شعار الموقع
شعار الموقع

شرح كتاب الجهاد والسير من صحيح البخاري (56-9)

00:00

00:00

تحميل
60

  عَزْمِ الإِْمَامِ عَلَى النَّاسِ فِيمَا يُطِيقُونَ

}2964{ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ رَجُلاً مُؤْدِيًا نَشِيطًا يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا، فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ إِلاَّ أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلاَّ مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَنْ يَزَالَ بِخَيْرٍ مَا اتَّقَى اللَّهَ، وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلاً فَشَفَاهُ مِنْهُ، وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ! وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنْ الدُّنْيَا إِلاَّ كَالثَّغْبِ شُرِبَ صَفْوُهُ وَبَقِيَ كَدَرُهُ.

 

هذه الترجمة من دقائق تراجم الإمام البخاري رحمه الله، واستنباطاته العظيمة ودقة فهمه.

قوله: «عَزْمِ الإِْمَامِ عَلَى النَّاسِ» يعني: أمره الجازم الذي لا تردد فيه؛ يعني: إذا أمر الناس بشيء، وعزم عليهم، ثم قيده المؤلف رحمه الله بقوله: «فِيمَا يُطِيقُونَ» ، يعني: أمر الإمام على الناس محله فيما يطيقونه؛ أي: وجوب طاعة الإمام في الأمر الذي يأمرهم به، بشرط أن يكون هذا الأمر في استطاعتهم وطاقتهم.

}2964{ قوله: «عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه» ، هو: عبدالله بن مسعود رضي الله عنه؛ لأن أبا وائل شقيق بن سلمة من أصحاب عبدالله بن مسعود رضي الله عنه.

قوله: «لَقَدْ أَتَانِي الْيَوْمَ رَجُلٌ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرٍ مَا دَرَيْتُ مَا أَرُدُّ عَلَيْهِ» ؛ فإذا كان هذا هو ابن مسعود رضي الله عنه ما عرف الجواب وتوقف؛ فيستفاد منه التوقف في الإفتاء فيما أشكل من الأمر.

قوله: «أَرَأَيْتَ» أي: أرأيت يا ابن مسعود «رَجُلاً مُؤْدِيًا» ، يعني: كامل الأداة في الحرب «نَشِيطًا يَخْرُجُ مَعَ أُمَرَائِنَا فِي الْمَغَازِي» ، يعني: يخرج في الحرب مع الأمراء في الجهاد والمغازي «فَيَعْزِمُ عَلَيْنَا فِي أَشْيَاءَ لاَ نُحْصِيهَا» ، يعني: يأمرنا الأمير بأشياء لا نطيقها، وقيل: المعنى: لا ندري أهي طاعة أم معصية؟

قوله: «فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَكَ» إذا كان هذا هو عبدالله بن مسعود رضي الله عنه الصحابي الجليل قد توقف في الجواب؛ فكيف الآن بكثير من الناس الذين صارت إليهم الفتوى يتلاعبون بها؟ وصار كل الناس يتجرأ على الفتوى، يفتي بما يشاء في الصحف، وفي القنوات الفضائية، ويفتي أنصاف المتعلمين والجهال بلا مبالاة! ولهذا قال العلماء: إذا تقاعس العالم أن يقول لا أدري فقد أصيبت مقاتله.

قوله: «إِلاَّ أَنَّا كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَسَى أَنْ لاَ يَعْزِمَ عَلَيْنَا فِي أَمْرٍ إِلاَّ مَرَّةً حَتَّى نَفْعَلَهُ» يعني: أننا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر بالأمر مرة واحدة فننفذه.

قوله: «وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلاً فَشَفَاهُ مِنْهُ» المعنى: أن مِن تقوى الله عز وجل أن لا يقدم المرء على ما يشك فيه حتى يبحث، أو يسأل مَن عنده علم؛ فيدله على ما فيه شفاؤه؛ لأن «شفاء العي السؤال» [(181)]، ولحديث: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» [(182)]، يعني: دع ما تشك فيه إلى ما لا تشك فيه.

وبعض الناس الآن يفعل الفعل أولاً ولا يبالي، ثم بعد ذلك إذا وجد وقت فراغ ذهب يسأل عنه! وإن لم يكن فراغ لا يبالي بشيء، وهذا يدل على مدى الانتكاس الذي وقع فيه الكثير من الناس، نسأل الله عز وجل السلامة والعافية.

قوله: «وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ!» يعني: يقرب ألا تجدوا هذا الذي يشفيكم ويجيبكم على السؤال الذي يشكل عليكم.

سبحان الله! إذا كان هذا في زمان القرن الأول ـ فابن مسعود رضي الله عنه مات قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ـ فكيف بأهل القرن الخامس عشر؟! وما حصل من الأمور العظيمة، والفتن التي وقعت في هذا الزمان، والتي تجعل الحليم حيرانًا، والمسائل التي حصل فيها التباس شديد بين الحق والباطل، وتوقف كثير من أهل العلم فيها؛ فصدق ابن مسعود رضي الله عنه: «وَأَوْشَكَ أَنْ لاَ تَجِدُوهُ!» .

قوله: «وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا أَذْكُرُ مَا غَبَرَ مِنْ الدُّنْيَا إِلاَّ كَالثَّغْبِ شُرِبَ صَفْوُهُ وَبَقِيَ كَدَرُهُ» أقسم رضي الله عنه بأنه ما يذكر ما مضى من أيام الدنيا عليه من عمره إلا «كَالثَّغْبِ» ، والثغب: بمثلثة مفتوحة ومعجمة ساكنة، ويجوز فتحها، قال القزاز: وهو أكثر، وهو الغدير يكون في ظل فيبرد ماؤه ويروق، وقيل: هو ما يحتفره السيل في الأرض المنخفضة فيصير مثل الأخدود فيبقى الماء فيه فتصفقه الريح فيصير صافيًا باردًا، وقيل: هو نقرة في صخرة يبقى فيها الماء كذلك، فشبه ما مضى من الدنيا بما شرب من صفوه، وما بقي منها بما تأخر من كدره، وإذا كان هذا في زمان ابن مسعود رضي الله عنه ـ وقد مات هو قبل مقتل عثمان رضي الله عنه ـ ووجود تلك الفتن العظيمة؛ فماذا يكون اعتقاده فيما جاء بعد ذلك، وهلم جرا؟!.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «لاَ نُحْصِيهَا» ، أي: لا نطيقها؛ لقوله تعالى: [المُزّمل: 20]{عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} وقيل: لا ندري أهي طاعة أم معصية؟ والأول مطابق لما فهم البخاري رحمه الله فترجم به، والثاني موافق لقول ابن مسعود رضي الله عنه: «وَإِذَا شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ سَأَلَ رَجُلاً فَشَفَاهُ مِنْهُ» ؛ أي: من تقوى الله عز وجل أن لا يقدم المرء على ما يشك فيه حتى يسأل من عنده علم فيدله على ما فيه شفاؤه، وقوله: «شَكَّ فِي نَفْسِهِ شَيْءٌ» ؛ من المقلوب؛ إذ التقدير: وإذا شك نفسه في شيء، أو ضمن شك معنى لصق، والمراد بالشيء: ما يتردد في جوازه وعدمه، وقوله: «حَتَّى نَفْعَلَهُ» ، غاية لقوله: «لاَ يَعْزِمَ» ، أو للعزم الذي يتعلق به المستثنى؛ وهو: مرة. والحاصل: أن الرجل سأل ابن مسعود رضي الله عنه عن حكم طاعة الأمير، فأجابه ابن مسعود رضي الله عنه بالوجوب بشرط أن يكون المأمور به موافقًا لتقوى الله تعالى.

قوله: «مَا غَبَرَ» بمعجمة وموحدة مفتوحتين، أي: مضى؛ وهو من الأضداد يطلق على ما مضى وعلى ما بقي، وهو هنا محتمل للأمرين، قال ابن الجوزي رحمه الله: هو بالماضي هنا أشبه، كقوله: «مَا أَذْكُرُ» .

وفي الحديث: أنهم كانوا يعتقدون وجوب طاعة الإمام، وأما توقف ابن مسعود رضي الله عنه عن خصوص جوابه وعدوله إلى الجواب العام فللإشكال الذي وقع له من ذلك، وقد أشار إليه في بقية حديثه، ويستفاد منه التوقف في الإفتاء فيما أشكل من الأمر؛ كما لو أن بعض الأجناد استفتى أن السلطان عينه في أمر مخوف بمجرد التشهي وكلفه من ذلك ما لا يطيق، فمن أجابه بوجوب طاعة الإمام أشكل الأمر لما وقع من الفساد، وإن أجابه بجواز الامتناع أشكل الأمر لما قد يفضي به ذلك إلى الفتنة؛ فالصواب: التوقف عن الجواب في ذلك وأمثاله، والله الهادي إلى الصواب» .

فالشارح رحمه الله يقول: يستفاد منه التوقف في الإفتاء فيما أشكل من الأمر، ومثّل لهذا، وما أشبه الليلة بالبارحة، فكيف الحال الآن بالحروب وتجمع هؤلاء الكفرة؟!

وفي الحديث: أنه ينبغي للإنسان أن يقدر العلماء وأن يراعي أحوالهم، فإذا كان ابن مسعود رضي الله عنه توقف في هذا الأمر فينبغي للإنسان أن يلتمس العذر للعلماء، وكثير من الناس الآن يتكلم في العلماء ويغتابونهم ـ ولحوم العلماء مسمومة ـ حتى وصل بهم الحال إلى سبهم وتكفيرهم، وهذا مذهب الخوارج الذين يكفرون العلماء، وهذا من المصائب والبلاء، نعوذ بالله عز وجل من ذلك؛ فكيف يطلب العلم وهو يكفر العلماء؟! فالواجب على الإنسان أن يلتمس العذر للعلماء؛ لأن الزمان الآن زمان فتن، وقد يتوقف العالم حتى يتبين له الأمر ـ كما فعل ابن مسعود رضي الله عنه ـ وقد تلتبس الأمور العظيمة من الحروب والفتن على طلبة العلم وعلى كبار العلماء؛ فقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجمع العلماء من الصحابة رضي الله عنهم ويشاورهم في الأمر المشكل، ويتوقف الصديق رضي الله عنه؛ فكيف بنا الآن؟! كيف بالمبتدئين من الطلاب الذين يكفرون العلماء ويتكلمون في أعراضهم؟! ويعتنقون مذهب الخوارج في التكفير بالمعاصي، وهناك من يغتاب العلماء ويتكلم في أعراضهم ويقول: إنهم مقصرون وإنهم مداهنون وإنهم كذا، والغيبة من كبائر الذنوب؛ فقد قال الله تعالى: [الحُجرَات: 12]{وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}؛ حيث شبه الغيبة بأكل لحم الميت، هل يستطيع الإنسان أن يأكل لحم الميت؟! وكيف إذا كان هذا اللحم لحم إنسان؟! وكيف إذا كان هذا الإنسان أخاك المسلم؟! وكيف إذا كان عالمًا؟! عنده يكون الوزر أشد؛ فالواجب الحذر من غيبة العلماء؛ لأن غيبة العلماء والكلام في العلماء يؤدي إلى عدم الاستفادة منهم والأخذ من علمهم، فيحصل فجوة بين الناس وبين أهل العلم فلا يستفتونهم، وساعتها إلى من يذهب أولئك؟! من يسألون عن دينهم ما دام العلماء سُبُّوا وانصرف الناس عنهم.

تنبيه:

وجد الآن كثير من الشباب يقسمون الناس إلى أقسام، هذا فيه كذا، وفيه كذا، وفيه كذا، ويسبون ويكفرون، وهذا يأخذون منه وهذا لا يأخذون منه، فصارت أهواء، وصاروا شيعًا وأحزابًا؛ فالواجب على طالب العلم أن يحذر من هذا الأمر العظيم، ويحذر من الغيبة والنميمة، ويحذر من الكلام في العلماء والأمراء ويتأدب ويمسك لسانه؛ حتى لا يورده المهالك.

  كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا لَمْ يُقَاتِلْ أَوَّلَ النَّهَارِ

أَخَّرَ الْقِتَالَ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ

}2965{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَكَانَ كَاتِبًا لَهُ قَالَ: كَتَبَ إِلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما فَقَرَأْتُهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا انْتَظَرَ حَتَّى مَالَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا قَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ، لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ»، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَْحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ».

 

هذه الترجمة فيها بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقاتل أول النهار؛ لأن أول النهار فيه بركة كما في الحديث: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» [(183)]، وإذا لم يقاتل في أول النهار في بعض الأحيان أو تأخر عن أول النهار فإنه يؤخر القتال حتى تزول الشمس من منتصف السماء، يعني: بعد الظهر حتى تغرب الشمس؛ لأن الرياح تهب بعد الزوال فيحصل بها التبريد لحدة السلاح وللحر، وإزالة الآثار؛ فينزل النصر، وتفتح أبواب السماء.

}2965{ قوله: «أَيُّهَا النَّاسُ» ، وهذا خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين في هذا الوقت؛ لأنه رآهم يحتاجون للتوجيه والإرشاد.

قوله: «لاَ تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَسَلُوا اللَّهَ الْعَافِيَةَ» ؛ نهى صلى الله عليه وسلم عن تمني لقاء العدو، ولكن لماذا لا يتمنى الإنسان لقاء العدو، وقد ورد في فضل الجهاد أدلة كثيرة؟ والجواب: لأنه لا يدري هل يصبر أو لا يصبر، وأنه لا يدري ماذا أعد العدو له، ولا يدري لعله يفتن، أو لعله يفر؛ فالأمر عظيم ليس بالهين، ثم إن الإنسان يبذل أغلى ما يملكه وهي نفسه؛ فلذلك قال الله تعالى: [البَقَرَة: 216]{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ}، فينبغي للمؤمن أن يجاهد في سبيل الله عز وجل، ولكن لا يتمنى لقاء العدو، ويسأل الله عز وجل العافية، وإذا لقي العدو وجب عليه الصبر.

قال النووي رحمه الله[(184)]: «إنما نهى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب، والاتكال على النفس، والوثوق بالقوة، وهو نوع بغي، ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو واحتقاره، وهذا يخالف الاحتياط والحزم» .

قوله: «فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ ظِلاَلِ السُّيُوفِ» أي: أن القتال والجهاد تحت ظلال السيوف يؤدي إلى الجنة كما قال تعالى: [التّوبَة: 111]{فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ *}.

قوله: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ وَهَازِمَ الأَْحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ» ؛ وهذا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب، والكتاب: القرآن، والأحزاب: الكفرة الذين تحزبوا وتجمعوا؛ فينبغي على المسلم أن يجمع بين الأمرين بين الدعاء والتضرع إلى الله عز وجل؛ لأن الدعاء مستجاب عند القتال، وعند إعداد العدة والسلاح، وليصبر وليقاتل، وليعلم أن الجنة تحت ظلال السيوف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

  اسْتِئْذَانِ الرَّجُلِ الإِْمَامَ

لِقَوْلِهِ: [النُّور: 62]{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ} إِلَى آخِرِ الآْيَةِ.

}2967{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَتَلاَحَقَ بِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عَلَى نَاضِحٍ لَنَا قَدْ أَعْيَا فَلاَ يَكَادُ يَسِيرُ فَقَالَ لِي: «مَا لِبَعِيرِكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: عَيِيَ قَالَ: فَتَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَزَجَرَهُ وَدَعَا لَهُ فَمَا زَالَ بَيْنَ يَدَيْ الإِْبِلِ قُدَّامَهَا يَسِيرُ فَقَالَ لِي: «كَيْفَ تَرَى بَعِيرَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: بِخَيْرٍ قَدْ أَصَابَتْهُ بَرَكَتُكَ، قَالَ: «أَفَتَبِيعُنِيهِ؟» قَالَ: فَاسْتَحْيَيْتُ وَلَمْ يَكُنْ لَنَا نَاضِحٌ غَيْرُهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «فَبِعْنِيهِ» فَبِعْتُهُ إِيَّاهُ عَلَى أَنَّ لِي فَقَارَ ظَهْرهِ حَتَّى أَبْلُغَ الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي فَتَقَدَّمْتُ النَّاسَ إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى أَتَيْتُ الْمَدِينَةَ فَلَقِيَنِي خَالِي فَسَأَلَنِي عَنْ الْبَعِيرِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا صَنَعْتُ فِيهِ فَلاَمَنِي، قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ لِي حِينَ اسْتَأْذَنْتُهُ: «هَلْ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟» فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، فَقَالَ: «هَلاَّ تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلاَعِبُهَا وَتُلاَعِبُكَ»، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تُوُفِّيَ وَالِدِي أَوْ اسْتُشْهِدَ وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ مِثْلَهُنَّ فَلاَ تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلاَ تَقُومُ عَلَيْهِنَّ فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ غَدَوْتُ عَلَيْهِ بِالْبَعِيرِ، فَأَعْطَانِي ثَمَنَهُ، وَرَدَّهُ عَلَيَّ.

قَالَ الْمُغِيرَةُ: هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا.

 

هذه الترجمة في استئذان الرجل الإمام؛ لقول الله تعالى: [النُّور: 62]{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ}» ، فجعل الاستئذان ثالثًا للإيمان بالله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون هم الذين يؤمنون بالله عز وجل، ويؤمنون برسوله صلى الله عليه وسلم، ويستئذنونه إذا كانوا معه على أمر جامع، فلا يذهبون حتى يستأذنوه، والمراد بالأمر الجامع الطاعة التي يجتمعون عليها مثل الجمعة والنحر والفطر والجهاد وأشباه ذلك، وكانوا إذا اجتمعوا للجمعة يستئذنونه صلى الله عليه وسلم، ولا يخرج واحد منهم إلا باستئذان النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان في الجهاد.

وفيه: دليل على أن الإمام مخير في ذلك؛ فقد يأذن للبعض، ولا يأذن للبعض.

}2967{ قوله: «فَقَارَ ظَهْرهِ» ، يعني: الحمل الذي عليه.

وفي قصة بيع البعير ـ وقد سبقت مرات ـ من الفوائد:

1- جواز بيع وشراء الإمام من أحد الرعية إذا لم يكن فيه محاباة.

2- جواز المماكسة؛ يعني: يماكسه في السعر، ويقول: بعنيه بكذا وبكذا.

3- حُسْنُ القضاء بزيادة الثمن فإن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه ثم رده وأعطاه ثمنه.

4- جواز بيع وشرط؛ فجابر رضي الله عنه لما باع اشترط أن يوصل حمله للمدينة، واختلف في الشرط الخارج عن مقتضى العقد، أما لو اشترط أن يكون البيع صفته كذا وكذا، فهذا داخل في مقتضى العقد.

5- الحكمة في شراء النبي صلى الله عليه وسلم جمل جابر رضي الله عنه؛ وذلك ليزكو في نفسه بعدما أعياه وأتعبه في الأول.

6- علامة من علامات النبوة؛ وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم ضربه فسار سريعًا وتقدم الجيش.

7- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أعطاه البعير والثمن أراد أن يعلم الناس كيفية البيع والشراء؛ فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن بحاجة إليه.

قوله: «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي عَرُوسٌ فَاسْتَأْذَنْتُهُ فَأَذِنَ لِي» . هذا هو الشاهد أن جابرًا رضي الله عنه استأذنه صلى الله عليه وسلم.

وفي خبر تزوج جابر رضي الله عنه تفضيل البكر على الثيب، وأنه رضي الله عنه قدم مصلحة أخواته على مصلحة نفسه؛ لأنه لو أتى بجارية لصارت مثلهن، وتلعب معهن، ولا يستفيد أخواته منها؛ فلهذا قدم مصلحة أخواته على مصلحة نفسه رضي الله عنه.

قوله: «قَالَ الْمُغِيرَةُ: هَذَا فِي قَضَائِنَا حَسَنٌ لاَ نَرَى بِهِ بَأْسًا» ، يعني: أن هذا البيع بمثل هذا الشرط حسن في حكمنا به فلا بأس بمثله؛ لأنه أمر معلوم لا خداع ولا موجب للنزاع فيه.

  مَنْ غَزَا وَهُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسِهِ

فِيهِ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

هذه الترجمة إشارة للحديث السابق؛ فجابر رضي الله عنه غزا وكان حديث عهد بعرس.

 

مَنْ اخْتَارَ الْغَزْوَ بَعْدَ الْبِنَاءِ

فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

يشير في هذه الترجمة إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن بها، ولا أحد بنى بيوتًا ولم يرفع سقوفها» [(185)] يعني: ألا يتبعه من عقد على امرأة وهو يريد أن يدخل ولم يدخل؛ لأن نفسه قد تكون متعلقة بها؛ فيتشوف إليها، فلا ينبغي أن يجاهد حتى يدخل بامرأته فيزول ما في نفسه، وهذا هو الشاهد كذلك لا يتبعه من بنى بيوتًا وهو يريد أن يسقفها، يعني: لا يتبعه إلا من هو غير متعلق بشيء يشغله؛ فيكون فارغ البال؛ فالذي عقد على امرأة متشوف إلى الدخول بها وإلى الجماع، والذي عنده غنم أو إبل خلفات متشوفة نفسه إلى أن يرى أولادها، والذي بنى بيوتًا ولم يسقفها متشوف إلى أن يراها وهي مسقوفة متسقفة؛ فهؤلاء قد انشغلوا بهذه الأمور.

  مُبَادَرَةِ الإِْمَامِ عِنْدَ الْفَزَعِ

}2968{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي قَتَادَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ فَزَعٌ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا لأَِبِي طَلْحَةَ فَقَالَ: «مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا».

 

}2968{ سبق هذا الحديث وكرره المؤلف رحمه الله مرات، وهو ركوب النبي صلى الله عليه وسلم فرس أبي طلحة رضي الله عنه، وأنه ركبه وهو عُرْي وقال: «مَا رَأَيْنَا مِنْ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدْنَاهُ لَبَحْرًا» ، يعني: وجدناه واسع الجري؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم ـ وهو الإمام ـ بادر عند الفزع؛ ليُطَمْئِن الناس.

  السُّرْعَةِ وَالرَّكْضِ فِي الْفَزَعِ

}2969{ حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ سَهْلٍ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: فَزِعَ النَّاسُ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا لأَِبِي طَلْحَةَ بَطِيئًا ثُمَّ خَرَجَ يَرْكُضُ وَحْدَهُ فَرَكِبَ النَّاسُ يَرْكُضُونَ خَلْفَهُ فَقَالَ: «لَمْ تُرَاعُوا، إِنَّهُ لَبَحْرٌ»، فَمَا سُبِقَ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ.

 

هذه الترجمة للسرعة والركض عند الفزع.

}2969{ لما حصل فزع بالمدينة أسرع النبي صلى الله عليه وسلم وركب فرس أبي طلحة رضي الله عنه وكان فرسًا بطيئًا لكن لما ركبه صلى الله عليه وسلم صار سريعًا، فركب الناس يركضون خلفه فاستقبلهم وقد استبرأ الخبر وقال: «لَمْ تُرَاعُوا» ، يعني: ليس عليكم روع، ولا يوجد شيء يفزعكم، ثم قال: «إِنَّهُ لَبَحْرٌ» ، يعني: أن الفرس كان واسع الجري، فما سُبِق بعد ذلك اليوم.

 باب الخروج من الفزع وحده

 

قوله: «باب الخروج من الفزع وحده» ، ولم يذكر البخاري رحمه الله تحته حديثًا، وكأنه يشير إلى نفس الحديث السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في الفزع وحده وتقدم الناس، ثم لما جاءوا قابلهم وقد رجع وقال: «لم تراعوا، لم تراعوا» ، والشاهد منه أنه خرج وحده.

وفيه: دليل على شجاعته العظيمة صلى الله عليه وسلم.

  الْجَعَائِلِ وَالْحُمْلاَنِ فِي السَّبِيلِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قُلْتُ: لاِبْنِ عُمَرَ الْغَزْوَ، قَالَ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي، قُلْتُ: أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيَّ، قَالَ: إِنَّ غِنَاكَ لَكَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا ثُمَّ لاَ يُجَاهِدُونَ فَمَنْ فَعَلَهُ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ.

وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ: إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ.

}2970{ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ فَقَالَ زَيْدٌ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آشْتَرِيهِ، فَقَالَ: «لاَ تَشْتَرِهِ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ».

}2971{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لاَ تَبْتَعْهُ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ».

}2972{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَْنْصَارِيِّ قَالَ: حَدَّثنِي أَبُو صَالِحٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ، وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ حَمُولَةً وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ، ثُمَّ قُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ».

 

قوله: «الْجَعَائِلِ» جمع جعيلة، وهي ما يجعله القاعد من الأجرة لمن يغزو عنه؛ أي: هل يجوز للإنسان أن يجعل جُعلاً لشخص يغزو عنه وهو قاعد؟ وربما كان سبب قعوده عن الجهاد كبر السن، أو لأعذار أخرى.

قال الحافظ رحمه الله: «قال ابن بطال رحمه الله: إن أخرج الرجل من ماله شيئًا فتطوع به أو أعان الغازي على غزوه بفرس ونحوها فلا نزاع فيه، وإنما اختلفوا فيما إذا أجر نفسه أو فرسه في الغزو: فكره ذلك مالك رحمه الله، وكره أن يأخذ جعلاً على أن يتقدم إلى الحصن، وكره أصحاب أبي حنيفة رحمه الله الجعائل إلا إن كان بالمسلمين ضعف وليس في بيت المال شيء، وقالوا: إن أعان بعضهم بعضًا جاز لا على وجه البدل، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز أن يغزو بجعل يأخذه، وإنما يجوز من السلطان دون غيره؛ لأن الجهاد فرض كفاية فمن فعله وقع عن الفرض، ولا يجوز أن يستحق على غيره عوضًا انتهى» .

ثم قال الحافظ رحمه الله: «والذي يظهر أن البخاري رحمه الله أشار إلى الخلاف فيما يأخذه الغازي: هل يستحقه بسبب الغزو فلا يتجاوزه إلى غيره، أو يملكه فيتصرف فيه بما شاء؟ كما سيأتي بيان ذلك» .

قوله: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: قُلْتُ: لاِبْنِ عُمَرَ الْغَزْوَ» ، يعني: عليك بالغزو، أو أريد الغزو والجهاد، «قَالَ:» ، يعني: ابن عمر رضي الله عنهما لمجاهد رحمه الله: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُعِينَكَ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِي» يعني: أحب أن أعينك بشيء من المال تغزو به وتجاهد، «قُلْتُ: أَوْسَعَ اللَّهُ عَلَيَّ» ، أي: قال مجاهد رحمه الله: أوسع الله علي؛ فليس لي حاجة أن تعطيني مالاً، بل أجاهد من مالي، «قَالَ: إِنَّ غِنَاكَ لَكَ وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ مَالِي فِي هَذَا الْوَجْهِ» ، أي: قال ابن عمر: أنت غني فاجعل غناك لك، ولكني أحب أن يكون شيء من مالي في سبيل الله عز وجل؛ فهذا دليل على أن ابن عمر رضي الله عنهما يرى أنه لا بأس بأن يعطي مجاهدًا رحمه الله شيئًا من المال ليستعين به على وجه من وجوه الخير، وهو الجهاد في سبيل الله عز وجل.

قوله: «وَقَالَ عُمَرُ: إِنَّ نَاسًا يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا الْمَالِ لِيُجَاهِدُوا ثُمَّ لاَ يُجَاهِدُونَ فَمَنْ فَعَلَهُ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِمَالِهِ حَتَّى نَأْخُذَ مِنْهُ مَا أَخَذَ» . يقول عمر رضي الله عنه: إن ناسًا يعطون مالاً ليجاهدوا ثم لا يجاهدون، فهؤلاء إما أن يجاهدوا، وإما أن نأخذ المال منهم.

قوله: «وَقَالَ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ: إِذَا دُفِعَ إِلَيْكَ شَيْءٌ تَخْرُجُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ وَضَعْهُ عِنْدَ أَهْلِكَ» فيه: أنهما يريان جواز أخذ الجعائل، وأجازا لمن أخذها أن يتصرف فيها كما يحب، وليست مقصورة على إنفاقها في إعداد العدة للجهاد فقط، بل إذا دفع إنسان مالاً لرجل مجاهد يعينه به على الجهاد فله أن يصنع به ما شاء، كأن يضعه عند أهله ولا حرج عليه، ولكن يحمل هذا إذا خرج للجهاد، وأما إذا لم يخرج فإنه يؤخذ منه كما قال عمر رضي الله عنه.

 

}2970{، }2971{ قوله: «حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» وفي الطريق الثاني: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، يعني: مَلّكه إياه ليجاهد به في سبيل الله عز وجل.

قوله: «فَرَأَيْتُهُ يُبَاعُ» . فهذا الرجل أراد أن يبيع الفرس، فلما رآه عمر رضي الله عنه يبيع الفرس في السوق أراد أن يشتريه.

قوله: «فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم آشْتَرِيهِ» . هذا أسلوب استفهام، وأصلها أأشتريه؟ فأبدلت الهمزة ألفًا مع المد؛ يعني: سأل عمرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: هل يحل لي أن أشتريه؟

قوله: «فَقَالَ: «لاَ تَشْتَرِهِ» ، وفي الرواية الثانية: «لا تبتعه» ، وهما بمعنًى.

قوله: «وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ» ؛ وفي اللفظ الآخر: «وإن أعطاكه بدرهم؛ فإن الذي يعود في صدقته كالكلب يعود في قيئه» [(186)]، ومعلوم أن عمر أعطاه وملكه إياه، ولما أراد أن يشتريه بماله أمره صلى الله عليه وسلم ألا يشتريه؛ لأنه خرج من ماله وسمحت به نفسه في سبيل الله عز وجل فلا يصلح له أن يعود إليه؛ لأنه إذا عاد إليه لابد أن تتعلق به نفسه، ولأن الذي أعطاه إياه قد يسامح في بعض القيمة حياءً منه فيعتبر رجوعًا منه في الصدقة، وفي لفظ آخر: «فأضاعه صاحبه فظننت أنه بائعه برخص ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال لا تبتعه» [(187)]، والحديث شاهد لترجمة البخاري رحمه الله.

 

}2972{ قوله: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا تَخَلَّفْتُ عَنْ سَرِيَّةٍ» فيه: فضل الجهاد في سبيل الله عز وجل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يغزو أحيانًا، وأحيانًا أخرى يرسل سرية، والسرية هي قطعة من الجيش تخرج للجهاد في سبيل الله عز وجل، ويُؤمِّر النبي صلى الله عليه وسلم عليها واحدًا من المسلمين، وأما الغزوة فهي التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه للغزو، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن يخرج مع كل سرية، ولكن يمنعه من الخروج أن الصحابة رضي الله عنهم إذا خرج الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه فسيخرجون كلهم معه؛ لأنهم لا يريدون أن يفارقوه، ومنهم من عنده مال يتجهز به للجهاد، ومنهم من ليس عنده مال يتجهز به، ولا عنده ما يحمل عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم ما عنده شيء يحملهم، والصحابة رضي الله عنهم يشق عليهم أن يتخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول صلى الله عليه وسلم يشق عليه ما يشق عليهم.

قوله: «وَلَكِنْ لاَ أَجِدُ حَمُولَةً وَلاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ وَيَشُقُّ عَلَيَّ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِّي» ، يعني: لا يجد راحلة يحملهم عليها، وإنه ليشق عليه صلى الله عليه وسلم أن يتخلفوا عنه.

قوله: «وَلَوَدِدْتُ أَنِّي قَاتَلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقُتِلْتُ، ثُمَّ أُحْيِيتُ ثُمَّ قُتِلْتُ ثُمَّ أُحْيِيتُ» ، مرتين، وفي اللفظ الآخر: «وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل، ثم أحيا، ثم أقتل، ثم أحيا، ثم أقتل» [(188)] ثلاث مرات، ولو يعلم الشهيد ما عند الله عز وجل لتمنى أن يقتل عشر مرات.

وفيه: فضل الجهاد في سبيل الله عز وجل وفضل الشهادة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ووجه دخول قصة فرس عمر رضي الله عنه من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر المحمول عليه على التصرف فيه بالبيع وغيره فدل على تقوية ما ذهب إليه طاوس من أن للآخذ التصرف في المأخوذ» ؛ لأن عمر رضي الله عنه أعطى شخصًا فرسًا يجاهد به وهذا الشخص باعه ولم يقاتل به، وهذا يدل على أن الإنسان يتصرف فيما أعطي؛ فإذا أعطيت شخصًا مالاً ليغزو به فإن طاوسًا رحمه الله يرى أنه لا بأس أن يغزو به أو لا يغزو، وبعض العلماء يرون أنه يجب عليه أن يغزو به.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال ابن المنير: كل من أخذ مالاً من بيت المال على عمل إذا أهمل العمل يرد ما أخذ، وكذا الأخذ على عمل لا يتأهل له» . فالموظف الذي ينتقص من الساعات من أول الدوام إلى آخره يجب عليه أن يرد مقابل الساعات التي أهملها، وكذا الآخذ على عمل لا يتأهل له ـ أي: ليس أهلاً له ـ ينبغي أن يرد هذا المال الذي أخذ، وهذا كلام عظيم لابن المنير رحمه الله ينبغي أن يكتب في المساجد؛ حتى يعلم الموظفون والعمال وغيرهم من الذين يهملون في الأعمال وينتقصون من وقت الدوام أنه ينبغي أخذ الأجرة منهم، وردّها إلى أهلها.

  الأَْجِيرِ

وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يُقْسَمُ لِلأَْجِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ.

وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ فَبَلَغَ سَهْمُ الْفَرَسِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ فَأَخَذَ مِائَتَيْنِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مِائَتَيْنِ.

}2973{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزْوَةَ تَبُوكَ فَحَمَلْتُ عَلَى بَكْرٍ فَهُوَ أَوْثَقُ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي، فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا فَقَاتَلَ رَجُلاً، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا الآْخَرَ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، وَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَهْدَرَهَا، فَقَالَ: أَيَدْفَعُ يَدَهُ إِلَيْكَ فَتَقْضَمُهَا كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ

 

هذه الترجمة عقدها المؤلف رحمه الله لبيان حكم الأجير في الغزو والجهاد؛ هل يجوز أن يستأجر الإنسان أجيرًا سواء كان هذا الأجير للخدمة أو للقتال؟ وهل يقسم لهذا الأجير من الغنيمة إذا قاتل وإذا خدم، أو لا يقسم له؟

هذه مسألة خلافية بين أهل العلم؛ ولهذا لم يجزم المؤلف رحمه الله فيها بالحكم، وإن كان المؤلف رحمه الله أشار قول الجمهور ـ وهو الصواب ـ أن الأجير للخدمة أو للقتال يقسم له.

وقول الجمهور هو الذي دل عليه الحديث كما سيأتي، وأما الاستئجار في الغزو بأن يؤجر نفسه أو يؤجر فرسه فقد سبق ذكر الخلاف فيه في الباب السابق، وأن الشافعي رحمه الله[(189)] لم يُجز الاستئجار في الغزو، أو أن يبيع الإنسان غزوه.

وأما مالك رحمه الله[(190)] وأصحاب أبي حنيفة رحمه الله[(191)] فقالوا بالكراهة؛ لأنه قد يكون محتاجًا فيؤجر نفسه أو فرسه، فيقسم له في أصح قولي العلماء.

وإذا غزا لأخذ أجرة ممن استأجره، أو يؤجر فرسه مثلاً أو مركوبه كما في العصر الحاضر من السيارت والمدرعات أو الأسلحة؛ هل يكون له أجر في الجهاد؟ هذا على حسب نيته، كما أن المجاهد الذي خرج للجهاد طوعًا بدون أجرة هو على حسب نيته؛ فإن كان قصده إعلاء كلمة الله عز وجل فله أجر المجاهدين، وإن كان قصده الدنيا أو الشهرة أو الرياء فله نيته، كما جاء في الحديث: «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله عز وجل» [(192)].

قوله: «وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ: يُقْسَمُ لِلأَْجِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ» فيه: إشارة إلى اختيار المؤلف رحمه الله.

قوله: «وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ» ، أي: على نصف ما يحصل عليه للفرس من الغنيمة؛ فيكون نصفًا بينه وبين صاحب الفرس، ولما قسمت الغنائم بلغ سهم الفرس أربعمائة دينار؛ فأخذ مائتين وأعطى صاحب الفرس مائتين.

فهذه الآثار كلها تؤيد ما ذهب إليه المصنف رحمه الله من أنه يقسم له.

 

}2973{ الشاهد من الحديث: هو إقرار النبي صلى الله عليه وسلم يعلى بن أمية رضي الله عنه على استئجار أجير له في الجهاد.

وفيه: دليل على أن من اعتدى على شخص فعض يده، ثم نزع المعضوض يده من فمه فسقطت ثناياه؛ فذلك هدر ولا دية له؛ لأنه هو المعتدي، وهو الظالم، ولا دية للمعتدي.

قوله: «فَاسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا فَقَاتَلَ رَجُلاً» ، وفي لفظ آخر: أن الذي قاتل هو يعلى رضي الله عنه[(193)]، والمقاتَلة هي المدافعة، وليس كالذي يقاتل بالسلاح كما جاء في الحديث الآخر: «إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله؛ فإنما هو شيطان» [(194)].

  مَا قِيلَ فِي لِوَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

}2974{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثنِي اللَّيْثُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ الْقُرَظِيُّ أَنَّ قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ الأَْنْصَارِيَّ رضي الله عنه وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرَادَ الْحَجَّ فَرَجَّلَ.

}2975{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَْكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ رضي الله عنه تَخَلَّفَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي خَيْبَرَ وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ عَلِيٌّ، فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا فِي صَبَاحِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ، أَوْ قَالَ: لَيَأْخُذَنَّ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ: يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ» فَإِذَا نَحْنُ بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ.

}2976{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ لِلْزُّبَيْرِ رضي الله عنهما: هَا هُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ.

 

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله لبيان اللواء؛ وهو: الراية، ويطلق عليهما الآن العَلَم، وهو الذي يأخذه قائد الجيش أو أحد الجند، ويكون فيه علامة على المسلمين المجاهدين؛ فيرجعون إليه.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «اللواء: بكسر اللام والمد، هي الراية، ويسمى أيضًا: العلم، وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش، ثم صارت تحمل على رأسه. وقال أبو بكر بن العربي: اللواء غير الراية؛ فاللواء: ما يعقد في طرف الرمح ويلوى عليه، والراية: ما يعقد فيه ويترك؛ حتى تصفقه الرياح.

وقيل: اللواء دون الراية، وقيل: اللواء العلم الضخم، والعلم: علامة لمحل الأمير، يدور معه حيث دار، والراية يتولاها صاحب الحرب.

وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم بالألوية، وأورد حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض[(195)]، ثم ترجم للرايات، وأورد حديث البراء رضي الله عنه الذي قال في راية رسول الله صلى الله عليه وسلم: كانت سوداء مربعة من نمرة[(196)]، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: كانت رايته سوداء ولواؤه أبيض؛ أخرجه الترمذي وابن ماجه[(197)]، وأخرج الحديث أبو داود والنسائي أيضًا[(198)]، ومثله لابن عدي[(199)] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولأبي يعلى[(200)] من حديث بريدة رضي الله عنه، وروى أبو داود من طريق سماك، عن رجل من قومه، عن آخر منهم: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء[(201)].

ويجمع بينها باختلاف الأوقات، وروى أبو يعلى عن أنس رفعه: «إن الله عز وجل أكرم أمتي بالألوية» [(202)]؛ إسناده ضعيف» . انتهى، والمقصود أن اللواء والعلم والراية كلها متقاربة المعنى.

}2974{ قوله: «وَكَانَ صَاحِبَ لِوَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» هذا هو الشاهد، وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحمل اللواء في الحروب؛ لأن اللواء يرجع الناس إليه وينظرون إليه، وهو دليل على بقائهم، وإذا سقط فقد يكون سبب الهزيمة.

قوله: «فَرَجَّلَ» يعني: رجل شعره.

 

}2975{ في الحديث: إعطاء علي رضي الله عنه الراية يوم خيبر، وأنه تخلف بسبب الرمد الذي أصاب عينيه، ثم بعد ذلك لم يصبر وقال: «أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» أي: لا يمكن أن أتخلف، فخرج رضي الله عنه وهو أرمد يقاد بسبب الرمد الذي في عينيه، «فَلَحِقَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا فِي صَبَاحِهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ، أَوْ قَالَ: لَيَأْخُذَنَّ غَدًا رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ: يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .

وفيه من الفوائد:

1- إثبات المحبة لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته؛ خلافًا لمن أنكر صفة المحبة كالأشاعرة وغيرهم، ويفسرون المحبة بالإرادة، وأحيانًا يفسرونها بالإثابة أو بغيرها، والحق هو إثبات المحبة لله عز وجل كما يليق بجلاله وعظمته.

2- أن الناس تطاولوا لإعطاء الراية لا محبة في الإمارة ولكن محبة في الوصف المذكور، لعلهم أن ينالوا هذه المحبة فكل واحد يتمناها، ومن المعلوم أن كل مؤمن يحب الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكن كون النبي صلى الله عليه وسلم ينص على شخص معين بأنه يحبه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ويحب الله ورسوله فهذا الذي يتطلع إليه الناس ويتطاولون له، وفي هذه الرواية جاء «يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ قَالَ: يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» وسيأتي قريباً بالجمع بينهما بالواو و «يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» .

3- فيه دليل على نفاذ القضاء والقدر، وقد بينت الروايات الأخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال: «أين علي؟ فقيل يشتكي عينيه، فبصق في عينيه ودعا له فبرأ» [(203)]. فمن قدر الله عز وجل له شيئًا فسيأتيه ما قدر له، والرسول صلى الله عليه وسلم ترك القريبين منه وأعطاها رجلاً بعيدًا أرمد، وهذا عجيب، لكن هذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك بوحي من الله تعالى.

4- إثبات معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاءه علي رضي الله عنه فبصق النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه فبرأ كأن لم يصبه وجع، ثم فتح الله عز وجل عليه.

5- أن الراية تعطى لأمير الجيش لقوله: «لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ» وهو الشاهد من الحديث للترجمة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال الطبري: في حديث علي رضي الله عنه أن الإمام يُؤَمّر على الجيش من يوثق بقوته وبصيرته ومعرفته» .

 

}2976{ قوله: «هَا هُنَا أَمَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ تَرْكُزَ الرَّايَةَ» . فيه: استحباب اتخاذ الألوية في الحرب، وأن اللواء يكون مع الأمير أو من يقيمه لذلك عند الحرب؛ لأن اللواء علامة على النصر أو الهزيمة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال المهلب: وفي حديث الزبير رضي الله عنه أن الراية لا تركز إلا بإذن الإمام؛ لأنها علامة على مكانه فلا يتصرف فيها إلا بأمره» .

ويشهد لهذه الترجمة أيضًا حديث أنس رضي الله عنه: «أخذ الراية زيد فأصيب ثم أخذها جعفر فأصيب ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان، ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة فَفُتح له» ، الحديث[(204)]، ويأتي تمام شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى.

  قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ

وَقَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: [آل عِمرَان: 151]{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} قَالَهُ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}2977{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَْرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي»، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا.

}2978{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللَّهِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّ هِرَقْلَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ وَهُمْ بِإِيلِيَاءَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ كَثُرَ عِنْدَهُ الصَّخَبُ فَارْتَفَعَتْ الأَْصْوَاتُ وَأُخْرِجْنَا فَقُلْتُ: لأَِصْحَابِي حِينَ أُخْرِجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَْصْفَرِ.

 

هذا النصر على الصحيح يكون للرسول صلى الله عليه وسلم، ولأتباعه أيضًا من الخلفاء والولاة والحكام المجاهدين العادلين؛ لأن المقصود نصر دين الله تعالى، وهذا واقع عرفه التاريخ، وكثير من الحروب الإسلامية التي خاضها المسلمون سواء في الصدر الأول من القرون الأولى، أو بعد هذه القرون ضد المرتدين والكفار واليهود والنصارى، كان هؤلاء يخافون من المسلمين بسبب ما ألقاه الله عز وجل في قلوبهم من الرعب من مسيرة شهر.

}2977{ قوله: «بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ» ؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «القرآن؛ فإنه تقع فيه المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة، وكذلك يقع في الأحاديث النبوية الكثير من ذلك» .

قوله: «وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ» ، يعني: نصرت بالرعب الذي يلقى في قلوب الأعداء، والرعب سلاح قوي للمسلمين؛ لأنه إذا ألقى الله عز وجل في قلوب العدو الرعب؛ فإذا كان عندهم القوات الهائلة فسينهزمون؛ لأن الرعب ينافي شجاعة القلب التي هي من أسباب النصر، فتجد الذي في قلبه رعب لا يستطيع أن يواجه خصومه، ويفر من المعركة، وإن كان معه أقوى الأسلحة والعتاد، أو كان عظيم الجثة، وربما كان المسلم قصير القامة صغيرًا، وقليل العدة والعتاد، ولكن عنده قلب شجاع، ومصدر شجاعته إيمانه بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.

قوله: «فَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ» فيه: أن رؤيا الأنبياء حق.

قوله: «أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأَْرْضِ فَوُضِعَتْ فِي يَدِي» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «المراد منها ما يفتح لأمته من بعده من الفتوح، وقيل: المعادن» .

قوله: «قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: توفي وذهب إلى ربه عز وجل.

قوله: «وَأَنْتُمْ تَنْتَثِلُونَهَا» ، يعني: تستخرجونها، وتستفيدون منها؛ فجاءت الخزائن في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وجيء بخزائن كسرى وقيصر، وصارت الأمة تنتثلها وتستخرجها وتستفيد منها وتنفقها في سبيل الله عز وجل، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه على أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم الناصرين لدينه سبحانه وتعالى.

وفيه: علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم إذ وقع ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من الفتوحات التي حصلت من بعده لأمته ولأصحابه رضي الله عنهم، وأتي بمفاتيح خزائن كسرى وقيصر، وبسواري كسرى في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

 

}2978{ في الحديث: قصة أبي سفيان رضي الله عنه الطويلة، ولكن ذكرها المصنف رحمه الله هنا مختصرة، وكان هذا قبل إسلام أبي سفيان رضي الله عنه عندما جاء هرقلَ كتابُ النبي صلى الله عليه وسلم، فطلب من كان من العرب في الشام، فوجد أبا سفيان رضي الله عنه وأصحابه، فجاءوا بهم وسألوه الأسئلة المتقدمة، ثم قرأ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه: «من محمد عبدالله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، وأسلم يؤتك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين، و [آل عِمرَان: 64]{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ *}» [(205)].

قوله: «لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ» أي: عظم أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأبو كبشة أحد أجداد النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعيرونه به، وهذا بجهلهم بسبب بغضهم للنبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الأَْصْفَرِ» بنو الأصفر هم: الروم النصارى، أي: ألقى الله عز وجل الخوف في قلب ملك بني الأصفر، مع كونه رئيسًا لدولة عظيمة العدد والعدة.

  حَمْلِ الزَّادِ فِي الْغَزْوِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [البَقَرَة: 197]{وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى}.

}2979{ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي وَحَدَّثَتْنِي أَيْضًا فَاطِمَةُ عَنْ أَسْمَاءَ رضي الله عنها، قَالَتْ: صَنَعْتُ سُفْرَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُهَاجِرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، قَالَتْ: فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ؛ فَقُلْتُ: لأَِبِي بَكْرٍ وَاللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إِلاَّ نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِيهِ بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ وَبِالآْخَرِ السُّفْرَةَ، فَفَعَلْتُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد