شعار الموقع

شرح كتاب الشروط من صحيح البخاري (54-1)

00:00
00:00
تحميل
128

(55)كِتَاب الشُّرُوط;

مَا يَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي الإِْسْلاَمِ

وَالأَْحْكَامِ وَالْمُبَايَعَةِ

}2711{، }2712{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رضي الله عنهما يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلاَّ ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ ابْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ، وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ [المُمتَحنَة: 10]{وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.

}2713{ قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآْيَةِ: [المُمتَحنَة: 10- 12]{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ بَايَعْتُكِ كَلاَمًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلاَّ بِقَوْلِهِ.

}2714{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْتُ جَرِيرًا رضي الله عنه يَقُولُ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ: «وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ».

}2715{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثنِي قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.

 

قوله: «بَاب مَا يَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ» هذا الباب عقده المؤلف لما يتعلق بالشروط، والشروط جمع شرط وهو: ما يستلزم من نفيه نفيُ شيء آخر، وهو غير السبب.

قوله: «فِي الإِْسْلاَمِ» يعني: ما يجوز من شروط عند الدخول في الإسلام، فيجوز أن يشترط الكافر مثلا أنه إذا أسلم لا يكلف بالسفر من بلد إلى بلد أو غير ذلك، أما لو اشترط شرطًا باطلاً فلا يقر كأن لا يصلي أو لا يزكي.

قوله: «وَالأَْحْكَامِ» يعني: العقود والمعاملات.

قوله: «وَالْمُبَايَعَة» من عطف الخاص على العام.

}2711{، }2712{ قوله: «لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لاَ يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ» . هذا الحديث في قصة صلح الحديبية والشروط التي اشترطها الكفار على المسلمين ظاهرها أنه كان فيها غضاضة على المسلمين، والذي كتب الكتاب هو سهيل بن عمرو.

قوله: «فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلاَّ ذَلِكَ فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ» أي: امتعض المسلمون لما يرونه من الذلة في هذه الشروط، وكان لعمر رضي الله عنه موقف في هذا ـ سيأتي في الأحاديث ـ أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله علام نعطي الدنية في ديننا؟! قال: «إني رسول الله ولن يضيعني» وأتى أبا بكر فقال له مثل ذلك، فقال له: إنه رسول الله ولن يضيعه[(807)].

قوله: «فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ ابْنِ عَمْرٍو» أي: جاء أبو جندل وهو ابن سهيل بن عمرو، وقد أسلم وهو يرصف في قيوده ورمى بنفسه بين المسلمين فقال سهيل: أول شرط تنفذه أن ترد علينا هذا، فشق هذا على الصحابة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: طلبته منك فقال: لا أعطيك إياه.

وفيه: دليل على أنه لا حرج على ولي الأمر أن يقبل في الصلح مع العدو شروطًا فيها غضاضة على المسلمين إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين؛ فإن الحرب وضعت أوزارها فأمنت السبل وأمن المسافرون وتمكن الكثير من سماع القرآن وتفهمه وتفرغ الرسول صلى الله عليه وسلم لقتال اليهود، ثم بعد ذلك نقضت قريش العهد بعد سنتين فغزاهم في عقر دارهم وفتح مكة؛ ولهذا سمى الله صلح الحديبية فتحًا فقال: [الفَتْح: 1]{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِيناً *} فقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أوفتح هو؟ قال: «نعم والذي نفس محمد بيده إنه لفتح» [(808)].

وأسلم عدد كبير من الكفار فكان النبي صلى الله عليه وسلم يردهم إليهم بمقتضى الشرط فإذا ردهم وقفوا وصاروا قطاع طريق لقوافل المشركين؛ فإذا جاءت قافلتهم أخذوها وقتلوا من فيها حتى تأذى الكفار وقالوا: خذوهم لا نريدهم.

قوله: «وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ» ؛ وذلك أن المؤمنات لهن وضع خاص في الصلح فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يردهن إليهم بسبب نزول هذه الآية: [المُمتَحنَة: 10]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ} وفيها دليل على أنه لا يجوز أن تكون المسلمة تحت كافر.

 

}2713{ قوله: «قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الآْيَةِ» وهي قوله تعالى: [المُمتَحنَة: 12]{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ *}.

قوله: «فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَدْ بَايَعْتُكِ كَلاَمًا يُكَلِّمُهَا بِهِ» فكان النبي صلى الله عليه وسلم يبايع النساء على: ألا تشرك بالله، ولا تسرق، ولا تزني، ولا تقتل ولدًا، ولا تأتي ببهتان تفتريه بين يديها ورجليها، ولا تعصيه في المعروف، فمن قبلت الشروط بايعها رسول الله صلى الله عليه وسلم مشافهة بدون أن تمس يده يد امرأة؛ أما الرجال فإنه يبايعهم بالمصافحة.

قوله: «وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلاَّ بِقَوْلِهِ» . فيه: أنه لا يجوز مصافحة الأجنبية ولو كانت بنت عمه أو بنت خاله أو زوجة أخيه؛ ولهذا قال كثير من العلماء: إن المس أشد من النظر. وتوجد بعض العادات في البوادي والقرى أن الرجل يصافح بنت عمه وبنت خاله أو يخلو بها، وهذا لا يجوز، ولكن يُسَلّم بالكلام مع ارتدائها للحجاب، ويكون معهم ثالث، وبدون خضوع في القول؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق ما مست يده يد امرأة قط وإنما كان يبايعهن بالكلام، يقول للمرأة: قد بايعتك، وقال الله تعالى: [الأحزَاب: 32]{فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} يعني: مرض الشهوة.

وحتى لو كانت المرأة كبيرة لا يصافحها بيده؛ فقد كان الشافعي رحمه الله يقول: «لكل ساقطة لاقطة» [(809)].

ولا يُجَوِّز سفر المرأة الكبيرة من دون محرم؛ لأنها يأتيها من هو مثلها ويرغب فيها[(810)].

ومن أسلمت وزوجها كافر تُمْهَل مدة العدة، فإن أسلم زوجها فهي زوجته، وإن انتهت العدة ولم يسلم فارقته، إلا إن جلست تنتظره ـ على أحد القولين ـ كما أن زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تنتظر زوجها العاص بن الربيع ست سنوات، فردها النبي صلى الله عليه وسلم عليه بالعقد الأول[(811)]، وقيل: إنه ردها بعقد جديد[(812)]، والأحوط أن يكون بعقد جديد.

 

}2714{، }2715{ قال جرير في الحديث الأول: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاشْتَرَطَ عَلَيَّ: «وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»» ، وقال في الحديث الثاني: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» . وإقام الصلاة: أداؤها بحقوقها ـ يقال: أقام الشيء يعني: أقامه موفى حقوقه بما فيها من شروط وأركان وواجبات ـ وإيتاء الزكاة: أداؤها لمستحقيها عن طيب نفس.

قوله: «وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» . هذا الشرط عام يشمل النصح لكل مسلم في البيع والشراء والمساقاة والمزارعة وفي كل شيء، ومن النصح للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويعامله بما يحب أن يعامله به، فلا يغش أخاه المسلم؛ لأنه يحب ألا يُغش ولا يخفي عليه عيب السلعة، ولا يبيع له السلعة بأكثر مما تباع به، وبسبب أهمية النصح قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والزكاة وهي من أركان الإسلام.

  إِذَا بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ

}2716{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ».

 

قوله: «إِذَا بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ» هكذا أورد المؤلف رحمه الله الترجمة وسكت عن الحكم، والتقدير: فالثمرة للبائع إلا إذا اشترطها المشتري.

}2716{ قوله: «مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ» . فإذا باع نخلاً قد أبرت ـ يعني: لقحت ـ فإن الثمرة تكون للبائع إلا أن يشترط المشتري، وكذلك إذا باع عبدًا له مال فالمال للبائع إلا أن يشترطه المشتري، فمثلاً إذا باع عبدًا له سيارة أو ثياب فقال: المشتري أشترط أن يكون لي ماله، فله ذلك، وإلا فالأصل أنه يسلمه العبد وليس معه شيء، ويسلمه النخل، والثمرة له، وإن أُبّر بعضها فالمؤبر للبائع وغير المؤبر للمشتري.

وأما قول الفقهاء: إن تشقق الطلع فله حكم التأبير فغير صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق بالتأبير لا بالتشقق فالعبرة بالتأبير ـ أي: التلقيح ـ فما لُقِّح يكون للبائع وما لم يلقح يكون للمشتري.

  الشُّرُوطِ فِي الْبُيُوعِ

}2717{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَخْبَرَتْهُ أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا، وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا، قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ، فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا، فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ، وَيَكُونَ لَنَا وَلاَؤُكِ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ لَهَا: «ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».

 

قوله: «بَاب الشُّرُوطِ فِي الْبُيُوعِ» . هكذا هنا، وفي النسخة الثانية: «الشروط في البيع» ، والبيع جنس بمعنى البيوع.

}2717{ قوله: «أَنَّ بَرِيرَةَ جَاءَتْ عَائِشَةَ تَسْتَعِينُهَا فِي كِتَابَتِهَا» . ذكر قصة بريرة حينما كاتبت أهلها ـ والكتابة هي أن يشتري العبد أو الأمة نفسه من سيده بمال يدفعه إليه منجمًا، وبريرة اشترت نفسها بتسع أواق منجمة على تسع سنين كل سنة يحل نجم، والأوقية: أربعون درهمًا ـ فجاءت بريرة إلى عائشة تستعينها في قضاء دينها فقالت: يا أم المؤمنين أما عندك شيء تعينيني به على قضاء ديني؟

وفيه: دليل على أنه لا بأس بالاستعانة بالحي الحاضر فتقول: يا فلان أعني على قضاء ديني، أو أعني في إصلاح مزرعتي، لكن الاستعانة بالميت أو بالغائب بأن يقول: أَعِنِّي أو فرج كربتي فهذا شرك.

قوله: «وَلَمْ تَكُنْ قَضَتْ مِنْ كِتَابَتِهَا شَيْئًا» ، يعني: ما قضت شيئًا من دينها.

قوله: «قَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ: ارْجِعِي إِلَى أَهْلِكِ» . أهلك يعني: أسيادك.

قوله: «فَإِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَقْضِيَ عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ» . والولاء عصوبة سببها نعمة المعتق على رقه بالعتق، وهذه العصوبة يرث بها المعتِق مَن أعتقه إن لم يكن له عصبة أقرب منه، فإذا مات العتيق وليس له أولاد ولا إخوة ورثه المعتِق، وكذلك ينسب إليه فيقال عتيق بني فلان، والولاء لا يباع ولا يوهب، شأنه شأن النسب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولاء لحمة كلحمة النسب» [(813)] فعائشة تقول: إذا أحب أهلك أن يكون الولاء لي قضيت عنك دين الكتابة، وفي لفظ أنها قالت: «إن أحب أهلك أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة فأعتقك فعلت» [(814)]. فهذا فيه: دليل على أن عائشة كان عندها في ذلك الوقت دراهم، وفي بعض الأحيان لا يكون عندها شيء، حتى أن السائلة كانت تأتي فلا تجد في بيت الرسول صلى الله عليه وسلم إلا تمرة أو ثلاث تمرات.

وفيه: دليل على كرم عائشة رضي الله عنها، ومن ذلك أنها لما هَجَرت ابن الزبير ابن أختها ونذرت ألا تكلمه ثم جاء بعد ذلك وتحيّل ودخل عليها فكلمته أعتقت أربعين عبدًا، ولما جاءها أموال كثيرة أنفقتها كلها في الحال حتى قالت لها جاريتها وكانت صائمة: ما بقي شيء للإفطار، قالت: لو ذكرتني فعلت.

قوله: «فَأَبَوْا، وَقَالُوا: إِنْ شَاءَتْ أَنْ تَحْتَسِبَ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ» ، يعني: والولاء يصير لنا.

فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرها أن هذا الشرط فاسد وأن الولاء يكون للمعتق، فقال: «ابْتَاعِي فَأَعْتِقِي؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، فاشترتها عائشة وبطل الشرط وصار الولاء لعائشة.

وهذا من الشروط في البيع، ففيه: دليل على أن الشرط قد يبطل ولا يؤثر على البيع؛ فهنا صح البيع وصح العتق وبطل الشرط.

  إِذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ظَهْرَ الدَّابَّةِ

إِلَى مَكَانٍ مُسَمًّى جَازَ

}2718{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: سَمِعْتُ عَامِرًا يَقُولُ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا فَمَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَهُ فَدَعَا لَهُ فَسَارَ بِسَيْرٍ لَيْسَ يَسِيرُ مِثْلَهُ، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ»، قُلْتُ: لاَ، ثُمَّ قَالَ: «بِعْنِيهِ بِوَقِيَّةٍ» فَبِعْتُهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي، فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي، قَالَ: «مَا كُنْتُ لآِخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ».

قَالَ شُعْبَةُ: عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ جَابِرٍ أَفْقَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَقَالَ إِسْحَاقُ: عَنْ جَرِيرٍ عَنْ مُغِيرَةَ فَبِعْتُهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرِهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ.

وَقَالَ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ: «لَكَ ظَهْرُهُ إِلَى الْمَدِينَةِ».

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ: شَرَطَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ.

وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: عَنْ جَابِرٍ «وَلَكَ ظَهْرُهُ حَتَّى تَرْجِعَ».

وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ: «أَفْقَرْنَاكَ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ».

وَقَالَ الأَْعْمَشُ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ: «تَبَلَّغْ عَلَيْهِ إِلَى أَهْلِكَ».

وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ وَابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ عَنْ جَابِرٍ: اشْتَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِوَقِيَّةٍ.

وَتَابَعَهُ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ جَابِرٍ.

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ وَغَيْرِهِ عَنْ جَابِرٍ «أَخَذْتُهُ بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ» وَهَذَا يَكُونُ وَقِيَّةً عَلَى حِسَابِ الدِّينَارِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ.

وَلَمْ يُبَيِّنْ الثَّمَنَ مُغِيرَةُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرٍ وَابْنُ الْمُنْكَدِرِ وَأَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ.

وَقَالَ الأَْعْمَشُ: عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ وَقِيَّةُ ذَهَبٍ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ.

وَقَالَ دَاوُدُ بْنُ قَيْسٍ: عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِقْسَمٍ عَنْ جَابِرٍ اشْتَرَاهُ بِطَرِيقِ تَبُوكَ أَحْسِبُهُ قَالَ: بِأَرْبَعِ أَوَاقٍ.

وَقَالَ أَبُو نَضْرَةَ: عَنْ جَابِرٍ اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِينَارًا.

وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ: بِوَقِيَّةٍ أَكْثَرُ.

الاِشْتِرَاطُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ عِنْدِي قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ.

 

قوله: «بَاب إِذَا اشْتَرَطَ الْبَائِعُ ظَهْرَ الدَّابَّةِ إِلَى مَكَانٍ مُسَمًّى جَازَ» . هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان جواز اشتراط ظهر الدابة عند البيع، يعني: من باع دابته إلى شخص واشترط البائع أن يحمله عليها أو يحمل عليها متاعه إلى مكان مسمى فلا بأس، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حينما اشترى البعير من جابر واشترط عليه جابر ظهره إلى المدينة فركبه جابر حتى وصل إلى المدينة ثم جاء فسلمه النبي صلى الله عليه وسلم.

}2718{ قوله: «حَدَّثَنِي جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا» . فيه: أن الجمل كان ضعيفًا، وكان يتأخر عن القافلة، فمر به النبي صلى الله عليه وسلم فضربه فسار سيرًا لم يسر مثله، وهذا من علامات النبوة.

قوله: «فَبِعْتُهُ، فَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي» . هذا هو الشاهد.

ثم قال: «فَلَمَّا قَدِمْنَا أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، وَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ، فَأَرْسَلَ عَلَى إِثْرِي، قَالَ: «مَا كُنْتُ لآِخُذَ جَمَلَكَ، فَخُذْ جَمَلَكَ ذَلِكَ، فَهُوَ مَالُكَ»» . وزاد في «فتح الباري» : «فدعا له» ، فلعلها ساقطة من المتن.

وفي الحديث فوائد:

منها: جواز الشرط في البيع ولهذا اشترط جابر ظهر الجمل إلى المدينة.

ومنها: جواز المماكسة في البيع حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر: «بِعْنِيهِ» قال: لا، ثم باعه بعد ذلك.

وفيه: جواز شراء الرئيس من أصحابه وأنه ليس فيه غضاضة إذا كان بسعر المثل.

وفيه: جواز الزيادة في الثمن عند الوفاء؛ فإن جابرًا لما أتى النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن ينقده الثمن فأعطاه الأوقية وأمره أن يرجح له الميزان وأن يزيده[(815)]؛ لأن هذه الزيادة غير مشترطة.

وفيه: كرم النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه ومعاشرته لأهله.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له رغبة في الشراء، إنما أراد أن يعلم أصحابه كيفية البيع والشراء، ويبين لهم حسن الخلق والكرم.

قوله: «أَفْقَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ» . هكذا هنا في هذه الرواية، وفي بعض الروايات: «فاشترى مني بعيرًا فجعل لي ظهره حتى أقدم المدينة» [(816)]، وفي بعضها «ولك ظهره إلى المدينة» ، وفي بعضها: «فبعت على أن لي فقار ظهره» ، وفي بعضها: «شَرَطَ ظهره إلى المدينة» ، ففي بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل له ظهر الدابة إلى المدينة، وبعض الروايات أن جابرًا اشترط عليه، وقال البخاري: «الاِشْتِرَاطُ أَكْثَرُ وَأَصَحُّ عِنْدِي» .

والخلاف في كونه أوقية أو أربعة دنانير أو غير ذلك خلاف لا يضر ولا يؤثر ولو كان في الصحيح، فالمهم أن قصة الشراء ثابتة، والاختلاف بعد ذلك في الثمن أمر سهل.

قوله: «بِأَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ» بحساب أن الدينار عشرة دراهم، والأوقية أربعون درهمًا يكون المعنى واحدًا.

قوله: «وَقَوْلُ الشَّعْبِيِّ: بِوَقِيَّةٍ أَكْثَرُ» ، أي: يقول البخاري: هذا هو الأكثر أنه أوقية.

وقد ذكر الشارح فوائد من هذا الحديث:

منها: جواز ضرب الدابة للسير وإن كانت غير مكلفة، وأن هذا لا يعتبر من التعذيب، ومحل ذلك إذا لم يتحقق أن ذلك من فرط تعب وإعياء.

وفيه: توقير التابع لرئيسه.

وفيه: الوكالة في وفاء الديون؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وكل بلالاً في قضاء الدين[(817)].

وفيه: الوزن على المشتري؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بلالاً أن يزن له وأن يرجح[(818)].

وفيه: جواز الشراء بالنسيئة أي: بالأجل.

وفيه: رد العطية قبل القبض لقول جابر: هو لك فقال: «لا بل بعنيه» [(819)].

وفيه: جواز إدخال الدواب والأمتعة إلى رحاب المسجد، وهذا يحتاج إلى تأمل هل أدخله النبي صلى الله عليه وسلم إلى رحبة المسجد أم أوقفه عند الباب؟

وفيه: الدليل على طهارة أبوال الإبل خلافًا للشافعية[(820)] الذين يرون أن أبوال الإبل نجسة، والصواب أن ما يؤكل لحمه فبوله طاهر.

وفيه: جواز الزيادة في الثمن عند الأداء والرجحان في الوزن.

وفيه: معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث ضرب البعير وكان قد أعيا فسار سيرًا لم يسر مثله.

وفيه: فضيلة لجابر حيث ترك حظ نفسه وامتثل أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببيع جمله مع احتياجه إليه.

  الشُّرُوطِ فِي الْمُعَامَلَةِ

}2719{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَتْ الأَْنْصَارُ: لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا النَّخِيلَ قَالَ: «لاَ»، فَقَالَ: «تَكْفُونَا الْمَئُونَةَ وَنُشْرِكْكُمْ فِي الثَّمَرَةِ»؛ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.

}2720{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.

 

}2719{ في الحديث: فضل الأنصار رضي الله عنهم وكرمهم وإيثارهم؛ وذلك أن المهاجرين لما قدموا المدينة ليس معهم شيء أراد الأنصار أن يقسموا المال بينهم وبين المهاجرين، فأبى المهاجرون ـ لعزة أنفسهم ـ فلما رأى ذلك الأنصار قالوا: إذن تكفونا العمل وتشركونا في الثمرة فقالوا: «سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا» .

 

}2720{ قوله: «أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا، وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا» . هذه مزارعة النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر على أن يدفع لهم الأرض فيعملوا بها ولهم شطر الثمر وللنبي صلى الله عليه وسلم الشطر، وكذلك دفع لهم النخيل، فساقاهم على النخيل وزارعهم على الأرض.

وإن حددت المدة في عقد المساقاة أو المزارعة كسنتين أو ثلاث لزمت وإن لم تذكر مدة فإن لكل واحد منهم الخروج من العقد بعد تصفية حسابه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود لما دفع إليهم خيبر: «نقركم على ذلك ما شئنا» [(821)].  الشُّرُوطِ فِي الْمَهْرِ عِنْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ

وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ وَلَكَ مَا شَرَطْتَ.

وَقَالَ الْمِسْوَرُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ فَأَحْسَنَ، قَالَ: «حَدَّثنِي وَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي».

}2721{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ».

 

هذا الباب في الشروط في المهر عند عقد النكاح.

وقوله: «وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ وَلَكَ مَا شَرَطْتَ» . هذا كلام عظيم من عمر رضي الله عنه.

 

}2721{ قوله: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» يعني: يلتزم الإنسان بالشروط التي استحل بها الفروج من مال شُرط عليه أو غير ذلك، فمثلاً لو تزوج مدرسة وشرطت أن تبقى في التدريس إلتزم بهذا الشرط.

ولو اشترطت عليه ألا يتزوج عليها فهذه المسألة فيها خلاف، والصواب: أنه إذا تزوج فهي بالخيار إن شاءت بقيت معه وإن شاءت فارقها بالطلاق؛ لأنه أخل بالشرط.

ولا يجوز لها أن تشترط أن يطلق زوجته الأولى؛ لما ثبت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ينبغي لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكفأ إناءها» [(822)]. وقال: «فإن لها ما قدر لها» [(823)]، أما إذا اشترطت شيئًا يخصها، كأن اشترطت مالاً أو اشترطت أن تبقى في دارها أو اشترطت أن تبقى في بلدها ثم رضي فهذا لابد من تنفيذه؛ لقول عمر: «إِنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ» ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: «أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ» .

  الشُّرُوطِ فِي الْمُزَارَعَةِ

}2722{ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: سَمِعْتُ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ رضي الله عنه يَقُولُ: كُنَّا أَكْثَرَ الأَْنْصَارِ حَقْلاً، فَكُنَّا نُكْرِي الأَْرْضَ، فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ فَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ نُنْهَ عَنْ الْوَرِقِ.

 

}2722{ الشروط في المزارعة نوعان شروط صحيحة وشروط فاسدة ومن الشروط الفاسدة ما جاء في هذا الحديث.

قوله: «كُنَّا أَكْثَرَ الأَْنْصَارِ حَقْلاً» ، يعني: زرعًا.

قوله: «فَكُنَّا نُكْرِي الأَْرْضَ» ، أي: نؤجرها.

قوله: «فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ هَذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ فَنُهِينَا عَنْ ذَلِكَ وَلَمْ نُنْهَ عَنْ الْوَرِقِ» . الورق: الفضة، والمعنى أن أحدهم كان يكري الأرض ويقول مثلاً: ما تخرجه الجهة الجنوبية لي وما تخرجه الجهة الشمالية لك، أو يقول: لي ما ينبت على السواقي وعلى الجداول وعلى البِرْكة ولك ما في المكان الفلاني فهذا شرط فاسد؛ لأنه قد تنبت الجهة الشمالية ولا تنبت الجهة الجنوبية فهذا فيه غرر.

والمزارعة الصحيحة تكون بالورِق ـ أي: بالدراهم ـ أو بجزء مشاع فيقول مثلاً: لي ربع ما يخرج ولك ثلاثة أرباعه، أو على النصف كما زارع النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر[(824)].

  مَا لاَ يَجُوزُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ

}2723{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ، وَلاَ تَنَاجَشُوا، وَلاَ يَزِيدَنَّ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَلاَ يَخْطُبَنَّ عَلَى خِطْبَتِهِ، وَلاَ تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا؛ لِتَسْتَكْفِئَ إِنَاءَهَا.

 

}2723{ قوله: «لاَ يَبِعْ حَاضِرٌ لِبَادٍ» سبق ذكر هذا في البيوع.

قوله: «وَلاَ تَسْأَلْ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا؛ لِتَسْتَكْفِئَ إِنَاءَهَا» . هذا هو الشاهد للترجمة، وهو النهي عن سؤال المرأة طلاق أختها، وأن هذا من الشروط الفاسدة في النكاح.

  الشُّرُوطِ الَّتِي لاَ تَحِلُّ فِي الْحُدُودِ

}2724{، }2725{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالاَ: إِنَّ رَجُلاً مِنْ الأَْعْرَابِ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْشُدُكَ اللَّهَ إِلاَّ قَضَيْتَ لِي بِكِتَابِ اللَّهِ، فَقَالَ: الْخَصْمُ الآْخَرُ وَهُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ نَعَمْ فَاقْضِ بَيْنَنَا بِكِتَابِ اللَّهِ، وَأْذَنْ لِي؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قُلْ»، قَالَ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ، فَسَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ؛ فَأَخْبَرُونِي أَنَّمَا عَلَى ابْنِي جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، وَأَنَّ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا الرَّجْمَ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، قَالَ: فَغَدَا عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ؛ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ.

 

}2724{، }2725{ في الحديث: دليل على أن الزاني يجب أن يقام عليه الحد فإن كان بكرًا فيجلد مائة ويغرب عامًا عن البلدة التي فعل فيها الفاحشة وإن كان ثيبًا يرجم بالحجارة حتى يموت، فإذا اشتُرط شرطٌ يرفع هذا الحد فإنه باطل وكل شرط وقع في رفع حد من حدود الله فهو باطل.

وهذه القصة فيها أن هذا الرجل من الأعراب كان له ابن أجير عند رجل فزنى بامرأته ثم بعد ذلك أراد أن يفتدي منه فافتدى منه بمائة شاة ووليدة، ثم سأل أهل العلم فأخبروه أن هذا باطل وأن عليه الجلد وعلى امرأة هذا الرجم.

قوله: «لَأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ» فيه: أن الأقضية تكون بكتاب الله.

قوله: «وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ...» دل على أن كل شرط يرفع الحد فهو باطل، فهذا الشرط ـ وهو رفع الحد بمائة شاة ووليدة ـ أبطله النبي صلى الله عليه وسلم وأقام الحد عليه.

  مَا يَجُوزُ مِنْ شُرُوطِ الْمُكَاتَبِ

إِذَا رَضِيَ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ يُعْتَقَ

}2726{ حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ الْمَكِّيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَتْ عَلَيَّ بَرِيرَةُ وَهِيَ مُكَاتَبَةٌ فَقَالَتْ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرِينِي فَإِنَّ أَهْلِي يَبِيعُونِي فَأَعْتِقِينِي قَالَتْ: نَعَمْ قَالَتْ: إِنَّ أَهْلِي لاَ يَبِيعُونِي حَتَّى يَشْتَرِطُوا وَلاَئِي قَالَتْ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيكِ فَسَمِعَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ بَلَغَهُ فَقَالَ: «مَا شَأْنُ بَرِيرَةَ!» فَقَالَ: «اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا»، قَالَتْ: فَاشْتَرَيْتُهَا فَأَعْتَقْتُهَا، وَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا، وَلاَءَهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ، وَإِنْ اشْتَرَطُوا مِائَةَ شَرْطٍ».

