(61)كِتَاب أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ;
كِتَاب أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ
خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ
{صَلْصَالٍ} طِينٌ خُلِطَ بِرَمْلٍ فَصَلْصَلَ كَمَا يُصَلْصِلُ الْفَخَّارُ وَيُقَالُ مُنْتِنٌ يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ كَمَا يُقَالُ صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِْغْلاَقِ مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ.
{فَمَرَّتْ بِهِ} اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ.
{أَنْ لاَ تَسْجُدَ} أَنْ تَسْجُدَ.
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [البَقَرَة: 30]{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: [الطّارق: 4]{لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ *} إِلاَّ عَلَيْهَا حَافِظٌ [البَلَد: 4]{فِي كَبَدٍ *} فِي شِدَّةِ خَلْقٍ وَرِيَاشًا الْمَالُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ اللِّبَاسِ.
[الواقِعَة: 58]{مَا تُمْنُونَ *} النُّطْفَةُ فِي أَرْحَامِ النِّسَاءِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: [الطّارق: 8]{عَلَى رَجْعِهِ} النُّطْفَةُ فِي الإِْحْلِيلِ.
كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهُوَ شَفْعٌ السَّمَاءُ شَفْعٌ وَالْوَتْرُ اللَّهُ عز وجل.
[التِّين: 4]{فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *} فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ [التِّين: 5]{أَسْفَلَ سَافِلِينَ *} إِلاَّ مَنْ آمَنَ [العَصر: 2]{الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *} ضَلاَلٍ ثُمَّ اسْتَثْنَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ [الصَّافات: 11]{لاَزِبٍ *} لاَزِمٌ نُنْشِئُكُمْ فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ [البَقَرَة: 30]{نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} نُعَظِّمُكَ.
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: [البَقَرَة: 37]{فَتَلَقَّى آدَمُ} فَهُوَ قَوْلُهُ [الأعرَاف: 23]{ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [البَقَرَة: 36]{فَأَزَلَّهُمَا} فَاسْتَزَلَّهُمَا وَ [البَقَرَة: 259]{يَتَسَنَّهْ} يَتَغَيَّرْ آسِنٌ مُتَغَيِّرٌ وَالْمَسْنُونُ الْمُتَغَيِّرُ [الحِجر: 26]{مِنْ حَمَإٍ} جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهُوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ [الأعرَاف: 22]{يَخْصِفَانِ} أَخْذُ الْخِصَافِ [الأعرَاف: 22]{مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} يُؤَلِّفَانِ الْوَرَقَ وَيَخْصِفَانِ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ {سَوْآتِهِمَا} كِنَايَةٌ عَنْ فَرْجَيْهِمَا [الأعرَاف: 24]{مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ *} هَا هُنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ يُحْصَى عَدَدُهُ {قَبِيلُهُ} جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ.
}3326{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ». فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآْنَ.
}3327{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ وَمَجَامِرُهُمْ الأَْلُوَّةُ الأَْنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ».
}3328{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ فَهَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغَسْلُ إِذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ» فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «فَبِمَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ».
}3329{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: بَلَغَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلاَمٍ مَقْدَمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ» قَالَ: فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا» قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ فَجَاءَتْ الْيَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟» قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ» قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا: شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَوَقَعُوا فِيهِ.
}3330{ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوَهُ يَعْنِي لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ، وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا.
}3331{ حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَمُوسَى بْنُ حِزَامٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ مَيْسَرَةَ الأَْشْجَعِيِّ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ».
}3332{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ «إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ إِلَيْهِ مَلَكًا بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ فَيُكْتَبُ عَمَلُهُ وَأَجَلُهُ وَرِزْقُهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ».
}3333{ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ وَكَّلَ فِي الرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ يَا رَبِّ عَلَقَةٌ يَا رَبِّ مُضْغَةٌ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَهَا قَالَ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ يَا رَبِّ أُنْثَى يَا رَبِّ شَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الأَْجَلُ فَيُكْتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ».
}3334{ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: لأَِهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا لَوْ أَنَّ لَكَ مَا فِي الأَْرْضِ مِنْ شَيْءٍ كُنْتَ تَفْتَدِي بِهِ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي فَأَبَيْتَ إِلاَّ الشِّرْكَ».
}3335{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: حَدَّثنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَْوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأَِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ».
زيد في بعض النسخ لصحيح البخاري قبل هذا التبويب ما ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب أَحَادِيثِ الأَنْبِيَاءِ» ، كذا في رواية كريمة في بعض النسخ، وفي رواية أبي علي بن شبويه نحوه، وقدم الآية الآتية في الترجمة على الباب» اهـ. يعني: هذا الكتاب يتعلق بأحاديث الأنبياء عليهم السلام وما جرى لهم مع أممهم، وذكر قبل ذلك خلق آدم وذريته؛ لأن آدم هو أول الأنبياء عليه الصلاة والسلام.
والأنبياء جمع نبي قرئت بالهمزة وبغير همزة ـ نبي أو نبيء ـ وقيل: الذي بالهمزة من النبأ وهو الخبر؛ لأن الله أخبره بالوحي، والذي بغير الهمزة من النَّبْوة وهي الرفعة؛ لأن الله عز وجل أعلى شأن الأنبياء ورفعهم، والنبّوة نعمة يمن الله بها على من اختاره واصطفاه للرسالة، ولا يحصل عليها أحد بالعلم ولا بالكشف كما يقول الصوفية، فهم يزعمون أن الإنسان يحصل على النبوة بالكشف، وكذلك الفلاسفة يقولون: النبوة صنعة من الصناعات وحرفة من الحرف وسياسة من السياسات يحصل عليها الإنسان بالمران والخبرة وطول التجارب، بل إن بعض الفلاسفة لا يرضى بالنبوة ويقول: إنها درجة ليست عالية، وهناك ما هو أعلى منها وهي الفلسفة، فالفلسفة أعلى من النبوة؛ لأن الفيلسوف هو الذي يسوس الخاصة والنبي هو الذي يسوس العامة، وفرق بين من يسوس العامة ومن يسوس الخاصة، وهؤلاء كفرهم فوق كفر الذين قال الله فيهم: [الأنعَام: 124]{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ}؛ لأنه إذا كان الذي يطلب أن يؤتى مثل ما أوتي الرسل كافر، فالذي يتعالى على الرسل ويزعم أنه أعلى منهم أكبر كفرًا وأشد؛ ولهذا قال الحافظ رحمه الله ـ وهو يرد على الصوفية: «والنبوة نعمة يمن بها على من يشاء ولا يبلغها أحد بعلمه ولا كشفه ولا يستحقها باستعداد ولايته، ومعناها الحقيقي شرعًا من حصلت له النبوة» اهـ، يعني: من نبأه الله واختاره واصطفاه هذا هو النبي.
ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وليست راجعة إلى جسم النبي ، ولا إلى عرض من أعراضه ، بل ولا إلى علمه بكونه نبيًّا ، بل المرجع إلى إعلام الله له بأني نبأتك ، أو جعلتك نبيًّا. وعلى هذا فلا تبطل بالموت ، كما لا تبطل بالنوم والغفلة» اهـ. فبعض أهل الكلام وبعض أهل البدع يقولون: إن النبوة صفة من صفات الجسد، وعلى هذا فإذا مات بطلت النبوة، فرد عليه ابن القيم رحمه الله في النونية الكافية الشافية[(693)]، والرسول صلى الله عليه وسلم هو نبي الله فلا تبطل النبوة بموته، ودينه باقٍ إلى يوم القيامة.
ثم بوب المؤلف فقال: «بَاب خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ» ، ثم فسر الكلمات التي يشكل معناها سواء كانت هذه الكلمات في الآيات القرآنية أو في الأحاديث النبوية التي لها صلة بخلق آدم وذريته.
والملاحظ من ترتيب المؤلف في هذا الكتاب، «بدء الخلق» أنه قصد الترتيب فذكر أولاً خلق العرش والكرسي، ثم بعد ذلك السموات والأرضين، ثم الملائكة، ثم الجنة، ثم النار، ثم بعد ذلك إبليس وجنوده، ثم الدواب ثم أحاديث الأنبياء.
قوله: « {صَلْصَالٍ}» فسر الصلصال، فقال: «طين خُلِطَ برمل فَصَلْصَلَ كما يُصَلْصِلُ الفَخَّارُ » . فالفخار: الطين المطبوخ، فآدم عليه السلام خلق من صلصال فصار يصلصل أي: يُصَوّت.
قوله: «وَيُقَالُ مُنْتِنٌ» ، يراد به : صل مُنْتِن من حمأ مسنون، يعني: حمأ منتن الرائحة.
قوله: «يُرِيدُونَ بِهِ صَلَّ كَمَا يُقَالُ صَرَّ الْبَابُ وَصَرْصَرَ عِنْدَ الإِْغْلاَقِ مِثْلُ كَبْكَبْتُهُ يَعْنِي كَبَبْتُهُ» يعني: كما أن صر مضعفة وصرصر غير مضعفة، وكذلك كبكبته وكببته.
قوله: « {فَمَرَّتْ بِهِ} اسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ فَأَتَمَّتْهُ» ، يشير إلى الآية الكريمة: [الأعرَاف: 189-190]{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ *فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ *}. قال الحافظ ابن كثير في تفسيره[(694)]: «ليس المراد من هذا السياق آدم وحواء، وإنما المراد من ذلك المشركون من ذريته؛ ولهذا قال الله: {فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}» .
وجاء في «الدر المصون» للسمين الحلبي: «قوله: {فَمَرَّتْ} الجمهورُ على تشديد الراء، ومعناه: استمرت به، أي: قامَتْ وقعدت. وقيل: هو على القلب، أي: فمرَّ بها، أي: استمر ودام. وقرأ ابن عباس، وأبو العالية، ويحيى بن يعمر، وأيوب {فمرَت} خفيفةَ الراء، وفيها تخريجان، أحدهما: أن أصلها التشديد، ولكنهم كرهوا التضعيف في حرف مكرر فتركوه، وهذا كقراءة [الأحزَاب: 33]{وَقَرْنَ} بفتح القاف إذا جَعَلْناه من القرار. والثاني: أن (مرت) من المِرْية وهو الشك، أي: فشكَّتْ بسببه أهو حَمْل أم مرض؟ وقرأ عبد الله بن عمرو بن العاص، والجحدري: {فمَارَتْ} بألف وتخفيف الراء. وفيها أيضًا وجهان، أحدهما: أنها مِنْ مار يمور، أي: جاء وذهب، ومارَتِ الريح، أي: جاءت وذهبَتْ وتصرَّفَتْ في كل وجه، ووزنه حينئذ فَعَلَتْ والأصل مَوَرَتْ، ثم قُلبت الواو ألفًا فهو كطافَتْ تطوف. والثاني: أنها من المِرْية أيضًا، قاله الزمخشري، وعلى هذا فوزنه فاعَلَت، والأصل: مارَيَتْ كضارَبَتْ، فتحرك حرف العلة وانفتح ما قبله فَقُلِبَ ألفًا، ثم حُذِفَتْ لالتقاء الساكنين فهو كبارَتْ ورامت. وقرأ سعد بن أبي وقاص، وابن عباس أيضًا والضحاك: {فاسْتَمَرَّتْ به} وهي واضحة. وقرأ أُبَيّ {فاستمارَتْ} وفيها الوجهان المتقدمان في {فمارَتْ}، أي: أنه يجوز أن يكون من المِرْية، والأصل اسْتَمْرَيَت، وأن يكون من المَوْر والأصل: استَمْوَرَتْ» [(695)].
قوله: «{أَنْ لاَ تَسْجُدَ} أَنْ تَسْجُدَ» ، يشير إلى قوله تعالى: [الأعرَاف: 12]{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ *} يعني: لا مؤكدة، ويسميها النحويون زائدة.
قوله: «وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [البَقَرَة: 30]{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً}» الخليفة هو آدم يخلف من سبقه.
قوله: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: [الطّارق: 4]{لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ *} إِلاَّ عَلَيْهَا» ، قرأ {لَمَا} بتخفيف الميم: نافع، وابن كثير، وأبو عمرو البصري، والكسائي، ويعقوب، وخلف، وأما قراءة {لَمَّا} بتشديد الميم فقرأ بها: ابن عامر، وعاصم، وحمزة، وأبو جعفر، وهي بمعنى: إلا، وهي لغة مشهورة في هذيل، تقول العرب: أقسمت عليك لما فعلت كذا، أي: إلا فعلت، فالآية: [الطّارق: 4]{إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ *}، تعني: ما كل نفس إلا عليها حافظ.
قوله: « ُ گ [ ء »! ! ِ فِي شِدَّةِ خَلْقٍ» ، أي: خلق الإنسان في شدة.
قوله: « {وَرِيشًا} الْمَالُ» ، في قوله تعالى: [الأعرَاف: 26]{يَابَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ *}، وفي قراءة: {وَرِيَاشًا}، وهي قراءة الحسن؛ والرياش: المال.
قوله: «وَقَالَ غَيْرُهُ: الرِّيَاشُ وَالرِّيشُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَا ظَهَرَ مِنْ اللِّبَاسِ» . ومعنى الآية أن الله امتن عليهم بثياب الزينة ، وهي الثياب الظاهرة التي يتجمل بها المرء ويتباهى.
قوله: « [الواقِعَة: 58]{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ *}، يعني: المني.
قوله: «وَقَالَ مُجَاهِدٌ: [الطّارق: 8]{عَلَى رَجْعِهِ} النُّطْفَةُ فِي الإِْحْلِيلِ» ، أي: معنى الضمير في قوله: {رَجْعِهِ} النطفة في الإحليل، والإحليل: الذكر.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه، وقيل: معناه قادر على رجع النطفة التي في الإحليل إلى الصلب، وهو محتمل، ويعكر على تفسير مجاهد أن بقية الآيات دالة على أن الضمير للإنسان ورجعه يوم القيامة؛ لقوله تعالى بعد هذه الآية مباشرة: [الطّارق: 9]{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ *}» اهـ.
قوله: «كُلُّ شَيْءٍ خَلَقَهُ فَهُوَ شَفْعٌ السَّمَاءُ شَفْعٌ وَالْوَتْرُ اللَّهُ عز وجل» . تكلم على الشفع والوتر في قوله تعالى: [الفَجر: 1-3]{وَالْفَجْرِ *وَلَيَالٍ عَشْرٍ *وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ *}، فالشفع كل شيء خلقه الله فهو شفع، فالسماء مع الأرض تكون شفعًا، والوتر الله عز وجل، ليس له مثيل سبحانه وتعالى.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «هو قول مجاهد أيضًا، وصله الفريابي والطبري ولفظه: «كل خلق الله شفع: السماء والأرض، والبر والبحر، والجن والإنس، والشمس والقمر، ونحو هذا شفع، والوتر الله وحده» ، وبهذا زال الإشكال، فإن ظاهر إيراد المصنف في اقتصاره على قوله: «السَّمَاءُ شَفْعٌ» ، يعترض عليه بأن السموات سبع والسبع ليس بشفع، وليس ذلك مراد مجاهد وإنما مراده كل شيء له مقابل يقابله ويذكر معه فهو بالنسبة إليه شفع، كالسماء والأرض والإنس والجن إلخ، وروى الطبري عن مجاهد أيضًا قال في قوله تعالى: [الذّاريَات: 49]{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} الكفر والإيمان، والشقاء والسعادة، والهدى والضلالة، والليل والنهار، والسماء والأرض، والجن والإنس، والوتر الله. وروي من طريق أبي صالح نحوه. وأخرج عن ابن عباس من طريق صحيحة أنه قال: «الوتر يوم عرفة والشفع يوم الذبح» ، وفي رواية: «أيام الذبح» . وهذا يناسب ما فسروا به قوله قبل ذلك {وَلَيَالٍ عَشْرٍ *} أن المراد بها عشر ذي الحجة» اهـ.
قوله: « [التِّين: 4]{فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *} فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ» يشير إلى الآية الكريمة: [التِّين: 4]{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ *}.
قوله: « [التِّين: 5]{أَسْفَلَ سَافِلِينَ *} إِلاَّ مَنْ آمَنَ» ، يشير إلى الآية الكريمة [التِّين: 5]{ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ *} أي: إلا من آمن، فإنه ينجو من العذاب.
قوله: « [العَصر: 2]{الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *} ضَلاَلٍ ثُمَّ اسْتَثْنَى إِلاَّ مَنْ آمَنَ» ، يشير إلى قوله: {إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *} أي: في ضلال، ثم استثنى فقال: [العَصر: 3]{إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ *إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ *}.
قوله: « [الصَّافات: 11]{لاَزِبٍ *} لاَزِمٌ» يشير إلى قوله تعالى: [الصَّافات: 11]{إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لاَزِبٍ *}. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقد روى الطبري عن مجاهد في قوله: {لاَزِبٍ} قال: لازق. ومن طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: من التراب والماء يصير طينا يلزق. وأما تفسيره باللازم فكأنه بالمعنى، وهو تفسير أبي عبيدة قال: معنى اللازب اللازم، قال النابغة: ولا يحسبون الشر ضربة لازب. أي: لازم» اهـ.
قوله: «نُنْشِئُكُمْ فِي أَيِّ خَلْقٍ نَشَاءُ» يشير إلى الآيات الكريمة: [الواقِعَة: 58-61]{أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ *أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ *نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ *عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِأَكُمْ فِي مَا لاَ تَعْلَمُونَ *}، يعني: ننشئكم في أي: خلق نشاء.
قوله: « {نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ} نُعَظِّمُكَ» يشير إلى الآية الكريمة: [البَقَرَة: 30]{نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}، وهو قول الملائكة.
قوله: «وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: [البَقَرَة: 37]{فَتَلَقَّى آدَمُ} فَهُوَ قَوْلُهُ [الأعرَاف: 23]{ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}» ، أي: هذه الكلمات التي تلقاها هي قوله: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا}.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وصله الطبري بإسناد حسن، واستشكل بأن ظاهر الآيات أن هذا التلقي كان قبل الهبوط، لأن بعده [البَقَرَة: 38]{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا}. ويمكن الجواب بأن قوله: قلنا اهبطوا كان سابقًا للتلقي، وليس في الآيات صيغة ترتيب» اهـ.
قوله: « [البَقَرَة: 36]{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا}، أي: أزلهما فأكلا من الشجرة.
قوله: «وَ [البَقَرَة: 259]{يَتَسَنَّهْ} يَتَغَيَّرْ» ، يعني: يشير إلى قوله تعالى في قصة عزير: [البَقَرَة: 259]{فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ}، أي: لم يتغير مع طول المدة.
قوله: «وَالْمَسْنُونُ الْمُتَغَيِّرُ» ، يشير إلى قوله: [الحِجر: 26]{خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ *}، يعني: آدم خلق من طين متغير الرائحة، فمادة: ـ السين والنون ـ تدل على التغير، ومن ذلك [محَمَّد: 15]{فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ}، فالماء الآسن: المتغير من طول المكث؛ والشاهد خلق آدم من حمأ مسنون، وأتى بصورة أخرى للمادة من باب الفائدة.
قوله: « {حَمَإٍ} جَمْعُ حَمْأَةٍ وَهُوَ الطِّينُ الْمُتَغَيِّرُ» ، يعني: آدم خلق من حمأ؛ وهو الطين الذي خلط بالتراب فصار طينًا متغيرًا.
قوله: « [الأعرَاف: 22]{فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ}، يعني: آدم وحواء لما عصيا سقطت الثياب التي عليهما وظهرت العورة فاستحيا فجعلا يخصفان من ورق الجنة، يعني: جعلا يأخذان الخصاف ويؤلفان الورق بعضه على بعض لستر العورة، والمعصية عورة في المعنى، وسببت كشف العورة الحسية، وإذا عصى الإنسان ربه وقع في العيب، فلما وقعا في العيب انكشفت العورة الحسية، فالمعصية سبب في انكشاف العورات، والطاعة سبب في ستر العورات.
قوله: « {وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ} هَا هُنَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ الْحِينُ عِنْدَ الْعَرَبِ مِنْ سَاعَةٍ إِلَى مَا لاَ يُحْصَى عَدَدُهُ» ، يعني: آدم وذريته يستمرون في الأرض إلى يوم القيامة.
قوله: «{قَبِيلُهُ} جِيلُهُ الَّذِي هُوَ مِنْهُمْ» ، فسر القبيل بالجيل. يعني: الشيطان يراكم هو وجنوده من حيث لا ترونهم، يشير إلى قول الله تعالى: [الأعرَاف: 27]{يَابَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ *}.
}3326{ هذا الحديث واضح مناسبته للترجمة وهي: «خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ» . فهذا الحديث فيه: بيان خلق آدم، فإن الله خلقه طوله ستون ذراعًا، ثم جاءت ذريته الأوائل طوالاً، فلم تزل الذرية تنقص حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن، وفي الجنة يعودون إلى خلقهم الأول، فأهل الجنة طول الواحد منهم ستون ذراعًا، والعرض سبعة أذرع كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.
وفيه: ضعف ولين، ولكن له شواهد: «يدخل أهل الجنة الجنة جُردًا مُردًا بيضًا جعادًا مكحلين، أبناء ثلاث وثلاثين، على خلق آدم ستون ذراعًا، في عرض سبع أذرع» [(696)].
وفيه: أن السلام هو تحية آدم وذريته في الدنيا وفي الجنة، قال الله تعالى عن أهل الجنة: [الأحزَاب: 44]{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ}.
وفيه: رحمة الله تعالى وعنايته بآدم وذريته؛ حيث قال لآدم: «اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ» وهذا من فضل الله تعالى عليه، وقوله: «فسلم» ، أي: اجعل لهم السلامة والبركة، «فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ» ، فزادوه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ حَتَّى الآْنَ» ، أي: أن كل قرن يكون نشأته في الطول أقصر من القرن الذي قبله، فانتهى تناقص الطول إلى هذه الأمة، واستقر الأمر على ذلك. وقال ابن التين: قوله: «فَلَمْ يَزَلْ الْخَلْقُ يَنْقُصُ» ، أي: كما يزيد الشخص شيئًا فشيئًا، ولا يتبين ذلك فيما بين الساعتين ولا اليومين، حتى إذا كثرت الأيام تبين، فكذلك هذا الحكم في النقص، ويشكل على هذا ما يوجد الآن من آثار الأمم السالفة كديار ثمود، فإن مساكنهم تدل على أن قاماتهم لم تكن مفرطة الطول على حسب ما يقتضيه الترتيب السابق، ولا شك أن عهدهم قديم، وأن الزمان الذي بينهم وبين آدم دون الزمان الذي بينهم وبين أول هذه الأمة، ولم يظهر لي إلى الآن ما يزيل هذا الإشكال» .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «والمعنى: أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها، لم ينتقل في النشأة أحوالاً، ولا تردد في الأرحام أطوارًا كذريته، بل خلقه الله رجلاً كاملاً سويًّا من أول ما نفخ فيه الروح، ثم عقب ذلك بقوله: «وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا» فعاد الضمير أيضًا على آدم، وقيل: معنى قوله: «على صورته» أي: لم يشاركه في خلقه أحد؛ إبطالاً لقول أهل الطبائع، وخص بالذكر تنبيها بالأعلى على الأدنى» اهـ.
أي: أن قوله «عَلَى صُورَةِ» في حديث: «إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته» [(697)] فيه أقوال: فقيل إن هذه اللفظة تعود على آدم، وهذا قول، والقول الثاني أنه يعود إلى المضروب، والقول الثالث أنه يعود إلى الله، وهذا هو الصواب، فقد سأل عبدالله ابن الإمام أحمد أباه قال: «على صورته» الضمير يعود إلى آدم؟ قال: «هذا قول الجهمية، أي: شيء لآدم قبل أن يخلقه الله![(698)]» . فالقول بأنه على صورة آدم هذا قول الجهمية، والصواب أن الضمير يعود إلى الله.
وفيه: إثبات الصورة لله عز وجل، ويؤيد هذا رواية أخرى ذكرها الحافظ: «خلق الله آدم على صورة الرحمن» [(699)] وهي ثابتة، ويدل له كذلك ما أخرجه ابن خزيمة: «ابن آدم خلق على صورة الرحمن» [(700)] ولا بأس بهذه الرواية، وهذا يقتضي نوعًا من المشابهة، أي: في مطلق الصورة دون الجسم والمقدار، وصورة الرب وصفاته لا تشابه المخلوقين، فالحافظ ما ذكر هذا القول خوفًا من التشبيه، ولا محظور فيه بحمد الله، فالضمير يعود إلى الله عز وجل، وإن كان فيه إثبات الصورة لله، ولا يستغرب ذلك، كسائر صفاته، لكن بعضهم استوحشوا إثبات الصورة خشية أن يلزم منها التشبيه، وقد ذكرنا ان إثباتها لا يلزم منه التشبيه.
}3327{ هذا الحديث فيه: بيان خلق آدم عليه السلام في الجنة، وأن خلقه في الجنة ستون ذراعًا كما كان خلقه في الدنيا، وهو موافق للترجمة «خَلْقِ آدَمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَذُرِّيَّتِهِ» .
وفيه: فضل الزمرة التي تدخل الجنة أولاً.
قوله: «عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ» . ليس المراد أنهم على شكل القمر، بل المراد في الجمال والبهاء والاستنارة والحسن والضياء، وليلة البدر هي ليلة الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر، حينما يستدير القمر ويتم، وهذه الليالي تسمى الليالي البيض؛ لبياض القمر فيها، ثم الذين يلونهم على أشد الكواكب والنجوم إضاءة، فالزمرة الأولى مثل القمر أي: إضاءتهم قوية، والثانية مثل الكوكب الدري أي: إضاءتهم أقل، ثم وصفهم بقوله: «لاَ يَبُولُونَ وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ وَلاَ يَتْفِلُونَ وَلاَ يَمْتَخِطُونَ» ؛ وهذا من فضل الله تعالى، حيث أذهب عنهم جميع النقائص والعيوب التي في الدنيا، وكل ما فيه أذى أو رائحة كريهة ، ولكن أين يذهب الطعام والشراب الذي يأكلونه ويشربونه؟ جاء في الحديث أن يهوديًّا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا القاسم ألست تزعم أن أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون؟ ـ وقال لأصحابه: إن أقر لي بهذه خصمته ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بلى والذي نفسي بيده، إن أحدهم ليعطى قوة مائة رجل في المطعم والمشرب والشهوة والجماع» . فقال له اليهودي: فإن الذي يأكل ويشرب تكون له الحاجة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حاجة أحدهم عرق يفيض من جلودهم مثل ريح المسك، فإذا البطن قد ضمر» [(701)] أي: يتبخر الطعام والشراب عرقًا، ويخرج من مسام البدن، وهذا العرق ريحه ريح المسك.
ولا يكون في الجنة سواد، فليس فيها إلا جمال، ففي الحديث أن رجلاً أسود أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني رجل أسود منتن الريح قبيح الوجه لا مال لي، فإن أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل ، فأين أنا؟ قال: «في الجنة» ؛ فقاتل حتى قتل فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك» ؛ وقال: «لقد رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف تدخل بينه وبين جبته» [(702)]. وكذلك العَرَج، وغيره من العيوب التي في الدنيا تزول في الجنة، ففي الدنيا الآن نجد هذا أسود وهذا أبيض وهذا طويلاً وهذا قصيرًا، فكل الفوارق تزول في الجنة، فكلهم طولهم ستون ذراعًا، وكلهم على صورة القمر ليلة البدر جمالاً وإضاءة وحسن خَلْق وخُلُق.
قوله: «أَمْشَاطُهُمْ الذَّهَبُ» ، يعني: يمتشطون بالذهب، فالذهب محرم على الرجال في الدنيا، لكن الله أباحه لهم في الجنة؛ حيث انتهى التكليف.
قوله: «وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ» ، يعني: الذي يخرج منهم مسك.
قوله: «وَمَجَامِرُهُمْ الأَْلُوَّةُ الأَْنْجُوجُ عُودُ الطِّيبِ» ، يعني: يتجمرون بها ويتطيبون، بمثابة المبخرة والمدخنة التي يكون فيها الجمر.
قوله: «وَأَزْوَاجُهُمْ الْحُورُ الْعِينُ عَلَى خَلْقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ» . خلْق بإسكان اللام أي: على صورته، وروي: «على خُلُق آدم» [(703)] يعني: المراد الخلق الحسن وعدم الفحش والبذاءة، وهذا فضل عظيم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم.
}3328{ هذا الحديث فيه: أن الإنسان عليه أن يسأل عن العلم ولا يستحيي، سواء كان ذكرًا أو أنثى، وأنه لا حياء في العلم، ولا حياء في الدين، وأم سليم رضي الله عنها قدمت هذه المقدمة، فقالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ» فالمسألة مسألة علمية، والسؤال عن أمر ديني، وإن كان عندها حياء إلا أنه لا حياء في الدين، وهذا لفظ آية في القرآن الكريم: [الأحزَاب: 53]{وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}.
وفيه: إثبات صفة الحياء لله، والله تعالى لا يماثله أحد من خلقه؛ فلا يشبهه المخلوقون في حيائه، قال الله تعالى: [البَقَرَة: 26]{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}، وقال في سورة الأحزاب: [الأحزَاب: 53]{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}، وفي الحديث: «إن الله حيي ستير» [(704)].
وفيه: أنه ينبغي للإنسان ألا يمنعه الحياء من تعلم العلم بالسؤال عما أشكل عليه، وفي الحديث الآخر أن عائشة رضي الله عنها قالت: «نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين» [(705)].
قوله: «نَعَمْ إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ» يعني: المني، فإذا احتلم الرجل أو المرأة وجب عليهما الغسل بشرط أن يجد الماء ـ المني ـ في ثيابه أو في فخذيه، أما إذا احتلم ولم يجد ماء فليس عليه غسل، بخلاف الجماع في اليقظة فإنه يوجب الغسل، سواء خرج المني أو لم يخرج، وهذا يخفى على بعض الناس، فبعض الناس إذا جامع ولم يُمنِ يظن أنه ليس عليه غسل، وكثير من الناس يسأل في هذا، وفي الحديث: «أنهم كانوا يقولون: الماء من الماء رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام، ثم أمر بالغسل بعدها» [(706)]. فكان في أول الإسلام أن الإنسان إذا جامع ولم يمنِ لا يجب عليه الغسل ثم نسخ، وقد مرت الأحاديث في هذا والتصريح بأنها منسوخة، فإذا جامع ولم يمنِ وجب عليه الغسل بتغييب الحشفة في الفرج، أما الاحتلام فإنه يوجب الغسل إذا احتلم وأنزل، وإذا احتلم ولم ينزل لم يجب عليه الغسل، كما في هذا الحديث، وكما في الحديث الآخر: «إنما الماء من الماء» [(707)] يعني: يعني: ماء الغسل يجب بماء المني في النوم.
قوله: «فَضَحِكَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَقَالَتْ: تَحْتَلِمُ الْمَرْأَةُ؟» على تقدير همزة الاستفهام، يعني: أتحتلم المرأة؟ أي: أنكرت أم سلمة، وفي اللفظ الآخر: أنها قالت: «فضحت النساء» [(708)].
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فَبِمَ يُشْبِهُ الْوَلَدُ» ، يعني: كيف يكون الشبه لها لو كانت لا تحتلم؟! فلو لم يكن للمرأة ماء ما أشبهها ولدها، ولكن يشبهها ولدها من الماء، وسيأتي في الحديث: «وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا» ، وكأن الاحتلام للنساء قليل؛ ولهذا أنكرت أم سلمة رضي الله عنها وأنكره بعض النساء.
}3329{ هذا الحديث فيه: قصة إسلام عبد الله بن سلام الإسرائيلي رضي الله عنه، وهو من الذين شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وأنه رأى رؤيا أنه يصعد إلى السماء، وأن هناك وصيفًا رفعه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت على الإسلام حتى تموت» [(709)].
وفيه: أن عبدالله بن سلام لما سمع بمقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة أتاه وسأله عن ثلاث يتحقق بها نبوته، فقال: «إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاَثٍ لاَ يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ» ، المسألة الأولى: «قَالَ: مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ؟» والثانية: «وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ؟» والثالثة: «وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ؟ وَمِنْ أَيِّ شَيْءٍ يَنْزِعُ إِلَى أَخْوَالِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ»» ، يعني: نزل الوحي عليه قريبًا وأخبره بهن.
قوله: «فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ» ، يعني: جبريل يعاديه اليهود قبحهم الله.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجواب عن السؤال الأول: «أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ» ، وهذا يحتمل أن المراد أنها أول الأشراط المتصلة بالساعة، فهي تحشر الناس أولاً من المشرق إلى المغرب ثم تنحرف إلى المشرق فتحشر الناس إليه، وقال بعض العلماء: إنهما ناران: الأولى تحشر الناس إلى المغرب، والثانية تحشرهم إلى المشرق، تبيت معهم إذا باتوا، وتقيل معهم إذا قالوا، ومن تخلف أكلته، وهذه النار التي تحشر الناس إلى المشرق هي المتصلة بالساعة، وهي آخر أشراط الساعة الكبار.
وأما عن إجابة السؤال الثاني فقال: «وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ» ؛ والزيادة هي القطعة الزائدة في الكبد، ومعروف أن الكبد فيه قطعة صغيرة متعلقة بالكبد تسمى الزيادة لذيذة الطعم، فزيادة كبد الحوت هي أول طعام أهل الجنة، ومعناه أن هذا الحوت عظيم أكبر من السموات والأرض وكبده كبيرة، وفي الحديث الآخر: «أن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة إذا دخلوها: إن لكل ضيف جزورًا وإني أجزركم اليوم حوتًا وثورًا فتجزر لأهل الجنة» [(710)].
وأجاب عن السؤال الثالث ـ كيف ينزع الولد؟ ـ بقوله: «فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ الْمَرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا» ، وجاء في الحديث الآخر: «إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكرت، وإذا علا ماء المرأة آنثت» [(711)] واختلف العلماء في الجمع بينهما، فقال بعض العلماء: معنى الحديثين واحد، فإذا سبق ماء الرجل علا ماءَ المرأة فيكون الشبه له ويكون ذكرًا، وإذا سبق ماء المرأة علا ماءَ الرجل فكان الشبه لها وتكون أنثى، وقال آخرون من أهل العلم: إنهما مختلفان، وأنه إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الشبه له، وإذا علا ماء الرجل ماء المرأة كان الولد ذكرًا، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل كان الشبه لها، وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل كان الولد أنثى.
فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عبدالله بن سلام أسلم، وقال: «أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ» ، يعني: تيقن صدقه، فهذه المسائل الثلاث لا يعلمها إلا نبي، وهو يقرأ التوراة، ثم قال: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ» يعني: يبهتون الإنسان ويجحدون ما له من الفضل وما هو عليه.
قوله: «إِنْ عَلِمُوا بِإِسْلاَمِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ بَهَتُونِي عِنْدَكَ فَجَاءَتْ الْيَهُودُ وَدَخَلَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَيْتَ» ، يعني: اختفى في البيت عند النبي صلى الله عليه وسلم ودخل اليهود ولم يعلموا بإسلامه، ولم يعلموا أنه موجود عند النبي صلى الله عليه وسلم يسمعهم، فلما دخلوا سألهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ؟» قَالُوا: أَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا وَأَخْبَرُنَا وَابْنُ أَخْيَرِنَا» ، بالألف وهي لغة قليلة، وإلا فاللغة الكثيرة خيرنا وشرنا، قال بعضهم: وروي «أخبرنا» [(712)] بالباء الموحدة، لكن هذه رواية ضعيفة؛ لأنه يغني عنها أعلمنا، والقاعدة تقول: التأسيس مقدم على التأكيد؛ لأن أخبرنا بمعنى أعلمنا فتصير مؤكدة لها، ولم تأت بمعنى جديد، لكن رواية «أخيرنا» أتت بمعنى جديد، فلما انتهوا قال لهم رسول الله: «أَفَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ» ، يعني: ما رأيكم إن أسلم عبدالله.
قوله: «قَالُوا: أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ» ، وهذا وـ العياذ بالله ـ الشقاء، حيث سألوه أن يعيذه من الإسلام ـ نعوذ بالله ـ من هذا الشر.
قوله: «فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا:» ، يعني: في الحال «شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَوَقَعُوا فِيهِ» . ففي الأول يقولون: خيرنا وابن خيرنا، فلما خرج وأعلن إسلامه قالوا: شرنا وابن شرنا، وجعلوا يتكلمون فيه، وهذا فيه دليل على خبث اليهود، ـ نعوذ بالله ـ من الشقاء.
}3330{ قوله: «لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ» ، لأنهم ادخروا اللحم وكنزوه، فهم أول من كنز اللحم فأخنز يعني: تغير وأنتن، وكان اللحم لا يخنز قبل ذلك، فلما كنزوه تغير وصار له رائحة نتنة.
وكان الناس قديمًا يملحونه ويقددونه، أي: يُشَرّحون اللحم ويذرون عليه الملح، فيبقى مدة طويلة يأكلون منه ويسمى: القديد، وكان الحجاج في منى يشرقونه ويشرحونه ويجعلونه على الحبال أو على الصخور ، لتشرق عليه الشمس؛فيجف ولذلك سميت أيام التشريق، فبنو إسرائيل أول من كنز اللحم فأخنز، ولو لم يكنزوه ما أخنز.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «لَوْلاَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لَمْ يَخْنَزْ اللَّحْمُ» يخنز: بفتح أوله وسكون الخاء وكسر النون وبفتحها أيضًا بعدها زاي: أي: ينتن، والخنز: التغير والنتن، قيل: أصله أن بني إسرائيل ادخروا لحم السلوى، وكانوا نهوا عن ذلك، فعوقبوا بذلك، حكاه القرطبي، وذكره غيره عن قتادة، وقال بعضهم معناه: لولا أن بني إسرائيل سنّوا ادخار اللحم حتى أنتن لما ادخر فلم ينتن. وروى أبو نعيم في «الحلية» عن وهب بن منبه قال: في بعض الكتب لولا أني كتبت الفساد على الطعام لخزنه الأغنياء عن الفقراء» اهـ.
قوله: «وَلَوْلاَ حَوَّاءُ لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا» . المراد الخيانة في شيء غير الفاحشة؛ لأن الله صان أعراض الأنبياء، وهذه الخيانة إما في تحسين أكل الشجرة أو غيره من المعاصي، فطبع بناتها على ذلك كما قال الله تعالى في سورة التحريم عن نبييه نوح ولوط _ث: [التّحْريم: 10]{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوحٍ وَامَرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} قال العلماء: خيانة في الدين لا في العرض، فكانت خيانة في الدين؛ لأنهما كافرتان، ولم تكن في العرض؛ لأن الله صان فرش الأنبياء.
قوله: «لَوْلاَ» فيه: دليل على أنه لا بأس بقول: لولا، فلا بأس أن تقول: لولا كذا لكان كذا، وإنما يمنع قول لولا إذا كان تحسرًا، واعتراضًا على القدر، أما في الإخبار عن الماضي من باب الخبر لا من باب التحسر فلا بأس كما في هذا الحديث، وكذلك «لو» في تمني الخير لا بأس بها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي» [(713)] لكن الممنوع التحسر على ما فات والاعتراض على القدر مثلما قال المنافقون: [آل عِمرَان: 168]{لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا}، أي: لو أطاعونا ولم يخرجوا ما قتلوا في غزوة أحد، فقال الله عز وجل: [آل عِمرَان: 154]{قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ}، فلا يجوز الاعتراض على القدر.
قال ابن حجر رحمه الله: «قوله: «وَلَوْلاَ حَوَّاءُ» ، أي: امرأة آدم وهي بالمد، قيل: سميت بذلك لأنها أم كل حي، وسيأتي صفة خلقها في الحديث الذي بعده. وقوله: «لَمْ تَخُنَّ أُنْثَى زَوْجَهَا» ، فيه: إشارة إلى ما وقع من حواء في تزيينها لآدم الأكل من الشجرة حتى وقع في ذلك، فمعنى خيانتها أنها قبلت ما زين لها إبليس حتى زينته لآدم، ولما كانت هي أم بنات آدم أشبهنها بالولادة ونزع العرق، فلا تكاد امرأة تسلم من خيانة زوجها بالفعل أو بالقول، وليس المراد بالخيانة هنا ارتكاب الفواحش، حاشا وكلا، ولكن لما مالت إلى شهوة النفس من أكل الشجرة وحسنت ذلك لآدم عُد ذلك خيانة له، وأما من جاء بعدها من النساء فخيانة كل واحدة منهن بحسبها، وقريب من هذا حديث: «فجحد آدم فجحدت ذريته» [(714)] وفي الحديث إشارة إلى تسلية الرجال فيما يقع لهم من نسائهم بما وقع من أمهن الكبرى، وأن ذلك من طبعهن فلا يفرط في لوم من وقع منها شيء من غير قصد إليه أو على سبيل الندور، وينبغي لهن ألا يتمكن بهذا في الاسترسال في هذا النوع، بل يضبطن أنفسهن ويجاهدن هواهن، والله المستعان» اهـ.
يعني: فلا يزيد في اللوم؛ لأنها مطبوعة على هذا، ولا يمكن أن تكون كاملة.
}3331{ قوله: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» ، يعني: ارفقوا بهن واعتنوا بتعليمهن ولا تشددوا عليهن.
قوله: «فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ» ، أي: المرأة خلقت من ضلع أعوج، لا يمكن تعديله بالمرة، ويقال: الضِلْع بسكون اللام والضِلَع بفتح اللام.
قوله: «وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ» أي: لا يمكن أن يستقيم استقامة كاملة، وجاء في الحديث الآخر: «وكسرها طلاقها» [(715)] فإذا أردت امرأة كاملة فإنك لا تجد؛ لهذا السبب المذكور، وإذا كان الزوج يحاسب زوجته على كل شيء ـ كل صغيرة وكبيرة، وكل نقير وقطمير ـ فما هناك إلا الطلاق، وهو المشار إليه بقوله: «كسرته» ، وإن غضضت البصر وتغافلت وتساهلت فيما يتساهل فيه فإنها تبقى معك زوجتك، لاسيما إذا كان هذا العوج لا يتعلق بالعرض ولا بالدين فإذا كانت هذه الأمور تتعلق بالبيت أو لاختلاف وجهات النظر فلابد من التسامح، فإذا لم يحصل التسامح حصل الطلاق؛ لأنه لا يمكن أن يجد الإنسان امرأة كاملة، كما أن الإنسان لا يمكن أن يجد صديقًا كاملاً، وإذا كان يحاسب صديقه على كل شيء ما يكون له صديق، فلابد أن تغض النظر عن الصديق وتسامح، يقول الشاعر:
تسامح ولا تستوف حقك كله
وأبق فلم يستوف قط كريم
كذلك الزوجة والزوج لابد أن يتسامحا حتى تستقيم الحياة الزوجية.
}3332{ هذا الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم، وهو من أحاديث «الأربعين النووية» .
وفيه: إثبات القدر، وأن الإنسان حينما يخلق يبعث الله إليه ملكًا فيكتب الرزق والعمل والأجل والشقاوة أو السعادة، وهذا يفيد الحذر وأن الإنسان على خطر ما دامت روحه في جسده، وأن على الإنسان أن يستقل عمله ولا يعجب به إن كان محسنًا، ولا يصر على المعاصي إن كان مسيئًا.
وفيه: أن الإنسان لابد أن يصير إلى ما قدره الله له وكتبه عليه في الكتاب، وأنه لو كان في آخر لحظة من حياته لابد أن يختم له بما كُتب عليه؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُ النَّارَ» ، أي: يسبق عليه الكتاب الذي كتب وهو في بطن أمه، وهو مأخوذ من الكتاب الأول وهو اللوح المحفوظ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
}3333{ قوله: «يَا رَبِّ نُطْفَةٌ» بالرفع ، يعني: هي نطفة، وهي أفصح من نطفةً ـ بالفتح ـ يعني: خُلقتْ نطفةً، أو خَلقتَ نطفةً.
وهذا الحديث: يدل على ما دل عليه الحديث السابق من أن الإنسان وهو في بطن أمه يكتب له الرزق والأجل والشقاوة أو السعادة.
}3334{ قوله: «إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: لأَِهْوَنِ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا» قيل: أهون أهل النار عذابًا هو أبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له العباس رضي الله عنه: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال: «نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح» [(716)] وفي رواية: «نعم هو في ضحضاح من نار لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» [(717)] ـ نعوذ بالله ـ.
وفي الحديث الآخر: «إن أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه» [(718)] وفي رواية أخرى: «أهون أهل النار عذابًا أبو طالب وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه» [(719)] نسأل الله السلامة والعافية.
قوله: «فَقَدْ سَأَلْتُكَ مَا هُوَ أَهْوَنُ مِنْ هَذَا وَأَنْتَ فِي صُلْبِ آدَمَ أَنْ لاَ تُشْرِكَ بِي» . هذا هو الميثاق الذي أخذه الله على آدم وذريته كما قال سبحانه: [الأعرَاف: 172]{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}، وجاء في الحديث الآخر: «إن الله مسح ظهر آدم واستخرج ذريته» [(720)]، وجاء في رواية أخرى وصفهم أنهم «أمثال الذر فاستشهدهم واستنطقهم وشهدوا أن الله ربهم، وأخذ منهم العهد والميثاق أن لا يشركوا فشهدوا ثم أعادهم» [(721)].
}3335{ قوله: «لاَ تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَْوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأَِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» الكفل: الجزء، وابن آدم الأول هو قابيل؛ لأنه قتل أخاه هابيل، وكانوا في الأمم السابقة لا يأكلون الغنائم بل يقدمونها ويقربونها إلى الله، فتأتي نار فتحرقها، وهذه علامة القبول، فإن لم تأتها نار فهذه علامة على أنها لم تقبل ـ أما هذه الأمة فإن الله سبحانه وتعالى أباح لهم الغنائم لما رأى عجزهم وضعفهم، كما في الحديث: «ثم أحل الله لنا الغنائم رأى ضعفنا وعجزنا فأحلها لنا» [(722)] ـ فقدّم قابيل وهابيل قربانًا فجاءت النار وأكلت قربان هابيل ولم تأكل قربان قابيل فقال: لأقتلنك فقال له أخاه: [المَائدة: 28]{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَِقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ *}، فقتله، فكان أول من سن القتل في الدنيا، وجاء في بعض الروايات[(723)]: أنه حمله على ظهره مدة لا يدري ماذا يعمل به فبين الله له كيف يدفنه، قال تعالى: [المَائدة: 31]{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ}، أي: اقتتل غرابان فقتل أحدهما الآخر ودفنه.
وفيه: الحذر من المبادرة بالسيئات؛ فهذا ابن آدم الأول كل نفس تقتل ظلمًا عليه نصيب من وزرها؛ لكونه أول من سن القتل، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، كما في الحديث الصحيح: «من سن في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شيء» [(724)].