المتن:
باب إِذَا أُسِرَ أَخُو الرَّجُلِ أَوْ عَمُّهُ هَلْ يُفَادَى إِذَا كَانَ مُشْرِكًا
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ الْعَبَّاسُ: لِلنَّبِيِّ ﷺ فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً.
وَكَانَ عَلِيٌّ لَهُ نَصِيبٌ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَصَابَ مِنْ أَخِيهِ عَقِيلٍ وَعَمِّهِ عَبَّاسٍ.
2537 حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثنِي أَنَسٌ أَنَّ رِجَالاً مِنْ الأَْنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لاَ تَدَعُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا.
الشرح:
قوله: «إِذَا أُسِرَ أَخُو الرَّجُلِ أَوْ عَمُّهُ هَلْ يُفَادَى إِذَا كَانَ مُشْرِكًا؟» أو لا يفادى لأنه يعتق عليه؟ أراد المصنف بهذه الترجمة أن يبين أنه إذا ملك أباه أو أُمّه عتقا عليه، أما إذا ملك أخاه أو عمه فلا يعتق عليه؛ لأن العباس عم النبي ﷺ وعم علي وعقيلاً أخا عليٍّ أُسرا في بدر، وعلي له قسط من الغنيمة، ومع ذلك لم يعتق نصيبه منهما.
قوله: «وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ الْعَبَّاسُ: لِلنَّبِيِّ ﷺ فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً» ، أي: اشترى منهم نفسه؛ لأن الأسير الذي يأسره المسلمون إما أن يقتله الإمام، أو يمن عليه، أو يسترقه، أو يفادي نفسه؛ لقوله تعالى: فَإِذَا لَقِيْتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا [محَمَّد: 4].
قوله: «وَكَانَ عَلِيٌّ لَهُ نَصِيبٌ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ الَّتِي أَصَابَ مِنْ أَخِيهِ عَقِيلٍ وَعَمِّهِ عَبَّاسٍ» يعني: أن عباسًا عم النبي ﷺ أسر في غزوة بدر، وكذلك عقيل أخو علي، ولم يعتقا، وعلي له حصة من الغنيمة، فلو كان الأخ أو العم يعتق بمجرد الملك لعتُق على علي عمه وأخوه، فدل ذلك على أن الأخ والعم لا يعتقا، إنما الذي يعتق الأب والأم، فإذا ملك أباه أو أمه فإنه يعتق عليه.
2537 قوله: «أَنَّ رِجَالاً مِنْ الأَْنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: ائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ» . وهذا تلطف وأدب من الأنصار؛ حيث لم يقولوا: ائذن لنا فلنترك لعمك يا رسول الله، بل قالوا: ابن أختنا، ووجه ذلك أن أخوال عبدالمطلب ـ وهو أبو العباس ـ من الأنصار؛ لأن أم عبدالمطلب سلمى بنت عمرو، وهي من بني النجار.
قوله: «فَقَالَ: لاَ تَدَعُونَ مِنْهُ دِرْهَمًا يعني: لم يأذن النبي ﷺ في ذلك بل قال: يدفع مثل غيره، ويفادي نفسه؛ ولهذا جاء عن العباس بعد ذلك قصة رواها أنس فقال: «أتي النبي ﷺ بمال من البحرين، فقال: انْثُرُوهُ فِي المَسْجِدِ؛ فكان أكثر مال أتي به رسول الله ﷺ إذ جاءه العباس، فقال: يا رسول الله أعطني؛ إني فاديت نفسي وفاديت عقيلاً، قال: خُذْ فحثا في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع، فقال: اؤمر بعضهم يرفعه عليَّ، قال: لا قال: فارفعه أنت علي؟ قال: لا؛ فنثر منه، ثم ذهب يقله فلم يرفعه، فقال: فمر بعضهم يرفعه علي، قال: لا قال: فارفعه أنت علي؟ قال: لا فنثر منه، ثم احتمله على كاهله، ثم انطلق، فما زال يتبعه بصره حتى خفي علينا عجبًا من حرصه؛ فما قام رسول الله ﷺ وثم منها درهم» [(596)].
وكأن المؤلف رحمه الله ـ كما ذكر الشارح ـ يشير بهذه الترجمة إلى توضيح حديث: مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَهُوَ حُرٌّ [(597)] وهو حديث منكر، وقد أخذ بعمومه الحنفية[(598)]، والثوري، والأوزاعي، والليث، فقالوا: إنه إذا ملك ذا رحم فهو حر، وقال داود الظاهري: لا يعتق أحد على أحد، وذهب الإمام الشافعي[(599)] أنه لا يعتق عليه إلا أصوله وفروعه، وأصوله: الآباء والأجداد والأمهات والجدات، وفروعه: الأبناء والبنات.
المتن:
باب عِتْقِ الْمُشْرِكِ
2538 حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي أَنَّ حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ أَعْتَقَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ، وَأَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ قَالَ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا يَعْنِي أَتَبَرَّرُ بِهَا؟ قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ.
الشرح:
2538 قوله: «فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ أَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا يَعْنِي أَتَبَرَّرُ بِهَا؟» «أَتَبَرَّرُ بِهَا؟» يعني: أطلب بها البر، و «أَتَحَنَّثُ بِهَا» يعني: أطلب بها طرح الحنث وهو الإثم، وهذا الحديث فيه أن المشرك إذا فعل خيرًا وأعمالاً صالحة في شركه، ثم أسلم فإنه يحرزها بإسلامه، ويكتب له أجرها أما إذا لم يسلم فلا تنفعه، فهذا حكيم بن حزام أعتق مائة رقبة وحمل على مائة بعير في سبيل الله، فلما أسلم فعل مثل ذلك، حمل على مائة بعير، وأعتق مائة رقبة، ثم سأل النبي ﷺ عن هذه الأعمال التي عملها في الجاهلية هل تنفعه؟ «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَسْلَمْتَ عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ فجمع الله له ذلك كله، فحاز ثواب عمله في الإسلام وما فعله في الجاهلية، ومثله إذا ارتد ثم أسلم ومات على الإسلام فإنه يحرز أعماله قبل الردة من حج وغيره، ولا تبطل إلا بموته على الكفر، لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل الموت على الكفر، فقال الله تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البَقَرَة: 217] فإذا منَّ الله عليه وعاد إلى الإسلام أحرز أعماله بالإسلام.
المتن:
باب مَنْ مَلَكَ مِنْ الْعَرَبِ رَقِيقًا فَوَهَبَ وَبَاعَ وَجَامَعَ وَفَدَى وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزْقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ.
2539، 2540 حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ فَقَالَ: إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا لَكَ ذَلِكَ قَالَ: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ.
وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبَّاسٌ: لِلنَّبِيِّ ﷺ فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً.
2541 حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: كَتَبْتُ إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَيَّ إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ؛ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَكَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ.
2542 حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِالرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهِيَ كَائِنَةٌ.
2543 حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ.
وحَدَّثَنِي ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: فِيهِمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ، قَالَ: وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا، وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ.
الشرح:
قوله: «باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع وجامع وفدى وسبى الذرية» . هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان الخلاف في استرقاق العرب، وهي مسألة مشهورة، والجمهور على أن العرب إذا سبوا يسترقون مثل العجم، والمؤلف رحمه الله ذهب إلى هذا، والأحاديث التي أوردها والنصوص التي ذكرها كلها تدل على أن العرب مثل العجم يسبون ويباعون ويوهبون إذا استرقوا، إذا كانوا كفارا، وذكر المؤلف رحمه الله قول الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزْقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [النّحل: 75] والشاهد قوله: عَبْدًا مَمْلُوكًا، وهو عام؛ فالله تعالى أطلق العبد المملوك ولم يقيد بكونه أعجميًّا، فدل على أن العبد يكون عربيًّا ويكون أعجميًّا، فيسترق المشرك إذا سبي؛ سواء كان من العرب أم من العجم.
2539، 2540 ذكر المؤلف رحمه الله في هذا الحديث قصة هوازن، فبعد فتح مكة اتجه النبي ﷺ إلى هوازن، وهم من العرب، وحصلت بينهم معركة شديدة، فحاصرهم النبي ﷺ ثم انهزموا، فسبى النبي ﷺ ذراريهم ونساءهم، وكان سبيًا عظيمًا؛ وذلك أن هوازن قد جاءوا بنسائهم وأولادهم وأموالهم؛ حتى لا يفروا عند قتالهم للنبي ﷺ، وكان قد أشار عليهم بعض القادة الذين طعنوا في السن ألا يأتوا بالنساء والأولاد، وقال: إن المنهزم لا يرده شيء، فلم يقبلوا، فساقوا نساءهم وأولادهم وذراريهم، وجاء في قصة أخرى ساقها المؤلف أن الرسول ﷺ والصحابة في هذه الغزوة غنموا من الإبل ومن الغنم آلافا، وكانوا قد رموا الرسول والصحابة في أول الأمر رميًا شديدًا، وحصل في أول الأمر تولي من بعض المؤمنين، ثم كروا عليهم مرة أخرى، فهزمهم الله، فساقوا الإبل وساقوا الغنم، وساقوا النساء والذراري، ثم استأنى بهم النبي ﷺ بضع عشرة ليلة؛ لعلهم يأتون تائبين فيرد الله عليهم أموالهم ونساءهم فلم يأتوا، فقسم النبي ﷺ الإبل والغنم على الصحابة، وقسم أيضًا النساء والذراري عبيدًا، ثم جاءوا بعد اثنتي عشرة ليلة إلى النبي ﷺ تائبين مسلمين، وسألوا النبي ﷺ أن يرد إليهم أموالهم وذراريهم ونساءهم.
قوله: إِنَّ مَعِي مَنْ تَرَوْنَ، يعني: ليس معي من السبي الآن إلا هؤلاء، أي: وزعت الغنائم على الناس.
قوله: وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ وَإِمَّا السَّبْيَ أي: لا نعطيكم الأموال والسبي، فاختاروا إما نساءكم وأولادكم، وإما المال.
قوله: وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ أي: إن الرسول ﷺ انتظر وتمهل لعلهم يرجعون، ويأتون تائبين فلم يأتوا.
قوله: «وَكَانَ النَّبِيُّ ﷺ انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ» ، أي: تبين لهم أنه لا يمكن أن يعطيهم المال ويعطيهم السبي، «قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا» ، أي: نختار نساءنا وأولادنا وما نريد المال، ولا شك أن النساء والأولاد أهم.
قوله: «فَقَامَ النَّبِيُّ ﷺ فِي النَّاسِ» ، يعني: خطيبًا.
قوله: «فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ. ولكن السبي الآن بين أيدي الناس.
قوله: فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ؛ يعني: خيرهم، فالذي تطيب نفسه أن يدفع ما معه من النساء والذرية مثل الرسول ﷺ فله ذلك، والذي لا يريد، يعوض عنه من أول غنيمة تأتي.
قوله: «فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا لَكَ» ، يعني: وافقوا على إرجاع السبي.
قوله: «قَالَ: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ يعني: كل أمير قبيلة يجيء فيخبر الرسول ﷺ بمن طابت نفسه ومن لم تطب؛ حتى لا تكون المسألة فوضى؛ «فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا» .
والشاهد من الحديث: أن هوازن من العرب ومع ذلك سبوا؛ فدل على أن العرب يُمْلَكون ويُسْبَون إذا كانوا مشركين، وإذا سبى الأمة فله أن يبيعها، وله أن يهبها، وله أن يجامعها ـ يعني: يتسراها ـ وهذا هو الذي دلت عليه الأحاديث، وهو مذهب الجمهور خلافًا لمن منع ذلك، وقال: إن العرب لا يسترقون وإنما يسترق العجم.
وكل هذه الأحكام وكل هذه الأحاديث لا يعمل بها الآن؛ لأنه لا وجود للعبيد والأرقاء إلا إذا قام الجهاد، نسأل الله أن يقيم علم الجهاد.
قوله: «وَقَالَ أَنَسٌ: قَالَ عَبَّاسٌ: لِلنَّبِيِّ ﷺ فَادَيْتُ نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً» ومعروف أن عقيلاً ابن عم النبي ﷺ ومع ذلك سُبي، وفداه عمه، وهذا دليل على أن العرب يسبون.
2541 قوله: «إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ» ، يعني: غافلون.
قوله: «وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى عَلَى الْمَاءِ؛ فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ» وبنو المصطلق من العرب، ففيه: دليل على جواز استرقاق العرب إذا كانوا كفارًا كالعجم.
وفيه: دليل على جواز الإغارة على الكفار إذا كانت الدعوة بلغتهم، فإن النبي ﷺ أغار على بني المصطلق ولم يدعهم؛ لأن الدعوة بلغتهم، أما تكرار الدعوة فهو من باب الاستحباب، كما كرر الدعوة لأهل خيبر. فالنبي ﷺ دعا أهل خيبر للإسلام أولاً، ثم لما أراد قتالهم دعاهم، ثم لما حصرهم دعاهم، فالكفار إذا كانت الدعوة بلغتهم يجوز للإمام أن يغير عليهم ولا يدعوهم، وله أن يدعوهم مرة أخرى من باب الاستحباب، لكن إذا لم تبلغهم الدعوة فلابد أن يبلَّغوا الدعوة أولاً؛ لعلهم يقبلون الإسلام.
والشاهد من الحديث: أن النبي ﷺ قتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث ـ أم المؤمنين ـ وكان أبوها سيد بني المصطلق، فدل هذا على جواز استرقاق العرب.
2542 في الحديث: جواز استرقاق العرب إذا كانوا من المشركين كغيرهم، والشاهد قوله: «فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ» .
وقوله: «فَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ» ، يعني: أن الصحابة لما سبوا الإماء، وصار لكل واحد منهم سبي بعد توزيعها أحبوا أن يتمتعوا، وأن يتسروا.
قوله: «وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ» ، يعني: أحبوا أن يعزلوا، والعزل هو أن يُنْزِل خارج الفرج إذا جامع، حتى لا تحمل ويبيعوها، فسألوا النبي ﷺ عن ذلك «فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا يعني: لا بأس.
قوله: مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهِيَ كَائِنَةٌ يعني: العزل لا يمنع الحمل، فإذا أراد الله أن تحمل حملت؛ ولهذا جاء في الحديث: «أن رجلاً أتى رسول الله ﷺ فقال: إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، فقال: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا [(600)] أي: إذا قدر الله الحمل سبقه الماء وحملت.
2543 قوله: «مَا زِلْتُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: فِيهِمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ. هذه منقبة عظيمة.
قوله: «وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا. وهذه المنقبة الثانية أن النبي ﷺ أضافهم إليه لما جاءته صدقاتهم.
قوله: «وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ. وهذه المنقبة الثالثة أنه كانت سبية منهم عند عائشة رضي الله عنها فأمرها النبي ﷺ أن تعتقها.
وفيه: دليل على أن بني تميم من ولد إسماعيل، وهم من العرب المستعربة من عدنان.
والشاهد قوله: «وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ» . فهذا دليل: على أن العرب يسبون؛ لأن بني تميم من العرب، وهم ليسوا من قريش ويجتمعون مع النبي ﷺ في جدٍّ عالٍ وهو إلياس بن مضر.
ومن أدلة جواز استرقاق العرب أيضًا: أن الصحابة في عهد أبي بكر حاربوا المرتدين من العرب ومنهم بنو حنيفة في نجد واسترقوا سبيهم، وأن عليًّا تسرى جارية من بني حنيفة، فولدت له ولدًا فسماه محمدًا، فصار يدعى محمد بن الحنفية؛ تمييزًا له عن إخوته.
المتن:
باب فَضْلِ مَنْ أَدَّبَ جَارِيَتَهُ وَعَلَّمَهَا
2544 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَعَلَمهَا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ.
الشرح:
2544 قوله: مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَعَلَمهَا، فَأَحْسَنَ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ. فيه: فضل من أدب الجارية وعلمها، وأنه إذا أدب الجارية ثم أعتقها وتزوجها فله أجران، أجر التأديب والتعليم وأجر العتق، يعني: إذا أدبها وعلمها فهذا أجر، ثم إذا أعتقها وتزوجها فله أجر آخر، والجارية يجعل عتقها هو الصداق، ولا يدفع إليها مالاً، بل يقول: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك، وهو وليها، ولا يحتاج إلى قبولها، وإذا قال: أعتقتك وجعلت عتقك صداقك تم العتق والزواج في آن واحد، ولا يحتاج إلى شهود.
المتن:
باب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: الْعَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا [النِّسَاء: 36]
قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: ذِي الْقُرْبَى الْقَرِيبُ وَالْجُنُبُ الْغَرِيبُ الْجَارُ الْجُنُبُ يَعْنِي الصَّاحِبَ فِي السَّفَرِ.
2545 حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَْحْدَبُ قَالَ: سَمِعْتُ الْمَعْرُورَ بْنَ سُويْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ الْغِفَارِيَّ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلاَمِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ.
الشرح:
قوله: «بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: الْعَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ هذه الترجمة جعلها المؤلف رحمه الله على نص قول النبي ﷺ، ثم ذكر آية النساء، وتسمى آية الحقوق العشرة « وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [النِّسَاء: 36]» ، فبها عشرة حقوق: أولها حق الله ، ثم حق الوالدين، والقرابة واليتامى والمساكين، والجار ذي القربى والجار الجنب، والصاحب بالجنب، وابن السبيل، وملك اليمين، وزاد هنا في بعض الروايات: «قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: ذِي الْقُرْبَى الْقَرِيبُ وَالْجُنُبُ الْغَرِيب» ، وفسر غيره الجار الجنب بأنها هي المرأة، وقيل: هو الرفيق في السفر، والشاهد من الآية قوله: وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وهم العبيد، فإن الله تعالى أمر بالإحسان إليهم.
2545 في الحديث: أن أبا ذر لبس حلة وألبس غلامه حلة مثلها، يعني: أنه ساوى غلامه بنفسه في اللباس.
قوله: «إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ ﷺ» هذا رده على سؤال من سأله عن سبب ذلك.
قوله: «فَقَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ: أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ وفي رواية أنه قال له: «يا ابن السوداء» [(601)]، وفي لفظ آخر قال له: أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ فقال يا رسول الله: هذا مع كبر سني؟ قال: نعم [(602)].
قوله: «ثُمَّ قَالَ: إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ، يعني: خدمكم من العبيد إخوانكم.
قوله: جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، يعني: وإن كنت تملكه فهو أخوك في الإسلام.
قوله: فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ. وهذا على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب، فليس بواجب على السيد إطعامه مما يطعم، وإلباسه مما يلبس، إنما هذا مستحب، والواجب إطعام الرقيق وكسوته بالمعروف، وألا يكلف ما لا يطيق، بدليل حديث أبي هريرة الآتي أنه قال: إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فليجلسه معه فإن أبى فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين؛ فإنه ولي حره وعلاجه [(603)]؛ فدل على أنه لا يجب على السيد أن يطعمه من نفس الطعام الذي يأكل، بل يعطيه مما يناسبه، وكونه يعطيه مما يأكل هذا أفضل، وكذلك اللباس، فأبو ذر فعل المستحب، فساوى بين غلامه ونفسه، فألبسه ثوبًا مثل ثوبه، ولو ألبسه حلة دون حلته فلا حرج عليه.
وحتى لو كان الغلام أو العبد كافرًا يطعم ويسقى بالمعروف، ويحسن إليه ويُدعَى إلى الإسلام.
المتن:
باب الْعَبْدِ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ سَيِّدَهُ
2546 حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ.
2547 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ صَالِحٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ.
2548 حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: قَال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ»، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ.
2549 حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «نِعْمَّا لأَِحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ».
الشرح:
هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان فضل وثواب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح لسيده، فيحسن عبادة ربه بأن يؤدي ما أوجب الله عليه من الصلوات والعبادات بإخلاص وموافقة للسنة، وينصح لسيده بأن يؤدي ما عليه من الحق، فإذا أحسن عبادة ربِّه، ونصح لسيده فله أجران.
2546 قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ»» «نَصَحَ سَيِّدَهُ» يعني: أدى حقه الذي عليه؛ «وأحسن عبادة ربه» يعني: أخلص العبادة لله وأوقعها موافقةً للشرع «كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» ، مرة في مقابل إحسانه ونصحه لسيده، ومرة في مقابل عبادة ربه.
2547 قوله: «قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَأَعْتَقَهَا، وَتَزَوَّجَهَا، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ»» أي: هذان كل منهما له أجران، فالذي له جارية فأدبها وأحسن تأديبها فله أجر، وإذا أعتقها وتزوجها فله أجر آخر، والعبد إذا أدى حق الله فله أجر، وإذا أدى حق مواليه فله أجر آخر، والثالث كما جاء في الحديث الآخر: «رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد ﷺ له أجران» [(604)].
2548 قوله: «قَال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ»» أي: له أجر مقابل إحسانه عبادة ربه، وأجر مقابل نصحه لسيده.
قوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ» ، يحلف أبو هريرة بالله عز وجل، أن أنفس العباد بيد الله عز وجل.
وفيه: إثبات اليد لله عز وجل.
قوله: «لَوْلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ» هذا قول أبي هريرة رضي الله عنه «لَوْلاَ الْجِهَادُ» ؛ لأن العبد مشغول بخدمة سيده فلا يستطيع الجهاد، «وَالْحَجُّ» لأن العبد لا يستطيع أن يحج، «وَبِرُّ أُمِّي» ؛ لأنه لو كان عبدًا ما استطاع أن يبر والدته ويقوم بشئونها. فهو يقول: لولا هذه الثلاثة لأحببت أن أموت وأنا مملوك حتى يكون لي الأجر مرتين.
2549 قوله: «قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «نِعْمَّا لأَِحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ»» يعني: قرة عين للعبد الذي يحسن عبادة ربه وينصح لسيده؛ لأنه يكون له أجران؛ أجر مقابل إحسان عبادة ربه، وأجر مقابل نصحه لسيده.
باب كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ: عَبْدِي أَوْ أَمَتِي
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: [النُّور: 32]وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ وَقَالَ: [النّحل: 75]عَبْدًا مَمْلُوكًا، [يُوسُف: 25]وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ وَقَالَ: [النِّسَاء: 25]مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ وَ [يُوسُف: 42]اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ عِنْدَ سَيِّدِكَ وَمَنْ سَيِّدُكُمْ.
2550 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ».
2551 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ لَهُ أَجْرَانِ».
2552 حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلاَيَ، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي، وَلْيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي».
2553 حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ الْعَبْدِ فَكَانَ لَهُ مِنْ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، وَأُعْتِقَ مِنْ مَالِهِ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ».
2554 حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالأَْمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
2555، 2556 حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا زَنَتْ الأَْمَةُ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ».
قوله: «بَاب كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ وَقَوْلِهِ: عَبْدِي أَوْ أَمَتِي» . هذه الترجمة من التراجم الداخلة في كتاب العتق، وعقدها المؤلف رحمه الله لأمرين:
الأمر الأول: كراهية التطاول على الرقيق.
الأمر الثاني: قول: عبدي وأمتي.
وذكر المؤلف رحمه الله تحت هذه الترجمة آيات وأحاديث فيها ذكر العبيد والإماء.
وكراهية التطاول على الرقيق يحتمل كراهة التحريم أو كراهة التنزيه؛ فإذا كان في التطاول عليهم تقصير في حقهم واحتقار لهم فهذا محرم، وإن كان دون ذلك فهو للتنزيه.
وهل يجوز أن يقول السيد: عبدي وأمتي؟
بوب الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتابه التوحيد، باب: لا يقول: عبدي وأمتي.
وقوله: «بَاب كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ...» يعني: إذا قال: عبدي وأمتي، فهذا فيه نوع من التطاول بخلاف قوله تعالى: [النُّور: 32]وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ؛ لأن هذا فيه إضافة إلى الجمع، وأما قوله: عبدي وأمتي فهي مضافة إلى ياء المتكلم.
قوله: «وَقَالَ: [النّحل: 75]عَبْدًا مَمْلُوكًا» . فهذا مطلق.
وقوله تعالى: « [يُوسُف: 25]وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ» . أطلق السيد على الزوج فدل ذلك على جواز إطلاق السيد.
قوله: « [النِّسَاء: 25]مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ» . يعني: الإماء.
قوله ﷺ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ» بالإضافة.
قوله: « [يُوسُف: 42]اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ» فهذا أيضًا فيه الإضافة، والمعنى: عند سيدك، وكذلك قوله ﷺ «من سيدكم يا بني سلمة؟» [(605)] فيه الإضافة.
2550 قوله: «إِذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ» يعني: أن العبد إذا قام بحقوق سيده وأحسن عبادة الله عز وجل، كان له الأجر مرتين.
2551 قوله: «الْمَمْلُوكُ الَّذِي يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ وَالطَّاعَةِ لَهُ أَجْرَانِ» ، والشاهد قوله: «إِلَى سَيِّدِهِ» ، وقوله: «الْمَمْلُوكُ» ، فسماه مملوكًا.
2552 قوله: «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ أَطْعِمْ رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ، وَلْيَقُلْ سَيِّدِي مَوْلاَيَ، وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ عَبْدِي أَمَتِي، وَلْيَقُلْ فَتَايَ وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي» فهذا الحديث فيه النهي عن أن يقول الإنسان: أطعم ربك، ووضئ ربك، والإرشاد إلى أن يقول: سيدي ومولاي، ونهى أن يقول السيد: عبدي وأمتي، وبين له القول الجائز وهو أن يقول: فتأي: وفتاتي وغلامي.
ولكن قد جاء إطلاق العبد ـ كما ذكر المؤلف رحمه الله ـ في قول الله عز وجل: [النُّور: 32]وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ، وقوله تعالى: [النّحل: 75]عَبْدًا مَمْلُوكًا، وقال ﷺ: «وَالْعَبْدُ رَاعٍ» ، وقال أيضًا: «إذا أطاع العبد ربه وأطاع سيده فله أجران» [(606)].
وجاء في القرآن العزيز إطلاق لفظ الرب على السيد في قوله تعالى: [يُوسُف: 42]اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ يعني: سيدك.
فالنصوص في بعضها النهي عن إطلاق الرب على السيد، وبعضها فيه إطلاق الرب عليه، وبعضها فيه النهي عن قول: عبدي أو أمتي، وجاءت بعض النصوص بإطلاق العبد.
واختلف في النهي: هل هو للتحريم أو للتنزيه؟ فقيل: النهي للتحريم، وقيل: للتنزيه والصارف له عن التحريم إلى التنزيه النصوص التي جاء فيها إطلاق العبد والأمة وإطلاق الرب، والنصوص التي فيها الإطلاق محمولة على الجواز. وقيل: إن هذا في شرع من قبلنا. وقيل: إن النهي إنما هو ما كان على صيغة الإنشاء كأن يقول: يا عبدي ويا أمتي، والجواز ما كان على صيغة الخبر، كما في: «أن تلد الأمة ربتها» [(607)] وقيل: إن النهي محمول على حال الإضافة كأن يقول: عبدي أو أمتي، أما إذا لم يضف، كقوله: [النّحل: 75]عَبْدًا مَمْلُوكًا و «العبد راع في مال سيده» فجائز. وقيل: إن النهي محمول على الإكثار من ذلك، والجواز محمول على التقليل منه.
والأقرب في ذلك والأرجح في هذا أن النهي للتنزيه، والإطلاق محمول على الجواز.
2553 قوله ﷺ: «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنْ الْعَبْدِ» ، فسماه النبي ﷺ عبدًا.
وفيه: أن السيد إذا كان له شريك في عبد ثم أعتق نصيبه فإنه يسري عليه العتق، فإذا كان للمعتِق مال دفع نصيب شريكه، وإن لم يكن له مال استُسْعِيَ العبدُ حتى يخلص نفسه.
2554 في الحديث أن النبي ﷺ قال: «كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» . فيه: دليل على أن المسئولية عامة، وأن كل أحد مسئول، ولكنها تتفاوت؛ فأعظم الناس مسئولية إمام المسلمين؛ فهو مسئول عن رعيته، والأمير كذلك، وكل من ولي على الناس شيئًا فهو راع ومسئول عن رعيته، ثم المدير، والوزير، والإمام والمؤذن، حتى قال: «وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ» ، ثم قال: «وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ» . هذا هو الشاهد؛ حيث أطلق على الرقيق لفظ العبد، ثم قال: «أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ، وكل مسئول عليه أن يقوم بما أوجب الله عليه من الرعاية والحذر من الخيانة.
2555، 2556 قوله: «إِذَا زَنَتْ الأَْمَةُ» . وهذا هو الشاهد؛ حيث سماها أمة فلا بأس بتسميتها أمة.
قوله: «فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ» ، وفي اللفظ الآخر: «ولو بحبل من شعر» [(608)].
وفيه: أن الأمة يجلدها سيدها إذا زنت، ولا ترجم وإن أحصنت؛ لأن في ذلك إضاعة لماليتها، ولكن جلدها يكون على نصف الحرة، فتجلد الأمة خمسين؛ لقوله تعالى: [النِّسَاء: 25]فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ.
وفيه: الأمر ببيع الأمة إذا زنت الثالثة أو الرابعة، والحكمة في بيعها ـ والله أعلم ـ أن في ذلك استصلاحًا لها؛ لأن السيد الثاني قد يكون أهيب لها، وقد يتسرى بها ويعفها، أو يزوجها، أو غير ذلك.
باب إِذَا أَتَاهُ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ
2557 حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَليُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ؛ فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلاَجَهُ».
2557 في الحديث: عناية الإسلام بالخدم والأرقاء؛ حيث أمر أسيادهم أن يحسنوا إليهم، فقال رسول الله ﷺ: «إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَليُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ» ، والأُكلة ـ بضم الهمزة ـ هي اللقمة، وإنما شك الراوي في اللفظ فقال: أكلة أو لقمة. أما الأَكلة ـ بفتح الهمزة ـ فهي المرة الواحدة من الأكل؛ يقال: أكل عند قوم أَكلة، أي: مرة واحدة، إذا جلس وأكل حتى شبع.
وفيه: أنه يستحب للسيد إذا أتى الخادم بالطعام أن يجلسه فيأكل معه، فإن لم يجلسه فإنه يناوله لقمة أو لقمتين ترد ما في نفسه.
قوله: «فَإِنَّهُ وَلِيَ عِلاَجَهُ» ، وفي لفظ آخر: «فإنه ولي حره وعلاجه» [(609)] يعني: ولي حره ودخانه وطبخه وتعلقت به نفسه، وهذا الخادم سواء كان عبدًا أو أجيرًا إذا طبخ الطعام وأتى به فإنه يجلسه معه، وفي اللفظ الآخر في مسلم: «فإن كان الطعام مشفوها» ، يعني: قليلاً «فليناوله أكلة أو أكلتين» [(610)] وورد أيضًا في حديث أبي ذر رضي الله عنه قوله: «أطعموهم مما تأكلون» [(611)] وليس هذا على سبيل الوجوب إنما هو على سبيل الاستحباب، وكذلك ما فعله أبو ذر رضي الله عنه حيث كان عليه حلة وعلى غلامه حلة مثلها، فهذا من باب الاستحباب، وإلا فللسيد أن يلبس حلة أفضل من الحلة التي يلبسها العبد، كما أن له أن يأكل طعامًا أفضل من الطعام الذي يأكله العبد، لكن الأفضل أن يساويه به، فلو كان يجب عليه أن يطعمه مما يطعم لما قال النبي ﷺ: «فَليُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ» ولقال: فليجلسه حتى يأكل.
باب الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ
وَنَسَبَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَالَ إِلَى السَّيِّدِ
2558 حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِْمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»، قَالَ فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان أن العبد لا يملك؛ لأن مال العبد ملك لسيده؛ ولهذا قال: «بَاب الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَنَسَبَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَالَ إِلَى السَّيِّدِ» ، فدل على أن العبد لا يملك، والمسألة خلافية؛ فمن العلماء من قال: لا يملك، ومنهم من قال: يملك إذا ملّكه سيده، وكأنه يشير إلى حديث ابن عمر رضي الله عنهما: «من باع عبدًا وله مال فماله للسيد» [(612)]، وجاء في حديث آخر: «من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع، ومن باع عبدًا له مال فماله للبائع إلا أن يشترط المبتاع» [(613)]، يعني: إذا ملكه شيئًا وكان بيده كأن يعطيه سيارة أو سلاحًا فصار بيده ثم باعه، فحينئذ ترجع السيارة والسلاح إلى سيده، إلا إذا اشترط المشتري، وقال: أشترط أن تكون سيارة العبد معه، أو أشترط أن السلاح الذي معه يكون لي، فإن قبل البائع يكون له.
قوله: «وَنَسَبَ النَّبِيُّ ﷺ الْمَالَ إِلَى السَّيِّدِ» دليل على أن العبد لا يملك.
2558 في الحديث: عموم المسئولية على الإنسان؛ لقول النبي ﷺ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ، فليس هناك أحد غير مسئول، فكل إنسان مسئول عن نفسه، يأمرها بطاعة الله وينهاها عن معصية الله.
قوله: «فَالإِْمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» فإمام المسلمين أعظم الناس مسئولية.
قوله: «وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» أي: مسئول عن أولاده وخدمه، وأُجَرَائه الذين في بيته، ودوابه.
قوله: «وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا» ، أي: عن أولادها.
قوله: «وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ» أضاف المال إلى السيد ولم يضفه إلى العبد؛ فدل على أن العبد لا يملك.
قوله: «فَسَمِعْتُ هَؤُلاَءِ مِنْ النَّبِيِّ ﷺ، وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» ، يعني: أن الراوي متيقن من أربعة: الإمام والرجل في أهله والمرأة والخادم، وشك في الخامسة وهي الرجل في مال أبيه.
باب إِذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ
2559 حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ فُلاَنٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ.
وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ».
قوله: «بَاب إِذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» ، هذه الترجمة معقودة للنهي عن ضرب الوجه.
وذكر العبد ليس قيدًا، بل هو من جملة الأفراد الداخلين فيه، وخص العبد؛ لأن الكتاب كتاب العبيد، والمقصود هنا حكم الرقيق، وكأن المصنف رحمه الله أشار إلى ما أخرجه في «الأدب المفرد» بلفظ: «إذا ضرب أحدكم خادمه فليجتنب الوجه» [(614)] والشارح رحمه الله تكلم في هذا الحديث وأشار إلى ما جاء في اللفظ الآخر: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» [(615)] والحكمة في النهي عن الوجه أن الوجه مجمع المحاسن ومجمع الحواس، والضرب يؤثر فيه سريعًا، بخلاف غيره.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال النووي: قال العلماء إنما نهى عن ضرب الوجه؛ لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأكثر ما يقع الإدراك بأعضائه، فيخشى من ضربه أن تبطل أو تتشوه كلها أو بعضها، والشين فيها فاحش لظهورها وبروزها، بل لا يسلم إذا ضربه غالبًا من شين. اهـ. والتعليل المذكور حسن، لكن ثبت عند مسلم كما تقدم تعليل آخر، فإنه أخرج الحديث المذكور من طريق أبي أيوب المراغي عن أبي هريرة وزاد: «فإن الله خلق آدم على صورته» ، واختلف في الضمير على من يعود؟ فالأكثر على أنه يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه، ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط بما قبلها. وقال القرطبي: أعاد بعضهم الضمير على الله متمسكًا بما ورد في بعض طرقه: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» [(616)] قال: وكأن من رواه أورده بالمعنى متمسكًا بما توهمه فغلط في ذلك» اهـ.
قلت: والذي غلط هو القرطبي؛ لأن هذا النص: «إن الله خلق آدم على صورته» ثابت كما بين الحافظ ابن حجر رحمه الله.
وفي عود الضمير ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يعود إلى المضروب.
القول الثاني: أنه يعود إلى آدم.
القول الثالث: أنه يعود إلى الله.
والصواب أنه يعود إلى الله، وهذه الأقوال الثلاثة ذكرها شيخ الإسلام رحمه الله في الرد على الرازي في «بيان تلبيس الجهمية» [(617)] وأطال في هذا فقال:
«فقيل: إنه يعود إلى المضروب فلا تضربه ولا تقاتله؛ فإن الله خلق آدم على صورة المضروب.
وقيل: على صورة آدم، وهذا قول الجهمية كما سيأتي عن الإمام أحمد.
والقول الثالث: أنه يعود إلى الله، وهذا هو الصواب لما ثبت من قوله ﷺ: «إن الله خلق آدم على صورة الرحمن» » اهـ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقد أنكر المازري ومن تبعه صحة هذه الزيادة ثم قال: وعلى تقدير صحتها فيحمل على ما يليق بالباري سبحانه وتعالى. قلت: الزيادة أخرجها ابن أبي عاصم في «السنة» والطبراني من حديث ابن عمر بإسناد رجاله ثقات وأخرجها ابن أبي عاصم أيضًا من طريق أبي يونس عن أبي هريرة بلفظ يرد التأويل الأول قال: «من قاتل فليجتنب الوجه فإن صورة وجه الإنسان على صورة وجه الرحمن» [(618)] فتعين إجراء ما في ذلك على ما تقرر بين أهل السنة من إمراره كما جاء من غير اعتقاد تشبيه، أو من تأويله على ما يليق بالرحمن جل جلاله، وسيأتي في أول «كتاب الاستئذان» من طريق همام عن أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: «خلق الله آدم على صورته» [(619)] الحديث، وزعم بعضهم أن الضمير يعود على آدم، أي: على صفته؛ أي: خلقه موصوفًا بالعلم الذي فضل به الحيوان وهذا محتمل» اهـ.
والحافظ رحمه الله أحيانًا يوافق أهل السنة في هذا.
وذكر الإمام أحمد أن القول بعود الضمير إلى آدم هو قول الجهمية فلما سأله ابنه فقال: قال بعضهم: خلق الله آدم على صورته أو على صورة آدم؟ قال: هذا قول الجهمية، أي: صورة لآدم قبل أن يخلقه الله؟!
قال الحافظ رحمه الله: «وقد قال المازري: غلط ابن قتيبة فأجرى هذا الحديث على ظاهره وقال: صورة لا كالصور انتهى. وقال حرب الكرماني في «كتاب السنة» سمعت إسحاق بن راهويه يقول: صح أن الله خلق آدم على صورة الرحمن. وقال إسحاق الكوسج: سمعت أحمد يقول: هو حديث صحيح. وقال الطبراني في كتاب السنة حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: قال رجل لأبي: إن رجلاً قال خلق الله آدم على صورته ـ أي: صورة الرجل ـ فقال: كذب هو قول الجهمية انتهى. وقد أخرج البخاري في «الأدب المفرد» وأحمد من طريق ابن عجلان عن سعيد عن أبي هريرة مرفوعًا: «لا تقولن قبح الله وجهك ووجه من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم على صورته» [(620)] وهو ظاهر في عود الضمير على المقول له ذلك، وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم أيضًا من طريق أبي رافع عن أبي هريرة بلفظ: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورة وجهه» [(621)] ولم يتعرض النووي لحكم هذا انتهى، وظاهره التحريم، ويؤيده حديث سويد بن مقرن الصحابي أنه رأى رجلاً لطم غلامه فقال: «أوما علمت أن الصورة محرمة؟» [(622)] أخرجه مسلم وغيره» . اهـ.
والمراد بالصورة: الوجه؛ لأن الصورة تطلق على الوجه، والوجه يسمى صورة، والجسم كامل يسمى صورة، والنهي للتحريم.
2559 قوله: «إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ» ، الأمر للوجوب، والمنع من ضرب الوجه ليس خاصًّا بالعبد بل هو عام في الآدميين وفي البهائم، فلا يجوز للإنسان أن يضرب الوجه، ولا يجوز الوسم في الوجه، ولا ضرب الدابة في وجهها، وكذلك لا يجوز ضرب الخد ولا الرأس، وإنما يضرب في مواضع اللحم كالفخذ والعضد وما أشبه ذلك.
وفي الحديث: دليل على أنه حتى المحدود لا يضرب في الوجه أيضًا.