 

هذه الترجمة معقودة لبيان ما يجوز من شروط المكاتب إذا رضي بالبيع على أن يعتق.

}2726{ الحديث ذكر فيه: قصة بريرة وطلبها من أم المؤمنين أن تعتقها ففعلت، والشاهد منه أن بريرة رضيت بالبيع على أن تعتق، واشترط أهلها الولاء لهم فلم يكن لهم هذا الشرط؛ لأنه شرط مخالف لكتاب الله.

قوله: «اشْتَرِيهَا فَأَعْتِقِيهَا، وَلْيَشْتَرِطُوا مَا شَاءُوا» ، يعني: ليشترطوا ما شاءوا من الشروط التي يريدون فيها أن يكون الولاء لهم؛ فإن الولاء لمن أعتق، وهذه قاعدة شرعية.

فهناك شروط تجوز في المكاتبة وهناك شروط لا تجوز ومن هذه الشروط التي لا تجوز أن يشترط البائع الولاء له.

  الشُّرُوطِ فِي الطَّلاَقِ

وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: إِنْ بَدَا بِالطَّلاَقِ أَوْ أَخَّرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ.

}2727{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّلَقِّي وَأَنْ يَبْتَاعَ الْمُهَاجِرُ لِلأَْعْرَابِيِّ، وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا، وَأَنْ يَسْتَامَ الرَّجُلُ عَلَى سَوْمِ أَخِيهِ وَنَهَى عَنْ النَّجْشِ وَعَنْ التَّصْرِيَةِ.

تَابَعَهُ مُعَاذٌ وَعَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ شُعْبَةَ.

وَقَالَ غُنْدَرٌ: وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ نُهِيَ.

وَقَالَ آدَمُ: نُهِينَا.

وَقَالَ النَّضْرُ وَحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ: نَهَى.

 

هذه الترجمة معقودة لبيان أنه إذا شرط شرطًا في الطلاق فإنه يعتبر.

قوله: «وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ وَعَطَاءٌ: إِنْ بَدَا بِالطَّلاَقِ أَوْ أَخَّرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِشَرْطِهِ» أي: إن بدأ بالطلاق وأخر الشرط أو أخر الطلاق وبدأ بالشرط فالحكم واحد، وله شرطه، فلو قال: إن كلمتي فلانًا فأنت طالق أو قال: أنت طالق إن كلمتي فلانًا فالحكم واحد سواء قدم الشرط أو أخره.

 

}2727{ قوله: «وَأَنْ تَشْتَرِطَ الْمَرْأَةُ طَلاَقَ أُخْتِهَا» . هذا هو الشاهد من الحديث؛ لأن مفهومه أنها إذا اشترطت ذلك فطلق أختها فإنه يقع الطلاق على أختها، ومعلوم أن الشروط في الطلاق معتبرة إذا كان الكلام متصلاً.

ويحرم على المرأة أن تشترط طلاق أختها لحديث: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكفأ ما في إنائها فإن لها ما قدر لها» [(825)]، لكن لو عصت وشرطت وَقَبِل الرجل الشرط وقع الطلاق.

وفيه: النهي عن تلقي الركبان وعن بيع المهاجر للأعرابي، والمهاجر: هو من كان في البلد، والأعرابي: القادم إلى البلد ومعه سلعة يريد بيعها، والعلة في نهي من كان في البلد أن يبيعها له؛ لأنه إذا باعها له باعها بغلاء على الناس والأعرابي الطارئ على البلد يريد أن يبيعها برخص.

وفيه: النهي عن سوم الرجل على سوم أخيه إن استقر.

وفيه: النهي عن النجش ـ وهو الزيادة في السلعة من قِبَل من لا يريد شراءها ليغليها على المشتري ـ والنهي عن التصرية وهي حبس اللبن في الضرع لغش المشتري.

  الشُّرُوطِ مَعَ النَّاسِ بِالْقَوْلِ

}2728{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَغَيْرُهُمَا قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: إِنَّا لَعِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: حَدَّثَنِي أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مُوسَى رَسُولُ اللَّهِ...» فَذَكَرَ الْحَدِيثَ [الكهف: 72]{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *} كَانَتْ الأُْولَى نِسْيَانًا، وَالْوُسْطَى شَرْطًا، وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا [الكهف: 73]{قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا *} [الكهف: 74]{لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا [الكهف: 77]{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ} قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ.

 

هذه الترجمة معقودة لبيان أن الشروط مع الناس بالقول بدون كتابة ولا إشهاد تَنْفُذ، واستدل بقصة موسى مع الخضر؛ لأن موسى شرط للخضر فقال: [الكهف: 76]{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي}، فالتزم الخضر بالشرط وفارقه.

}2728{ قوله: «كَانَتْ الأُْولَى نِسْيَانًا» من موسى عليه السلام؛ لأن موسى رحل إلى الخضر في طلب العلم ـ وموسى أفضل من الخضر ومع ذلك رحل إليه يطلب العلم، لأن العلم قد يكون عند المفضول وليس عند الفاضل ـ وقال له: [الكهف: 66]{هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا *}. فهذا تواضع من موسى عليه السلام، فقال الخضر: [الكهف: 67]{قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *}.

وفي الحديث: أنه قال: «أنا على علم من عند الله علمنيه وأنت لا تعلمه وأنت على علم من عند الله علمكه لا أعلمه» [(826)]، فقال موسى: [الكهف: 69]{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا}، فوافق الخضر واشترط على موسى شرطًا فقال له: [الكهف: 70]{فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا *}. فانطلقا وكانا يمشيان على الساحل فمرت سفينة فأشار الخضر إليها فعرفوا الخضر ولم يعرفوا موسى فأركبوهما بدون أجرة. فلما ركبا السفينة قام الخضر وأخذ الفأس وجعل يضرب السفينة ليخرقها فلم يصبر موسى وقال: [الكهف: 71]{أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا}، فقال له الخضر: [الكهف: 72-73]{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا *} فكانت الأولى نسيانًا من موسى عليه السلام.

قوله: «وَالْوُسْطَى شَرْطًا» ، وهي المسألة الثانية، وجاءت أشد وأعظم، فبينما هما يمشيان وجدا غلامًا يمشي في الساحل فأخذه وفرك رأسه، ففصل الرأس عن الجسد فانزعج موسى انزعاجًا عظيمًا وقال: سبحان الله [الكهف: 74-75]{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا *قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *}، فشرط عليه الشرط ـ وهذا هو الشاهد للترجمة ـ فقال: [الكهف: 76]{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي}.

قوله: «وَالثَّالِثَةُ عَمْدًا» وهي أنهما مرَّا على قرية واستضافا هذه القرية فلم يضيفوهما، فرأى الخضر جدارًا يكاد أن ينهدم فأقامه بدون أجرة، فقال له موسى: هؤلاء ناس لئام كيف تعمل عندهم بدون أجرة، فقال الخضر: [الكهف: 78]{هَذَا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}، أي: عملاً بمقتضى الشرط لَمّا أخلفه موسى ولم ينكر موسى ذلك.

قوله: «قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ» ، وقراءة حفص [الكهف: 79]{وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا *} ووراءهم معناها: أمامهم.

  الشُّرُوطِ فِي الْوَلاَءِ

}2729{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي، فَقَالَتْ: إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ وَيَكُونَ وَلاَؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إِلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ: فَأَبَوْا عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فَقَالَتْ: إِنِّي قَدْ عَرَضْتُ ذَلِكِ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْوَلاَءُ لَهُمْ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم؛ فَقَالَ: «خُذِيهَا، وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ؛ فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ»، فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ، ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّاسِ، فَحَمِدَ اللَّهَ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ! مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».

 

هذه الترجمة للشروط في الولاء، والولاء: عصوبة سببها نعمة المعتق على رقيقه بالعتق.

}2729{ سبق هذا الحديث في تراجم متعددة لأن المؤلف يستنبط منه كثيرًا من الأحكام.

قوله: «جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي» فيه: أن بريرة كاتبت أهلها على تسع أواق والأوقية: أربعون درهمًا؛ فيكون المجموع ستين وثلاثمائة درهم منجمة في كل سنة أربعون درهمًا وهذا دليل على جواز ما يسمى اليوم ببيع التقسيط، ومن أدلته أيضًا قوله تعالى: [البَقَرَة: 282]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ}، ولا يجوز الزيادة في بيع التقسيط ولا في أحد الأقساط إن تأخر عن الوفاء في القسط السنوي أو الشهري، فإن كان معسرًا وجب إنظاره؛ لقوله تعالى: [البَقَرَة: 280]{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}، وإن كان مماطلاً ألزم بالوفاء من قبل الحاكم وإلا فسخ العقد، وبعض الناس يزيد عليه في القسط إذا تأخر وهذا حرام، ولا يجوز أن يبيع عليه سلعة أخرى بنقد ليوفيه دينه الأول فإن هذا قلب الدين على المعسر، فبعض الناس يصير له دين عشرة آلاف على شخص مؤجلة إلى رمضان مثلاً، فإذا جاء رمضان قال: أوفني قال: ما عندي شيء قال: أبيعك سلعة ثانية باثني عشر ألفًا، فيشتري منه السلعة بالأجل باثني عشر ألفًا فيبيعها نقدًا بعشرة فيوفيها إياه عن الدين الأول وبقي عليه الدين الثاني فهذا ربًا، وهذا قلب الدين على المعسر، وهو لا يجوز، وهذا ما يسميه العامة بالتصحيح.

وفيه: أن عائشة رضي الله عنها قد يكون عندها في بعض الأحيان مال؛ ولهذا قالت: «إِنْ أَحَبُّوا أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ» ، وفي اللفظ الآخر: «أن أصب لهم صبًّا» [(827)]، وبعض الأحيان لا يكون عندها شيء حتى إن الفقيرة تأتي تسأل ولا تجد تمرة في بيت النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ!» ، فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسمي فلم يقل: ما بال بني فلان، بل يأتي بكلام عام وهذا من أدبه صلى الله عليه وسلم وهو القائل صلى الله عليه وسلم فيما يروى عنه: «أدبني ربي فأحسن تأديبي» [(828)] قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : «المعنى صحيح، لكن لا يعرف له إسناد ثابت» [(829)].

قوله: «قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» ، فيه: دليل على بطلان الشروط التي تخالف مقتضى العقد والتي تخالف أن يكون الولاء للمعتق.

  إِذَا اشْتَرَطَ فِي الْمُزَارَعَةِ إِذَا شِئْتُ أَخْرَجْتُكَ

}2730{ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مَرَّارُ بْنُ حَمُّويَهْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى أَبُو غَسَّانَ الْكِنَانِيُّ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا فَدَعَ أَهْلُ خَيْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ عُمَرَ قَامَ عُمَرُ خَطِيبًا فَقَالَ: إِنّ َرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَامَلَ يَهُودَ خَيْبَرَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَقَالَ: «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ»، وَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ خَرَجَ إِلَى مَالِهِ هُنَاكَ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ اللَّيْلِ فَفُدِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ، وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ، هُمْ عَدُوُّنَا وَتُهْمَتُنَا، وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ عُمَرُ عَلَى ذَلِكَ أَتَاهُ أَحَدُ بَنِي أَبِي الْحُقَيْقِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَعَامَلَنَا عَلَى الأَْمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟»، فَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ؛ قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَأَجْلاَهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ مَالاً وَإِبِلاً وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ.

رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَحْسِبُهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اخْتَصَرَهُ.

 

هذه الترجمة للشروط في المزارعة إذا اشترط وقال: «إِذَا شِئْتُ أَخْرَجْتُكَ» .

}2730{ قوله: «نُقِرُّكُمْ مَا أَقَرَّكُمْ اللَّهُ» ، وفي الرواية الأخرى ـ التي سبقت في قصة يهود خيبر: «نقركم على ذلك ما شئنا» [(830)]. فكان الشرط من النبي صلى الله عليه وسلم والتنفيذ من عمر رضي الله عنه؛ حيث أقرهم النبي صلى الله عليه وسلم في حياته وأقرهم أبو بكر في حياته ـ لأنه كان مشغولاً بالجهاد وحروب الردة ـ ثم أجلاهم عمر بهذا الشرط، وقد اعتدى اليهود على ابنه عبدالله، ففُدعت يداه ورجلاه.

وفي الحديث: دليل على أن المدة إذا لم تحدد في المزارعة أو المساقاة فلكل واحد منهما الفسخ متى شاء إذا صفى حسابه، وإن ذكرت مدة في العقد التُزِم بها.

قوله: «وَلَيْسَ لَنَا هُنَاكَ عَدُوٌّ غَيْرَهُمْ» ، فيه: دليل على أن العداوة تعتبر تهمة؛ ولهذا إذا وجد قتيل بين أعدائه يكون فيه القسامة للتهمة، مثل ما وُجد عبدالله بن سهل متشحطًا في دمه في خيبر فاعتبر هذا قسامة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته» قالوا: أمر لم نشهده كيف نحلف؟! قال: «فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم» ، قالوا: يا رسول الله قوم كفار؛ فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبله[(831)]؛ لأنه كره أن يبطل دمه، فدفع لهم مائة ناقة من بيت المال، فالقسامة معناها أن يوجد قتيل في محلة أو في حي أو في بلد وهناك لوث ـ أي: شيء يدل على التهمة كالعداوة أو يوجد شخص معه سكين قريبًا منه ولا يعرف بعينه ـ فيحلف خمسون من أولياء القتيل على شخص ويُدفع إليهم فإن نكلوا توجه الأيمان إلى الخصوم المتهمين.

فلما عزم عمر على إجلاء اليهود أتاه أحد بني أبي الحقيق من اليهود فقال: «أَتُخْرِجُنَا وَقَدْ أَقَرَّنَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، وَعَامَلَنَا عَلَى الأَْمْوَالِ، وَشَرَطَ ذَلِكَ لَنَا؟ فَقَالَ عُمَرُ: أَظَنَنْتَ أَنِّي نَسِيتُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَيْفَ بِكَ إِذَا أُخْرِجْتَ مِنْ خَيْبَرَ تَعْدُو بِكَ قَلُوصُكَ لَيْلَةً بَعْدَ لَيْلَةٍ؟»» قلوصك يعني: ناقتك، وهذا كان من عمر تذكيرًا له بما اشترطه عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من حقه في إجلائهم متى شاء ذلك.

قوله: «فَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ» . هذا من تعنت اليهود ومن إيذائهم للنبي صلى الله عليه وسلم وكلامهم في حقه صلى الله عليه وسلم، ولا يستغرب هذا من اليهود فإنهم كما قالوا: إن الله فقير وقالوا: يد الله مغلولة، فلا يستغرب أن يقولوا: هزيلة من محمد صلى الله عليه وسلم، يعني: ليس من باب الجد وإنما من باب الهزل.

قوله: «فَقَالَ: كَانَتْ هَذِهِ هُزَيْلَةً مِنْ أَبِي الْقَاسِمِ؛ قَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَأَجْلاَهُمْ عُمَرُ، وَأَعْطَاهُمْ قِيمَةَ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ الثَّمَرِ مَالاً وَإِبِلاً وَعُرُوضًا مِنْ أَقْتَابٍ وَحِبَالٍ» ، فخرجوا وتوجهوا إلى الشام.

وسبب إخراجهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد لهم مدة، ولما تذكر عمر ذلك أجلاهم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَقَدْ رَأَيْتُ إِجْلاَءَهُمْ، فَلَمَّا أَجْمَعَ» ، أي: عزم، وقال أبو الهيثم: أجمع على كذا أي: جمع أمره جميعًا بعد أن كان مفرقًا، وهذا لا يقتضي حصر السبب في إجلاء عمر إياهم، وقد وقع لي فيه سببان آخران:

أحدهما: رواه الزهري عن عبيدالله بن عبد الله بن عتبة قال: ما زال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يجتمع بجزيرة العرب دينان» ، فقال: من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له، وإلا فإني مجليكم. فأجلاهم. أخرجه ابن أبي شيبة وغيره[(832)].

ثانيهما: رواه عمر بن شبة في «أخبار المدينة» [(833)] من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال: «لما كثر العيال ـ أي: الخدم ـ في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر» . ويحتمل أن يكون كل من هذه الأشياء جزء علة في إخراجهم» اهـ.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد