}3318{ قوله: «دَخَلَتْ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» . حرف «فِي» للسببية، والمعنى: دخلت النار بسبب هرة، وفيه: إثبات الأسباب والرد على من أنكر الأسباب من الأشاعرة وغيرهم، فالأشاعرة ينكرون الأسباب لأنهم جبرية؛ ولهذا يقولون: إن الأكل ليس سببًا في الشبع، والشرب ليس سببًا في الري، ولكن الله يوجد الشبع عند الأكل، ويوجد الري عند الشرب، ويقولون: السكين ليس سببًا في القطع، ولكن الله يوجد القطع عند إجراء السكين، فهم يقولون هذا؛ فرارًا من القول بوجود مؤثر غير الله، فأنكروا الأسباب والطبائع والغرائز والعلل كلها، فإذا قيل لهم ما الفائدة من إجراء السكين قالوا: هذا من الارتباط العادي، أن الله أجرى العادة أنه إذا وجدت السكين وجد القطع وإلا فليست السكين سببًا في القطع، كما أن الأكل ليس سببًا في الشبع، ولكن الله يوجد الشبع عند الأكل، وكذلك العين ليست سببًا في النظر، ولكن الله يوجد النظر عند فتح العين وهكذا، وهذا من أبطل الباطل، وهو مردود عليهم بالكتاب والسنة، والأدلة النقلية والعقلية في الرد عليهم كثيرة، وذلك لأن الأشاعرة جبرية متوسطة، وأما الجبرية الخالصة فهم الجهمية. والقرآن ملآن بذكر الأسباب، ومن ذلك قوله تعالى: [الأنعَام: 99]{وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ}، وقوله: [الإسرَاء: 59]{وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ}.
وهذا الحديث فيه: أن هذه المرأة دخلت النار بسبب الهرة؛ لأنها ربطتها ولم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، لكنها لو أطعمتها فإنها لا تدخل النار، فلو كان الإنسان عنده حيوانات أو طيور كدجاج وحمام فله حبسها إن كان يطعمها ويسقيها، ولا بأس في ذلك، وإذا كان رَبْط هرة حتى ماتت يوجب دخول النار فيكون ربط حيوان محترم حتى يموت أشد، مثل الإبل أو البقر أو الغنم، وإذا كان هذا في الحيوانات ففي الآدمي يكون أشد، فمن حبس آدميًّا معصومًا حتى مات أو قتله فهو أعظم جرمًا وأشد إثمًا.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال النووي: الذي يظهر أنها كانت مسلمة، وإنما دخلت النار بهذه المعصية؛ كذا قال؛ ويؤيد كونها كافرة ما أخرجه البيهقي في «البعث والنشور» ، وأبو نعيم في «تاريخ أصبهان» من حديث عائشة. وفيه قصة لها مع أبي هريرة» اهـ. ولفظه: عن علقمة، قال: كنا عند عائشة، فدخل عليها أبو هريرة رضي الله عنه. قالت: يا أبا هريرة أنت الذي تحدث أن امرأة عذبت في هرة لها ربطتها لم تطعمها ولم تسقها. فقال أبو هريرة: سمعته منه؛ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة رضي الله عنها: أتدري ما كانت المرأة؟ قال: لا. قالت: إن المرأة مع ما فعلت كانت كافرة، إن المؤمن كريم على الله من أن يعذبه في هرة، فإذا حدثت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فانظر كيف تحدث.
فإن صح هذا عن عائشة رضي الله عنها فهذا اجتهاد منها، ويحتمل أنها ليست كافرة؛ لأنها لو كانت كافرة لدخلت النار بكفرها، والكفر أعظم، والظاهر أنها مسلمة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «فِي هِرَّةٍ» ، ولم يقل بسبب كفرها، وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لها أوهام وإن كانت أفقه النساء مثلما خطّأت ابن عمر في أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه وقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك إنما قال: «يهود تعذب في قبورها» [(681)].
}3319{ قوله: «فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فَهَلاَّ نَمْلَةً وَاحِدَةً» ، أوحى الله إليه معاتبًا له: «هلا نملة واحدة؟!» يعنى: هلا أحرقت نملة واحدة وهي المعتدية.
وفيه: دليل على أن المؤذي من الحيوان يقتل ولا يتجاوز إلى غيره؛ لأن الله عاتب هذا النبي عليه السلام على قتله وإحراقه بيت النمل مع أن التي لدغته نملة واحدة، وأما إذا كانت حشرات طبيعتها الإيذاء فيجوز قتلها كلها، وأما إحراق هذا النبي صلى الله عليه وسلم بيت النمل بالنار فهذا في شرع من قبلنا، وأما في شرعنا فثبت النهي عن التعذيب بالنار وأنه «لا يعذب بالنار إلا رب النار» [(682)].
والشاهد من الحديث: أن النملة من الدواب وكذلك الهرة في الحديث السابق.
إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ
فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الأُْخْرَى شِفَاءً
}3320{ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ بْنُ حُنَيْنٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُْخْرَى شِفَاءً».
}3321{ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الأَْزْرَقُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنْ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ مَرَّتْ بِكَلْبٍ عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ يَلْهَثُ قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا، فَنَزَعَتْ لَهُ مِنْ الْمَاءِ فَغُفِرَ لَهَا بِذَلِكَ».
}3322{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْتُهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ كَمَا أَنَّكَ هَا هُنَا أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رضي الله عنهم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ».
}3323{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ.
}3324{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حَدَّثَهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصْ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّيَوْمٍ قِيرَاطٌ إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ».
}3325{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي السَّائِبُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ الشَّنَئِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ»، فَقَالَ السَّائِبُ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِي وَرَبِّ هَذِهِ الْقِبْلَةِ.
قوله: «بَاب إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ، فَلْيَغْمِسْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَفِي الأُْخْرَى شِفَاءً» هذه الترجمة سقطت في غير رواية أبي ذر، وعدم إثباتها أولى، فهذه الأحاديث تابعة للترجمة السابقة فيما يتعلق بالدواب.
}3320{ قوله: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالأُْخْرَى شِفَاءً» . في هذا الحديث: أن الذباب إذا وقع في الشراب يغمس؛ لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء، فيزيل الدواء الداء إذا غمس.
وفيه: مشروعية غمس الذباب في الإناء ولو قُتل؛ لإزالة ضرره، والله خلق ما في الأرض لينتفع به بنو آدم، فإذا جاز ذبح الإبل والبقر والغنم وقتل الصيد لمصلحة الإنسان فقتل الذباب لإزالة ضرره أولى.
قوله: «فَلْيَغْمِسْهُ» الأصل في الأمر الوجوب، لكن الجمهور قالوا: إن الأمر هنا للاستحباب؛ لأنهم يجعلون الأوامر إذا كانت في الآداب للاستحباب، أما الظاهرية فيرون الوجوب على الأصل، ولا يصرفون الأمر عن الوجوب إلا بصارف؛ فأقل الأحوال الاستحباب.
}3321{ قوله: «غُفِرَ لاِمْرَأَةٍ مُومِسَةٍ» يعني: زانية.
قوله: «مَرَّتْ بِكَلْبٍ» ، أي: مرت على كلب أثناء سيرها في الطريق.
قوله: «عَلَى رَأْسِ رَكِيٍّ» ، الركي: البئر غير المطوية.
قوله: «يَلْهَثُ قَالَ: كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «يلهث: هو ارتفاع النفس من الإعياء، قال ابن التين: لهث الكلب أخرج لسانه من العطش، وكذلك الطائر، ولهث الرجل إذا أعيا، ويقال: إذا بحث بيديه ورجليه» اهـ.
قوله: «فَنَزَعَتْ خُفَّهَا فَأَوْثَقَتْهُ بِخِمَارِهَا» ، أي: فرحمته فنزلت البئر، ونزعت خفها الذي تلبسه في رجلها وملأته ماء وربطته بخمارها ـ والخمار: هو غطاء الوجه ـ حتى خرجت من البئر، ثم سقته فغفر الله لها بذلك.
هذا الحديث فيه: دليل على أن بعض الكبائر قد تغفر بالحسنات الماحية؛ كما غفر الله لهذه المرأة الزانية بِحَسنةٍ عملتها وهي سقي الكلب حيث رحمت الكلب، وتواضعت، ونزلت البئر، وملأت خفها ماء، وربطته بخمارها حتى خرجت، ثم سقته، وجلست عنده حتى شرب، فهذا صبر وتواضع ورأفة ورحمة بالحيوانات.
والخوارج يكفرون الناس بالكبائر، فهم يرون أن العاصي يكفر إذا فعل كبيرة، فإذا زنا فهو كافر، ويستحلون دمه وماله، وفي الآخرة يخلدونه في النار، والمعتزلة يوافقونهم في أنه خرج من الإيمان وإن لم يدخل عندهم في الكفر في الدنيا فهو في منزلة بين المنزلتين لا مؤمن ولا كافر، وفي الآخرة يخلدونه في النار، والخوارج فرقة ضالة وإن كانوا عبادًا زهادًا مثل الخوارج الذين قتلهم الصحابة رضي الله عنهم، وكان أخبر عنهم قول النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «تحقرون صلاتكم عند صلاتهم وصيامكم عند صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» [(683)] فهم يصلون بالليل، ويصومون بالنهار، لكنهم أعداء لأهل السنة، فتراهم بالليل يتأوهون ويبكون ويصلون، وبالنهار شجعان ما يقف في وجوههم سلاح ولا قوة، وقد ناظرهم ابن عباس رضي الله عنهما بالأدلة فرجع منهم ما يقارب اثنا عشر ألفًا وتابوا.
ومن الخوارج الآن من يتجاسر على أن يكفر المؤمنين ويكفر الولاة ويكفر العلماء، ويرى أن دمهم حلال ومالهم حلال، ويتقرب إلى الله بهذا!!
ومن هؤلاء الخوارج المشهورين عبدالرحمن بن ملجم الذي قتل علي بن أبي طالب، وقال فيه عمران بن حطان يمدحه:
يا ضربة من تقيّ ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
فرد عليه القائل:
يا ضربة من شقي ما أراد بها
إلا ليبلغ من ذي العرش خسرانا
فهو يقتل صحابيًّا من الخلفاء الراشدين مشهودًا له بالجنة ويعتقد أن هذا قربة إلى الله! هذا اعتقاد فاسد ومصيبة عظيمة على الأمة إذا وجد فيها مثل هذا الاعتقاد، نسأل الله العافية.
تنبيه:
الواجب على المؤمن وعلى طالب العلم أن يتلقى العلم الشرعي من أهله على منهج السلف الصالح ومن العلماء الكبار الذين تضلعوا من العلم ودرسوا العلم الشرعي وأخذوه من الكتاب والسنة، فلا يؤخذ العلم من صغار السن من الطلبة ولا من بعض الذين عندهم غيرة على الإسلام ممن تتحكم فيهم انفعالات وعواطف غير مبنية على أصول شرعية صحيحة.
}3322{ قوله: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلاَ صُورَةٌ» فيه: أنه ينبغي للإنسان أن يبعد عن بيته الصور والكلاب حتى تدخله الملائكة، والمراد ملائكة الرحمة، وأما الملائكة الحفظة والكتبة فلا يفارقون الإنسان، والمراد بالكلب: الكلب غير المأذون باقتنائه، فالمأذون فيه: كلب الصيد والماشية والحرث، وغير ذلك غير مأذون فيه، والمراد بالصورة غير الصورة الممتهنة التي في الفرش والبسط، كما استثنت الأحاديث، فالتي تمتهن كالتي ينام عليها، والوسادة التي يجلس عليها لا تمنع دخول الملائكة، لكن الصور المنصوبة والمعلقة على الحائط وفي الثياب فهذه تمنع دخول الملائكة، والشاهد من الحديث: أن الكلب من الدواب.
}3323{ قوله: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ» هذا الأمر كان أولاً، ثم نهى عن ذلك، وقال: «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها كلها فاقتلوا منها كل أسود بهيم» [(684)] إلا الكلب العقور فإنه أمر بقتله في الحل والحرم؛ لأنه فاسق كما في الحديث: «خمس من الدواب كلهن فاسق يقتلن في الحل والحرم: الكلب العقور، والغراب، والحدأة، والعقرب، والفأرة» [(685)] وكذلك الكلب الأسود يقتل؛ لأنه شيطان ويخيف الناس ويقطع الصلاة؛ لما ثبت في «صحيح مسلم» : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقطع صلاة المرء إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة والحمار والكلب الأسود» فسأله: ما بال الكلب الأسود من الأحمر؟ قال: «الكلب الأسود شيطان» [(686)] والمراد بالأسود: الأسود البهيم الذي ليس فيه لون آخر كما في رواية الترمذي: «الكلب الأسود البهيم الذي لا يكون فيه شيء من البياض» [(687)] ولا يمنع هذا أن تكون فيه نقطة أو نقطتان فلا تخرجه عن كونه أسوداً، أما قتل الكلاب ككل فكان أولاً ثم نسخ.
}3324{ قوله: «مَنْ أَمْسَكَ كَلْبًا يَنْقُصْ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّيَوْمٍ قِيرَاطٌ» وفي الحديث الآخر: «قيراطان» [(688)] وهذه الزيادة أوفى بها النبي صلى الله عليه وسلم آخرًا إذا صح الاحتمالان، والقيراط: مقدار من الأجر، وجاء وصف القيراط الذي يحصل من اتباع الجنازة «مثل أحد» [(689)] فإذا كان الأجر الذي يحصل عليه الإنسان في يوم مثلاً أربعة وعشرين جزءًا يكون هذا القيراط جزءًا منها.
قوله: «إِلاَّ كَلْبَ حَرْثٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ» ، وكذلك كلب الصيد ورد استثناؤه في الحديث الآخر: «إلا كلب ماشية أو صيد» [(690)]، فهذه الثلاثة مستثناة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أباح اقتناءها.
}3325{ قوله: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لاَ يُغْنِي عَنْهُ زَرْعًا وَلاَ ضَرْعًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ» فيه: التحذير من اقتناء الكلب إلا كلب الزرع ـ أي: البستان ـ أو الضرع ـ وهي الماشية وكذلك كلب الصيد كما في الحديث الآخر[(691)]، فهذه الثلاثة مستثناة من قوله: «من اقتنى كلبًا ينقص من عمله كل يوم قيراط» ، وفي اللفظ الآخر: «قيراطان» [(692)] فالذين يقتنون الكلاب في البيوت الآن ويقلدون الكفرة، ينالهم هذا الحرمان العظيم فينقص من أجره كل يوم قيراطان.
والشاهد من الحديث والحديث الذي قبله: أن الكلب من الدواب.