}3467{ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ تَلِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ».
}3468{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ عَامَ حَجَّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعَرٍ وَكَانَتْ فِي يَدَيْ حَرَسِيٍّ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ.
}3469{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ مِنْ الأُْمَمِ مُحَدَّثُونَ وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ».
}3470{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الصِّدِّيقِ النَّاجِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لاَ فَقَتَلَهُ فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ».
}3471{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلاَةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ رَكِبَهَا فَضَرَبَهَا فَقَالَتْ: إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ فَقَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ وَبَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمِهِ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ فَذَهَبَ مِنْهَا بِشَاةٍ فَطَلَبَ حَتَّى كَأَنَّهُ اسْتَنْقَذَهَا مِنْهُ فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ هَذَا اسْتَنْقَذْتَهَا مِنِّي فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ قَالَ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ».
وحَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
}3472{ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشْتَرَى الْعَقَارَ: خُذْ ذَهَبَكَ مِنِّي إِنَّمَا اشْتَرَيْتُ مِنْكَ الأَْرْضَ وَلَمْ أَبْتَعْ مِنْكَ الذَّهَبَ وَقَالَ الَّذِي لَهُ الأَْرْضُ: إِنَّمَا بِعْتُكَ الأَْرْضَ وَمَا فِيهَا فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيْهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ، قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآْخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا».
}3473{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَعَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَسْأَلُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَاذَا سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الطَّاعُونِ فَقَالَ أُسَامَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «الطَّاعُونُ رِجْسٌ أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَوْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» قَالَ أَبُو النَّضْرِ لاَ يُخْرِجْكُمْ إِلاَّ فِرَارًا مِنْهُ.
}3474{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ حَدَّثَنَا عَبْدُاللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ».
}3475{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا: وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا».
}3476{ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ بْنَ سَبْرَةَ الْهِلاَلِيَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً وَسَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ خِلاَفَهَا فَجِئْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ الْكَرَاهِيَةَ وَقَالَ: «كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ وَلاَ تَخْتَلِفُوا فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا».
}3477{حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَْعْمَشُ قَالَ: حَدَّثنِي شَقِيقٌ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الأَْنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ.
}3478{ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَبْدِ الْغَافِرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالاً فَقَالَ لِبَنِيهِ لَمَّا حُضِرَ: أَيَّ أَبٍ كُنْتُ لَكُمْ قَالُوا: خَيْرَ أَبٍ قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ فَإِذَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اسْحَقُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ عز وجل فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ» وَقَالَ مُعَاذٌ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
}3479{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ: قَالَ عُقْبَةُ لِحُذَيْفَةَ أَلاَ تُحَدِّثُنَا مَا سَمِعْتَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: «إِنَّ رَجُلاً حَضَرَهُ الْمَوْتُ لَمَّا أَيِسَ مِنْ الْحَيَاةِ أَوْصَى أَهْلَهُ إِذَا مُتُّ فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا كَثِيرًا ثُمَّ أَوْرُوا نَارًا حَتَّى إِذَا أَكَلَتْ لَحْمِي وَخَلَصَتْ إِلَى عَظْمِي فَخُذُوهَا فَاطْحَنُوهَا فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ فِي يَوْمٍ حَارٍّ أَوْ رَاحٍ فَجَمَعَهُ اللَّهُ فَقَالَ: لِمَ فَعَلْتَ؟ قَالَ: خَشْيَتَكَ فَغَفَرَ لَهُ» قَالَ عُقْبَةُ: وَأَنَا سَمِعْتُهُ يَقُولُ.
حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ وَقَالَ فِي يَوْمٍ رَاحٍ.
}3480{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ الرَّجُلُ يُدَايِنُ النَّاسَ فَكَانَ يَقُولُ: لِفَتَاهُ إِذَا أَتَيْتَ مُعْسِرًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا قَالَ: فَلَقِيَ اللَّهَ فَتَجَاوَزَ عَنْهُ».
}3481{ حَدَّثَنِي عَبْدُاللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ فَلَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ قَالَ لِبَنِيهِ: إِذَا أَنَا مُتُّ فَأَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُّونِي فِي الرِّيحِ فَوَاللَّهِ لَئِنْ قَدَرَ عَلَيَّ رَبِّي لَيُعَذِّبَنِّي عَذَابًا مَا عَذَّبَهُ أَحَدًا فَلَمَّا مَاتَ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ فَأَمَرَ اللَّهُ الأَْرْضَ فَقَالَ: اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ خَشْيَتُكَ فَغَفَرَ لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ: مَخَافَتُكَ يَا رَبِّ».
}3482{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لاَ هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلاَ سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلاَ هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأَْرْضِ».
}3483{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَسْعُودٍ عُقْبَةُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ».
}3484{ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ قَالَ: سَمِعْتُ رِبْعِيَّ بْنَ حِرَاشٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ».
}3485{ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنْ الْخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَْرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ تَابَعَهُ» عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ.
}3486{ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «نَحْنُ الآْخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ كُلِّ أُمَّةٍ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ فَغَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى».
}3487{ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ.
}3488{ حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا فَخَطَبَنَا فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ.
تَابَعَهُ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ.
}3465{ هذا الحديث ترجم له المؤلف رحمه الله: «حَدِيثُ الْغَارِ» وذكر الحافظ رحمه الله أنه أتى بهذا الحديث عقب قصة أصحاب الكهف إشارة إلى ما ورد أنه قد قيل: إن الرقم المذكور في قوله تعالى: [الكهف: 9]{أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ} أنه الغار الذي أصاب الثلاثة فيه ما أصابهم، والغار أو الكهف هو نقب في الجبل.
فهؤلاء الثلاثة انطلقوا «يَمْشُونَ إِذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ» ، فانطبقت عليهم صخرة من أعلى الجبل حتى أحكمت باب الغار ، «فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّهُ وَاللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ لاَ يُنْجِيكُمْ إِلاَّ الصِّدْقُ» ، يعني: اصدقوا مع الله عز وجل، فالصدق هو الذي ينجي من الشدائد في الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى: [التّوبَة: 119]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ *}، وقال الله تعالى: [المَائدة: 119]{هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ} وقال في وصف المؤمنين: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} ثم قال عز وجل: [الأحزَاب: 35]{أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا *}.
والصدق يكون بالأقوال وبالأعمال، والصدق يكون في الإيمان، فيحرق الشبهات والشهوات فلا يواقع معصية ولا كبيرة، أما إذا ضعف الإيمان وضعف الصدق جاءت المعاصي والكبائر، ولهذا فإن الصديقين مرتبتهم بعد مرتبة الأنبياء، وفوق مرتبة الشهداء، وفي مقدمتهم الصديق الأكبر أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسمي صديقًا لقوة تصديقه.
ولهذا قال هؤلاء لبعضهم: «فَليَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ فِيهِ» ، يعني: العمل الذي أخلص فيه مع ربه؛ فتوسل الأول بأمانته فقال: «اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ عَمِلَ لِي عَلَى فَرَقٍ مِنْ أَرُزٍّ» والفرق مكيال يسع ثلاثة آصع «فذهب وتركه» وفي لفظ آخر أنهم كانوا أجراء ففيه: «اللهم إني استأجرت أجراء» [(961)] ومنهم واحد هو الذي ترك أجرته.
وجاء في بعض الروايات: أنه استأجر أجيرًا في منتصف النهار، وأن هذا الأجير لم يعمل من أول النهار إلى آخره فقال: والله لأعطينه أجرته كاملة فحسده بعضهم وقال: كيف تعطيه أجرة كاملة؟! فسخط أجرته وتركها.
قوله: «وَأَنِّي عَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ» ، وبارك الله عز وجل فيه «فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي رواية سالم: «فثمرت أجره حتى كثرت منه الأموال» ، وفيه: «فقلت له كل ما ترى من الإبل والبقر والغنم والرقيق من أجرك» ، وفي رواية الكشميهني: «من أجلك» ، وفيه: «فاستاقه فلم يترك منه شيئًا» . ودلت هذه الرواية على أن قوله في رواية نافع: «اشتريت بقرًا» أنه لم يرد أنه لم يشتر غيرها وإنما كان الأكثر الأغلب البقر فلذلك اقتصر عليها» اهـ.
قوله: «أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ فَقُلْتُ: لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَسُقْهَا فَقَالَ لِي: إِنَّمَا لِي عِنْدَكَ فَرَقٌ مِنْ أَرُزٍّ» ، وفي اللفظ الآخر: «يا عبد الله لا تستهزئ بي» [(962)] فإن أجرتي فرق ـ وهو ثلاثة آصع ـ ثم تقول لي: اعمد إلى هذا الوادي من الإبل والبقر والغنم والرقيق! «فَقُلْتُ: لَهُ اعْمِدْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرَقِ فَسَاقَهَا» . كل ذلك يخاطب ربه عز وجل ثم قال: «فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ» أي: انفرجت الصخرة قليلاً.
قوله: «اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ» دعا الثاني وتوسل ببره لوالديه، وأنه يروح على والديه، ويحلب لهما من غنمه ويسقيهما في المساء وفي الصباح، وشراب المساء يسمى الغبوق، وشراب الصباح يسمى الصبوح، وأنه ذات ليلة نأى به طلب المرعى والشجر وتأخر فجاء وحلب اللبن ـ وكان من خُلُقه أنه لا يقدم على أبويه أحدًا من الأولاد والصبية ـ وجاء والإناء في يده فوجدهما قد ناما؛ فكره أن يوقظهما، وكره أن يسقي الصبية قبلهما.
قوله: «فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا» ؛ لأن إيقاظهما من النوم فيه إتعاب لهما وقطع للنوم.
قوله: «وَكَرِهْتُ أَنْ أَدَعَهُمَا فَيَسْتَكِنَّا لِشَرْبَتِهِمَا» أي: يحصل لهما مسكنة وضعف من ترك العشاء «فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ» وفي لفظ: «فلبثت والقدح في يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر» [(963)] وكان يجوز له أن يسقي الصبية، ولكنه سلك المسلك الأشد والأكمل والأفضل، فلما برق الفجر استيقظا فسقاهما، ثم توسل إلى الله عز وجل فقال: «فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ حَتَّى نَظَرُوا إِلَى السَّمَاءِ» ولا يستطيعون الخروج.
ثم توسل الآخر بعفته عن الفاحشة وقال: «اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ وَأَنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ إِلاَّ أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَطَلَبْتُهَا حَتَّى قَدَرْتُ فَأَتَيْتُهَا بِهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا» .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وفي رواية أخرى عن النعمان: «أنها ترددت إليه ثلاث مرات تطلب منه شيئاً من معروفه ويأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها، فأجابت في الثالثة بعد أن استأذنت زوجها فأذن لها وقال لها أغني عيالك، قال: فرجعت فناشدتني بالله فأبيت عليها، فأَسْلَمَت إليّ نفسها، فلما كشفتها ارتعدت من تحتي، فقلت ما لك؟ قالت أخاف الله رب العالمين، فقلت خفتيه في الشدة ولم أخفه في الرخاء فَتركتُها» [(964)] اهـ. أي: أصابتها شدة وحاجة؛ فكانت تريد صدقة أو قرضًا فأبى إلا أن تمكنه من نفسها فأبت، ثم أصابتها شدة فجاءت إليه مرة ثانية فقال لها: إلا أن تمكنيني من نفسك فأبت، ثم جاءت بعد مدة في المرة الثالثة وقد اشتدت حاجتها فقال: إلا أن تمكنيني من نفسك، فوافقت في هذه المرة، فأعطاها مائة وعشرين دينارًا، وأمكنته من نفسها، قال: «فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا» ذكّرته بالله عز وجل «فَقَالَتْ: إتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخَاتَمَ» الخاتم: الفرج، والفض المراد به الجماع «إِلاَّ بِحَقِّهِ» يعني: بالنكاح لا بالزنا؛ فخاف من الله عز وجل وتذكر وقوفه بين يديه، وفي لفظ أنها: ارتعدت من تحتي فسألها فقالت: أخاف الله، فخاف وكبح جماح نفسه، وهو يتمنى الحصول عليها وموافقتها منذ دهر طويل.
فالخوف من الله عز وجل حسنة عظيمة، وهذا ترك الفاحشة خوفًا من الله عز وجل؛ وقد جاء في الحديث: «إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فَإِنْ عَمِلَهَا فَاكْتُبُوهَا سيئة» [(965)] وفي لفظ آخر: «وَإِنْ تَرَكَهَا فَاكْتُبُوهَا لَهُ حَسَنَةً إِنَّمَا تَرَكَهَا مِنْ جَرَّايَ» [(966)] يعني: من أجلي.
فتوسل بهذه الحسنة العظيمة وقال: «فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ» ، فانزاحت الصخرة، «فَخَرَجُوا» يمشون.
والحديث فيه: مشروعية التوسل إلى الله عز وجل بالأعمال الصالحة؛ فالأول توسل بأمانته، والثاني توسل ببره لوالديه، والثالث توسل بعفته وخوفه من الله عز وجل.
فالتوسل إلى الله عز وجل يكون بالأعمال الصالحة، ويكون بأسماء الله الحسنى: يا غفور يا رحيم يا ودود، وبصفات الله العلا، قال الله تعالى: [الأعرَاف: 180]{وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}.
وكذلك يُتوسل إلى الله عز وجل بالتوحيد فيقول: اللهم أني أسألك أني أشهد أنه لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد.
ويكون التوسل بالإيمان؛ لقوله تعالى: [آل عِمرَان: 16]{رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ *}.
ويكون كذلك بإظهار الفقر والحاجة كقول موسى عليه السلام: [القَصَص: 24]{رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ *}.
ويكون التوسل بعبودتيه لله وبربوبيته سبحانه.
ويكون النوسل بدعاء الحي الحاضر بأن يدعو الداعي ومن خلفه يؤمن.
أما التوسل بجاه فلان أو بحرمة فلان، أو التوسل بذات فلان فهذا من البدع، أما أن يدعو الصالحين من دون الله عز وجل، ويذبح لهم أو ينذر لهم، فهذا من الشرك.
فالتوسل ثلاثة أنواع:
النوع الأول: توسل شركي، وهو أن يدعو الصالحين من دون الله عز وجل، أو يذبح لهم أو ينذر لهم فهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة.
النوع الثاني: توسل بدعي، وهو التوسل بذات فلان أو بجاهه أو بحرمته.
النوع الثالث: توسل شرعي، وهو: التوسل بأسماء الله الحسنى، والتوسل بصفات الله العلا، والتوسل بالإيمان، والتوسل بالتوحيد، والتوسل بالعمل الصالح، والتوسل بالفقر والحاجة، والتوسل بعبودية الإنسان لربه وربوبيته له، والتوسل بدعاء الحي الحاضر.
وفيه: أن الأعمال الصالحة سبب في تفريج الكربات في الدنيا والآخرة.
وفيه: أن من عرف الله عز وجل في الرخاء عرفه في الشدة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة» [(967)]، وقوله صلى الله عليه وسلم: «احفظ الله يحفظك» [(968)].
وتكلم العلماء على هؤلاء الثلاثة أيهم أفضل؟ وأيهم أكثر نفعًا؟ قالوا: إن هذا الرجل الذي استأجر الأجير أكثر نفعًا؛ لأن نفعه متعد، بخلاف البار لوالديه فهذا نفعه قاصر، وقال بعضهم: إن الذي ترك ابنة عمه أفضل.
واحتج به بعضهم على جواز تصرف الفضولي، كأن يبيع الإنسان مال غيره؛ فإذا أذن له صح البيع، وإن لم يأذن له فلا؛ فهذا الرجل تصرف تصرفًا فضوليًّا بأجرة الأجير بأن زرعها، واشترى بها إبلا وبقرًا وغنمًا ورقيقًا، وأقره صاحبها فلا بأس، ومن ذلك حديث عروة البارقي: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه درهمًا يشتري به شاة، فاشترى شاتين، ثم باع إحديهما بدرهم فجاء بشاة ودرهم، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة[(969)].
ومثال ذلك إذا جاء إنسان يريد أن يشتري سيارة جارك فقلت له: أنا أبيع عليك هذه السيارة، فأعطاك ثمنها وزيادة، فلما جاء الجار قلت: يا فلان أنا بعت سيارتك بأكثر من ثمنها، فإذا أقره وقبل نفذ البيع، وإن قال: لا أريد بيعها لا ينفذ ويبطل العقد.
فتصرف الفضولي موقوف على الإجازة؛ فإن أجازه نفذ وإن لم يجزه فلا ينفذ.
}3466{ هذا الحديث فيه: قصة امرأة من بني إسرائيل، كانت ترضع ابنًا لها فمر رجل له شارة حسنة وله هيئة فقالت المرأة: «اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا» وفي رواية: «اللهم اجعل ابني مثل هذا» [(970)] فتكلم الرضيع ـ وهذا من الثلاثة الذين تكلموا وهم في المهد ـ فترك الثدي وقال: «اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ» ، ثم مرت بجارية وهم يضربونها ويجرونها ويقولون: زنيت سرقت وهي تقول: «حَسْبِيَ اللَّهُ» ، فقالت المرأة كما في الرواية الأخرى: «اللهم لا تجعل ابني مثل هذه؛ فترك ثديها فقال: اللهم اجعلني مثلها» [(971)] ثم لما رأت أنه يتكلم راجعته وقالت: لماذا قلت ذلك، فقال: «أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ» ، وفي اللفظ الآخر: «كان هذا جبارًا فقلت: اللهم لا تجعلني مثله وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا» [(972)].
وهذا من أخبار بني إسرائيل.
وفيه: العبرة والعظة، حيث إن الله عز وجل أنطق هذا الصبي، وعرفوا حال هذا الرجل وهذه المرأة.
}3467{ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «يُطِيفُ» بضم أوله من أطاف يقال: أطفت بالشيء إذا أدمت المرور حوله.
وقوله: «بِرَكِيَّةٍ» ـ بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتانية ـ البئر مطوية أو غير مطوية، وغير المطوية يقال لها: جب وقليب، ولا يقال لها: بئر حتى تطوى، وقيل: الركي: البئر قبل أن تطوى فإذا طويت فهي الطوي.
قوله: «بَغِيٌّ» ـ بفتح الموحدة وكسر المعجمة ـ هي الزانية، وتطلق على الأمة مطلقًا.
قوله: «مُوقَهَا» ـ بضم الميم وسكون الواو بعدها قاف ـ هو الخف، وقيل: ما يلبس فوق الخف» اهـ.
والشاهد من الحديث: ذكر قصة هذه المرأة من بني إسرائيل.
}3468{ قوله: «قُصَّةً» هي شعر الناصية.
قوله: «حَرَسِيٍّ» يعني: واحد الحرس.
قوله: «يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ» يعني: لماذا لا ينهونكم عن هذا؟!
قوله: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ وَيَقُولُ إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ» . وهذا نص لما يسمى الآن : بالباروكة، وهي الشعر الذي يركب على الرأس زورًا، وأنه محرم وأنه من أسباب الهلاك؛ لما فيه من الزور والتدليس والتغيير لخلق الله عز وجل، وفي اللفظ الآخر أنه قال: «إن النبي صلى الله عليه وسلم سمّاه الزور» [(973)] لأنها تركب على الرأس تركيبًا دقيقًا بحيث إن الرائي يظن أنه رأس حقيقي وهو رأس صناعي.
والشاهد من الحديث قوله: «إِنَّمَا هَلَكَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ» ؛ لأن هذا الباب في أحاديث بني إسرائيل.
وفيه: فضل معاوية رضي الله عنه وعنايته وتنبيهه ونصحه والرد على من تنقصه.
وفيه: أن العلماء هم الذين يبينون للناس الأحكام من حلال وحرام.
وفيه: العناية بالرعية؛ لأنه لما حج زار المدينة وتفقدها وخطب الناس.
}3469{ قوله: «مُحَدَّثُونَ» يعني: ملهمون.
قوله: «وَإِنَّهُ إِنْ كَانَ فِي أُمَّتِي هَذِهِ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ» . هذه منقبة لعمر رضي الله عنه وأنه ملهم.
والشاهد من الحديث قوله: «فِيمَا مَضَى قَبْلَكُمْ» . ففيه دليل على أن الأمم السابقة فيهم ملهمون، وفيهم أخيار، وفيهم أشرار كثيرون، كما قال الله تعالى لما ذكر أهل الكتاب: [آل عِمرَان: 113]{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}.
}3470{ هذا الحديث فيه: دليل على أن التوبة مقبولة من كل شخص إذا وجدت الشروط، والتوبة لها أركان ثلاثة:
أولها: الإقلاع عن المعصية التي كان متلبسًا بها.
الثاني: الندم على ما مضى، وهذا هو الركن الأعظم.
الثالث: العزم الجازم على عدم العودة إليها.
وإذا كانت المعصية فيما بينه وبين الناس فلها ركن رابع: وهو رد المظلمة إلى أهلها، والتحلل منها، سواء كانت المظلمة بالبدن أو بالمال أو بالعرض، ولابد أن تكون التوبة قبل الموت، وقبل طلوع الشمس من مغربها، وقبل نزول العذاب فإنها مقبولة من أي: ذنب كان حتى الشرك بالله عز وجل الذي هو أعظم الذنوب؛ فالله تعالى عرض التوبة على المُثَلِّثةَ الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة فقال تعالى: [المَائدة: 73]{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ *} ثم قال في الآية التي بعدها مباشرة: [المَائدة: 74]{أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ *} فعرض الله تعالى عليهم التوبة مع عظم ذنبهم؛ فمن تاب من أي: ذنب تاب الله عز وجل عليه، والصحيح أن التوبة تتجزأ فيصح أن يتوب من ذنب ويبقى على ذنب آخر، فإذا كان يتعامل بالربا ويشرب الخمر ثم تاب من أحد الذنبين كأن يكون تاب من الربا ولم يتب من شرب الخمر صحت توبته من الربا لكن ما زال ملصقًا به ذنبٌ آخر وهو شرب الخمر، والأكمل أن تكون التوبة عامة من جميع الذنوب، والكافر إذا تاب من الشرك تاب الله عز وجل عليه، لكن إذا حسنت توبته غفر الله عز وجل له ما مضى، وإن لم تحسن توبته بأن تاب من الكفر ولم يتب من المعاصي فاستمر على شرب الخمر فإنه يؤاخذ بشرب الخمر في الأول وفي الآخر يعني: قبل الإسلام وبعده، أما إذا حسنت توبته فإن الله عز وجل يمحو بهذه التوبة جميع ما مضى من الذنوب ومن الكفر.
قوله: «كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا ثُمَّ خَرَجَ يَسْأَلُ فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ» وفي رواية مسلم رحمه الله: «فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب» [(974)] والراهب: عابد ليس عنده علم «فَقَالَ لَهُ: هَلْ مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: لاَ فَقَتَلَهُ» فالراهب استعظم الذنب فأفتاه ـ بجهل ـ بأنه ليس له توبة؛ فلما أيس من التوبة قتله وأكمل به المائة، وهذه عقوبة عاجلة للذي يفتي في دين الله عز وجل بغير علم ويحلل ويحرم بجهل، ثم بعد ذلك قذف الله عز وجل في قلبه الندم وأراد أن يتوب «فَجَعَلَ يَسْأَلُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:» ، وفي رواية مسلم: «ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم» [(975)] أي: لما سأل في المرة الثانية دل على عالم، وفرق كبير بين العالم والعابد.
قوله: «ائْتِ قَرْيَةَ كَذَا وَكَذَا» وفي مسلم: «فقال: إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء» [(976)]، أي: قال له: ومن يحول بينك وبين التوبة؟! ولكن أنصحك أن تترك هذه القرية السفيهة قرية السوء وتذهب إلى تلك القرية الصالحة فإن فيها أناسًا صالحين تعبد الله عز وجل معهم فتاب الرجل، وكان من توبته هجرة بلد السوء إلى تلك القرية الصالحة.
قوله: «فَأَدْرَكَهُ الْمَوْتُ» وفي رواية مسلم رحمه الله: «فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت» [(977)]، أي: لما كان في أثناء الطريق جاءه الموت فمات.
قوله: «فَنَاءَ بِصَدْرِهِ نَحْوَهَا فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلاَئِكَةُ الْعَذَابِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَقَرَّبِي وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى هَذِهِ أَنْ تَبَاعَدِي وَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إِلَى هَذِهِ أَقْرَبَ بِشِبْرٍ فَغُفِرَ لَهُ» وفي رواية مسلم رحمه الله: «فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله، وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة» [(978)]، أي: لما قاسوا ما بين القريتين وجدوه إلى القرية الصالحة أقرب بشبر فأخذته وقبضته ملائكة الرحمة، وذلك بفضل الله تعالى.
وفي رواية مسلم رحمه الله: «لما أتاه الموت نأى بصدره» [(979)] أي: نأى بصدره إلى القرية الصالحة وهو في سكرة الموت؛ لما استقر في قلبه من حقائق الإيمان والتوبة، حتى قرب إلى القرية الصالحة بشبر فقبضته ملائكة الرحمة فغفر الله عز وجل له.
وفيه: سعة رحمة الله عز وجل.
وفيه: قبول التوبة ممن تاب إذا وجدت الشروط.
وفيه: التحذير من الفتيا بغير علم.
وفيه: العقوبة العاجلة لمن عمل شيئًا ليس أهلاً له فهذا الراهب أفتى بغير علم فعوقب وقتل، نسأل الله عز وجل السلامة والعافية.
}3471{ قوله: «بَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً» ، يعني: فيمن سبق من بني إسرائيل، وهذا هو الشاهد أن هذه القصة حصلت فيمن قبلنا أن بقرة تكلمت وذئبًا تكلم، وهذا من آيات الله عز وجل فكما تكلم ثلاثة في المهد تكلمت هذه البقرة وتكلم هذا الذئب والله على كل شيء قدير، ومن رحمة الله عز وجل أن البهائم العجماوات لا تتكلم، وإلا لو كانت تتكلم لكان فيه مضرة شديدة.
قوله: «إنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا إِنَّمَا خُلِقْنَا لِلْحَرْثِ» ، يعني: في الغالب وإلا فإنها تؤكل وتركب ويحمل عليها لقوتها، وكذلك الغنم قد يحمل عليها ما تستطيعه، ولا يؤخذ بقول البقرة.
قوله: «سُبْحَانَ اللَّهِ بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ» فيه: التسبيح عند التعجب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك.
وفيه: منقبة للشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «فَإِنِّي أُومِنُ بِهَذَا أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا ثَمَّ» أي: كانا رضي الله عنهما غير موجودين في القوم، وهما رغم هذا يؤمنان ويصدقان بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قرن إيمانهما بإيمانه.
ولما اعتدى الذئب على الغنم وذهب بشاة جاء الراعي وطلبها حتى استنقذها منه فالتفت الذئب إليه وقال: أنت استنقذتها مني الآن لكن «فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لاَ رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي» لعل هذا اليوم يكون في آخر الزمان حينما تُترك الغنم لا راعي لها من شدة الفتن وكثرتها وعظمها.
}3472{ هذا الحديث فيه: أن بني إسرائيل فيهم أخيار.
وفيه: الورع العظيم لهذين المتبايعين؛ فكل من البائع والمشتري تورع من أخذ الذهب؛ فرجل باع عقارًا على شخص فالمشتري وجد في الأرض جرة فيها ذهب ـ والجرة: يعني: قارورة من زجاج، أو آنية من خزف فيها ذهب ـ فجاء المشتري إلى البائع وقال: وجدت في الأرض التي بعتها علي ذهبًا خذ ذهبك فقال البائع: لا؛ أنا بعتك الأرض وما فيها، فقال المشتري: لا؛ أنا ما اشتريت إلا الأرض وما اشتريت الذهب فتحاكما إلى رجل ـ يحتمل أنه قاض ـ فقال الذي تحاكما إليه وأراد أن يصلح بينهما: «أَلَكُمَا وَلَدٌ، قَالَ أَحَدُهُمَا: لِي غُلاَمٌ، وَقَالَ الآْخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنْكِحُوا الْغُلاَمَ الْجَارِيَةَ، وَأَنْفِقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْهُ وَتَصَدَّقَا» فزوّج أحدهما ابنه بنت الآخر وأنفقا عليه من هذا الذهب من باب الصلح، وهذه القصة في شرع من كان قبلنا، فما هو الحكم في شرعنا ولمن يكون الذهب؟ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «الحكم في شرعنا على هذا في مثل ذلك أن القول قول المشتري وأن الذهب باق على ملك البائع، ويحتمل أنهما اختلفا في صورة العقد بأن يقول المشتري: لم يقع تصريح ببيع الأرض وما فيها بل يبيع الأرض خاصة، والبائع يقول: وقع التصريح بذلك، والحكم في هذه الصورة أن يتحالفا ويستردا المبيع، وهذا كله بناء على ظاهر اللفظ أنه وجد فيه جرة من ذهب، لكن في رواية إسحاق بن بشر أن المشتري قال: «أنه اشترى دارًا فعمرها فوجد فيها كنزًا، وأن البائع قال له لما دعاه إلى أخذه: ما دفنت ولا علمت، وأنهما قالا للقاضي: ابعث من يقبضه وتضعه حيث رأيت، فامتنع» [(980)] وعلى هذا فحكم هذا المال حكم الركاز في هذه الشريعة إن عرف أنه من دِفْن الجاهلية، وإلا فإن عرف أنه من دِفْن المسلمين فهو لقطة، وإن جهل فحكمه حكم المال الضائع يوضع في بيت المال، ولعلهم لم يكن في شرعهم هذا التفصيل فلهذا حكم القاضي بما حكم به» اهـ.
فتبين أنه في شرعنا يكون الذهب للمشتري فهذا هو الأصل إلا إذا أتى البائع أو غيره ببينة أنه له وأنه وضعه في الأرض.
وفيه: دليل على أن بني إسرائيل فيهم أخيار فأين هؤلاء من كثير من الناس في هذا الزمن، الذين يأكلون أموال الناس بالحيل وبالقوة، ويقدمون مستندات ومراسيم مزورة غير صحيحة للأرض، ويأخذونها بغير حق؟!
}3473{ قوله: «الطَّاعُونُ رِجْسٌ» ، يعني: عذاب «أُرْسِلَ عَلَى طَائِفَةٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ» . وهذا هو الشاهد ، حيث إنه أرسل على طائفة من بني إسرائيل؛ والطاعون هو ما يسمى الآن باللغة الأجنبية بمرض الكوليرا كما هو شائع، ثم بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم الحكم الشرعي فقال: «فَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ» ؛ وفي لفظ آخر: «لا يخرجكم إلا فرارًا منه» .
فقوله: «فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ» ، هو ما يسمى بالحجر الصحي؛ وفيه: دليل على أن العدوى تنتقل؛ وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: «لا عدوى ولا طيرة» [(981)] فإنه يعني: لا عدوى على الوجه الذي يعتقده أهل الجاهلية من أن العدوى تنتقل باللمس، وإلا فقد يجعل الله عز وجل مخالطة الصحيح لمن به مرض سببًا في انتقال العدوى، فإذا وقع طاعون بأرض فلا تقدموا عليها ولا تدخولها، وإذا وقع وأنتم فيها لا تخرجوا منها، ولكن لو خرج لغير الفرار لحاجة كالتجارة مثلاً أو لزيارة أو لطلب علم أو للحج أو للعمرة والله عز وجل يعلم أنه ليس فرارًا من الطاعون فلا بأس بهذا.
}3474{ هذا الحديث فيه: دليل على أن من أصيب بمرض الطاعون ومات فهو شهيد كما جاء في الحديث الآخر: «الطاعون شهادة لكل مسلم» [(982)] وفي اللفظ الآخر: «ما تعدون الشهيد فيكم؟» قالوا: يا رسول الله المقتول في سبيل الله عز وجل قال: «المقتول في سبيل الله شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، والمبطون شهيد، والغريق شهيد» [(983)] وفي اللفظ الآخر: «ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن خرج في سبيل الله فمات فهو شهيد» [(984)] فهؤلاء كلهم شهداء: المطعون ـ الذي مات بداء الطاعون ـ شهيد، والمبطون ـ الذي مات بداء البطن ـ شهيد، وصاحب الهدم ـ الذي هدم عليه جدار أو منزل ـ شهيد، والمرأة تموت بنفاسها شهيدة، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، والذي خرج في سبيل الله عز وجل ثم مات ولو في الطريق ذهابًا وإيابًا فهو شهيد.
وهؤلاء شهداء في الفضل والأجر، ولكنهم ليسوا كشهداء المعركة، فشهيد المعركة له أحكام خاصة فلا يغسل ولا يصلى عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل شهداء أحد، ولم يصل عليهم، بل دُفنوا بدمائهم وثيابهم[(985)]، أما هؤلاء فيغسلون ويصلى عليهم، وهم شهداء في الفضل والأجر، والشهادة تتفاوت.
قوله: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الطَّاعُونِ فَأَخْبَرَنِي «أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ» . فيه: أن من مات بالطاعون فهو شهيد لكن بهذا القيد الذي قيده النبي صلى الله عليه وسلم «فَيَمْكُثُ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ» ، أي: مَن أصيب بالطاعون فكان عنده صبر فلم يجزع ولم يتسخط، وكان عنده احتساب ـ وهو طلب الأجر والثواب ـ وعنده إيمان وتسليم لقضاء الله عز وجل وقدره ـ فيعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله عز وجل له ـ إلا كان له مثل أجر شهيد إذا مات.
}3475{ الشاهد من الحديث قوله: «إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ» . فهذا من أخبار بني إسرائيل وأنهم هلكوا بسبب إقامة الحدود على الضعيف دون الشريف، والنبي صلى الله عليه وسلم حذر من ذلك وبين أنه من أسباب الهلاك، وذلك أن امرأة مخزومية شريفة قرشية سرقت فكبُر على قريش شأنها لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وقالوا: كيف تُقطع يدها إنها شريفة؟! فطلبوا من يشفع للنبي صلى الله عليه وسلم «فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فجاء أسامة رضي الله عنه يشفع فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» ثم بين أنه من أسباب هلاك الأولين إقامة الحد على الضعفاء، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا» . فدل على أنه يجب إقامة الحدود على الجميع، وأنه يجب المساواة بين الناس، وأن التفريق بين الناس من أسباب الهلاك.
قوله: «أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ» وفيه: أن أسامة رضي الله عنه غضب عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال: استغفر لي.
وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا تأخذه في الله عز وجل لومة لائم ولو كان أسامة رضي الله عنه حِبًّا.
وفيه: تحريم الشفاعة في الحدود، فجاء في الحديث الآخر: «إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع» [(986)] فلا يجوز للإنسان أن يشفع في ترك الحد إذا وصل إلى الحاكم، كما أنه لا يجوز للإنسان أن يؤوي الجاني حتى لا يقام عليه الحد، وفي الحديث: «لعن الله من آوى محدثًا» [(987)] فالجاني لا يجوز لأحد أن يؤويه، والحد لا يجوز لأحد أن يشفع فيه إذا وصل للحاكم، لكن قبل وصوله إلى الحاكم لا بأس، كما في الحديث: «تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب» [(988)].
والحديث فيه: حد السرقة، وهو قطع اليد، فمن سرق من حرز مقدار النصاب فإنه تقطع يده اليمنى من مفصل الكف، وإذا سرق من غير حرز فجاء في حديث أنه يغرم ضعفي قيمته، وكل شيء حرزه بحسبه، فالذهب حرزه الصناديق، وحرز الغنم مكانها، والسيارات الآن تعتبر حرزًا فإذا كُسِر الزجاج وأُخِذ منها كانت سرقة.
}3476{ هذا الحديث فيه: التحذير من الاختلاف في القراءات؛ وذلك لأن كل القراءات حق؛ ولأن الاختلاف من أسباب هلاك الأولين.
قوله: «فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا» . هو الشاهد لبني إسرائيل وأنهم هلكوا بالاختلاف.
}3477{ هذا الحديث فيه: خبر عن الأمم السابقة ، وعن نبي «ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ» 0
وفيه: صبر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام على أقوامهم.
فهذا النبي عليه السلام ضربه قومه فأدموه، فصار الدم يجري على وجهه ويمسح الدم عن وجهه ويدعو لهم بالمغفرة، والدعاء بالمغفرة لهم متضمن طلب الهداية، والمعنى: اللهم اهدهم واغفر لهم؛ فإن المشرك لا يغفر له.
}3478{ قوله: «أَنَّ رَجُلاً كَانَ قَبْلَكُمْ رَغَسَهُ اللَّهُ مَالاً» ، يعني: أعطاه الله عز وجل مالاً، وكأن الله عز وجل جعل له أصلاً من مال، وفي لفظ: «رأسه الله مالا» [(989)] وفي لفظ: «راشه» [(990)] بالشين ـ والرياش: المال ـ وكلها المراد منها أن الله عز وجل أعطاه مالاً.
وهذا الرجل لما حضره الموت وأيس من الحياة أوصى أهله: إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبًا كثيرًا وأوقدوا فيه نارًا حتى إذا أَكَلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحَشْتُ فخذوها فاطحنوها ثم انظروا يومًا راحًا ـ أي: شديد الريح ـ فاذروه في اليم « فَفَعَلُوا فَجَمَعَهُ اللَّهُ عز وجل فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ؟ قَالَ: مَخَافَتُكَ فَتَلَقَّاهُ بِرَحْمَتِهِ» ، والشاهد من الحديث أنه فيه ذكر قصة رجل من بني إسرائيل.
قوله: «عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْغَافِرِ» . هذا من سعة علم الإمام البخاري رحمه الله بالحديث ورجاله وعلله؛ حيث إنه ذكر هذا الإسناد لبيان صحة سماع قتادة من عقبة؛ لأن قتادة وإن كان ثقة إلا أنه مدلس؛ فكان لذكر هذا الإسناد بعد الحديث السابق فائدة حديثية هامة وهي نفي تدليس قتادة في هذا الحديث.
}3479{ كرر المصنف رحمه الله قصة هذا الرجل من الأمم السابقة ولكن من طريق صحابي آخر ولأن فيه زيادة إيضاح لقصة هذا الرجل.
قوله: «أَوْرُوا» ، يعني: أشعلوا نارًا، كما في قوله تعالى: [الواقِعَة: 71]{أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ *} يعني: تشعلون.
قوله: «فَذَرُّونِي فِي الْيَمِّ» ، يعني: يذرونه في البحر.
وقد سبق بيان أن الذي حمل هذا الرجل على ذلك هو الجهل مع الخوف العظيم، وأنه ظن أنه إذا وصل إلى هذا الحال فَأُحرِق وسُحق وطُحن وذُرّ يفوت على الله عز وجل ولا يدخل تحت القدرة فلا يقدر على بعثه، وإلا فهو مؤمن بالبعث ومؤمن بقدرة الله عز وجل، ولذلك غفر الله عز وجل له.
قوله: «حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : «هو ابن عمير المذكور في الإسناد الذي قبله، ومراده أن عبدالملك رواه بالإسناد المذكور مثل الرواية التي قبله إلا في هذه اللفظة؛ وهذا يقتضي خطأ من أورده في الرواية الأولى بلفظ: «رَاحٍ» . وهي رواية السرخسي، وقد رواه أبو الوليد عن أبي عوانة فقال فيه: «في ريح عاصف» أخرجه المصنف رحمه الله في «الرقاق» » [(991)] اهـ.
}3480{ في هذا الحديث: أن التجاوز عن المعسرين من أسباب مغفرة الذنوب.
وفيه: أن الجزاء من جنس العمل؛ فمن تجاوز عن المعسر تجاوز الله عز وجل عنه، والشاهد أنه قال: «كَانَ الرَّجُلُ» يعني: من بني إسرائيل ممن سبقنا.
}3481{ قوله: «كَانَ رَجُلٌ يُسْرِفُ عَلَى نَفْسِهِ» سبق في حديث سابق أنه كان نباشًا ـ أي: كانت جريمته نبش القبور ـ وأن الله عز وجل غفر له بسبب خوفه العظيم مع الجهل، فلم يكن معاندًا ولا مكذبًا ولا عالمًا، لكن حمله الجهل على ما فعل وظن أنه إذا وصل إلى هذه الحالة يفوت على الله عز وجل ولا يدخل تحت القدرة؛ فلو كان عالمًا أو معاندًا لكان كافرًا، لا إشكال في ذلك، وقال بعض العلماء: إنه فيمن سبقنا كان يغفر للكافر، ولكن هذا قول في غاية البعد ولا وجه له مطلقًا، وقيل: إنما قال ذلك على وجه الغفلة والذهول والنسيان، والصواب أنه يحمل على أنه جاهل، وحمله على ذلك الخوف العظيم، وهذه المسألة التي أنكرها مسألة دقيقة خفية بالنسبة إليه؛ فيؤخذ منه أن الجاهل معذور إذا كان مثله يجهل هذا الشيء في أمر دقيق خفي، أما إذا كان الأمر واضحًا معروفًا فلا يعذر بالجهل كالذي يكون من المسلمين ثم يشرك ويقول: إنه جاهل فما يقبل منه.
}3482{ قوله: «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ» ، يعني: بسبب هرة «سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ» ، وفي رواية: «ربطتها» [(992)].
وفيه: دليل على أن تعذيب الحيوانات حتى تموت من أسباب دخول النار؛ فهذه المرأة دخلت النار لأنها ربطت الهرة فلم تطعمها ولم تسقها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض، وإذا كان حبس هرة حتى تموت من أسباب دخول النار فحبس الآدمي وإيذاؤه وقتله أشد وأعظم.
والمراد من الحديث ذكر قصة من أخبار من كان قبلنا، وتحذيرنا أن نفعل مثل فعلهم فإنهم مضوا وانتهوا كما قال حذيفة رضي الله عنه: «مضى القوم ولم يعن به سواكم» .
وهذه القصة فيها التخويف حتى لا يأمن الإنسان مكر الله عز وجل، كما أن قصة الرجل الذي أمر أهله أن يحرقوه ويذروه فيها حسن الظن بالله عز وجل حتى لا يقنط الإنسان من رحمة الله عز وجل، وبهاتين القصتين يكون الإنسان بين الرجاء والخوف في تعبده وسيره إلى الله عز وجل.
}3483{، }3484{ قوله: «تَسْتَحْيِ» بإثبات الياء، وأتى بالياء هنا سماعًا كحذف الياء في قوله تعالى: [هُود: 105]{يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} سماعًا، والأصل إثبات الياء «يَأْتِي» ، ووقعت في رواية: «تستح» [(993)] بحذف الياء؛ لأنها مسبوقة بجازم.
قوله: «فَافْعَلْ مَا شِئْتَ» . هذا الأمر للتهديد وليس إذنًا له بأن يفعل ما يشاء؛ يعني: سوف تجازى على صنيعك فلست مهملاً فافعل ما شئت وسوف تلقى جزاءك، فهذا كقوله تعالى: [فُصّلَت: 40]{اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ *}، يعني: اعملوا ما شئتم فسوف تجازون به.
وفيه: التحذير من المعاصي، ووجوب الحياء من الله عز وجل، وأن الحياء يحبس الإنسان ويمنعه من فعل المحرمات والمنكرات.
والحياء خلق داخلي كريم يبعث الإنسان على فعل المحامد وترك الرذائل ويحمله على فعل ما يزينه ويُجَمّله وترك ما يشينه ويُدنّسه وهو من الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» [(994)] فالذي عنده إيمان عنده حياء يحبسه ويمنعه من فعل ما يدنسه كخوارم المروءة ، ومن فعل المحرمات؛ والذي ليس عنده حياء لا يبالي فيعمل ما يشاء.
}3485{ قوله: «يَتَجَلْجَلُ» ، أي: يتحرك وينزل مضطرباً؛
وفيه: التحذير من الخيلاء والكبر والإسبال.
وفيه: أنه قد يعاقب الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، كما خسف الله عز وجل الأرض بقارون بسبب كبريائه وإعراضه عن الحق وعدم إيمانه واتباعه لنبي الله موسى عليه السلام وتكبره على الناس وتعاظمه عليهم فخسف الله عز وجل به الأرض، وقد جاء التحذير من الإسبال وجر الثوب في أحاديث أخر منها قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» [(995)] وقال صلى الله عليه وسلم: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار» [(996)].
فإذا جر الثوب من الخيلاء فعقوبته أن الله عز وجل لا ينظر إليه، وإذا جره لغير الخيلاء فعقوبته أن تأكل النار ما تحت الكعب، وقال صلى الله عليه وسلم: «ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمنان بما أعطى» [(997)] وهذا وعيد شديد يدل على أن جر الثوب من كبائر الذنوب ، وإذا كان لخيلاء يكون أعظم وأعظم، وفي هذا الحديث أن جر الثوب من الخيلاء من أسباب عقوبة الله عز وجل في الدنيا قبل الآخرة.
}3486{، }3487{ قوله: «نَحْنُ الآْخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ، يعني: نحن الآخرون في الزمن، السابقون يوم القيامة في دخول الجنة.
قوله: «بَيْدَ كُلِّ أُمَّةٍ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَا مِنْ بَعْدِهِمْ» ، يعني: أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا؛ لأنهم سبقونا في الزمن، فأنزل في بني إسرائيل على موسى عليه السلام التوراة، ثم الزبور على داود عليه السلام، ثم الإنجيل على عيسى عليه السلام، وأنزل الله تعالى على نبينا صلى الله عليه وسلم القرآن من بعدهم، فنحن الآخرون زمنًا السابقون يوم القيامة فضلاً ومكانة عند الله عز وجل.
قوله: «فَهَذَا الْيَوْمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ» ، يعني: يوم الجمعة، «فَغَدًا لِلْيَهُودِ» وهو يوم السبت «وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى» وهو يوم الأحد، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمٌ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ» وهذا يفيد عموم المسلمين الذكور والإناث حتى المرأة تغتسل في كل أسبوع، لكن الرجل عليه أن يغتسل يوم الجمعة قبل الذهاب إلى الجمعة، وتقدم الكلام في حكم غسل يوم الجمعة فهو عند قوم واجب، وعند آخرين مستحب، وأما المرأة فإنها تغتسل في يوم غير محدد في كل سبعة أيام إذا لم تذهب للجمعة أما إذا ذهبت للجمعة فعليها أن تغتسل.
}3488{ في هذا الحديث: فضل معاوية رضي الله عنه ونصحه وعنايته بالرعية وملاحظته لهم فإنه بويع له بالخلافة عام أربعين لمّا تنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما له عن الخلافة، وسمي ذلك العام عام الجماعة، واستمر فيها إلى عام ستين، ومن عنايته أنه كان إذا حج يقدم على المدينة، ومر في «آخِرَ قَدْمَةٍ قَدِمَهَا» على المدينة فخطب الناس ووعظهم، ويحتمل أن هذا في خطبة الجمعة أو في غيرها.
قوله: «فَأَخْرَجَ كُبَّةً مِنْ شَعَرٍ» ، يعني: شعر مزور يوضع على الرأس، وهو نَصٌّ فيما يسمى اليوم بالباروكة.
قوله: «فَقَالَ: مَا كُنْتُ أُرَى أَنَّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا غَيْرَ الْيَهُودِ وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ الزُّورَ يَعْنِي الْوِصَالَ فِي الشَّعَرِ» ففيه: دليل على أن اليهود هم الذين يجعلون وصالاً للشعر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور لما فيه من التزوير. فما هو برأس حقيقي ولكنه رأس صناعي مزور.
وفيه: تحريم الوصال في الشعر وتحريم تركيب الشعر على الشعر وهو ما يسمى بالباروكة وأنه من فعل اليهود وأنه من أسباب هلاكهم كما سبق.