الإِْشْهَادِ فِي الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ
}2762{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رضي الله عنهم أَخَا بَنِي سَاعِدَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا.
}2762{ هذا حديث سعد السابق وهو أن أمه ماتت وهو غائب فتصدق عنها ببستانه المخراف، وأعاده المؤلف في هذه الترجمة لاستنباط الحكم، وهو مشروعية الإشهاد في الوقف والصدقة؛ لقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ صَدَقَةٌ عَلَيْهَا» .
ويحتمل أن المراد بالشهادة الشهادة المعتبرة، ويحتمل أن يكون معناها الإعلام، واستدل بعض العلماء بالإشهاد على الوقف بقوله تعالى: [البَقَرَة: 282]{وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} فإذا أمر بالإشهاد في البيع وله عوض فلأن يُشهد في الوقف الذي لا عوض له من باب أولى.
وكأن البخاري أراد دفع التوهم عمن يظن أن الوقف من أعمال البر فيندب إخفاؤه، فبين أنه يشرع إظهاره حتى لا يحصل فيه نزاع ولاسيما بين الورثة.
 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [النِّسَاء: 2-3]{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ولاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا *وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا *}
}2763{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها [النِّسَاء: 3]{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قَالَتْ: هِيَ الْيَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا، فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا، فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ.
قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل [النِّسَاء: 127]{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} قَالَتْ: فَبَيَّنَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الآْيَةِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا بِإِكْمَالِ الصَّدَاقِ فَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالْتَمَسُوا غَيْرَهَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا الأَْوْفَى مِنْ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا.
هذه الترجمة في تفسير آية النساء وهي قوله تعالى: [النِّسَاء: 2-3]{وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ ولاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا *وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا *} ففي هذه الآيات أمر الله تعالى بإيتاء اليتامى أموالهم، ونهى الولي أن يتبدل الخبيث بالطيب، والباء تدخل على المتروك، يعني: يترك الطيب ويأخذ بدله الخبيث، فالطيب هو ماله والخبيث هو مال اليتيم، وسمي خبيثا؛ لأنه لا يحل له ـ كأن يكون اليتيم عنده شاة مثلا، فيبدل الولي شاة اليتيم الثمينة والكبيرة ويجعل بدلها شاة هزيلة.
قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} أي: أموال اليتامى {إِلَى أَمْوَالِكُمْ} إلى بمعنى مع، فالمعنى مع أموالكم، يعني: لا تضموا أموال اليتامى إلى أموالكم، {إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} يعني: ذنبا كبيرا، ثم قال سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ} يعني: إن خفتم أيها الأولياء {أَلاَّ تُقْسِطُوا} يعني: تعدلوا {فِي الْيَتَامَى} يعني: في النساء اليتيمات اللاتي بلغن سن النكاح {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} هذه الآية فسرتها السيدة عائشة في الحديث التالي.
}2763{ فسرت عائشة رضي الله عنها في هذا الحديث الآية السابقة، فحين سألها عروة بن الزبير عن هذه الآية: [النِّسَاء: 3]{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} قالت: «هِيَ الْيَتِيمَةُ فِي حَجْرِ وَلِيِّهَا» ، وقد يكون وليها مثلاً ابن عمها، فإذا بلغت سن النكاح، فإن كانت جميلة فإنه يتزوجها، وإن كانت دميمة فإنه يتركها ويزوجها غيره.
قوله: «فَيَرْغَبُ فِي جَمَالِهَا وَمَالِهَا وَيُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِأَدْنَى مِنْ سُنَّةِ نِسَائِهَا» ، يعني: ينقصها من الصداق، فإذا كان يُدفع لمثلها عشرة يدفع لها ثمانية؛ لأنها يتيمة وليس لها من يطالب بحقها وهو وليها.
قوله: «فَنُهُوا عَنْ نِكَاحِهِنَّ إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهُنَّ فِي إِكْمَالِ الصَّدَاقِ، وَأُمِرُوا بِنِكَاحِ مَنْ سِوَاهُنَّ مِنْ النِّسَاءِ. قَالَتْ عَائِشَةُ: ثُمَّ اسْتَفْتَى النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل [النِّسَاء: 127]{وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} قَالَتْ: فَبَيَّنَ اللَّهُ فِي هَذِهِ الآْيَةِ أَنَّ الْيَتِيمَةَ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَمَالٍ رَغِبُوا فِي نِكَاحِهَا وَلَمْ يُلْحِقُوهَا بِسُنَّتِهَا بِإِكْمَالِ الصَّدَاقِ فَإِذَا كَانَتْ مَرْغُوبَةً عَنْهَا فِي قِلَّةِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ تَرَكُوهَا وَالْتَمَسُوا غَيْرَهَا مِنْ النِّسَاءِ قَالَ: فَكَمَا يَتْرُكُونَهَا حِينَ يَرْغَبُونَ عَنْهَا فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَنْكِحُوهَا إِذَا رَغِبُوا فِيهَا إِلاَّ أَنْ يُقْسِطُوا لَهَا الأَْوْفَى مِنْ الصَّدَاقِ وَيُعْطُوهَا حَقَّهَا» . والمعنى: كما أن اليتيمة إذا كانت قليلة المال والجمال لا يرغب فيها الولي ولا يتزوجها فكذلك إذا كانت كثيرة المال وكانت ذات جمال وأراد أن يتزوجها فلابد أن يعطيها صداقها كاملاً كما يُعطى أمثالُها.
 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [النِّسَاء: 6-7]{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا *لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا *}
ُ ً ء {! ! ِ يَعْنِي: كَافِيًا.
وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ.
}2764{ حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ الأَْشْعَثِ حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ حَدَّثَنَا صَخْرُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ تَصَدَّقَ بِمَالٍ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ يُقَالُ لَهُ: ثَمْغٌ وَكَانَ نَخْلاً فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي اسْتَفَدْتُ مَالاً وَهُوَ عِنْدِي نَفِيسٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ، وَلاَ يُورَثُ، وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ»، فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ، فَصَدَقَتُهُ تِلْكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي الرِّقَابِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلِذِي الْقُرْبَى، وَلاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ.
}2765{ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قَالَتْ: أُنْزِلَتْ فِي وَالِي الْيَتِيمِ أَنْ يُصِيبَ مِنْ مَالِهِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا بِقَدْرِ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ.
هذه الترجمة في تفسير هذه الآية: [النِّسَاء: 6]{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا *}، يعني: واختبروا اليتامى ـ جمع يتيم: وهو الذي فقد أباه وهو صغير دون البلوغ ـ وهذا خطاب لأولياء اليتامى أن يختبروهم إذا بلغوا قبل أن يدفعوا إليهم أموالهم، وذلك بأن يسمح لليتيم بأن يتصرف في شيء قليل من المال، حتى ينظر هل يحسن التصرف أم لا، فإن رآه يحسن التصرف دفع إليه ماله، ثم قال سبحانه: {وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا} سماه الله إسرافا؛ لأن من الإسراف أكل المال بالباطل، وسماه الله بدارا؛ لأنه مسابقة لليتيم قبل أن يبلغ فيطالب بحقه، ثم قال سبحانه: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} يشهد عليه حتى لا يحصل إنكار في المستقبل {وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} ثم قال سبحانه: [النِّسَاء: 7]{لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا *}. وهذه الآية مجملة بينتها آية الفرائض.
قوله: « ُ ً ء {! ! ِ يَعْنِي: كَافِيًا» ، يعني: معناها كافيًا.
وقوله: «وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَعْمَلَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْهُ بِقَدْرِ عُمَالَتِهِ» ، يعني: الولي إذا كان يعمل في مال اليتيم وينميه فإنه يأكل بقدر العمل إذا كان فقيرًا، أما إذا كان غنيًا فالأولى أن يستعفف، والأولى أن يفرض الحاكم لولي اليتيم شيئًا بقدر العمالة ـ حتى لا يأخذ شيئا زائدًا عن حقه ـ فيُخرِج هيئة تنظر في مقدار العمالة التي يعطاها من يشتغل في مال اليتيم.
}2764{ في الحديث وقف عمر رضي الله عنه وكان يقال له: ثمغ حيث قال له النبي صلى الله عليه وسلم: «تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لاَ يُبَاعُ، وَلاَ يُوهَبُ، وَلاَ يُورَثُ،» . وهذا هو الوقف «وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ» أي: الرَيْع، «فَتَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ، فَصَدَقَتُهُ تِلْكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي الرِّقَابِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَلِذِي الْقُرْبَى» أي: في خمسة أصناف، «وَلاَ جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ» .
وهذا هو الشاهد أن من يلي الوقف يأكل منه، فيقاس عليه ولي اليتيم.
قوله: «َوْ يُوكِلَ صَدِيقَهُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ بِهِ» ، يعني: غير متخذ مالاً فلا يتملك منه شيئًا، ولكن يأكل بنفسه ويوكل الصديق والضيف.
وفيه: الوقف والتراجم في الوصايا ووجه الدلالة كما قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال المهلب: شبه البخاري رحمه الله الوصي بناظر الوقف، ووجه الشبه: أن النظر للموقوف عليهم من الفقراء وغيرهم كالنظر لليتامى» اهـ.
}2765{ قالت عائشة في تفسير الآية [النِّسَاء: 6]{وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}: نزلت في ولي اليتيم أن يصيب من ماله إذا كان محتاجًا بقدر عمله في ماله بالمعروف، وإن كان غنيًا فعليه أن يستعفف ويتبرع بالعمل.
 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا *}
}2766{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الْمَدَنِيِّ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ».
هذه الترجمة فيها الوعيد الشديد على من أكل مال اليتيم، وأنه مرتكب لكبيرة ومتوعد بالنار، قال الله تعالى: [البَقَرَة: 181]{فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ}.
}2766{ قوله: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» ، يعني: المهلكات، وسميت موبقات؛ لأنها توبق صاحبها في الإثم ثم في النار.
والسبعة الموبقات هي: «الشِّرْكُ بِاللَّهِ» ، فصاحبه يخلد في النار، ثم «السِّحْرُ» وهو نوع من الشرك بالله، فالساحر الذي يتصل بالشياطين كافر، ثم «قَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ» ، ثم «أَكْلُ الرِّبَا» ، ثم «أَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ» ، وهذا هو الشاهد للترجمة، ثم «التَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ» يعني: الفرار من الصف حين التحام القتال بين المسلمين والكفار؛ لأنه إذا فر من الصف خذل إخوانه، فعليه الوعيد الشديد، ولأنه إذا وقف في الصف صار الجهاد عليه فرضا، ثم «قَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ» ، والغافلة: هي التي لا يخطر ببالها فاحشة فيقذفها بالفاحشة، فهذا من الموبقات العظيمة، ومثله قذف الرجل المحصن الغافل.
 قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
[البَقَرَة: 220]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأََعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ *}
{لأََعْنَتَكُمْ} لَأَحْرَجَكُمْ وَضَيَّقَ {وَعَنَتِ} خَضَعَتْ.
}2767{ وَقَالَ لَنَا سُلَيْمَانُ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: مَا رَدَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَحَدٍ وَصِيَّةً.
وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَحَبَّ الأَْشْيَاءِ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ أَنْ يَجْتَمِعَ إِلَيْهِ نُصَحَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ فَيَنْظُرُوا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَهُ.
وَكَانَ طَاوُسٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْيَتَامَى قَرَأَ [البَقَرَة: 220]{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}.
وَقَالَ عَطَاءٌ فِي يَتَامَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ: يُنْفِقُ الْوَلِيُّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِهِ مِنْ حِصَّتِهِ.
البخاري رحمه الله نوَّع التراجم، فأتى بتراجم في اليتيم؛ لأن حكم مال الوصية حكم مال اليتيم؛ فالوصية مقيسة عليه.
قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:: [البَقَرَة: 220]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ}»، {عَنِ الْيَتَامَى}» ، يعني: عن أموالهم، وسبب نزول هذه الآية أنه لما نزل قول الله تعالى: [النِّسَاء: 10]{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا} تحرج أولياء اليتامى، فعزلوا طعام اليتامى عن طعام أولادهم ففسد؛ فوجدوا حرجًا ومشقة فرخص لهم الله تعالى فقال: {وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ} فلا بأس أن يخلط مال اليتيم مع مال أولاده، وكل يأكل بقدره، ويغتفر إذا أكل أحدهم أكثر أو أقل، مثل ما يحصل في السفر ـ ويسمى النهد ـ عندما يضع كل واحد من المسافرين شيئا من النقود ثم يشترون طعاما ويأكلون، فبعضهم يأكل أكثر من بعض، وهذا مما يتسامح فيه، فكذلك خلط مال اليتيم مع مال أولاده إذا حصل نقص أو زيادة شيئا يسيرًا فإنه يغتفر ما دام قصد الإصلاح؛ أما إذا كان الإنسان قصده الإفساد ويتعمد أن يأخذ من مال اليتيم فالله يعلم المفسد من المصلح [البَقَرَة: 220]{وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لأََعْنَتَكُمْ}، أي: لو شاء الله لشق عليكم، ولكن الله سبحانه وتعالى لطف بعباده ورفع عنهم الحرج، فأباح لأولياء اليتامى أن يخلطوا مال اليتامى مع مال أولادهم ما دام قصدهم الإصلاح والتحري، وفسر المؤلف بعض الكلمات بقوله: «و [طه: 111]{وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا *}: خَضَعَتْ» .
}2767{ قوله: «وَقَالَ لَنَا سُلَيْمَانُ:» سليمان هذا من شيوخ البخاري، لكن هذه الصيغة يأتي بها إما لأنه موقوف عليه أو لأنه كان في المذاكرة.
قوله: «مَا رَدَّ ابْنُ عُمَرَ عَلَى أَحَدٍ وَصِيَّةً» ، يعني: إذا أوصى إليه أحد وصية لم يردها، وقصده من ذلك الاحتساب والأجر.
قوله: «وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ أَحَبَّ الأَْشْيَاءِ إِلَيْهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ أَنْ يَجْتَمِعَ إِلَيْهِ نُصَحَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ فَيَنْظُرُوا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ لَهُ» يعني: يحب النصيحة في مال اليتيم فإذا اجتمع إليه نصحاؤه وأولياؤه نظروا في الذي هو خير، وأشاروا عليه بالذي هو خير.
ولا مانع من أن يعمل الوصي في مال اليتيم بالتجارة وغيرها وهو أمر مطلوب حتى لا تأكله الصدقة، وذلك إذا أحسن في ماله وجنبه الأخطار، ويغرم الوصي إذا تعرض مال اليتيم للخسارة وكان مفرطًا.
قوله: «وَكَانَ طَاوُسٌ إِذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْيَتَامَى قَرَأَ: [البَقَرَة: 220]{وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}» يعني: إذا كان ولي اليتيم قصده الإصلاح فلا حرج عليه فيما يعمل في مال اليتيم، وإن كان قصده الإفساد وإضاعة مال اليتيم فعليه الوعيد الشديد.
قوله: «وَقَالَ عَطَاءٌ فِي يَتَامَى الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ: يُنْفِقُ الْوَلِيُّ عَلَى كُلِّ إِنْسَانٍ بِقَدْرِهِ مِنْ حِصَّتِهِ» ، يعني: الولي ينفق على كل إنسان بقدر حاجته من نصيبه من المال.
 اسْتِخْدَامِ الْيَتِيمِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ
إِذَا كَانَ صَلاَحًا لَهُ وَنَظَرِ الأُْمِّ وَزَوْجِهَا لِلْيَتِيمِ
}2768{ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُالْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَأَخَذَ أَبُو طَلْحَةَ بِيَدِي، فَانْطَلَقَ بِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ، فَلْيَخْدُمْكَ، قَالَ: فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، مَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ: لِمَ صَنَعْتَ هَذَا هَكَذَا؟ وَلاَ لِشَيْءٍ لَمْ أَصْنَعْهُ: لِمَ لَمْ تَصْنَعْ هَذَا هَكَذَا.
}2768{ في الحديث: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع كياسة أنس رضي الله عنه، فهو كيس فطن يلاحظ حاجة النبي صلى الله عليه وسلم ولا يتأخر، فليس مغفلاً ولا مهملاً؛ ولهذا خدمه عشر سنين ما قال له النبي صلى الله عليه وسلم لشيء صنعه: لم فعلت هذا؟ ولا قال لشيء لم يفعله: لم لم تفعل هذا؟
والمؤلف استدل بهذا الحديث على نظر الأم وزوجها لليتيم؛ لأن أنسا مات أبوه فتزوج أبو طلحة أمه، فأخذ أبو طلحة بيده وانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «إِنَّ أَنَسًا غُلاَمٌ كَيِّسٌ، فَلْيَخْدُمْكَ» ، وكأن أم أنس ـ وهي أم سليم ـ هي التي أذنت لأبي طلحة، فهي وزوجها أبو طلحة نظرا في حال اليتيم ورأيا أن المصلحة أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله: «فَخَدَمْتُهُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ» ، فيه: أنه لا بأس باستخدام اليتيم في السفر وفي الحضر إذا رأت الأم أو زوجها مصلحة في ذلك.
 إِذَا وَقَفَ أَرْضًا وَلَمْ يُبَيِّنْ الْحُدُودَ
فَهُوَ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ
}2769{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ مَالاً مِنْ نَخْلٍ أَحَبُّ مَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ قَالَ أَنَسٌ: فَلَمَّا نَزَلَتْ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ فَقَالَ: «بَخْ! ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ ـ أَوْ رَايِحٌ، شَكَّ ابْنُ مَسْلَمَةَ ـ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الأَْقْرَبِينَ»، قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَفْعَلُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ مَالِكٍ: «رَايِحٌ».
}2770{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنَّ لِي مِخْرَافًا، وَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا.
هذه الترجمة عقدها المؤلف لبيان أنه إذا وقف أرضا ولم يبين الحدود فهو جائز، فإذا كانت حدود الأرض معلومة مشهورة فلا بأس، وإن لم تكن معروفة وجب عليه بيان حدودها حتى لا يحصل اشتباه.
}2769{ استدل المؤلف رحمه الله بحديث أنس في قصة تصدق أبي طلحة ببستانه بيرحاء، حيث قال: «وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا» . وهذا هو الشاهد للترجمة حيث تصدق أبو طلحة ببيرحاء، ولم يبين حدودها، وقد يكون هذا لأنه في زمن النبوة ليس هناك مشاحة في الأراضي، وقد تكون أرضًا بيضاء فيها هذه الحديقة وليس لها حدود ولا جدران؛ فلهذا استدل المؤلف بهذه القصة على أنه لا بأس بأن يوقف أرضًا وإن لم يبين الحدود، لأنه تصدق بها ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل: أين حدودها؛ لأن النبي كان يعرفها ويشرب من ماء فيها طيب.
قوله: «بَخْ!» تعظيم لهذا الشيء. «ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ» من الربح.
قوله: «أَوْ رَايِحٌ» يعني: رايح عليك ثوابه، أو ضائع عليك إن لم تنفقه في طاعة.
}2770{ قوله: «أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أُمَّهُ تُوُفِّيَتْ أَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنَّ لِي مِخْرَافًا» المخراف بستان دنا قطاف ثماره في وقت الخريف.
قوله: «وَأُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا» ، أي: تصدق بهذا البستان عن أمه التي توفيت، ولم يذكر حدوده؛ فلا بأس أن يتصدق بشيء لم يحدد إذا كان مشهورًا ومعلومًا، ثم بعد ذلك تُبين الحدود.
وجاء في لفظ آخر أن الرجل الذي تصدق هو سعد بن عبادة، حيث قال: «إن أمي توفيت وأنا غائب عنها» [(868)]، وذلك في ترجمة: «بَاب الإِْشْهَادِ فِي الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ» .
 إِذَا أَوْقَفَ جَمَاعَةٌ أَرْضًا مُشَاعًا فَهُوَ جَائِزٌ
}2771{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنهقَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: «يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا؟» قَالُوا: لاَ وَاللَّهِ، لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ.
قوله: «إِذَا أَوْقَفَ جَمَاعَةٌ أَرْضًا مُشَاعًا فَهُوَ جَائِزٌ» كأن يقفوا أرضًا لهم مشاعًا مسجدًا أو مقبرة فلا بأس.
والبخاري رحمه الله كأنه أراد بهذا الرد على من أنكر وقف المشاع، فلا بأس أن يوقف الإنسان المشاع الذي بينه وبين غيره، وقد تقدم ذلك في ترجمة: «إِذَا تَصَدَّقَ أَوْ أَوْقَفَ بَعْضَ مَالِهِ، أَوْ بَعْضَ رَقِيقِهِ أَوْ دَوَابِّهِ فَهُوَ جَائِزٌ» .
والمؤلف قال: «إِذَا أَوْقَفَ جَمَاعَةٌ» ، فاحترز به عن الواحد، فلو وقف واحد مشاعًا فإن ذلك فيه خلاف، فإذا كان جماعة لهم أرض ثم وقفوها فليس هناك إشكال، لكن لو أن خمسة لهم أرض ووقف واحد منهم نصيبه مشاعا فهل يصح؟ فيه خلاف، فالإمام مالك[(869)] لا يجيز ذلك وقال: لأنه يدخل الضرر على الشريك.
}2771{ استدل المؤلف بهذا الحديث وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر ببناء مسجده قال: «يَا بَنِي النَّجَّارِ، ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا؟» ، يعني: اطلبوا ثمنه، فقالوا: «لاَ وَاللَّهِ، لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ» ، فتصدقوا به، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطعت، وكان فيه قبور للمشركين فنبشت، وخربات فسويت فجعل مسجده صلى الله عليه وسلم فيه.
والشاهد من الحديث قوله: « لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ» ، فإن ظاهره أنهم تصدقوا بالأرض لله عز وجل وهي مشاع، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ففيه دليل على جواز وقف المشاع، ومن أنكر وقف المشاع فالحديث فيه رد عليه.