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ بِالسُّوقِ يَحْلِفُ وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى الْبَشَرِ، قُلْتُ: أَيْ خَبِيثُ ـ أي: أداة نداء يعني: يا خبيث ـ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ! فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ ضَرَبْتُ وَجْهَهُ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَْنْبِيَاءِ أي: لا تفضلوا.
قوله: فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَْرْض هذه الرواية فيها وهم من الرواة، والصواب كما في الحديث السابق: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ؛ لأن انشقاق الأرض يكون في صعقة البعث، وهذه الصعقة إنما تكون يوم القيامة بعد وقوفهم بين يدي الله، فليس فيها انشقاق الأرض.
قوله: فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُْولَى وهي الصعقة التي حصلت له في الدنيا عند جبل الطور لما تجلى الله له.
فيكون في الحديث الأول وهم في قوله: أَوْ كَانَ مِمَّنْ اسْتَثْنَى اللَّهُ؟، وصوابه: أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُْولَى. والحديث الثاني فيه وهم في قوله: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَْرْض، وصوابه: فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ.
2413 قوله: «أَنَّ يَهُودِيًّا رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، قِيلَ مَنْ فَعَلَ هَذَا بِكِ: أَفُلاَنٌ، أَفُلاَنٌ، حَتَّى سُمِّيَ الْيَهُودِيُّ؛ فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا؛ فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ، فَاعْتَرَفَ؛ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ ﷺ فَرُضَّ رَأْسُهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ» في الحديث: خصومة بين جارية وبين يهودي، فهي مناسبة للترجمة وأبواب الخصومات، وجاء في اللفظ الآخر: «يريد أن يأخذ أوضاحًا لها ذهب أو فضة عليها، فأخذه ورض رأسها بين حجرين فجيء إليها وهي في الرمق الأخير، قيل لها: من فعل هذا بك فلان؟ سكتت، فلان؟ قال: حتى سمّى اليهودي فأومأت برأسها؛ فأخذ اليهودي فاعترف، فأمر به النبي ﷺ فرضخ رأسه بين حجرين» [(458)].
وفيه: أن الإشارة تكون تهمة، ويؤخذ المشار إليه، ثم لا يثبت الحكم بعد ذلك إلا ببينة أو إقرار، كما اتُّهم اليهودي فأُخذ، ولكن لم يحكم عليه بالقصاص إلا بعد إقراره واعترافه، فالإشارة لم تُثبِت حكمًا؛ ولكنها جعلته متهمًا.
وفي الحديث: أنه يجب المماثلة في القصاص، وأن القاتل يقتل بمثل ما قتل، فإذا قتل بالسيف قتل بالسيف، وإذا غرق شخصًا يغرق، ومن رض رأس إنسان رُض رأسه، وأما حديث: لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ [(459)] فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجة، لكن من حرق بالنار فالأقرب أنه لا يحرق؛ لما ورد في الحديث من النهي عن التعذيب بالنار، بل يقتل بالسيف، وكذلك من قتل بفعل محرم ـ كاللواط ـ لا يفعل به كما فعل، بل يقتل بالسيف.
المتن:
باب مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ الْعَقْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الإِْمَامُ
وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَدَّ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ ثُمَّ نَهَاهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عَبْدٌ لاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ.
وَمَنْ بَاعَ عَلَى الضَّعِيفِ وَنَحْوِهِ فَدَفَعَ ثَمَنَهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالإِْصْلاَحِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهِ فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْدُ مَنَعَهُ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ.
وَقَالَ لِلَّذِي يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ وَلَمْ يَأْخُذْ النَّبِيُّ ﷺ مَالَهُ.
2414 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ فَكَانَ يَقُول».
2415 حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ ، أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ؛ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ ﷺ فَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ.
الشرح:
قوله: «بَاب مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ الْعَقْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الإِْمَامُ» . يعني: يُرَدُّ تصرف السفيه وتصرف ضعيف العقل، وإن لم يكن حجر عليه الإمام.
والسفيه: هو الذي يعمل بخلاف موجب الشرع أو العقل، ويتصرف لا لغرض، أو لغرض لا يعده العقلاء من أهل الديانة غرضًا، كأن يدفع ماله إلى المغني، أو ينفقها في اللعب وما أشبه ذلك، وضد السفيه الرشيد: وهو الذي يصلح دينه ودنياه.
والضعيف العقل: أعم من السفيه فيشمل السفيه وغير السفيه.
وهذه المسألة: في السفيه والضعيف العقل هل تنفذ تصرفاته أو لا تنفذ؟ فيها ثلاثة أقوال للعلماء:
القول الأول: أن تصرفات السفيه وضعيف العقل لا تنفذ وترد، سواء حَجَر عليه الإمام أو لم يحجر، وهذا اختيار البخاري رحمه الله كما في الترجمة، وهو قول ابن القاسم من المالكية[(460)]؛ واستدل أصحاب هذا القول بحديث المدبر، وهو حديث جابر: «أن رجلاً أعتق عبدًا له ليس له مال غيره، فرده النبي، فابتاعه منه نعيم بن النحام» [(461)] فهذا الذي أعتق رد النبي ﷺ تصرفه؛ لأنه ليس له مال غيره، وترك أولاده ليس لهم ما ينفق عليهم، فرد تصرفه وباع العبد ودفع ثمنه إليه لينفق على أهله، ومن ذلك ما جاء من قول الإمام مالك[(462)] في عدم جواز عتق المديان إذا أحاط الدين بماله.
وظاهر كلام البخاري أنه يحجر عليه أقرب أوليائه؛ فإن كان له أب يحجر عليه، وإن لم يكن له أب وله أخ يحجر عليه أخوه.
القول الثاني: لا ترد تصرفات السفيه والضعيف العقل إلا إذا ظهر سفهه وهذا قول بعض العلماء، وذهب إليه الأكثر من المالكية[(463)].
القول الثالث: لا ترد تصرفاته مطلقًا إلا بعد الحجر عليه، فإذا حجر عليه الحاكم أو نائبه ترد تصرفاته، وهذا قول المالكية[(464)]، والشافعية[(465)]، وهذا هو الصواب؛ لأن وجه التصرف قبل الحجر عليه غير منضبط فلا يمنعه إلا الحاكم الشرعي أو نائبه، أما قصة المدبر فهي قضية عين وهي نصيحة من النبي ﷺ.
ومما يدل على جواز تبرع الإنسان بجميع ماله وعدم الحجر عليه لذلك، أن أبا بكر الصديق تصدق بجميع ماله، ولكنه كان له كسب يومي يستطيع أن يكفي أهله.
ويدل على ذلك أيضًا قصة الأنصاري الذي أعطى ضيفه طعامه وبات هو وزوجته طاويين، فهذا ما أبقى شيئًا عنده من الطعام لنفسه وأولاده.
ويدل أيضًا على ذلك ما جاء في قصة كعب بن مالك لما تاب الله عليه قال للنبي ﷺ: إن من توبتي أن أنخلع من مالي لله، فنصحه النبي ﷺ وقال: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ [(466)] وكذا قصة الذي تصدق ببيضة ذهب ليس له غيرها إن صحت[(467)]. وكذا قصة الذي تصدق بأحد ثوبيه.
قوله: «وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَدَّ عَلَى الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ ثُمَّ نَهَاهُ» ، اختلف في هذه القصة، فقال بعض العلماء: إن المراد بالقصة قصة الذي دبر عبده فباعه، وقيل: المراد بالقصة قصة الرجل الذي دخل والنبي ﷺ يخطب، فأمر أن يتصدقوا عليه، فتصدق بأحد ثوبيه فرده النبي ﷺ عليه[(468)] لكن هذا الحديث ذكر بعض أهل العلم أنه ضعيف، وذهب الحافظ ابن حجر رحمه الله إلى أنه إما صحيح وإما حسن.
واستدل المؤلف بهذه القصة على أنه يرد تصرف السفيه.
قوله: «وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ وَلَهُ عَبْدٌ لاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَعْتَقَهُ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ» . هذا القول أيد به المؤلف رحمه الله ما ذهب إليه في الترجمة.
قوله: «وَمَنْ بَاعَ عَلَى الضَّعِيفِ وَنَحْوِهِ فَدَفَعَ ثَمَنَهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالإِْصْلاَحِ وَالْقِيَامِ بِشَأْنِهِ فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْدُ مَنَعَهُ» . عند أبي ذر وعند غيره، بدون لفظ «باب» ، وهو الأليق، وقد تقدم توجيه ما ذكره في هذا الموضع، وأنه لا يمنع من التصرف إلا بعد ظهور الإفساد، وقد مضى الكلام على حديث النهي عن إضاعة المال قبل بابين، وحديث الذي يخدع في كتاب البيوع، ويأتي حديث المدبر في كتاب العتق إن شاء الله تعالى.
وظاهر ما ذهب إليه البخاري أنه إذا ظهر سفهه فإنه يبيع عليه ثم يدفع المال إليه، فإن ظهر أنه مفسد فإنه يمنعه، وإن لم يظهر أنه مفسد فلا يمنعه؛ جمعًا بين النصوص؛ فالذي يخدع في البيوع قال له النبي ﷺ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ وَلَمْ يَأْخُذْ النَّبِيُّ ﷺ مَالَهُ» .
قوله: «بَاعَ عَلَى الضَّعِيفِ» ، يعني: باع من أجله، والضعيف هو ضعيف العقل.
قوله: «وَنَحْوِهِ» ، يعني: السفيه، يريد قصة الرجل الذي أعتق عبدًا وليس له مال غيره، فإن النبي ﷺ باع العبد الذي أعتقه ودفع ثمنه إليه.
قوله: «وَقَالَ لِلَّذِي يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ وَلَمْ يَأْخُذْ النَّبِيُّ ﷺ مَالَهُ» ؛ لأن الرجل الذي يخدع في البيوع يكون غبنه غبنًا يسيرًا.
2414 ثم أورد المؤلف رحمه الله حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقد تقدم الكلام عليه.
2415 ثم أورد المؤلف رحمه الله حديث جابر ، وقد تقدم الكلام عليه.