شعار الموقع

شرح كتاب فرض الخمس من صحيح البخاري (57-4)

00:00
00:00
تحميل
130

 

  الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ

}3125{ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ.

 

قوله: «بَاب الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» قال الحافظ: «هذا لفظ ُأَثَرٍ أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن طارق بن شهاب: «أن عمر كتب إلى عمار أن الغنيمة لمن شهد الوقعة» ، ذكره في قصة» .

}3125{ قوله: «قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلاَّ قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ» ، يعني: أن عمر رضي الله عنه في هذا الحديث صرح بما دل عليه الأثر أن الغنيمة أصلها للمقاتلين، لكن عارضه أيضًا حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة، فوقفها على المسلمين وضرب عليها الخراج، وتأول قول الله تعالى: [الحَشر: 10]{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ} أنهم يستفيدون منها، والمعنى أن عمر اجتهد فلم يقسم بعض الأرض المغنومة بين الغانمين كأرض العراق والسواد لما فتحها المسلمون ـ والأصل أنها تقسم بين المسلمين الذين قاتلوا وفتحوا ـ بل وقفها وجعل عليها خراجًا لنوائب المسلمين، يعني: تزرع وتغل ثم مغلها تنفق على المسلمين ولنوائب المسلمين ولمن يأتي بعد ذلك.

واستدل على ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم حيث لم يقسم بعض أرض خيبر وقسم بعضها على الغانمين.

  مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ

}3126{ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ، قَالَ: حَدَّثنَا أَبُو مُوسَى الأَْشْعَرِيُّ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».

 

قوله: «بَاب مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان حال من قاتل لأجل حصول الغنيمة هل ينقص أجره؟

والجواب: أنه ليس له أجر فضلاً عن النقصان؛ لأن المجاهد هو من كانت نيته لتكون كلمة الله هي العليا.

}3126{ قوله: «قَالَ أَعْرَابِيٌّ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:» سؤال الأعرابي سؤال له شأن عظيم.

قوله: «الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ» ، يعني: لأجل الغنيمة.

قوله: «وَالرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ» ؛ لأجل الشهرة.

قوله: «وَيُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ» ؛ ليعلم أنه شجاع.

قوله: «مَنْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟» فالنبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن ذلك كله وأتى بكلمة جامعة؛ لأنه أوتي جوامع الكلم، فقال: «مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، و «مَنْ» من صيغ العموم، و «كَلِمَةُ اللَّهِ» ـ كما سبق ـ نوعان: خبر وأمر، فتصدق أخبار الله وأخبار رسوله وتنفذ أحكامهما، فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، وأما من قصد الدنيا من مال أو شهرة أو ليذكره الناس بالشجاعة فهذا ليس في سبيل الله، لكن هل من قاتل بنية إعلاء كلمة الله وبنية المغنم فهل ينقص ذلك من أجره عند الله تعالى؟ هذا محتمل؛ ولهذا توقف المؤلف رحمه الله في الترجمة فقال: «مَنْ قَاتَلَ لِلْمَغْنَمِ هَلْ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ» قال ابن المنير: «أراد البخاري أن قصد الغنيمة لا يكون منافيًا للأجر ولا منقصًا إذا قصد معه إعلاء كلمة الله» ، قال الحافظ: «الذي يظهر أن النقص من الأجر أمر نسبي، فليس من قصد إعلاء كلمة الله محضًا في الأجر مثل من ضم إلى هذا القصد قصدًا آخر من غنيمة وغيرها» .

يعني: أن الناس يتفاوتون في الأجر، فمن قصد قصدًا محضًا إعلاء كلمة الله فهذا أجره عظيم، وأجره كامل، وأما من قصد إعلاء كلمة الله والغنيمة فهذا أجره ناقص.

ومن قُتل وهو يدافع عن نفسه أو يدافع عن ماله أو أهله أو وطنه إذا هجم عليه العدو فهذا شهيد، وهو في سبيل الله لكن على التقييد، لكن ليس كشهيد المعركة الذي قاتل لإعلاء كلمة الله؛ فهذا في سبيل الله على الإطلاق.

  قِسْمَةِ الإِْمَامِ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ وَيَخْبَأُ

لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ أَوْ غَابَ عَنْهُ

}3127{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِدًا لِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ فَقَامَ عَلَى الْبَاب، فَقَالَ: ادْعُهُ لِي فَسَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَوْتَهُ، فَأَخَذَ قَبَاءً فَتَلَقَّاهُ بِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِأَزْرَارِهِ، فَقَالَ: «يَا أَبَا الْمِسْوَرِخَبَأْتُ هَذَا لَكَ يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ.

وَرَوَاهُ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ.

وَقَالَ حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقْبِيَةٌ.

تَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ.

 

قوله: «بَاب قِسْمَةِ الإِْمَامِ مَا يَقْدَمُ عَلَيْهِ» . قال الحافظ: «أي: من جهة أهل الحرب» .

قوله: «وَيَخْبَأُ لِمَنْ لَمْ يَحْضُرْهُ» ، أي: في مجلس القسمة.

قوله: «أَوْ غَابَ عَنْهُ» ، أي: في غير بلد القسمة. قال ابن المنير: «فيه رد لما اشتهر بين الناس أن الهدية لمن حضر» .

}3127{ قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ» . هذا الحديث استدل به المؤلف رحمه الله على قسمة الإمام ما يقدم عليه ـ والأقبية هي الثياب التي لها أزرار ـ فقسمها على أصحابه، وكان مخرمة غائبًا فأبقى له حقه، ومخرمة كان كفيف البصر، وجاء ومعه ابنه المسور «وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ» ، وفي اللفظ الآخر: «في خلقه شيء» [(408)] فوقف على الباب وقال: ادع لي الرسول صلى الله عليه وسلم، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما سمع صوته عرفه، فأخذ القباء وأتى به.

قوله: «خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» ؛ هذا من حسن خلقه صلى الله عليه وسلم خشية أن يصدر منه من الكلام ما لا يليق.

وفيه: أنه ينبغي للإنسان أن يلاحظ إخوانه وأقرباءه ويراعي أحوالهم وما يناسب أخلاقهم، قبل أن يصدر منهم من الأقوال والأعمال ما لا يليق، فالنبي صلى الله عليه وسلم بمجرد أن سمع صوته أخرج القباء إليه.

  كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ

وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ فِي نَوَائِبِهِ

}3128{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَْسْوَدِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.

 

قوله: «بَاب كَيْفَ قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ، وَمَا أَعْطَى مِنْ ذَلِكَ فِي نَوَائِبِهِ» هذا الباب معقود لبيان كيفية قسمة النبي صلى الله عليه وسلم بني قريظة وبني النضير وهما قبيلتان من اليهود، والنوائب: كالنفقة على أهله صلى الله عليه وسلم.

}3128{ قوله: «كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ» ؛ يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد على الأنصار ما جعلوه له، وذلك بعدما حارب بني قريظة وبني النضير وهما من اليهود، وكانت قريظة نقضت العهد فقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم وقسم أموالهم وعقارهم بين المسلمين، وكانت الأنصار تعطي إخوانهم من المهاجرين من النخلات، فلما وزّع عليهم نخل بني النضير وقريظة، رد المهاجرون على الأنصار النخلات واكتفوا بما عندهم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ومحصل القصة أن أرض بني النضير كانت مما أفاء الله على رسوله، وكانت له خالصة لكنه آثر بها المهاجرين وأمرهم أن يعيدوا إلى الأنصار ما كانوا واسوهم به لما قدموا عليهم المدينة ولا شيء لهم فاستغنى الفريقان جميعًا بذلك، ثم فتحت قريظة لما نقضوا العهد فحوصروا فنزلوا على حكم سعد بن معاذ وقسمها النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه وأعطى من نصيبه في نوائبه أي: في نفقات أهله ومن يطرأ عليه ويجعل الباقي في السلاح والكراع عدة في سبيل الله كما ثبت في «الصحيحين» من حديث مالك بن أوس عن عمر»[(409)] .

  بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا

مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوُلاَةِ الأَْمْرِ

}3129{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ: لأَِبِي أُسَامَةَ أَحَدَّثَكُمْ هِشَامُ ابْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيِّ إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي أَفَتُرَى يُبْقِي دَيْنُنَا مِنْ مَالِنَا شَيْئًا، فَقَالَ: يَا بُنَيِّ بِعْ مَالَنَا فَاقْضِ دَيْنِي وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، يَقُولُ: ثُلُثُ الثُّلُثِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ مَالِنَا فَضْلٌ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيْءٌ فَثُلُثُهُ لِوَلَدِكَ.

قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدِ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازَى بَعْضَ بَنِي الزُّبَيْرِ خُبَيْبٌ وَعَبَّادٌ وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعَةُ بَنِينَ وَتِسْعُ بَنَاتٍ.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَجَعَلَ يُوصِينِي بِدَيْنِهِ وَيَقُولُ: يَا بُنَيِّ إِنْ عَجَزْتَ عَنْهُ فِي شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ مَوْلاَيَ قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَرَيْتُ مَا أَرَادَ حَتَّى قُلْتُ: يَا أَبَةِ مَنْ مَوْلاَكَ قَالَ اللَّهُ: قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا وَقَعْتُ فِي كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزُّبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ فَيَقْضِيهِ فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ رضي الله عنه وَلَمْ يَدَعْ دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا إِلاَّ أَرَضِينَ مِنْهَا الْغَابَةُ وَإِحْدَى عَشْرَةَ دَارًا بِالْمَدِينَةِ وَدَارَيْنِ بِالْبَصْرَةِ وَدَارًا بِالْكُوفَةِ وَدَارًا بِمِصْرَ قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الَّذِي عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يَأْتِيهِ بِالْمَالِ فَيَسْتَوْدِعُهُ إِيَّاهُ فَيَقُولُ الزُّبَيْرُ: لاَ وَلَكِنَّهُ سَلَفٌ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعَةَ وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلاَ جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلاَ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ قَالَ: فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي كَمْ عَلَى أَخِي مِنْ الدَّيْنِ فَكَتَمَهُ، فَقَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ، فَقَالَ حَكِيمٌ: وَاللَّهِ مَا أُرَى أَمْوَالَكُمْ تَسَعُ لِهَذِهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُاللَّهِ: أَفَرَأَيْتَكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ، قَالَ: مَا أُرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي، قَالَ: وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ فَبَاعَهَا عَبْدُاللَّهِ بِأَلْفِ أَلْفٍ وَسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ حَقٌّ فَلْيُوَافِنَا بِالْغَابَةِ فَأَتَاهُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ وَكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبَعُ مِائَةِ أَلْفٍ.

فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ، قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ قَالَ: قَالَ فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا، قَالَ: فَبَاعَ مِنْهَا فَقَضَى دَيْنَهُ فَأَوْفَاهُ وَبَقِيَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ فَقَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعِنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قُوِّمَتْ الْغَابَةُ؟ قَالَ: كُلُّ سَهْمٍ مِائَةَ أَلْفٍ قَالَ: كَمْ بَقِيَ؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، قَالَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ قَالَ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، وَقَالَ ابْنُ زَمْعَةَ قَدْ أَخَذْتُ سَهْمًا بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كَمْ بَقِيَ؟ فَقَالَ: سَهْمٌ وَنِصْفٌ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمْسِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ، قَالَ: وَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ نَصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِسِتِّ مِائَةِ أَلْفٍ فَلَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضَاءِ دَيْنِهِ، قَالَ بَنُو الزُّبَيْرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيرَاثَنَا، قَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْسِمُ بَيْنَكُمْ حَتَّى أُنَادِيَ بِالْمَوْسِمِ أَرْبَعَ سِنِينَ أَلاَ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا فَلْنَقْضِهِ، قَالَ: فَجَعَلَ كُلَّ سَنَةٍ يُنَادِي بِالْمَوْسِمِ فَلَمَّا مَضَى أَرْبَعُ سِنِينَ قَسَمَ بَيْنَهُمْ، قَالَ: فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَرَفَعَ الثُّلُثَ فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ.

 

قوله: «بَاب بَرَكَةِ الْغَازِي فِي مَالِهِ حَيًّا وَمَيِّتًا، مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَوُلاَةِ الأَْمْرِ» . هذه الترجمة معقودة لبيان البركة الحاصلة للغازي في ماله حيًّا وميتًا مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر.

}3129{ هذا الحديث طويل، لكنه جميل وفيه: قصة.

فقوله: «عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ» ، هو عبدالله بن الزبير بن العوام القرشي، وأبوه الزبير بن العوام رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة.

قوله: «لَمَّا وَقَفَ الزُّبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعَانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيِّ إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ وَإِنِّي لاَ أُرَانِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَوْمَ مَظْلُومًا» . وسمي يوم الجمل بهذا الاسم بسبب الجمل الذي ركبته عائشة رضي الله عنها، فإن الزبير وطلحة وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهم ذهبوا يطالبون بدم عثمان رضي الله عنه، ووقعت اختلافات كثيرة بينهم وبين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أدت إلى نشوب معركة بينهم وقتل فيها عدد كبير من الطرفين.

قوله: «وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَيْنِي» أي: عندي هم ثقيل وهو قضاء ديني، فأوصاه قبل حصول وقعة الجمل بقضاء الديون.

قوله: «وَأَوْصَى بِالثُّلُثِ وَثُلُثِهِ لِبَنِيهِ يَعْنِي بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ» ؛ لأنهم لا يرثون، وهم بنو عبدالله بن الزبير، فأولاد الأولاد أوصى لهم الزبير، والوصية لغير الوارث مشروعة وجائزة؛ فعبدالله ابنه يرث لكن أولاد عبدالله لا يرثون، فيجوز لجدهم أن يوصي لهم، فأوصى لهم بثلث الثلث، وقد كان الزبير له تسع بنين وتسع بنات؛ أي: ثمانية عشر، وأربع زوجات.

قوله: «وَمَا وَلِيَ إِمَارَةً قَطُّ وَلاَ جِبَايَةَ خَرَاجٍ وَلاَ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي غَزْوَةٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ مَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم» . هذا هو الشاهد للترجمة، فالمؤلف أتى بهذه القصة في الجهاد؛ لأنه ما ولي إمارة ولا جباية إلا أنه يكون في غزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم أو مع من بعده.

قوله: «فَحَسَبْتُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ» . هذا الدين لما حسبه وجده ألفي ألف ومائتي ألف، يعني: مليونين ومائتي ألف، وما خَلّف دينارا، ولا درهما، ما خلف إلا أراضي.

قوله: «كَمْ عَلَى أَخِي» ، يعني: الزبير، أخوه في الإسلام لا أخوة النسب.

قوله: «وَكَانَ الزُّبَيْرُ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ وَمِائَةِ أَلْفٍ» . فالغابة وحدها باعها بمليون وستمائة ألف، وبقي أيضًا إحدى عشرة دارًا، يعني: أغلب الدين كله ذهب ببعه للغابة.

قوله: «فَقَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ» يعني: إن شئتم نسامحكم في الأربعمائة.

قوله: «قَالَ: فَإِنْ شِئْتُمْ جَعَلْتُمُوهَا فِيمَا تُؤَخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لاَ قَالَ: قَالَ فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً» ، أي: تجعلوني آخر من توفون، قال عبدالله: بل نقطع لك قطعة من الأرض ونعطيك.

قوله: «فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: لَكَ مِنْ هَاهُنَا إِلَى هَاهُنَا» وهذه قصة عجيبة تدل على بركة الغازي في سبيل الله في ماله وأهله حيًّا وميتًا، يعني: توفي رضي الله عنه وما ترك دينارًا ولا درهمًا، ولكن ترك هذه الأراضي، ودينه مليونان ومائتا ألف، فَوَفى الله له كل ديونه وبقي خير كثير.

قوله: «فَكَانَ لِلزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَرَفَعَ الثُّلُثَ فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ» ، يعني: كل امرأة أصابها من الإرث مليون ومائتا ألف، وجميع ماله خمسون مليوناً ومائتا ألف بعد قضاء الدين، فهذا هو الزبير المجاهد بارك الله له في ماله حيًّا وميتًا؛ لأنه أخذ أموال الناس يريد حفظها وأداءها فأدى الله عنه كما ثبت في «صحيح البخاري» أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله» [(410)] وكان الزبير أخذها يريد أداءها، فكان إذا استودعه أحد وديعة قال: لا ولكنه سلف أخشى عليه الضيعة، فعلم الله صدق نيته فبارك في ماله حيًّا وميتًا وأدى عنه.

وفيه: دليل على أنه لا بأس بتملك المال ولو كان كثيرًا.

وفيه: الرد على الاشتراكيين الذين يقولون: لا يجوز للإنسان أن يتملك في المال.

وفيه: الرد على بعض الزهاد والعباد والصوفية الذين يقولون: يجب على الإنسان أن ينفق ما زاد عن قوت يومه؛ فهذا الزبير من العشرة المبشرين بالجنة كان عنده أرض بالغابة، وكان له إحدى عشرة دارًا بالمدينة وداران بالبصرة، ودار بالكوفة، وكان ما عليه من دين بهذا الكم، فأوفى الله له هذا الدين الكبير وبقي لورثته خير كثير.

  إِذَا بَعَثَ الإِْمَامُ رَسُولاً فِي حَاجَةٍ

أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ هَلْ يُسْهَمُ لَهُ

}3130{ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مَوْهَبٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: إِنَّمَا تَغَيَّبَ عُثْمَانُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ مَرِيضَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ».

 

قوله: «بَاب إِذَا بَعَثَ الإِْمَامُ رَسُولاً فِي حَاجَةٍ أَوْ أَمَرَهُ بِالْمُقَامِ هَلْ يُسْهَمُ لَهُ» . هذه المسألة خلافية بين أهل العلم؛ ولهذا لم يجزم المؤلف بالحكم، فمن العلماء من قال: يسهم له، ومنهم من قال: لا يسهم إلا لمن شهد الوقعة؛ ولهذا ترجم المؤلف في الترجمة السابقة «بَاب الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَقْعَةَ» ، والأصل في الغنيمة أنها تكون للغانمين.

}3130{ قوله: «إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ» . والحديث: دليل لمن قال بأن الإمام إذا بعث رسولاً في حاجة أو أمره بالمقام فإنه يسهم له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسهم لعثمان رضي الله عنه لما تغيب عن غزوة بدر الكبرى في أمر النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه يمرض زوجته بنت النبي صلى الله عليه وسلم، فأقام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم فله الأجر وله السهم؛ لأنه ما أقام إلا بإذن الإمام، ولا ذهب إلا لأن الإمام بعثه؛ فلولا أن الإمام هو الذي بعثه في حاجة أو أمره بالمقام لشهد الوقعة، فلما تخلف عن الجهاد بأمر الإمام صار حكمه حكم الغانمين وحكم المجاهدين.

  وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ

مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ فَتَحَلَّلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعِدُ النَّاسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ مِنْ الْفَيْءِ وَالأَْنْفَالِ مِنْ الْخُمُسِ، وَمَا أَعْطَى الأَْنْصَارَ وَمَا أَعْطَى جَابِرَ بْنَ عَبْدِاللَّهِ تَمْرَ خَيْبَرَ.

}3131{، }3132{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ: حَدَّثنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثنِي عُقَيْلٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَيَّ أَصْدَقُهُ» فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، إِمَّا السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ، وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَ آخِرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنْ الطَّائِفِ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ»، فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» فَرَجَعَ النَّاسُ فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا فَهَذَا الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ.

}3133{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، قَالَ: وَحَدَّثَنِي الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِيُّ وَأَنَا لِحَدِيثِ الْقَاسِمِ أَحْفَظُ عَنْ زَهْدَمٍ: قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى فَأُتِيَ ذَكَرَ دَجَاجَةً وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّهِ أَحْمَرُ كَأَنَّهُ مِنْ الْمَوَالِي فَدَعَاهُ لِلطَّعَامِ فَقَالَ إِنِّي رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ فَحَلَفْتُ لاَ آكُلُ فَقَالَ: هَلُمَّ فَلأُْحَدِّثْكُمْ عَنْ ذَاكَ إِنِّي أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ الأَْشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ وَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِنَهْبِ إِبِلٍ فَسَأَلَ عَنَّا فَقَالَ: «أَيْنَ النَّفَرُ الأَْشْعَرِيُّونَ؟» فَأَمَرَ لَنَا بِخَمْسِ ذَوْدٍ غُرِّ الذُّرَى فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قُلْنَا مَا صَنَعْنَا لاَ يُبَارَكُ لَنَا فَرَجَعْنَا إِلَيْهِ فَقُلْنَا إِنَّا سَأَلْنَاكَ أَنْ تَحْمِلَنَا فَحَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا أَفَنَسِيتَ؟ قَالَ: «لَسْتُ أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا».

}3134{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرَةً فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا.

}3135 {حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنَفِّلُ بَعْضَ مَنْ يَبْعَثُ مِنْ السَّرَايَا لأَِنْفُسِهِمْ خَاصَّةً سِوَى قِسْمِ عَامَّةِ الْجَيْشِ.

}3136{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالآْخَرُ أَبُو رُهْمٍ إِمَّا، قَالَ: فِي بِضْعٍ وَإِمَّا قَالَ: فِي ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ وَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابَهُ عِنْدَهُ، فَقَالَ جَعْفَرٌ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَنَا هَاهُنَا وَأَمَرَنَا بِالإِْقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا فَأَقَمْنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لأَِحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلاَّ أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ.

}3137{ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ سَمِعَ جَابِرًا رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ قَدْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» فَلَمْ يَجِئْ حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَمَرَ أَبُو بَكْرٍ مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لِي كَذَا وَكَذَا فَحَثَا لِي ثَلاَثًا وَجَعَلَ سُفْيَانُ يَحْثُو بِكَفَّيْهِ جَمِيعًا، ثُمَّ قَالَ لَنَا: هَكَذَا قَالَ لَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: وَقَالَ مَرَّةً: فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَسَأَلْتُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَقُلْتُ: سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ سَأَلْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي؟ قَالَ: قُلْتَ: تَبْخَلُ عَنِّي مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ.

قَالَ سُفْيَانُ: وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ جَابِرٍ فَحَثَا لِي حَثْيَةً، وَقَالَ: عُدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ، قَالَ: فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ.

وَقَالَ: يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ.

}3138{ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: اعْدِلْ، فَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ».

 

قوله: «بَاب» هذه الترجمة تابعة للأبواب والتراجم السابقة فيما يتعلق بالخمس، قال الحافظ: «هو عطف على الترجمة التي قبل ثمانية أبواب حيث قال: «الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمَسَاكِينِ» وقال هنا: «لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ» ، وقال بعد باب: «وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلإِْمَامِ» والجمع بين هذه التراجم أن الخُمُس لنوائب المسلمين وإلى النبي صلى الله عليه وسلم مع تولي قسمته أن يأخذ منه ما يحتاج إليه بقدر كفايته، والحكم بعده كذلك يتولى الإمام ما كان يتولاه، هذا محصل ما ترجم به المصنف» .

يعني: ما ينوب المسلمين وما يعتريهم من الحوائج يصرف الإمام فيه الخمس، فيما يحتاجونه للجهاد في سبيل الله من العتاد والسلاح، وما يحتاجونه في إقامة مصالحهم والإنفاق على الفقير منهم؛ فهذا دليل على أن الخمس يتصرف فيه الإمام ويصرفه في نوائب المسلمين.

وأما أربعة أخماس الغنيمة فإنها تكون للغانمين، والخمس يتصرف فيه الإمام؛ فيقسم خمسة أقسام: خمس لله وللرسول، وخمس لذوي القربى؛ قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم، وخمس لليتامى، وخمس للمساكين، فالخمس لله وللرسول يقضي منه حوائجه ثم يصرف الباقي في الكراع والسلاح وفي حوائج المسلمين، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم تولى أمره الإمام، والإمام يصرفه في نوائب المسلمين.

وذكر المؤلف رحمه الله أدلة على أن الخمس يكون لنوائب المسلمين؛ فقال: «مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ فَتَحَلَّلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» ، وهو الحديث الذي يذكره بعد هذا ويأتي الكلام عليه.

قوله: «مَا سَأَلَ هَوَازِنُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِرَضَاعِهِ فِيهِمْ فَتَحَلَّلَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» يقول: الرسول صلى الله عليه وسلم تحلل فيهم، وتحلل من المسلمين، يعني: طلبهم أن يسمحوا عن حقهم ويرده على هوازن بسبب رضاعه فيهم؛ لأن حليمة السعدية التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم من هوازن.

وقول المؤلف رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى هوازن من الخمس بسبب رضاعه فيهم فيه نظر، وهو قول مرجوح، والأرجح أنه أعطاهم تأليفًا لهم على الإسلام لا من أجل أن حليمة السعدية أرضعته منهم.

 

}3131{، }3132{ قوله: «وَزَعَمَ عُرْوَةُ» . زعم تأتي بمعنى الادعاء الكاذب، وتأتي بمعنى القول، وهو المراد هنا.

قوله: «وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ» . وهذا للغيبة، يعني: انتظرت وتمهلت.

قوله: «أَمَّا بَعْدُ» فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقول: أما بعد، وهذه عادته صلى الله عليه وسلم.

قوله: «فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ هَؤُلاَءِ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ» ، يعني: هوازن.

قوله: «وَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ» ، أي: نساءهم من زوجات وإماء وأولادهم وعبيدهم.

قوله: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُطَيِّبَ فَلْيَفْعَلْ» ، أي: من أحب أن تطيب نفسه بمثل ما طابت نفسي فجزاه الله خيراً، ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل، يعني: الذي يحب أن يتبرع فليتبرع، والذي لا يحب نعوضه حقه من أول غنيمة تأتينا.

قوله: «قَدْ طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» ، أي: قد طابت نفوسنا ما دامت نفسك قد طابت.

قوله: «إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ» . لا ندري من طابت نفسه ومن لم تطب.

قوله: «فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» . العرفاء هم الرؤساء.

وفيه: دليل على اتخاذ العرفاء وهم رؤساء القبائل؛ لأنهم يرفعون أمركم يخبروننا بالذي طابت نفسه والذي يريد أن يبقى على حظه.

وفيه: دليل على أنه لابد من أن يكون للقبائل والعشائر رؤساء يرفعون أمر الناس وإلا تكون المسألة فوضى؛ ولذلك أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجعوا إلى رؤسائهم، فأخبروه أنهم قد طَيّبوا، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم جميع نسائهم وذراريهم، الذي طابت نفسه منهم بدون مقابل والذي لم تطب نفسه يعوض عنها من أول غنيمة، والمؤلف رحمه الله استدل بهذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاهم سبيهم من الخمس؛ «بَاب وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِنَوَائِبِ الْمُسْلِمِينَ» .

 

}3133{ هذه القصة خلاصتها أن أبا موسى الأشعري قدم له طعام فيه دجاج وعنده رجل فامتنع من أكلها، فقال: لماذا تمتنع؟ قال: لأني رأيته يأكل شيئًا فقذرته، فحلفت أني ما آكل، فقال له أبو موسى: لا حرج؛ كفر عن يمينك وكل، فذكر له أن الرسول صلى الله عليه وسلم حلف وكفّر عن يمينه.

قوله: «وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا» ، يعني: تحللتها بالكفارة.

وفيه: الحلف وإن لم يستحلف.

ففيه: دليل على أن الإنسان إذا حلف على شيء ثم رأى غيرها خيرًا منها لا يَلَجّ في يمينه، فبعض الناس يحلف أنه لن يزور جاره فلاناً ولا يأكل طعامه، فإذا قيل له: يا فلان هذا جارك، قال: والله أنا حلفت وأنا علي يمين؛ لكن نقول: اليمين لا تمنع من فعل الخير.

قال صلى الله عليه وسلم: «وَإِنِّي وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا» ، وفي اللفظ الآخر: «إلا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير» [(411)]. فيجوز تقديم الكفارة وتأخيرها، يعني: لك أن تقدم الكفارة على الحلف، ولك أن تحنث وتؤخر الكفارة.

والشاهد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم حمل الأشعريين على الإبل التي جاءته من الغنيمة، فهي من الخمس الذي يتصرف فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، فالخمس يتصرف فيه الإمام لنوائب المسلمين، وهذا من نوائب المسلمين؛ حيث إنهم جاءوا يريدون الجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وليس معهم شيء فأعطاهم خمس ذود من الإبل.

 

}3134{ قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ سَرِيَّةً فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ» . السرية: هي القطعة من الجيش تخرج وليس فيها النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم تسمى غزوة.

قوله: «قِبَلَ نَجْدٍ فَغَنِمُوا إِبِلاً كَثِيرَةً فَكَانَتْ سِهَامُهُمْ اثْنَيْ عَشَرَ بَعِيرًا أَوْ أَحَدَ عَشَرَ بَعِيرًا وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» فيه: دليل على أن الغنيمة تكون للغانمين، فلما قسموا الغنيمة صار كل واحد يأتيه اثنا عشر بعيرًا، قال: «وَنُفِّلُوا بَعِيرًا بَعِيرًا» . هذا هو الشاهد «وَنُفِّلُوا» ، والتنفيل: هو إعطاء الجيش شيئًا من الغنيمة زيادة عن نصيبهم؛ تقديرًا لجهودهم لكونهم زادوا عن غيرهم في التعرض للمخاطر من فتح حصن أو تعرض للعدو أو غير ذلك، فما أتاهم من الغنيمة فلكل واحد اثنا عشر بعيراً، وأعطي كل واحد زيادة بعيرًا، وهذه من الخمس نفلهم النبي صلى الله عليه وسلم إياها، والتنفيل هو الزيادة على حقه ونصيبه من الغنيمة؛ فدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يتصرف في الخمس، ويتصرف فيه الإمام.

 

}3135{ أقول هذا من فقه البخاري رحمه الله؛ لأنه يكرر الحديث لحكمة؛ وهي استنباط الأحكام مع عرض مزيد من طرق نفس الحديث؛ ولهذا امتاز البخاري رحمه الله بالجمع بين الفقه والحديث.

قوله: «كَانَ يُنَفِّلُ» النفل: هي الزيادة، والمراد الزيادة على نصيب الإنسان في المغنم، يُنَفّل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش، فينفل بعض من يبعثه تقديرًا لجهوده إذا كان له تأثير في العدو؛ لكونه فتح حصنًا أو لكونه مثلاً بارز واحدًا من عظماء الكفار فقتله، أو تقدم الجيش وتعرض للمخاطر، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يُنَفّل لهؤلاء خاصة.

 

}3136{ قوله: «فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حِينَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ: فَأَعْطَانَا مِنْهَا وَمَا قَسَمَ لأَِحَدٍ غَابَ عَنْ فَتْحِ خَيْبَرَ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ لِمَنْ شَهِدَ مَعَهُ إِلاَّ أَصْحَابَ سَفِينَتِنَا مَعَ جَعْفَرٍ وَأَصْحَابِهِ قَسَمَ لَهُمْ مَعَهُمْ» . هذا هو الشاهد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قسم لهم وأعطاهم من الخمس؛ لأنهم ما حضروا الغنيمة؛ فلذلك يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم ما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر، فمن شهد الفتح أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من الغنيمة ومن غاب لم يعطه، إلا جعفراً وأصحابه ومعهم أبو موسى أعطاهم من الخمس؛ لأنه لنوائب المسلمين يتصرف فيه الإمام.

وفي ذلك الوقت أسلم أبو هريرة رضي الله عنه وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه؛ ففي الحديث: «أن أبا هريرة رضي الله عنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله، قال له بعض بني سعيد بن العاص: لا تعطه. فقال أبو هريرة رضي الله عنه: هذا قاتل ابن قوقل. فقال: واعجباه لِوَبْرٍ تدلى من قُدُوم الضأن» [(412)]، وسبقت القصة وفيها أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يحضر ولكن طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم له، فقال الراوي: «فلا أدري أَسْهَم له أم لم يسهم» ، وفي هذه القصة أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى جعفراً وأصحابه وأبا موسى من الخمس؛ وإلا فهم لم يحضروا الفتح، وأعطى أربعة أخماس للغانمين.

ففيه: دليل على أن الإمام ينفل من الغنيمة ما هو من الخمس.

 

}3137{ هذه القصة قصة جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده بأنه إذا جاء مال البحرين أن يحثو له ثلاث حثيات، فلم يجئ مال البحرين حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم وتولى الخلافة أبو بكر رضي الله عنه، وقام أبو بكر رضي الله عنه يقضي الديون التي على النبي صلى الله عليه وسلم ويوفي الوعود التي وعدها.

قوله: «مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنَا فَأَتَيْتُهُ» نقضيه؛ لأنه قد جاء مال البحرين، وجعل أبو بكر مناديًا ينادي: من كان له عند الرسول صلى الله عليه وسلم دين فإنا نقضي الدين، ومن كان له وعد نفي بوعده.

قوله: «فَأَتَيْتُهُ، فَقُلْتُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: لِي كَذَا وَكَذَا» ، أي: ذهب جابر إلى أبي بكر لما علم بمجيء مال البحرين.

قوله: «لَوْ قَدْ جَاءَنِي مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» ثلاث مرات، فأعطاه أبو بكر.

قوله: «فَحَثَا لِي حَثْيَةً، وَقَالَ: عُدَّهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَ مِائَةٍ، قَالَ: فَخُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ» فعددتها فوجدتها خمسمائة، ثم قال: خذ مثلها مرتين، فأخذ مثلها خمسمائة وخمسمائة، أي: ألف وخمسمائة.

وفي رواية أخرى ـ رواية ابن المنكدر ـ قال مرة: «فأتيت أبا بكر فسألته فلم يعطني» يعني: كأنه مشغول، ثم سألته فلم يعطني، ثم أتيته فلم يعطني، كأنه مشغول رضي الله عنه.

فقال له جابر: «فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي، وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي؟» ،أي: من جهتي.

قوله: «قُلْتَ: تَبْخَلُ عَنِّي» قاله أبو بكر منكرًا عليه.

قوله: «وَقَالَ: يَعْنِي ابْنَ الْمُنْكَدِرِ وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنْ الْبُخْلِ» ، أي: لا تقل هذه الكلمة.

قوله: «مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ» هذا يدل على أن أبا بكر رضي الله عنه كان مشغولاً بأمور أخرى، ثم قال له: خذ، فحثى له حثية فقال: عدها، فوجدها خمسمائة، ثم أخذ مثلها مرتين.

والشاهد من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعد جابراً رضي الله عنه أن يعطيه لو جاءه مال البحرين، وهذا حكمه حكم الخمس؛ لأنه يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، والمقصود بمال البحرين: الجزية التي تؤخذ منهم، فمشروع لإمام المسلمين أن يتصرف فيها لنوائب المسلمين؛ ولهذا وعد جابرًا بأن يعطيه من مال البحرين، فأعطاه أبو بكر من هذا المال الذي يتصرف فيه الإمام لنوائب المسلمين.

وهل الحديث يدل على وجوب الوفاء بالعهد أو يستحب؟

فيه خلاف بين العلماء: والأقرب أنه واجب؛ لأن أبا بكر وفى بوعد النبي صلى الله عليه وسلم وأمر مناديًا: من كان له عند النبي صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتنا.

 

}3138{ قوله: «بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْسِمُ غَنِيمَةً بِالْجِعْرَانَةِ» . هذا هو الشاهد من الحديث.

وفيه: دليل على أن الإمام يتصرف في الغنيمة، ويتصرف في الخمس لنوائب المسلمين؛ فهو يقسمها على الناس يتألفهم على الإسلام.

قوله: «إِذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ:» ؛ يحتمل أن يكون هذا الرجل هو ذا الخويصرة التميمي، وهو أصل الخوارج وإمامهم، وهو الذي استأذن فيه خالد رضي الله عنه أن يقتله، فقال صلى الله عليه وسلم: «يخرج من ضئضئ هذا قوم تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» [(413)]، وفي لفظ: «لئن لقيتهم لأقتلنهم قتل عاد» [(414)]، وفي اللفظ الآخر في صفة الخوارج: «قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام» [(415)] يعني: شباب صغار السن، وعقولهم ضعيفة، أخذوا شيئًا من النصوص وتركوا البعض الآخر، تعلقوا ببعض الأحاديث وكفّروا المسلمين بالمعاصي، فإذا قرءوا قوله تعالى: [النِّسَاء: 10]{إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا *}. قالوا: آكل أموال اليتيم كافر مخلد في النار، فأخذوا هذا النص وتركوا النصوص الأخرى، وقالوا في قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض» [(416)] قالوا: القتال يدل على أن صاحبه كافر خارج من الملة، وهكذا وقعوا في ذلك بسبب ضعف بصيرتهم وقلة علمهم وحداثة أسنانهم وضعف عقولهم.

وما أشبه الليلة بالبارحة؛ فالآن وجد شباب بهذه الصفة يسارعون في تكفير الناس، ويتعبدون بهذا إلى الله، والعجب أنهم يكفرون علماء السنة، وهذه مصيبة من المصائب بسبب أفهامهم السقيمة، ونصَّبوا أنفسهم حكامًا على الناس فقالوا: من فعل كذا وكذا، أو من تكلم بكذا وكذا فهو كافر بالله العظيم؛ وعلى هذا يقولون: العالم الفلاني كافر؛ لأنه تكلم بكذا وكذا، أو سكت عن المنكر، أو لأنه داهن الحكام بزعمهم، فهو حلال الدم والمال والعرض، فهذه مصيبة عظيمة وبلية خطيرة، وهذا وصف الخوارج: «قوم حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم» [(417)]؛ فهم عباد وزهاد في الظاهر؛ فهم يصلون ويصومون ويقومون الليل ويقرءون القرآن وبعضهم يطلبون العلم ويحفظون المتون، ولكن عندهم التسرع في تكفير عموم المسلمين والعلماء والولاة بسبب ضعف البصيرة.

وقد اختلف العلماء في حكم الخوارج، والجمهور على أنهم مبتدعة، والصحابة رضي الله عنهم عاملوهم معاملة أهل البدع كما قرر شيخ الإسلام ابن تيمية[(418)]؛ لأنهم متأولون، ولما سئل عنهم علي رضي الله عنه: أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا، وذهب بعض العلماء إلى تكفيرهم؛ ففي رواية عن الإمام أحمد رحمه الله[(419)] أنهم كفار، وهو اختيار شيخنا سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله أنهم كفار لظاهر الأحاديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية» ، وفي لفظ: «يمرقون من الدين ثم لا يعودون إليه» [(420)]، وفي لفظ: «لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» [(421)]. فشبههم بعاد، وعاد قوم كفار؛ فهذا فيه: دليل على أنهم كفار، وهو قول طائفة من أهل العلم؛ لكن جماهير العلماء على أنهم مبتدعة.

فالواجب: الحذر الشديد منهم، وليعلم هؤلاء أن التكفير حكم شرعي خطير؛ فلا يجوز لأحد أن يكفر إلا من كفره الله ورسوله، فكيف يجرؤ على تكفير المسلمين وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من التسرع في التكفير فقال: «من قال لأخيه: يا كافر أو يا عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه» [(422)] يعني: رجع عليه؛ فالأمر خطير، ومعنى التكفير أنه يستحل دمه وماله وعرضه، ويحكمون عليه أنه مخلد في النار، نسأل الله السلامة والعافية.

تنبيه:

فالواجب على الشباب المسلم الحذر والتحذير من هذا الأمر، ويجب على الشاب أن يتهم نفسه وليعلم أنه بدأ توًّا ـ الآن ـ في طلب العلم وهو لا يزال في مبادئ العلم الأولية، وفي أول الطريق؛ فليدرس وليتعلم ويتفقه ويتّبع العلماء المعروفين بالسنة ويصبر على العلم، وبعد ذلك إذا كبر في السن سيصبح عالمًا له قدم راسخة وبصيرة صحيحة يُعَلّم الناس الحق ويهديهم إلى الصراط المستقيم.

أما الآن وهو في سن الشباب يحفظ حديثًا أو حديثين يريد أن يحكم على الناس بالإيمان أو الكفر بدون علم ولا بصيرة، فكلا؛ فالواجب على العاقل الحذر من اللسان وإمساكه والبعد عن هؤلاء الشباب الذين يضلون، فيبتعد عنهم ويقبل على الشباب الطيبين المعتدلين، ويقبل على حِلق أهل العلم والدروس العلمية لأهل البصيرة.

وعلى الطالب أن يتهم نفسه ويعلم أنه قليل البضاعة قليل العلم وأنه بحاجة إلى طلب العلم سنوات طويلة يدرس ويتعلم ويتفقه ويحفظ ويسأل أهل العلم وقد يُحَصل على شيء من العلم وقد لا يحصل، والعلم يحتاج إلى وقت طويل، فأعطه كلك يعطك بعضه، أما كون الإنسان يحضر درسًا مثلاً في الأسبوع ويرى أنه حصل على العلم فهذا لا ينبغي؛ فالعلم يحتاج إلى مثابرة وجلسات طويلة واستمرار، وما هو بحضور درس في الأسبوع، أو تحصل على دورة علمية وظن أنه بلغ كل مبلغ، ووصل إلى ما لم يصل إليه الأولون.

فالمقصود: الحذر والتحذير من هؤلاء الذين يكفِّرون الناس وأن ينصح هؤلاء ويخوفون بالله من التكفير، فإن لم يرتدعوا يرفع أمرهم إلى ولاة الأمور حتى يؤدبوا ويسجنوا، فيكون السجن هو الضبط؛ لأن هذا أهون عليهم من هذه العقيدة الخبيثة عقيدة الخوارج؛ فكونه يسجن ويضرب ويؤدب حتى يرتدع أهون من كونه يبقى على هذا الاعتقاد الفاسد.

فلابد أن يكون لدى الشاب حكمة في الدعوة وتريث في الحكم على الآخرين والتعامل معهم؛ فهذا عبدالله بن أبي ـ وهو رأس المنافقين ـ لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر بقتله؛ لئلا يتحدث الناس كما جاء في الحديث: «لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه» [(423)]؛ لأنه لو قتله لا يدري فربما انتهز الأعداء الفرصة فيقولون: هذا من أصحابه وهو بينهم ومع ذلك قتلوه؛ ولذلك لم يقتله؛ لأنه يعيش بين المسلمين وينتسب إلى المسلمين ويصلي معهم ويجاهد معهم؛ فإن هذا يؤثر على الدعوة.

قوله: «اعْدِلْ، فَقَالَ لَهُ: «لَقَدْ شَقِيتُ إِنْ لَمْ أَعْدِلْ»» يعني: أنت أيها المخاطب، فإذا كنت أنا لا أعدل وأنا نبيك لقد شقيتَ إذن، ويجوز: لقد شقيتُ أنا إن لم أعدل، وهذا من باب التقدير، ولا يلزم وقوعه من باب التقدير، يعني: لو قدر أني لم أعدل لقد شقيت، لكن التقدير لا يحصل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الظلم والجور، كما في قول الله تعالى: [الزُّمَر: 65]{لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ *} وهو صلى الله عليه وسلم معصوم من الشرك، ولكن المراد بيان التغليظ في أمر الشرك، وهذا شرط تقديري، والشرط التقديري لا يلزم وقوعه؛ وإنما يذكر لبيان مقادير الأشياء ومقادير الأعمال، يعني: لو قدر ـ وهو لا يمكن ولا يكون ـ أن الرسول أشرك لحبط عمله، ولكنه لا يكون.

  مَا مَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الأُْسَارَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ

}3139{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا، ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».

 

قوله: «بَاب مَا مَنَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الأُْسَارَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يُخَمِّسَ» . هذه الترجمة فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد يمن على الأسرى من غير أن يخمس، يعني: من غير الخمس.

}3139{ قوله: «لَوْ كَانَ الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا» ، حرف «لَوْ» إذا كان اعتراضًا على القدر فهذا المنهي عنه ولا يجوز؛ فقد جاء في الحديث: «استعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شر فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل؛ فإن لو تفتح عمل الشيطان» [(424)].

أما إذا تمنى المرء الخير فلا بأس؛ كأن تقول: لو أني علمت حلقة في المسجد لحضرت؛ فهذا لا بأس به فهو تمنٍ للخير، مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولأحللت معكم» [(425)]، فتمني الخير لا بأس به، وهذا ليس فيه اعتراض على القدر.

والمطعم بن عدي مات على الشرك، لكنه أجار النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد دخل في جواره النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء من الطائف حين أبى عليه أهل مكة إلا بجوار المطعم بن عدي، قال المطعم: أنا أجيره، وأمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح يحمون النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى» ؛ النتنى: الكفار، والنَتَن هو الرائحة الكريهة، فهم نتنى في المعنى بسبب كفرهم وضلالهم، فالكفر أشد النتن، فالمقصود: النتن المعنوي.

قوله: «لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» ، يعني: لتركتهم وأعطيتهم إياه، وهذا فيه تقدير لذوي المعروف ومكافأتهم ولو كانوا غير مسلمين، وهذا هو الشاهد؛ وهو تركه الأسارى بدون مقابل؛ فدل على أن للإمام أن يمن على الأسارى بدون مقابل بغير فداء، خلافًا لمن منع ذلك؛ لكون النبي صلى الله عليه وسلم يمن عليهم من غير أن يخمس، يعني: من غير الخمس، ولا يعطي أحدًا من المقاتلين شيئًا.

وفيه: دليل على أن للإمام أن يمن على الأسارى بغير فداء؛ خلافًا لمن منع ذلك، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: لو سألني لمننت عليهم بدون فداء، أي: بدون مقابل؛ لأن الإمام مخير في الأسير بين أن يمن عليه بدون مقابل، أو يفادي نفسه بأن يشتري نفسه بمال، أو يفادى به رجل من المسلمين، أو يسترق، أو يقتل، فكل هذا الإمام مخير فيه.

فالأسير إما أن يقتله الإمام كما قتل النبي صلى الله عليه وسلم النضر وعقبة بن أبي معيط، وطعيمة بن عدي لشدة عداوتهم يوم بدر، وله أن يفادي به أسرى من أسارى المسلمين، وله أن يفادي نفسه بمال، وله أن يمن عليه بدون مقابل.

ومعلوم أن الأسارى إذا أُخذوا غنيمة فالغنيمة تكون لمن؟ تكون للغانمين والخمس يُخْرَج، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ» بدون مقابل؛ فدل على أن الإمام له أن يمن على الأسرى من غير أن يخمس ، أي: من غير أن يؤخذ منهم الخمس.

ففقه الإمام البخاري: أنه لو سأله لأعطاهم بدون مقابل، وليس للغانمين أن يقولوا: أعطنا منها، لك الخمس وأعطنا أربعة أخماس، لا، بل يمن عليهم من غير أن يخمس؛ لأن الإمام له أن يتصرف في الغنيمة للمصلحة، كما أنه يتصرف في الخمس لنوائب المسلمين؛ والحديث واضح في أن الإمام له أن ينفل من رأس الغنيمة ومن الخمس ولو لم تخمس، فهؤلاء يعطيهم من رأس مالهم لأنه يتصرف فيعطي من الغنيمة ويتألف للمصلحة، مصلحة الإسلام والمسلمين، ولا يتصرف للهوى صلى الله عليه وسلم؛ فأعطى من غنائم حنين رؤساء القبائل والعشائر مائة مائة من الإبل حتى يتألفهم[(426)]، وما أعطى الأنصار والمهاجرين شيئًا لماذا؟ لأنه وكلهم إلى إيمانهم وإسلامهم، فإيمانهم قوي أما هؤلاء فإيمانهم ضعيف، فإذا لم يعطهم فقد ينتكس إيمانهم؛ فأعطاهم حتى يتألفهم على الإسلام، فكل واحد أعطاه مائة من الإبل حتى يتقوى إيمانهم وإسلامهم؛ فهذه العطية من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي لمصلحة الإسلام والمسلمين لا للهوى ولا للشهوة، ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لو مَنّ على أسرى بدر لمن عليهم لأجل مصلحة الإسلام والمسلمين.

  وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلإِْمَامِ

وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ.

قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَى لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنْ الْحَاجَةِ وَلِمَا مَسَّتْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ.

}3140{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ».

قَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، وَزَادَ قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ.

وَقَالَ: ابْنُ إِسْحَاقَ عَبْدُ شَمْسٍ وَهَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ إِخْوَةٌ لأُِمٍّ وَأُمُّهُمْ عَاتِكَةُ بِنْتُ مُرَّةَ وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لأَِبِيهِمْ.

 

قوله: «بَاب وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ لِلإِْمَامِ» ، يعني: خمس الغنيمة؛ هل يتصرف فيه الإمام للهوى والشهوة أم للمصلحة الشرعية؟ للمصلحة الشرعية طبعًا.

قوله: «وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ» للمصلحة الشرعية أيضًا.

قوله: «مَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ» ؛ وهذا دليل المؤلف على ذلك، فأعطى بني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر ولم يعط بني عبد شمس وبني نوفل وهم كلهم في درجة واحدة لماذا؟ والجواب: أنه أعطى بني هاشم وبني المطلب؛ لأنهم كان لهم مع القرابة النصرة؛ حيث نصروا النبي صلى الله عليه وسلم ودخلوا الشعب شعب بني هاشم؛ بخلاف بني عبد شمس وبني نوفل؛ فالقرابة واحدة لكن تخلفت النصرة، فما نصروا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلهذا أعطى بني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر، ولم يعط بني نوفل وبني عبد شمس، كسائر قبائل قريش والعرب لم يخصهم النبي صلى الله عليه وسلم بشيء، وعثمان بن عفان من بني عبد شمس، فمع أن بني أمية من بني نوفل ما أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم لماذا؟ لأن بني هاشم وبني المطلب ضموا إلى القرابة النصرة، وبنو عبد شمس وبنو نوفل تخلفت نصرتهم وإن كانت القرابة درجة واحدة؛ ولهذا يقول المؤلف: «وَأَنَّهُ يُعْطِي بَعْضَ قَرَابَتِهِ دُونَ بَعْضٍ مَا قَسَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ» .

قوله: «قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَمْ يَعُمَّهُمْ بِذَلِكَ» ، يعني: لم يعم قريشًا، «َلَمْ يَخُصَّ قَرِيبًا» .

قوله: «دُونَ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَعْطَى» ، يعني: وإن كان الذي أعطى أبعد قرابة ممن لم يعط.

قوله: «لِمَا يَشْكُو إِلَيْهِ مِنْ الْحَاجَةِ وَلِمَا مَسَّتْهُمْ فِي جَنْبِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ وَحُلَفَائِهِمْ» . وهذا هو السبب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما يتصرف في الخمس يتصرف من قبل المصلحة الشرعية، فيعطي بعض قرابته دون بعض، كما أعطى بني المطلب وبني هاشم لكونهم ضموا إلى القرابة النصرة ولم يعم قريشًا، ولم يخص قريبًا دون قريب من هو أحوج إليه، وقد يعطي البعيد ويترك القريب من أجل ما يشكو إليه من حاجة، ولما مستهم في جنبه، من قومهم وحلفائهم.

 

}3140{ قوله: «مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «زاد أبو داود والنسائي من طريق يونس عن ابن شهاب: فيما قسم من الخمس بين بني هاشم وبني المطلب[(427)]. ولهما من رواية ابن إسحاق عن ابن شهاب[(428)]: وضع سهم ذوي القربى في بني هاشم وبني المطلب وترك بني نوفل وبني عبد شمس، وإنما اختص جبيرًا وعثمان بذلك؛ لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير بن مطعم من بني نوفل، وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب سواء فالجميع بنو عبد مناف. فهذا معنى قولهما: «وَنَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ؟» أي: في الانتساب إلى عبد مناف.

ووقع في رواية أبي داود المذكورة: «وقرابتنا وقرابتهم منك واحدة» ، وله في رواية ابن إسحاق: «فقلنا: يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ننكر فضلهم للموضع الذي وضعك الله منهم، فما بال إخواننا بني المطلب أعطيتهم وتركتنا» .

قوله: «وَزَادَ قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَلاَ لِبَنِي نَوْفَلٍ» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «زاد أبو داود في رواية يونس بهذا الإسناد: وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده.

وهذه الزيادة بيّن الذهلي في جمع حديث الزهري أنها مدرجة من كلام الزهري، وأخرج ذلك مفصلاً من رواية الليث عن يونس، وكأن هذا هو السر في حذف البخاري هذه الزيادة مع ذكره لرواية يونس. وروى مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم من طريق ابن شهاب عن يزيد بن هرمز عن ابن عباس في سهم ذوي القربى قال: هو لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه لهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان عمر عرض علينا من ذلك شيئًا رأيناه دون حقنا، فرددناه[(429)]؛ وللنسائي من وجه آخر: وقد كان عمر دعانا أن ينكح أيّمنا ويخدم عائلنا ويقضي عن غارمنا فأبينا إلا أن يسلمه لنا، قال: فتركناه» [(430)].

قوله: «وَكَانَ نَوْفَلٌ أَخَاهُمْ لأَِبِيهِمْ» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «لم يسم أمه وهي: واقدة ـ بالقاف ـ بنت أبي عدي، واسمه نوفل بن عبادة، من بني مازن بن صعصعة» .

قال ابن حجر: «في الحديث حجة للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من قريش، وعن عمر بن عبد العزيز: هم بنو هاشم خاصة، وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين.

وهذا الحديث يدل لإلحاق بني المطلب بهم، وقيل: هم قريش كلها لكن يعطي الإمام منهم من يراه، وبهذا قال أصبغ، وهذا الحديث حجة عليه.

وفيه: توهين قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم بعلة الحاجة؛ إذ لو أعطاهم بعلة الحاجة لم يخص قومًا دون قوم، والحديث ظاهر في أنه أعطاهم بسبب النصرة، وما أصابهم بسبب الإسلام من بقية قومهم الذين لم يسلموا.

والملخص أن الآية نصت على استحقاق قربى النبي صلى الله عليه وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس لأنه شقيق، وفي بني نوفل إذا لم تعتبر قرابة الأم. واختلف الشافعية في سبب إخراجهم:

فقيل: العلة القرابة مع النصرة؛ فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها.

وقيل: الاستحقاق بالقرابة، ووجد ببني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم.

و القول الثالث: أن القربى عام مخصوص وبينته السنة، قال ابن بطال: وفيه رد لقول الشافعي أن خمس الخمس يقسم بين ذوي القربى لا يفضل غني على فقير، وأنه يقسم بينهم للذَكَر مثل حظ الأنثيين.

قلت: ولا حجة فيه لما ذكر لا إثباتًا ولا نفيًا:

أما الأول: فليس في الحديث إلا أنه قسم خمس الخمس بين بني هاشم والمطلب ولم يتعرض لتفضيل ولا عدمه، وإذا لم يتعرض فالأصل في القسمة إذا أطلقت التسوية والتعميم؛ فالحديث إذن حجة للشافعي لا عليه.

ويمكن التوصل إلى التعميم بأن يأمر الإمام نائبه في كل إقليم بضبط من فيه ويجوز النقل من مكان إلى مكان للحاجة.

وقيل: لا، بل يختص كل ناحية بمن فيها.

وأما الثاني: فليس فيه تعرض لكيفية القسم، لكن ظاهره التسوية وبها قال المزني وطائفة، فيحتاج من جعل سبيله سبيل الميراث إلى دليل، والله أعلم.

وذهب الأكثر إلى تعميم ذوي القربى في قسمة سهمهم عليهم بخلاف اليتامى فيخص الفقراء منهم عند الشافعي وأحمد، وعن مالك: يعمهم في الإعطاء، وعن أبي حنيفة: يخص الفقراء من الصنفين، وحجة الشافعي أنهم لما منعوا الزكاة عموا بالسهم ولأنهم أعطوا بجهة القرابة إكرامًا لهم، بخلاف اليتامى فإنهم أعطوا لسد الخلة. واستدل به على جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت الحاجة؛ فإن ذوي القربى لفظ عام خص ببني هاشم والمطلب، قال ابن الحاجب: ولم ينقل اقتران إجمالي مع أن الأصل عدمه» .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد