شعار الموقع

شرح كتاب الجهاد والسير من صحيح البخاري (56-10)

00:00
00:00
تحميل
132

}2980{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَْضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ.

}2981{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنِي بُشَيْرُ بْنُ يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ وَهِيَ أَدْنَى خَيْبَرَ فَصَلَّوْا الْعَصْرَ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالأَْطْعِمَةِ فَلَمْ يُؤْتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ بِسَوِيقٍ فَلُكْنَا فَأَكَلْنَا وَشَرِبْنَا، ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا وَصَلَّيْنَا.

}2982{ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ رضي الله عنه قَالَ: خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ، فَقَالَ: مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ» فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ».

 

هذه الترجمة في حمل الزاد في غزو الكفار، وجهادهم في سبيل الله عز وجل، والمقصود من الترجمة بيان أنه لا بأس بحمل الزاد في الغزو، وأنه ليس منافيًا للتوكل على الله عز وجل، وأنه من الأسباب التي حث عليها الشرع، والآية الكريمة تؤيد هذا المعنى.

}2979{ ذكر فيه المصنف رحمه الله: قصة هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة بصحبة أبي بكر رضي الله عنه، وأنه لما أراد أن يهاجر أخذ السفرة وأخذ السقاء والزاد.

قوله «فَلَمْ نَجِدْ لِسُفْرَتِهِ وَلاَ لِسِقَائِهِ مَا نَرْبِطُهُمَا بِهِ» ، يعني: ما وجدت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما وكاء تربطهما به؛ فقالت أسماء رضي الله عنها لأبي بكر رضي الله عنه: «وَاللَّهِ مَا أَجِدُ شَيْئًا أَرْبِطُ بِهِ إِلاَّ نِطَاقِي، قَالَ: فَشُقِّيهِ بِاثْنَيْنِ فَارْبِطِيهِ بِوَاحِدٍ السِّقَاءَ وَبِالآْخَرِ السُّفْرَةَ، فَفَعَلْتُ فَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ ذَاتَ النِّطَاقَيْنِ» . والنطاق هو: الحبل الذي تشد به المرأة وسطها؛ ليرتفع به ثوبها عند المهنة والخدمة والعمل، وهي رضي الله عنها لم تجد لسفرة النبي صلى الله عليه وسلم ولا لسقائه ما تربطهما به؛ فشقت نطاقها نصفين: نصف للسقاء، والآخر للسفرة؛ فسميت ذات النطاقين.

وفيه: منقبة لأسماء رضي الله عنها.

 

}2980{ قوله: «كُنَّا نَتَزَوَّدُ لُحُومَ الأَْضَاحِيِّ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَةِ» . فيه: مشروعية التزود، وأنه لا ينافي التوكل على الله عز وجل، والمراد بالأضاحي هنا: الهدايا التي تذبح في مكة في وقت الحج، كهدايا المتمتعين والقارنين.

وفيه: جواز التزود باللحم من مكة وأكله قديدًا في الطريق أو في بلده، ولا بأس للحاج أن يذبح هديه بمكة، ولابد أن يكون الذبح داخل الحرم، وإذا ذبحه فله أن يأخذ من اللحم ما يتزود به، ويخرج به خارج مكة، ويأكله في الطريق أو في بلده قديدًا أو في الثلاجة الآن، والأضاحي في الغالب تطلق على ما يذبح في الأمصار والبلدان أيام العيد، وأما الهدايا فتطلق على ما يذبح في مكة، وربما أطلق عليها اسم الأضاحي أيضًا، لكن الأغلب أن ما يذبح في الأمصار يسمى ضحايا، والذي يذبح في مكة يسمى هدايا، وقد يطلق اسم أحدهما على الآخر.

 

}2981{ هذا الحديث فيه مشروعية حمل الزاد في الغزو؛ وذلك أنهم عند غزوة خيبر حملوا السويق، وهو طعام من الحب المحموس كالذرة أو الشعير أو البر، يحمس فيكون سويقًا.

قوله: «ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا وَصَلَّيْنَا» فيه: دليل على أنه لا يجب الوضوء مما مسته النار، والسويق مسته النار، وكان في أول الإسلام يجب الوضوء مما مسته النار، ثم نسخ ذلك كما في حديث جابر رضي الله عنه: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار[(206)]، وقيل: إنه نسخ الوجوب وبقي الاستحباب، وقيل: إنه نسخ بالكلية، والأقرب أن الاستحباب باقٍ، فإذا شرب مرقًا أو شرب قهوة أو أكل لحمًا فيستحب له الوضوء، ولحم الغنم يستحب الوضوء منه أيضًا ولكنه لا يجب كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، وينبغي أن يمضمض حتى يزول ما في الأسنان وما في الفم من الدسومة، وما يعلق بها، أما لحم الإبل فيجب الوضوء منه.

