شعار الموقع

شرح كتاب بدأ الخلق من صحيح البخاري (59-5)

00:00
00:00
تحميل
136

  صِفَةِ النَّارِ وَأَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ

{غَسَّاقًا} يُقَالُ غَسَقَتْ عَيْنُهُ وَيَغْسِقُ الْجُرْحُ وَكَأَنَّ الْغَسَاقَ وَالْغَسْقَ وَاحِدٌ غِسْلِينُ كُلُّ شَيْءٍ غَسَلْتَهُ فَخَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ فَهُوَ غِسْلِينُ فِعْلِينُ مِنْ الْغَسْلِ مِنْ الْجُرْحِ وَالدَّبَرِ.

وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ.

وَقَالَ غَيْرهُ {حَاصِبًا} الرِّيحُ الْعَاصِفُ وَالْحَاصِبُ مَا تَرْمِي بِهِ الرِّيحُ وَمِنْهُ {حَصَبُ جَهَنَّمَ} يُرْمَى بِهِ فِي جَهَنَّمَ هُمْ حَصَبُهَا.

وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَْرْضِ ذَهَبَ وَالْحَصَبُ مُشْتَقٌّ مِنْ حَصْبَاءِ الْحِجَارَةِ صَدِيدٌ قَيْحٌ وَدَمٌ، {خَبَتْ} طَفِئَتْ {تُورُونَ} تَسْتَخْرِجُونَ أَوْرَيْتُ أَوْقَدْتُ {لِلْمُقْوِينَ} لِلْمُسَافِرِينَ وَالْقِيُّ الْقَفْرُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صِرَاطُ الْجَحِيمِ سَوَاءُ الْجَحِيمِ وَوَسَطُ الْجَحِيمِ {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} يُخْلَطُ طَعَامُهُمْ وَيُسَاطُ بِالْحَمِيمِ {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ {وِرْدًا} عِطَاشًا {غَيًّا} خُسْرَانًا.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُسْجَرُونَ} تُوقَدُ بِهِمْ النَّارُ، {وَنُحَاسٌ} الصُّفْرُ يُصَبُّ عَلَى رُءُوسِهِمْ.

يُقَالُ: {ذُوقُوا} بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ مَارِجٌ خَالِصٌ مِنْ النَّارِ مَرَجَ الأَْمِيرُ رَعِيَّتَهُ إِذَا خَلاَّهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ {مَرِيجٍ} مُلْتَبِسٍ مَرِجَ أَمْرُ النَّاسِ اخْتَلَطَ {مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ *} مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَهَا.

}3258{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُهَاجِرٍ أَبِي الْحَسَنِ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه يَقُولُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «أَبْرِدْ، ثُمَّ قَالَ: أَبْرِدْ حَتَّى فَاءَ الْفَيْءُ يَعْنِي لِلتُّلُولِ، ثُمَّ قَالَ: «أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».

}3259{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».

}3260{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثنِي أَبُو سَلَمَةَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَكَتْ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا، فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الْحَرِّ وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنْ الزَّمْهَرِيرِ».

}3261{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ هُوَ الْعَقَدِيُّ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ الضُّبَعِيِّ قَالَ: كُنْتُ أُجَالِسُ ابْنَ عَبَّاسٍ بِمَكَّةَ فَأَخَذَتْنِي الْحُمَّى فَقَالَ: أَبْرِدْهَا عَنْكَ بِمَاءِ زَمْزَمَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ» أَوْ قَالَ: «بِمَاءِ زَمْزَمَ» شَكَّ هَمَّامٌ.

}3262{ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْحُمَّى مِنْ فَوْرِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا عَنْكُمْ بِالْمَاءِ».

}3263{ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ».

}3264{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ».

}3265{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا».

}3266{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ عَطَاءً يُخْبِرُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ [الزّخرُف: 77]{وَنَادَوْا يَامَالِكُ}.

}3267{ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قِيلَ لأُِسَامَةَ لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ، قَالَ: إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ وَلاَ أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ، يَقُولُ: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ، قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ».

رَوَاهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ

 

المؤلف رحمه الله بعد أن بوب لصفة الجنة بوب لصفة النار، فتكلم على خلق العرش وخلق القلم والقدر وخلق السموات ثم خلق الجنة ثم تكلم عن خلق النار، ثم بعدها خلق إبليس وجنوده وخلق الجن ثم خلق بني آدم.

ومقصود المؤلف رحمه الله هو الرد على المعتزلة القائلين بأن الجنة والنار معدومتان الآن وأنهما تخلقان يوم القيامة؛ لأن وجودهما الآن ـ ولا جزاء ـ عبث والعبث محال على الله. وهذا قول باطل، فالنصوص دلت على أنهما موجودتان، وأن الجنة فيها الوِلْدان وفيها الحور وفيها الأرواح، ويُفتح للمؤمن في قبره باب إلى الجنة ويفتح للفاجر باب إلى النار، قال تعالى: [آل عِمرَان: 133]{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ *} و [البَقَرَة: 24]{أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ *} و [النّبَإِ: 21]{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا *}، أي: معدة ومرصدة، فكل هذه النصوص تدل على أنهما مخلوقتان الآن وموجودتان.

والمقصود: أن قول المعتزلة باطل وهذا بسبب إعراضهم عن النصوص واعتمادهم على عقولهم الفاسدة وآرائهم الكاسدة؛ فالعقل هو المقدم عندهم حتى إنهم غلوا في العقل، وفسروا قول الله تعالى: [الإسرَاء: 15]{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً *}، قالوا: الرسول العقل.

وأصول المعتزلة الخمسة التي استبدلوها بأصول الدين عند أهل السنة والجماعة هي: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، وإنفاذ الوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. فهذه أصول أخذوها بدلاً عن أصول الدين وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

وقد فسَّر المؤلف رحمه الله الكلمات التي في الترجمة من باب الفائدة حتى يستفيد طالب العلم ويعرف معاني الكلمات القرآنية.

قوله: « {وَغَسَّاقًا *} » . وفي التنزيل أيضًا [ص: 57]{هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ *}.

والحميم : أي: الماء الحار، الذي اشتد. وفي الآية الأخرى قال: [الغَاشِيَة: 5]{مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ *} والآنية: شديدة الحرارة التي بلغت الغاية في الغليان ـ نعوذ بالله ـ.

قوله: «الْغَسَاقَ وَالْغَسْقَ وَاحِدٌ» ، أي: ما سال، والمعنى: ما سال من أهل النار من الصديد ـ نعوذ بالله ـ.

قوله: « [الحَاقَّة: 36]{وَلاَ طَعَامٌ إِلاَّ مِنْ غِسْلِينٍ *}.

قوله: «غِسْلِينُ فِعْلِينُ مِنْ الْغَسْلِ مِنْ الْجُرْحِ وَالدَّبَرِ» ، يعني: الماء الذي يسيل من الجرح والدبر، وهو شراب أهل النار ـ نعوذ بالله ـ.

قوله: «وَقَالَ عِكْرِمَةُ: {حَصَبُ جَهَنَّمَ} حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ» ، يعني: توقد بهم النار، فيكونون حطبًا لجهنم، فكما أن الحطب توقد به النار في الدنيا فكذلك هؤلاء الكفرة هم وقود جهنم.

قوله: «وَيُقَالُ: حَصَبَ فِي الأَْرْضِ ذَهَبَ وَالْحَصَبُ مُشْتَقٌّ مِنْ حَصْبَاءِ الْحِجَارَةِ» والمراد أنهم وقودها.

قوله: «صَدِيدٌ قَيْحٌ وَدَمٌ» ، وهذا يشربه أهل النار زيادة في عقوبتهم.

قوله: « {خَبَتْ} طَفِئَتْ» ، يشير إلى قوله تعالى: [الإسرَاء: 97]{كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا *}، والمعنى كلما طفئت اشتعلت من جديد -نعوذ بالله.

قوله: « [الواقِعَة: 71]{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ *}، وفي الماضي كانوا يستخرجون النار عن طريق الحجارة، حيث يضرب بعضها ببعض فتُستخرج النار ثم يوقد بها.

قوله: « [الواقِعَة: 73]{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ *} لِلْمُسَافِرِينَ وَالْقِيُّ الْقَفْرُ» ، يشير إلى قوله تعالى: [الواقِعَة: 73]{نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ *}.

قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صِرَاطُ الْجَحِيمِ سَوَاءُ الْجَحِيمِ وَوَسَطُ الْجَحِيمِ» ، يشير إلى قوله تعالى: [الصَّافات: 23]{فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ *}، يعني: أنهم يقذفون في وسط النار ـ نعوذ بالله ـ؛ فالصراط يعني: الوسط. وكذا قوله تعالى: [الدّخان: 47]{خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ *}.

قوله: « [الصَّافات: 67]{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ *}. فالشوب: الخلط.

قوله: « {زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ} صَوْتٌ شَدِيدٌ وَصَوْتٌ ضَعِيفٌ» . الزفير: صوت عالٍ، والشهيق: صوت ضعيف، فأول ما يعذب به أهل النار الزفير، ثم بعد ذلك يبقى الشهيق ـ نسأل الله العافية ـ.

قوله: « : عِطَاشًا» ، أي: يردون على النار عطاشًا، فيتساقطون في النار، ثم يسقون من ماء الحميم وهو الماء الحار الذي انتهى غليانه ـ نعوذ بالله ـ.

قوله: « [مَريَم: 59]{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاَةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا *}.

قوله: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {يُسْجَرُونَ} تُوقَدُ بِهِمْ النَّارُر» ، يشير إلى قوله تعالى: [غَافر: 72]{فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ *}.

قوله: « [الرَّحمن: 35]{يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ}.

قوله: « {ذُوقُوا} بَاشِرُوا وَجَرِّبُوا، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ ذَوْقِ الْفَمِ» ، يعني: ليس هذا من ذوق الفم وإنما هو ذوق الألم والعذاب.

قوله: « {مَارِجٍ} خَالِصٌ مِنْ النَّارِ» والمارج أي: إبليس خلقه الله من مارج من نار خالصة ليس فيه دخان، كما في الحديث: «خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وُصف لكم» [(616)].

وأراد المؤلف أن يفسِّر كلمة مارج فقال: «مَرَجَ الأَْمِيرُ رَعِيَّتَهُ إِذَا خَلاَّهُمْ يَعْدُو بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ» .

قوله: « [ق: 5]{فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ *}، يعني: ملتبس فليس عندهم يقين ولا تصديق بيوم القيامة.

قوله: «مَرَجْتَ دَابَّتَكَ تَرَكْتَهَا» ، يشير إلى قوله تعالى: [الرَّحمن: 19]{مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ *} يعني: يلتقي هذا بهذا، ولكنهما لا يختلطان.

والمؤلف رحمه الله يفسِّر الكلمات في القرآن أو في السنة التي لها صلة بالترجمة من باب الفائدة؛ حتى يجمع طالب العلم بين تفسير الكلمات القرآنية وبين الأحاديث النبوية.

 

}3258{ هذا الحديث فيه: الأمر بالإبراد، والإبراد يكون في صلاة الظهر خاصة، فيسن تأخيرها في شدة الحر.

الفيء: هو ما بعد الزوال من الظل، والتلول: كل ما اجتمع من تراب أو رمل أو نحو ذلك، فيشرع تأخير صلاة الظهر، عن أول الوقت حتى تنكسر حرارة الشمس ويكون للجدران ظل حتى يستطيع الناس المشي.

فالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا حديث كان في سفر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ـ لما أراد المؤذن أن يؤذن: «أَبْرِدْ» ، فلما أراد أن يؤذن مرة أخرى قال: «أَبْرِدْ» ، أي: تأخر حتى تنكسر حرارة الشمس وتعتدل حرارة الجو؛ ليتمكن القوم من ورود المصلى. ثم قال صلى الله عليه وسلم: «أبردوا بالصلاة؛ فإن شدة الحر من فيح جهنم» .

 

}3259{ قوله: «أَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» ، دليل على أن شدة الحر نفس من نفس جهنم، كما أن شدة البرد نَفَس من نفسها.

وفيه: بيان العلة والحكمة في الإبراد، وهي أن شدة الحر من فيح جهنم.

وفيه: دليل على أن الأحكام معللة.

وهذا الحكم خاص بالقرى والبوادي، وقد اصطلح أهل بعض المساجد في المدن أو بعض النواحي في البلاد على الإبراد.

 

}3260{ دلَّ هذا الحديث على أن العذاب في النار نوعان: حر شديد وبرد شديد.

وفيه: دليل على أن النار اشتكت إلى ربها؛ حيث جعل فيها الإحساس حتى اشتكت وتكلمت ـ والله أعلم بكيفية هذا الكلام ـ قالت: ربي أكل بعضي بعضًا، فأذن لها الرب سبحانه وتعالى بنفسين نفس في الشتاء ونفس الصيف، فنفس الصيف أشد ما يجد الناس من الحر، ونفس الشتاء أشد ما يجد الناس من الزمهرير- نعوذ بالله، ونسأل الله السلامة والعافية.

 

}3261{، }3262{، }3263{، }3264{ قوله: «أَبْرِدْهَا» فيها الوجهان من أبرد يُبْرِد ، فتكون بهمزة قطع، أو من برد يَبْرُد ، فتكون بألف وصل.

وهذا الحديث فيه: دليل على أنه يستحب لمن أصابته حمى أن يبردها بالماء بأن يغتسل حتى تخف حرارة الحمى، والأمر في ذلك للاستحباب.

والحمى نوعان:

النوع الأول: حمى نفاضة التي يُحَسُّ فيها بالبرد، وهذه لا يناسبها الماء.

النوع الثاني: حمى حارة يحس فيها بالحرارة الشديدة، وهذه هي التي تبرد بالماء.

والشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: «مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» أو «من فور جهنم» ؛ لأن الباب في صفة النار، ودل على أن جهنم فيها حرارة، والحمى التي تصيب المريض جزء منها ـ نعوذ بالله ـ.

 

}3265{ في هذا دليل على أن نار جهنم تُضَعَّف على نارنا هذه بتسع وستين جزءًا، كلهن مثل حرها، فهل يستطيع الإنسان أن يضع أصبعه في نار الدنيا؟ فكيف بالنار وهي مضعفة بتسع وستين جزءًا!

 

}3266{ في هذا الحديث: يشير إلى قوله تعالى: [الزّخرُف: 77]{وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}، وهذا فيه: صفة أهل النار.

وفيه: دليل على أن أهل النار يعذبون ويتألمون ألمًا شديدًا حتى إنهم ينادون مالك وهو خازن النار، فيقال لهم: [الزّخرُف: 77-78]{وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ *لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ *} نسأل الله السلامة والعافية.

 

}3267{ هذا الحديث من رواية أبي وائل أنه قال: قيل لأسامة بن زيد الصحابي الجليل: «لَوْ أَتَيْتَ فُلاَنًا فَكَلَّمْتَهُ» ، يعني: عثمان بن عفان في إمارته، كما جاء في بعض الروايات: «ألا تدخل على عثمان فتكلمه» [(617)] يعني: لو نصحته في بعض الأشياء مما يتعلق بالأمراء كإمارة أخيه لأمه الوليد على الكوفة، وكان انتقد عليه بعض الناس كونه شرب الخمر، ثم جلده بعد ذلك.

فقال أسامة: «إِنَّكُمْ لَتُرَوْنَ أَنِّي لاَ أُكَلِّمُهُ إِلاَّ أُسْمِعُكُمْ إِنِّي أُكَلِّمُهُ فِي السِّرِّ» ، أي: إني أكلمه وأنصحه لكن في السر.

«دُونَ أَنْ أَفْتَحَ بَابًا لاَ أَكُونُ أَوَّلَ مَنْ فَتَحَهُ» ، يعني: أنه إذا نصح الإنسان ولاة الأمور علانية أمام الناس تجرأت العامة عليهم، وفتح باب للشر والفتن.

وفيه: دليل على أن الناصح يراعي الأصلح، وأن السر قد يكون أبلغ في التأثير والقبول من العلانية؛ لما فيه من جمع الكلمة وعدم التفرق واحترام ولاة الأمور، بخلاف النصح في العلانية وأمام الناس وفوق المنابر؛ فإن فيه تفريق المسلمين وطمع الأعداء فيهم.

ثم قال: «وَلاَ أَقُولُ لِرَجُلٍ أَنْ كَانَ عَلَيَّ أَمِيرًا إِنَّهُ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا: وَمَا سَمِعْتَهُ يَقُولُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ؟» ، فقال هذا الحديث: «يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ» ، وفي لفظ آخر: «فتندلق أقتاب بطنه» [(618)] يعني: أمعاؤه تندلق في النار، «فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ» ، وقد كان في الدنيا ينصح الناس «فَيَقُولُونَ أَيْ فُلاَنُ مَا شَأْنُكَ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنْ الْمُنْكَرِ، قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلاَ آتِيهِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ» .

وفيه: التحريم للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من مخالفة ما يأمر به وينهى عنه وأن ذلك من أسباب دخول النار، والله تعالى قال في كتابه: [الصَّف: 2-3]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ *}، وقال سبحانه عن نبيه شعيب: [هُود: 88]{وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} ونعى تعالى على بني إسرائيل فقال: [البَقَرَة: 44]{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ *}. ولهذا يقول الشاعر:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

تنبيه:

الإنسان لا يسقط عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى ولو كان لا يعمل به، فالإنسان عليه واجبان: أن يفعل الأوامر وأن يأمر بها غيره وينتهي عن المنكر وينهى غيره فإذا أخل بواحد منهما لا يسقط عنه الثاني.

ولهذا يقال: إن أصحاب الكؤوس الذين يشربون الخمر ويتبادلونها كل واحد منهم عليه أن ينهى نفسه وينهى غيره.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد