شعار الموقع

شرح كتاب الشهادات من صحيح البخاري (52-4)

00:00
00:00
تحميل
122

#4;  يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ

وَلاَ يُصْرَفُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ

قَضَى مَرْوَانُ بِالْيَمِينِ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْهُ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ»، فَلَمْ يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ.

}2673{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالاً لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ».

 

قوله: «بَابٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلاَ يُصْرَفُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ» . هذه الترجمة معقودة للتغليظ في اليمين، فهل تُغَلّظ اليمين أو لا تغلظ؟

التغليظ نوعان:

التغليظ بالقول: كأن يقال: احلف، وقل: والله الذي لا إله إلا هو، أو: والله الذي لا إله غيره، أو: والله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم، أو: والله الذي لا إله إلا هو الذي يهلك العاصي؛ وإذا كان من اليهود يقال له: قل: والذي فلق لموسى البحر ـ مثلاً ـ.

التغليظ بالمكان: إذا كان في المدينة مثلاً يستحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا كان في مكة يستحلف بين الركن والمقام، وإذا كان بغير مكة والمدينة ففي المسجد الجامع.

والمسألة خلافية بين أهل العلم، والجمهور على أنه يغلظ.

وقال بعض أهل العلم: ليس هناك تغليظ لا قولاً ولا مكانًا.

والبخاري رحمه الله مع من لا يرون التغليظ؛ ولهذا قال: «بَابٌ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَيْثُمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَلاَ يُصْرَفُ مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى غَيْرِهِ» أي: يحلف في مكانه عند القاضي، ولا يقال له: اذهب إلى منبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في المدينة أو نحو ذلك.

واستدل المصنف رحمه الله بقصة زيد بن ثابت رضي الله عنه.

وفيها: أن مروان بن الحكم لما كان أميرًا على المدينة حصلت خصومة بين زيد بن ثابت رضي الله عنه وغيره.

قوله: «قَضَى مَرْوَانُ بِالْيَمِينِ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ» ، أي: أمر زيدًا أن يحلف، وحتى يغلظ عليه اليمين ألزمه أن يحلف «عَلَى الْمِنْبَرِ» ، أي: منبر النبي صلى الله عليه وسلم، فامتنع زيد «فَقَالَ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي» ، أي: أحلف في مكاني هذا، ولا أنتقل منه إلى مكان آخر.

قوله: «فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ وَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ» ، أي: أن زيدًا حلف، لكنه أبى أن يحلف على المنبر.

قوله: «فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْهُ» ، أي: استنكر مروان رفض زيد الحلف على المنبر، وعجب منه أشد العجب.

كما استدل المؤلف رحمه الله أيضًا على أنه لا تغلظ الأيمان بحديث: ««شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ»، فَلَمْ يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ» .

فلم يلزمه بالحلف في مكان معين، فلم يقل له: شاهداك أو يمينه عند المنبر ولا: عند الركن والمقام، ولا: في المسجد الجامع.

قوله: «فَلَمْ يَخُصَّ مَكَانًا دُونَ مَكَانٍ» ، أي: أن الأماكن كلها سواء.

 

}2673{ قوله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالاً لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . استدل به البخاري رحمه الله على أنه لا تغليظ في الأيمان.

والمسألة خلافية بين أهل العلم؛ فالبخاري رحمه الله يرى عدم التغليظ؛ ولهذا احتج بقصة زيد بن ثابت في امتناعه عن الحلف على المنبر حيث قال: «أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي» .

ومن العلماء من قال: إنها تغلظ في الزمان وفي المكان.

فتغليظ الزمان أن يحلف بعد العصر، وتغليظ المكان أن يحلف عند منبر النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ونحو ذلك، واحتجوا بحديث جابر: «لا يحلف أحد عند منبري هذا على يمين آثمة، ولو على سواك أخضر إلا تبوأ مقعده من النار» [(762)]، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أخرجه مالك وأبو داود والنسائي وابن حبان وصححه ابن خزيمة» اهـ، والحديث الثاني حديث أبي أمامة بن ثعلبة مرفوعًا: «من حلف عند منبري هذا بيمين كاذبة يستحل بها مال امرئ مسلم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلاً» [(763)] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أخرجه النسائي ورجاله ثقات» اهـ.

  إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي الْيَمِينِ

}2674{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ.

 

قوله: «بَاب إِذَا تَسَارَعَ قَوْمٌ فِي الْيَمِينِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان الحكم فيما إذا تسارع قوم في اليمين ـ يعني: إذا كان كلهم يجب في حقه اليمين ـ فأيهم يحلف؟

_خ الجواب: أن يقرع بينهم؛ فمن خرج عليه السهم حلف.

وقال بعضهم: إن صورة الاشتراك في اليمين أن يتنازع اثنان عينًا ليست في يد أحدهما ـ كأن يتنازعا مثلاً على سيارة ليست في أيديهما ـ وكل واحد يدعي أنها له، وهي في يد رجل ثالث، ولا بينة لواحد منهم، فيقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف واستحقها.

}2674{ قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَرَضَ عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِي الْيَمِينِ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ» . استدل به البخاري رحمه الله على مشروعية الاقتراع عند تسارع قوم في اليمين.

  قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

[آل عِمرَان: 77]{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}

}2675{ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ قَالَ: حَدَّثنِي إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما يَقُولُ: أَقَامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِهَا فَنَزَلَتْ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى النَّاجِشُ: آكِلُ رِبًا خَائِنٌ.

}2676{، }2677{ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ قَالَ أَخِيهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً} الآْيَةَ إِلَى قَوْلِهِ: [آل عِمرَان: 77]{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} فَلَقِيَنِي الأَْشْعَثُ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُاللَّهِ الْيَوْمَ؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ.

 

قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:: [آل عِمرَان: 77]{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}» . هذه الترجمة معقودة لبيان الوعيد الشديد على من حلف كاذبًا ليأخذ مال غيره بغير حق.

والمراد بالثمن القليل: العوض، أي: حلف ليأخذ عوضًا عن يمينه.

فقوله: «{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ}» ، يعني: يعتاضون.

وقوله: «{بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً}» أي: أخذوا عوض أيمانهم ثمنًا قليلاً، فلو أعطي المال كله والدنيا كلها فهو ثمن قليل، وله الوعيد الشديد؛ ولذلك قال تعالى في حقهم: [آل عِمرَان: 77]{أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *}.

}2675{ قوله: «أَقَامَ رَجُلٌ سِلْعَتَهُ فَحَلَفَ بِاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِهَا» بضم همزة «أُعطي» ، وفي رواية: «أَعطى» بفتح الهمزة، يعني: اشتراها، أي: حلف بالله أنه اشتراها بأكثر مما سامها منه المشتري، كأن يكون عرض عليه المشتري أن يشتري بمائة فحلف بالله أنه اشتراها بمائة وعشرين وهو كاذب، فنزلت هذه الآية.

قوله: «وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى النَّاجِشُ: آكِلُ رِبًا خَائِنٌ» . والناجش: هو الذي يزيد في ثمن السلعة ولا يريد شراءها ليُغليها على المشتري.

 

}2676{، }2677{ قوله: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبًا لِيَقْتَطِعَ مَالَ رَجُلٍ أَوْ قَالَ أَخِيهِ لَقِيَ اللَّهَ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ» . فيه: الوعيد الشديد على من أخذ عوضًا من الدنيا عن يمينه، «وَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل تَصْدِيقَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ: [آل عِمرَان: 77]{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بَعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *}» .

قوله: «فَلَقِيَنِي الأَْشْعَثُ فَقَالَ: مَا حَدَّثَكُمْ عَبْدُاللَّهِ الْيَوْمَ؟ قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا؛ قَالَ: فِيَّ أُنْزِلَتْ» ولا مانع أن تكون الآية نزلت في هاتين القصتين: قصة ابن أبي أوفى، وقصة ابن الأشعث.

  كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ

قَالَ تَعَالَى: [النِّسَاء: 62]{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ} وَقَوْلُهُ عز وجل: [النِّسَاء: 62]{ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقًا *} [التّوبَة: 56]{وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} وَ [التّوبَة: 62]{يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ} [المَائدة: 107]{فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} يُقَالُ بِاللَّهِ وَتَاللَّهِ وَوَاللَّهِ.

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَرَجُلٌ حَلَفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا بَعْدَ الْعَصْرِ وَلاَ يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ».

}2678{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ عَمِّهِ أَبِي سُهَيْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُهُ عَنْ الإِْسْلاَمِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ: «لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ»، قَالَ: وَذَكَرَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّكَاةَ قَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ»؛ فَأَدْبَرَ الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلاَ أَنْقُصُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ».

}2679{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ قَالَ: ذَكَرَ نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».

 

قوله: «بَاب كَيْفَ يُسْتَحْلَفُ» . هذه الترجمة معقودة لبيان كيفية الحلف، وأنه لا يكون إلا بالله.

قوله: «يُقَالُ بِاللَّهِ وَتَاللَّهِ وَوَاللَّهِ» أي: أن القسم يكون بحرف من حروف القسم، أي: بدخول الباء، أو التاء، أو الواو على لفظ الجلالة، كما جاء ذلك في القرآن الكريم: « [النِّسَاء: 62]{ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقًا *}» ، [الأنبيَاء: 57]{وَتاللَّهِ لأََكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ *}، [الأنعَام: 23]{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ *}، ويحلف أيضًا قائلاً: آلله بالهمزة، وهآلله بالهمزة بعد الهاء، وايمن الله، وايم الله، ويمين الله.

قوله: «وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَرَجُلٌ حَلَفَ بِاللَّهِ كَاذِبًا بَعْدَ الْعَصْرِ» . الشاهد قوله: «حَلَفَ بِاللَّهِ» .

قوله: «وَلاَ يُحْلَفُ بِغَيْرِ اللَّهِ» . قال ابن عبدالبر: «أجمع أهل العلم على أنه لا يجوز الحلف بغير الله» [(764)]، فالحلف بغير الله شرك، ففي الحديث الآتي: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» [(765)]، وفي الحديث الآخر: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» [(766)]، فلا يجوز الحلف إلا بالله وأسمائه وصفاته.

 

}2678{ في الحديث: دليل على أنه لا يجب على المسلم غير الفرائض، والفرائض: الصلوات الخمس، والزكاة، والصوم، وأن ما زاد على ذلك فهو سنة.

واحتُج به على أن تحية المسجد ليست واجبة؛ لأنه قال: ««خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ»، فَقَالَ: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: «لاَ، إِلاَّ أَنْ تَطَّوَّعَ»» ، ومن قال من الظاهرية: إنها واجبة قال: إنها واجبة بسبب، ألا وهو دخول المسجد.

قوله: «أَفْلَحَ إِنْ صَدَقَ» ، فيه: دليل على أن من أدى الفرائض فقد أفلح، ولو لم يأتِ بالنوافل، وهو من أصحاب اليمين.

فأصحاب اليمين هم الذين يؤدون الفرائض والواجبات وينتهون عن المحرمات، ويكتفون بذلك، ولا ينشطون لأداء المستحبات والنوافل.

أما السابقون المقربون فهم الذين يزيدون: فيؤدون الواجبات ويؤدون النوافل والمستحبات، ويتركون المحرمات والمكروهات وفضول المباحات.

فالسابقون أفضل، وكل من السابقين وأصحاب اليمين يدخلون الجنة؛ لأنهم أدوا ما أوجب الله عليهم، وانتهوا عما نهاهم الله عنه.

وهناك قسم ثالث، وهم الظالمون لأنفسهم؛ وهم الذين قصروا في أداء الواجبات أو فعلوا بعض المحرمات، وهؤلاء على خطر، وهم في مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء عفا عنهم.

 

}2679{ قوله «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ» ، استدل به البخاري رحمه الله على بيان كيفيه الاستحلاف وأنه لا يكون إلا بالله.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال العلماء: السر في النهي عن الحلف بغير الله أن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، وظاهر الحديث تخصيص الحلف بالله خاصة، لكن قد اتفق الفقهاء على أن اليمين تنعقد بالله وذاته وصفاته العلية» .

وقال الحافظ رحمه الله أيضًا: «وكأن المراد بقوله: «بِاللَّهِ» الذات، لا خصوص لفظ الله، وأما اليمين بغير ذلك فقد ثبت المنع فيها» اهـ.

  مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ».

وَقَالَ طَاوُسٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَشُرَيْحٌ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ.

}2680{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ، فَلاَ يَأْخُذْهَا.

 

قوله: «بَاب مَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ» . هذه الترجمة معقودة لإقامة البينة بعد اليمين، هل يعتد بها ويقبلها الحاكم أو لا تقبل؟

فإذا كانت خصومة بين شخصين فطلب الحاكم من المدعي أن يأتي ببينة فقال: ما عندي بينة، أو نسي البينة، فوجه اليمين إلى المدعى عليه فحلف، ثم بعد ذلك وجد المدعي البينة، فهل يقبل القاضي منه ذلك؟

المسألة فيها خلاف بين أهل العلم، والجمهور على أن البينة تقبل مطلقًا، وسيأتي بيان ذلك.

قوله: «لَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» . ذكر البخاري رحمه الله هذا الحديث تعليقًا ثم أخرجه موصولاً بعد التعليق الآتي ذكره مباشرة.

قوله: «وَقَالَ طَاوُسٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَشُرَيْحٌ: الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ» أي: إنه إذا لم يجد المدعي بينة، وحلف المدعى عليه كاذبًا يمينًا فاجرة، ثم وجد المدعي البينة بعد ذلك فإنه يعتد بالبينة، ولا عبرة بتلك اليمين الفاجرة.

}2680{ قوله: «وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «الحكم الظاهر لا يُصَيّر الحق باطلاً في نفس الأمر ولا الباطل حقًّا» اهـ.

والجمهور على أن البينة تقبل مطلقًا، واستدلوا بهذا الحديث.

قوله: «فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» ، أي: أن الحاكم معذور؛ فإنما يحكم بحسب البينة، وحكمه لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً؛ وحكم الحاكم يقطع النزاع فقط في الدنيا.

فإذا وجدت البينة فإنها تسمع؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ» ، ولقول طاوس وإبراهيم وشريح السابق: «الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ» .

وذهب بعض العلماء إلى أنه إن لم يعلم المدعي البينة فحلف المدعى عليه ثم علمها قبلت وقضي له بها، وإن علمها فتركها فلا حق له.

وذهب بعض العلماء كابن أبي ليلى إلى هذا أيضًا، وقال: «لا تسمع البينة بعد الرضا باليمين» [(767)]، ولكن هذا ليس بصحيح.

ويرى الأحناف[(768)] أن البينة ـ وإن كانت فاجرة ـ يعتد بها الحاكم، وهو قطع للنزاع، فإذا حكم القاضي لشخص ببينة فاجرة صح ذلك، فلو حكم الحاكم لشخص بطلاق امرأة طلقت، وحلت لمن يتزوجها، ولو كان يعلم أن البينة كاذبة.

والصواب: أن حكم الحاكم لا يصير الحق باطلاً، ولا الباطل حقًّا، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ» .

  مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ

وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ.

وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلَ [مَريَم: 54]{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}.

وَقَضَى ابْنُ الأَْشْوَعِ بِالْوَعْدِ.

وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ.

وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ قَالَ: «وَعَدَنِي فَوَفَى لِي».

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَرَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ.

}2681{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ، أَنَّ هِرَقْلَ قَالَ لَهُ: سَأَلْتُكَ مَاذَا يَأْمُرُكُمْ؟ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ وَأَدَاءِ الأَْمَانَةِ، قَالَ: وَهَذِهِ صِفَةُ نَبِيٍّ.

}2682{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِي سُهَيْلٍ نَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَبِي عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ».

}2683{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم قَالَ: لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَاءَ أَبَا بَكْرٍ مَالٌ مِنْ قِبَلِ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ؛ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ أَوْ كَانَتْ لَهُ قِبَلَهُ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا.

قَالَ جَابِرٌ: فَقُلْتُ: وَعَدَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْطِيَنِي هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَبَسَطَ يَدَيْهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ.

قَالَ جَابِرٌ: فَعَدَّ فِي يَدِي خَمْسَ مِائَةٍ ثُمَّ خَمْسَ مِائَة ثُمَّ خَمْسَ مِائَةٍ.

}2684{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مَرْوَانُ ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ سَالِمٍ الأَْفْطَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَأَلَنِي يَهُودِيٌّ مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ أَيَّ الأَْجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟ قُلْتُ: لاَ أَدْرِي حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى حَبْرِ الْعَرَبِ فَأَسْأَلَهُ، فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ؛ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ فَعَلَ.

 

قوله: «بَاب مَنْ أَمَرَ بِإِنْجَازِ الْوَعْدِ» هذه الترجمة معقودة لبيان هل إنجاز الوعد والوفاء به مستحب أو واجب؟

وجمهور العلماء على أن إنجاز الوعد والوفاء به مستحب، وقال آخرون من أهل العلم بوجوبه، وأحاديث الباب تدل على الوجوب، وهو الذي مال إليه المصنف رحمه الله.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وجه تعلق هذا الباب بأبواب الشهادات أن وعد المرء كالشهادة على نفسه قاله الكرماني. وقال المهلب: إنجاز الوعد مأمور به مندوب إليه عند الجميع، وليس بفرض؛ لاتفاقهم على أن الموعود لا يضارب بما وعد به مع الغرماء. اهـ.

ونقل الإجماع في ذلك مردود، فإن الخلاف مشهور، لكن القائل به قليل. وقال ابن عبدالبر وابن العربي: أَجَلّ من قال به عمر بن عبدالعزيز. وعن بعض المالكية: إن ارتبط الوعد بسبب وجب الوفاء به وإلا فلا، فمن قال لآخر: تزوج ولك كذا فتزوج لذلك وجب الوفاء به. وخرَّج بعضهم الخلاف على أن الهبة هل تملك بالقبض أو قبله. وقرأت بخط أبي رحمه الله في إشكالات على «الأذكار» للنووي ولم يذكر جوابًا عن الآية، يعني: قوله تعالى: [الصَّف: 3]{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ *} وحديث «آيَةُ الْمُنَافِقِ» ، قال: والدلالة للوجوب منها قوية، فكيف حملوه على كراهة التنزيه مع الوعيد الشديد؟ وينظر هل يمكن أن يقال: يحرم الإخلاف ولا يجب الوفاء؟ أي: يأثم بالإخلاف وإن كان لا يلزم بوفاء ذلك» اهـ.

قوله: «وَفَعَلَهُ الْحَسَنُ» ، أي: أنجز الحسن البصري رحمه الله الوعد، ووفى به.

قوله: «وَذَكَرَ إِسْمَاعِيلَ [مَريَم: 54]{إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}» ، أي: أن نبي الله إسماعيل وصفه الله بأنه صادق الوعد.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وروى ابن أبي حاتم من طريق الثوري أنه بلغه أن إسماعيل عليه السلام دخل قرية هو ورجل فأرسله في حاجة وقال له إنه ينتظره، فأقام حولاً في انتظاره، ومن طريق ابن شوذب أنه اتخذ ذلك الموضع مسكنًا فسمي من يومئذ صادق الوعد» اهـ.

قوله: «وَقَضَى ابْنُ الأَْشْوَعِ بِالْوَعْدِ» .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «هو سعيد بن عمرو بن الأشوع، كان قاضي الكوفة في زمان إمارة خالد القسري على العراق، وذلك بعد المائة» اهـ.

قوله: «وَذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ» .

قال البدر العيني: «أي: ذكر ابن الأشوع القضاء بإنجاز الوعد عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، وقع ذلك في تفسير إسحاق بن راهويه» اهـ.

قوله: «وَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ صِهْرًا لَهُ قَالَ: «وَعَدَنِي فَوَفَى لِي»» ، وصهر النبي صلى الله عليه وسلم هو العاص بن الربيع زوج ابنته زينب، واستدل به المصنف رحمه الله على وجوب الوفاء بالعهد.

قوله: «قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: وَرَأَيْتُ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَشْوَعَ» ، يعني: يحتج بحديث ابن الأشوع في القول بوجوب إنجاز الوعد.

 

}2681{ قوله: «وَالْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ» فيه: أن من صفات النبي صلى الله عليه وسلم الوفاء بالعهد، فالوفاء بالعهد من صفات الأنبياء.

 

}2682{ قوله: «آيَةُ الْمُنَافِقِ» ، أي: علامة المنافق.

قوله: «ثَلاَثٌ:» ليس المراد به الحصر، ولكن المراد بيان أن هذه الثلاث هي أظهر علامات النفاق.

قوله: «إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ» ، يعني: أن الكذب في الحديث صفة المنافق، ولا يكاد ينفك عنها.

قوله: «وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» ، أي: من صفات المنافق خيانة الأمانة.

قوله: «وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ» . هذا هو الشاهد.

ففي الحديث: التحذير من صفات المنافقين، ومنها إخلاف الوعد.

وهذه الصفات الذميمة والخلال المرذولة هي من جملة صفات النفاق العملية، وهي لا تخرج من الملة، وهذا هو النفاق الأصغر.

 

}2683{ الشاهد من الحديث: أن أبا بكر رضي الله عنه أنجز وعد النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: فضل أبي بكر رضي الله عنه حيث وفى بوعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقضى ديونه من المال الذي جاء من قبل العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه، من جهة البحرين.

 

}2684{ قوله: «أَيَّ الأَْجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى؟» يشير بذلك إلى قصة موسى عليه السلام حيث قال الله في قصته مع الرجل الصالح: [القَصَص: 27-28]{قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدَكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ *قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ *}.

والأجلان: الثماني أو العشر، أي: يُؤَجّر موسى نفسه فيرعى الغنم للعبد الصالح لمدة ثمان سنين أو عشر سنين.

قوله: «حَبْرِ الْعَرَبِ» : الحبر العالم الماهر، يقال: حَبر ويقال: حِبر، وهو ابن عباس رضي الله عنهما.

قوله: «فَقَدِمْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ؛ فَقَالَ: قَضَى أَكْثَرَهُمَا وَأَطْيَبَهُمَا» ، يعني: قضى عشر سنين أجيرًا عند العبد الصالح.

قوله: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ فَعَلَ» . المراد بالرسول: كل من اتصف بالرسالة، ولم يرد رسولاً بعينه، فإن الرسول إذا تكلم فوعد فإنه يوفي بقوله.

والشاهد: أن هذه الأحاديث استدل بها المؤلف رحمه الله على وجوب الوفاء بالوعد، والجمهور على أن هذه الأوامر للاستحباب.

  لاَ يُسْأَلُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا

وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ}.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَ{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ} الآْيَةَ».

}2685{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، قَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَكِتَابُكُمْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْدَثُ الأَْخْبَارِ بِاللَّهِ، تَقْرَءُونَهُ لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ اللَّهُ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ، وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: {لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً} أَفَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ، وَلاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ.

 

قوله: «بَاب لاَ يُسْأَلُ أَهْلُ الشِّرْكِ عَنْ الشَّهَادَةِ وَغَيْرِهَا» . هذه الترجمة معقودة لبيان حكم شهادة الكفار، هل تقبل أو لا تقبل؟

واختلف العلماء فيها على ثلاثة أقوال :

الأول: رد شهادة الكفار مطلقًا، وهذا قول الجمهور؛ لأنهم متهمون، فإذا كان الفاسق لا تقبل شهادته فالكافر من باب أولى، واستدلوا بقول الله تعالى: [البَقَرَة: 282]{مِمَنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}.

الثاني: قبولها مطلقًا إلا على المسلمين، فتقبل شهادة الكفار بعضهم على بعض، وهذا مذهب الكوفيين من التابعين، وهي إحدى الروايتين عن أحمد[(769)]، واستثنى الإمام حالة السفر فأجاز فيه شهادة أهل الكتاب على المسلمين.

الثالث: لا تقبل ملة على ملة، وتقبل بعض الملة على بعضها، يعني: لا تقبل شهادة اليهودي على النصراني، ولا تقبل شهادة النصراني على اليهودي، ولا تقبل شهادة اليهودي على المجوسي، وهذا مذهب بعض العلماء كالحسن، وابن أبي ليلى، والليث، وإسحاق، واستدلوا بقول الله تعالى: [المَائدة: 14]{فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ} وهذا هو الأرجح والصواب: أنه لا تقبل شهادة ملة على ملة، وتقبل شهادة بعضها على بعض.

وقول الجمهور برد شهادة الكفار مطلقًا ضعيف؛ لأنها إذا ردت فبماذا يحكم الحاكم على أهل الكتاب؟!

قوله: «وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمِلَلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ُ ؛ : 9 ژ ِ » .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وصله سعيد بن منصور: حدثنا هشيم حدثنا داود عن الشعبي: لا تجوز شهادة ملة على أخرى إلا المسلمين فإن شهادتهم جائزة على جميع الملل، وروى عبدالرزاق عن الثوري عن عيسى ـ وهو الخياط ـ عن الشعبي قال: كان يجيز شهادة النصراني على اليهودي واليهودي على النصراني، وروى ابن أبي شيبة من طريق أشعث عن الشعبي قال: تجوز شهادة أهل الملل للمسلمين بعضهم على بعض.

قلت: فاختلف فيه على الشعبي.

وروى ابن أبي شيبة عن نافع وطائفة الجواز مطلقًا.

وروى عبدالرزاق عن معمر عن الزهري الجواز مطلقًا» اهـ.

قوله: «وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ، وَلاَ تُكَذِّبُوهُمْ وَ [البَقَرَة: 136]{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ}» .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «الغرض منه هنا النهي عن تصديق أهل الكتاب فيما لا يعرف صدقه من قبل غيرهم؛ فيدل على رد شهادتهم وعدم قبولها كما يقول الجمهور» اهـ.

}2685{ معنى الحديث: كيف تسألون أهل الكتاب وأنتم تعلمون أن أهل الكتاب غيروا وبدلوا؟! وهم لا يسألونكم؛ ولهذا قال: «وَغَيَّرُوا بِأَيْدِيهِمْ الْكِتَابَ، فَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [البَقَرَة: 79]{لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً}» .

قوله: «لَمْ يُشَبْ» ، أي: لم يخلط بشيء، وحفظه الله، فهو بين أيدينا غضّ طريّ كما نزل.

ثم قال ابن عباس: «أَفَلاَ يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنْ الْعِلْمِ عَنْ مُسَاءَلَتِهِمْ» أي: ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم في كتاب الله أن تسألوا أهل الكتاب؟! كيف تسألون أهل الكتاب عن كتبهم وهم قد غيروا وبدلوا وحرفوا؟! ثم قال: «وَلاَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلاً قَطُّ يَسْأَلُكُمْ عَنْ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ» ، أي: ما رأينا أحدًا من اليهود يسألكم عن القرآن، فكيف تسألونهم عما في أيديهم؟!

فهذا عِتاب من ابن عباس رضي الله عنهما لمن يسأل أهل الكتاب.

وفي الحديث: رد على من يقبل شهادة أهل الكتاب، فإذا كانت أخبارهم لا تقبل، فشهادتهم مردودة بالأولى؛ لأن باب الشهادة أضيق من باب الرواية.

  الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكِلاَتِ

وَقَوْلِهِ: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اقْتَرَعُوا فَجَرَتْ الأَْقْلاَمُ مَعَ الْجِرْيَةِ وَعَالَ قَلَمُ زَكَرِيَّاءَ الْجِرْيَةَ فَكَفَلَهَا زكَرِيَّاءُ.

وَقَوْلِهِ: {فَسَاهَمَ} أَقْرَعَ [الصَّافات: 141]{فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ *} مِنْ الْمَسْهُومِينَ.

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَرَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهِمَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ.

}2686{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: حَدَّثنِي الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رضي الله عنهما يَقُولُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا مَثَلُ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا، وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا، فَكَانَ الَّذِي فِي أَسْفَلِهَا يَمُرُّونَ بِالْمَاءِ عَلَى الَّذِينَ فِي أَعْلاَهَا؛ فَتَأَذَّوْا بِهِ؛ فَأَخَذَ فَأْسًا فَجَعَلَ يَنْقُرُ أَسْفَلَ السَّفِينَةِ؛ فَأَتَوْهُ فَقَالُوا: مَا لَكَ؟ قَالَ: تَأَذَّيْتُمْ بِي، وَلاَ بُدَّ لِي مِنْ الْمَاءِ، فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ».

}2687{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثنِي خَارِجَةُ ابْنُ زَيْدٍ الأَْنْصَارِيُّ أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ قَدْ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتْ الأَْنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ، قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ، فَاشْتَكَى، فَمَرَّضْنَاهُ حَتَّى إِذَا تُوُفِّيَ وَجَعَلْنَاهُ فِي ثِيَابِهِ، دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقُلْتُ: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَمَا يُدْرِيكِ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمَهُ؟» فَقُلْتُ: لاَ أَدْرِي بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ، وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ» قَالَتْ: فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ قَالَتْ: فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي؛ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «ذَاكِ عَمَلُهُ».

}2688{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا، غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

}2689{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَْوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».

 

قوله: «بَاب الْقُرْعَةِ فِي الْمُشْكِلاَتِ، وَقَوْلِهِ: [آل عِمرَان: 44]{إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}» ، وفي رواية: «من المشكلات» ، وهذا الباب معقود لبيان حكم القرعة في المشكلات، ووجه إدخالها في كتاب الشهادات أنها من جملة البينات التي تثبت بها الحقوق، فكما تقطع الخصومة والنزاع بالبينة كذلك تقطع الخصومة والنزاع بالقرعة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ومشروعية القرعة مما اختلف فيه، والجمهور على القول بها في الجملة، وأنكرها بعض الحنفية، وحكى ابن المنذر عن أبي حنيفة القول بها، وجعل المصنف ضابطها الأمر المشكل، وفسرها غيره بما ثبت فيه الحق لاثنين فأكثر وتقع المشاحة فيه فيقرع لفصل النزاع.

وقال إسماعيل القاضي: ليس في القرعة إبطال الشيء من الحق كما زعم بعض الكوفيين، بل إذا وجبت القسمة بين الشركاء فعليهم أن يعدلوا ذلك بالقيمة ثم يقترعوا فيصير لكل واحد ما وقع له بالقرعة مجتمعًا مما كان له في الملك مشاعًا، فيضم في موضع بعينه ويكون ذلك بالعوض الذي صار لشريكه؛ لأن مقادير ذلك قد عدلت بالقيمة، وإنما أفادت القرعة أن لا يختار واحد منهم شيئًا معينًا فيختاره الآخر فيقطع التنازع، وهي إما في الحقوق المتساوية، وإما في تعيين الملك، فمن الأول: عقد الخلافة إذا استووا في صفة الإمامة، وكذا بين الأئمة في الصلوات، والمؤذنين، والأقارب في تغسيل الموتى والصلاة عليهم، والحاضنات إذا كن في درجة، والأولياء في التزويج، والاستباق إلى الصف الأول، وفي إحياء الموات، وفي نقل المعدن، ومقاعد الأسواق، والتقديم بالدعوى عند الحاكم، والتزاحم على أخذ اللقيط، والنزول في الخان المسبل ونحوه، وفي السفر ببعض الزوجات، وفي ابتداء القسم، والدخول في ابتداء النكاح، وفي الإقراع بين العبيد إذا أوصي بعتقهم ولم يسعهم الثلث، وهذه الأخيرة من صور القسم الثاني أيضًا وهو تعيين الملك، ومن صور تعيين الملك: الإقراع بين الشركاء عند تعديل السهام في القسمة» اهـ.

واستدل المؤلف رحمه الله: على مشروعية القرعة بقول الله تعالى في قصة مريم وزكريا: « [آل عِمرَان: 44]{إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ}» وذكر قول ابن عباس في تأويل الآية: «اقْتَرَعُوا فَجَرَتْ الأَْقْلاَمُ مَعَ الْجِرْيَةِ وَعَالَ قَلَمُ زَكَرِيَّاءَ الْجِرْيَةَ فَكَفَلَهَا زكَرِيَّاءُ» .

وكانت مريم _ب بنت سيدهم، فاختصموا فيمن يكفلها ولم تفصل بينهم إلا القرعة، فأخرج كل واحد منهم قلمًا، وألقوها كلها في الماء فجرت أقلام الجميع مع الجرية إلى أسفل وارتفع قلم زكريا فأخذها، وكفلها.

وهذا كان في شرع مَنْ قبلنا، ولشرع مَنْ قبلنا مع شرعنا ثلاث حالات:

أولاً: ما جاء شرعنا بإقراره فهو حق.

ثانيًا: ما جاء شرعنا بإبطاله فهو باطل.

ثالثًا: ما سكت عنه شرعنا فهو محل اجتهاد.

واستدل المؤلف رحمه الله أيضًا على مشروعية القرعة عند المشكلات بقوله تعالى في قصة يونس: [الصَّافات: 141]{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ *}، ومعنى ساهم: أقرع، ومن المدحضين: من المسهومين.

وذلك أنه كان في شريعة يونس عليه السلام جواز إلقاء بعض من في السفينة في البحر؛ حفاظًا على حياة الباقين، وليس ذلك في شرعنا؛ لأن جميعهم مستوون في عصمة الأنفس.

قوله: «وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: عَرَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْمٍ الْيَمِينَ فَأَسْرَعُوا فَأَمَرَ أَنْ يُسْهِمَ بَيْنَهُمْ أَيُّهُمْ يَحْلِفُ» سبق ذكر هذا الحديث.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عرض اليمين على قوم متساوين، وأراد كل منهم أن يحلف أقرع بينهم، فمن وقع عليه السهم فإنه يحلف.

 

}2686{ قوله: «مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا» . هذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم، والأمثال يتبين بها المراد، وينتقل فيها الإنسان من الأمر المعنوي إلى الأمر الحسي.

قوله: «مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ» ، وفي بعض ألفاظه بزيادة ألف: «المداهن» [(770)]، والمدهن والمداهن واحد، وهو الساكت عن إنكار المنكر، وهو مذموم كمرتكب المنكر.

والواقع في حدود الله: هو الذي يفعل المعاصي ويتعدى الحدود.

وحدود الله نوعان:

أولاً: المحارم والمعاصي لقوله تعالى: [البَقَرَة: 187]{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} أي: لا تفعلوها، وهو المراد بهذا الحديث، «مَثَلُ الْمُدْهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا» فالواقع في حدود الله يعني: الواقع في المعاصي، فاعل المنكر.

ثانيًا: الفرائض والواجبات ، لقوله تعالى: [البَقَرَة: 229]{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا}.

وتطلق الحدود على العقوبات، فعندما جمع عمر رضي الله عنه الصحابة واستشارهم في حد الخمر قال عبدالرحمن بن عوف: «أخف الحدود ثمانون» ، وهي عقوبة القاذف، فجعل حد الخمر ثمانين جلدة، وكان الشارب على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر يضرب بالجريد والنعال والثياب نحو أربعين، ثم لما تتابعوا على شرب الخمر اجتهد عمر رضي الله عنه والصحابة فزادوا أربعين.

وهذا الحديث ذكر صنفين من الناس المداهن ـ وهو الساكت عن إنكار المنكر ـ والواقع في حدود الله ـ وهو العاصي الذي يفعل المنكر.

ولم يرد في هذا الحديث الصنف الثالث وهو الذي ينهى عن المنكر، لكنه جاء من وجه آخر في كتاب الشركة: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها» [(771)].

فالناس في هذا على حالات ثلاث:

أولاً: القائم على حدود الله: وهو الذي ينكر المنكر.

ثانيًا: المداهن: وهو الذي يسكت عن إنكار المنكر.

ثالثًا: الواقع فيها: وهو الذي يفعل المنكر.

قوله: «اسْتَهَمُوا سَفِينَةً» . هذا هو الشاهد، أي: اقترعوا، فأخذ كل واحد منهم سهمًا ـ أي: نصيبًا ـ من السفينة، فكانت السفينة مشتركة بينهم، إما إجارة وإما ملكًا، وحتى لا يقع التشاح في الأنصبة شرعت القرعة لحسم النزاع.

وقوله: «قَوْمٍ اسْتَهَمُوا سَفِينَةً، فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَسْفَلِهَا، وَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي أَعْلاَهَا» يعني: هذه السفينة لما حازوها، كان بعضهم يريد أعلاها، وبعضهم يريد أسفلها، فاقترعوا لحسم الأمر، فكل حاز مكانه وفق القرعة.

فكان الذين أصابوا أعلاها إذا احتاجوا إلى الماء أدلوا الدلو وأخذوا الماء من البحر، لكن الذين أصابوا أسفلها كانوا إذا احتاجوا إلى الماء مروا على من هم في أعلاها، فتأذوا من ذلك، فقال بعضهم: لو خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا.

قوله: «فَإِنْ أَخَذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَنْجَوْهُ وَنَجَّوْا أَنْفُسَهُمْ، وَإِنْ تَرَكُوهُ أَهْلَكُوهُ وَأَهْلَكُوا أَنْفُسَهُمْ» ، أي: إذا تركوه يخرق السفينة دخل الماء السفينة وهلكوا جميعًا، وإن أخذوا على يديه ومنعوه نجوه ونجوا أنفسهم.

وهذا مثل الذي يفعل المنكر والذي ينكره، فإذا فعل الناس المنكر ووُجد من ينكره سلموا جميعًا من العذاب، وإن سكتوا ولم ينكروا المنكر عمهم العذاب جميعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» [(772)].

 

}2687{ قوله: «أَنَّ أُمَّ الْعَلاَءِ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِمْ قَدْ بَايَعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتْ الأَْنْصَارُ سُكْنَى الْمُهَاجِرِينَ» وهذا هو الشاهد من الحديث، أي: جعل الأنصار لإخوانهم المهاجرين سهمًا في السكنى فاقترعوا على ذلك، وذلك أن المهاجرين هاجروا من مكة إلى المدينة وتركوا ديارهم وأموالهم، فواساهم الأنصار بأنفسهم، وأسكنوهم، وأعطوهم من أموالهم، ومنحوهم شيئًا من ثمار أشجارهم ونخيلهم، فمنهم من أخذ المنحة ومنهم من أخذ بالعمل، فصاروا يعملون ويأخذون من الثمار النصف.

قوله: «قَالَتْ أُمُّ الْعَلاَءِ: فَسَكَنَ عِنْدَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ» ، أي: خرجت القرعة أن عثمان بن مظعون يسكن في بيت آل أم العلاء.

قوله: «أَمَّا عُثْمَانُ فَقَدْ جَاءَهُ وَاللَّهِ الْيَقِينُ» . اليقين: الموت، كما قال الله تعالى: [الحِجر: 99]{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ *}.

قوله: «وَإِنِّي لَأَرْجُو لَهُ الْخَيْرَ» . معتقد أهل السنة والجماعة أنهم يرجون للمحسن من المسلمين الخير كما قال صلى الله عليه وسلم، ويخافون على المسيء الهلكة، ولا يشهدون لأحد بالجنة ولا بالنار.

قوله: «وَاللَّهِ مَا أَدْرِي وَأَنَا رَسُولُ اللَّهِ مَا يُفْعَلُ بِهِ» . وفي لفظ أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ما يفعل بي» [(773)]. وهذا كقوله تعالى: [الأحقاف: 9]{قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ} وهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُعلمه الله مصيره، ثم أعلمه الله عز وجل بعد ذلك أنه في الجنة، وأن أصحابه الذين شهد لهم في الجنة أيضًا، وجاء في حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «النبي في الجنة، وأبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبدالرحمن بن عوف في الجنة، وسعد في الجنة» [(774)]، ولو شئت لسميتُ العاشر، فشهد للعشرة المبشرين بالجنة، وشهد للحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة[(775)].

قوله: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ! فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ: لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهُ» . قالت هذا لأنها كانت تعرف مدخله ومخرجه، وترى عمله وأنه من الصالحين ومن الأتقياء، ومع ذلك نهاها النبي صلى الله عليه وسلم أن تشهد له بالجنة، فقالت: «فَوَاللَّهِ لاَ أُزَكِّي أَحَدًا بَعْدَهُ أَبَدًا، وَأَحْزَنَنِي ذَلِكَ قَالَتْ: فَنِمْتُ فَأُرِيتُ لِعُثْمَانَ عَيْنًا تَجْرِي؛ فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: «ذَاكِ عَمَلُهُ» . فهذه بشارة من الله، أن رزقه الله عينًا تجري في الجنة، بحسن عمله.

وقوله: «طَارَ لَهُ سَهْمُهُ فِي السُّكْنَى حِينَ أَقْرَعَتْ الأَْنْصَارُ» في هذا دليل على مشروعية القرعة.

 

}2688{ في الحديث: مشروعية القرعة بين النساء لمن له عدد من الزوجات إذا أراد أن يسافر، فمن خرج سهمها سافر بها، ولا بأس إذا أذنَّ لواحدة منهن للخروج بدون قرعة.

قوله: «وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا» ، يعني: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقسم لكل واحدة يومًا وليلة إذا كان مقيمًا في البلد.

قوله: «غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ تَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ؛ وذلك أن سودة رضي الله عنها لما كبرت سنها وخشيت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم ـ وهي تريد البقاء معه ـ قالت: يا رسول الله، يومي وليلتي وهبتها لأحب نسائك لعائشة، فأبقاها عنده ولم يطلقها، فأصبح لكل واحدة من نسائه ليلة ولعائشة ليلتان؛ ليلتها وليلة سودة.

 

 

}2689{ قوله: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الأَْوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا» . النداء: هو الأذان.

وفي الحديث: فضيلة الأذان والصف الأول.

والمعنى لو يعلم الناس ما في الأذان من الأجر لتسابقوا عليه، وكذلك لو يعلمون ما في الصف الأول من الفضل والأجر لتسابقوا عليه، حتى تفصل بينهم القرعة.

قوله: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إِلَيْهِ» . التهجير: التبكير إلى الصلاة.

قوله: «وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ» . العتمة: صلاة العشاء.

قوله: «لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا» . فيه: فضل صلاة الفجر والعشاء.

قوله: «ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاَسْتَهَمُوا» ، دليل على مشروعية الاستهام والاقتراع عند المشاحة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد