المتن:
(48)كِتَاب الشَّرِكَةِ
باب الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالنَّهْدِ وَالْعُرُوضِ
وَكَيْفَ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُجَازَفَةً أَوْ قَبْضَةً قَبْضَةً لَمَّا لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النَّهْدِ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ هَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا وَكَذَلِكَ مُجَازَفَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْقِرَانُ فِي التَّمْرِ.
2483 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْثًا قِبَلَ السَّاحِلِ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَهُمْ ثَلاَثُ مِائَةٍ وَأَنَا فِيهِمْ فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلاً قَلِيلاً حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ فَقُلْتُ: وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ قَالَ: ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ، فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً، ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا.
2484 حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ وَأَمْلَقُوا فَأَتَوْا النَّبِيَّ ﷺ فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ، فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطَعٌ وَجَعَلُوهُ عَلَى النِّطَعِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَدَعَا، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ.
2485 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا الأَْوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ ﷺ الْعَصْرَ فَنَنْحَرُ جَزُورًا فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ.
2486 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ الأَْشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.
الشرح:
قوله: «كتاب الشركة» . هذا كتاب من الكتب التي داخل «الجامع الصحيح» ، وكل كتاب تحته أبواب، وهذه الأبواب قد تكون كثيرة وقد تكون قليلة، وقد تصل الأبواب إلى تسعين وإلى مائة وعشرين بابًا تحت الكتاب الواحد.
وجاء في بعض الروايات «في الشركة» ، وفي بعضها «باب الشركة» وفي رواية أبي ذر الهروي وهو المثبت في نسختنا «كتاب الشركة» ، والشركة: هي ما يكون بين اثنين فصاعدًا من الاختلاط لتحصيل الربح، وقد تحصل الشركة بغير قصد من الشركاء كالإرث، فاشتراك الورثة في الإرث شركة.
والفقهاء يقسمونها إلى أقسام منها: شركة أبدان، وشركة عنان في البدن والمال، وشركة وجوه، وشركة مفاوضة.
وهذه الأقسام منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، فمن الشركات المتفق عليها شركة المضاربة، فهذه من أحسن الشركات، وهي شركة بين اثنين، أحدهما منه المال والآخر منه العمل، ويكون الربح بينهما على حسب شرطهما. وذلك كأن يدفع شخص مائة ألف والشخص الثاني يعمل فيها، والربح على ما اشترطاه بينهما.
وشركة الأبدان وهي ما يحصل من اتحاد بدنهما، فهذا يشتغل ببدنه وهذا يشتغل ببدنه، وما حصل يشتركان فيه بينهما، مثل أن يشتغل أحدهما للحشيش يُحش من الأرض للبهائم، والثاني يحتطب، ثم يقتسمان الربح، مثل ما فعل بعض الصحابة في غزوة بدر حيث اشتركوا فيما يتحصل من الغنيمة.
وشركة الوجوه، بمعنى أن يشتركا فيما يحصل في الذمة فكل واحد يتحمل في ذمته شيئًا ويعمل فيه، والفقهاء لهم تفصيلات في هذا.
والمؤلف رحمه الله عقد هذا الكتاب على العموم، فهو يشمل كل ما يكون فيه اشتراك واختلاط بين اثنين فصاعدًا لتحصيل الربح بالاختيار أو بغير اختيار فهذا كتاب عام في الشركة.
قوله: «الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَالنَّهْدِ ـ بكسر النون وبفتحها ـ وَالْعُرُوضِ» الشركة في الطعام مثل ما فعل الصحابة لما كان معهم جراب من تمر مشترك وقائد الجيش يوزع عليهم منه.
والشركة في النهد هي خلط الزاد في السفر مطلقًا فكل واحد يأتي بالزاد الذي معه ثم يشتركون فيه، أو يدفع كل واحد شيئًا من النقود، ثم يشترون به طعامًا ويشتركون في أكله.
والشركة في العروض هي الشركة في كل ما قابل النقد ـ فكل ما لم يكن ذهبًا ولا فضة ولا قائمًا مقامهما فهذا يقال له: عروض ـ مثل الشركة في الأراضي وفي الدور وفي البيوت.
والشركة في النقد سوف يذكرها المؤلف بعد ذلك.
قوله: «وَكَيْفَ قِسْمَةُ مَا يُكَالُ وَيُوزَنُ مُجَازَفَةً أَوْ قَبْضَةً قَبْضَةً» ، يعني: قسمة ما يكال ويوزن ـ مثل: البر أو الأرز أو التمر ـ مما اشتركوا فيه هل يكون مجازفة ـ أي: بدون كيل أو وزن ـ أو بأن يأخذ هذا قبضة وهذا قبضة؟
قوله: «لَمَّا لَمْ يَرَ الْمُسْلِمُونَ فِي النَّهْدِ بَأْسًا أَنْ يَأْكُلَ هَذَا بَعْضًا وَهَذَا بَعْضًا» أي: أن النهد يُتَسامَح فيما يحصل فيه من التفاوت، فقد يأكل هذا أكثر من هذا، وهذا يأكل أقل من هذا.
قوله: «وَكَذَلِكَ مُجَازَفَةُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ» يعني: قسمتها بدون عدٍّ.
فلو اشتركوا في دراهم ثم أخذ هذا قبضة من الدراهم وهذا قبضة من الدراهم، وتسامحوا، فلا بأس.
قوله: «وَالْقِرَانُ فِي التَّمْرِ» أي: إذا اشتركوا في تمر أو عنب أو زيتون، ثم كان بعضهم يقرن حبتين ـ أي: يجمع بينهما في الأكل ـ والآخر يأكل واحدة، وهذا يقرن ثلاثًا وتسامحوا في هذا، فلا بأس، وإن كان بعضهم يأكل أكثر من بعض، ولا يقال: إن هذا من الظلم ومن أكل المال بالباطل.
2483 قوله: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْثًا» أي: سرية.
قوله: «قِبَلَ السَّاحِلِ» يعني: ساحل البحر الأحمر.
قوله: «فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ» يعني: أمّر على السرية أبا عبيدة بن الجراح، ومعلوم أنه إذا خرج جماعة في الغزو فلابد من أن يكون عليهم أمير، ولا يمكن أن يخرج جيش أو سرية بدون أمير يرجعون إليه، فينصح لهم، وهم يسمعون له ويطيعون.
قوله: «وَأَنَا فِيهِمْ» ، هذا يقوله جابر بن عبدالله .
قوله: «فَخَرَجْنَا حَتَّى إِذَا كُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ ذَلِكَ الْجَيْشِ فَجُمِعَ ذَلِكَ كُلُّهُ» ، أي: لما صاروا في أثناء الطريق كاد أن ينتهي الطعام الذي معهم؛ فأمر القائد أبو عبيدة كل واحد أن يأتي بما عنده، فهذا أتى بقبضة من التمر، وهذا أتى بقبضة، وهذا أتى بقبضة، فتجمع شيء من التمر.
قوله: «فَكَانَ مِزْوَدَيْ تَمْرٍ» «مِزْوَدَيْ» : مثنى مزود وهو الكيس، يعني: فجمع كيسين من التمر.
قوله: «فَكَانَ يُقَوِّتُنَا كُلَّ يَوْمٍ قَلِيلاً قَلِيلاً حَتَّى فَنِيَ» يعني: صار يعطيهم ويوزع عليهم كل يوم القليل من ذلك التمر، فأعطاهم أولاً قبضة قبضة، ثم لما قل التمر صار يعطيهم تمرة تمرة من طلوع الشمس إلى غروبها.
وهذا هو الشاهد من هذا الحديث، أنهم جمعوا ما عندهم من الزاد واشتركوا فيه، فكان القائد يوزعه عليهم على حسب ما يراه مناسبًا.
قوله: «فَقُلْتُ:» أي: الراوي عن جابر وهو ابن كيسان: «وَمَا تُغْنِي تَمْرَةٌ؟» يعني: كيف تنفعكم تمرة؟! فقال جابر: «لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَنِيَتْ» ، يعني: لما فني التمر في النهاية وأصبح لا يوجد تمرة أحسسنا بفقدها، وجاء في اللفظ الآخر أنه سئل: «كيف تفعلون بها؟» يعني: التمرة، فقال: «نمصها كما يمص الصبي الماء، ثم نشرب عليها الماء، وتكفينا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط ثم نبله بالماء فنأكله» [(545)]، فانظر: إلى حالة الصحابة وهم أفضل الناس بعد الأنبياء فلا كان ولا يكون مثلهم، وانظر: إلى حالنا الآن وما نحن فيه، هل نحن أفضل من الصحابة؟ لا والله، فليس فَتْح الدنيا علينا مقياسًا؛ إِنَّ اللهَ يُعْطِي الدُّنْيَا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا لِمَنْ أَحَبَّ [(546)] فعندنا الآن من الأطعمة والأشربة ما لا يحصيها إلا الله، وعندنا ما لا يدور في الخيال من أنواع المراكب والملابس، والصحابة كانوا لا يجدون ما يلبسون، فكان أكثرهم لا يجد إلا إزارًا يشد به النصف الأسفل، والنصف الأعلى مكشوف، وإذا سجد الواحد منهم يجمع ثوبه بيده خوفًا من ظهور عورته، فيجب على المسلم أن يشكر الله على نعمة الرخاء، وأن يستعملها في طاعة الله، وألا يغتر بها.
قوله: «ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ» الظرب: الجبل الصغير، يعني: أنهم لما اقتربوا من البحر رأوا سوادًا من بعيد كأنه جبل، فنظروا فإذا هو حوت، قد جزر عنه البحر فمات، ومعلوم أن الحوت حلال حيًّا وميتًا؛ لقوله ﷺ : أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالْحُوتُ وَالْجَرَادُ [(547)] فهذا رزق ساقه الله إليهم بعد هذه الشدة.
قوله: «فَأَكَلَ مِنْهُ ذَلِكَ الْجَيْشُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةً» ، وجاء في الحديث الآخر: «فأكلوا منه شهرًا» [(548)]؛ وفي رواية: «حتى سَمِنّا»» [(549)].
قوله: «ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ تُصِبْهُمَا» يعني: أن ضلعها كان مقوسًا، فلما أكلوها نصبوا ضلعين مقوسين ثم مرت راحلة من الإبل من تحتهما ولم تصبهما، ومعلوم أن البعير مرتفع وخاصة إذا كان عليها الراكب، وهذا دليل على عظم الحوت.
وجاء في رواية أخرى «وأخرجنا من وقب عينه كذا وكذا قلة ودك» [(550)] يعني: كأن عينه بئر.
وفيه: دليل على أن المؤمن إذا اشتدت به الكربة جاءه الفرج، ويشهد لهذا قول الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا [الطّلاَق: 2]، فالصحابة اشتدت بهم الحال ففرج الله عنهم وساق لهم هذا الرزق.
وفيه: دليل على جواز الشركة في الطعام والنهد؛ حيث أمر أبو عبيدة بجمع أزواد الجيش، فكان يقيتهم منه حتى فني.
وفيه: أنه يجب على المجاهدين الصبر.
وفيه: أن العاقبة للمتقين الصابرين.
وفيه: دليل على أن محمدًا رسول الله حقًّا؛ حيث أيده الله وأيد أصحابه ونصره، ولو كان كاذبًا كمسيلمة الكذاب والمختار بن عبيد الثقفي والأسود العنسي لما أيده الله، قال الله تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ *فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ [الحَاقَّة: 44-47]، يعني: أن الله تعالى لا يُمَكّن الكذاب الذي يكذب عليه ويدعي أن الله أرسله، بل يعاجله بالعقوبة، كما عاجل الله هؤلاء الكذابين الذين ادعوا النبوة فعوقبوا وهلكوا.
2484 قوله: «خَفَّتْ أَزْوَادُ الْقَوْمِ وَأَمْلَقُوا» ، يعني: خف ما معهم من الطعام وافتقروا.
قوله: «فَأَتَوْا النَّبِيَّ ﷺ فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ» كأنهم كانوا في جيش فخفت أزوادهم، فجاءوا يستأذنون النبي ﷺ في ذبح الإبل التي يركبونها حتى يأكلوا منها، فأذن لهم النبي ﷺ.
قوله: «فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟» يعني: إبلكم هي التي تحملكم الآن، فإذا نحرتموها فماذا تفعلون، فالله تعالى ألهم عمر أن يبين لهم أنه لا بقاء لهم بعد نحر ظهورهم التي يركبونها والتي تحملهم.
قوله: «فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: نَادِ فِي النَّاسِ فَيَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ فيه دليل على أنه لا بأس من مراجعة الرئيس والكبير والعالم والإشارة عليه، وأن الرئيس قد يأخذ برأي: بعض الرعية إذا رآه مصيبًا، فأخذ النبي ﷺ برأي: عمر وأمرهم بأن يتركوا رواحلهم، وأن يأتوا بفضل أزوادهم، فجاء كل واحد بما معه، فهذا يأتي بقبضة من التمر، وهذا يأتي بقبضة من البر وهكذا.
قوله: «فَبُسِطَ لِذَلِكَ نِطَعٌ» نطْع يعني: سفرة.
قوله: «فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ» يعني: لما جمعوا كل ما عندهم، «فَدَعَا، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا» يعني: لما دعا النبي ﷺ وبرك على الطعام كثَّره الله فأمر الناس أن يأخذ كلٌّ بوعائه، فأخذ الناس بأوعيتهم وملئوها، فلما رأى النبي ﷺ أن الطعام كثر، وامتلأت أوعيتهم كلهم قال: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ» فهذا فيه معجزة للرسول ﷺ في إجابة الله دعاءه.
وفيه: علامة من علامات النبوة، ودليل على أن نبينا محمدًا ﷺ رسول الله حقًّا.
وفيه: دليل على قدرة الله العظيمة في تكثير الطعام، وأنه على كل شيء قدير، إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]، فهو بيده أَزِمَّة الأمور .
والشاهد للترجمة: جواز الشركة في الطعام والنهد، فهم اشتركوا في الطعام، بعدما جمعوه في نطع، ثم ملئوا أوعيتهم.
2485 في الحديث: أن النبي ﷺ كان يبكر بصلاة العصر؛ حيث إنهم بعد صلاة العصر كانوا ينحرون جزورًا، ويقسمونها عشرة أقسام، ثم تطبخ وينضج اللحم، فيأكلون لحمًا نضيجًا قبل أن تغرب الشمس.
وفيه: أن الصحابة كانوا في الغالب يتعشون بعد العصر، كما كان الناس قبل الوظائف في نَجْدٍ يتعشون بعد العصر، ومن تأخر تعشى بعد المغرب، ولا يأكلون بعد العِشاء بل ينامون بعدها مباشرة، ويقومون ليصلوا في آخر الليل، والآن تغيرت الأحوال، وصارت المجالس كلها بعد العشاء بساعتين أو ثلاث أو أربع، حتى يذهب ما يقارب ثلثي الليل أو ثلاثة أرباع الليل، أو يذهب الليل كله في بعض المناسبات.
والشاهد من الحديث: للترجمة تقسيم الجزور عشر قِسَم بالتحري، ولو وزنوها بالميزان فلا بأس.
2486 قوله: إِنَّ الأَْشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ يعني: إذا قل زادهم وفَنِيَ وافتقروا في الغزو أو في سفر من الأسفار، أو في البلد. والأشعريون هم قبيلة أبي موسى الأشعري وهم من اليمن.
قوله: جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ يعني: كل واحد منهم يأتي بما عنده، فيأتي هذا بقبضة وهذا بقبضة وهذا بقبضة، فيجعلونه في ثوب، ثم يقتسمونه بينهم بالسوية، وهذا هو النهد، وهذا فيه إيثار؛ ولذلك شجعهم النبي ﷺ فقال: فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ.
وفيه: منقبة للأشعريين.
وفيه: تشجيع النبي ﷺ على الخير.
والشاهد من الحديث: هو جمعهم الطعام واشتراكهم فيه، وقسمته بينهم بالسوية.
المتن:
باب مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فِي الصَّدَقَةِ
2487 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثنِي ثُمَامَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ، أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ.
الشرح:
قوله: «بَاب مَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ» يعني: شريكين «فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ فِي الصَّدَقَةِ» وفي غير الصدقة أيضًا.
2487 قوله: «فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ» يعني: الزكاة الواجبة.
قوله: وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ مثال التراجع بالسوية في الصدقة: لو كان هناك شريكان في غنم لأحدهما ستون شاة، وللآخر أربعون شاة، وخلطوهما في البرية ترعى في مكان واحد، وتشرب من مكان واحد، فزكاتها شاة واحدة، فإذا جاء عامل الصدقة فإنه يأخذ شاة من أحدهما، فإذا أخذ الزكاة ممن له الستون فإنه يرجع على شريكه الذي له الأربعون بِخُمسَيْ الشاة، وإن كان أخذ الزكاة ممن له الأربعون فإنه يرجع على الذي له الستون بثلاثة أخماس الشاة؛ لأن هذا له أربعون خُمْسا المائة، وهذا له ستون ثلاثة أخماس المائة.
وكذلك يكون التراجع بالسوية في الربح، فإذا خلطا رأس مالهما فدفع أحدهما ستين ألف ريال، والآخر دفع أربعين ألفًا، فصار الجميع مائة ألف، ثم ربحت تجارتهما، فإن الربح يكون بينهما على قدر المالين، فلصاحب الستين ثلاثة أخماس الربح، وللآخر خمسا الربح.
المتن:
باب قِسْمَةِ الْغَنَمِ
2488 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ الأَْنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ فَأَصَابُوا إِبِلاً وَغَنَمًا قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِي أُخْرَيَاتِ الْقَوْمِ فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ، فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ، فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا، فَقَالَ جَدِّي: إِنَّا نَرْجُو أَوْ نَخَافُ الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان قسمة الغنم.
2488 قوله: «فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ» . هذا هو الشاهد للترجمة، والمعنى: أن النبي ﷺ قسم بينهم الغنائم فأعطى كل واحد بعيرًا، فإذا انتهت الإبل أعطى بدله عشرة من الغنم، لكن المعروف في الهدايا والأضاحي أن البعير يعدل بسبع شياه، فيكون هذا إما منسوخًا وإما مرجوحًا، أو أن هذا خاص في الغنائم، وهذا هو الأقرب، ففي الغنائم يكون البعير عدل عشر شياه، أما في الهدايا والأضاحي فيكون البعير عدل سبع.
قوله: «فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ» يعني: هرب.
قوله: «فَأَعْيَاهُمْ» ، يعني: توحش.
قوله: «فَأَهْوَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ» يعني: قصده رجل فرماه بسهم فأصابه.
قوله: «ثُمَّ قَالَ:» أي: النبي ﷺ: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ يعني: قد تتوحش، «فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» يعني: ارموه بسهامكم.
قوله: «فَقَالَ جَدِّي:» يعني: رافع بن خديج، «إِنَّا نَرْجُو أَوْ نَخَافُ الْعَدُوَّ غَدًا، وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى» يعني: سكين، «أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ قَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوهُ، يعني: لا بأس أن يذبح بالقصب أو بحجر أو زجاج محدد أو بالرصاصة الحادة التي تخرج من البندقية، أما إذا ذبح بعرض السهم لا بحده فلا يجزئ، وهذه تسمى وقيذة، وإذا رماه بحجر فقتله فلا يجزئ، فلابد أن يذبح بشيء حاد.
قوله: لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ أي: إلا الظفر والسن فاستثناهم النبي ﷺ، فلا يجوز الذبح بهما، وعلل ذلك بقوله: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ ومدى الحبشة يعني: سكينهم.
وفي الحديث من الفوائد: أن ما ند وهرب من بهيمة الأنعام فإن حكمها حكم الصيد المتوحش فيُرمى بسهم، فإذا جرح من أي: موضع ومات فإنه حلال كالصيد.
وفيه: أنه لابد من ثلاثة شروط لصحة الذبيحة: أن تكون بآلة حادة تنهر الدم، وأن يذكر اسم الله عليها، وأن يكون الذابح مسلمًا أو كتابيًّا، فإن كان وثنيًّا فلا يجزئ، وكذلك لو كان تاركًا للصلاة مرتدًّا، أو شيوعيًّا أو رافضيًّا أو إسماعليًّا، أو غيرها من الفرق الضالة المنحرفة الكفرية كالذي يقول: إن الله حل في علي، فكل هؤلاء لا تجوز ذبائحهم.
المتن:
باب الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ
2489 حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ.
2490 حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ جَبَلَةَ قَالَ: كُنَّا بِالْمَدِينَةِ فَأَصَابَتْنَا سَنَةٌ، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَرْزُقُنَا التَّمْرَ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا فَيَقُولُ: لاَ تَقْرُنُوا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ الإِْقْرَانِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ.
الشرح:
قوله: «بَاب الْقِرَانِ فِي التَّمْرِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ» . كأن الترجمة سقط منها كلمة، والتقدير: باب: لا يجوز القران في التمر بين الشركاء حتى يستأذن أصحابه، أو: باب: القران في التمر بين الشركاء حين يستأذن أصحابه، يعني: جوازه حين يستأذن؛ فالمؤلف يريد أن يبين أنه لا يجوز القران إلا بعد الاستئذان، وقد نبه الشارح على ذلك.
2489 قوله: «نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يَقْرُنَ الرَّجُلُ بَيْنَ التَّمْرَتَيْنِ جَمِيعًا حَتَّى يَسْتَأْذِنَ أَصْحَابَهُ» ، فيه: أن الرجل إذا أكل مع أصحابه فإنه يجب عليه ألا يجمع بين التمرتين؛ لأن ذلك قد يؤذي أصحابه ويضرهم، بل يأكل تمرة تمرة؛ لأن هذا أقرب إلى التساوي والعدل في الأكل، إلا إذا أذن له أصحابه أن يقرن.
2490 قوله: «فَأَصَابَتْنَا سَنَةٌ» يعني: جدب.
قوله: «وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَمُرُّ بِنَا» يعني: ونحن نأكل.
قوله: «فَيَقُولُ: لاَ تَقْرُنُوا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ الإِْقْرَانِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ مِنْكُمْ أَخَاهُ» ، يعني: لا يأكل أحدكم حبتين من التمر سواءً؛ لأنه إذا أكل اثنتين والتمر قليل ضر بأصحابه، فلا يأكل أكثر منهم وهم في وقت جوع وشدة إلا إذا استأذنهم وأذنوا له.
ففي الحديث: دليل على أنه لا يقرن الرجل بين التمرتين في الأكل مع أصحابه، بل يأكل تمرة تمرة؛ لأن هذا أقرب إلى التساوي والعدل في الأكل، ولأنه إذا قرن فقد يؤذي أصحابه ويضرهم، إلا إذا كان هناك إذن نطقي أو عرفي، والإذن النطقي كأن يقولوا: كُلٌّ منا يأكل ما يشاء، والإذن العرفي كأن يكون هناك عرف عند أهل القبيلة، أو أهل البلد، أو يكون هناك إذن للغريب بأن يقرن بين التمرتين، فلا بأس في ذلك.
وبعض العلماء يقول: إن النهي عن القران من حسن الأدب في الأكل.
ونقل ابن بطال أن النهي هنا ليس للتحريم، وإنما هو للتنزيه، والصواب: أنه للتحريم، وبهذا قال الظاهرية؛ لأن الأصل في النهي أنه للتحريم، فيحرم على الإنسان أن يجمع بين تمرتين بغير إذن.
وهذا إنما يكون في وقت الشدة، فإذا وسع الله كما في الوقت الحاضر، فالأقرب أنه لا حرج في ذلك.
المتن:
باب تَقْوِيمِ الأَْشْيَاءِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ بِقِيمَةِ عَدْلٍ
2491 حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ شِرْكًا أَوْ قَالَ: نَصِيبًا، وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ قَالَ: لاَ أَدْرِي قَوْلُهُ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ.
قَوْلٌ مِنْ نَافِعٍ أَوْ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
2492 حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ.
الشرح:
2491 قوله: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَوْ شِرْكًا أَوْ قَالَ: نَصِيبًا. الشقص والشرك والنصيب بمعنى واحد.
قوله: وَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ فَهُوَ عَتِيقٌ وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ يعني: إن كان له مال فإنه يعتق عليه كله ويتحمل نصيب شركائه من ماله، وإن لم يكن له مال فقد أعتق منه ما عتق.
2492 قوله: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، يعني: يخلصه وجوبًا.
قوله: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، أي: يقوَّم على الشركاء.
قوله: ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ. استسعي: الهمزة والسين والتاء للطلب، يعني: يُطلب من العبد أن يسعى ويشتغل ويعمل، بدون أن يُشَقَّ عليه في ذلك، حتى يحصل القيمة التي قُوِّم بها ثمنه فيعتق.
ومعنى الحديث: أنه إذا أعتق أحد الشركاء نصيبه في العبد فإن العتق يسري في جميع العبد ويجبر المعتِق على أن يعطي لشركائه نصيبهم من ثمنه، فإن كان لا يستطيع لكونه فقيرًا، فإن العبد يُستسعى فيُجبر شركاؤه على أن يمكنوه من العمل حتى يخلص نفسه، مثال ذلك: أنه إذا كان هناك عبد بين اثنين، ثم أعتقه أحدهما، فإن العبد يقوَّم، فإذا قوِّم بمائة ألف وكان المُعتِق غنيًّا فإنه يسلم لشريكه خمسين ألفًا حتى يعتق العبد، فإن كان المُعِتق فقيرًا، فإن العبد يستسعى فيعمل حتى يجمع خمسين ألفًا ويسلمها لشريك المعتِق ويكون حرًّا، فإن كان العبد لا يستطيع أن يعمل كأن يكون كبير السن، أو مريضًا، أو لم يجد عملاً فإنه يبقى العبد مبعضًا، نصفه حر ونصفه رقيق حتى ييسر الله له من يعتقه.
وفيه: دليل على تشوف الإسلام إلى العتق.
المتن:
باب هَلْ يُقْرَعُ فِي الْقِسْمَةِ وَالاِسْتِهَامِ فِيهِ
2493 حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا.
الشرح:
هذه الترجمة للقُرعة في القسمة والاستهام فيها، فإذا كان هناك ـ مثلاً ـ طعام اشتراه جماعة، وأرادوا أن يقسموه فإنهم يقسمونه عدة أكوام ثم يقترعوا على من يأخذ هذا الكوم ومن يأخذ هذا الكوم، ثم يأخذ كل واحد ما أصابه، فهذه تسمى القرعة في القسمة.
ومن ذلك قوله تعالى في قصة يونس : فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ [الصَّافات: 141] أي: لما ركب السفينة ثقلت فقالوا: لابد أن يُلقى أحدُنا في البحر وإلا غرقنا جميعًا، فلم يقبل أحد أن يُلقى، فقالوا: نستهم، فمن يقع عليه السهم يسقط في البحر، فوقع السهم على يونس ، وأعادوها فوقعت على يونس ، فأوقع نفسه في البحر.
2493 قوله: مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ يعني: بالنهي عنها والتحذير منها، وحدود الله المراد بها هنا: المعاصي والمحرمات، أي: محارم الله، كقوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا [البَقَرَة: 187]، وتطلق الحدود على الفرائض أيضًا ـ كالصلاة والزكاة، كقوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا [البَقَرَة: 229]، وكقول النبي ﷺ: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها [(551)].
وتطلق الحدود أيضًا على المقدرات الشرعية من التعزيرات والعقوبات، كحد شرب الخمر، وحد القذف، وحد الزنا.
قوله: وَالْوَاقِعِ فِيهَا يعني: الواقع في المعاصي بفعلها وارتكابها.
فالحديث فيه: مثل الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والواقع في المعصية.
قوله: كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا أي: مثل قوم أرادوا أن يركبوا سفينة مكونة من طابقين، فتشاحوا بينهم كل واحد يريد الطابق الأعلى؛ فاستهموا، ثم بعد ذلك صار الذين في الطابق الأسفل إذا أرادوا أن يأخذوا الماء مروا على من في الطابق الأعلى، فقالوا: إن في هذا مشقة علينا، فلماذا لا نخرق خرقًا في السفينة من أسفل ونأخذ الماء ولا نؤذي من فوقنا؟ فقال النبي ﷺ: فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا يعني: إن تركهم أهل الطابق الأعلى يخرقون السفينة دخل الماء وغرقت السفينة، وهلك كل من فيها، وإن أخذوا على أيديهم ومنعوهم وقالوا: لا نترككم تخرقونها سلم كل من فيها.
فهذا مثل عظيم ضربه النبي ﷺ في بيان وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشدة الحاجة إليه، وأن الناس إذا أخذوا على يد السفيه وأجبروه على الحق نجوا جميعًا من العقوبات والمصائب، وإن تركوه ولم ينهوه جاءت العقوبات فشملت الصالح والطالح ثم يبعثون على نياتهم، ويقول النبي ﷺ في الحديث الآخر: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغيِّرُوهُ، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ [(552)] وقال : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً [الأنفَال: 25].
وفي الحديث: الصحيح أن النبي ﷺ خرج ليلة فزعًا واحمر وجهه وهو يقول: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ اليَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وأشار بالسبابة والوسطى، فقالت زينب: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الخَبَثُ [(553)]، والخبث أي: المعاصي.
المتن:
باب شَرِكَةِ الْيَتِيمِ وَأَهْلِ الْمِيرَاثِ
2494 حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَامِرِيُّ الأُْوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ [النِّسَاء: 3] فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا تُشَارِكُهُ فِي مَالِهِ فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ فَنُهُوا أَنْ يُنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ، وَيَبْلُغُوا بِهِنَّ أَعْلَى سُنَّتِهِنَّ مِنْ الصَّدَاقِ وَأُمِرُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا طَابَ لَهُمْ مِنْ النِّسَاءِ سِوَاهُنَّ.
قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ هَذِهِ الآْيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النِّسَاء: 127] وَالَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الآْيَةُ الأُْولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يَعْنِي هِيَ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ لِيَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ فَنُهُوا أَنْ يَنْكِحُوا مَا رَغِبُوا فِي مَالِهَا وَجَمَالِهَا مِنْ يَتَامَى النِّسَاءِ إِلاَّ بِالْقِسْطِ مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ.
الشرح:
قوله: «بَاب شَرِكَةِ الْيَتِيمِ وَأَهْلِ الْمِيرَاثِ» الواو بمعنى مع، أي: شركة اليتيم مع أهل الميراث.
2494 قوله: «أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ [النِّسَاء: 3] «فَقَالَتْ: يَا ابْنَ أُخْتِي هِيَ الْيَتِيمَةُ تَكُونُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا» يعني: يكون وليها ابن عمها أو ابن عمتها أو ابن خالتها وليس لها أب ولا إخوة، فيربيها حتى تكبر، «فَيُعْجِبُهُ مَالُهَا وَجَمَالُهَا فَيُرِيدُ وَلِيُّهَا أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ فِي صَدَاقِهَا» يعني: بغير أن يعدل، فهو يريد أن يتزوجها بأقل من صداق مثلها، والعدل أن يعطيها مهر المثل.
ويقسط من أقسط ـ الرباعي ـ إذا عدل، ومنه الحديث: إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ [(554)] أما قَسَطَ ـ الثلاثي ـ فيعني: جار وظلم، ومنه قول الله تعالى: وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجنّ: 15] فالقاسطون: الجائرون.
قوله: «فَنُهُوا أَنْ يُنْكِحُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ» يعني: إلا أن يعدلوا بإعطائهن المهر كاملاً، فليس للولي أن ينقص من مهر اليتيمة شيئًا، وقد كانوا في الجاهلية من كانت عنده يتيمة ولها مال وَرِثَتْه من أبيها يتزوجها وليها رغبة في مالها، ولا يعطيها مهرها كاملاً، فنهاهم الله عن ذلك.
قوله: «ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ هَذِهِ الآْيَةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النِّسَاء: 127]» يعني: قول الله : وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ [النِّسَاء: 127] تقول عائشة: «وَالَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ أَنَّهُ يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ الآْيَةُ الأُْولَى الَّتِي قَالَ فِيهَا: وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ يَعْنِي هِيَ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ لِيَتِيمَتِهِ الَّتِي تَكُونُ فِي حَجْرِهِ حِينَ تَكُونُ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ» أي: تقول عائشة: فكما أن الولي إذا كانت اليتيمة التي في حجره جميلة وكثيرة المال يرغب في زواجها ويعطيها المهر كاملاً، فكذلك إذا كانت قليلة المال وقليلة الجمال يجب أن يعطيها المهر كاملاً، وإلا فلا يتزوجها، ويزوجها غيره.
المتن:
باب الشَّرِكَةِ فِي الأَْرَضِينَ وَغَيْرِهَا
2495 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان الشركة في الأرض وفي غيرها.
2495 قوله: «إِنَّمَا جَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ الشُّفْعَةَ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ» . الشفعة: هي انتزاع حصة الشريك بالقيمة التي اشتُريت بها، وسميت شفعة من الشفع وهو الضم؛ لأن الشريك يضم إلى نصيبه حصة شريكه.
فإذا كانت بين شخصين أرض وأراد أحدهم أن يبيع نصيبه فقال لشريكه: أنا أريد أن أبيع، فقال: لا بأس، ثم لما باعها قال: أنا أريد الشفعة، فليس له ذلك؛ لأنه أسقط حقه بالإذن، فإن لم يأذن فإنه ينتزع حصة شريكه من الذي باعها عليه ويعطيه الثمن دفعًا للضرر؛ فالشفعة تثبت في العقارات كالأراضي والدور قبل وقوع الحدود وتصريف الطرق بالإجماع.
واختلف العلماء في الشفعة في المنقول كالسيارات والأمتعة على قولين: قيل: تثبت، وقيل: لا تثبت، والصواب: أنها تثبت.
والحكمة في مشروعية الشفعة إزالة الضرر الحاصل بالشركة.
وكذلك تثبت الشفعة للجار إذا كانت الطريق واحدة على الصحيح؛ لحديث: الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَةِ جَارِهِ يُنْتَظَرُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا [(555)].
المتن:
باب إِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الدُّورَ أوَ غَيْرَهَا فَلَيْسَ لَهُمْ رُجُوعٌ وَلاَ شُفْعَةٌ
2496 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: قَضَى النَّبِيُّ ﷺ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ، وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلاَ شُفْعَةَ.
الشرح:
2496 في الحديث: بيان أن الشركاء في الدور أو الأراضي إذا قسموا محل الشركة وحددت الطرق والمراسيم فليس هناك شفعة.
وليس في الحديث هنا إلا نفي الشفعة، ولكن يلزم من نفيها نفي الرجوع؛ إذ لو كان للشريك الرجوع في نصيبه لعادت الأرض أو المباني مشاعًا وحينئذ تعود الشفعة، فلما لم يكن له الشفعة دل ذلك على أنه ليس له الرجوع، وهذا من دقائق فهم البخاري رحمه الله؛ حيث ترجم «إِذَا اقْتَسَمَ الشُّرَكَاءُ الدُّورَ وَغَيْرَهَا فَلَيْسَ لَهُمْ رُجُوعٌ وَلاَ شُفْعَةٌ» .
المتن:
باب الاِشْتِرَاكِ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَمَا يَكُونُ فِيهِ الصَّرْفُ
2497، 2498 حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُثْمَانَ يَعْنِي ابْنَ الأَْسْوَدِ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ عَنْ الصَّرْفِ يَدًا بِيَدٍ؛ فَقَالَ: اشْتَرَيْتُ أَنَا وَشَرِيكٌ لِي شَيْئًا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً، فَجَاءَنَا الْبَرَاءُ ابْنُ عَازِبٍ، فَسَأَلْنَاهُ؛ فَقَالَ: فَعَلْتُ أَنَا وَشَرِيكِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَسَأَلْنَا النَّبِيَّ ﷺ عَنْ ذَلِكَ؛ فَقَالَ: مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَذَرُوهُ.
الشرح:
2497، 2498 قوله: «اشْتَرَيْتُ أَنَا وَشَرِيكٌ لِي شَيْئًا يَدًا بِيَدٍ وَنَسِيئَةً» نسيئة أي: أجل، والمعنى أنهم كانوا يعملون في الصرف فيبيعون الدراهم بالدنانير، وأحيانًا كان يحدث التقابض في المجلس، وأحيانًا أخرى كان يؤجل قبض أحد النقدين، فسألوا البراء عن جواز ذلك، فأخبرهم أن هذه القصة حصلت له من قبل، وأنه سأل النبي ﷺ فقال: مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ، وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَذَرُوهُ وفيه أن الصرف لابد فيه أن يكون يدًا بيد، وهذا مجمع عليه، فالدراهم بالدنانير، والذهب بالفضة إذا كان يدًا بيد فلا بأس به، أما أن أعطيك الدراهم وتعطيني الذهب بعد ساعة أو ساعتين أو يوم أو يومين فهذا نسيئة وهو ممنوع.
والأوراق النقدية الموجودة الآن قائمة مقام الذهب والفضة فيما يظهر، فإذا اشترى مثلاً دولارًا أمريكيًّا بريالات سعودية جاز إذا كان يدًا بيد، ولا يجوز مع الأجل.
المتن:
باب مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ وَالْمُشْرِكِينَ فِي الْمُزَارَعَةِ
2499 حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان مشاركة غير المسلمين في المزارعة، فالذمي هو اليهودي أو النصراني الذي يعيش في بلاد الإسلام ويدفع الجزية، «وَالْمُشْرِكِينَ» يعني: الوثنيين.
2499 قوله: «أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» . الشطر يعني: النصف.
وفي الحديث: جواز مشاركة الكافر إذا لم يُخشَ ضرره، لكن في غير جزيرة العرب؛ لأمر النبي ﷺ ووصيته بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فقال: أخرجوا اليهود والنصارى من جزيرة العرب [(556)] وقوله: لا يبقى في جزيرة العرب دينان [(557)].
ولا يخفى ما حصل من الضرر الآن باستقدام الكفرة إلى بلاد المسلمين، وقد يقال بجواز استقدامهم في الحالات الضرورية كوجود أعمال لا يتمكن المسلمون من القيام بها، كما أبقى النبي ﷺ أهل خيبر فيها لانشغال المسلمين بالجهاد، وقال: نُقِرُّكُمْ عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا [(558)] وأجلاهم عمر.
ولكن إذا استقدم ولي الأمر أو الحكومة بعض الكفرة لضرورة معينة فإنه لا ينبغي لأفراد الناس أن يستقدموا الخدم في البيوت من غير المسلمين؛ فإن لهذا أضرارًا عظيمة من انتشار الفواحش والشرور والسحر والزنا وغير ذلك.
ولا بأس إذا جاء الكافر إلى جزيرة العرب لحاجة أن يمكث مدة قصيرة محددة، أما أن يأتي ليسكن مدة طويلة فلا يجوز، وقد كان عمر يحدد للذمي ثلاثة أيام إذا جاء المدينة لبيع سلعته، ثم يرجع إلى بلده، فيجب أن تبقى جزيرة العرب للإسلام وحده؛ لأنها هي مهد الإسلام، وقام الإسلام فيها على أكتاف المسلمين، فيجب أن تبقى سالمة من دين آخر.
المتن:
باب قِسْمَةِ الْغَنَمِ وَالْعَدْلِ فِيهَا
2500 حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا عَلَى صَحَابَتِهِ ضَحَايَا، فَبَقِيَ عَتُودٌ، فَذَكَرَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَ: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ.
الشرح:
2500 قوله: «فَبَقِيَ عَتُودٌ» العتود: هو الجذع من المعز ابن خمسة أشهر، وسمي عتودًا؛ لأنه يقوى على الذهاب بنفسه ويمتنع.
وظاهر الحديث: أن قسمتها قبل أن يضحى بها، لا كما قال ابن المنيّر.
قوله: ضَحِّ بِهِ أَنْتَ ظاهره تخصيص عقبة بالتصحيحة بالعتود ابن خمسة أشهر
المتن:
باب الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ
وَيُذْكَرُ أَنَّ رَجُلاً سَاوَمَ شَيْئًا فَغَمَزَهُ آخَرُ فَرَأَى عُمَرُ أَنَّ لَهُ شَرِكَةً.
2501، 2502 حَدَّثَنَا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدٌ عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِشَامٍ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ وَذَهَبَتْ بِهِ أُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ حُمَيْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ فَقَالَ: هُوَ صَغِيرٌ، فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَدَعَا لَهُ.
وَعَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، فَيَقُولاَنِ لَهُ: أَشْرِكْنَا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ، فَيَشْرَكُهُمْ، فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ.
الشرح:
قوله: «بَاب الشَّرِكَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ» ، يعني: لا بأس أن يكون هناك شركة في الطعام وفي غير الطعام من السلع.
2501، 2502 قوله: «وَعَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ كَانَ يَخْرُجُ بِهِ جَدُّهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هِشَامٍ إِلَى السُّوقِ فَيَشْتَرِي الطَّعَامَ، فَيَلْقَاهُ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما، فَيَقُولاَنِ لَهُ: أَشْرِكْنَا؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَدْ دَعَا لَكَ بِالْبَرَكَةِ، فَيَشْرَكُهُمْ» . فيه: جواز الشركة في الطعام وأن ذلك لا بأس به.
والأظهر اختصاص زهرة بذلك بطلب البركة بالشركة معه لدعاء النبي ﷺ له.
قوله: «فَرُبَّمَا أَصَابَ الرَّاحِلَةَ كَمَا هِيَ فَيَبْعَثُ بِهَا إِلَى الْمَنْزِلِ» يعني: أصاب من كسبه الراحلة بما عليها من الطعام.
وفيه: جواز دخول السوق لطلب المعاش، وطلب البركة، والرد على من زعم أن السعة من الحلال مذمومة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال مالك أيضًا في السلعة تعرض للبيع: فيقف من يشتريها للتجارة، فإذا اشتراها واحد منهم واستشركه الآخر لزمه أن يشركه؛ لأنه انتفع بترك الزيادة عليه» اهـ، وهذا ليس بوجيه؛ لأن فيه فتحًا لباب التلاعب والخصومات.
المتن:
باب الشَّرِكَةِ فِي الرَّقِيقِ
2503 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ قَدْرَ ثَمَنِهِ، يُقَامُ قِيمَةَ عَدْلٍ، وَيُعْطَى شُرَكَاؤُهُ حِصَّتَهُمْ، وَيُخَلَّى سَبِيلُ الْمُعْتَقِ.
2504 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ أُعْتِقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ يُسْتَسْعَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ.
الشرح:
قوله: «بَاب الشَّرِكَةِ فِي الرَّقِيقِ» الرقيق هو: العبد المملوك سواء كان ذكرًا أو أنثى، ومراد المؤلف: أن الشركة تكون في الرقيق كما تكون في الطعام وغيره.
2503 قوله: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَ كُلَّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، يعني: إذا أعتق نصيبه في العبد المشترك بينه وبين آخرين وجب عليه أن يدفع لشركائه قيمة حصصهم، ويخلي سبيل العبد فيكون حرًّا.
2504 قوله: مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ يعني: نصيبًا.
قوله: أُعْتِقَ كُلُّهُ يعني: يسري العتق إلى جميع العبد.
قوله: إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ أي: إن كان المعتِق له مال يفي بحصص شركائه. والمعنى: أن من أعتق عبدًا مشتركًا بينه وبين غيره وكانت قيمة العبد مائة ألف فإنه يلزمه أن يسلم خمسين ألفًا لشريكه إذا كان معه مال.
قوله: وَإِلاَّ، أي: وإن لم يكن له مال.
قوله: يُسْتَسْعَ أي: العبد، فيطلب منه أن يشتغل ويعمل حتى يحصل على قضاء دينه بالكتابة.
المتن:
باب الاِشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ وَالْبُدْنِ وَإِذَا أَشْرَكَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي هَدْيِهِ بَعْدَ مَا أَهْدَى
2505، 2506 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُالْمَلِكِ بْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ.
وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالاَ: قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ لاَ يَخْلِطُهُمْ شَيْءٌ فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً وَأَنْ نَحِلَّ إِلَى نِسَائِنَا فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالَةُ.
قَالَ عَطَاءٌ: فَقَالَ جَابِرٌ: فَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا، فَقَالَ جَابِرٌ بِكَفِّهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ؛ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهِ لَأَنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ، وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لأَحْلَلْتُ؛ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ لَنَا أَوْ لِلأَْبَدِ؟ فَقَالَ: لاَ، بَلْ لِلأَْبَدِ، قَالَ: وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَقُولُ لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ: الآْخَرُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْيِ.
الشرح:
هذه الترجمة معقودة لبيان جواز الاشتراك في الهدي والبدن، وأنه إذا أشرك الرجل رجلاً آخر في هديه بعدما أهدى فلا بأس.
2505، 2506 قوله: «قَدِمَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ لاَ يَخْلِطُهُمْ شَيْءٌ» ، يعني: لا يقصدون العمرة؛ لأنهم كانوا في الجاهلية يرون أن أشهر الحج شوال وذا القعدة وذا الحجة تكون للحج فقط وأنها تحرم فيها العمرة، فإذا رجع الحجاج من حجهم وسلمت الإبل من الجروح التي في ظهرها، ودخل شهر صفر جاءت العمرة، فكانوا يقولون: إذا عفا الأثر، وبرأ الدبر، ودخل صفر حلت العمرة لمن اعتمر، فخالفهم النبي ﷺ وأمر أصحابه أن يجعلوها عمرة وأن يحلوا، فَكَبُر عليهم ذلك؛ لأنهم في الجاهلية كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور، ففشت القالة في الناس، حتى قال بعضهم: «فَيَرُوحُ أَحَدُنَا إِلَى مِنًى وَذَكَرُهُ يَقْطُرُ مَنِيًّا» يعني: تعجبوا أن يتحلل أحدهم من العمرة ثم يجامع النساء ثم يحرم بالحج بعد التحلل ويذهب إلى منى وهو حديث عهد بالنساء.
قوله: «فَقَالَ جَابِرٌ بِكَفِّهِ» أي: مال بكفه.
قوله: «فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ؛ فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ أَقْوَامًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا، وَاللَّهِ لَأَنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ يعني: قام فبين للناس أن هذا أمر شرعه الله، وأنه لا يأمرهم إلا بما شرع الله ، وأنه ﷺ أتقى لله منهم، ولا ينبغي للإنسان أن يعترض على شرع الله بالرأي.
قوله: وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ، يعني: لو عرفت أن الناس يترددون ويحصل عندهم هذا التحرج لما سقت الهدي بل كنت أتحلل حتى يروني متحللاً أمامهم.
قوله: «فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هِيَ لَنَا أَوْ لِلأَْبَدِ؟» يعني: هل فَسْخُ الحج إلى العمرة خاص بالصحابة فقط أو عام إلى يوم القيامة؟ فقال النبي ﷺ: لاَ، بَلْ لِلأَْبَدِ، وفي لفظ آخر: شبك بين أصابعه وقال: بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَدِ [(559)] يعني: فسخ الحج إلى العمرة عام إلى يوم القيامة.
قوله: «وَجَاءَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: يَقُولُ لَبَّيْكَ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وَقَالَ: الآْخَرُ لَبَّيْكَ بِحَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ وَأَشْرَكَهُ فِي الْهَدْيِ» ، يعني: أنه في حجة الوداع ساق النبي ﷺ من المدينة من الهدي ثلاثًا وستين، وساق علي من اليمن سبعًا وثلاثين، فأهل علي بما أهل به النبي ﷺ، فقال له النبي ﷺ: ابقَ على إحرامك، وأشركه في هديه وضم السبعة والثلاثين إلى الثلاثة والستين فصارت مائة، فهذا هو الشاهد للترجمة، فالنبي ﷺ أشرك عليًّا في الهدي بعدما أهدى؛ فدل على جواز الشركة في الهدي، وجواز الشركة في البدن، وجواز إشراك الرجل في هديه بعدما يسوقه، ولا يشترط أن يشركه قبل أن يهدي.
المتن:
باب مَنْ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ فِي الْقَسْمِ
2507 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلاً فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ ثُمَّ إِنَّ بَعِيرًا نَدَّ وَلَيْسَ فِي الْقَوْمِ إِلاَّ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بِسَهْمٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا، قَالَ: قَالَ: جَدِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نَرْجُو أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ؟ فَقَالَ: اعْجَلْ أَوْ أَرْنِي، مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ.
الشرح:
قوله: «بَاب مَنْ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ فِي الْقَسْمِ» المراد: أن عشرة من الغنم تعدل بجزور في الغنائم، أما في الهدايا والأضاحي فإن النبي ﷺ عدل سبعة من الغنم بجزور.
2507 قوله: «فَعَجِلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ» ، يعني: أنهم عجلوا وذبحوا من الغنيمة وغلت بها القدور قبل إذن النبي ﷺ.
قوله: «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ» عقوبة لهم؛ لأنهم أخذوها من الغنيمة قبل قسمتها بدون إذن النبي ﷺ، ففيه: جواز العقوبة بالمال، ويكون هذا مخصِّصًا لحديث النهي عن إضاعة المال.
وفيه من الفوائد: أن ما تمرد من بهيمة الأنعام حكمه حكم الصيد ـ كما سبق ـ فيُرمى بسهم، فإذا أصابه السهم وجرحه من أي: موضع فمات فتلك ذكاته، أما إذا رماه بحجر أو ضربه بعرض السهم لا بحده فلا يحل؛ لأنه وقيذ، كما في حديث عدي بن حاتم: فَإِنَّهُ وَقِيذٌ [(560)].
وفيه: أنه يجوز الذبح بكل حاد ينهر الدم، من قصب أو حجر أو حديد إلا السن والظفر، وقد بين النبي ﷺ العلة في ذلك فقال: أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ ونهى عن ذلك لأن فيه تشبها بالكفار في آلة الذبح.