}3094{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفَرْوِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَكَرَ لِي ذِكْرًا مِنْ حَدِيثِهِ ذَلِكَ فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ الْحَدِيثِ، فَقَالَ مَالِكٌ: بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي، فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالِ إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي، قَالَ: اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا، فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَا يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلاَ فَسَلَّمَا فَجَلَسَا، فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ، فَقَالَ الرَّهْطُ: عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنْ الآْخَرِ، قَالَ عُمَرُ: تَيْدَكُمْ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَْرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ، قَالَ الرَّهْطُ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَْمْرِ إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ، ثُمَّ قَرَأَ [الحَشر: 6]{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *} فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ قَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ، ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ حَيَاتَهُ أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ، قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ وَجَاءَنِي هَذَا يُرِيدُ عَلِيًّا يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا، فَقُلْتُ: لَكُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟ قَالَ الرَّهْطُ: نَعَمْ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟ قَالاَ: نَعَمْ قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَْرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ، فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا.
قال: «بَابُ فرض الخُمُس» ، والخمس ـ بضمتين: ما يؤخذ من الغنيمة.
}3091{ هذه القصة ذكرها المؤلف من رواية الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب، واحتج بها في أكثر من موضع.
فذكرها في شُرب الخمر؛ لأن حمزة وجماعة شربوا الخمر، ويؤتى بها أيضًا في وليمة العرس؛ لأن عليًّا رضي الله عنه واعد رجلاً من بني قينقاع يَحتشُّ حشيشًا على هاتين الناقتين، ويبيع الحشيش ويستعين به على وليمة عرس فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكرها الإمام مسلم أيضًا في كتاب «الأشربة» [(356)].
قوله: «كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنْ الْمَغْنَمِ يَوْمَ بَدْرٍ» ، والشارف: هي الناقة كبيرة السن.
قوله: «وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَانِي شَارِفًا مِنْ الْخُمُسِ» ، يعني: فكانت لعلي ناقتان: الأولى لأنه من المجاهدين الغانمين، والثانية من الخمس؛ لأنه من قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فصار له شارفان، وهذا هو الشاهد من الحديث.
والخمس شرعه الله يؤخذ من الغنيمة؛ وذلك أن المسلمين إذا قاتلوا الكفار وغنموا مالاً، فإن هذا المال إذا أخذ وجمع ينزع منه الخمس، والأربعة أخماس الباقية تقسم على المجاهدين الغانمين، فإذا أخذت غنائم من الكفار مائة ناقة مثلاً يؤخذ الخمس؛ عشرون ناقة، وثمانون توزع على الغانمين، وهذا الخمس الذي ينزع يقسم خمسة أخماس: خمس لله وللرسول، وخمس لقرابة الرسول، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، وخمس لابن السبيل؛ كما قال الله تعالى: [الأنفَال: 41]{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، فهذا الخمس يكون للرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه، وفي مصالح المسلمين، وخمس لقرابة الرسول؛ لأن بني هاشم وبني المطلب منعوا من الزكاة المفروضة؛ لأنها أوساخ الناس؛ فلا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد[(357)]؛ فعوضهم الله عن الزكاة بالخمس.
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم اختلف العلماء: أين يكون هذا الخمس؟ ومن يستحقه؟ فذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يصرف في المصالح، ذهب إلى هذا الإمام الشافعي[(358)]، وذهب بعض العلماء إلى أنه يرد على الأصناف الثلاثة الباقية؛ وهم: اليتامى والمساكين وابن السبيل الذين ذكرهم الله في قوله تعالى: ُ 6 7 8 1 2 3 4 = عع ؟ ژ 9 : ؛ چ ِ ، وذهب إلى هذا الأحناف[(359)]، وقال بعضهم: يختص به الخليفة، وأما الأربعة الأخماس فإنها تقسم على الغانمين.
قوله: «فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: أردت أن أتزوج بفاطمة بنت الرسول صلى الله عليه وسلم، ويسمى الزواج بناءً؛ لأن العرب في الأصل كان من يريد أن يتزوج يبني خيمة؛ ليخلو بأهله، فقيل للمتزوج: إنه يبني بأهله.
قوله: «وَاعَدْتُ رَجُلاً صَوَّاغًا مِنْ بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ مَعِيَ» فيه: دليل على معاملة أهل الكتاب؛ فبنو قينقاع من اليهود، وكانوا يسكنون في المدينة أولاً قبل أن يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجهم، فلا بأس بمعاملة أهل الكتاب في البيع والشراء، وليس هذا من الموالاة أو التولي؛ فالتولي محبة الكفار ونصرتهم على المسلمين؛ وهو ردة والعياذ بالله، والموالاة والمعاشرة والمصادقة والاطمئنان إليهم بالأسرار دون المؤمنين؛ فهذه كبيرة من كبائر الذنوب، أما البيع والشراء والمعاملة فهذا لا يضر، ولكن لا يجوز إبقاؤهم في جزيرة العرب.
قوله: «فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ» . الإذخر نبت طيب كان يوضع في سقوف البيوت بدلاً من الجريد؛ ففي نجد تسقف البيوت بالخشب ويوضع الجريد، وأما في مكة فليس عندهم جريد ولا نخيل؛ فيضعون الإذخر بدلا منه، وكذلك يوضع الإذخر في الخلل بين اللبنات في القبور، ويجعل أيضًا وقودًا للصواغ والحدادين، ففيه فوائد؛ ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ولا يختلى خلاها» [(360)] يعني: مكة؛ يُحَرِّم حَشَّ حشيشها، فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر؛ فإنه لبيوتنا وقبورنا ننتفع به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر» [(361)] أي: جاء الوحي فاستثني الإذخر؛ لما فيه من الفوائد للبيوت والقبور والصواغ.
فعلي رضي الله عنه واعد رجلاً؛ ليعينه في جمع هذا الإذخر وبيعه للصواغين؛ حتى يحصل شيئًا من المال يستعين به على وليمة فاطمة رضي الله عنها.
قوله: «وَأَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرْسِي» فيه: دليل على مشروعية الوليمة للعرس والزواج، وأنها مستحبة.
قوله: «فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِنْ الأَْقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ مُنَاخَتَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنْ الأَْنْصَارِ» فيه: أنه لا بأس أن ينيخ الإنسان الدابة أو يوقف السيارة في الشارع، إذا كان لا يُضَيّق الطريق؛ لأن هذا منفعة عامة؛ ولذلك أناخ عليّ ناقتيه في الطريق بجنب حجرة رجل من الأنصار.
قوله: «رَجَعْتُ حِينَ جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُ فَإِذَا شَارِفَايَ» ، يعني: لما رجع علي بعد قضاء بعض حوائجه وجد في ناقتيه منظرًا فظيعًا.
قوله: «قَدْ اجْتُبَّ أَسْنِمَتُهُمَا وَبُقِرَتْ خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا» وهذا منظر فظيع يحيّر العقول؛ فبمجرد أن عاد علي وجد سنام كل من البعيرين مجذوذًا بالسيف، ووجد البطن مشقوقًا، والكبد قد أخذ منه.
قوله: «فَلَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ حِينَ رَأَيْتُ ذَلِكَ الْمَنْظَرَ مِنْهُمَا» ، يعني: أنه بكى من القهر، فكيف يحصل هذا؟!
قوله: «مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ فَقَالُوا: فَعَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي شَرْبٍ مِنْ الأَْنْصَارِ» . الشرب: الجماعة الذين يشربون الخمر، وكان حمزة رضي الله عنه قد شرب الخمر وسكر، وصارت تغنيه جارية وهو سكران قائلة:
ألا يا حمزُ للشرف النواء
وهن معقّلات بالفناء
زج السكين في اللبات منها
فضرجهن حمزة بالدماء[(362)]
فصارت الجارية تغني والخمر يعمل، فاجتمع عند ذلك الخمر الذي في عقله وخمر الغناء، ومعلوم أن السكران يفقد عقله، ويخيل إليه أنه في عالم آخر، وأنه مَلِك يأمر وينهى، فلما شرب الخمر والجارية تغني وتحثه أن يضع السكين في لبة الشارف، وأن يأكل من أمعائهما، فقام وهو سكران فجب السنامين وشق بطن الناقتين واستخرج الأمعاء والكبد وجعل يأكل، وكان هذا بين غزوة بدر وغزوة أحد، قبل أن تُحَرَّم الخمر.
ويستفاد من هذا أن زواج فاطمة رضي الله عنها من علي رضي الله عنه كان بين الغزوتين، والخمر إنما حرمت بعد غزوة أحد، فكان شربها إبان ما حدث مباحًا؛ فكان حمزة معذورًا؛ لأنهم شربوا الخمر في وقت لم تحرم فيه؛ ولهذا لما قتل بعض الصحابة شهداء وهم يشربون الخمر، استشكل هذا بعض الصحابة؛ فقالوا لما حرمت الخمر: يا رسول الله، ما حال إخواننا الذين قتلوا والخمر في بطونهم، فأنزل الله تعالى هذه الآية: [المَائدة: 93]{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *}[(363)]؛ فليس عليهم لوم لأنهم شربوا الخمر في وقت لم تحرم فيه.
فعند ذلك انطلق علي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو حمزة، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في وجه علي الكآبة؛ فقد رآه متأثرًا متغيرًا، فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما في وجهه، فقال له: «مَا لَكَ؟» فقال علي: «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ قَطُّ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ فَارْتَدَى» فيه: دليل على أن الإنسان يتخفف في بيته ويخلع بعض الملابس، وإذا أراد أن يقابل الناس يلبس ثيابه التي يقابل بها الناس، وارتدى النبي صلى الله عليه وسلم رداءه على عادة العرب؛ حيث يلبسون الأردية والأزر، ويجعلون قطعة على الكتفين وقطعة يشد بها النصف الأسفل، وأحيانًا يلبسون القمص مثل ثيابنا الآن، ويلبسون العمامة على الرأس، ويدل ذلك على أن الإنسان عند مقابلة الناس وعند الوفود يخرج بثياب مناسبة، ومثل ذلك قول عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول لو اشتريت هذه الحلة للوفد وللجمعة[(364)].
قوله: «ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ فَأَذِنُوا لَهُمْ فَإِذَا هُمْ شَرْبٌ» ، أي: يشربون الخمر، وسكارى.
قوله: «فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ» ، وكان صلى الله عليه وسلم يظن أنه قد زال عنه السكر.
قوله: «فَإِذَا حَمْزَةُ قَدْ ثَمِلَ مُحْمَرَّةً عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ: هَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَِبِي» ، فهو لا يزال سكران مخمورًا، يقول للرسول صلى الله عليه وسلم: ما أنتم إلا عبيد لأبي، ومعلوم أنه لو كان منتبهًا ما قال هذا الكلام؛ فقد يكون هذا كفرًا؛ فدل على أن السكران مرفوع عنه القلم، ولا يؤاخذ بأفعاله.
قوله: «فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَدْ ثَمِلَ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى وَخَرَجْنَا مَعَهُ» ، يعني: رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخلف ووجهه تجاه حمزة؛ خوفًا من أن يعمل شيئا؛ لأنه سكران، فإذا ولاه ظهره قد يأخذ شيئًا ويرميه به؛ ولهذا فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل يرجع القهقرى.
وفيه: دليل على أن من أتلف شيئًا ـ سواء كان سكران أو نائمًا أو مجنونًا أو صبيًّا ـ فإنه يضمن ولا يأثم؛ ولهذا قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم ضَمّنه ثمن البعيرين، وكذلك لو كانت امرأة نائمة، فانقلبت على طفلها وقتلته؛ فإنها لا تأثم؛ لكن عليها الدية والكفارة؛ فكل من أتلف شيئًا عليه ضمانه، سواء كان معذورًا أو غير معذور، فمن كان له عذر فهو معذور من جهة الإثم، وليس معذورًا من جهة تعويض ما أتلف.
وكذلك لو كان مكرهًا؛ يرفع عنه الإثم، لكن يضمن ما أفسده.
وكذا الأمر في الجناية؛ فإذا جنى صبي أو مجنون على أحد، لا يأثم، ولكن عليه ضمان ما أتلفه، فلو قتل شخصًا عليه الدية والكفارة، ولكن ليس عليه القصاص؛ لأن المجنون والصبي عمده كالخطأ؛ فيعتبر خطأ.
وطلاق السكران فيه خلاف: فهل يؤاخذ بأفعاله وتطلق امرأته أم لا؟ فيه خلاف بين العلماء؛ فمنهم من قال: ينفذ طلاقه؛ لأنه الذي تناول السكر، ومنهم من قال: يأثم، ويقام عليه الحد ويجلد، ولا تطلق زوجته، ولا يجمع له بين الأمرين؛ لأنه لا عقل له.
فالمسألة الخلاف فيها قوي وتحتاج إلى تأمل، والأقرب ـ والله أعلم ـ أنه لا يقع؛ لأنه لا يجمع له بين أمرين؛ طلاق زوجته، وجلده أو إقامة الحد عليه.
}3092{، }3093{ هذا الحديث فيه: قصة فاطمة رضي الله عنها، لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وتولى الخلافة أبوبكر الصديق، فجاءت فاطمة رضي الله عنها إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه تسأله ميراثها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه، فأعلمها أبو بكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كآحاد الناس يورث مثلهم فهو لم يأت لجمع الدنيا بل لهداية الناس وإرشادهم للحق.
قوله: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» . وهذا الحديث من الأحاديث المتواترة؛ فقد رواه العشرة المبشرون بالجنة كلهم، وقد خفي ذلك على فاطمة رضي الله عنها؛ وإن كانت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين.
قوله: «فَهَجَرَتْ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ تَزَلْ مُهَاجِرَتَهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ» ، ولم تطل مدتها بعد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم ستة أشهر، ويحتمل أن لو طالت مدتها لفهمت ذلك من الصحابة، وهي قد هجرت أبا بكر لأنها ظنت أن لها حقًّا.
وهذا فيه: دليل على أن الإنسان قد يخطئ ولو كان كبيرًا أو عظيمًا، فليس هناك معصوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغ عن الله، أما فاطمة رضي الله عنها ـ وهي سيدة نساء أهل الجنة، ومن أفضل النساء ـ فقد غلطت؛ حيث اجتهدت وأخطأت، وظنت أن لها حقًّا، وكان أبو بكر رضي الله عنه هو المصيب.
قوله: «لَسْتُ تَارِكًا شَيْئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْمَلُ بِهِ إِلاَّ عَمِلْتُ بِهِ فَإِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ» والزيغ هو الميل عن الحق؛ قال الله تعالى في دعاء الراسخين من أهل العلم: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} يعني: لا تملها عن الحق ولا تصرفها عن الحق [آل عِمرَان: 8]{وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ *}.
ويقول أبو بكر رضي الله عنه لفاطمة رضي الله عنها: أنا أخشى من الزيغ إن تركت شيئاً فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا لا أترك شيئًا فعله النبي صلى الله عليه وسلم إلا فعلته، وقال لها: إن قرابة الرسول أحب إليّ من أن أصل قرابتي، ولو وجدت لك مخرجًا لأعطيتك، ولكن ما أجد لك مخرجًا.
فالحديث: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» ، متواتر، رواه العشرة المبشرون بالجنة، لكنها رضي الله عنها لم تقتنع، وأصرت على رأيها فلم تزل مهاجرة أبا بكر حتى توفيت.
والشاهد في الحديث: أن فاطمة رضي الله عنها سألت ميراثها من خيبر، وخيبر بعضها صلح وبعضها عنوة؛ فجرى فيها مجرى الخمس، وقد جاء في بعض طرق الحديث في كتاب المغازي أن عائشة رضي الله عنها قالت: إن فاطمة جاءت تسأل نصيبها مما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر[(365)]؛ فدل على مشروعية الخمس، وأن الخمس يؤخذ من رأس الغنيمة.
}3094{ ذكر البخاري رحمه الله هذه القصة التي حصلت لعلي والعباس مع عمر رضي الله عنهم حين دفع إليهما ما أفاء الله على رسوله من مال بني النضير على سبيل الولاية؛ أي: ولاية الصدقة وفي صرفها.
قوله: «بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ فِي أَهْلِي حِينَ مَتَعَ النَّهَارُ إِذَا رَسُولُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَأْتِينِي» فيه: أن الحاكم والأمير لا بأس بأن يجعل له رسولاً يرسله إلى الناس حتى يكون أسرع في قضاء الحوائج.
قوله: «فَقَالَ: أَجِبْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ» ، سمى عمر رضي الله عنه أمير المؤمنين وهو رئيس المؤمنين يرجعون إليه وهو إمامهم الذي ينظر في مصالحهم.
قوله: «فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ حَتَّى أَدْخُلَ عَلَى عُمَرَ» . عبر بصيغة المضارع استحضارًا للقصة، وذلك مثل قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله؛ فهذا استحضار للحال في ذهنه.
قوله: «فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ مُتَّكِئٌ عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ» . هذا فيه: تواضع عمر رضي الله عنه وعدم توسعه في الدنيا وهو أمير المؤمنين الذي جلبت إليه خزائن كسرى، فهو جالس على سرير ليس بينه وبينه فراش حتى أثرّت حبال السرير في جسده رضي الله عنه وهو متكئ على وسادة من جلد.
قوله: «فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ» فيه: مشروعية السلام عند الدخول.
قوله: «ثُمَّ جَلَسْتُ، فَقَالَ: يَا مَالِ» ، خطاب لمالك بن أوس بن الحدثان قال: يا مال، وهذا يسمى الترخيم؛ وهو حذف آخر الاسم، وهذا جائز معروف في اللغة العربية.
وفيه: أنه لا بأس بالنداء بالاسم مرخمًا من باب الإدلال عليه، ومنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائش» [(366)]، لزوجه عائشة رضي الله عنها.
ومنه قول امرئ القيس:
أفاطِمُ مهلاً بعض هذا التدلل
وإن كنتِ قد أزمعت صرمي فأجملي
قوله: «إِنَّهُ قَدِمَ عَلَيْنَا مِنْ قَوْمِكَ أَهْلُ أَبْيَاتٍ وَقَدْ أَمَرْتُ فِيهِمْ بِرَضْخٍ» ، يعني: عطية غير مقدرة.
قوله: «فَاقْبِضْهُ فَاقْسِمْهُ بَيْنَهُمْ» يعني: جاءنا أناس من قومك أمرت لهم بعطية فخذها ووزعها عليهم.
قوله: «فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَوْ أَمَرْتَ بِهِ غَيْرِي» فيه: مشروعية الاستعفاء من الولاية فقد استعفى مالك بن أوس من الولاية حتى يبرأ من عهدتها.
قوله: «اقْبِضْهُ أَيُّهَا الْمَرْءُ» ، أكد عليه في أخذ الولاية.
قوله: «فَبَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَهُ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَا» ، حاجب عمر رضي الله عنه اسمه: يرفا.
وفيه: مشروعية اتخاذ الحاجب، ولا بأس أن الأمير يضع حاجبًا على بابه حتى ينظم الناس ويرتبهم عند الباب، ومنه أن أبا موسى الأشعري رضي الله عنه قال: لأكونن اليوم بوابًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم قفًّا ووضع رجله في القف صار أبو موسى بوابًا للنبي صلى الله عليه وسلم فإذا إنسان حرك الباب فقلت: على رسلك حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أبو بكر ثم جاء عمر ثم جاء عثمان[(367)].
قوله: «هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا» هؤلاء الأربعة كلهم من العشرة المبشرين بالجنة استأذنوا على عمر وهم: عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف والزبير بن العوام وسعد بن أبي وقاص وعمر الخامس فالخمسة كلهم من المبشرين بالجنة.
وفيه: مشروعية السلام عند الدخول.
وفيه: أن الزائر يجلس حيث ينتهي به المجلس.
قوله: «ثُمَّ قَالَ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ؟ قَالَ: نَعَمْ فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلاَ فَسَلَّمَا فَجَلَسَا» ، سلما عند الدخول وجلسا كما فعل الرهط.
قوله: «فَقَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا» ، يشير إلى علي، وجاء في رواية أنهما استبّا ، وهذا ـ إن صح ـ يقول العلماء: هو من باب إدلال العباس على علي رضي الله عنه؛ لأنه عمه والعم له منزلة الوالد.
قوله: «وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَالِ بَنِي النَّضِيرِ» . وكان عمر دفعه إليهما على سبيل الولاية ، أي: ولاية الصدقة وفي صرفها؛ لأنها كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم في يده ينفق على نسائه يدخر نفقة سنة ـ كما سيأتي ـ ثم يصرف الباقي في المصالح ثم تولاها أبو بكر فصار يصرفها مصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تولاها عمر في أول خلافته ثم جاءا فطلبا إليه أن يدفعها إليهما فدفعها إليهما، وأخذ عليهما العهد والميثاق أن يصرفاها مثل ما كان يصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما كان يصرف أبو بكر وعمر ثم جاءا يختصمان يريدان أن يقسم بينهما كل واحد يتصرف فيما يخصه على سبيل ولاية الصدقة وصرفها في المصالح.
قوله: «فَقَالَ الرَّهْطُ: عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ» . والرهط من ثلاثة إلى تسعة يعني: الذين دخلوا: عثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص.
قوله: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ أَحَدَهُمَا مِنْ الآْخَرِ» يعني: اقض بين علي والعباس.
قوله: «تَيْدَكُمْ» ، وروي «تِيدكم» ، وروي «تيأدكم» ؛ وتيدكم مصدر، ومعنى تيدكم من التؤدة والرفق يعني: اصبروا وأمهلوا ولا تستعجلوا.
قوله: «أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَْرْضُ» ، يعني: أسألكم رافعًا نشدي أي: صوتي بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، وهذا الإذن إذن كوني قدري فالإذن إذنان: إذن كوني قدري، وإذن شرعي ـ كذلك الإرادة كونية وشرعية، والأمر كوني وشرعي ـ، فالإذن الكوني مثله قوله تعالى عن السحرة: [البَقَرَة: 102]{وَمَا هُمْ بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ}، والإذن الشرعي مثل قوله تعالى في سورة الحشر: [الحَشر: 5]{مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ}. لما حاصر المسلمون بني النضير فبعض الصحابة قطع النخيل وبعض الصحابة أبقاها، والذي قطع النخيل يريد أن يغيظ اليهود والذي أبقاها يقول: إنه مال اليهود للمسلمين فإن أبقاها تئول إلينا فالله تعالى أقر الفريقين.
قوله: «هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفْسَهُ» ، يعني: ناشدهم عمر وسألهم بالله هل سمعوا هذا الحديث من الرسول صلى الله عليه وسلم، وسبق أن هذا الحديث متواتر وأنه رواه العشرة المبشرون بالجنة.
قوله: «قَالَ الرَّهْطُ:» ، وهم عثمان وعبدالرحمن بن عوف والزبير وسعد بن أبي وقاص؛ قالوا: نعم قد قال ذلك.
قوله: «فَأَقْبَلَ عُمَرُ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا اللَّهَ أَتَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟» فأقروا بأن الرسول ما يورث وهذا الذي تركه ليس بإرث، وإنما هو صدقة.
قوله: «فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَْمْرِ» ، يعني: هذا المال الذي بأيديكم والذي تركه الرسول صلى الله عليه وسلم من فدك.
قوله: «إِنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْفَيْءِ بِشَيْءٍ لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ» ، والفيء هو ما أخذ من مال المشركين بدون قتال، والغنيمة ما أخذ من مال المشركين بعد القتال، والعلماء اختلفوا في الغنيمة والفيء؛ هل مصرفهما واحد أم يختلفان؟
فالجمهور على أنهما يختلفان فالفيء الذي أخذ من مال المشركين بدون قتال يكون للرسول صلى الله عليه وسلم يتصرف فيه ينفق على أهله والباقي يجعله في المصالح العامة في الجهاد وفي غيره، ولا يخمس كما قال الله في الآية: [الحَشر: 7]{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}. فهذا فدك ومال بني النضير أخذا من دون قتال فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتصرف فيها مصرف الفيء.
وأما الغنيمة فإنه يؤخذ الخمس ويقسم خمسة أخماس: خمس لله وللرسول وخمس لقرابة الرسول وخمس لليتامى وخمس للمساكين وخمس لابن السبيل كما قال الله: [الأنفَال: 41]{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}، والأربعة الأخماس تكون للغانمين.
والشافعي رحمه الله[(368)] قال: حكمهما واحد ولم يفرق بين الأمرين وقال: إن الفيء يُخَمّس أيضًا كالغنيمة.
قوله: «ثُمَّ قَرَأَ: [الحَشر: 6]{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ *}، ومعنى الآية أن الشيء الذي يؤخذ من المشركين بدون عناء وبدون قتال يأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم ويتصرف فيه والشيء الذي يأخذه بعد القتال يؤخذ الخمس والأربعة الأخماس للغانمين فعمر يذكرهم يقول: هذا الفيء أخذه الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه بدون قتال، ثم قرأ الآية.
قوله: «فَكَانَتْ هَذِهِ خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، يعني: هذا المال خاص برسوله صلى الله عليه وسلم.
قوله: «وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ وَلاَ اسْتَأْثَرَ بِهَا عَلَيْكُمْ قَدْ أَعْطَاكُمُوهَا وَبَثَّهَا فِيكُمْ» يعني: قرابته من بني هاشم يعني: أعطاكم من هذا المال وأنفق على قرابته، وأنفق على نسائه.
قوله: «حتى بقي منها هذا المال» هذا المال الذي بقي بعد وفاته.
قوله: «حَتَّى بَقِيَ مِنْهَا هَذَا الْمَالُ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ مِنْ هَذَا الْمَالِ» ، يعني: يدخر نفقة سنة لكن تأتي عليه النفقات والفقراء والضيوف وينتهي قبل السنة ثم يستدين صلى الله عليه وسلم؛ ولذا فإنه لا بأس بحبس القوت والادخار لمدة سنة وأنه لا ينافي التوكل على الله.
وفيه: رد على المتزهدة الذين يَدّعون الزهد ويقولون لا يجوز للإنسان أن يدخر نفقة لهذه المدة.
قوله: «ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ» ينفق في المصالح العامة وفي الجهاد وفي الفقراء والمساكين والضيوف.
قوله: «فَعَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ حَيَاتَهُ» ، يعني: هكذا يعمل مدة حياته ينفق على أهله من هذا المال والباقي يجعله مجعل مال الله.
قوله: «أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟» . هذا موجه للرهط.
قوله: «قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ قَالَ: لِعَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ ذَلِكَ؟» ، أي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتصرف هكذا قالا: نعم.
قوله: «قَالَ عُمَرُ: ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَبَضَهَا أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ» ، أي: عمل فيها مثل ما عمل النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: «ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ أَبَا بَكْرٍ فَكُنْتُ أَنَا وَلِيَّ أَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهَا سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهَا بِمَا عَمِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي فِيهَا لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ ثُمَّ جِئْتُمَانِي تُكَلِّمَانِي وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا وَاحِدٌ» ، أي: كنتما متفقين على شيء واحد تقولان: اقسم بيننا.
قوله: «جِئْتَنِي يَا عَبَّاسُ تَسْأَلُنِي نَصِيبَكَ مِنْ ابْنِ أَخِيكَ وَجَاءَنِي هَذَا يُرِيدُ عَلِيًّا يُرِيدُ نَصِيبَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا» ، يعني: لو كان له ميراث.
قوله: «فَقُلْتُ: لَكُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»» ، وهذا تركه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو صدقة.
قوله: «فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا، قُلْتُ: إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِمَا عَمِلَ فِيهَا أَبُو بَكْرٍ وَبِمَا عَمِلْتُ فِيهَا مُنْذُ وَلِيتُهَا» أخذ عليهما العهد والميثاق أن يتصرفا فيها مثل ما تصرف النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر.
قوله: «فَقُلْتُمَا ادْفَعْهَا إِلَيْنَا فَبِذَلِكَ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا» ، أي: على هذا الشرط.
قوله: «فَأَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِمَا بِذَلِكَ؟» ، يخاطب الرهط عثمان والزبير وعبدالرحمن بن عوف وسعدًا، فقال الرهط: نعم، نحن نشهد.
قوله: «ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا بِاللَّهِ هَلْ دَفَعْتُهَا إِلَيْكُمَا بِذَلِكَ؟» ، أي: بهذا الشرط أن تعملا فيها مثل ما عمل الرسول صلى الله عليه وسلم ومثل ما عمل أبو بكر ومثل ما عملت أنا، يعني: تأخذون النفقة فتنفقون على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم والباقي ينفق في مصالح المسلمين، «قَالاَ: نَعَمْ» .
قوله: «قَالَ: فَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ» ، جاء بصيغة الاستفهام على حذف حرف الاستفهام؛ والتقدير: أفتلتمسان مني قضاء غير ذلك؟ وكانا أرادا من عمر أن يقسمها؛ لينفرد كل منهما بنظر ما تولاه منها.
قوله: «فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَْرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهَا قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ» ، أي: ما عندي قضاء غير الأول.
قوله: «فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهَا فَادْفَعَاهَا إِلَيَّ فَإِنِّي أَكْفِيكُمَاهَا» ، يعني: فدك وما أفاء الله على رسوله إن أحببتما أن تعملا فيها على الشرط السابق فتبقى معكما وإلا ما عندي غير هذا القضاء، فإن عجزتما ادفعاها إلي.
أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنْ الدِّينِ
}3095{ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُ بِهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا، قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِْيمَانِ بِاللَّهِ، شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَعَقَدَ بِيَدِهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ.
قوله: «بَاب أَدَاءُ الْخُمُسِ مِنْ الدِّينِ» هذه الترجمة معقودة لبيان أن أداء الخمس من الإيمان، يعني: إذا غنموا غنيمة يؤدون الخمس للنبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقسمه خمسة أخماس وبعد وفاته يؤدى إلى إمام المسلمين، والخمس يقسم خمسة أقسام كما قال الله عز وجل في سورة الأنفال: خمس لله والرسول وخمس لقرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وخمس لليتامى وخمس للمساكين وخمس لابن لسبيل. قال تعالى: [الأنفَال: 41]{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ}.
والدِّين بالكسر إذا أطلق يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، فالدِّين توحيد الله وأداء الفرائض والواجبات، وكذلك الإيمان إذا أطلق يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، وكذلك الإسلام إذا أطلق يشمل الأعمال الظاهرة والباطنة، أما إذا قرن الإسلام بالإيمان فيفسر الإسلام بالأعمال الظاهرة ويفسر الإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل عليه السلام.
والدِّين ثلاث مراتب: الإسلام والإيمان والإحسان، كما جاء في حديث جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام ثم عن الإيمان ثم عن الإحسان ثم بعد ذلك سأله عن أشراط الساعة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا جبريل جاء يعلمكم دينكم» [(369)].
فأداء الخمس من الجيش الغانمين إلى الإمام من الدين وهو من الإيمان وهو من الإسلام.
}3095{ هذا الحديث فيه: ذكر وفد عبد القيس وكانوا يسكنون في الأحساء ـ وكانت في المناطق الشرقية وتشمل الأحساء، ودول الخليج كلها كانت تسمى البحرين ـ وهؤلاء أسلموا قديمًا في أول قدوم النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حتى إن مسجدهم مسجد جواثا بالأحساء صلي فيه الجمعة الثانية التي جمع بها بعد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فأول جمعة أقيمت في الإسلام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو قبل بناء المسجد ثم الجمعة الثانية أقيمت في بني وفد عبد القيس في الأحساء.
قوله: «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا هَذَا الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ» ، يعني: هم أسلموا ولم يستطيعوا أن يصلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم للحروب التي كانت بينهم في الجاهلية وفي أول الإسلام فكفار مضر يحاربونهم، لكن في الأشهر الحرم تضع الحرب أوزارها والعرب يوقفون الحرب فيها وهي أربعة أشهر ثلاثة متوالية وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم والرابع شهر رجب.
قوله: «فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُ بِهِ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا» ، أي: أعطنا من الكلمات الجامعة التي نستفيد منها ونعمل بها ونخبر بها من وراءنا فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: «قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِْيمَانِ بِاللَّهِ» ، ثم فسر الإيمان فقال: «شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَعَقَدَ بِيَدِهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ» ، ففسر الإيمان بالله بهذه الأشياء، فدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان.
وفيه: الرد على المرجئة الذين يقولون: إن الأعمال ليست داخلة في الإيمان؛ لأنه فسر الإيمان بالشهادتين والصلاة والزكاة والحج وأداء الخمس.
قوله: «وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ» ، يعني: أنهاكم عن جعل النبيذ في هذه الأشياء الأربعة الصلبة، والنبيذ هو العصير، وقد يكون عصير التمر أو عصير العنب أو عصير الذرة أو عصير الشعير، وكانوا يشربون اليوم الأول والثاني والثالث في شدة الحر، وفي اليوم الرابع يتخمر فيصير خمرًا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشرب اليوم الأول والثاني والثالث إلى العصر، فإن بقي شيء وبدا فيه بعض التغير سقاه الخادم أو أمر به فَصُب[(370)]، ولا يشربه تنزهًا.
قوله: «الدُّبَّاءِ» ، وهي قَرَع نَجْد الطويلة يؤخذ اللبة التي في وسطها فتكون صلبة، ثم يجعل فيها النبيذ.
قوله: «وَالنَّقِيرِ» : جذع النخل ينقر ويجعل فيه النبيذ.
قوله: «وَالْحَنْتَمِ» : الطين المطبوخ ، وهو الأزيار، فالزير الذي كان يصب فيه الماء قبل أن توجد الثلاجات يسمى حنتمًا.
قوله: «وَالْمُزَفَّتِ» المطلي بالزفت أو القار وهذه الأشياء صلبة إذا جعل فيها النبيذ ومضى يومان أو ثلاثة قد يتخمر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تنتبذوا في الأشياء الصلبة وإنما انتبذوا في الأوعية الرقيقة من الجلد[(371)]؛ لأن الجلد إذا وضع فيه النبيذ وتخمر يتمزق فَيُعرف أنه مسكر فلا يُشرب، ثم بعد ذلك لما استقر الإسلام وفهموا تحريم المسكر، وتمكن الإسلام من قلوبهم، نُسِخ هذا؛ وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا» [(372)].
فهذا قاله النبي صلى الله عليه وسلم قديمًا لوفد عبد القيس؛ لأنهم أسلموا قديمًا ثم نُسِخ هذا ورخص لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينتبذوا في كل وعاء سواء كان صلبًا أو غير صلب.
نَفَقَةِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ وَفَاتِهِ
}3096{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ».
}3097{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي، فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ.
}3098{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ قَالَ: مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَة.
}3096{ قوله: «لاَ يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا» ؛ هذا صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يُورثَ أي: شيء.
قوله: «مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ» ؛ لأن الأنبياء لا يورثون؛ ولهذا جاء في الحديث: «لا نورث، ما تركناه صدقة» [(373)]؛ لأن الأنبياء ما بعثوا لجمع المال وجمع الدنيا، وإنما بعثوا لهداية الناس فلا يُوَرِّثون المال وإنما يُوَرِّثون العلم والدين والإيمان، وما يتركه النبي ينفق على النساء ومئونة العامل؛ واختلفوا في المراد بالعامل:
فقيل: المراد به الخليفة بعده، يعني: ينفق على الخليفة؛ لأنه يقوم مقام النبي صلى الله عليه وسلم ويتولى أمر المسلمين فلابد له من شيء ينفقه على نفسه وأهله؛ لأنه متفرغ للمسلمين.
وقيل: المراد به العامل على النخل.
وقال بعضهم: المراد بالعامل حافر قبره، وهذا بعيد.
وقال بعضهم: المراد بالعامل خادمه.
وقال بعضهم: العامل على الصدقة.
وقال بعضهم: العامل يعني: الأجير.
والقول الأول هو المعتمد؛ فالمراد بعامله يعني: من يتولى الأمر بعده فما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ينفق على نسائه وينفق على الخليفة من بعده، والباقي يكون صدقة فلا يورث.
}3097{ قوله: «تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَا فِي بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ فِي رَفٍّ لِي» . يؤخذ منه أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كان لهن النفقة، ولو لم يكن الأمر كذلك ما بقي هذا الشعير عندها، وكان سيؤخذ ويقسم؛ فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يورث لأخذ الشعير الذي عندها وقسم تركة لكن بقي عندها مدة تأكل منه، والشيء الذي يخلفه ينفق على نسائه منه، والباقي يكون صدقة، فما ترك سوى شعير في بيت عائشة رضي الله عنها.
قوله: «فَأَكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ» ، يعني: جعل الله فيه البركة.
قوله: «فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ» ، أي: لما كالته وعدَّته فني، ففيه: أن ترك البقية من الطعام وغيره من غير كيل أولى من كيله.
}3098{ قوله: «مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلاَّ سِلاَحَهُ وَبَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ وَأَرْضًا تَرَكَهَا صَدَقَة» ؛ دل على أنه صلى الله عليه وسلم لا يورث، ولو كان يورث لما صارت الأرض صدقة بل صارت إرثًا، فسلاحه وبغلته البيضاء تستعمل في الجهاد في سبيل الله، والأرض التي تركها ينفق على نساء النبي صلى الله عليه وسلم منها والباقي يكون صدقة.
مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَمَا نُسِبَ مِنْ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [الأحزَاب: 33]{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وَ [الأحزَاب: 53]{لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}.
}3099{ حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى وَمُحَمَّدٌ قَالاَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ.
}3100{ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعٌ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي وَفِي نَوْبَتِي وَبَيْن سَحْرِي وَنَحْرِي وَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِسِوَاكٍ، فَضَعُفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ فَأَخَذْتُهُ فَمَضَغْتُهُ ثُمَّ سَنَنْتُهُ بِهِ.
}3101{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ أَنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَْوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ مَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إِذَا بَلَغَ قَرِيبًا مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنْ الأَْنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَفَذَا فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «عَلَى رِسْلِكُمَا» قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الإِْنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا».
}3102{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ عَنْ وَاسِعِ بْنِ حَبَّانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ.
}3103{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا.
}3104{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَطِيبًا فَأَشَارَ نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ فَقَالَ: هُنَا الْفِتْنَةُ ثَلاَثًا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ.
}3105{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ عَمْرَةَ ابْنَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَتْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عِنْدَهَا وَأَنَّهَا سَمِعَتْ صَوْتَ إِنْسَانٍ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُرَاهُ فُلاَنًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ».
قوله: «بَاب مَا جَاءَ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَمَا نُسِبَ مِنْ الْبُيُوتِ إِلَيْهِنَّ» . هذه الترجمة معقودة لبيان نسبة البيوت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال تعالى: « [الأحزَاب: 33]{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ}» فنسب البيوت إليهن، وقال تعالى: « [الأحزَاب: 53]{لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ}» ، فنسب البيوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا بأس بنسبة البيت إلى الرجل أو إلى زوجته فتقول: بيت فلان أو بيوت زوجات فلان.
}3099{ قوله: «فِي بَيْتِي» . هذا هو شاهد الترجمة حيث نسبت عائشة البيت لها، فلا بأس أن ينسب البيت للزوجة.
وفيه: أن الرجل إذا كان له عدد من الزوجات ثم مرض وشق عليه أن يعدل بينهن فإنه يستأذن زوجاته، وإذا أذنَّ بقي عند واحدة ولا بأس بهذا، وكذلك أيضًا في السفر إذا أذنَّ أن يسافر بواحدة، وإلا يكون بينهن القرعة فمن خرجت لها القرعة سافرت معه.
}3100{ هذا الحديث فيه: بيان منقبة لعائشة رضي الله عنها؛ حيث توفي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها، وفي نوبتها، وبين سحرها ونحرها، وأن جمع الله بين ريق النبي صلى الله عليه وسلم وريقها في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة.
قوله: «دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِسِوَاكٍ» فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليه وهو يتسوك وكان النبي يحب السواك فقالت: يا رسول الله آخذه لك؟ فأشار برأسه: فأخذته ومضغته ثم أعطته إياه، فاجتمع ريقه مع ريقها.
}3101{ قوله: «عِنْدَ بَابِ أُمِّ سَلَمَةَ» . هذا هو موضع الشاهد للترجمة حيث أضاف الباب إلى أم سلمة.
والحديث فيه فوائد عظيمة ، منها:
1- مشروعية الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان؛ والاعتكاف مشروع في رمضان وفي غيره على الصحيح، وفي العشر الأواخر يتأكد الاعتكاف، والاعتكاف معناه لغة: الحبس، وشرعًا: هو حبس الإنسان نفسه في المسجد لطاعة الله عز وجل.
$ر مسألة: اختلف العلماء هل الاعتكاف لابد له من صوم أم لا؟
_خ الجواب: القول الأول: قال الجمهور: لابد له من صوم، وأقل الاعتكاف يوم واحد يصوم فيه.
القول الثاني: ليس للاعتكاف حد محدد، ويجوز أن يعتكف ولو ساعة، ولا يشترط الصوم والدليل على هذا حديث عمر أنه قال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال: «أوف بنذرك» [(374)]. والليل ليس فيه صوم، فدل على أنه لا يشترط الصوم، وأنه يجوز أقل من يوم.
2- جواز زيارة المعتكف، والتحدث معه حتى ولو كانت زوجته؛ فصفية رضي الله عنها زارت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في معتكفه في المسجد.
3- أنه لا بأس للمعتكف إذا زارته زوجته أن يوصلها إلى بيتها ولا ينقص هذا الاعتكاف.
4- حديث صفية هذا أصل في مشروعية تشييع الزائر.
قوله: «مَرَّ بِهِمَا رَجُلاَنِ مِنْ الأَْنْصَارِ فَسَلَّمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَفَذَا» . وفي رواية أخرى: «أَسْرَعا» ، فلما أسرعا قال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: «على رِسْلِكما، إنها صفية بنت حيي» [(375)] أي: هذه زوجتي.
قوله: «قَالاَ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَبُرَ عَلَيْهِمَا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنْ الإِْنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ» ، وفي اللفظ الآخر: «يجري من ابن آدم مجرى الدم» [(376)].
قوله: «وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَيْئًا» ، وفي اللفظ الآخر: «شرًّا» [(377)]؛ فيه: دليل على أن الإنسان إذا كان معه أهله وخشي أن يتهمه أحد فإنه يخبر حتى يدفع التهمة عن نفسه فيقول: هذه زوجتي أو هذه أختي أو هذه أمي.
وفيه: دليل على أن الشيطان يدخل الإنسان.
وفيه: رد على المعتزلة وغيرهم الذين يقولون: إن الشيطان لا يمكن أن يدخل ابن آدم وأنكروا ذلك، ويدل عليه أيضًا قوله تعالى في المرابين: [البَقَرَة: 275]{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} وفي الآية الأخرى: [النَّاس: 4-6]{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ *الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ *مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ *}. والأدلة في هذا كثيرة.
}3102{ قوله: «ارْتَقَيْتُ فَوْقَ بَيْتِ حَفْصَةَ» ، وهي أخته، وهي زوجة النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا هو موضع الشاهد للترجمة حيث نسب البيت إلى حفصة.
قوله: «فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ الشَّأْمِ» فيه: دليل على أنه لا بأس باستقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في البنيان، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها» [(378)]؛ فهذا في الصحراء؛ للجمع بينهما، وهذا الذي عليه المحققون كالبخاري وجماعة.
ومن العلماء من منع من الاستقبال مطلقًا، ومنهم من أجاز في الاستدبار دون الاستقبال، ومنهم من أجاز مطلقًا، والمسألة فيها ثمانية أقوال لأهل العلم والصواب أنه يجوز في البنيان دون الصحراء؛ جمعًا بين النصوص.
}3103{ قوله: «وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا» هذا هو موضع الشاهد للترجمة حيث أضاف الحجرة إلى عائشة.
ويستفاد من الحديث: مشروعية التبكير بعد العصر.
}3104{ قوله: «نَحْوَ مَسْكَنِ عَائِشَةَ» . هذا هو موضع الشاهد للترجمة، حيث أضاف المسكن إلى عائشة.
قوله: «هُنَا الْفِتْنَةُ ثَلاَثًا مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» فيه: علم من علامات النبوة حيث وقع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالفتن والبدع كلها من المشرق، إما من المشرق الأقصى من جهة إيران والعراق؛ لأن الخوارج والجهمية والتتار كلهم جاءوا من المشرق الأقصى، والدجال ويأجوج ومأجوج كل هذه الفتن من المشرق الأقصى في آخر الزمان، وإما من المشرق الأدنى ـ وهو نجد ـ لأن مسيلمة الكذاب من نجد العرب الذين ارتدوا كربيعة ومضر والأسود العنسي باليمن، ولا يضر نجدًا الآن ـ لما فيها من الخير والتوحيد ـ أن مسيلمة سكنها؛ لأن الأرض تشرف بساكنها وتقبح بساكنها، فإن مكة خير البقاع وكان فيها المشركون الذين أخرجوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك المدينة كان فيها اليهود، ثم طهر الله مكة من المشركين، وطهر المدينة من اليهود، وكذلك نجد طهرها الله من مسيلمة.
}3105{ قوله: «فِي بَيْتِ حَفْصَةَ» هذا هو موضع الشاهد للترجمة حيث نسب البيت إلى حفصة.
قوله: «يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فِي بَيْتِكَ» ، أي: بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو بيت حفصة.
قوله: «فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أُرَاهُ فُلاَنًا لِعَمِّ حَفْصَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ» ، فدل على أن العم من الرضاعة يدخل على المرأة وتكشف له، فإذا أرضعت امرأة طفلاً في حولين خمس رضعات يكون الزوج الذي له اللبن أباه من الرضاع ويكون إخوته أعمامه من الرضاعة، فهذا عمها من الرضاع أخو الزوج الذي له اللبن الذي أرضع حفصة.
قوله: «الرَّضَاعَةِ الرَّضَاعَةُ تُحَرِّمُ مَا تُحَرِّمُ الْوِلاَدَةُ» . هذا عام وفي اللفظ الآخر: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» [(379)].
وفيه: أن الرضاعة حكمها حكم النسب تحرم ما يحرمه النسب، فالأم من النسب تحرم على الإنسان وكذلك أمه من الرضاع، والبنت من النسب والبنت من الرضاع، والأخت والعمة والخالة من النسب ومن الرضاع، كما قال تعالى في النسب: [النِّسَاء: 23]{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ}؛ فهذه سبعة تحرم من النسب وتحرم مثلهن من الرضاعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب» [(380)].
وفيه: دليل على أن لبن الفحل، يعني: الزوج يُحَرِّم؛ فإذا ارتضع طفل من امرأة خمس رضعات في الحولين صارت هذه المرضعة أمًّا له من الرضاع وصار جميع أبنائها وبناتها من هذا الزوج الذي له اللبن إخوة له من الرضاع أشقاء، وأولادها من زوجها السابق أو زوجها اللاحق إخوة له من الرضاع من الأم، وصار أبو المرضعة جد الرضيع من الرضاعة، وإخوتها أخواله من الرضاعة، وصار الزوج الذي له اللبن أبوه من الرضاعة، وصار إخوته أعمامه من الرضاعة.
فقاعدة الرضاع أن الحرمة تنتشر في ثلاثة أشخاص:
الأول: المرضعة التي أرضعت الطفل تنتشر الحرمة فيها وفي جميع أقاربها؛ أبنائها وبناتها وإخوتها وأبيها وأعمامها كلهم يصير لهم علاقة بالرضيع.
الثاني: الزوج الذي له اللبن تنتشر الحرمة فيه، فيكون أبًا لهذا الرضيع من الرضاعة وجميع أقاربه وإخوته يكونون أعمامه من الرضاعة، وأولاده منها إخوة له أشقاء من الرضاعة، وأولاده من غيرها إخوة للرضيع من الأب وهكذا.
الثالث: الرضيع نفسه تنتشر الحرمة فيه وفي أولاده؛ فيكون هو ابنا للمرضعة وابنًا لزوجها وأولاده وبناته كذلك أبناء أبناء.
أما أبو الرضيع من النسب وإخوته من النسب وأمه من النسب فلا علاقة لهم بهذا الرضاع أبدًا، فيجوز للشخص أن يزوج أخاه من النسب أخته من الرضاعة.
مَا ذُكِرَ مِنْ دِرْعِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وَعَصَاهُ وَسَيْفِهِ وَقَدَحِهِ وَخَاتَمِهِ، وَمَا اسْتَعْمَلَ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ قِسْمَتُهُ وَمِنْ شَعَرِهِ وَنَعْلِهِ وَآنِيَتِهِ مِمَّا يَتَبَرَّكُ أَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
}3106{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَْنْصَارِيُّ قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍرضي الله عنه لَمَّا اسْتُخْلِفَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ وَكَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ نَقْشُ الْخَاتَمِ ثَلاَثَةَ أَسْطُرٍ مُحَمَّدٌ سَطْرٌ وَرَسُولُ سَطْرٌ وَاللَّهِ سَطْرٌ.
}3107{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَْسَدِيُّ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: أَخْرَجَ إِلَيْنَا أَنَسٌ نَعْلَيْنِ جَرْدَاوَيْنِ لَهُمَا قِبَالاَنِ فَحَدَّثَنِي ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ بَعْدُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمَا نَعْلاَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
}3108{ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ ابْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ رضي الله عنها كِسَاءً مُلَبَّدًا، وَقَالَتْ: فِي هَذَا نُزِعَ رُوحُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَزَادَ سُلَيْمَانُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْرَجَتْ إِلَيْنَا عَائِشَةُ إِزَارًا غَلِيظًا مِمَّا يُصْنَعُ بِالْيَمَنِ وَكِسَاءً مِنْ هَذِهِ الَّتِي يَدْعُونَهَا الْمُلَبَّدَةَ.
}3109{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ ابْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْكَسَرَ فَاتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ.
قَالَ عَاصِمٌ: رَأَيْتُ الْقَدَحَ وَشَرِبْتُ فِيهِ.
}3110{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ كَثِيرٍ حَدَّثَهُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدُّؤَلِيِّ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ حَدَّثَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ حُسَيْنٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ مِنْ عِنْدِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ مَقْتَلَ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ إِلَيَّ مِنْ حَاجَةٍ تَأْمُرُنِي بِهَا؟ فَقُلْتُ لَهُ: لاَ، فَقَالَ لَهُ: فَهَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ وَايْمُ اللَّهِ لَئِنْ أَعْطَيْتَنِيهِ لاَ يُخْلَصُ إِلَيْهِمْ أَبَدًا حَتَّى تُبْلَغَ نَفْسِي إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ ابْنَةَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ _ب فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ النَّاسَ فِي ذَلِكَ عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ، فَقَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ، قَالَ: حَدَّثنِي فَصَدَقَنِي وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلاَلاً وَلاَ أُحِلُّ حَرَامًا وَلَكِنْ وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ أَبَدًا».