{يَزِفُّونَ *} النَّسَلانُ فِي المَشْيِ
}3361{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بِلَحْمٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الأَْوَّلِينَ وَالآْخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُسْمِعُهُمْ الدَّاعِي وَيُنْفِذُهُمْ الْبَصَرُ وَتَدْنُو الشَّمْسُ مِنْهُمْ فَذَكَرَ حَدِيثَ الشَّفَاعَةِ، فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ الأَْرْضِ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ فَيَقُولُ: فَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى».
تَابَعَهُ أَنَسٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
}3362{ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا».
}3363{ قَالَ الأَْنْصَارِيُّ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَمَّا كَثِيرُ بْنُ كَثِيرٍ فَحَدَّثَنِي قَالَ: إِنِّي وَعُثْمَانَ بْنَ أَبِي سُلَيْمانَ جُلُوسٌ مَعَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ: مَا هَكَذَا حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ وَلَكِنَّهُ قَالَ: أَقْبَلَ إِبْرَاهِيمُ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّهِ _ت وَهِيَ تُرْضِعُهُ مَعَهَا شَنَّةٌ لَمْ يَرْفَعْهُ، ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ.
}3364{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ وَكَثِيرِ بْنِ كَثِيرِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى الآْخَرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلَ مَا اتَّخَذَ النِّسَاءُ الْمِنْطَقَ مِنْ قِبَلِ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ ثُمَّ جَاءَ بِهَا إِبْرَاهِيمُ وَبِابْنِهَا إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُرْضِعُهُ حَتَّى وَضَعَهُمَا عِنْدَ الْبَيْتِ عِنْدَ دَوْحَةٍ فَوْقَ زَمْزَمَ فِي أَعْلَى الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ وَلَيْسَ بِهَا مَاءٌ فَوَضَعَهُمَا هُنَالِكَ وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا فَتَبِعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ، فَقَالَتْ: يَا إِبْرَاهِيمُ أَيْنَ تَذْهَبُ وَتَتْرُكُنَا بِهَذَا الْوَادِي الَّذِي لَيْسَ فِيهِ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ؟ فَقَالَتْ لَهُ: ذَلِكَ مِرَارًا وَجَعَلَ لاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَقَالَتْ لَهُ: أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَتْ: إذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا ثُمَّ رَجَعَتْ فَانْطَلَقَ إِبْرَاهِيمُ حَتَّى إِذَا كَانَ عِنْدَ الثَّنِيَّةِ حَيْثُ لاَ يَرَوْنَهُ اسْتَقْبَلَ بِوَجْهِهِ الْبَيْتَ ثُمَّ دَعَا بِهَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: رب [إبراهيم: 37]{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ *} وَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تُرْضِعُ إِسْمَاعِيلَ وَتَشْرَبُ مِنْ ذَلِكَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا نَفِدَ مَا فِي السِّقَاءِ عَطِشَتْ وَعَطِشَ ابْنُهَا وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ فَوَجَدَتْ الصَّفَا أَقْرَبَ جَبَلٍ فِي الأَْرْضِ يَلِيهَا فَقَامَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَتْ الْوَادِيَ تَنْظُرُ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا ثُمَّ سَعَتْ سَعْيَ الإِْنْسَانِ الْمَجْهُودِ حَتَّى جَاوَزَتْ الْوَادِيَ ثُمَّ أَتَتْ الْمَرْوَةَ فَقَامَتْ عَلَيْهَا وَنَظَرَتْ هَلْ تَرَى أَحَدًا فَلَمْ تَرَ أَحَدًا فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا» فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا ثُمَّ تَسَمَّعَتْ فَسَمِعَتْ أَيْضًا، فَقَالَتْ: قَدْ أَسْمَعْتَ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ غِوَاثٌ فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَمَ فَبَحَثَ بِعَقِبِهِ أَوْ قَالَ بِجَنَاحِهِ حَتَّى ظَهَرَ الْمَاءُ فَجَعَلَتْ تُحَوِّضُهُ وَتَقُولُ بِيَدِهَا هَكَذَا وَجَعَلَتْ تَغْرِفُ مِنْ الْمَاءِ فِي سِقَائِهَا وَهُوَ يَفُورُ بَعْدَ مَا تَغْرِفُ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» قَالَ: فَشَرِبَتْ وَأَرْضَعَتْ وَلَدَهَا فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ وَكَانَ الْبَيْتُ مُرْتَفِعًا مِنْ الأَْرْضِ كَالرَّابِيَةِ تَأْتِيهِ السُّيُولُ فَتَأْخُذُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ فَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى مَرَّتْ بِهِمْ رُفْقَةٌ مِنْ جُرْهُمَ أَوْ أَهْلُ بَيْتٍ مِنْ جُرْهُمَ مُقْبِلِينَ مِنْ طَرِيقِ كَدَاءٍ فَنَزَلُوا فِي أَسْفَلِ مَكَّةَ فَرَأَوْا طَائِرًا عَائِفًا فَقَالُوا: إِنَّ هَذَا الطَّائِرَ لَيَدُورُ عَلَى مَاءٍ لَعَهْدُنَا بِهَذَا الْوَادِي وَمَا فِيهِ مَاءٌ فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَرَجَعُوا فَأَخْبَرُوهُمْ بِالْمَاءِ فَأَقْبَلُوا قَالَ: وَأُمُّ إِسْمَاعِيلَ عِنْدَ الْمَاءِ فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ قَالُوا: نَعَمْ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإِْنْسَ» فَنَزَلُوا وَأَرْسَلُوا إِلَى أَهْلِيهِمْ فَنَزَلُوا مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ بِهَا أَهْلُ أَبْيَاتٍ مِنْهُمْ وَشَبَّ الْغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ فَلَمَّا أَدْرَكَ زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ وَمَاتَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ: هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ: فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتْ: اللَّحْمُ قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: إلْمَاءُ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ: فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ: هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ: فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلاَمَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ: ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ: فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولاَنِ: [البَقَرَة: 127]{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *} قَالَ: فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ: [البَقَرَة: 127]{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *}.
}3365{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنْ كَثِيرِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا قَالَ: إِلَى اللَّهِ قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللَّهِ قَالَ: فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا حَتَّى لَمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا قَالَ: فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا فَلَمَّا بَلَغَتْ الْوَادِيَ سَعَتْ وَأَتَتْ الْمَرْوَةَ فَفَعَلَتْ ذَلِكَ أَشْوَاطًا ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ تَعْنِي الصَّبِيَّ فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ فَإِذَا هُوَ عَلَى حَالِهِ كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ فَلَمْ تُقِرَّهَا نَفْسُهَا فَقَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا ثُمَّ قَالَتْ: لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ مَا فَعَلَ فَإِذَا هِيَ بِصَوْتٍ فَقَالَتْ: إغِثْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَإِذَا جِبْرِيلُ قَالَ: فَقَالَ: بِعَقِبِهِ هَكَذَا وَغَمَزَ عَقِبَهُ عَلَى الأَْرْضِ قَالَ: فَانْبَثَقَ الْمَاءُ فَدَهَشَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا» قَالَ: فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا قَالَ: فَمَرَّ نَاسٌ مِنْ جُرْهُمَ بِبَطْنِ الْوَادِي فَإِذَا هُمْ بِطَيْرٍ كَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَاكَ وَقَالُوا: مَا يَكُونُ الطَّيْرُ إِلاَّ عَلَى مَاءٍ فَبَعَثُوا رَسُولَهُمْ فَنَظَرَ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ فَأَتَاهُمْ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَتَوْا إِلَيْهَا فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمْ امْرَأَةً قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَِهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتْ: إمْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ قَالَ: قُولِي لَهُ إِذَا جَاءَ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ فَلَمَّا جَاءَ أَخْبَرَتْهُ قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَِهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي قَالَ فَجَاءَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتْ: إمْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ فَقَالَتْ: إلاَ تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ وَشَرَابُنَا الْمَاءُ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ _ث» قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لأَِهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي فَجَاءَ فَوَافَقَ إِسْمَاعِيلَ مِنْ وَرَاءِ زَمْزَمَ يُصْلِحُ نَبْلاً لَهُ، فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ رَبَّكَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا، قَالَ: أَطِعْ رَبَّكَ، قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَمَرَنِي أَنْ تُعِينَنِي عَلَيْهِ قَالَ: إِذَنْ أَفْعَلَ أَوْ كَمَا قَالَ، قَالَ: فَقَامَا فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولاَنِ [البَقَرَة: 127]{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *}، قَالَ: حَتَّى ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ وَضَعُفَ الشَّيْخُ عَنْ نَقْلِ الْحِجَارَةِ فَقَامَ عَلَى حَجَرِ الْمَقَامِ فَجَعَلَ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَيَقُولاَنِ [البَقَرَة: 127]{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *}.
}3366{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَْرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَْقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ».
}3367{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَلَعَ لَهُ أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا».
وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
}3368{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهم زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ: «لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ» فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ.
وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ.
}3369{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ أَخْبَرَنِي أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
}3370{ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا عَبْدُالْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ مُسْلِمُ بْنُ سَالِمٍ الْهَمْدَانِيُّ قَالَ: حَدَّثنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ عِيسَى سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلاَ أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَقُلْتُ: بَلَى فَأَهْدِهَا لِي فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلاَةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ؟ قَالَ: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ».
}3371{ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْمِنْهَالِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ».
قوله: «{يَزِفُّونَ *}» جزء من آية في سورة الصافات، وهي قوله تعالى: [الصَّافات: 94]{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ *} ومعناها: الإسراع في المشي.
وهذه الترجمة الصواب حذفها والاكتفاء بالباب، فيكون كالفصل للباب السابق، كما وقع ذلك في رواية المستملي؛ لأن الأحاديث كلها تابعة لقصة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
}3361{ هذا الحديث اختصره المصنف من حديث الشفاعة الطويل.
وفيه: أن الناس يوم القيامة يموج بعضهم في بعض ويسألون الشفاعة، فيأتون آدم عليه السلام ثم يأتون نوحًا، ثم يأتون إبراهيم ثم يأتون موسى ثم يأتون عيسى ثم يأتون نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
قوله: «فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ: أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ الأَْرْضِ» وكان هذا في زمانه عليه السلام، وشاركه نبينا صلى الله عليه وسلم في هذه الخلة بعد ذلك، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً» [(774)] وقال: «لو كنت متخذًا من الأرض خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الله» [(775)] يعني: نفسه.
والخلة هي كمال المحبة ونهايتها، وهي وصف من أوصاف الله ـ كالمحبة تليق ـ بجلاله.
وسميت الخلة لأنها تتخلل شغاف القلب وتصل إلى سويدائه، والخليل لا يتسع قلبه لأكثر من خليل واحد؛ ولهذا لم يتسع قلب نبينا صلى الله عليه وسلم لأحد، فقد امتلأ قلبه بخلة الله، ولو كان فيه متسع لكان لأبي بكر.
أما المحبة فإن القلب فيها قد يتسع لأكثر من محبوب، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أسامة ويحب أباه زيدًا، ويحب من الرجال أبا بكر، ويحب من النساء عائشة ويحب كثيرين.
وكما شارك النبي صلى الله عليه وسلم الخليل إبراهيم عليه السلام في أنه خليل الله، شارك موسى في التكليم؛ فإن الله كلمه ليلة المعراج من وراء حجاب دون واسطة.
قوله: «فَذَكَرَ كَذَبَاتِهِ» . كذبات على وزن ثمرات.
}3362{، }3363{ قوله: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْلاَ أَنَّهَا عَجِلَتْ لَكَانَ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» ، وذلك أنه لما نبع ماء زمزم جعلت هاجر عليها السلام تحوزه خشية أن يضيع.
وخُصَّ ماء زمزم بأنه طعام وشراب معًا، وماء زمزم لما شرب له، فمن شربه وقصد به الطعام صار طعامًا، ومن قصد به الشراب صار شرابًا؛ ولهذا كفى أم إسماعيل وابنها لما نفد طعامها وشرابها مدة، حتى جاء قوم جرهم وسكنوا عندهما.
وقد عاش أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ثلاثين بين ليلة ويوم على ماء زمزم فكفاه عن الطعام والشراب حين جاء إلى مكة يريد النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه، قال: حتى سمنت وتكسرت عكن بطني، وقد ثبت هذا في «صحيح مسلم» [(776)].
وقال صلى الله عليه وسلم عن ماء زمزم: «إنه طعام طعم وشفاء سقم» [(777)] فمن قصد به الطعام شبع، ومن قصد به الشراب ارتوى، ومن قصد به الشفاء شفاه الله.
قوله: «شَنَّةٌ» أي: قربة أو سقاء فيه الماء، وتكون من جلد الغنم.
قوله: «لَمْ يَرْفَعْهُ» أي: أنه من قول ابن عباس رضي الله عنهما، وليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
}3364{ قوله: «الْمِنْطَقَ» بكسر الميم، خِرْقة يشد بها الوسط، وكانت هاجر _ب أول من اتخذه من النساء.
قوله: «اتَّخَذَتْ مِنْطَقًا لَتُعَفِّيَ أَثَرَهَا عَلَى سَارَةَ» ، يعني: شدت الخرقة على وسطها وجعلت طرفيها من خلفها، حتى تطمس آثار قدميها؛ هروبًا من تتبع سارة _ب.
وجاء في بعض الآثار عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن سارة حلفت أن تقطع منها ثلاثة أطراف فقال لها إبراهيم عليه السلام: اثقبي أذنيها حتى تبري قسمك واخفضيها» [(778)] وهو ما يقطع في الختان.
قوله: «وَوَضَعَ عِنْدَهُمَا جِرَابًا فِيهِ تَمْرٌ وَسِقَاءً فِيهِ مَاءٌ» أي: وعاءً من جلد فيه تمر وقربة بها ماء.
قوله: «ثُمَّ قَفَّى إِبْرَاهِيمُ مُنْطَلِقًا» ، يعني: ترك زوجه وابنه، وعاد إلى وطنه.
قوله: «الْوَادِي» ، أي: المكان بين الجبلين الذي ليس فيه إنس ولا شيء وهو مكة، فلم يكن فيها شيء إلا موضع الكعبة، وكان أرضا مرتفعة كالرابية قبل أن تبنى الكعبة.
فكانت مكة بقعة ليس فيها مظهر من مظاهر الحياة؛ لذا لما نبع ماء زمزم تعجب قوم جرهم لما رأوا الطير تحوم في هذا المكان.
قوله: «أَاللَّهُ الَّذِي أَمَرَكَ بِهَذَا؟» هذا استفهام.
قوله: «إذَنْ لاَ يُضَيِّعُنَا» هذا فيه: بيان قوة توكلها رضي الله عنها، وفي لفظ آخر قالت: «رضيت بالله» كما سيأتي.
قوله: «رب [إبراهيم: 37]{عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ *}.
قوله: «وَجَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ يَتَلَوَّى أَوْ قَالَ: يَتَلَبَّطُ فَانْطَلَقَتْ كَرَاهِيَةَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْهِ» يعني: أنها ما استطاعت أن تنظر إليه وهو يتألم من شدة العطش فانصرفت عنه في الأرض ـ شفقة ورحمة به عساها تجد ما يزيل عنه وطأة الألم وشدة العطش.
قوله: «فَهَبَطَتْ مِنْ الصَّفَا حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْوَادِيَ رَفَعَتْ طَرَفَ دِرْعِهَا» أي: لما انحدرت في الوادي هرولت، ورفعت طرف درعها لتسهل لنفسها الحركة حال السعي، وهي الهرولة المعروفة في السعي بين الصفا والمروة، في نفس المكان الذي ميز بالعلمين الأخضرين الآن.
قوله: «فَفَعَلَتْ ذَلِكَ سَبْعَ مَرَّاتٍ» أي: سعت من الصفا إلى المروة تنظر هل تجد أحدًا يغيثها من هذه الكربة، وينقذ ولدها الذي يكاد يموت جوعًا وعطشًا سبع مرات، تقف على الصفا وتنظر، ثم تسعى وتقف على المروة وتنظر طلبًا للعون وبحثًا عن الماء.
قوله: «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَذَلِكَ سَعْيُ النَّاسِ بَيْنَهُمَا»» . هذه الجملة مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم والمعنى: شرع الله سبحانه وتعالى لنا السعي بين الصفا والمروة أسوة بهاجر _ث وتذكرة بصبرها وحسن توكلها على الله.
قوله: «فَلَمَّا أَشْرَفَتْ عَلَى الْمَرْوَةِ سَمِعَتْ صَوْتًا فَقَالَتْ: صَهٍ تُرِيدُ نَفْسَهَا» ، يعني: أنها تنبه حاسة سمعها لبذل أقصى طاقتها؛ عسى أن يكون في هذا الصوت الذي سمعته غوثٌ أو نجاة.
قوله: «فَإِذَا هِيَ بِالْمَلَكِ عِنْدَ مَوْضِعِ زَمْزَم» ، وهو جبريل عليه السلام.
قوله: «قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «يَرْحَمُ اللَّهُ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ أَوْ قَالَ: لَوْ لَمْ تَغْرِفْ مِنْ الْمَاءِ لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا»» . هذا القدر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك مواضع أخرى من نفس الحديث، والباقي عن ابن عباس؛ يحتمل أنه أخذه عن بني إسرائيل أو عن غيرهم.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأم إسماعيل بالرحمة.
وقوله: «لَوْ تَرَكَتْ زَمْزَمَ» ، يعني: لم تحد من اتساعها «لَكَانَتْ زَمْزَمُ عَيْنًا مَعِينًا» ، أي: عينًا كبيرة واسعة.
قوله: «فَقَالَ لَهَا الْمَلَكُ: لاَ تَخَافُوا الضَّيْعَةَ فَإِنَّ هَا هُنَا بَيْتَ اللَّهِ يَبْنِي هَذَا الْغُلاَمُ وَأَبُوهُ» أي: قال لها جبريل عليه السلام: لا تخافي الهلاك ولا الضياع فإن هاهنا بيتًا وأشار إلى مكان الكعبة قبل أن تبنى، هذا الغلام يعني: إسماعيل وأبوه الخليل _ث يقومان ببنائه.
قوله: «وَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَهْلَهُ» . هذا من لطف الله بها، فأرسل إليها جبريل عليه السلام فسكّنها، وهدّأ من روعها، وبثّ الطمأنينة في قلبها.
قوله: «فَأَرْسَلُوا جَرِيًّا أَوْ جَرِيَّيْنِ فَإِذَا هُمْ بِالْمَاءِ» ، يعني: فأرسلوا واحدًا منهم يستطلع الأمر، حينما رأوا الطيور تحلق في سماء مكة، وهم يعرفون أن هذا الوادي ليس به ماء وليست فيه مقومات الحياة.
قوله: «فَقَالُوا: أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَنْزِلَ عِنْدَكِ؟ فَقَالَتْ: نَعَمْ وَلَكِنْ لاَ حَقَّ لَكُمْ فِي الْمَاءِ» ، يعني: أن العَيْن ملك لها وحدها ـ وهذا من عناية الله تعالى بها ـ فطلبت منهم إن أرادوا أن يشربوا من الماء أن يبذلوا مقابلاً من الطعام ونحوه.
قوله: «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «فَأَلْفَى ذَلِكَ أُمَّ إِسْمَاعِيلَ وَهِيَ تُحِبُّ الإِْنْسَ» . هذا مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى أن أم إسماعيل _ب ـ كما هو الحال لدى كل البشر ـ فطرها الله على حب الأنس وبغض الوحدة والفرار من الوحشة، والأنس ـ بضم الهمزة ـ ضد الوحشة، والإنس ـ بكسرها ـ يعني: الناس.
قوله: «وَشَبَّ الْغُلاَمُ وَتَعَلَّمَ الْعَرَبِيَّةَ مِنْهُمْ وَأَنْفَسَهُمْ وَأَعْجَبَهُمْ حِينَ شَبَّ» ، يعني: كانوا أهل أبيات، وشب إسماعيل عليه السلام بينهم فتعلم العربية منهم، فلما كبر فاقهم في النجابة والذكاء، والعلم والمعرفة، فأعجبوا به.
قوله: «فَلَمَّا أَدْرَكَ» يعني: أدرك البلوغ «زَوَّجُوهُ امْرَأَةً مِنْهُمْ» .
قوله: «يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ» ، يعني: جاء إبراهيم عليه السلام يتفقد أهله الذين تركهم بمكة.
وكان وطن إبراهيم عليه السلام بلاد الشام، فكيف كان يقطع كل هذه المسافة الطويلة؟
ذكر بعضهم أنه كان يأتي على البراق، والله أعلم.
قوله: «فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ، قَالَ: فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلاَمَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ» أي: جاء الخليل عليه السلام فلم يجد إسماعيل عليه السلام فسأل زوجته عن عيشهم ـ يتفقد حال ولده ـ فشكت زوجه الحال ولم تثن على الله خيرًا وقالت: نحن في سوء من العيش وكرب من الحياة، فقال لها: إذا جاء زوجك فاقرئي عليه السلام، وقولي له يغير عتبة بابه، أراد عليه السلام بعتبة الباب الزوجة، فلما جاء إسماعيل عليه السلام وسألها، قالت: جاء شيخ من صفته كذا وكذا ويقول: غير عتبة بابك، قال: أنت العتبة، وهذا أبي، وقد أمرني بطلاقك، الحقي بأهلك، فطلقها.
وهذه المسألة فيها تفصيل بين أهل العلم: فإذا أمر الأب ابنه بطلاق زوجته، وكانت الزوجة صالحة وتقية فلا يجب عليه طاعته، وعليه أن يتلطف مع والده وأن يبره ولا يطلقها؛ لأن حقه عظيم وبره متعين.
أما إذا كان بها عيب في خلق أو دين فهذه ينبغي طاعة الوالد فيها.
وإبراهيم عليه السلام أمر ابنه إسماعيل عليه السلام أن يطلق زوجه؛ لما رأى من شكوها وعدم صبرها، وتسخطها على ربها.
ثم جاء لزوجته الثانية و «قَالَ: كَيْفَ أَنْتُمْ؟ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ؟ قَالَتْ: اللَّحْمُ قَالَ: فَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: إلْمَاءُ قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ» وهذه الزوجة الثانية كانت امرأة صالحة، فأثنت على الله خيرًا؛ لأنه ينبغي للإنسان أن يثني على ربه ولا يظهر الضجر والتسخط على قدر الله؛ لأن الرضا والثناء على الله من أسباب استمرار النعم.
قوله: «قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ» . هذا القدر مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والباقي من كلام ابن عباس؛ والمعنى: لم يكن عندهم حب لأنهم غير مشتغلين بالزراعة ، وأرضهم ليست أرض زرع، فهم يعيشون على الصيد؛ فالرجال يخرجون بالنهار إلى الصيد، ولا يعودون إلا في المساء؛ لذا لم يجد الخليل إبراهيم عليه السلام ابنه إسماعيل عليه السلام في المرتين؛ لانشغاله بالصيد طوال النهار.
قوله: «فَهُمَا لاَ يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلاَّ لَمْ يُوَافِقَاهُ» ، يعني: أن كل من قصد أحدًا بمكة في النهار لا يجده لانشغالهم بالصيد، فلما جاء إسماعيل كأنه أحس بتغير في البيت فسأل زوجه: هل زارنا أحد؟ فقالت: جاء رجل حسن الهيئة وكان من صفته كذا وكذا، قال: هل أوصاك بشيء قالت: نعم، قال: ثبت عتبة بابك، قال: هذا أبي وأنت العتبة، وقد أوصاني بإمساكك.
قوله: «ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلاً» . وهذه هي المرة الثالثة، في المرة الأولى أمره بطلاق الزوجة، والمرة الثانية أمره بإمساك الزوجة، وفي هذه المرة وجد إسماعيل يبري نبلاً، والنبل هو السهم قبل أن يركب نصله وريشه وهو السهم العربي.
قوله: «فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ» ، يعني: عانقه وقبّله.
قوله: «ثُمَّ قَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ: فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ» ، فيه: تمام الطاعة وكمال البر من إسماعيل عليه السلام، وهو نفس القول الذي قاله له عليه السلام لما قال له: إن الله أمرني أن أذبحك ، قال: امض لما أمرك الله، ستجدني إن شاء الله صابرًا؛ ولذا أثنى عليه ربنا تعالى فقال: [مَريَم: 54]{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا *}.
قوله: «قَالَ: وَتُعِينُنِي؟ قَالَ: وَأُعِينُكَ قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا» ، أي: إلى مكان الكعبة، وكانت السيول تأتي فتطمس بعض معالم هذه الأكمة من أطرافها.
قوله: «فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ» ، أي: جاء عليه السلام بحجر ليقف عليه ليتمكن من رفع البناء، وهذا هو المقام الذي أمرنا الله تعالى أن نتخذه مصلى، قال تعالى: [البَقَرَة: 125]{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً}.
قوله: «فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولاَنِ: [البَقَرَة: 127]{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *}» ؛ أي: تقبل منا هذا العمل وهو بناء الكعبة، وهذا هو دأب الصالحين، أن يعملوا الأعمال الصالحة ويرجون من الله قبولها ويخشون ردها، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة» [(779)] فكيف ببناء الكعبة بيت الله؟!
وفيه: دليل على أن الذي وضع أساس البيت هو إبراهيم عليه السلام، وهو الذي جاء بالحجارة الخضراء وكانت قريش لما تَصّدع البيت قبيل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بخمس سنين خافوا أول الأمر من هدمه، وقالوا: ننظر هل يغضب الله لذلك، فلما لم يحدث شيء هدموه وقالوا: ما أردنا إلا الخير، حتى وصلوا به الأرض فجاء رجل بعتلة وأدخلها في الأرض حتى وصلت إلى الأساس فظهرت حجارة كالأسنمة خضر فلما حرك حجرًا منها تزلزلت مكة كلها، فتركها وأعادها كما كانت.
فهذا الحديث يدل على أن الأساس إنما هو أساس إبراهيم، وأن هذه هي القواعد التي قال الله تعالى عنها: [البَقَرَة: 127]{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ}، أما ما جاء في بعض الآثار أن آدم بناه وأن الملائكة بنته فكل هذا يحتاج إلى دليل، ونصوص القرآن والأحاديث الصحيحة تشهد أن أول من بناه إبراهيم عليه السلام.
قوله: «فَجَعَلاَ يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولاَنِ: [البَقَرَة: 127]{رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ *}» ؛ فيه مشروعية سؤال الله القبول بعد العمل الصالح؛ كالصلاة، والصيام، والصدقة، فالواجب على العبد الإخلاص في العمل والمتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسأل الله القبول.
}3365{ قوله: «لَمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ» . وهذا أيضًا من كلام ابن عباس وليس مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ يعني: لما كان بين هاجر وبين سارة من الشحناء؛ وذلك أنه لما ولدت هاجر _ب إسماعيل عليه السلام دبت الغيرة في قلب سارة _ب، فأمر الله تعالى إبراهيم عليه السلام أن يذهب بهاجر وابنها إلى مكة، وكانت سارة لها مكانة ولها منزلة عند الله عز وجل، فأمره الله أن يبعدهما عنها حتى لا تشتد عليها الغيرة ـ وانطوى هذا الإقصاء على حِكَم عظيمة، منها بناء البيت وعمارة مكة، فإن الله إذا أراد شيئًا هيأ أسبابه ـ وكان إبراهيم عليه السلام يتعهدهما، فيأتي من الشام إلى مكة، وجاء في بعض الآثار أنه كان يأتي على البراق كل شهر، والله أعلم.
قوله: «تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا» . القربة إذا كانت قديمة تسمى شَنّة، ويكون ماؤها باردًا.
قوله: «ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ» ، يعني: إلى زوجته سارة في الشام.
قوله: «فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لَمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ يَا إِبْرَاهِيمُ إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا قَالَ: إِلَى اللَّهِ قَالَتْ: رَضِيتُ بِاللَّهِ» وفي هذا بيان قوة توكل أم إسماعيل _ب، وثقتها بالله؛ حيث رجعت في الحال، وقالت: «رَضِيتُ بِاللَّهِ» ، وفي الرواية السابقة قالت: «آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم» أي: أن هذا وحي من الله، فإبراهيم عليه السلام خليل الله، وما كان يفعل شيئًا إلا عن وحي من الله سبحانه.
قوله: «كَأَنَّهُ يَنْشَغُ لِلْمَوْتِ» أي: بلغ من ضعف الرضيع أنه لا يستطيع التنفس من شدة جوعه وعطشه حتى أشرف على الهلاك؛ لجفاف اللبن في ثدي أمه _ب.
قوله: «حَتَّى أَتَمَّتْ سَبْعًا» ، يعني: سعت سبعة أشواط من الصفا للمروة، تقف على الصفا وتنظر هل ترى أحدًا يغيثها هي وابنها، ثم تنزل وتذهب إلى المروة وتتلفت يمينًا وشمالاً بحثًا عن غوث أو عون، ثم تصعد إلى الصفا مرة أخرى وهكذا، فعلت هذا سبع مرات، ثم بعد ذلك جاءها الفرج من الله، فجاء جبريل عليه السلام فغمز الأرض بجناحه فخرج الماء.
قوله: «فَجَعَلَتْ تَحْفِزُ» بالراء، أو «تحفن» أو «تحفز» ، أو «تحور» ، أي: لما خرج الماء خشيت أن يضيع، فجعلت تحوطه من شدة حاجتها إلى الماء.
قوله: «فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ تَرَكَتْهُ كَانَ الْمَاءُ ظَاهِرًا»» . أبو القاسم هو النبي صلى الله عليه وسلم فهذا القدر مرفوع، أما بقية الحديث فمن كلام ابن عباس، يعني: لو تركته صار الماء عينًا كبيرة تجري على ظهر الأرض.
قوله: «فَقَالُوا: يَا أُمَّ إِسْمَاعِيلَ أَتَأْذَنِينَ لَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَكِ أَوْ نَسْكُنَ مَعَكِ فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمْ امْرَأَةً» ، كأنه اختصره؛ يعني: فأذنت لهم فجاءوا وسكنوا عندها، ومضت مدة حتى بلغ إسماعيل عليه السلام ريعان الشباب، وتزوج امرأة منهم.
قوله: «فَقَالَ لأَِهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي» ، يعني: قال الخليل عليه السلام لزوجته سارة وهما بالشام: سأذهب إلى مكة لأطمئن على ولدي وزوجي الذين تركتهم بمكة.
قوله «فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتْ: إمْرَأَتُهُ ذَهَبَ يَصِيدُ» ، أي: ذهب إسماعيل عليه السلام للصيد، فكان أهل مكة يعيشون على الصيد، ولم يكن لهم عهد بحرفة الزراعة.
قوله: «قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ _ث» . وهذا القدر أيضًا مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: أن الخليل عليه السلام دعا لأهل مكة بالبركة في الطعام والشراب.
والمؤلف رحمه الله ساق هذه القصة المطولة ونقلها عن ابن عباس، والكتاب وإن كان اسمه «الجامع الصحيح» ، فإنه لا يخلو من الفوائد الفقهية والتراجم والآثار المفيدة، فهذه القصة أكثرها ثابت وإن لم تكن كلها مرفوعة للنبي صلى الله عليه وسلم، يعني: هي في الجملة صحيحة ثابتة.
}3366{ هذا الحديث فيه: أن أبا ذر رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم: «أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الأَْرْضِ أَوَّلَ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْمَسْجِدُ الأَْقْصَى» قُلْتُ: كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: «أَرْبَعُونَ سَنَةً» .
ذكرت نصوص القرآن والسنة أن الذي بنى المسجد الحرام هو الخليل إبراهيم عليه السلام، وأما القول بأن الذي بناه آدم والملائكة فهو قول يفتقر إلى الدليل الصحيح.
والمشهور أن أول من بنى المسجد الأقصى هو يعقوب حفيد إبراهيم _ث، وكان ذلك بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة، أما بناء سليمان له بعد ذلك فكان تجديدًا، فبين سليمان وإبراهيم _ث قرابة ألفي عام.
}3367{ قوله: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ اللَّهُمَّ» ، فيه: دليل على إثبات المحبة المتبادلة بين المسلمين وبين جبل أحد، والله تعالى على كل شيء قدير، وهذا حب حقيقي، قال تعالى: [البَقَرَة: 74]{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}، وقال سبحانه: [الجُمُعَة: 1]{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ}، [الإسرَاء: 44]{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ}.
وقوله: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ» أي: أظهر تحريمها، وإلا فالذي حرمها هو الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق: «إن الله حرم مكة يوم خلق السموات والأرض» [(780)] فالله تعالى حرم مكة، وكان تحريمها يوم خلق الله السموات والأرض، وأما تحريم إبراهيم عليه السلام فهو إحياء لهذا التحريم وإظهاره بين الناس.
قوله: «وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا» ، أي: حرم الرسول صلى الله عليه وسلم ما بين طرفي المدينة، واللابة هي: حجارة سوداء على حدودها.
}3368{ قوله: «أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» . وضع إبراهيم عليه السلام القواعد للبيت من أربعة أركان، ولما أرادت قريش بناء الكعبة، قالوا: لا نريد أن نبني البيت إلا من المال الحلال، فجمعوا المال فلم يجدوا من الحلال ما يكفي البناء، فلما قصرت النفقة، بنوا بعضها وأخرجوا بعضها ـ ستة أذرع أو ستة أذرع ونصف ـ فبنت قريش الحجر الأسود والركن اليماني على قواعد إبراهيم عليه السلام، أما الركن الشامي والعراقي فليسا على قواعد إبراهيم.
قوله: «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟» ، يعني: لماذا لا تعيد بناءها على قواعد إبراهيم، وتُدخِل في البناء ما أخرجوه منها.
قوله: «لَوْلاَ حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ» ، يعني: لولا حداثة إسلامهم لفعلت.
واحتج العلماء بهذا الحديث على أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم خشي عليهم أن يرتدوا عن الإسلام لقرب عهدهم بالدخول فيه.
وفيه: أيضا ترك إنكار المنكر إذا ترتب عليه منكر أشد؛ فترك الحجر خارج الكعبة لا شك أن فيه مخالفة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم خشي عليهم الردة بعد الإسلام، فإذا اجتمعت مفسدتان إحداهما صغرى والأخرى كبرى ولا يمكن تركهما معًا تفعل الصغرى لدرء الكبرى، وإذا اجتمعت مصلحتان كبرى وصغرى ولا يمكن فعلهما معًا تفعل الكبرى وتترك الصغرى.
قوله: «فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ اسْتِلاَمَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلاَّ أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ» يعني: وردت نصوص السنة أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمسح بيده الركن اليماني والحجر الأسود، وأما الركن الشامي والعراقي فلم يكن يمسحهما صلى الله عليه وسلم لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم.
ولهذا لما بويع لعبدالله بن الزبير رضي الله عنه بالخلافة في مكة والمدينة والطائف هدم الكعبة وأدخل فيها الحجر، وجعلها كلها على قواعد إبراهيم عليه السلام؛ لما سمع هذا الحديث عن خالته: «لولا قومك حديث عهد بكفر لأدخلت الحجر» [(781)] قال: الآن ثبت الإسلام في القلوب وانتشر وقوي الإيمان ولا يخشى من المفسدة، فهدم الكعبة وأدخل الحجر.
لكن عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي كان بينه وبين ابن الزبير نزاع وقتال، فأرسل لقتاله الحجاج بن يوسف الثقفي أمير العراق، ودار القتال بين الفئتين، وفي أثناء القتال رمى الحجاج الكعبة بالمنجنيق، وانتهى القتال بسيطرة الحجاج وقتل عبدالله بن الزبير، فَهَدم الكعبة، وأخرج الحِجْر منها، وأعادها إلى ما كانت عليه في الجاهلية.
وجاء في «صحيح مسلم» [(782)]: أن عبد الملك بن مروان زار البيت مرة فقال أثناء الطواف: إن ابن الزبير يكذب ويقول: إن عنده حديثًا عن عائشة، فسمعه البعض، فقال: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين فأنا قد سمعت هذا، فبقي واجمًا، وقال: ليتنا تركناه وما أراد.
}3369{ ورد في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صيغ، منها ما في هذا الحديث والذي يليه.
قوله: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» ، وفي هذه الرواية دليل على أن آله صلى الله عليه وسلم هم أزواجه وذريته المؤمنون، ويدخل فيهم أيضًا أتباعه على دينه، أما غير المؤمنين فلا يدخلون.
ووردت صيغ أخرى غير الصيغة المذكورة:
فالصيغة الثانية: في حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه التالي: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد» . وهذه الصيغة أتم صيغة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه جمع في الصلاة بين محمد وآله وإبراهيم وآله، وكذلك في البركة جمع بين محمد وآله وإبراهيم وآله.
والصيغة الثالثة: في حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» [(783)] ولم يرد فيها قول: «في العالمين» .
والصيغة الرابعة: في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «اللهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم» وقال بعض الرواة: «على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم» وقال بعضهم: «كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم» [(784)].
والصيغة الخامسة: في حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه: «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد » [(785)].
فهذه خمس صيغ كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
}3370{ جاء في هذا الحديث أتم صيغة من صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وبيان ذلك أنه جمع في الصلاة بين محمد وآله وإبراهيم وآله، وكذلك في البركة جمع بين محمد وآله وإبراهيم وآله.
وقد خفي هذا على بعض الأكابر من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية[(786)]، فهو مع جلالة قدره وطول باعه في العلم والحديث والفضل، قرر أنه لم يرد الجمع في صيغ الصلاة بين محمد وآله وإبراهيم وآله، ولعله اعتمد في ذلك على حفظه، أو أن هذا الحديث لم يقع له فيما توافر له من النسخ، وتبعه في ذلك تلميذه ابن القيم رحمه الله[(787)].
وقد رد عليهما الحافظ رحمه الله في «كتاب الدعوات» .
وهذا يدلنا على أنه لا عصمة لأحد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن الإنسان مهما بلغ في العلم فإنه قد يفوته بعض الأشياء، فشيخ الإسلام من يجاريه في العلم، ومن يدانيه في الحفظ؟!
}3371{ قوله: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ» في هذا الحديث دليل على أن الجد أب؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل إبراهيم عليه السلام أبًا للحسن والحسين، وهو حجة لمن قال: إن الجد أب، وهو يسقط الإخوة في الفرائض، وهذا هو الصواب، وهو اختيار ابن القيم رحمه الله والإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب رحمه الله[(788)]، وهذا الحديث من أدلتهم، ومنها أيضًا قوله تعالى: [يُوسُف: 38]{وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ}؛ لأن يوسف عليه السلام جعل أجداده إبراهيم وإسحاق آباء.
وروى أبو داود والترمذي بأسانيد جيدة بلفظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ الحسن والحسين ويقول: «أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة» [(789)].
قوله: «أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ» ؛ فيه: مشروعية التعوذ بكلمات الله.
وفيه: دليل على أن كلام الله غير مخلوق.
وفيه: الرد على المعتزلة وأهل البدع الذين يقولون: إن القرآن مخلوق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يستعيذ بمخلوق، فلا استعاذة إلا بالله؛ لأن الاستعاذة عبادة، ولا تصرف العبادة إلا لله عز وجل.
ووقع في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان، فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما» [(790)] أي: [الفَلَق: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ *}، و [النَّاس: 1]{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ *}.
قَوْلُهُ عز وجل:
[الحِجر: 51-52]{وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ *إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ *} الآْيَةَ
[الحِجر: 53]{قَالُوا لاَ تَوْجَلْ} لاَ تَخَفْ.
[البَقَرَة: 260]{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} الآْيَةَ.
}3372{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ [البَقَرَة: 260]{رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ».
قوله: «بَاب قَوْلُهُ عز وجل: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ}» ، فجعل الترجمتين ترجمة واحدة.
فالترجمة الأولى: «باب قوله تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ *}» ، في قصة إبراهيم صلى الله عليه وسلم لما جاءه الملائكة في صورة أضياف، والضيف يطلق على المفرد والمثنى والجمع، فالواحد ضيف والاثنان ضيف والجماعة ضيف.
ولم يكن إبراهيم عليه السلام يعلم أنهم ملائكة، فأسرع صلى الله عليه وسلم بإكرامهم فجاء بعجل مشوي سمين وقربه إليهم، فلما لم يأكلوا أوجس منهم خيفة، فقالوا: لا تخف وأخبروه أنهم ملائكة لا يأكلون ولا يشربون، ولكنهم جاءوا في صورة بشر.
والملك أعطاه الله القدرة على التشكل بالصور المختلفة، فكان جبريل عليه السلام يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صور متعددة، وكان كثيرًا يأتيه في صورة دحية الكلبي رضي الله عنه، وجاء مرة في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان وعن الساعة وأماراتها، والناس يرونه[(791)].
قوله: « [الحِجر: 53]{قَالُوا لاَ تَوْجَلْ} لاَ تَخَفْ» ، في بعض النسخ، وفي بعضها ساقطة.
ثم ذكر الترجمة الثانية: « {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} الآْيَةَ» ، فسأل الله تعالى إبراهيم عليه السلام وقال: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قال: بلى، ولكن أريد أن أنتقل من مرتبة علم اليقين إلى مرتبة عين اليقين، فاليقين له مراتب، وقد حاز الخليل عليه السلام أعلاها.
}3372{ قوله: «نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ: [البَقَرَة: 260]{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}» .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «سقط لفظ الشك من بعض الروايات» اهـ. وليس الشك في حقه عليه السلام كالشك المعروف عند الناس، وإنما هو الانتقال من مرتبة علم اليقين إلى عين اليقين، فهو من باب حسنات الأبرار سيئات المقربين وهم أعظم درجة؛ ولهذا لما قال الله: {أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قال: بلى، ولكن طمأنينة القلب تكون بعين اليقين أكثر من علم اليقين.
واليقين له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: علم اليقين: وهذا يكون بالأخبار الصادقة الكثيرة كمن أخبره العدد الكبير من الناس أن الوادي قد سال، فإن الإنسان يصدق ويتيقن.
المرتبة الثانية: عين اليقين: وتكون بالمشاهدة، كمن شاهد الوادي وهو يسيل، فمن شاهد الوادي وهو يسيل يكون يقينه أقوى من يقين من أخبر.
المرتبة الثالثة: حق اليقين: تكون بملامسته، كمن وضع يده في الماء أو شرب منه.
وأراد إبراهيم صلى الله عليه وسلم الترقي من مرتبة إلى مرتبة، فهو عنده علم اليقين؛ لأنه لا يشك ولا يتطرق إليه الشك في خبر الله، ولكنه أراد أن ينتقل من العلم الذي حصل بالخبر، إلى العلم الذي يحصل بالمشاهدة، فشاهد بعينه كيف يحيي الله الموتى.
قال الله تعالى: [التّكاثُر: 6-7]{لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ *ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ *}، فعين اليقين يكون بالرؤية، وقال في سورة الواقعة: [الواقِعَة: 95]{إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ *}، فحق اليقين يكون بالملابسة، وعلم اليقين يحصل بالأخبار الصادقة.
فقال الله تعالى لإبراهيم: [البَقَرَة: 260]{فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا}، فأخذ أربعة من الطير فقطعها، وجعلها على أربعة جبال، ثم أخذ رؤوسها بيده فجعل يناديها، فأحياها الله تعالى، فجعلت أجزاء كل طائر تأتي فتركب في الرأس الخاص به.
والحديث حمله بعض أهل العلم على ظاهره، وقال بعضهم: إن هذا كان قبل النبوة، وبعضهم قال: معنى الحديث أنه أراد طمأنينة النفس بكثرة الأدلة، وقال بعضهم: المعنى: نحن أشد حاجة لرؤية ذلك من إبراهيم عليه السلام، وقيل: إذا لم نشك نحن، فإبراهيم أولى بألا يشك.
قوله: «وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» ، وهو الله سبحانه وتعالى.
فبعد أن ساقت الملائكة الكرام بشرى الولد إلى إبراهيم عليه السلام، جاءوا لوطًا عليه السلام في صورة بشر، ولم يعرف أنهم ملائكة، فجاءه قومه يُهرعون إليه، فشق ذلك عليه عليه السلام فقال: [هُود: 80]{لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ *}، يعني: ليس له عشيرة تمنعه وتحميه من أن ينال بسوء أو يقصد بأذى.
قوله: «وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الدَّاعِيَ» ، يعني: لو لبثت في السجن مدة طويلة مثل يوسف عليه السلام لأسرعت بالخروج عند أول فرصة تسمح بذلك.
وهذا فيه: بيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم مع إخوانه الأنبياء عليهم السلام، ومعلوم أن مكانة النبي صلى الله عليه وسلم أكبر وأعظم من مكانة غيره من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فيوسف عليه السلام دخل السجن لما اتهمته امرأة العزيز، ودخل معه السجن شابان، فرأى كل واحد منهما رؤيا، فأولها لهما عليه السلام، فكان تأويل رؤيا الأول أنه سينجو ويعمل لدى الملك، وتأويل رؤيا الثاني أنه سيقتل.
قال يوسف عليه السلام لمن ظن نجاته: [يُوسُف: 42]{اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ}، فنسي الفتى؛ فلبث يوسف عليه السلام في السجن بضع سنين، قيل: إنه لبث سبع سنين.
وبعد ذلك رأى الملك رؤيا هالته، ولم يجدوا من يعبرها له، عندئذ تذكر الفتى يوسف عليه السلام، فجاء إلى يوسف عليه السلام فقص عليه الرؤيا فَعَبرها له، فطلبه الملك فأبى أن يخرج حتى يظهر الله براءته.
قال تعالى: [يُوسُف: 50]{قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ *}.
قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
[مَريَم: 54]{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ}
}3373{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ ابْنِ الأَْكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ: مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» قَالَ: فَأَمْسَكَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ، قَالَ: «ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ».
تناولت هذه الترجمة الحديث عن إسماعيل بن إبراهيم خليل الله عليهما الصلاة والسلام وهو أبو العرب.
وهو أحد آباء النبي صلى الله عليه وسلم من الأنبياء؛ فالأب الأول هو آدم عليه السلام، والأب الثاني هو نوح عليه السلام، والأب الثالث هو إبراهيم عليه السلام، والأب الرابع هو إسماعيل عليه السلام.
قوله تعالى: [مَريَم: 54]{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا *}. وصف الله تعالى إسماعيل عليه السلام بالرسالة والنبوة، ووصفه بأنه صادق الوعد، وقدم هذه الصفة على الرسالة والنبوة؛ دلالة على بلوغه فيها أعلى مكان وأعظم منزلة.
}3373{ قوله: «مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَسْلَمَ» ، يعني: من قبيلة أسلم.
قوله: «يَنْتَضِلُونَ» ، يعني: يرمون بالسهام.
قوله: «ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ» أمر، وأقل درجاته الاستحباب.
وفيه: الحث على تعلم الرماية، والتدريب على فنون القتال والاستعداد للجهاد.
فعلى المسلم أن يأخذ بالأسباب ـ المتاحة لديه ـ المعينة على قتال الكفار، قال الله تعالى في كتابه العزيز: [الأنفَال: 60]{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}. فهذا أمر من الله وأمر من النبي صلى الله عليه وسلم.
واستدل العلماء بهذا الحديث على أن قبيلة أسلم من بني إسماعيل، وقيل: إن قبيلة أسلم من قحطان، وقحطان ينتهي نسبه إلى نوح عليه السلام، لكن الحديث يدل على أنهم من بني إسماعيل، وهذا يرجح أحد القولين.
قوله: «ارْمُوا وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ» ؛ فلما قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك توقف الفريق الآخر عن الرمي، وهذا فيه تواضع النبي صلى الله عليه وسلم لمَّا شاركهم بنفسه في الرمي، وَرَفْع لمعنوياتهم، وبيان عملي لأهمية الرمي.
قوله: ««مَا لَكُمْ لاَ تَرْمُونَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَهُمْ؟!» ، أي: سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب التوقف عن الرمي، فقالوا: يا رسول الله كيف تطاوعنا أنفسنا أن نقاتل فريقًا أنت معهم.
عندئذ طيّب النبي صلى الله عليه وسلم خواطرهم وأرضاهم جميعًا وقال: «ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» ، أي: مع كلا الفريقين.
قِصَّةِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ _ب
فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
هذه الترجمة فيها ذكر قصة إسحاق بن إبراهيم _ث، وإسحاق هو والد يعقوب، ويعقوب هو إسرائيل، وبنو إسرائيل كلهم من سلالته، كما أن العرب المستعربة من ذرية إسماعيل.
وإسماعيل وإسحاق أخوان، وإسماعيل أمه هاجر السرية التي تسراها إبراهيم عليه السلام، وإسحاق أمه سارة بنت عم إبراهيم عليه السلام، فيكون بنو إسرائيل أبناء إسحاق والعرب من بني إسماعيل أبناء عم.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ذكر ابن إسحاق أن هاجر لما حملت بإسماعيل غارت سارة، فَحَمَلت بإسحاق فوضعتا معًا، فشب الغلامان، ونقل عن بعض أهل الكتاب خلاف ذلك، وأن بين مولدهما ثلاثة عشر سنة» اهـ.
قوله: «فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ» ، يشير إلى حديث ابن عمر[(792)] الذي سيأتي في باب «قوله تعالى: [البَقَرَة: 133]{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ}» .
وفيه: أنه قال: «الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب» . وحديث أبي هريرة جاء فيه: «قيل: من أكرم الناس» [(793)].
[البَقَرَة: 133]{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ} الآْيَةَ
}3374{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ الْمُعْتَمِرَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ»، قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ»، قَالُوا: لَيْسَعَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي»، قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِْسْلاَمِ إِذَا فَقُهُوا».
جاء في هذه الترجمة قول الله تعالى: [البَقَرَة: 133]{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *}، ويعقوب هو إسرائيل، وإسرائيل هو الذي قال الله فيه: [آل عِمرَان: 93]{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ}، وهو ابن إسحاق بن إبراهيم _ث.
وأبناء يعقوب هم: يوسف وأخوه بنيامين من زوجة وعشرة أولاد من زوجة أخرى.
}3374{ قوله: «مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَكْرَمُهُمْ أَتْقَاهُمْ»» وقد جاء ذلك في القرآن أيضًا؛ فإن النصوص يشد بعضها بعضًا، قال تعالى: [الحُجرَات: 13]{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.
قوله: «قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَأَكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابْنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ»» .
فهم أربعة أنبياء متتابعون _ت: يوسف نبي الله ابن نبي الله يعقوب ابن نبي الله إسحاق ابن خليل الله إبراهيم؛ فهذا أكرم البيوتات النسبية على الإطلاق، ومن سلالة إبراهيم عليه السلام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: «قَالُوا: لَيْسَعَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونِي»؟» ، يعني: عن قبائل العرب وأنساب العرب.
قوله: «قَالُوا: نَعَمْ قَالَ: «فَخِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإِْسْلاَمِ» ، يعني: أن كل من اتصف من الناس بصفة حسنة في الجاهلية كالنجدة والشجاعة والكرم وحسن الجوار وإكرام الضيف فهؤلاء هم خيار الناس في الإسلام؛ لأنهم عند إسلامهم يستمر ما لديهم من صفات حسنة، ويزيدهم الإسلام حسنًا ورفعة.
قوله: «إِذَا فَقُهُوا» ، أي: إذا اتصف هؤلاء الخيار بالفقه في الدين ومعرفة الحلال والحرام تقوى لديهم هذه الصفات الحميدة؛ لأن الإسلام يحث عليها ويرغب فيها؛ فالإسلام يدعو إلى معالي الأمور، ويحث على مكارم الأخلاق، وجاء في الحديث: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» [(794)].
ومناسبة هذا الحديث للترجمة من جهة موافقة الحديث للآية في سياق نسب يوسف عليه الصلاة والسلام، فإن الآية تضمنت أن يعقوب خاطب أولاده عند موته حاثًّا لهم على الثبات على الإسلام فأوصاهم بعبادة الله وحده لا شريك له، إلهه وإله آبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق _ت.