شعار الموقع

شرح كتاب أحاديث الأنبياء من صحيح البخاري (60-11)

00:00
00:00
تحميل
111

}3455{ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَْنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَْوَّلِ فَالأَْوَّلِ أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ».

}3456{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ».

}3457{ حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: ذَكَرُوا النَّارَ وَالنَّاقُوسَ فَذَكَرُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَْذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِْقَامَةَ.

}3458{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ وَتَقُولُ إِنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ الأَْعْمَشِ.

}3459{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنْ الأُْمَمِ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ النَّصَارَى مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ أَلاَ فَأَنْتُمْ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ أَلاَ لَكُمْ الأَْجْرُ مَرَّتَيْنِ فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً قَالَ اللَّهُ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ قَالَ: فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ».

}3460{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ: قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا أَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا».

تَابَعَهُ جَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}3461{ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ أَخْبَرَنَا الأَْوْزَاعِيُّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ».

}3462{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ».

}3463{ حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثنِي حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْحَسَنِ حَدَّثَنَا جُنْدَبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ وَمَا نَسِينَا مُنْذُ حَدَّثَنَا وَمَا نَخْشَى أَنْ يَكُونَ جُنْدُبٌ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ فَمَا رَقَأَ الدَّمُ حَتَّى مَاتَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».

 

هذا الباب في بني إسرائيل جعله المؤلف رحمه الله تابعًا لأحاديث الأنبياء، وإسرائيل هو يعقوب عليه السلام، وهو ابن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليه السلام؛ فهو حفيد إبراهيم الخليل عليه السلام، وهو الذي بنى بيت المقدس، وكان بين بنائه وبين بناء المسجد الحرام أربعون عامًا؛ فإبراهيم الخليل عليه السلام هو الذي بنى الكعبة ويسمى مسجد إبراهيم، ويعقوب بن إسحاق حفيده بنى المسجد الأقصى بعده بأربعين عامًا، ثم نبينا صلى الله عليه وسلم بنى مسجده في المدينة، وهذه المساجد الثلاثة تسمى مساجد الأنبياء، ولا تشد الرحال إلا إليها.

والصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة لمن تقبل الله عز وجل منه، والصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة لمن تقبل الله عز وجل منه، والصلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة لمن تقبل الله عز وجل منه، هكذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبنو إسرائيل هم ذرية يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، والمؤلف رحمه الله بوب فقال: «بَاب مَا ذُكِرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» يعني: من الأعاجيب.

وأخبار بني إسرائيل ـ كما بين أهل العلم كالحافظ ابن كثير رحمه الله وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيرهم ـ لها ثلاث حالات:

الأولى: ما جاء شرعنا بقبوله وتقريره والعمل به؛ فهذا يجب العمل به وهو من شرعنا.

الثانية: ما جاء شرعنا برده وإبطاله؛ فهذا يجب رده وإبطاله ولا يجوز قبوله ولا التحديث به.

الثالثة: ما سكت عنه شرعنا فلم يأت في شرعنا ما يرده ولا ما يقبله؛ فهذا لا يصدق ولا يكذب، ويحدث به لما فيه من الأعاجيب، وهو الذي ورد فيه الحديث: «تحدثوا عن بني إسرائيل فإنه كانت فيهم أعاجيب» [(921)].

}3450{، }3451{، }3452{ ذكر المؤلف رحمه الله ثلاثة أحاديث بسند واحد: الحديث الأول حديث الدجال، والحديث الثاني حديث الرجل الذي يبايع الناس، والحديث الثالث قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه.

أما الحديث الأول فهو حديث الدجال، ولا مناسبة له في الترجمة، لكن ذكره المؤلف رحمه الله لأن الراوي حذيفة رضي الله عنه روى ثلاثة أحاديث بسند واحد، منها حديث الدجال، والدجال رجل من بني آدم يخرج في آخر الزمان يدّعي الصلاح أولا ثم يدعي النبوة، ثم يدعي الربوبية ويقول للناس: أنا ربكم.

وسمي دجالاً للمبالغة؛ لكثرة دجله وتمويهه وتلبيسه وكذبه وافترائه. والدجالون كثيرون ـ ومنهم السحرة والمخرقون ـ لكن هذا الدجال أكبرهم وأشدهم فتنة.

وهذا الدجال الذي يخرج في آخر الزمان وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأوصاف لا تكون لغيره، وفتنته عظيمة؛ ولهذا ثبت في «صحيح مسلم» [(922)] أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما بين خلق آدم وقيام الساعة أمر أو خلق أكبر من الدجال» . وجاء في الحديث: «من سمع بالدجال فلينأ عنه» [(923)] وجاء في الحديث أيضًا: «ليفرن الناس من الدجال في الجبال» [(924)].

وهذا الرجل يجري الله عز وجل على يديه خوارق ابتلاء وامتحانًا، فمن هذه الخوارق أنه يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، ومنها أنه يأتي بالخربة فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ومنها أنه يسلط على رجل ممن يكذبه فيقول للناس: أترون إن قتلته ثم أحييته أتشكون في الأمر؟ فيقولون: لا؛ فيقطعه نصفين ويمشي بين طرفيه ثم يقول: قم فيستوي قائمًا فيقول: أما عرفتني فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة أنت الدجال الكذاب الذي أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم، قال النبي صلى الله عليه وسلم كما في «صحيح مسلم» : «هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين» [(925)].

ومنها: ما جاء في هذا الحديث أن معه صورة الجنة وصورة النار ومعه ماء ومعه نار، والأمر معكوس فالذي يراه الناس نارًا هو في الحقيقة ماء بارد، والذي يراه الناس ماء باردًا هو في الحقيقة نار تحرق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ فِي الَّذِي يَرَى أَنَّهَا نَارٌ فَإِنَّهُ عَذْبٌ بَارِدٌ» .

وهذا الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية، مكتوب بين عينيه كافر يقرؤها كل مؤمن كاتب أو غير كاتب وجاء في بعض الروايات: «كفر» [(926)].

وهذا الحديث فيه: البيان والتحذير من النبي صلى الله عليه وسلم لمن أدرك زمن الدجال حتى يكون على بصيرة، وذلك الزمن ليس بالبعيد فقد كثر الظلم والشر والفساد والشرك والتبست الأمور، فهذه هي الأسباب التي تسوق الدجال والله أعلم.

وأول أشراط الساعة أن يخرج المهدي وذلك إذا كثر الظلم والفساد في الأرض، وكثر الشرك والتبست الأمور، وجاءت سنون خداعة، يُخَوّن فيها الأمين، ويُؤّمن فيها الخائن، ويُصدّق فيها الكاذب، ويُكذّب فيها الصادق، وهو رجل من سلالة فاطمة اسمه محمد، ولقبه كلقب النبي صلى الله عليه وسلم وكنيته ككنيته، يبايع له بالخلافة في وقت ليس للناس فيه إمام، فيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، وفي زمنه تكون حروب طاحنة بين المسلمين وبين النصارى، من آخرها فتح القسطنطينية، وإذا فتحت القسطنطينية خرج الدجال بعد ذلك، وهو العلامة الثانية.

ثم بعد ذلك ينزل عيسى بن مريم عليه السلام وهو العلامة الثالثة، ويقتل الدجال، ثم يخرج يأجوج ومأجوج وهذه العلامة الرابعة، فهذه أربع علامات متوالية ومرتبة، ثم تتتابع العلامات العشرة، ومنها: الدخان الذي يملأ الأرض، ومنها نزع القرآن من الصدور، ومنها هدم الكعبة، ثم طلوع الشمس من مغربها، والدابة، ثم آخرها النار التي تسوق الناس إلى المحشر، تبيت معهم إذا باتوا، ثم تأتي الريح الطيبة تقبض روح المؤمنين والمؤمنات، ثم تقوم الساعة على الكفرة نسأل الله السلامة والعافية.

و الحديث الثاني هو حديث الرجل المؤمن الذي عمله قليل، ومن أعماله العظيمة أنه يُنظِر الموسرين ويتجاوز عن المعسرين، وفي هذا الحديث فضل إنظار الموسر والتجاوز عن المعسر في المبايعات، وأنه من أسباب دخول الجنة، والموسر قد يحتاج إلى إنظار؛ فقد تكون نقوده غير حاضرة، مثل ما هو موجود الآن في هذا الزمن حيث تجد الإنسان عنده أموال، لكن ليست عنده سيولة ـ كما يقولون ـ فكلها أراضٍ وعقارات ومصانع وتجارات؛ فإذا صار عليه دين فإنه يحتاج مهلة حتى يجمع المال، أما المعسر فُيتجَاوز عنه ويُسقَط عنه بعض الدين ويخفف عنه، قال الله تعالى: [البَقَرَة: 280]{وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} فهو خبر بمعنى الأمر، والمعنى أنظروه حتى يُوسر، وقال تعالى: [البَقَرَة: 280]{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} يعني: أن تتصدقوا بإسقاط بعض الدين فهذا أفضل، وعلى هذا فكونه ينظره فهذه فريضة، أما التخفيف بإسقاط بعض الدين فهذه نافلة، والنافلة أفضل من الفريضة في حق هذا الفقير.

فهذا الرجل كان من خلقه ذلك، وفي اللفظ الآخر أنه قال: «كان من خلقي الجواز» [(927)] يعني: يتجاوز عن المعسر وينظر الموسر؛ فدل هذا على فضل إنظار الموسر والتجاوز عن المعسر وأنه من أسباب دخول الجنة، مع الإيمان بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أنه لو كان ينظر الموسر وليس مؤمنًا لا يدخل الجنة؛ فالنصوص يضم بعضها إلى بعض كما ثبت في «الصحيح» : أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا رضي الله عنه ينادي في إحدى الغزوات: «أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة» [(928)] والله تعالى حرم الجنة على المشرك بنص القرآن [المَائدة: 72]{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ}.

وكان هذا الرجل مؤمنًا إلا أن عمله قليل؛ ولهذا لما قيل له: «هَلْ عَمِلْتَ مِنْ خَيْرٍ؟» تقالّ عمله فقال: «مَا أَعْلَمُ شَيْئًا غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ أُبَايِعُ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا وَأُجَازِيهِمْ فَأُنْظِرُ الْمُوسِرَ وَأَتَجَاوَزُ عَنْ الْمُعْسِرِ» . والشاهد للترجمة قوله: «إِنَّ رَجُلاً كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» ، يعني: من بني إسرائيل.

و الحديث الثالث الذي ساقه حذيفة رضي الله عنه بهذا السند «فَقَالَ وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ» يعني: فيما سبق من الأمم السابقة، وهذا هو الشاهد للترجمة «فَلَمَّا يَئِسَ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا أَنَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا وَأَوْقِدُوا فِيهِ نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَامْتُحِشَتْ» يعني: إذا احترق واسود «فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا» ، وفي اللفظ الآخر: أنه جمع بنيه لما حضرته الوفاة فقال: «أي: أب كنت لكم؟ قالوا: خير أب، قال: فإني لم أعمل خيرا قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف» [(929)].

قوله: «ثُمَّ انْظُرُوا يَوْمًا رَاحًا فَاذْرُوهُ فِي الْيَمِّ» ، يعني: في يوم شديد الهبوب انثروه في البحر، وفي اللفظ الآخر: «أن نصفه في البر ونصفه في البحر» [(930)] وفي اللفظ الآخر أنه قال: «فوالله لئن قَدِر عليّ ربي ليعذبني عذابًا ما عُذبه أحد» [(931)] فهذا الرجل ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة يفوت على الله عز وجل. «فَفَعَلُوا» ، أي: ففعل به أهله ذلك، فلما مات أحرقوه ثم سحقوا العظام وطحنوها، ثم ذروه ، «فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ لَهُ لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ» ، وفي اللفظ الآخر: «فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر الله البحر فجمع ما فيه فقال له: قم فإذا هو إنسان قائم فقال الله: لما فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك فغفر الله له» [(932)]، فهذا الرجل كان لا ينكر البعث ، فهو يعلم أنه لو مات سيبعث، لكنه ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة وأحرق وسحق وطحن وذُرَّ في البر والبحر أنه يفوت على الله عز وجل ولا يدخل تحت القدرة؛ فهو لم ينكر قدرة الله عز وجل عليه ولكن أنكر كمال تفاصيل القدرة، والذي حمله على ذلك ليس الإنكار وليس التكذيب، وإنما حمله على ذلك أمران:

الأول: الجهل حيث ظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة فات على الله عز وجل وهذه مسألة دقيقة تخفى عليه.

الثاني: خشية الله عز وجل والخوف العظيم؛ فاجتمع عنده الأمران: الجهل مع الخوف العظيم، فغفر الله عز وجل له، فلو كان مكذبًا بالبعث لكان كافرًا، ولو كان منكرًا للقدرة لكان كافرًا، لكن هذا هو مبلغ علمه، وليس مكذبًا بالبعث ولا منكرًا لقدرة الله عز وجل.

فدل هذا على أن الجاهل الذي ينكر أمرًا دقيقًا خفيًّا يعذر بجهله، أما الذي ينكر أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة معروفًا عند كل أحد لا يعذر؛ فلو أن إنسانًا يعيش بين المسلمين وصار يدعو غير الله عز وجل، ويذبح لغير الله عز وجل ويقول: أنا جاهل فهذا ليس معذورًا، أو أن إنسانًا يعيش بين المسلمين يتعامل بالربا وإذا قلت له: لماذا تتعامل بالربا؟ قال: أنا جاهل فإنه لا يصدق، لكن لو أن شخصًا عاش في مجتمع ربوي، ثم أسلم ووجد الناس يتعاملون بالربا ثم تعامل فممكن أن يعذر بجهله.

فدل هذا على أن إنكار دقائق الصفات التي تخفى على الشخص لا يكفر بها، فهذا الرجل أنكر كمال قدرة الله عز وجل على بعثه ولم ينكر البعث، وحمله على ما أمر به أهله وأولاده من إحراقه وطحنه خوف الله عز وجل لذلك أعذره الله عز وجل فغفر له، وهذا هو الراجح في المسألة.

وهذا هو الذي قرره المحققون كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وغيره أن هذا الرجل غفر الله عز وجل له لكونه أنكر أمرًا دقيقًا خفيًّا وهو كمال تفاصيل القدرة، لا عن عناد ولا عن تكذيب، وإنما عن جهل، وحمله على ذلك الخوف العظيم فغفر الله عز وجل له.

وفي المسألة ثلاثة أقوال أخرى:

أحدها: أن هذا كان جائزا في شرع من كان قبلنا، وهو جواز المغفرة للكافر لكن هذا بعيد جدًّا؛ لأن الله عز وجل لا يغفر أبدًا للمشرك شركًا أكبر؛ فكل نبي بعثه الله عز وجل يقول لقومه: [الأعرَاف: 59]{يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.

الثاني: أن معنى قوله: «إن قدر الله علي ليعذبني عذابًا ما عُذبه أحد» [(933)] يعني: لئن ضيق الله عز وجل علي؛ ففسر القدرة بالتضييق كقوله تعالى: [الطّلاَق: 7]{وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ}، يعني: من ضُيق عليه.

الثالث: أنه قال هذا الكلام: «إن قدر الله علي ليعذبني عذابًا ما عُذبه أحد» في حال دهشة وغلبة الخوف عليه حتى ذهب عقله، ولم يقله قاصدًا لحقيقة معناه فهو كالغافل والذاهل والناسي.

والصواب القول الأول الذي عليه المحققون، وهو أن هذا الرجل أنكر أمرًا خفيًّا دقيقًا يجهله، وحمله على ذلك الخوف العظيم؛ لذلك غفر الله عز وجل له، ولو كان مكذبًا أو معاندًا، أو كان هذا الذي أنكره أمرًا معلومًا لكان كافرًا.

وأما عمل هذا الرجل ففي بعض الروايات قال: «فإنه لم يبتئر عند الله خيرًا» [(934)] أي: لم يدخر، وفي هذا الحديث قال: «وَكَانَ نَبَّاشًا» ، أي: ينبش القبور فهذه جريمته، وفي روايات أخرى: «أنه كان يسرف على نفسه» [(935)] وفي الرواية التي جاءت في الرقاق وساقها المؤلف رحمه الله في عدة مواضع في «الصحيح»: «أنه كان يسيء الظن بعمله» [(936)].

 

}3453{، }3454{ هذا الحديث فيه: التحذير من اتخاذ القبور مساجد، وأنه من أسباب لعنة الله عز وجل، وأنه من أفعال اليهود والنصارى؛ لأنه وسيلة للشرك، واتخاذ القبور مساجد يكون بالمكث عندها والتردد عليها، والدعاء عندها والصلاة عندها، وبناء القباب عليها، وإضاءتها بالأنوار والكهرباء، ووضع الرياحين والزهور عندها، فكل هذا من وسائل الشرك، والرسول صلى الله عليه وسلم لعن من فعل ذلك في آخر لحظة من حياته.

قوله: «لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» يعني: لما نزلت به علامات الموت «طَفِقَ» يعني: جعل «يَطْرَحُ خَمِيصَةً عَلَى وَجْهِهِ» الخميصة: كساء له أعلام «فَإِذَا اغْتَمَّ» أي: احتبس نفسه «كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ» ثم يعيدها من شدة الكرب الذي أصابه صلى الله عليه وسلم، ثم قال في هذه الحالة الحرجة: «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» . قالت عائشة رضي الله عنها: «يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا» يعني: يحذر من صنيعهم؛ يعني: لا تصنعوا مثلهم ولا تفعلوا مثل فعلهم فيصيبكم ما أصابهم؛ وذلك لأن اتخاذ القبور مساجد وسيلة قريبة للشرك.

وجاء في الحديث الآخر: «إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء، والذين يتخذون القبور مساجد» [(937)] فشرار الناس نوعان:

النوع الأول: الذين تقوم عليهم الساعة وهم الكفرة.

النوع الثاني: الذين يتخذون القبور مساجد؛ لأنها وسيلة إلى الشرك.

وفيه: دليل على أن الصلاة عند القبور لا تصح؛ لأن اللعن يدل على التحريم، والتحريم يدل على الفساد؛ فإذا صلى عند القبر فصلاته باطلة، وكذلك لو صلى في مسجد فيه قبر فالصلاة غير صحيحة، أما إذا كانت الصلاة خارج القبر أو خارج المسجد فلا بأس، وإذا كان القبر في ساحة تابعة للمسجد، فلا يُصلَّى فيه.

 

}3455{ هذا الحديث عن بني إسرائيل؛ فمناسبته للترجمة واضحة، فإن فراتًا القزاز يقول: «سَمِعْتُ أَبَا حَازِمٍ قَالَ: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمْ الأَْنْبِيَاءُ كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ» ، يعني: أنه كان إذا ظهر فيهم فساد وانحراف بعث الله عز وجل فيهم نبيًّا يقيم لهم أمر دينهم، ويدلهم على الصواب، ويزيل ما غيروا من أحكام التوراة.

وفيه: إشارة أنه لابد للرعية من قائم يقوم بأمرها يحملها على العمل بكتاب الله عز وجل، وينصف المظلوم من الظالم؛ لذلك كان الأنبياء كثيرين في بني إسرائيل.

قوله: «وَإِنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي» ، فيه: دليل على أن نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، قال الله تعالى: [الأحزَاب: 40]{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ}. فمن زعم أن بعد نبينا صلى الله عليه وسلم نبيًّا فهو كافر بإجماع المسلمين.

قوله: «وَسَيَكُونُ خُلَفَاءُ فَيَكْثُرُونَ» ، يعني: أن هذه الأمة ليس بعد نبيها صلى الله عليه وسلم نبي، لكن تكثر فيهم الأمراء والخلفاء والملوك والرؤساء.

قوله: «قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟» ، يعني: ماذا نعمل مع هؤلاء الأمراء والملوك؟ «قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَْوَّلِ فَالأَْوَّلِ» فوا: فعل أمر من الوفاء وفعله: وفى يفي، وفعل الأمر إذا كان أوله واو تحذف الواو عند الأمر، يعني: إذا كثر الأمراء فالأول الذي تبايعونه عليكم أن تفوا بالبيعة له؛ فإذا جاء أحد بعده ينازعه يقتل؛ لأنه معتد وظالم يريد أن يفرق المسلمين ويشتتهم؛ ولهذا جاء في «صحيح مسلم » أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما» [(938)].

فإذا مات الخليفة واستخلف غيره يوفى ببيعة الذي بعده.

قوله: «أَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ» ، أي: من السمع والطاعة في المعروف، والنصح والدعاء لهم، وعدم الخروج عليهم، وأما حقكم أنتم فإذا لم يعطوكموه فاطلبوه من الله عز وجل «فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ» ، يعني: كون الأمراء لا يؤدون الحق الذي عليهم لا يمنعكم أنتم أن تؤدوا الحق الذي عليكم من السمع والطاعة، وعدم الخروج عليهم، والجهاد معهم، والحج معهم ولو كانوا فساقًا؛ ولهذا فأهل السنة يعتقدون أن الجهاد ماض مع كل أمير، برًّا كان أو فاجرًا، حتى يقاتل آخر هذه الأمة الدجال.

وهذا فيه: دليل على عدم الخروج على ولاة الأمور بالمعاصي والكبائر والجور والظلم، ولكن النصيحة تبذل من أهل الحل والعقد بقدر الإمكان، فإن قبلوا فالحمد لله تعالى، وإن لم يقبلوا فقد أدى الناس ما عليهم، والله تعالى هو سائلهم، وليس كونهم لم يقبلوا النصيحة، أو كونهم يفعلون الفجور والظلم مسوغًا للخروج عليهم، فلا يسوغ الخروج إلا بالكفر الصريح الواضح الموصوف بثلاثة أوصاف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم فيه من الله برهان» [(939)].

فالوصف الأول: لابد أن يفعلوا الكفر فإن كان فسقًا فلا.

والوصف الثاني: أن يكون الكفر بواحًا يعني: واضحًا لا لبس فيه؛ فإن كان فيه شك أو لبس أو اختلاف فلا.

والوصف الثالث: أن يكون دليله واضحا من الكتاب والسنة.

فهذه ثلاثة أوصاف، وهناك وصف رابع: وهو القدرة على الخروج عليهم، وصف خامس: وهو وجود البديل المسلم الذي يحل محله.

فإذا وجدت هذه الشروط جاز الخروج، وإلا فلا حتى ولو كان الحاكم كافرًا ما دام الناس غير قادرين على ذلك [البَقَرَة: 286]{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} أو أنه لا يوجد بديل؛ لأنه إذا أزيل وحل محله كافر آخر فلا يحصل المقصود، إذن يُبقيِ الناس على الكافر الأول، نسأل الله تعالى السلامة والعافية.

 

}3456{ هذا الحديث فيه: علم من أعلام النبوة، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن هذه الأمة تعمل مثل عمل من قبلها فقال: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ » ، يعني: طريقتهم وأعمالهم وتفعلون مثل فعلهم «شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» ، يعني: كل الذي فعلوه لابد أن تفعله هذه الأمة، فكما أن الشبر يساوي الشبر، والذراع يساوي الذراع، فكذلك أنتم سوف تفعلون مثل فعلهم «حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ» . وهذا مبالغة في الاتباع للأمم السابقة، حتى لو كان في الأمم السابقة من دخل جحر الضب فلابد لهذه الأمة أن تدخل جحر الضب مثلهم، وتسلك مثل سلوكهم مع أن جحر الضب لا يسع الإنسان! وذلك مثل حديث النبي صلى الله عليه وسلم «من بنى لله مسجدًا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتًا في الجنة» [(940)].

قوله: «قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ: الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ» يعني: فمن غيرهم؟ وفي اللفظ الآخر: «فمن الناس إلا أولئك؟!» [(941)] يعني: سوف تفعلون كما يفعل اليهود والنصارى، وهذا الحديث وأمثاله يفيد أمرين:

الأمر الأول: أن ما فعلته الأمم السابقة لابد أن تفعله هذه الأمة، وليس معنى ذلك أن كل فرد يفعل كما تفعل الأمم السابقة، بل المعنى أنه يوجد في هذه الأمة من يفعل فعل اليهود والنصارى.

الأمر الثاني: التحذير من أن نفعل مثل فعلهم فيصيبنا ما أصابهم، وهناك طائفة من هذه الأمة على حق مستقيمة لا تفعل مثل فعل اليهود والنصارى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى» [(942)].

والحديث له طرق متعددة.

 

}3457{ مناسبة هذا الحديث لبني إسرائيل: أن النار والناقوس كان يفعله بنو إسرائيل عند إرادة العبادة، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وشرعت الصلاة شاور النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضي الله عنهم في طريقة الإعلام بدخول وقت الصلاة، فقال بعضهم: إذا جاءت الصلاة نشعل نارًا؛ فمن رأى هذه النار جاء إلى المسجد، وقال بعضهم: بل نضرب الناقوس! والنبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك؛ لأنه من أفعال اليهود والنصارى، ثم جاء عبدالله بن زيد رضي الله عنه وقال: إنه رأى في الرؤيا أنه جاءه رجل وقال له: إذا أردت أن تعلن عن الصلاة تقول: الله أكبر الله أكبر... إلى آخر الآذان، ثم جاء عمر رضي الله عنه ورأى شيئًا مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألقها على بلال فهو أندى منك صوتًا» [(943)].

قوله: «فَأُمِرَ بِلاَلٌ أَنْ يَشْفَعَ الأَْذَانَ وَأَنْ يُوتِرَ الإِْقَامَةَ» يشفع الأذان أي: يأتي بألفاظه شفعًا، أي: مثنى مثنى، فيقول: «الله أكبر» أربع مرات، و«أشهد أن لا إله إلا الله» مرتين، و«أشهد أن محمدًا رسول الله» مرتين، و«حي على الصلاة» مرتين، و«حي على الفلاح» مرتين، و«الله أكبر» مرتين، وآخرها كلمة التوحيد مرة واحدة، وأما الإقامة فتكون وترًا إلا التكبير في أولها وآخرها، و«قد قامت الصلاة» .

 

}3458{ الشاهد من هذا الحديث: النهي عن فعل اليهود ـ وهم من بني إسرائيل ـ في الصلاة، وهو أن يجعل الإنسان يده على خاصرته في جنبه؛ وسبق هذا الحديث في «كتاب الصلاة» بلفظ: «نهى عن الخصر في الصلاة» [(944)] وفي رواية: «نهى أن يصلي الرجل مختصرًا» [(945)] وعائشة رضي الله عنها كانت تكره أن يجعل المصلي يده في خصره وتقول: إنه فعل اليهود ونحن نهينا عن مشابهة اليهود.

 

}3459{ في الحديث: فضل هذه الأمة ومضاعفة أجورها بالنسبة للأمم السابقة.

وفيه: بيان نسبة زمان هذه الأمة إلى الأمم السابقة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلاَ مِنْ الأُْمَمِ مَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ» ، أي: أن الأمم السابقة زمنها من طلوع الشمس إلى صلاة العصر، وهذه الأمة زمنها من صلاة العصر إلى مغرب الشمس؛ وهذا يشكل قريبًا من خمس أو سدس النهار وهذا يدل على أن هذه الأمة هي آخر الأمم، وأنه ما بقي إلا جزء قليل من بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة؛ ولهذا فإن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة ويسمى صلى الله عليه وسلم نبي الساعة، وقال صلى الله عليه وسلم: «بعثت أنا والساعة كهاتين» [(946)].

ثم بين النبي صلى الله عليه وسلم عظم أجر هذه الأمة على من سبقها بضرب المثل، وفي ضرب الأمثال فوائد، فبها ينتقل الإنسان من المعنى المعنوي إلى المعنى الحسي، قال الله تعالى: [العَنكبوت: 43]{وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ *}.

المثل الأول: الذي ضربه صلى الله عليه وسلم هو أَجَلُ هذه الأمة بالنسبة إلى الأمم السابقة، وهو من صلاة العصر إلى المغرب.

المثل الثاني: في مضاعفة أجور هذه الأمة، قال صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ» . القيراط: وحدة معروفة، وهو جزء من أربعة وعشرين جزءًا، وهو مثل أن يقول: من يعمل على درهم أو على مائة درهم؟ «فَعَمِلَتْ الْيَهُودُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ» ، أي: اشتغلوا من طلوع الشمس إلى نصف النهار وأخذوا أجورهم وانتهى الأمر ، «ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ» ، فجاءت النصارى وعملت وأخذوا قيراطًا قيراطًا، ثم قال صلى الله عليه وسلم في المرة الثالثة: «مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ» ، فعملت هذه الأمة على ذلك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ فَأَنْتُمْ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ أَلاَ لَكُمْ الأَْجْرُ مَرَّتَيْنِ» ، أي: أن الأجر مضاعف مع أن المدة من بعد العصر إلى المغرب أقل من المدة من أذان الظهر إلى العصر، وكذلك أيضًا أقل من المدة من الصباح إلى أذان الظهر «فَغَضِبَتْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً» ، كأنهم قالوا: كيف تعطينا أجرة قليلة وعملنا كثير، وهؤلاء تعطيهم أجرة مضاعفة والوقت قليل؟! «قَالَ اللَّهُ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟» كأنه قال لهم: اتفقت أنا وإياكم على أجرة معينة محددة، هل ظلمتكم ونقصتكم من حقكم؟ قالوا: لا،بل أعطيتنا حقنا كما اتفقنا، فقال: «فَإِنَّهُ فَضْلِي أُعْطِيهِ مَنْ شِئْتُ» ، وهذا فضل هذه الأمة.

وجاء في بعض الآثار أن عُمُرَ هذه الأمة سبعة آلاف سنة، وهذا باطل ليس له أصل وهو من التكلف ومن دعوى علم الغيب، فموعد الساعة لا يعلمه إلا الله عز وجل فلا يعلم مقدار ما مضى بتحديد السنين إلا الله عز وجل، ولا يعلم مقدار ما بقي أيضًا من السنين إلا الله عز وجل.

 

}3460{ هذا الحديث فيه: الإخبار عن فعل اليهود والتحذير من فعلهم.

قوله: «قَاتَلَ اللَّهُ فُلاَنًا» ، قاله عمر رضي الله عنه: وهذا من شدة غيظه عليه، وكأن هذا الرجل فعل شيئًا فيه حيلة على الباطل، وقد يكون عمر ما أراد المعنى الحقيقي كقول المرء: عقرى حلقى.

قوله: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ» فيه: جواز لعن اليهود على العموم، وكذلك النصارى، بل والفساق أيضًا يلعنون على العموم، تقول: لعن الله السارق لعن الله شارب الخمر، أما الشخص المعين فلا يلعن على الصحيح، حتى ولو كان كافرًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا» [(947)]، إلا من اشتد أذاه أو كان للتحذير من بدعته أو كفره.

قوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا فَبَاعُوهَا» فيه: دليل على تحريم الحيل، وأن الحيلة لا تحل المحرم.

وفيه: تعنت اليهود حيث حرم الله عز وجل عليهم الشحوم، قال الله تعالى: [الأنعَام: 146]{وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} فتحيلوا فأخذوا الشحوم وأذابوها وباعوها وقالوا: نحن ما بعنا الشحوم بل بعنا دهنًا! فلعنهم الله عز وجل بهذا، ومثل ذلك أصحاب السبت الذين حرم الله عز وجل عليهم اصطياد الحوت يوم السبت، وابتلاهم الله عز وجل بأن الحوت لا يأتي إلا يوم السبت؛ فتحيلوا فجعلوا ينصبون الشباك لاصطياد الحوت يوم الجمعة، ويوم السبت تقع في الشباك فيأخذونه يوم الأحد ويقولون: ما صدنا يوم السبت، ولذلك مسخهم الله عز وجل قردة وخنازير ـ نعوذ بالله عز وجل ـ.

فالحديث فيه: دلالة على إبطال الحيل وتحريمها وأن الحيلة لا تبيح المحرم.

وفيه: لعن اليهود والنصارى على العموم، ولعن العصاة والفساق على العموم، أما المعين فلا يلعن على الصحيح.

وجاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنما أنا بشر، فأيما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدته فاجعلها له زكاة ورحمة» [(948)] أي: إذا كان مُعَيّناً بخلاف من لعنه بالوصف كلعن السارق، ولعن شارب الخمر، وقول: لعنة الله على الكاذبين.

 

}3461{ هذا الحديث فيه الأمر بالتبليغ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: «بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً» يعني: يشرع للإنسان أن يبلغ ما فهمه من العلم، وما علمه من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، لكن بعد التأكد.

قوله: «وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ» . هذا هو الشاهد للترجمة، والمراد فيما لم يأت شرعنا بمخالفته، أما ما جاء شرعنا بمخالفته فلا يحدث به إلا على وجه البيان.

قوله: «وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» . هذا من الأحاديث المتواترة

وفيه: التحذير من الكذب.

وفيه: الوعيد الشديد على من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم متعمدًا، وجاء في الحديث الآخر: «مَنْ حَدَّثَ عَنِّي بِحَدِيثٍ يُرَى أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ أَحَدُ الْكَاذِبِينَ» [(949)] حتى قال بعضهم: إن من كذب عليه صلى الله عليه وسلم متعمدًا كفر، وهذا قول فيه مبالغة.

 

}3462{ هذا الحديث فيه: الأمر بالصبغ، والمراد صبغ شعر الرأس واللحية، والشاهد من الحديث أن اليهود والنصارى لا يصبغون الشيب؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمخالفتهم والأصل في الأمر الوجوب إلا إذا صرفه صارف، والأمر مصروف هنا للاستحباب بإقرار النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة على عدم الصبغ.

والصبغ يكون بالصفرة أو بالحمرة الخالصة أو بالحمرة والسواد معًا، وثبت في «صحيح مسلم»: أن أبا بكر رضي الله عنه صبغ بالحناء والكتم، وأن عمر رضي الله عنه صبغ بالحناء والكتم، وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه رؤي شعره أحمر[(950)] لكن قيل: إن السبب في ذلك أنه كان صلى الله عليه وسلم يكثر من الطيب حتى يحمر الشعر، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم ما شاب كما قال أنس رضي الله عنه: ليس في رأسه ولحيته إلا ما يقارب عشرين شعرة شيبًا[(951)].

أما الصبغ بالسواد الخالص فهذا فعله بعض العلماء، ونسب إلى الحسن والحسين رضي الله عنهما وجماعة، كما نقله ابن القيم في «زاد المعاد» [(952)].

والصواب أن الصبغ بالسواد لا يجوز لما ثبت في « صحيح مسلم» : أنه أتي بأبي قحافة والد أبي بكر رضي الله عنه ورأسه ولحيته كالثغامة بياضًا فقال صلى الله عليه وسلم: «غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد» [(953)].

وبعضهم طعن في زيادة: «واجتنبوا السواد» ، وقال إن هذه مدرجة من كلام بعض الرواة، والصواب أنها صحيحة وأنها ثابتة، وأنه لا يجوز الصبغ بالسواد، ويؤيده حديث: «يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة» [(954)]، وهذا يدل على عدم جواز الصبغ بالسواد الخالص بالمرة، وإنما يكون الصبغ بالحمرة الخالصة، أو الصفرة الخالصة، أو الحمرة والسواد يجمع بينهما.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لاَ يَصْبُغُونَ فَخَالِفُوهُمْ» يقتضي مشروعية الصبغ، والمراد به صبغ شيب اللحية والرأس، ولا يعارضه ما ورد من النهي عن إزالة الشيب؛ لأن الصبغ لا يقتضي الإزالة. ثم إن المأذون فيه مقيد بغير السواد، لما أخرجه مسلم من حديث جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال: «غيروه وجنبوه السواد» [(955)] ولأبي داود وصححه ابن حبان من حديث ابن عباس مرفوعًا : «يكون قوم في آخر الزمان يخضبون كحواصل الحمام لا يجدون ريح الجنة» [(956)] وإسناده قوي، إلا أنه اختلف في رفعه ووقفه، وعلى تقدير ترجيح وقفه فمثله لا يقال بالرأي: فحكمه الرفع، ولهذا اختار النووي أن الصبغ بالسواد يكره كراهية تحريم» اهـ.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وعن الحليمي أن الكراهة خاصة بالرجال دون النساء ، فيجوز ذلك للمرأة لأجل زوجها» اهـ.

وهذا ذكره الحليمي استحسانًا لكن ما ذكر عليه دليلاً.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقال مالك: الحناء والكتم واسع، والصبغ بغير السواد أحب إلي، ويستثنى من ذلك المجاهد اتفاقًا، وليس المراد بالصبغ في هذا الحديث صبغ الثياب، ولا خضب اليدين والرجلين بالحناء مثلاً؛ لأن اليهود والنصارى لا يتركون ذلك، وقد صرح الشافعية بتحريم لبس الثياب المزعفرة للرجل وبتحريم خضب الرجال أيديهم وأرجلهم إلا للتداوي» اهـ.

وقوله: «ويستثنى من ذلك المجاهد اتفاقًا» فيه: نظر؛ لأنه ما ذكر دليلاً.

 

}3463{ هذا الحديث أخبر فيه: النبي صلى الله عليه وسلم عمن سبقنا بقوله: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ» . وهذا هو الشاهد للترجمة، وهي قوله: «باب ما ذكر عن بني إسرائيل» .

قوله: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ بِهِ جُرْحٌ فَجَزِعَ» ؛ يعني: لم يصبر على قضاء الله عز وجل وقدره، ولم يصبر على المصيبة «فَأَخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بِهَا يَدَهُ» . فالجرح كان يؤذيه ويؤلمه، فأخذ سكينًا فقطع هذا الجرح «فَمَا رَقَأَ الدَّمُ» ، يعني: ما انقطع «حَتَّى مَاتَ» . فصار هذا الرجل قاتلا نفسه «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:» ـ هذا حديث قدسي، وهو كلام الله عز وجل لفظًا ومعنى ـ «بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ» . هذا وعيد شديد يدل على أن قتل النفس من كبائر الذنوب، ولا يدل على أنه كافر إلا إذا استحله.

فقتل النفس لا يكون كفرًا؛ لأنه ليس شركًا بالله عز وجل، ولا ناقضًا من نواقض الإسلام، إلا إذا استحله بأن قال: أعتقد أنه حلال فهذا كفر؛ لأنه استحل أمرًا معلومًا من الدين بالضرورة، أما إذا كان لا يستحله ويرى أنه حرام، ولكن غلبه هواه وغلبته النفس الأمارة، وغلبه الوجع والجزع فقتل نفسه فلا يكون كافرًا، ولكنه يكون ناقص الإيمان أو ضعيف الإيمان، وما يُكَفِّر بهذا إلا الخوارج والمعتزلة.

وجاء في الحديث: «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه» [(957)]. قال العلماء: إنما لا يصلي عليه أعيان الناس ووجهاؤهم ـ مثل العلماء والأمراء ورؤساء القبائل والعشائر ـ تحذيرًا للأحياء حتى لا يفعلوا مثل فعله، فإذا رأى الأحياء أن الأعيان والعلماء يتأخرون عن الصلاة عليه صار ذلك زجرًا لهم فلا يفعلون مثل فعله خشية ألا يصلى عليهم، لكن يصلي عليه عامة الناس؛ لأنه ليس بكافر.

وهذا الذي تسبب في قتل نفسه مات بأجله خلافًا للمعتزلة الذين يقولون: المقتول قطع أجله، ولو لم يُقتَل لعاش، وهذا باطل؛ لأن الله عز وجل قدر أن تكون وفاته بسبب قتله لنفسه؛ فسمى الله عز وجل هذه مبادرة.

 حَدِيثُ أَبْرَصَ وَأَعْمَى وَأَقْرَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ

}3464{ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ح.

وحَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ أَخْبَرَنَا هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا لِلَّهِ عز وجل أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا فَأَتَى الأَْبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ: الإِْبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِنَّ الأَْبْرَصَ وَالأَْقْرَعَ، قَالَ أَحَدُهُمَا: الإِْبِلُ وَقَالَ الآْخَرُ الْبَقَرُ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَْقْرَعَ، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا وَأَتَى الأَْعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقَالَ: قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ هَذَا فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأَْبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الأَْقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا فَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَيْهِ هَذَا فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ وَأَتَى الأَْعْمَى فِي صُورَتِهِ فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي فَخُذْ مَا شِئْتَ فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بِشَيْءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ».

 

}3464{ هذا الحديث ترجم له المؤلف رحمه الله وهو تابع لأخبار بني إسرائيل.

وهذا الحديث نقله الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب رحمه الله في «كتاب التوحيد في بيان شكر النعم» ، وأنه ينبغي للإنسان أن يشكر نعم الله عليه، وأن يحذر كفران النعم، وهذه القصة قصها النبي صلى الله عليه وسلم علينا لما فيها من العبرة والعظة.

فإن هؤلاء الثلاثة ابتلاهم الله عز وجل في أول الأمر بالمرض والفقر ثم ابتلاهم الله عز وجل بعد ذلك بالصحة والعافية والمال، قال تعالى: [المُلك: 2]{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ *}. فالله تعالى يبتلي عباده بالسراء والضراء ليتبين الصادق من الكاذب، وليعلم الصابر من الجازع، وهو عِلْم ظهور؛ لأنه سبحانه لا يخفى عليه شيء.

قوله: «إِنَّ ثَلاَثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى» الأبرص: هو الذي في جلده مرض، والأقرع: هو الذي ليس له شعر في رأسه، «بَدَا لِلَّهِ عز وجل» يعني: أراد الله عز وجل، وليس في هذا حجة لليهود الذين يقولون: بدا لله شيء لا يعلمه، فليس المعنى هكذا؛ لأن الله تعالى يعلم ما كان في الماضي، ويعلم ما يكون في المستقبل، ويعلم ما يكون في الحال، ويعلم ما لم يكن لو كان كيف يكون، ومن أنكر علم الله عز وجل فقد كفر.

والمراد أن الله عز وجل أراد أن يبتليهم ـ يعني: يختبرهم ـ هل يشكرون أو يكفرون؟ «فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا» على صورة آدمي، وهذا فيه دليل على أن للملك قدرة على التصور، «فَأَتَى الأَْبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ قَالَ: فَمَسَحَهُ» يعني: الملك بأمر الله عز وجل «فَذَهَبَ عَنْهُ فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا» في الحال، والله تعالى على كل شيء قدير «فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ: الإِْبِلُ أَوْ قَالَ الْبَقَرُ هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ إِنَّ الأَْبْرَصَ وَالأَْقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا: الإِْبِلُ وَقَالَ الآْخَرُ: الْبَقَرُ فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ» أي: ناقة مضى على حملها عشرة أشهر، وهذه من أفضل ما يكون «فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا» أي: دعا له الملك فأنزل الله عز وجل فيها البركة «وَأَتَى الأَْقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي هَذَا قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ» ، لأنه لا ينبت له شعر، «قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ قَالَ: فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا» ، أي: دعا له بالبركة، «وَأَتَى الأَْعْمَى فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللَّهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي فَقَالَ: قَالَ: فَمَسَحَهُ فَرَدَّ اللَّهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ الْغَنَمُ فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا فَأُنْتِجَ هَذَانِ» ، يعني: الأبرص أنتج الإبل والأقرع أنتج البقر ، «وَوَلَّدَ هَذَا» يعني: ولدت الشاة للأعمى، وتقبل الله عز وجل دعاء الملك.

ومضت مدة فتوالدت الإبل البقر والغنم «فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ إِبِلٍ» للأبرص «وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ بَقَرٍ» للأقرع «وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ غَنَمٍ» للأعمى، وجعله الله عز وجل ابتلاء وامتحانًا لهم «ثُمَّ إِنَّهُ» في المرة الثانية «أَتَى الأَْبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ» ، أي: أتاه الملك في صورة أبرص فقير ليذكره بحالته السابقة «فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي» . والحبال: الأسباب، والمعنى أنه تقطعت به أسباب طلب الرزق فما وجد عملاً؛ فهو فقير عابر سبيل مسافر «فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ» فيه: الأدب مع الله عز وجل حيث أتى بـ «ثُمَّ» ، «أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ» ، يذكره بحالته السابقة. «بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي» يعني: أعطني بعيرًا واحدًا يبلغني في سفري، ويكتب في حسناتك فأنت عندك واد من الإبل، وذكّره بحالته السابقة، وبأن الله عز وجل أنعم عليه وأعطاه المال وأعطاه الصحة «فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقَ كَثِيرَةٌ» فإذا أعطيناك وأعطينا الثاني والثالث انتهى المال «فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ» يذكره بحالته السابقة «فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لِكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ» ، أي: أنكر نعمة الله عز وجل عليه ـ نعوذ بالله عز وجل ونسأل الله عز وجل السلامة والعافية ـ «فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ» دعا عليه الملك، والظاهر أن الله عز وجل استجاب فرجع على حالته السابقة، فكما استجيبت دعوته في الأولى استجيبت كذلك في الثانية، ولم يذكر في الحديث.

قوله: «وَأَتَى الأَْقْرَعَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ» يعني: في صورة أقرع فقير «فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا» ، أي: أسألك بالذي أعطاك المال والشعر الحسن، أنا فقير ومسكين أريد بقرة أتبلغ بها في سفري ، فقال: الحقوق كثيرة ـ مثل ما قال الأول ـ فقال له: ألم تكن أقرع يقذرك الناس فقيرًا فأعطاك الله عز وجل المال؟ فقال: لا بل ورثت هذا كابرًا عن كابر، فدعا عليه وقال: «إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ» .

قوله: «وَأَتَى الأَْعْمَى فِي صُورَتِهِ» يعني: في صورة أعمى أيضًا يذكره بحالته السابقة «فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ سَبِيلٍ وَتَقَطَّعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي» يعني: الأسباب، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «في رواية الكشميهني: «بي الحبال في سفري» ، والحبال بكسر المهملة بعدها موحدة خفيفة جمع حبل، أي: الأسباب التي يقطعها في طلب الرزق، وقيل: العقبات، وقيل: الحبل هو المستطيل من الرمل. ولبعض رواة مسلم: «الحيال» بالمهملة والتحتانية جمع حيلة، أي: لم يبق لي حيلة، ولبعض رواة البخاري: «الجبال» بالجيم والموحدة وهو تصحيف» اهـ.

قوله: «فلا بلاغ اليوم إلا بالله ثم بك، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي» . فكان الرد منه أن اعترف على نفسه «فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِي وَفَقِيرًا فَقَدْ أَغْنَانِي فَخُذْ مَا شِئْتَ» ، وفي اللفظ الآخر زيادة: «ودع ما شئت فوالله لا أحمدك اليوم بشيء أخذته لله» [(958)] أي: خذ الذي تريد من هذا الوادي «فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ» قال له الملك: أنا لا أريد مالا «فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ» ، أي: فتنتم وامتحنتم «فَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ وَسَخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ» .

والحديث فيه: ابتلاء الله عز وجل بالامتحان لهؤلاء الثلاثة.

وفيه: إثبات صفة الرضا والسخط لله عز وجل، والرد على الأشاعرة والمعتزلة الذين أنكروا صفة الرضا والسخط.

وفيه: أن أكثر الناس هالك، وهو شاهد لقوله تعالى: [البَقَرَة: 243]{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ *} فإنهم كانوا ثلاثة فهلك اثنان ونجا واحد؛ فيكون الثلثان كفروا نعمة الله عز وجل، والثلث شكر نعمة الله عز وجل.

وفيه: أن العاقبة للحمد والشكر، وأن من شكر الله عز وجل وشكر نعمة الله عز وجل فإنه تبقى عليه النعم، مع ما أعد الله عز وجل له من الثواب العظيم والأجر الكبير، ومن كفر نعمة الله عز وجل سلبت منه النعم، مع ما أعد له من العذاب والخزي؛ فالأبرص والأقرع سلبا النعمة، وسلبا الصحة، وحل عليهما سخط الله عز وجل، أما الأعمى فبقي عليه ماله وبقيت النعمة عليه وحل عليه الرضوان من الله عز وجل.

وشكر النعمة له ثلاثة أركان لابد من أدائها: الإقرار بالنعمة باللسان ونسبتها إلى الله عز وجل، والاعتراف بالقلب، وبذلها في مرضاة الله عز وجل.

وفيه: جواز السؤال بالله عز وجل لقول الملك: «أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ» ، ومنه الحديث: «من سأل بالله فأعطوه» [(959)] وأما حديث: «إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه» [(960)] فهذا من رواية محمد بن جبير بن مطعم، وهو مقبول ولكنه لا يقاوم هذا الحديث.

 

[الكهف: 9]{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ}

الْكَهْفُ الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ وَالرَّقِيمُ الْكِتَابُ {مَرْقُومٌ} مَكْتُوبٌ مِنْ الرَّقْمِ.

{رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ} أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا [الكهف: 14]{شَطَطًا *} إِفْرَاطًا.

الْوَصِيدُ الْفِنَاءُ وَجَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ.

وَيُقَالُ الْوَصِيدُ الْبَابُ [البَلَد: 20]{مُؤْصَدَةٌ *} مُطْبَقَةٌ آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ [الكهف: 12]{بَعَثْنَاهُمْ} أَحْيَيْنَاهُمْ [الكهف: 19]{أَزْكَى} أَكْثَرُ رَيْعًا فَضَرَبَ اللَّهُ [الكهف: 11]{عَلَى آذَانِهِمْ} فَنَامُوا [الكهف: 22]{رَجْمًا بِالْغَيْبِ} لَمْ يَسْتَبِنْ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ: [الكهف: 17]{تَقْرِضُهُمْ} تَتْرُكُهُمْ

 

هذه الترجمة في تفسير بعض الكلمات التي جاءت في قصة أصحاب الكهف، وهم قوم صالحون كانوا في زمان فيه ملك ظالم وفي قرية يعبدون الأصنام، ففر هؤلاء الفتية بدينهم واجتمعوا ـ وذكر بعض المفسرين أنهم كانوا لا يعرفون بعضهم بعضًا ـ فأووا إلى هذا الكهف ـ وهو «الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ» ـ فناموا هذه المدة التي أخبر الله عز وجل عنها في كتابه: [الكهف: 25]{وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاَثَ مِئَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا *}.

ذكر الشارح رحمه الله أن العلماء اختلفوا في المكان الذي كان فيه أصحاب الكهف؛ فقال بعضهم: إنه في بلاد الروم، وبعضهم قال: إنه بالقرب من أيلة، وقيل: بالقرب من طرسوس، وقيل: بين أيلة وفلسطين، وقيل: بغرناطة من الأندلس، والله أعلم بالصواب.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «تنبيه لم يذكر المصنف رحمه الله في هذه الترجمة حديثًا مسندًا، وقد روى عبد بن حميد بإسناد صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قصة أصحاب الكهف مطولة غير مرفوعة، وملخص ما ذكر أن ابن عباس رضي الله عنهما: غزا مع معاوية رضي الله عنه الصائفة فمروا بالكهف الذي ذكر الله عز وجل في القرآن، فقال معاوية رضي الله عنه: أريد أن أكشف عنهم، فمنعه ابن عباس رضي الله عنهما، فصمم وبعث ناسًا، فبعث الله عز وجل ريحًا فأخرجتهم، قال: فبلغ ابن عباس رضي الله عنهما فقال: إنهم كانوا في مملكة جبار يعبد الأوثان، فلما رأوا ذلك خرجوا منها فجمعهم الله عز وجل على غير ميعاد، فأخذ بعضهم على بعض العهود والمواثيق، فجاء أهاليهم يطلبونهم ففقدوهم، فأخبروا الملك فأمر بكتابة أسمائهم في لوح من رصاص وجعله في خزانته، فدخل الفتية الكهف فضرب الله على آذانهم فناموا، فأرسل الله عز وجل من يقلبهم وحول الشمس عنهم، فلو طلعت عليهم لأحرقتهم، ولولا أنهم يقلبون لأكلتهم الأرض. ثم ذهب ذلك الملك وجاء آخر فكسر الأوثان وعبد الله عز وجل وعدل، فبعث الله عز وجل أصحاب الكهف فأرسلوا واحدًا منهم يأتيهم بما يأكلون، فدخل المدينة مستخفيًا فرأى هيئة وناسًا أنكرهم لطول المدة» .

ودخل مستخفيًا؛ لأنه كان يظن أن الملك السابق باق؛ لأنه ظن أنهم ناموا يومًا أو بعض يوم، وما ظنوا أنهم ناموا هذه المدة الطويلة.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فدفع درهمًا إلى خباز فاستنكرَ ضَرْبَه وَهَمّ بأن يرفعه إلى الملك» .

أي: لما أعطاه عملة لا يعرفها استنكر الخباز فقد تغيرت الأمور وتغيرت البلاد ومن عليها وتغيرت الناس والعملات؛ لأن ثلاثمائة سنة مدة طويلة.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فقال: أَتُخوفني بالملك وأبي دهقانه؟ فقال من أبوك؟ فقال: فلان، فلم يعرفه، فاجتمع الناس فرفعوه إلى الملك فسأله فقال: عليّ باللوح وكان قد سمع به، فسمى أصحابه فعرفهم من اللوح، فكبّر الناس وانطلقوا إلى الكهف، وسبق الفتى لئلا يخافوا من الجيش، فلما دخل عليهم عمّى الله عز وجل على الملك ومن معه المكان، فلم يدر أين ذهب الفتى، فاتفق رأيهم على أن يبنوا عليهم مسجدًا فجعلوا يستغفرون لهم ويدعون لهم. وذكر ابن أبي حاتم في «تفسيره» عن شهر بن حوشب قال: كان لي صاحب قوي النفس، فمرّ بالكهف فأراد أن يدخله فنُهي، فأبى فأشرف عليهم فابيضت عيناه وتغير شعره. وعن عكرمة: أن السبب فيما جرى لهم أنهم تذكروا هل يبعث الله عز وجل الروح والجسد أو الروح فقط؟ فألقى الله عز وجل عليهم النوم فناموا المدة المذكورة، ثم بعثهم فعرفوا أن الجسد يبعث كما تبعث الروح. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أن اسم الملك الأول دقيانوس واسم الفتية مكسلمينا ومخشليشا وتمليخا ومرطونس وكنشطونس وبيرونس ودينموس» .

وكلها أسماء أعجمية.

ثم قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي النطق بها اختلاف كثير، ولا يقع الوثوق من ضبطها بشيء. وأخرج أيضًا عن مجاهد: أن اسم كلبهم قطميروا، وعن الحسن: قطمير، وقيل: غير ذلك. وأما لونه فقال مجاهد: كان أصفر وقيل غير ذلك. وعن مجاهد: أن دراهمهم كانت كخفاف الإبل، وأن تمليخا هو الذي كان رسولهم لشراء الطعام. وقد ساق ابن إسحاق قصتهم في «المبتدأ» مطولة، وأفاد أن اسم الملك الصالح الذي عاشوا في زمنه بتدرسيس، وروى الطبري من طريق عبدالله بن عبيد بن عمير: أن الكلب الذي كان معهم كان كلب صيد، وعن وهب بن منبه أنه كان كلب حرث، وعن مقاتل: كان الكلب لكبيرهم وكان كلب غنم، وقيل: كان إنسانًا طباخًا تبعهم وليس بكلب حقيقة، والأول المعتمد» .

والصواب: أنه كلب حقيقة، وهذه كلها أسانيد ضعيفة ما عدا ما ساقه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قصته مع معاوية رضي الله عنه.

ولو كانت هناك فائدة في ذلك لبين الله عز وجل وصفهم ووصف كلبهم ومكانهم، وإنما العبرة تؤخذ مما حصل وأنهم فرّوا بدينهم، وأن الله عز وجل أكرمهم ونجاهم من هؤلاء الكفرة، وأن الله عز وجل ثبتهم على دينهم، ثم حصلت لهم هذه الكرامة حيث إنهم ناموا هذه المدة، وصاروا آية وعبرة ودليلا على البعث.

والمؤلف رحمه الله لم يذكر حديثًا لأنه لم يوجد حديث على شرطه؛ فاكتفى بتفسير الكلمات اللغوية التي جاءت في الآيات الكريمة.

قوله تعالى: « {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ}» فسر المؤلف رحمه الله {الْكَهْفِ} بقوله: «الْفَتْحُ فِي الْجَبَلِ» .

وفسر المؤلف رحمه الله قوله تعالى: «» فقال: «الْكِتَابُ» .

كما فسر رحمه الله قوله تعالى: « ُ پ ء ! ! ِ » فقال: «مَكْتُوبٌ مِنْ الرَّقْمِ» ، كأنّ أسماءهم كتُبت في لوح كما جاء.

وفسر قوله تعالى: «{رَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ}» فقال: «أَلْهَمْنَاهُمْ صَبْرًا» ؛ لأن الله عز وجل ألهمهم صبرًا فثبتوا على دينهم.

وفسر قوله تعالى: « ُ ء ء »ـ! ! ِ » فقال: «إِفْرَاطًا» . والإفراط هو الزيادة عن الحد؛ يعني: تجاوزوا الحد المشروع.

فقد بين الله عز وجل أنهم تركوا دين قومهم من عبادة للأصنام في قوله تعالى: [الكهف: 14]{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *} يعني: لو دعونا من دون الله عز وجل إلهًا [الكهف: 14]{وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا *}.

قوله: «الْوَصِيدُ الْفِنَاءُ وَجَمْعُهُ وَصَائِدُ وَوُصُدٌ.، وَيُقَالُ الْوَصِيدُ الْبَابُ» يشير إلى قوله تعالى: [الكهف: 18]{وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ}.

وفسّر المؤلف رحمه الله الكلمات التي تدور حولها فقال: « ُ * ء للهپ! ! ِ : مُطْبَقَةٌ آصَدَ الْبَابَ وَأَوْصَدَ» يعني: مغلقة على الكفرة.

وفسّر المؤلف رحمه الله قوله تعالى: «{بَعَثْنَاهُمْ}» فقال: «أَحْيَيْنَاهُمْ» . يعني: أحياهم الله عز وجل من النوم؛ لأن النوم موتة صغرى.

وفسّر قوله تعالى: «{أَزْكَى}» فقال: «أكثر ريعًا» .

وفسّر المؤلف رحمه الله قوله تعالى: «{رَجْمًا بِالْغَيْبِ}» : فقال: «لَمْ يَسْتَبِنْ» أي: ما تبينوا القول، بل قالوا هذا بغير دليل.

  حَدِيثُ الْغَارِ

}3465{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ لاَ يُنْجِيكُمْ إِلاَّ الصِّدْقُ فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَأَنَّهُ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ: لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ فَقُلْتُ: لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ فَسَاقَهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ فَقَالَ الآْخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ آتِيهِمَا كُلَّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي فَأَبْطَأْتُ عَلَيْهِمَا لَيْلَةً فَجِئْتُ وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجُوعِ فَكُنْتُ لاَ أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ الآْخَرُ: اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلاَّ أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا فَقَالَتْ: إتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُ الْمِائَةَ دِينَارٍ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَخَرَجُوا».

}3466{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهِيَ تُرْضِعُهُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ وَمُرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرَّرُ وَيُلْعَبُ بِهَا فَقَالَتْ: إللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَقَالَ: أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَهَا تَزْنِي وَتَقُولُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَيَقُولُونَ تَسْرِقُ وَتَقُولُ حَسْبِيَ اللَّهُ».

}3467{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».

}3468{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ.

}3469{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الأُْمَمِ مُحَدَّثُونَ وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ».

}3470{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لاَ فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ».

}3471{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ: إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ».

وحَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.

}3472{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَْرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَْرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَْرْضَ وَمَا فِيهَا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ، قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآْخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا».

}3473{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ لاَ يُخْرِجْكُمْ إِلاَّ فِرَارًا مِنْهُ.

}3474{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».

}3475{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».

}3476{ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلاَلِيَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ خِلاَفَهَا فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ: «كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا».

}3477{حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: حَدَّثنِي شَقِيقٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الأَْنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ.

}3478{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالاً فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ عز وجل فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ» وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}3479{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَمَّا أَيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَوْ رَاحٍ فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ فَغَفَرَ لَهُ» قَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ.

حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ فِي يَوْمٍ رَاحٍ.

}3480{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ فَكَانَ يَقُولُ: لِفَتَاهُ إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ».

}3481{ حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الأَْرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ: مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ».

}3482{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَْرْضِ».

}3483{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ».

}3484{ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ».

}3485{ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَْرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَابَعَهُ» عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ.

}3486{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَحْنُ الآْخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ كُلِّ أُمَّةٍ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى».

}3487{ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ.

}3488{ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ.

تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ.

 

}3465{ هذا الحديث ترجم له المؤلف رحمه الله: «حَدِيثُ الْغَارِ» وذكر الحافظ رحمه الله أنه أتى بهذا الحديث عقب قصة أصحاب الكهف إشارة إلى ما ورد أنه قد قيل: إن الرقم المذكور في قوله تعالى: [الكهف: 9]{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} أنه الغار الذي أصاب الثلاثة فيه ما أصابهم، والغار أو الكهف هو نقب في الجبل.

فهؤلاء الثلاثة انطلقوا «يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ» ، فانطبقت عليهم صخرة من أعلى الجبل حتى أحكمت باب الغار ، «فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ لاَ يُنْجِيكُمْ إِلاَّ الصِّدْقُ» ، يعني: اصدقوا مع الله عز وجل، فالصدق هو الذي ينجي من الشدائد في الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: [التّوبَة: 119]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *}، وقال الله تعالى: [المَائدة: 119]{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} وقال في وصف المؤمنين: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} ثم قال عز وجل: [الأحزَاب: 35]{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا *}.

والصدق يكون بالأقوال وبالأعمال، والصدق يكون في الإيمان، فيحرق الشبهات والشهوات فلا يواقع معصية ولا كبيرة، أما إذا ضعف الإيمان وضعف الصدق جاءت المعاصي والكبائر، ولهذا فإن الصديقين مرتبتهم بعد مرتبة الأنبياء، وفوق مرتبة الشهداء، وفي مقدمتهم الصديق الأكبر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسمي صديقًا لقوة تصديقه.

ولهذا قال هؤلاء لبعضهم: «فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ» ، يعني: العمل الذي أخلص فيه مع ربه؛ فتوسل الأول بأمانته فقال: «اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ» والفرق مكيال يسع ثلاثة آصع «فذهب وتركه» وفي لفظ آخر أنهم كانوا أجراء ففيه: «اللهم إني استأجرت أجراء» [(961)] ومنهم واحد هو الذي ترك أجرته.

وجاء في بعض الروايات: أنه استأجر أجيرًا في منتصف النهار، وأن هذا الأجير لم يعمل من أول النهار إلى آخره فقال: والله لأعطينه أجرته كاملة فحسده بعضهم وقال: كيف تعطيه أجرة كاملة؟! فسخط أجرته وتركها.

قوله: «وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ» ، وبارك الله عز وجل فيه «فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي رواية سالم: «فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال» ، وفيه: «فقلت له كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق من أجرك» ، وفي رواية الكشميهني: «من أجلك» ، وفيه: «فاستاقه فلم يترك منه شيئًا» . ودلت هذه الرواية على أن قوله في رواية نافع: «اشتريت بقرًا» أنه لم يرد أنه لم يشتر غيرها وإنما كان الأكثر الأغلب البقر فلذلك اقتصر عليها» اهـ.

قوله: «أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ: لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ» ، وفي اللفظ الآخر: «يا عبد الله لا تستهزئ بي» [(962)] فإن أجرتي فرق ـ وهو ثلاثة آصع ـ ثم تقول لي: اعمد إلى هذا الوادي من الإبل والبقر والغنم والرقيق! «فَقُلْتُ: لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ فَسَاقَهَا» . كل ذلك يخاطب ربه عز وجل ثم قال: «فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ» أي: انفرجت الصخرة قليلاً.

قوله: «اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ» دعا الثاني وتوسل ببره لوالديه، وأنه يروح على والديه، ويحلب لهما من غنمه ويسقيهما في المساء وفي الصباح، وشراب المساء يسمى الغبوق، وشراب الصباح يسمى الصبوح، وأنه ذات ليلة نأى به طلب المرعى والشجر وتأخر فجاء وحلب اللبن ـ وكان من خُلُقه أنه لا يقدم على أبويه أحدًا من الأولاد والصبية ـ وجاء والإناء في يده فوجدهما قد ناما؛ فكره أن يوقظهما، وكره أن يسقي الصبية قبلهما.

قوله: «فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا» ؛ لأن إيقاظهما من النوم فيه إتعاب لهما وقطع للنوم.

قوله: «وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا» أي: يحصل لهما مسكنة وضعف من ترك العشاء «فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ» وفي لفظ: «فلبثت والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر» [(963)] وكان يجوز له أن يسقي الصبية، ولكنه سلك المسلك الأشد والأكمل والأفضل، فلما برق الفجر استيقظا فسقاهما، ثم توسل إلى الله عز وجل فقال: «فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ» ولا يستطيعون الخروج.

ثم توسل الآخر بعفته عن الفاحشة وقال: «اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلاَّ أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا» .

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي رواية أخرى عن النعمان: «أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب منه شيئاً من معروفه ويأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها، فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها أغني عيالك، قال: فرجعت فناشدتني بالله فأبيت عليها، فأَسْلَمَت إليّ نفسها، فلما كشفتها ارتعدت من تحتي، فقلت ما لك؟ قالت أخاف الله رب العالمين، فقلت خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء فَتركتُها» [(964)] اهـ. أي: أصابتها شدة وحاجة؛ فكانت تريد صدقة أو قرضًا فأبى إلا أن تمكنه من نفسها فأبت، ثم أصابتها شدة فجاءت إليه مرة ثانية فقال لها: إلا أن تمكنيني من نفسك فأبت، ثم جاءت بعد مدة في المرة الثالثة وقد اشتدت حاجتها فقال: إلا أن تمكنيني من نفسك، فوافقت في هذه المرة، فأعطاها مائة وعشرين دينارًا، وأمكنته من نفسها، قال: «فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا» ذكّرته بالله عز وجل «فَقَالَتْ: إتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ» الخاتم: الفرج، والفض المراد به الجماع «إِلاَّ بِحَقِّهِ» يعني: بالنكاح لا بالزنا؛ فخاف من الله عز وجل وتذكر وقوفه بين يديه، وفي لفظ أنها: ارتعدت من تحتي فسألها فقالت: أخاف الله، فخاف وكبح جماح نفسه، وهو يتمنى الحصول عليها وموافقتها منذ دهر طويل.

فالخوف من الله عز وجل حسنة عظيمة، وهذا ترك الفاحشة خوفًا من الله عز وجل؛ وقد جاء في الحديث: «إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سيئة» [(965)] وفي لفظ آخر: «وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ» [(966)] يعني: من أجلي.

فتوسل بهذه الحسنة العظيمة وقال: «فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ» ، فانزاحت الصخرة، «فَخَرَجُوا» يمشون.

والحديث فيه: مشروعية التوسل إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة؛ فالأول توسل بأمانته، والثاني توسل ببره لوالديه، والثالث توسل بعفته وخوفه من الله عز وجل.

فالتوسل إلى الله عز وجل يكون بالأعمال الصالحة، ويكون بأسماء الله الحسنى: يا غفور يا رحيم يا ودود، وبصفات الله العلا، قال الله تعالى: [الأعرَاف: 180]{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.

وكذلك يُتوسل إلى الله عز وجل بالتوحيد فيقول: اللهم أني أسألك أني أشهد أنه لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.

ويكون التوسل بالإيمان؛ لقوله تعالى: [آل عِمرَان: 16]{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *}.

ويكون كذلك بإظهار الفقر والحاجة كقول موسى عليه السلام: [القَصَص: 24]{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ *}.

ويكون التوسل بعبودتيه لله وبربوبيته سبحانه.

ويكون النوسل بدعاء الحي الحاضر بأن يدعو الداعي ومن خلفه يؤمن.

أما التوسل بجاه فلان أو بحرمة فلان، أو التوسل بذات فلان فهذا من البدع، أما أن يدعو الصالحين من دون الله عز وجل، ويذبح لهم أو ينذر لهم، فهذا من الشرك.

فالتوسل ثلاثة أنواع:

النوع الأول: توسل شركي، وهو أن يدعو الصالحين من دون الله عز وجل، أو يذبح لهم أو ينذر لهم فهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة.

النوع الثاني: توسل بدعي، وهو التوسل بذات فلان أو بجاهه أو بحرمته.

النوع الثالث: توسل شرعي، وهو: التوسل بأسماء الله الحسنى، والتوسل بصفات الله العلا، والتوسل بالإيمان، والتوسل بالتوحيد، والتوسل بالعمل الصالح، والتوسل بالفقر والحاجة، والتوسل بعبودية الإنسان لربه وربوبيته له، والتوسل بدعاء الحي الحاضر.

وفيه: أن الأعمال الصالحة سبب في تفريج الكربات في الدنيا والآخرة.

وفيه: أن من عرف الله عز وجل في الرخاء عرفه في الشدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة» [(967)]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك» [(968)].

وتكلم العلماء على هؤلاء الثلاثة أيهم أفضل؟ وأيهم أكثر نفعًا؟ قالوا: إن هذا الرجل الذي استأجر الأجير أكثر نفعًا؛ لأن نفعه متعد، بخلاف البار لوالديه فهذا نفعه قاصر، وقال بعضهم: إن الذي ترك ابنة عمه أفضل.

واحتج به بعضهم على جواز تصرف الفضولي، كأن يبيع الإنسان مال غيره؛ فإذا أذن له صح البيع، وإن لم يأذن له فلا؛ فهذا الرجل تصرف تصرفًا فضوليًّا بأجرة الأجير بأن زرعها، واشترى بها إبلا وبقرًا وغنمًا ورقيقًا، وأقره صاحبها فلا بأس، ومن ذلك حديث عروة البارقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه درهمًا يشتري به شاة، فاشترى شاتين، ثم باع إحديهما بدرهم فجاء بشاة ودرهم، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة[(969)].

ومثال ذلك إذا جاء إنسان يريد أن يشتري سيارة جارك فقلت له: أنا أبيع عليك هذه السيارة، فأعطاك ثمنها وزيادة، فلما جاء الجار قلت: يا فلان أنا بعت سيارتك بأكثر من ثمنها، فإذا أقره وقبل نفذ البيع، وإن قال: لا أريد بيعها لا ينفذ ويبطل العقد.

فتصرف الفضولي موقوف على الإجازة؛ فإن أجازه نفذ وإن لم يجزه فلا ينفذ.

 

}3466{ هذا الحديث فيه: قصة امرأة من بني إسرائيل، كانت ترضع ابنًا لها فمر رجل له شارة حسنة وله هيئة فقالت المرأة: «اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا» وفي رواية: «اللهم اجعل ابني مثل هذا» [(970)] فتكلم الرضيع ـ وهذا من الثلاثة الذين تكلموا وهم في المهد ـ فترك الثدي وقال: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ» ، ثم مرت بجارية وهم يضربونها ويجرونها ويقولون: زنيت سرقت وهي تقول: «حَسْبِيَ اللَّهُ» ، فقالت المرأة كما في الرواية الأخرى: «اللهم لا تجعل ابني مثل هذه؛ فترك ثديها فقال: اللهم اجعلني مثلها» [(971)] ثم لما رأت أنه يتكلم راجعته وقالت: لماذا قلت ذلك، فقال: «أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ» ، وفي اللفظ الآخر: «كان هذا جبارًا فقلت: اللهم لا تجعلني مثله وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا» [(972)].

وهذا من أخبار بني إسرائيل.

وفيه: العبرة والعظة، حيث إن الله عز وجل أنطق هذا الصبي، وعرفوا حال هذا الرجل وهذه المرأة.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد