(51)كِتَاب الْمَكَاتِب;
كِتَاب الْمَكَاتِب
الْمُكَاتِبِ وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ
وَقَوْلِهِ: [النُّور: 33]{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}.
وَقَالَ رَوْحٌ: عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قُلْتُ: لِعَطَاءٍ أَوَاجِبٌ عَلَيَّ إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً أَنْ أُكَاتِبَهُ قَالَ: مَا أُرَاهُ إِلاَّ وَاجِبًا.
وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ: لِعَطَاءٍ تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: لاَ ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ، وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ فَأَبَى فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: كَاتِبْهُ فَأَبَى فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُو عُمَرُ {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فَكَاتَبَهُ.
}2560{ قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: إِنَّ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَعَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوَاقٍ نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ، فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَنَفِسَتْ فِيهَا: أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً أَيَبِيعُكِ أَهْلُكِ فَأُعْتِقَكِ فَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَعَرَضَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا: لاَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَنَا الْوَلاَءُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ؛ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ».
قوله: «كتاب المكاتَب» المكَاتَب ـ بالفتح ـ من تقع له الكتابة، وهو العبد، والمكاتِب ـ بالكسر ـ مَن تقع منه الكتابة، وهو السيد، فالسيد يقال له: مكاتِب ـ بالكسر ـ والعبد يقال له: مكاتَب ـ بالفتح ـ والكتابة يفتح أولها ويكسر كالعتاقة، وتكون الكتابة من: كتب بمعنى: أوجب، وتكون بمعنى: جمع وضم، ومنه: كتب على الخط، فعلى الأول تكون مأخوذة من معنى الالتزام، وعلى الثاني تكون مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبًا[(623)].
والكتابة قال بعضهم: إنها إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية، كما قاله الروياني، والصواب أنها كانت معروفة في الجاهلية فأقرها النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال ابن خزيمة في كلامه على حديث بريرة: إنها أول مكاتبة في الإسلام، وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة، وحكى ابن التين أن أول من كوتب من الرجال في الإسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، وأول من كوتب من النساء بريرة، وأول من كوتب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم أبو أمية مولى عمر رضي الله عنه، ثم سيرين مولى أنس رضي الله عنه، والكتابة في الشرع هي تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة[(624)].
وجاء في بعض النسخ قبل «بَاب الْمُكَاتِبِ وَنُجُومِهِ...» : «باب إثم من قذف مملوكه» ، ولا معنى له هنا؛ ولهذا وجد في رواية أبي علي بن شبويه قبل كتاب «الْمُكَاتِبِ» ، وهذا هو الأولى.
قول المؤلف رحمه الله: «بَاب الْمُكَاتِبِ وَنُجُومِهِ فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ» نجومه: يعني: أقساطه، والمعنى باب المكاتب وأقساطه المقسطة في كل سنة قسط.
وفيه: دليل على بيع التأجيل، وبيع التقسيط، وهو جائز بالإجماع من أهل العلم، وهو داخل في قول الله تعالى: [البَقَرَة: 282]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}.
قوله: «وَقَوْلِهِ: [النُّور: 33]{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}» {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ}» أي: يطلبون الكتاب.
قوله: «{مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}» أي: من العبيد.
قوله: «{فَكَاتِبُوهُمْ}» أمر، واختلف العلماء فيه فذهب بعض العلماء إلى أنه للوجوب، وهذا هو الأصل في الأمر أنه للوجوب، وبهذا أخذ عمر رضي الله عنه، وهو مذهب الظاهرية، والجمهور على أن الأمر للاستحباب.
قوله: «{إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}» ظاهر أَثَريْ عطاء وسيرين أن المراد بالخير هنا المال، وأن السيد مأمور بأن يكاتب عبده إذا علم أن له مالاً فقوله في أثر عطاء: «إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالاً» هو تفسير لقوله: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}.
وقوله: «وَقَالَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: قُلْتُ: لِعَطَاءٍ تَأْثُرُهُ عَنْ أَحَدٍ؟» ، يعني: أترويه عن أحد؟ «قَالَ: لاَ ثُمَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ سِيرِينَ سَأَلَ أَنَسًا الْمُكَاتَبَةَ» أي: كان سيرين عبدًا لأنس بن مالك فسأله المكاتبة.
قوله: «وَكَانَ كَثِيرَ الْمَالِ» دليل على أن الخير في الآية هو المال.
قوله: «فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ: كَاتِبْهُ فَأَبَى فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ وَيَتْلُو عُمَرُ: [النُّور: 33]{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} فَكَاتَبَهُ» الدرة ـ بكسر الدال ـ عصا مفتولة من الجلد كان عمر يؤدب بها الناس. وأما الدُّرة ـ بالضم ـ الجوهرة الثمينة التي تستخرج من البحر.
وَأَمَر عمر أنسًا أن يكاتب عبده سيرين فأبى أنس؛ لأنه يرى أن الكتابة ليست واجبة، فجعل يعلوه بالدرة، ويقول: «فَكَاتَبَهُ» ، ويتلو عليه الآية: «{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}» فكاتبه أنس رضي الله عنه.
وقوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قيل: المراد بالخير المال، وهذا أحد القولين بناء على أن العبد يملك. وقيل: المراد به الدين والقوة على الكسب والوفاء بما وقعت الكتابة عليه، وهذا هو المختار.
ومن تأمل الآية وهي قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} علم أنه لا يراد به غير ذلك؛ فإنه إذا كان لا خير فيه ولا دين فالكتابة فيها ضياع له، يعني: إذا كان عبدًا فاجرًا ضائعًا فكيف يكاتب؟! فمثل هذا إذا كان عند سيده فإنه يمنعه من الفساد ويحميه.
وأما إذا كان عنده خير ودين فلا بأس أن يكاتب. لكن ظاهر أثري عطاء وسيرين أن المراد بالخير المال.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها معلَّقًا وفيه قصة بريرة.
}2560{ قوله: «إِنَّ بَرِيرَةَ دَخَلَتْ عَلَيْهَا تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا» يعني: تطلب أن تعينها في تسديد الأقساط التي عليها؛ لأنها قد اشترت نفسها من أسيادها. والكتابة: هي أقساط ونجوم تكون على العبد يدفعها لسيده ثم يُعتق بعد ذلك.
وفيه: جواز سؤال المكاتَب ما يقضي به دينه وكتابته؛ لأنه غارم ومدين، فهو داخل في قول الله تعالى: [التّوبَة: 60]{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *}، فهي من الغارمين تستحق الزكاة، وهي داخلة أيضًا في الثلاثة الذين يجوز لهم السؤال كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة...» الحديث، ومنهم: «رجل تحمَّل حمالة» [(625)] والحمالة هي ما يتحمله المرء عن غيره من دية أو غرامة.
قوله: «وَعَلَيْهَا خَمْسَةُ أَوَاقٍ نُجِّمَتْ عَلَيْهَا فِي خَمْسِ سِنِينَ» . ورد في الأحاديث الأخرى أنها تسع أواق، في كل سنة أوقية.
ونجم الكتابة: هو القدر المعين الذي يؤديه المكاتَب في وقت معين، ويسمى قسطًا، وأصله أن العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النجم ومنازل القمر؛ لكونهم لا يعرفون الحساب، فيقول أحدهم: إذا طلع النجم الفلاني أديت حقك، فسميت الأوقات نجومًا لذلك، ثم سمي المؤدى في الوقت نجمًا.
قوله: «فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ وَنَفِسَتْ فِيهَا:» أي: رغبت فيها «أَرَأَيْتِ إِنْ عَدَدْتُ لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً أَيَبِيعُكِ أَهْلُكِ فَأُعْتِقَكِ فَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي؟» ظاهره أن عائشة كان عندها قيمتها كاملة، فعائشة رضي الله عنها أحيانًا يكون عندها مال، وأحيانًا لا يكون عندها شيء، فأحيانًا يأتي السائل ما يجد عندها شيئًا حتى التمرة؛ لأنها تتصدق وما تبقي شيئًا، وأحيانًا يأتيها شيء من المال، وفي هذه المرة كان عندها ثمن بريرة.
وفي الحديث: أن الولاء لمن أعتق.
وفيه: أن من باع عبدًا وشرط ولاءه له فلا يكون ولاؤه له؛ لأن الولاء لا يكون إلا للمعتِق، فإن اشترط البائع الولاء، فالبيع صحيح والشرط باطل؛ ولهذا أنكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم لما اشترطوا الولاء قائلاً: «اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» . وهذه قاعدة.
والولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق، فيكون له وارثًا إذا لم يكن له ولد، وللمعتِق ولاية عقد النكاح إذا كانت العتيقة أنثى، والولاء لا يباع، كما أن النسب لا يباع، ولهذا جاء في الحديث الآخر: «الولاء لحمة كلحمة النسب» [(626)]، وفي حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته» [(627)].
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ» ، يعني: ليست في حكم الله وشرعه ودينه، «مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ» .
وفيه: أن البيع إذا اشتمل على شروط باطلة، فإن البيع يصح، والشروط تبطل؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» .
 مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ
وَمَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
فِيهِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
}2561{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ، أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَِهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا؛ فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، قَالَ: ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ».
}2562{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَرَادَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا: عَلَى أَنَّ وَلاَءَهَا لَنَا؛ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
قوله: «بَابُ مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ» . هذه الترجمة معقودة لما يجوز من شروط المكاتَب وما لا يجوز، والمكاتَب: هو العبد الذي كاتبه سيده على نجوم وأقساط يدفعها ثم يتحرر.
وقوله: «وَمَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ» . المراد بكتاب الله حكم الله وشرعه ودينه، يعني: من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل.
}2561{ ذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها وفيه: «أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا» يعني: تطلب منها أن تعينها في كتابتها.
وفيه جواز سؤال المكاتَب واستعانته في قضاء دينه؛ لأنه أحد الثلاثة الذين تحل لهم المسألة كما في الحديث: «إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع» [(628)] فالمكاتَب من الذين أصابهم الغرم والدين، فهي جاءت تستعينها «وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا» .
قالت عائشة رضي الله عنها: «ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ» يعني: أسيادك.
وفيه: تسمية الأسياد أهلاً.
قوله: «فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ لأَِهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا» أي: إن أرادت الثواب عند الله وأن لا يكون لها ولاء فلتفعل، والمراد بالولاء: العصوبة والآثار المترتبة على العتق من الإرث والولاية في النكاح ـ إذا كانت العتيقة أنثى ـ فالولاء على العتيق يكون لمن أعتق، وكذلك تكون الولاية على ولد العتيق بشرطين:
أحدهما: ألا يكون أحد أبويه حر الأصل.
الثاني: ألا يمسه رق لأحد، فإن كان الولد مملوكًا لسيد آخر فإنه يكون ولاؤه لسيده الثاني.
والولاء يعرفه الفرضيون بأنه: عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق. والولاء لا يباع كما أن النسب لا يباع؛ وفي الحديث: «الولاء لحمة كلحمة النسب» [(629)] لكن النسب أقوى من الولاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شبه الولاء بالنسب والمشبه به يكون أقوى من المشبه، وعليه فالنسب مقدم على الولاء، فتقدم قرابة العتيق ونسبه على مواليه، فإذا لم يكن له وارث، فإن الإرث يكون للمعتِق؛ والميراث والولاية في النكاح يكون أولاً لآباء العتيق وأجداده، ثم لولده، ثم أبناء أبنائه، ثم إخوته الأشقاء، ثم أخوته لأب، ثم أبناء الأخوة الأشقاء ثم أبناء الأخوة لأب، ثم الأعمام الأشقاء، ثم الأعمام لأب، ثم أبناء الأعمام الأشقاء، ثم أبناء الأعمام لأب، ثم المعتق السيد، ثم عصبة المعتق، الأقرب فالأقرب.
وفيه: أن من اشترط شرطًا فاسدًا فإنه يبطل ولو كرره؛ ولهذا خطب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ شَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ؛ شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ» .
}2562{ قوله: «أَرَادَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَشْتَرِيَ جَارِيَةً لِتُعْتِقَهَا فَقَالَ أَهْلُهَا...» فيه تسمية الأسياد أهلاً.
وفيه: أن الشرط الفاسد لا يمنع من الإقدام على البيع؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَمْنَعُكِ ذَلِكِ؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» .
 اسْتِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ وَسُؤَالِهِ النَّاسَ
}2563{ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: جَاءَتْ بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ؛ فَأَعِينِينِي؛ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً وَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ؛ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي، فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا، فَأَبَوْا ذَلِكَ عَلَيْهَا؛ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَسَأَلَنِي؛ فَأَخْبَرْتُهُ؛ فَقَالَ: «خُذِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ، فَمَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ فَأَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ؛ فَقَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ، مَا بَالُ رِجَالٍ مِنْكُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ: أَعْتِقْ يَا فُلاَنُ وَلِيَ الْوَلاَءُ، إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
قوله: «بَاب اسْتِعَانَةِ الْمُكَاتَبِ وَسُؤَالِهِ النَّاسَ» . هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان جواز سؤال المكاتب الناس أن يعينوه على كتابته، وأن هذا ليس من السؤال المذموم؛ لأنه من الغارمين، فهو من أهل الزكاة وداخل في قوله تعالى: [التّوبَة: 60]{وَالْغَارِمِينَ} فالزكاة يشترى منها عبيد ويعتقون ويعان المكاتَب على كتابته، وكذلك يفك منها الأسرى الذين عند الكفار، وكل ذلك داخل في قوله تعالى: ُ 6 ِ ؛ ولهذا جاءت بريرة تستعين عائشة، فدل على أنه لا بأس باستعانة المكاتب الناس وسؤالهم أن يعينوه، وهذا هو الشاهد للترجمة.
}2563{ ذكر المؤلف رحمه الله هنا حديث عائشة رضي الله عنها من وجه آخر.
وفيه: أن بريرة كاتبت أهلها على تسع أواقٍ، في كل عام أوقية، والأوقية: أربعون درهمًا.
وفي الحديث: جواز بيع التقسيط، وجواز البيع المؤجل؛ لأن أهل بريرة باعوها نفسها بيعًا مؤجلاً مقسطًا بتسع أواق في كل عام أوقية.
وفيه: أن عائشة رضي الله عنها قالت: «إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ عَدَّةً وَاحِدَةً» وفيه: دليل على أن عائشة رضي الله عنها كان عندها أحيانًا من المال ما تشتري به وتعتق، وأحيانًا لا يكون عندها شيء، وكان يأتيها المال رضي الله عنها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وتنفقه في وجوه الخير في الحال، فمرة جاءها مال كثير وأنفقته في الحال وكانت يومها صائمة، فقالت لها الخادمة: يا أم المؤمنين، ما بقي شيء نفطر به، فقالت: لو ذكرتيني لفعلت[(630)] وحلفت ألاّ تكلم عبد الله بن الزبير ابن أختها لما قال: إنه يريد أن يحجر عليها، ثم بعد ذلك تحايل عليها ودخل مع أناس استأذنوا عليها حتى كلمته، وأعتقت بعدها أربعين رقبة من أجل يمينها رضي الله عنها[(631)]، وفي بعض الأحيان ما يكون عندها شيء، فجاءتها مرة سائلة ولم تجد عندها غير تمرة واحدة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم[(632)]، وفي مرة أخرى لم تجد غير ثلاث تمرات[(633)].
قوله: «فَذَهَبَتْ إِلَى أَهْلِهَا» . فيه: جواز تسمية الأسياد أهلاً.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ» . هذا الأمر للتوبيخ والتهديد، كقوله تعالى: [فُصّلَت: 40]{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} يعني: لا ينفعهم هذا الشرط.
وفيه: دليل على أن الولاء لمن أعتق، حتى لو اشترط البائع أن يكون الولاء له.
وفيه: دليل على أن البيع إذا اشتمل على شرط أو شروط فاسدة أو باطلة فإن البيع يصح، ويبطل الشرط أو الشروط.
واستنبط العلماء من حديث بريرة أكثر من مائة فائدة فمنها:
أن الولاء لمن أعتق وهذه قاعدة عامة.
ومنها: أن الأمة إذا عتقت تحت زوجها وكان عبدًا فإنها تخير؛ لما ورد في بعض روايات الحديث: «وكان لبريرة زوج، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاءت أن تمكث مع زوجها كما هي، وإن شاءت فارقته، ففارقته» [(634)].
ومنها: أنه إذا أهدي للفقير صدقة جاز للغني أن يأكل منها؛ لما ورد في بعض روايات الحديث قال صلى الله عليه وسلم لعائشة: «ألا تطبخي لنا هذا اللحم؟» قالت: تُصدق به على بريرة فأهدته لنا؟، قال: «اطبخوه فهو لها صدقة ولنا هدية» [(635)] وكان صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة، وأكل منه لأنه تغيرت حاله.
فهذه بعض الأحكام الواضحة المأخوذة من حديث بريرة، وهناك أحكام أخرى كثيرة استنبطها أهل العلم.
 بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ عَبْدٌ إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ وَإِنْ جَنَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
}2564{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها؛ فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً فَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ؛ فَذَكَرَتْ بَرِيرَةُ ذَلِكَ لأَِهْلِهَا؛ فَقَالُوا: لاَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَلاَؤُكِ لَنَا.
قَالَ مَالِكٌ: قَالَ يَحْيَى: فَزَعَمَتْ عَمْرَةُ أَنَّ عَائِشَةَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
قوله: «بَاب بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ» هذه الترجمة معقودة لبيع المكاتب، هل يجوز أوْ لا يجوز؟
يعني: لو اشترى العبد نفسه من سيده مثلاً بعشرة آلاف على أن يدفع في كل سنة ألفًا، فلما دفع خمسة أقساط -أي: خمسة آلاف- جاء السيد وفسخ عقد الكتابة وباعه، فهل يجوز ذلك أوْ لا يجوز؟
والمسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم:
الأول: الجواز مطلقًا، يعني: يجوز بيع المكاتب مطلقًا رضي أو لم يرض.
الثاني: المنع مطلقًا، أي: لا يجوز بيع المكاتب مطلقًا رضي أو لم يرض.
الثالث: الجواز إذا رضي، أي: يجوز بيعه إذا رضي، ولا يجوز إذا لم يرض.
والبخاري رحمه الله جاء بأحد الأقوال فقال: «بَاب بَيْعِ الْمُكَاتَبِ إِذَا رَضِيَ» . وهذا التقييد الذي اختاره المؤلف ليس بوجيه، وليس في الحديث ما يدل عليه، والصواب أنه يجوز بيع المكاتب ولو لم يرض، ولو قال: «باب بيع المكاتبة» فقط لكان أصح وأوفق.
استدل المؤلف رحمه الله بالآثار على الترجمة فقال: «وَقَالَتْ عَائِشَةُ: هُوَ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» يعني: هو عبد ما بقي من مكاتبته درهم واحد، ويجوز لسيده أن يتصرف فيه، وللعبد أن يُعَجّز نفسه ليبقى عند سيده، فلو دفع تسعة أقساط وبقي عليه قسط فله أن يُعَجِّز نفسه ليبقى عبدًا؛ لقول عائشة: «هُوَ عَبْدٌ إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ وَإِنْ جَنَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» .
قوله: «وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» ؛ أي: فهو عبد ما بقي عليه ولو درهم واحد، فإذا سلم الأقساط وانتهى منها صار حرًّا.
قوله: «وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: هُوَ عَبْدٌ إِنْ عَاشَ وَإِنْ مَاتَ وَإِنْ جَنَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ» ؛ أي: ما بقي عليه شيء، فتصرفاته تصرفات العبد، فإن عاش فهو عبد، وإن مات فهو عبد، وإن جنى فجنايته جناية العبد، فإذا سلم الأقساط وانتهى منها صار بذلك حرًّا.
}2564{ ذكر المؤلف رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: «أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ تَسْتَعِينُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها؛ فَقَالَتْ لَهَا: إِنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَصُبَّ لَهُمْ ثَمَنَكِ صَبَّةً وَاحِدَةً فَأُعْتِقَكِ فَعَلْتُ» . والشاهد أن أهلها باعوها وهي مكاتبة، فدل على جواز بيع المكاتب.
 إِذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ اشْتَرِي وَأَعْتِقْنِي فَاشْتَرَاهُ لِذَلِكَ
}2565{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي أَيْمَنُ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ: كُنْتُ غُلاَمًا لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَمَاتَ وَوَرِثَنِي بَنُوهُ، وَإِنَّهُمْ بَاعُونِي مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المَخْزُومِيِّ، فَأَعْتَقَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَاشْتَرَطَ بَنُو عُتْبَةَ الْوَلاَءَ؛ فَقَالَتْ: دَخَلَتْ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، فَقَالَتْ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لاَ يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي، فَقَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي بِذَلِكَ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ بَلَغَهُ، فَذَكَرَ لِعَائِشَةَ فَذَكَرَتْ عَائِشَةُ مَا قَالَتْ لَهَا فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا»
فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ فَأَعْتَقَتْهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا الْوَلاَءَ؛ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإِنْ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ».
قوله: بَاب إِذَا قَالَ الْمُكَاتَبُ اشْتَرِي وَأَعْتِقْنِي فَاشْتَرَاهُ لِذَلِكَ» ؛ أي: إذا كاتب العبد سيده، وبقيت عليه بعض الأقساط فجاء إلى شخص غني وقال له: اشترني وأعتقني، فاشتراه لذلك جاز له.
}2565{ ذكر المؤلف رحمه الله حديث عبدالواحد بن أيمن عن أبيه أيمن أنه قال: «دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها، فَقُلْتُ: كُنْتُ غُلاَمًا لِعُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ، وَمَاتَ وَوَرِثَنِي بَنُوهُ، وَإِنَّهُمْ بَاعُونِي مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المَخْزُومِيِّ، فَأَعْتَقَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرٍو، وَاشْتَرَطَ بَنُو عُتْبَةَ الْوَلاَءَ» يعني: فهل لهم ذلك؟ فأخبرته عائشة أن شرط الولاء باطل، فقالت: «دَخَلَتْ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ، فَقَالَتْ: اشْتَرِينِي وَأَعْتِقِينِي، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَتْ: لاَ يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي» ، فبينت له أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، وَدَعِيهِمْ يَشْتَرِطُونَ مَا شَاءُوا» ؛ فاشترتها عائشة فأعتقتها فدل هذا على أن المكاتَب إذا قال: اشترني وأعتقني واشتراه لذلك جاز، ويكون له الولاء، ولا يكون الولاء لمن باعه، ولو اشترط ذلك، فهو شرط فاسد، لكن العقد صحيح.
ويظهر أن المؤلف رحمه الله يعتني بالعبيد وأحكامهم، وذلك ظاهر من صنيعه بالتراجم والأحاديث، نسأل الله أن يقيم علم الجهاد.