 

}2982{ قوله: «خَفَّتْ أَزْوَادُ النَّاسِ وَأَمْلَقُوا» ، يعني: افتقروا وانتهت الأزواد والأطعمة التي معهم فأشكل عليهم الأمر، «فَأَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَحْرِ إِبِلِهِمْ» ، يعني: قالوا: يا رسول الله، ما عندنا شيء؛ أفننحر الإبل ونأكل؟ «فَأَذِنَ لَهُمْ» النبي صلى الله عليه وسلم رحمة بهم، «فَلَقِيَهُمْ عُمَرُ فَأَخْبَرُوهُ» فقال: لا، ما هذا برأي، «مَا بَقَاؤُكُمْ بَعْدَ إِبِلِكُمْ؟» فالإبل هي الرواحل التي تحملكم؛ فإذا ذبحتموها ما بقي لكم رواحل، «فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا بَقَاؤُهُمْ بَعْدَ إِبِلِهِمْ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» يعني: أشار عليه برأي: آخر؛ فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأيه، فقال: «نَادِ فِي النَّاسِ يَأْتُونَ بِفَضْلِ أَزْوَادِهِمْ» أي: مرهم أن يأتوا بكل ما معهم من الأزواد، كل واحد يأتي بما معه، ويجمعونه في مكان على نطع، «فَدَعَا وَبَرَّكَ عَلَيْهِ» ، فكثر الله عز وجل هذا الزاد، «ثُمَّ دَعَاهُمْ بِأَوْعِيَتِهِمْ فَاحْتَثَى النَّاسُ حَتَّى فَرَغُوا» ، يعني: ملؤوا جميع الأوعية من الطعام؛ فقد كثر الله عز وجل هذا الطعام بسبب بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل قدرة الله عز وجل العظيمة وأنه على كل شيء قدير؛ وقد قال الله سبحانه: [يس: 82]{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ *}، وهو من دلائل النبوة، ومعجزات النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِلله» .

وفيه: أن ظهور المعجزة مما يؤيد الرسالة.

وفيه: أن المفضول يشير على الفاضل فيما يراه مصلحة، وكذلك التابع يشير على متبوعه، ولا يحقر نفسه.

وفيه: أن الرئيس والفاضل يأخذ بإشارته إذا رآه وجيها.

وفيه: اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيما لا وحي فيه؛ فيجتهد في بعض الأحيان في الشيء الذي لا يوحى إليه فيه، وقد يُقرّه الوحي وقد لا يُقره؛ فقد أمرهم صلى الله عليه وسلم أولاً بنحر إبلهم لما طلبوا منه ذلك اجتهادًا منه، ثم لما أشار عليه عمر رضي الله عنه منعهم، وذلك مثل ما رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقوم يُلَقِّحون النخل، فقال: «لو لم تفعلوا لصلح» ، قال: فخرج شيصًا، فمر بهم فقال: «ما لنخلكم» قالوا: قلت كذا وكذا، قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» [(207)].

  حَمْلِ الزَّادِ عَلَى الرِّقَابِ

}2983{ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا، فَفَنِيَ زَادُنَا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً، قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِاللَّهِ وَأَيْنَ كَانَتْ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنْ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا، حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ، فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا.

 

قوله: «بَاب حَمْلِ الزَّادِ عَلَى الرِّقَابِ» يعني: عند تعذر حمله على المركوب من الدواب وغيرها في الغزو؛ فإذا تعذر الحمل على المركوب فلا بأس أن يحمل الغازي زاده على رقبته، وهذا يعتبر من تحمل المشاق، وله أجره في ذلك، ولا عيب فيه.

}2983{ قوله: «خَرَجْنَا وَنَحْنُ ثَلاَثُ مِائَةٍ نَحْمِلُ زَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا» ، فمن الواجب الصبر في الجهاد، وحمل الزاد على الرقاب عند الحاجة إليه فهذا من الصبر، والمجاهد يصبر ويحمل زاده على رقبته، ويتحمل المشاق والجراح، ويحتسب أجره عند الله تعالى.

قوله: «فَفَنِيَ زَادُنَا حَتَّى كَانَ الرَّجُلُ مِنَّا يَأْكُلُ فِي كُلِّ يَوْمٍ تَمْرَةً، قَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا عَبْدِاللَّهِ وَأَيْنَ كَانَتْ التَّمْرَةُ تَقَعُ مِنْ الرَّجُلِ؟ قَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ فَقَدْنَاهَا» ، يعني: لما انتهت عرفنا قيمتها، ووجدنا فقدها، وجاء في اللفظ الآخر: «يعطينا تمرة تمرة، قال: فقلت: كيف كنتم تصنعون بها؟ قال: نمصها كما يمص الصبي، ثم نشرب عليها من الماء فتكفينا يومنا إلى الليل، وكنا نضرب بعصينا الخبط، ثم نبله بالماء فنأكله» [(208)] حتى تقرحت شفاههم، هكذا يكون الصبر على الجهاد، والمصابرة والتحمل، فمع قلة ذات اليد لكنهم صبروا ونشروا دين الله عز وجل وجاهدوا في سبيل الله عز وجل فأفلحوا، ثم بعد ذلك رزقهم الله عز وجل؛ قال: «حَتَّى أَتَيْنَا الْبَحْرَ فَإِذَا حُوتٌ قَدْ قَذَفَهُ الْبَحْرُ» ، وهذا الحوت من بعيد كأنه الجبل من ضخامته، ويسمى العنبر، قذفه البحر فمات، قال: «فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا مَا أَحْبَبْنَا» ، وفي اللفظ الآخر أنه قال: «فأقمنا عليه شهرًا ـ ونحن ثلاثمائة ـ حتى سمنا» [(209)].

والحديث هكذا اختصره البخاري رحمه الله هنا، وعند غيره بلفظ: «أخذ منا أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلاً فأقعدهم في وقب عينه، وأخذ ضلعًا من أضلاعه فأقامها ثم رحل أعظم بعير معنا فمر من تحتها، وتزودنا من لحمه وشائق» [(210)]، وهذا يدل على عظمه، وهذا رزق رزقهم الله عز وجل إياه بعدما أصابهم من الشدة والجوع، والحوت حيوان بحري؛ فحلال أكل ميتته كما هو معلوم[(211)].

  إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ أَخِيهَا

}2984{ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الأَْسْوَدِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ؟ فَقَالَ لَهَا: «اذْهَبِي وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ» فَأَمَرَ عَبْدَالرَّحْمَنِ أَنْ يُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ فَانْتَظَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَعْلَى مَكَّةَ حَتَّى جَاءَتْ.

}2985{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَوْسٍ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما قَالَ: أَمَرَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ أُرْدِفَ عَائِشَةَ وَأُعْمِرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ.

 

قوله: «إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ خَلْفَ أَخِيهَا» ، أي: أنه لا بأس به؛ لأنه مَحْرَمٌ لها.

}2984{، }2985{ قوله: «يَا رَسُولَ اللَّهِ يَرْجِعُ أَصْحَابُكَ بِأَجْرِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَلَمْ أَزِدْ عَلَى الْحَجِّ؟» ، لأنها أحرمت بالعمرة رضي الله عنها ثم حاضت واستمر معها الحيض حتى جاء الحج فأدخلت الحج على العمرة، وأتت بحج وعمرة لكن لم تطب نفسها؛ لأن صواحباتها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أتين بعمرة مستقلة وحج مستقل، وهي تريد كذلك، لكن فاتها هذا بسبب الحيض، فهي تريد أن تأتي بعمرة مستقلة؛ ولهذا قالت ما قالت.

قوله: «اذْهَبِي وَلْيُرْدِفْكِ عَبْدُالرَّحْمَنِ» . وهذا هو موضع شاهد الترجمة، فذهب بها أخوها عبدالرحمن رضي الله عنه وأردفها، واعتمرت من التنعيم.

وفيه: دليل على أن من أراد العمرة وهو من أهل مكة فإنه يخرج للحل ولا يحرم من الحرم، وأما من أراد الحج فإنه يحرم من مكانه من بيته؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لما وقت المواقيت: «حتى أهل مكة من مكة» [(212)]، هذا في الحج، أما العمرة فلا يجوز الإحرام من البيت لأهل مكة، بل لابد من الخروج إلى الحل، وأقرب الحل هو التنعيم، ولا يلزم الإحرام من التنعيم بل يجوز الإحرام من عرفة أو من الشميسي أو الجعرانة، أو من أي: مكان خارج حدود الحرم، لكن أقرب شيء هو التنعيم.

  الاِرْتِدَافِ فِي الْغَزْوِ وَالْحَجِّ

}2986{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ، وَإِنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.

 

}2986{ قوله: «كُنْتُ رَدِيفَ أَبِي طَلْحَةَ» فيه: جواز الارتداف في الغزو وفي الحج إذا كانت الدابة تطيق؛ ولهذا كان أنس رضي الله عنه رديف أبي طلحة رضي الله عنه وهو زوج أمه؛ فدل على أنه لا بأس بالارتداف في الحج وكذلك في الغزو.

قوله: «وَإِنَّهُمْ لَيَصْرُخُونَ بِهِمَا جَمِيعًا الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ» ، يعني: التلبية، فكانوا يلبون بالحج والعمرة ويرفعون بها أصواتهم.

وفيه: مشروعية رفع الصوت للرجال في التلبية، أما المرأة فإنها لا ترفع صوتها خشية أن يفتتن بصوتها، وإنما تلبي بقدر ما تسمع رفيقتها التي بجوارها.

  الرِّدْفِ عَلَى الْحِمَارِ

}2987{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو صَفْوَانَ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ.

}2988{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ يُونُسُ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ مِنْ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ الْبَيْتِ، فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ، فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلاً، ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلاَلاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَنَسِيتُ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ.

 

}2987{ قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى إِكَافٍ عَلَيْهِ قَطِيفَةٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ» فيه: دليل على أنه لا بأس بالإرداف على الحمار، وقال العلماء: إنما هذا إذا كانت الدابة تطيق، أما إذا كانت الدابة ضعيفة لا تتحمل، أو كان من يركب أو يُردَف ثقيل الجسم يضر بها؛ فلا يجوز.

 

}2988{ قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ» . هذا هو محل الشاهد من الحديث، وهو جواز الإرداف على الدابة إذا كانت تطيق، ووجه دخوله في كتاب الجهاد قوله: «أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ» ، فيوم الفتح جاء في الجهاد.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة يوم الفتح ولم يدخلها في حجة الوداع، وأمر عثمان بن طلحة ـ من الحجبة ـ أن يأتي بالمفتاح «فَفَتَحَ وَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ أُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ» وأغلقوا عليهم الباب، قال: «فَمَكَثَ فِيهَا نَهَارًا طَوِيلاً، ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ فَوَجَدَ بِلاَلاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ» .

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بين العمودين[(213)]؛ ولأن البيت قائم على ستة أعمدة؛ فقد صلى صلى الله عليه وسلم بين عمودين، وأما ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه لم يصل وإنما كبّر[(214)]؛ فهذا محمول على أنه لم يبلغه، والمثِبت مقدَّم على النافي.

ودخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة كان في فتح مكة؛ فلم يدخلها في حجة الوداع، ولا في عمرة القضاء، والحكمة في ذلك ـ والله أعلم ـ لئلا يشق على أمته، وليس الدخول من سنن الحج ولا العمرة؛ بل هو مستحب، وإذا صلى في الحِجر فقد صلى في الكعبة؛ لأن الحجر من الكعبة؛ فعائشة رضي الله عنها قالت: كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر، فقال: «صلي في الحجر إن أردت دخول البيت، فإنما هو قطعة من البيت، ولكن قومك استقصروه حين بنوا الكعبة فأخرجوه من البيت» [(215)]؛ فمن صلى في الحجر فقد صلى في الكعبة.

  مَنْ أَخَذَ بِالرِّكَابِ وَنَحْوِهِ

}2989{ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ سُلاَمَى مِنْ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا أَوْ يَرْفَعُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاَةِ صَدَقَةٌ، وَيُمِيطُ الأَْذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ».

 

 

}2989{ قوله: «وَيُعِينُ الرَّجُلَ عَلَى دَابَّتِهِ فَيَحْمِلُ عَلَيْهَا» . هذا هو محل الشاهد من الحديث؛ يعني: يحمل على الركاب.

وفيه: أنه ينبغي للمسلم أن تكون أوقاته معمورة بالخيرات والقربات والطاعات.

وفيه: أن كل سلامى ـ يعني: مفصل من مفاصل الإنسان ـ عليه صدقة ـ يعني: عليه أن يتصدق عنه ـ والإنسان مركب على ستين وثلاثمائة مفصل؛ فعليه أن يتصدق عن كل مفصل بصدقة، فقد يسر الله تعالى هذه الصدقات: التسبيحة صدقة، والتهليلة صدقة، والتحميدة صدقة، والتكبيرة صدقة، والأمر بالمعروف صدقة، والنهي عن المنكر صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة يخطوها إلى الصلاة صدقة، والتسبيحات بعد الصلوات الخمس صدقات.

قوله: «كُلَّ يَوْمٍ تَطْلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ، يَعْدِلُ بَيْنَ الاِثْنَيْنِ صَدَقَةٌ» ، يعني: يصلح بين الاثنين المتخاصمين؛ فالإصلاح بين المتخاصمين صدقة.

وجاء في الحديث الآخر: «ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى» [(216)]، يعني: إذا صلى ركعتين في الضحى فقد أدى ما عليه من الصدقات التي على السلاميات التي رُكّبِ عليها بدن الإنسان.

  السَّفَرِ بِالْمَصَاحِفِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ

وَكَذَلِكَ يُرْوَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَتَابَعَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَقَدْ سَافَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْقُرْآنَ.

}2990{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ.

 

}2990{ قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ» ، وقد جاء في «صحيح مسلم» تقييد ذلك؛ وفيه: «مخافة أن يناله العدو» [(217)]، فهذه هي العلة؛ فإذا خشي أن يناله العدو فإنه لا يجوز السفر به، أما إذا لم يخش فلا بأس.

وذكر بعضهم المنع من السفر إلى أرض العدو بالمصحف في السرايا والعسكر الصغير المخوف عليه، والواحد من باب أولى، والواحد لا يسافر بالمصحف، وكذلك السرية الصغيرة والعسكر؛ خشية أن تناله أيديهم، واختلفوا في السرية الكبيرة والجيش الكبير، والراجح الجواز، وأنه لا بأس، وفي العصر الحاضر طبع المصحف في كل مكان، والمسلمون في كل بلد؛ فإذا أخذ المصاحف ووزعها على المسلمين فلا بأس، والسفر بالمصحف الآن لا خوف عليه؛ لأن المشركين لو أرادوا المصحف لوجدوه عندهم في كل مكان، بل هم يقرءون القرآن في إذاعاتهم الآن، وهذا من قيام الحجة عليهم، والحكم يدور مع العلة وجودًا وعدمًا، والنهي إنما هو لما يخشى من التناول به، أما الآن فهذه العلة قد زالت؛ فلا يخشى.

  التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ

}2991{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: صَبَّحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَلَجَئُوا إِلَى الْحِصْنِ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ [الصَّافات: 177]{فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ *}»، وَأَصَبْنَا حُمُرًا فَطَبَخْنَاهَا؛ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ؛ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا.

تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ رَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ.

 

قوله: «بَاب التَّكْبِيرِ عِنْدَ الْحَرْبِ» . وهذه الترجمة في مشروعية التكبير عند الحرب، والتكبير فيه تعظيم لله عز وجل، وأنه أعظم من كل شيء سبحانه وتعالى.

}2991{ قوله: «صَبَّحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي عَلَى أَعْنَاقِهِمْ» ، يعني: خرجوا يشتغلون في فلائحهم ومزارعهم، فبغتهم النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الجيش.

قوله: «فَلَمَّا رَأَوْهُ، قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ» ، والخميس يعني: الجيش.

قوله: «فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ» يعني: خربت على أهلها اليهود؛ لكفرهم وعنادهم، وصارت غنيمة ومصلحة للمسلمين.

قوله: «وَأَصَبْنَا حُمُرًا فَطَبَخْنَاهَا» ، وكانت الحمير تؤكل قبل أن تُحَرّم، ثم جاء التحريم وهي تطبخ في القدور؛ «فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ؛ فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا» ، وجاء في اللفظ الآخر: وإنها لتفور باللحم[(218)].

وفيه: الجمع بين ضمير الله تعالى وضمير الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: «يَنْهَيَانِكُمْ» ، وكذا في حديث أنس رضي الله عنه: «ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما» [(219)]؛ فهذا فيه الجمع بين الضمير لله تعالى وضمير النبي صلى الله عليه وسلم، وجاء في الحديث الآخر أن خطيبًا قال: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «بئس الخطيب أنت؛ قل: ومن يعص الله ورسوله» [(220)]، وقد اختلف العلماء في الجمع بينه وبين هذا الحديث وغيره؛ فمن العلماء من قال: إن هذا منسوخ، ومنهم من قال: إن هذا خطيب، والخطيب يحتاج إلى التوسع؛ فلا ينبغي له أن يختصر فلهذا نهاه.

  مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيرِ

}2992{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ».

 

قوله: «بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي التَّكْبِيرِ» ، يعني: المبالغة في رفع الصوت، لا مجرد رفع الصوت؛ فإنه لا ينبغي المبالغة.

}2992{ قوله: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُنَّا إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا» أي: «ارفقوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لاَ تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ تَبَارَكَ اسْمُهُ وَتَعَالَى جَدُّهُ»» . وهذه معية خاصة للداعين بعونه ونصره وتأييده، وهي صفة من صفات الله عز وجل، وأن الله مع الداعين والذاكرين.

  التَّسْبِيحِ إِذَا هَبَطَ وَادِيًا

}2993{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا.

 

}2993{ قوله: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا» . فيه: مشروعية التكبير عند الصعود والتسبيح عند الهبوط؛ والحكمة منه تنزيه الله عز وجل عن السفول وما يكون تحت؛ لأنه سبحانه وتعالى العلي الأعلى، وهو فوق العرش، وإذا صعدوا وارتفعوا فوق التلال والمرتفعات كبروا الله عز وجل وعظموه؛ لأنه أعظم من كل شيء وأرفع من كل شيء وأعلى من كل شيء؛ فالسنة للمسافر إذا ارتفع كبر، وإذا هبط سبح ونزه الله عز وجل عن السفول والنقائص.

ومن هذا أيضا التكبير عند إقلاع الطائرة، والتسبيح عند الهبوط، وكذلك في المصعد الكهربائي في المباني المرتفعة.

وقد يقال: بأن هذا يختص في السفر، ولله أعلم.

  التَّكْبِيرِ إِذَا عَلاَ شَرَفًا

}2994{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا، وَإِذَا تَصَوَّبْنَا سَبَّحْنَا.

}2995{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَفَلَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ الْغَزْوِ يَقُولُ: كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَْحْزَابَ وَحْدَهُ».

قَالَ صَالِحٌ: فَقُلْتُ لَهُ: أَلَمْ يَقُلْ عَبْدُ اللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ؟ قَالَ: لاَ.

 

}2994{ قوله: «كُنَّا إِذَا صَعِدْنَا» يعني: مرتفعًا.

وقوله: «وَإِذَا تَصَوَّبْنَا» ، يعني: هبطنا.

 

}2995{ قوله: «كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلاَثًا» .

وفيه: مشروعية التكبير، وهذا عام في كل سفر، إذا ارتفع على ثنية ـ يعني: مرتفعة ـ أو فدفد ـ جبل أو تل ـ فالسنة التكبير في كل سفر سواء في سفر حج أو عمرة أو غيره، وأما التهليل فهذا في الرجوع؛ يعني: في الرجوع يقول: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَْحْزَابَ وَحْدَهُ» فهذا يكون في الرجوع من سفر الحج أو الغزو.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال المهلب: تكبيره صلى الله عليه وسلم عند الارتفاع استشعار لكبرياء الله عز وجل وعندما تقع عليه العين من عظيم خلقه أنه أكبر من كل شيء وتسبيحه في بطون الأودية مستنبط من قصة يونس عليه السلام فإنه بتسبيحه في بطن الحوت نجاه الله من الظلمات فسبح النبي صلى الله عليه وسلم في بطون الأودية لينجيه الله منها، وقيل: مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنزيه فناسب تنزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة، ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله عز وجل أن لا يوصف بالعلو؛ لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس، ولذلك ورد في صفته العالي والعلي والمتعالي، ولم يرد ضد ذلك، وإن كان قد أحاط بكل شيء علمًا جل وعز» .

وأنبه على كلام الحافظ رحمه الله هنا فيما يتعلق بالصفات فقوله: «ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله عز وجل أن لا يوصف بالعلو؛ لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى والمستحيل كون ذلك من جهة الحس» ، هذا خطأ؛ بل الله عز وجل موصوف بالعلو معنًى وحسًّا، وله سبحانه العلو بأنواعه الثلاثة: علو الذات، وعلو القدر وعلو القهر؛ فذاته سبحانه وتعالى علية فوق العرش، وله علو القدر، والشأن والعظمة، وله علو القهر والعظمة والسلطان، وليس مستحيلاً كونه في العلو، وإنما منع من ذلك الأشاعرة والمعتزلة والجهمية وأهل البدع.

وأهل البدع أثبتوا نوعين من العلو وأنكروا الثالث؛ أثبتوا علو القهر والعظمة والسلطان، وعلو القدر والعظمة والشأن، وأنكروا علو الذات، وقالوا: ليس في العلو.

والجهمية لهم قولان؛ منهم من قال: مختلط بالمخلوقات، ومنهم من نفى النقيضين وقال: لا داخل العالم ولا خارجه؛ وهذا من أبطل الباطل.

ونصوص العلو كما قال ابن القيم رحمه الله: تزيد أفرادها على ثلاثة آلاف دليل؛ منها قوله تعالى: [البَقَرَة: 255]{وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ *}، والأدلة فيها إثبات أن الله عز وجل في السماء، والأدلة فيها الصعود والارتفاع؛ لأن الصعود يكون من أسفل إلى أعلى، والعلو ثابت لله عز وجل حسًّا؛ وهو علو الذات، ومعنى؛ وهو علو القهر وعلو القدر، كما قال ابن القيم رحمه الله في القصيدة النونية[(221)]:

والفوق أنواع ثلاث كلها

لله ثابتة بلا نكران

  يُكْتَبُ لِلْمُسَافِرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ فِي الإِْقَامَةِ

}2996{ حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الْعَوَّامُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ أَبُو إِسْمَاعِيلَ السَّكْسَكِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا بُرْدَةَ وَاصْطَحَبَ هُوَ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي كَبْشَةَ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَزِيدُ يَصُومُ فِي السَّفَرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى مِرَارًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا».

 

}2996{ قوله: «إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا» فيه: بيان لفضل الله تعالى وإحسانه؛ فإنه يكتب للمسافر مثل ما كان يعمل في الإقامة، ولأن السفر يمنع الإنسان نومه المعتاد وطعامه المعتاد ويحتاج إلى الاستمرار في السير فلا يتمكن من الإتيان بالنوافل التي كان يعملها في الحضر فيكتب الله عز وجل له ذلك، وكذلك المريض، فإذا مرض العبد كتب الله عز وجل له ما كان يعمله في حال الصحة، وإذا سافر كتب الله عز وجل له ما كان يعمل في حال الإقامة؛ فإذا كان مثلا يقوم الليل ثم سافر ولم يتمكن من قيام الليل أو مرض كتب الله عز وجل له قيام الليل الذي يعمله في العادة، وكذلك صيام النفل، ومثل المسافر: الحائض والنفساء إذا كانت معتادة لفعل طاعة ثم منعها الحيض والنفاس، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه.

ومن العلماء من قال إن هذا أيضًا في الفرائض؛ فالمريض إذا كان يصلي مع الجماعة ثم منعه المرض فصلى في البيت كتب الله عز وجل له أجر الجماعة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن بطال: وهذا كله في النوافل، وأما صلاة الفرائض فلا تسقط بالسفر والمرض والله أعلم، وتعقبه ابن المنير بأنه تحجر واسعًا ولا مانع من دخول الفرائض في ذلك بمعنى أنه إذا عجز عن الإتيان بها على الهيئة الكاملة أن يكتب له أجر ما عجز عنه كصلاة المريض جالسًا يكتب له أجر القائم انتهى.

وليس اعتراضه بجيد لأنهما لم يتواردا على محل واحد، واستدل به على أن المريض والمسافر إذا تكلف العمل كان أفضل من عمله وهو صحيح مقيم، وفي هذه الأحاديث تعقب على من زعم أن الأعذار المرخصة لترك الجماعة تسقط الكراهة والإثم خاصة من غير أن تكون محصلة للفضيلة وبذلك جزم النووي رحمه الله في شرح المهذب وبالأول جزم الروياني في التلخيص ويشهد لما قال حديث أبي هريرة رضي الله عنه رفعه: «من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله عز وجل مثل أجر من صلاها وحضرها لا ينقص ذلك من أجرهم شيئًا» [(222)] أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وإسناده قوي، وقال السبكي الكبير في الحلبيات: من كانت عادته أن يصلي جماعة فتعذر فانفرد كتب له ثواب الجماعة ومن لم تكن له عادة لكن أراد الجماعة فتعذر فانفرد يكتب له ثواب قصده لا ثواب الجماعة؛ لأنه وإن كان قصده الجماعة لكنه قصد مجرد ولو كان يتنزل منزلة من صلى جماعة كان دون من جمع» .

  السَّيْرِ وَحْدَهُ

}2997{ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ رضي الله عنهما يَقُولُ: نَدَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ».

قَالَ سُفْيَانُ الْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ.

}2998{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ».

 

}2997{ قوله: «بَاب السَّيْرِ وَحْدَهُ» ، والسير في الجهاد والغزو والتجسس على الأعداء محمود ولو كان وحده مخاطرًا بنفسه وهو في سبيل الله عز وجل، ويقاس عليه إذا اضطر إلى الخروج للهجرة وحده من بلد الشرك لئلا يفتن في دينه فيسافر ولو كان وحده، وكذلك المرأة إذا أسلمت في بلاد الكفار وأرادت أن تهاجر ولم تجد أحدًا فإنها تهاجر وحدها ولو بدون محرم؛ لأن مفسدة الكفر أعظم، وهي ممنوعة من السفر وحدها صيانة لها ولعرضها، لكن هي الآن تريد أن تصون دينها، ومثله لو وجد رجل امرأة في السفر وحدها فعليه أن يأخذها ولا يتركها لأن هذه ضرورة ويقود بها دابته كما فعل صفوان بن المعطل رضي الله عنه لما وجد عائشة رضي الله عنها[(223)] أناخ البعير وركبت وجعل يقود بها للضرورة، ولا بأس من ذلك، مع الحذر من النظر إليها أن يفتنه الشيطان بها، ولا يتركها للضرورة.

 

}2998{ قوله: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَاكِبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ» ، فيه: المنع من السير في الأسفار وحده خصوصًا في الليل؛ لما فيه من الآفات والخطر، ويسافر لحالات الضرورة، أما الآن فالخطوط مسلوكة ومستمرة والمحطات بعد كل مسافة، كما توجد قرى، ويقال في هذه الحالة: إنه لا يكون وحده، بخلاف الطرق غير المسلوكة التي ليس فيها أحد، وقد يقال: إنه ينبغي له أن يمتنع حتى ولو كانت الطرق مسلوكة؛ عملا بهذا الحديث.

والمقصود من أحاديث الباب أن هذا فيه تفصيل:

- حديث الزبير رضي الله عنه فيه: قصة الزبير رضي الله عنه، وهو في الجهاد والغزو والتجسس على الأعداء؛ وهذا محمود ولو سافر وحده.

- حديث ابن عمر رضي الله عنهما فيه: السير وحده لغير الجهاد ولغير الضرورة ولغير الهجرة؛ فهذا ممنوع.

  السُّرْعَةِ فِي السَّيْرِ

قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيُعَجِّلْ».

}2999{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما كَانَ يَحْيَى يَقُولُ وَأَنَا أَسْمَعُ فَسَقَطَ عَنِّي عَنْ مَسِيرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ؛ قَالَ: فَكَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ.

}3000{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَبَلَغَهُ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ شِدَّةُ وَجَعٍ فَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ وَالْعَتَمَةَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا.

}3001{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ، يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ، فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ.

 

هذه الترجمة للسرعة في السير، وأنه لا بأس بالسرعة في السير عند الحاجة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي مُتَعَجِّلٌ إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ مَعِي فَلْيُعَجِّلْ» .

}2999{ قوله: «فَسَقَطَ عَنِّي» ، يعني: سقط عني بعض الكلام من الحديث.

قوله: «فَكَانَ يَسِيرُ الْعَنَقَ فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ وَالنَّصُّ فَوْقَ الْعَنَقِ» . والعنق ضرب من السير، والسير له أسماء، منها: العنق، ومنها: والنص سير فيه سرعة، والعنق أقل منه.

 

}3000{ يستفاد من الحديث أن ابن عمر رضي الله عنهما أسرع في السير للحاجة؛ لأنه بلغه عن زوجه صفية بنت أبي عبيد رضي الله عنها أنها مريضة؛ فأسرع في السير وجمع بين المغرب والعشاء.

وفيه: أن المسافر له أن يجمع بين المغرب والعشاء.

 

}3001{ قوله: «السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ» . المراد بالعذاب: المشقة، والعذاب أنواع؛ ومنه المشقة والألم.

قوله: «يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ نَوْمَهُ وَطَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» ، يعني: المعتاد.

قوله: «فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ» ، يعني: حاجته.

قوله: «فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أَهْلِهِ» ؛ وذلك حتى يستريح، وحتى يقوم بحوائج أهله.

  إِذَا حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فَرَآهَا تُبَاعُ

}3002{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَوَجَدَهُ يُبَاعُ فَأَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لاَ تَبْتَعْهُ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ».

}3003{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَابْتَاعَهُ أَوْ فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: «لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ».

 

هذه الترجمة فيما إذا حمل على فرس في سبيل الله عز وجل، وحمله حمل تمليك؛ فإذا رآه يباع فإنه لا يشتريه؛ لأنه أخرجه لله عز وجل، ولئلا تتعلق به نفسه، حتى ولو كان أعطاه؛ لأنه إذا أراد أن يشتريه ممن أعطاه؛ فلابد أن يتنازل له عن بعض قيمته.

}3002{ قوله: «لاَ تَبْتَعْهُ وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ» وذلك لما رأى هذا الفرس الذي أعطاه يباع، وظنه أنه يبيعه برخص.

 

}3003{ قوله: «لاَ تَشْتَرِهِ وَإِنْ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ» ، اعتبر شراءه نوعًا من العود في الهبة؛ لأنه لابد أن يسامحه البائع عن بعض الشيء، وهذه المسامحة تعتبر عودًا في الهبة، وما دام أخرجه لله عز وجل فلا يشتره ولا يقبله منه، ولا ينبغي أن تتعلق نفسه به.

  الْجِهَادِ بِإِذْنِ الأَْبَوَيْنِ

}3004{ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْعَبَّاسِ الشَّاعِرَ وَكَانَ لاَ يُتَّهَمُ فِي حَدِيثِهِ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رضي الله عنهما يَقُولُ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».

 

هذا الباب عقده المؤلف رحمه الله للجهاد بإذن الأبوين إذا لم يتعين الجهاد.

}3004{ قوله: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ»» ، يفيد أنه لابد من استئذان الأبوين، وهذا محمول عند أهل العلم على ما إذا لم يتعين الجهاد، أما إذا تعين الجهاد فلا يُستأذن الأبوان، كما لو استنفر الإمام واحدًا فإنه يتعين عليه، ويكون فرض عين عليه، ولا يستأذن أبويه، أو إذا هاجم العدو البلد فإن أهل البلد يدافعون عن أنفسهم، ولا يحتاج إلى إذن الوالدين، أما إذا لم يتعين الجهاد فلا يجاهد إلا بإذن الأبوين إذا كانا مسلمين؛ لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية؛ فيكون فرض العين مقدمًا على فرض الكفاية.

وقوله: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» ، يعني: خصصهما بجهاد النفس برضاهما، وهذا من التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى.

ودل هذا الحديث على أن بر الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد.

وفيه: أن المستشار يشير بالنصيحة.

وفيه: أن المكلف يستفصل عن الأفضل في أعمال الطاعة.

  مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الإِْبِلِ

}3005{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَْنْصَارِيَّ رضي الله عنه أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولاً: «أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ».

 

قوله: «بَاب مَا قِيلَ فِي الْجَرَسِ وَنَحْوِهِ فِي أَعْنَاقِ الإِْبِلِ» يعني: من الكراهة، وقيده المصنف بالإبل؛ لورود الحديث فيها لخصوصها، وإلا فغيرها مثلها، وتعليق الجرس في أعناق البقر أو الغنم في حكم واحد.

}3005{ قوله: «أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ» . هذا الحديث ساقه الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد، في: باب ما جاء في الرقى والتمائم.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل رسولاً، قال: «أَنْ لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ أَوْ قِلاَدَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ» .

وفيه: وجوب قطع الأوتار للدواب، وما يجعل في رقبة البعير يسمى وترًا، وما يجعل في الآدميين يسمى تمائم، ويجب قطع الأوتار؛ فإذا وضع قلادة في رقبة البعير من أجل دفع العين فإنه يجب قطعها، كما أنه يجب قطع التميمة التي على الآدميين، أما ما كان في رقبة الدابة للزينة أو لتقاد به؛ فلا تسمى وترًا ولا يجب قطعها، فقد كان لبعير النبي صلى الله عليه وسلم زمام يرخيه لناقته إذا وجد فجوة، وإلا شده بيده حتى لا تسرع ولا يحصل ضيق على الناس، وكذلك الجرس الذي يعلق للهو في رقبة البعير، يجب قطعه؛ لما فيه من مزمار الشيطان.

وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله الخلاف في النهي في الحديث؛ فقال: «قال النووي رحمه الله وغيره: الجمهور على أن النهي للكراهة وأنها كراهة تنزيه، وقيل: للتحريم، وقيل: يمنع منه قبل الحاجة، ويجوز إذا وقعت الحاجة، وعن مالك رحمه الله تختص الكراهة من القلائد بالوتر ويجوز بغيرها إذا لم يقصد دفع العين؛ هذا كله في تعليق التمائم وغيرها مما ليس فيه قرآن ونحوه؛ فأما ما فيه ذكر الله عز وجل فلا نهي فيه فإنه إنما يجعل للتبرك به والتعوذ بأسمائه وذكره، وكذلك لا نهي عما يعلق لأجل الزينة ما لم يبلغ الخيلاء أو السرف» .

وهذا ليس بصحيح، فالصواب: أن المنع من تعليق التمائم مطلق ولو كان في التمائم قرآن؛ لأن النصوص عامة ولم تخصص؛ سدًّا للذريعة، وسد الذرائع مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، وفي الحديث: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك» [(224)]، فالحديث عام فلا يقال: إنه خاص بالتمائم التي ليس فيها ذكر الله عز وجل.

  مَنْ اكْتُتِبَ فِي جَيْشٍ فَخَرَجَتْ امْرَأَتُهُ حَاجَّةً

أَوْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ هَلْ يُؤْذَنُ لَهُ

}3006{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلاَ تُسَافِرَنَّ امْرَأَةٌ إِلاَّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَامَ رَجُلٌ» فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَخَرَجَتْ امْرَأَتِي حَاجَّةً؟ قَالَ: «اذْهَبْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ».

 

}3006{ يستفاد من الحديث: مشروعية الاكتتاب في الجيش، وأن الإمام يكتب الجند في الجيش وفي الغزو لإحصائهم وملاحظتهم، ونظر الإمام لرعيته للمصلحة بحيث يكتب الناس في الوظائف وفي الجيش وفي الجند، ويكون هذا في ترتيب وتنظيم، ويعلم من يخرج للجهاد ومن لا يخرج.

وفيه: وجوب المحرم للمرأة، وأنه لا يجوز لها أن تسافر إلا مع ذي محرم حتى ولو للحج والعمرة، ويدل على ذلك أن الرجل كتب في الغزو فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأته خرجت حاجة وليس معها أحد أمره بأن يترك الغزو ويحج مع امرأته؛ مما يدل على أهمية المحرم، ودل على أنه إذا اكتتب في جيش فخرجت امرأته حاجة أو كان له عذر فإنه يؤذن له.

وفيه: الرد على من قال يجوز للمرأة أن تسافر مع نساء ثقات كالنووي رحمه الله وجماعة؛ فالنساء الثقات لسن محرمًا؛ والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة أن تسافر مسيرة ثلاث ليال إلا مع ذي محرم» [(225)]، ولم يقل: أو مع نساء ثقات.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد