شعار الموقع

شرح كتاب أحاديث الأنبياء من صحيح البخاري (60-3)

00:00
00:00
تحميل
120

  قِصَّةِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [الكهف: 94]{قَالُوا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ}.

قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: [الكهف: 83-84]{وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا *إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا *} إِلَى قَوْلِهِ [الكهف: 96]{آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ} وَاحِدُهَا زُبْرَةٌ وَهِيَ الْقِطَعُ {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} يُقَالُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْجَبَلَيْنِ وَ{السَّدَّيْنِ} الْجَبَلَيْنِ {خَرْجًا} أَجْرًا [الكهف: 96]{قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا *} أَصْبُبْ عَلَيْهِ رَصَاصًا وَيُقَالُ الْحَدِيدُ وَيُقَالُ الصُّفْرُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ} يَعْلُوهُ اسْتَطَاعَ اسْتَفْعَلَ مِنْ أَطَعْتُ لَهُ فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ [الكهف: 97-98]{فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا *قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا *} أَلْزَقَهُ بِالأَْرْضِ، وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ لاَ سَنَامَ لَهَا وَالدَّكْدَاكُ مِنْ الأَْرْضِ مِثْلُهُ حَتَّى صَلُبَ وَتَلَبَّدَ [الكهف: 98-99]{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا *وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا *} {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ *}.

قَالَ قَتَادَةُ: حَدَبٌ أَكَمَةٌ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ، قَالَ: «رَأَيْتَهُ».

}3346{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِي الله عَنْهُنَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الإِْبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا» قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ».

}3347{ حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «فَتَحَ اللَّهُ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلَ هَذَا وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ».

}3348{ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ [الحَجّ: 2]{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *}» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟ قَالَ: «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ».

 

ذكر المؤلف رحمه الله قصة يأجوج ومأجوج.

ومناسبة قصة يأجوج ومأجوج لحديث الأنبياء أن الذي بنى سد يأجوج ومأجوج هو ذو القرنين، الذي كان معاصرًا للخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فقد جاء في بعض الأخبار أنه قابله وآمن به.

وفي إيراد المصنف ترجمة ذي القرنين قبل إبراهيم صلى الله عليه وسلم إشارة إلى توهين قول من زعم أنه الإسكندر المقدوني القريب زمنه من زمن عيسى عليه السلام.

وذو القرنين رجل صالح ويقال له: الإسكندر، وهو غير الإسكندر المقدوني، فبينهما تفاوت عظيم، فكان الإسكندر المقدوني مشركًا يعبد الأصنام، وكان ذو القرنين مؤمنًا يعبد الله وحده لا شريك له، فقد حكى الله عنه قوله: [الكهف: 95]{مَا مَكَّنْنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا *} وقوله: [الكهف: 98]{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا *}، وهو رجل صالح من الذين ملكوا الأرض، فقد قيل: ملك الأرض أربعة اثنان مؤمنان: سليمان بن داود، وذو القرنين، واثنان كافران: نمرود بن كوش بن حام بن نوح، وبختنصر.

قول الله تعالى: [الكهف: 94]{قَالُوا ياذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا *} يعني: نعطيك مالاً حتى تجعل بيننا وبينهم سدًّا، فقال: ُ ب إ ئ ث ج ة ت د ذ ح خ ء «! ! ِ أي: لا نريد المال، مدوني ـ فقط ـ بسواعد الرجال.

قوله: « وَاحِدُهَا زُبْرَةٌ وَهِيَ الْقِطَعُ» ، يعني: ناولوني قطع الحديد، حتى نبني السد.

قوله: « {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} ، يُقَالُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الْجَبَلَيْنِ» كان بناء السد بين جبلين، فجعل قطع الحديد بينهما، وجعل يصب عليها النحاس حتى يتماسك الحديد، ويصير البناء قويًّا.

قوله: « {خَرْجًا} أَجْرًا» يعني: نعطيك أجرة مقابل العمل، فرفض ذلك، وقال لهم: لقد منَّ الله علي بالرزق الوفير والخير الكثير {مَا مَكَّنْنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ}، ثم أعانهم على بناء السد.

قوله: « [الكهف: 96]{قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا *} أَصْبُبْ عَلَيْهِ رَصَاصًا وَيُقَالُ الْحَدِيدُ وَيُقَالُ الصُّفْرُ» أي: أن ذا القرنين أحمى الحديد فأوقد عليه النار، ثم صب عليه النحاس أو الرصاص.

قوله: «وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: النُّحَاسُ» أي: أن ابن عباس يرجح أن القطر هو النحاس.

قوله: « {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ}: يَعْلُوهُ» ، يعني: أن ذا القرنين لما بنى السد من الحديد وصب عليه الرصاص ما استطاع يأجوج ومأجوج أن يتجاوزا هذا السد المنيع.

قوله: «اسْتَطَاعَ اسْتَفْعَلَ مِنْ أَطَعْتُ لَهُ فَلِذَلِكَ فُتِحَ أَسْطَاعَ يَسْطِيعُ» ، أي: مشتقة من طاع يعني: ما طوع لهم الحديد، ولا قدروا على أن يخرجوا.

قوله: «وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اسْتَطَاعَ يَسْتَطِيعُ» أي: اسطاع مخففة من استطاع.

وقوله تعالى: {وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا}» ، أي: ما استطاعوا أن ينقبونه، أو يحفرونه.

قوله تعالى: « [الكهف: 98]{قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا *}» أي: إذا جاء أمر الله وأذن الله لهم بالخروج جعله دكاء، فيهوي هذا الحديد، ويتدكدك فيخرب السد، ويُسوَّى بالأرض.

قوله: «وَنَاقَةٌ دَكَّاءُ لاَ سَنَامَ لَهَا وَالدَّكْدَاكُ مِنْ الأَْرْضِ مِثْلُهُ حَتَّى صَلُبَ وَتَلَبَّدَ» أي: يصبح السد كأن لم يكن.

قوله: «قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رَأَيْتُ السَّدَّ مِثْلَ الْبُرْدِ الْمُحَبَّرِ» ؛ البرد: الثوب أو القطعة من القماش، والمحبر: الموشى به نقوش أو خطوط.

قوله: «قَالَ: «رَأَيْتَهُ»» ، يعني: قد رأيت السد رؤية حقيقية.

 

}3346{ هذا الحديث: دل على أنه ينبغي الحذر من المعاصي، وأن المعاصي سبب للهلاك إذا كثرت ولو وجد الصالحون، فإن المنكرات إذا كثرت وانتشرت جاءت العقوبات فعمت الصالح والطالح،، ثم يبعثون على نياتهم؛ ولهذ فزع النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ» .

قوله: «فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» ، أي: مثل هذه الحلقة الصغيرة.

قوله: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» ؛ والخبث: أي: الذنوب والمعاصي والمنكرات، فإن المعاصي إذا عمت، عم البلاء والهلاك، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده» [(749)] وأبلغ من ذلك قول الله تعالى: [الأنفَال: 25]{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ *}.

وقد سبق المثل الذي ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحاب السفينة فقال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها» ، أي: مثل الذي يفعل المنكر والذي ينكر عليه «كمثل قوم استهموا في سفينة» ، أي: استقلوا سفينة مكونة من طابقين «فأصاب بعضهم أسفلها وبعضهم أعلاها، فكان الذين من أسفل إذا أرادوا أن يستقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من فوقنا» قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا» [(750)] أي: إذا تركوهم يخرقون السفينة دخل الماء عليهم فغرقوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا. وكذلك المعاصي إذا تركها الناس ولم يغيروها حلت العقوبات وعمت الصالح والطالح، وإذا أخذوا على أيدي السفهاء ومنعوهم نجوا وسلموا جميعًا.

 

}3347{ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قال ابن العربي:... أما عقد الحساب فإنه اصطلاح للعرب تواضعوه بينهم ليستغنوا به عن التلفظ، وكان أكثر استعمالهم له عند المساومة في البيع فيضع أحدهما يده في يد الآخر فيفهمان المراد من غير تلفظ؛ لقصد ستر ذلك عن غيرهما ممن يحضرهما» اهـ.

قوله: «وَعَقَدَ بِيَدِهِ تِسْعِينَ» .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «عقد التسعين أن يجعل طرف السبابة اليمنى في أصلها، ويضمها ضمًّا محكمًا بحيث تنطوي عقدتاها حتى تصير مثل الحية المطوقة» اهـ.

 

}3348{ قوله: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ» فيه: إثبات صفة الكلام لله عز وجل، وأن الله يتكلم وينادي، وأن كلام الله بحرف وصوت يُسمع.

وفيه: الرد على الجهمية والمعتزلة والأشاعرة الذين يقولون: إن الله لا يتكلم؛ يقول الأشاعرة: إن الله يتكلم كلامًا نفسيًّا، ليس بحرف ولا صوت، ولا يسمع، والحديث فيه رد عليهم حيث قال: «يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَا آدَمُ» فيسمع آدم كلام الله، فيقول آدم: «لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ قَالَ: وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ [الحَجّ: 2]{وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ *}» .

هل في يوم القيامة حوامل حتى يضعن حملهن؟

هذا يحتمل أمرين:

الأمر الأول: أنه لو كان هناك حوامل لوضعن حملهن من شدة الهول.

الأمر الثاني: أن ذلك عند خروجهم من الدنيا عند قيام الساعة تضع الحوامل حملها.

ولما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعث النار: «مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ» كَبُر ذلك على الصحابة وقالوا: يا رسول الله من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة «يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيُّنَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ؟» ، أي: من هو الواحد الذي يدخل الجنة من كل ألف؟!

فبشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «أَبْشِرُوا فَإِنَّ مِنْكُمْ رَجُلاً وَمِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ أَلْفًا» أي: يدخل النار من أمة يأجوج ومأجوج ألف مقابل كل واحد من أمة النبي صلى الله عليه وسلم.

ويأجوج ومأجوج أمتان؛ أمة تسمى يأجوج، وأمة تسمى مأجوج، وهم من بني آدم ، وسموا يأجوج ومأجوج من كثرة الإجاج والحركة والصوت لكثرتهم، فهم ألوف مؤلفة لا حصر لها، وخلائق لا يحصون كثرة، قال الله تعالى: [الأنبيَاء: 96]{حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ *}.

وجاء في أحاديث آخر الزمان: أنهم يخرجون على الناس، فيمرون على البحيرة فيشربها أولهم ثم يأتي آخرهم فيقولون: كان هنا ماء[(751)].

فهم كثرة كاثرة، ويخرجون آخر الزمان زمن نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وهم قوم كفار، ويهلكهم الله في ليلة واحدة بدعاء عيسى ومن معه من المؤمنين، فيصبحون صرعى كموت النفس الواحدة، فيكونون كالجبال بعضهم على بعض، فيرسل الله طيرًا تأخذهم وتلقيهم في البحر.

قوله: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ» . هذه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون هذه الأمة المباركة ربع أهل الجنة، قال الصحابة: «فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا، فَقَالَ: أَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا» وفيه: مشروعية التكبير عند حصول ما يتعجب منه، أو يستبشر به، خلافًا لما يفعله بعض الناس من التصفيق، فهذا التصفيق من سنن الجاهلية، ومن صفات النساء قال الله تعالى: [الأنفَال: 35]{وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} والتصدية: التصفيق، والمكاء: الصفير، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنما التصفيق للنساء» [(752)].

قوله: «مَا أَنْتُمْ فِي النَّاسِ» ، يعني: في الكفار والمشركين «إِلاَّ كَالشَّعَرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَبْيَضَ أَوْ كَشَعَرَةٍ بَيْضَاءَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ أَسْوَدَ» ؛ هذا يدل على كثرة الكفار بالمقارنة بعدد المسلمين.

ويدل على أن هذه الأمة نصف أهل الجنة.

وفي غير الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة» [(753)] أي: هذه الأمة ثلثا أهل الجنة، والثلث الآخر لباقي الأمم، وهذا فضل عظيم من الله العظيم.

  قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [النِّسَاء: 125]{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً *}

وَقَوْلِهِ: [النّحل: 120]{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ}.

وَقَوْلِهِ: [التّوبَة: 114]{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ *}.

وَقَالَ أَبُو مَيْسَرَةَ: الرَّحِيمُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ.

}3349{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثنِي سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً، ثُمَّ قَرَأَ [الأنبيَاء: 104]{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ *} وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ [المَائدة: 117- 118]{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ *}».

}3350{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَخِي عَبْدُ الْحَمِيدِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ فَيَقُولُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ فَيَقُولُ إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَْبْعَدِ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ».

}3351{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا حَدَّثَهُ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَصُورَةَ مَرْيَمَ فَقَالَ: «أَمَا لَهُمْ فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ هَذَا إِبْرَاهِيمُ مُصَوَّرٌ فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ».

}3352{ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ _ث بِأَيْدِيهِمَا الأَْزْلاَمُ فَقَالَ: «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ وَاللَّهِ إِنْ اسْتَقْسَمَا بِالأَْزْلاَمِ قَطُّ».

}3353{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ» فَقَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا».

قَالَ أَبُو أُسَامَةَ: وَمُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}3354{ حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا عَوْفٌ حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم».

}3355{ حَدَّثَنِي بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَذَكَرُوا لَهُ الدَّجَّالَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ مَكْتُوبٌ كَافِرٌ أَوْ ك ف ر قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ وَلَكِنَّهُ قَالَ: «أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ آدَمُ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي».

}3356{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقُرَشِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ».

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ وَقَالَ بِالْقَدُومِ مُخَفَّفَةً.

تَابَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ.

تَابَعَهُ عَجْلاَنُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ.

}3357{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ الرُّعَيْنِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ إِلاَّ ثَلاَثًا».

}3358{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام إِلاَّ ثَلاَثَ كَذَبَاتٍ ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عز وجل قَوْلُهُ: [الصَّافات: 89]{إِنِّي سَقِيمٌ *} وَقَوْلُهُ: [الأنبيَاء: 63]{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} وَقَالَ: بَيْنَا هُوَ ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ إِذْ أَتَى عَلَى جَبَّارٍ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ هَا هُنَا رَجُلاً مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْهَا، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي فَأَتَى سَارَةَ، قَالَ: يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلاَ تُكَذِّبِينِي فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ ذَهَبَ يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ، فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ فَدَعَتْ اللَّهَ فَأُطْلِقَ ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ فَأُخِذَ مِثْلَهَا أَوْ أَشَدَّ فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ فَدَعَتْ فَأُطْلِقَ فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ، فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا، قَالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ وَأَخْدَمَ هَاجَرَ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ».

}3359{ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَوْ ابْنُ سَلاَمٍ عَنْهُ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أُمِّ شَرِيكٍ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَقَالَ: «كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام».

}3360{ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: حَدَّثنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ [الأنعَام: 82]{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّنَا لاَ يَظْلِمُ نَفْسَهُ قَالَ: لَيْسَ كَمَا تَقُولُونَ {لَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} بِشِرْكٍ أَوَلَمْ تَسْمَعُوا إِلَى قَوْلِ لُقْمَانَ لاِبْنِهِ [لقمَان: 13]{يَابُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ *}.

 

عقد المؤلف رحمه الله هذه الترجمة منوهًا بطرف من قصة إبراهيم عليه السلام.

قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً}» فيه: إثبات الخلة لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، والخلة صفة من صفات الله، وهي كمال المحبة ونهايتها، فالخلة والمحبة صفتان ثابتتان لله عز وجل، كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه، فقال تعالى: [المَائدة: 54]{يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}.

وأنكر الخلة والمحبة أهل البدع من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة، وفسروا الخلة بالفقر والحاجة، فقالوا: الخلة مشتقة من الخَلَّةِ، والخلة هي الفقر فقالوا: إبراهيم خليل الله يعني: فقير محتاج إلى الله، وهذا باطل؛ فكل الخلق محتاجون إليه سبحانه مفتقرون إليه، فجعلوا إبراهيم كغيره.

والخليل مشتقة من الخُلَّة وهي المحبة، سميت خلة؛ لأنها تتخلل شغاف القلب، وتصل إلى سويدائه، والخلة هي نهاية المحبة وكمالها.

والمحبة درجات، ذكروا فيها ما يقرب من أربع عشرة مرتبة منها: المحبة، ومنها: الصبابة، ومنها: الغرام، ومنها: العشق، ومنها: المودة، ومنها: الخلة، وهي نهايتها.

ولا يوصف الله عز وجل من ذلك إلا بالمحبة والمودة والخلة، فلا يوصف بالعشق، كما عند الصوفية الملاحدة.

فنَصف الله عز وجل بما وصف به نفسه، فقد أخبر الله تعالى أنه اتخذ إبراهيم خليلاً، واتخذ نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم خليلاً، فإبراهيم خليل الله، ومحمد خليل الله، والقلب لا يتسع لأكثر من خليل؛ لأنه يملأ القلب بمحبته، بخلاف المحبة ففيها يسع القلب أكثر من محبوب؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله عز وجل صاحبكم خليلاً» [(754)] يعني: لو كان في قلبي متسع للخلة لكان لأبي بكر، لكن قلبي امتلأ بخلة الله، فليس فيه مكان لأحد.

وباب المحبة يسع الكثير، فكان أسامة حِبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزيد بن حارثة حب رسول الله، وكان صلى الله عليه وسلم يحب عائشة، ويحب أبا بكر، ويحب كثيرين.

وأما قول أبي هريرة رضي الله عنه: «أوصاني خليلي» ، فالخلة فيه من قِبل أبي هريرة رضي الله عنه.

والمقصود أن الخلة هي كمال المحبة، وهي صفة من صفات الله، نثبته له سبحانه كما يليق بجلاله وعظمته، والله تعالى لم يتخذ من الخلق خليلاً إلا إبراهيم ومحمدًا عليهما الصلاة والسلام.

قوله: «وَقَوْلِهِ: [النّحل: 120]{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}» . وصف الله نبيه إبراهيم عليه السلام، أنه قدوة للناس في تعليمهم الخير.

وتطلق الأمة على معان منها: الجماعة، والزمن، والإمام الذي هو قدوة للناس.

قوله: « [النّحل: 120]{قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ *}.

وفي الآية الأخرى قال: [التّوبَة: 114]{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ *}. وفسر المؤلف رحمه الله الأواه بأنه الرحيم بلغة أهل الحبشة.

 

}3349{ قوله: «إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً» . يحشر الناس يوم القيامة حفاة لا نعال لهم، عراة لا ثياب عليهم، غرلاً غير مختونين؛ حيث ترجع إلى كل ولد آدم الجلدة التي تقطع من الإنسان عند الختان.

واستعظمت عائشة رضي الله عنها حَشْر الناس عراة فقالت: يا رسول الله الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟! فقال صلى الله عليه وسلم: «يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض» [(755)] أي: كل شاخص ببصره، لا أحد ينظر إلى أحد، فكل أهمته نفسه، لا يدري إلى أين يكون المصير، أيؤمر به إلى النعيم أم يزج به في الجحيم.

قوله صلى الله عليه وسلم: «وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ» . هذه من مناقب الخليل عليه السلام فيكون أول من يكسى ثيابًا يستر بها جسده، ولا يعني: هذا أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم له فضائل أخرى، والقاعدة عند أهل العلم أن الفضيلة الخاصة والمنقبة الخاصة لا تقضي على الفضائل العامة، ومثل ذلك ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن موسى عليه السلام أنه إذا أفاق نبينا صلى الله عليه وسلم يوم البعث يجد موسى آخذًا بقائمة من قوائم العرش، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة يوم الطور» [(756)].

قوله صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِي يُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي أَصْحَابِي فَيَقُولُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ» . هذا عند ورودهم الحوض.

وفيه: دليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب إلا ما أطلعه الله سبحانه وتعالى عليه؛ فهو صلى الله عليه وسلم لا يعلم أحوال أمته، وأما ما جاء في بعض الأحاديث أنه تعرض عليه أعمال الأمة فيستبشر بالحسنة، ويستغفر للسيئة، ولفظ الحديث: «حياتي خير لكم وموتي خير لكم، أما حياتي فأحدث لكم، وأما موتي فتعرض عليّ أعمالكم عشية الإثنين والخميس فما كان من عمل صالح حمدت الله عليه، وما كان من عمل سيئ استغفرت لكم» [(757)] فهذا ضعيف لا يصح، والحديث الصحيح هنا: «أنا فرطكم على الحوض، من ورد شرب، ومن شرب لم يظمأ أبدًا، وليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم، فيقول: إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما عملوا بعدك، فأقول سحقًا سحقًا لمن بدل بعدي» [(758)].

 

}3350{ هذا الحديث فيه: أن إبراهيم عليه السلام أراد أن يشفع لأبيه رحمة به وشفقة عليه، فلم يقبلها الله؛ لأن من مات على الكفر لا حيلة له، فلا محاباة عند الرحمن في أمر الكفر والإيمان .

قوله صلى الله عليه وسلم: «يَلْقَى إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ» والد إبراهيم عليه السلام اسمه آزر، كما سماه الله تعالى في القرآن فقال: [الأنعَام: 74]{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَِبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا}.

قوله: «وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ» ، أي: كَلْح وسواد في الوجه؛ لأنه كافر والعياذ بالله، فيقول له إبراهيم عليه السلام معاتبًا له: «أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَعْصِنِي؟» ، يعني: في الدنيا ، فيقول له أبوه: «فَالْيَوْمَ لاَ أَعْصِيكَ» ، ولا ينفع ذلك الآن، فقد فات الأوان.

فكأن إبراهيم عليه السلام رق لأبيه، فدعا ربه قائلاً: «يَا رَبِّ إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لاَ تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ» ؛ لأنه قال في دعائه: [الشُّعَرَاء: 87]{وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ *}.

قوله: «فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الأَْبْعَدِ؟!» وسماه الأبعد؛ لأن الله أبعده فقال الله له: «إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ» ، ثم بعد ذلك مسخ الله والد إبراهيم فصار ذيخًا «يُقَالُ: يَا إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ» ؛ والذيخ هو ذكر الضبع، كثير الشعر، والجمع يقال: ذيوخ وأذياخ وذيخة.

قوله: «مُلْتَطِخٍ» ، يعني: متلطخ بالرجيع : يعني: بالعذرة، أو بالدم ، أو بالطين.

فإبراهيم وهو أفضل الخلق بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك لم يقبل الله شفاعته، فلما حملته عليه السلام الرأفة أن يشفع في أبيه مسخ الله أباه ذيخًا، فأُرِيَهُ خلاف منظره حتى تزول من قلبه الشفقة والرحمة عليه، وأخذ بقوائمه وألقي في النار، نعوذ بالله؛ لأنه كافر لا تنفعه الشفاعة. قال الله تعالى: [المدَّثِّر: 48]{فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ *}.

وشفع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب شفاعة تخفيف، ولا يقال: إن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يحب أبا طالب ، فالله جل وعلا يقول: [المجَادلة: 22]{لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ}، فكان يحبه محبة طَبَعِيَّة لا محبة دينية.

وقد ورد أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله إن أبا طالب كان يحميك ويحوطك وينصرك فهل نفعته؟ قال: «نعم وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح» [(759)].

وفي حديث آخر: «إن أهون الناس عذابًا أبو طالب، وإنه في ضحضاح يغلي منها دماغه، وإنه ليظن أنه أشد أهل النار عذابًا من شدة ما يجد وهو أخفهم» [(760)].

وفي حديث آخر: «إن أهون أهل النار عذابًا لرجل في أخمصيه جمرتان يغلي منهما دماغه» [(761)].

 

}3351{ قوله: «دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْتَ» ، يعني: الكعبة «فَوَجَدَ فِيهِ صُورَةَ إِبْرَاهِيمَ وَصُورَةَ مَرْيَمَ» ، يعني: رسم مشركو قريش صورة إبراهيم ومريم _ث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَمَا لَهُمْ» الضمير يعود إلى قريش «فَقَدْ سَمِعُوا أَنَّ الْمَلاَئِكَةَ لاَ تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ» فكيف يقدمون على هذه الأفعال.

وكلمة «أَمَا» لابد أن يكون لها جواب متعلق بها.

قوله: «فَمَا لَهُ يَسْتَقْسِمُ؟!» أي: صوروه عليه السلام وهو يستقسم بالأزلام، وهذا من افترائهم وكذبهم على الله وعلى رسله، وما استقسم عليه السلام بها قط.

 

}3352{ قوله: «لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُلْ حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ» ، يعني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الصور على جدران الكعبة أمر بها فمحيت، أي: غسلت وأزيلت بالماء.

قوله: «وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ _ث» يعني: صورة إبراهيم وإسماعيل _ث «بِأَيْدِيهِمَا الأَْزْلاَمُ» يستقسمان بهما «فَقَالَ:» النبي صلى الله عليه وسلم «قَاتَلَهُمْ اللَّهُ» ، يعني: قاتل الله المشركين «وَاللَّهِ إِنْ اسْتَقْسَمَا بِالأَْزْلاَمِ قَطُّ» ؛ الضمير يعود إلى إبراهيم وإسماعيل، وإن نافية بمعنى ما، فالمعنى: قاتلهم الله كيف يصورون إبراهيم وإسماعيل _ث يستقسمان بالأزلام؟! وهما لم يستقسما بالأزلام قط.

والأزلام: جمع زَلَم بفتح الزأي: واللام، وهي: قداح ثلاث، كانوا في الجاهلية يأتون بها مكتوب على أحدها: افعل، ومكتوب على الثاني: لا تفعل، ومكتوب على الثالث: غُفل، فإذا أراد أحدهم أمرًا كالسفر أو الزواج أو غيره جاء للقداح، فإذا خرج الأول (افعل) أقدم على السفر أو على الزواج أو غيره، وإذا خرج الثاني (لا تفعل) لا يقدم على الأمر، وإذا خرج الثالث يعيدها مرة أخرى حتى يأتي افعل أو لا تفعل، فأبطلها الإسلام، وأبدلها بالقرعة والاستخارة.

وكيفية الاستخارة أن يصلي ركعتين وبعدهما يقول: «اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم؛ فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال في عاجل أمري وآجله ـ فاقدره لي وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال في عاجل أمري وآجله ـ فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به» [(762)] ثم يمضي لما انشرح له صدره، ويجوز أن يكرر الاستخارة.

أما الاستقسام بالأزلام فقد أبطله الإسلام، قال الله تعالى في سورة المائدة: [المَائدة: 3]{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ}.

والفسق منه أكبر وهو فسق الكفر المخرج عن الملة، كما قال الله تعالى عن إبليس: [الكهف: 50]{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً *}، ومنه فسق المعاصي ـ وهو غير مخرج عن الملة ـ ومنه أكل الميتة والدم ولحم الخنزير.

وجاء في الحديث الآخر: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبًا فجعل يطعنها بعود في يده، وجعل يقول: « [الإسرَاء: 81]{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} الآية» [(763)].

 

}3353{ سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكرم الناس فقال «أَتْقَاهُمْ» كما قال الله تعالى: [الحُجرَات: 13]{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. فأكرم الناس هو التقي، والولي هو المؤمن التقي، قال الله تعالى: [يُونس: 62-63]{أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ *الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ *}.

والتفاضل بين الناس لا يكون بالحسب ولا بالنسب ولا بالمال ولا بالجاه، لكن بالتقوى، ففي الحديث: «يا أيها الناس: ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى» [(764)].

قوله: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ» ؛ وفي اللفظ الآخر: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم _ت» [(765)] فهؤلاء أربعة أنبياء في نسق متوالون، فهذا البيت أكرم البيوت نسبًا.

قوله: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِ» يعني: أنسابهم وبيوتاتهم.

قوله: «خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا» . ومعنى الحديث: أن العرب خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا كانوا على بصيرة بالحلال والحرام، مع ما كانوا عليه في الجاهلية من الكرم والشجاعة والجود ونصر المظلوم وإكرام الضيف، فإذا أسلموا فإن الإسلام يزيد هذه الصفات قوة واحتُسب لهم ما كان لهم في الجاهلية من الخير.

 

}3354{ حديث سمرة حديث طويل يأتي بكامله في «كتاب التعبير» ، وفي أوله: «أتاني الليلة آتيان وإنهما ابتعثاني وإنهما قالا لي: انطلق وإني انطلقت معهما» [(766)] واختصره المؤلف رحمه الله وأتى بالشاهد منه فقط.

قوله: «فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاً وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ صلى الله عليه وسلم» ، وفي اللفظ الآخر: «وإذا بين ظهري الروضة رجل طويل لا أكاد أرى رأسه طولاً في السماء، وإذا حول الرجل من أكثر وِلْدان رأيتهم قط» إلى أن قال: «وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وأما الوِلْدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة» ، قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأولاد المشركين» [(767)] فيه: دليل على أن أولاد المشركين الذين لم يبلغوا الحلم في الجنة، وقيل: إنهم يمتحنون يوم القيامة.

 

}3355{ قوله: «أَمَّا إِبْرَاهِيمُ فَانْظُرُوا إِلَى صَاحِبِكُمْ» ؛ قصد النبي صلى الله عليه وسلم أنه يشبه أباه إبراهيم عليه السلام.

قوله: «وَأَمَّا مُوسَى فَجَعْدٌ» ، يعني: مجتمع الجسم.

قوله: «آدَمُ» ، يعني: بشرته الأُدْمة، وهي السمرة.

قوله: «عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي» ، أي: انحدر في بطن الوادي، والخُلبة قال هشيم أحد رواه الحديث لماذا ذكر الحديث: يعني: ليفا[(768)].

وقد مثل الأنبياء للنبي صلى الله عليه وسلم أجادا، فرآهم صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج.

 

}3356{ اختتن الخليل عليه الصلاة والسلام، وهو ابن ثمانين سنة؛ وذلك أن الختان لم يشرع إلا في ذلك الوقت، وكان ذلك بوحي من الله.

قوله: «اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام وَهُوَ ابْنُ ثَمَانِينَ سَنَةً بِالْقَدُّومِ» روي بالتشديد أي: الآلة التي يختتن بها، وبالتخفيف اسم مكان.

وفي الحديث الآخر: «أمر إبراهيم بالختان فاختتن بقدوم فاشتد عليه فأوحى الله إليه أن عجلت قبل أن نأمرك بآلته؟ فقال: يا رب كرهت أن أؤخر أمرك» [(769)] أي: بادر بامتثال أمر الله، وهكذا الأنبياء، كما حكى الله عز وجل عن موسى قوله: [طه: 84]{وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى *}.

 

}3357{، }3358{ في هذا الحديث: بطريقيه دل على أن الخليل إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات.

قوله: «كَذَبَاتٍ» مثل تمرة وتمرات، وضربة وضربات، وقتلة وقتلات، وشربة وشربات.

وهذه الكذبات ليست من الكذب المذموم في شيء ـ وحاشاه عليه السلام أن يفعل ذلك ـ بل هي تورية يجادل فيها عن دين الله، فإذا كان يوم القيامة يعتذر عليه السلام للناس عن الشفاعة بهذه الثلاث.

قوله: «ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ» ، فيه: دلالة على إثبات الذات لله عز وجل.

ومن ذلك قول خبيب لما أخذه المشركون ليقتلوه:

وذلك في ذات الإله وإن يشأ

يبارك على أوصال شلو ممزع

وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات الذات لله سبحانه، وأن لله ذاتًا ما تشبه الذوات، وهي موصوفة بصفات الكمال.

ثم شرع يذكر هذه الكذبات:

الأولى: قوله: « {إِنِّي سَقِيمٌ *}» ، وذلك أنه لما نظر في النجوم فقال: إني سقيم من باب الإيهام، كما قال عليه السلام لما رأى الكوكب، والقمر والشمس: هذا ربي، أي: بزعمكم، حتى يثبت لهم أن تلك النجوم والكواكب لا تصلح أن تكون ربًّا لهذا الكون، بل هي مربوبة مسخرة، مفتقرة إلى ربها سبحانه وتعالى.

الثانية: قوله: « {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}» وذلك أنه عليه السلام لما كسر الأصنام وضع الفأس على الصنم الكبير؛ ليبين لهم أن الأصنام لا تضر ولا تنفع، وأنها لا تملك أن تدفع عن نفسها، وقال لهم عليه السلام: [الشُّعَرَاء: 72-73]{قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ *أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ *}.

الثالثة: تتعلق بزوجه سارة وكانت ابنة عمه، فإنه لما أتى على جبار من الجبابرة، وهو ملك مصر في ذلك الزمان، وقيل للجبار: «إِنَّ هَا هُنَا رَجُلاً مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ» ، وفي اللفظ الآخر: «لقد قدم أرضك امرأة لا ينبغي لها أن تكون إلا لك» [(770)] فلما سأله عنها: «مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: أُخْتِي» ، فهي أخته في الإسلام، وإنما قال: أختي ولم يقل: زوجتي؛ لعلها تسلم من شره. وهذه أيضًا في ذات الله.

أما قوله: «ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ فِي ذَاتِ اللَّهِ عز وجل» ؛ لأن الثالثة كان فيها شيء لحظ نفسه؛ لأنها زوجته ففصلها عن الأولتين.

قوله: «لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَْرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ» ؛ استشكل على هذا أن لوطًا عليه السلام كان زمانه وكان من المؤمنين، وأجيب بأن مقصوده يعني: بتلك الأرض أرض مصر في ذلك الوقت.

قوله: «فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ» أي: أدخلت على الجبار، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «يقال: إن الله كشف لإبراهيم حتى رأى حال الملك مع سارة معاينة وإنه لم يصل منها إلى شيء، ذكر ذلك في «التيجان» ولفظه: فأمر بإدخال إبراهيم وسارة عليه ثم نحى إبراهيم إلى خارج القصر وقام إلى سارة، فجعل الله القصر لإبراهيم كالقارورة الصافية فصار يراهما ويسمع كلامهما» اهـ.

قوله: «يَتَنَاوَلُهَا بِيَدِهِ فَأُخِذَ» ، يعني: أغمي عليه.

قوله: «فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ» ، وفي اللفظ الآخر أنها قالت: «اللهم إن يمت يقال: هي قتلته» [(771)]، «فدعت الله فأُطلق» ، أي: كشف عنه الإغماء.

وهذا من حماية الله لأوليائه، فحمى الله تلك المرأة المؤمنة الصالحة من شر هذا الكافر.

ولما مد الجبار إليها يده ثانية، أصيب وسقط وأغمي عليه، وقال: «فَقَالَ: ادْعِي اللَّهَ لِي وَلاَ أَضُرُّكِ فَدَعَتْ اللَّهَ فَأُطْلِقَ» .

فلما أفاق من المرة الثالثة قال لمن عنده: «لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي بِشَيْطَانٍ» ، فكف عنها وأخرجها.

قوله: «فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ» ، يعني: أرسل معها خادمًا وهي هاجر.

قوله: «فَأَتَتْهُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي» ، يعني: أتت سارة زوجها إبراهيم عليه السلام وهو قائم في الصلاة يدعو الله ليكشف ما أصابهم من البلاء.

قوله: «فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ مَهْيَا» ، أشار بيده وهو في الصلاة ما الخبر؟

قوله: «قَالَتْ: رَدَّ اللَّهُ كَيْدَ الْكَافِرِ أَوْ الْفَاجِرِ فِي نَحْرِهِ» أي: رد الله كيده في نحره، وسلمت من شره.

فلما نجاهم الله من عدوهم وعادوا إلى وطنهم، وهبت سارة هاجر لزوجها عليه السلام فتسراها، فولدت إسماعيل عليه السلام، وإسماعيل عليه السلام هو أبو العرب، ولهذا قال أبو هريرة رضي الله عنه في آخر الحديث: «تِلْكَ أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ» ، يعني: هاجر أمكم أيها العرب الذين تعيشون على الماء، وعلى تتبع القطر.

وكانت سارة عليه السلام عجوزًا عقيمًا لا تلد، فلما ولدت هاجر ولدها إسماعيل _ث أصابتها الغيرة.

ثم بشرت الملائكةُ سارة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب _ث، قال تعالى: [هُود: 71]{فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ *}، فهاتان بشارتان:

البشارة الأولى: أنها يرزقها الله ولدًا وهو إسحاق.

البشارة الثانية: أنه يكبر ويعيش ويولد له يعقوب.

فرزقها الله إسحاق وكان نبيًّا، ثم رزق الله إسحاق يعقوب وكان نبيًّا، وهو إسرائيل، ومن سلالته جميع بني إسرائيل.

فبنو إسحاق وبنو إسماعيل أبناء عمومة، لكن اليهود غيروا وبدلوا وأساءوا وأفسدوا.

فالموالاة والمعاداة تكون على الإسلام وعلى الإيمان وعلى التقوى، فالمسلم لابد له أن يعادي من خالف دين الإسلام، ولو كان أباه أو ابنه أو من قرابته، قال الله تعالى: [المجَادلة: 22]{لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهُ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.

ولا يلزم من ذلك عدم الإحسان، أو إساءة المعاملة لهم قال الله تعالى: [المُمتَحنَة: 8]{لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ *}.

فالمشركون لا ينهانا الله عن برهم والإحسان إليهم، بل ثبت في «الصحيحين» أن أسماء رضي الله عنها قدمت إليها أمها وهي مشركة في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين المشركين فاستفتت النبي صلى الله عليه وسلم هل تصلها فقال لها: «صلي أمك» [(772)].

لكن إذا كان المشرك حربيًّا فإنه يقاتل ويعادى قال تعالى: [المُمتَحنَة: 9]{إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ}.

 

}3359{ الوزغ جمع وزغة، وهي الدابة المسماة بالبُرص.

وفي هذا الحديث الأمر بقتل الوزغ، وظاهر الأمر الوجوب؛ وجاء في الحديث الآخر: «من قتل وزغة في أول ضربة فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية» ؛ وفي الرواية الثانية: «من قتل وزغًا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك» وفي الرواية الثالثة أن «في أول ضربة سبعين حسنة» [(773)] فيتأكد قتله؛ لأنه فاسق يعني: معروف بالفسق؛ حيث إنه يؤذي ويقذف السموم في الأواني، وفي الطعام والشراب.

قوله: «كَانَ يَنْفُخُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ عليه السلام» ، أي: كان ينفخ النار على الخليل عليه السلام حتى يزيد اشتعالها، وتضطرم نيرانها.

 

}3360{ ذكر بعض الشراح كالإسماعيلي وغيره أن هذا الحديث ليس فيه تعلق بقصة إبراهيم.

لكن الصواب أن مقصود البخاري رحمه الله أن الله سبحانه تعالى لما فرغ من حكاية قول إبراهيم في الكواكب والقمر ذكر محاجته قومه فقال: [الأنعَام: 81]{وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ علَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ *} ثم قال تعالى: [الأنعَام: 82]{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ *}، ثم قال بعد ذلك: [الأنعَام: 83]{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ} فالآيات في ثنايا قصة إبراهيم عليه السلام مع قومه.

وفي هذه الآية: دليل على أن من مات على التوحيد ولم يخلط إيمانه بشرك فله الأمن من عذاب النار، لكن إن مات على التوحيد الخالص من الشرك واجتنب الكبائر دخل الجنة من فوره، وإن مات على التوحيد، واقترف الكبائر فهو على خطر، فقد يدخل النار ويعذب فيها، وقد يعفو الله عنه، لكنه لا يخلد في النار.

قوله تعالى: «{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا} ، أي: لم يخلطوا.

قوله: «{إِيمَانَهُمْ} ، أي: توحيدهم.

قوله: «{بِظُلْمٍ} أي: بشرك.

قوله: «{أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ} من العذاب في الآخرة.

قوله: «{وَهُمْ مُهْتَدُونَ} في الدنيا.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد