شعار الموقع

شرح كتاب المناقب من صحيح البخاري (61-1)

00:00
00:00
تحميل
92

 

 

 

باب المناقب

  قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

[الحُجرَات: 13]{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}

وَقَوْلِهِ: [النِّسَاء: 1]{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *} وَمَا يُنْهَى عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ.

الشُّعُوبُ النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ.

}3489{ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما [الحُجرَات: 13]{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} قَالَ: الشُّعُوبُ الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ وَالْقَبَائِلُ الْبُطُونُ.

}3490{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ قَالَ: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ».

}3491{ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.

}3492{ حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا كُلَيْبٌ حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَظُنُّهَا زَيْنَبَ قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ، وَقُلْتُ: لَهَا أَخْبِرِينِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ كَانَ مِنْ مُضَرَ كَانَ، قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.

}3493{ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً».

}3494{ «وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَيَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ».

}3495{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ».

}3496{ «وَالنَّاسُ مَعَادِنُ خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ».

 

}3497{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما [الشّورى: 23]{إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ.

}3498{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مِنْ هَا هُنَا جَاءَتْ الْفِتَنُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِْبِلِ وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ».

}3499{ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ وَالإِْيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ».

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ: سُمِّيَتْ الْيَمَنَ لأَِنَّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ وَالشَّأْمَ لأَِنَّهَا عَنْ يَسَارِ الْكَعْبَةِ وَالْمَشْأَمَةُ الْمَيْسَرَةُ وَالْيَدُ الْيُسْرَى الشُّؤْمَى وَالْجَانِبُ الأَْيْسَرُ الأَْشْأَمُ.

 

في بعض نسخ «الصحيح» كتب قبل هذا التبويب: «كتاب المناقب» وفي بعضها: «باب المناقب» والمناقب جمع منقبة بمعنى الفضائل والمزايا والخصائص.

قوله: «بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: [الحُجرَات: 13]{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}» في هذه الآية الكريمة بيان أن التقريب والمزية عند الله عز وجل إنما هي بالتقوى، وتقوى الله عز وجل هي العمل بطاعته والكف عن معصيته، وأصل التقوى توحيد الله عز وجل، وإخلاص الدين له؛ فالكرم والتقريب والمزية عند الله عز وجل بالتقوى، وليست بالأحساب ولا بالأنساب ولا بالأموال ولا بالجاه والمناصب؛ ولهذا خاطب الله عز وجل الناس جميعًا خطابًا شاملاً فقال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} وهذا يشمل المؤمنين والكفار [الحُجرَات: 13]{وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ} «الشُّعُوبُ النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ» . وقيل: الشعوب أكبر من القبائل، والقبيلة أكبر من الفخذ، والفخذ أكبر من الفصيلة؛ فالشعوب هي الأنساب البعيدة الكبيرة، ثم يليها القبائل ـ جمع قبيلة ـ أقل منها ثم الأفخاذ ـ جمع فخذ ـ ثم الفصيلة وهكذا؛ فالله تعالى جعل الناس شعوبًا وقبائل، وبين الحكمة في ذلك فقال: {لِتَعَارَفُوا} يعني: ليعرف بعضكم بعضًا، فيعرف الإنسان نسبه، ويعرف ذوي رحمه فيصلهم، ويعرف ما يحل له وما يحرم عليه من النساء، لا للتفاخر بالأنساب ، فما قال: خلقناكم لتفاخروا ولا لتعاظموا بل لتعارفوا الأنساب، والأنساب لا تقرب ولا تبعد عند الله عز وجل لذاتها، إنما الذي يقرب الشخص من الله عز وجل هو التقوى والعمل الصالح [الحُجرَات: 13]{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}.

قوله: «وَقَوْلِهِ: [النِّسَاء: 1]{وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا *}» . في الآية الكريمة دليل على الاحتياج لمعرفة النسب {وَاتَّقُوا اللَّهَ}: أخلصوا له العبادة. {الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} قرئت بالنصب، {وَالأَرْحَامَ}. يعني: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، وقرئت بالخفض. (وَالأَْرْحَامِ) يعني: وتسألون بالأرحام، وليس سؤالا بغير الله عز وجل وإنما يسأل الإنسان أخاه لما له عليه من الحق أن يعطيه كذا ويقبل كذا وكان أولاد جعفر رضي الله عنه يسألون عليًّا مما لجعفر رضي الله عنه عليه من الحق.

والشاهد قوله: « {وَالأَرْحَامَ}» فالأرحام إنما عُرِفت بالأنساب، فلولا الأنساب ما عرفت الأرحام.

قوله: «وَمَا يُنْهَى عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» ؛ هذا تابع للترجمة؛ يعني: أن الإنسان المسلم منهي عن دعوى الجاهلية، وهي العصبية في الأنساب ـ كقول بعضهم: نسبي أحسن من نسبك ـ أو الطعن في الأنساب، والتفاخر بالأحساب، فكل هذا من دعوى الجاهلية، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهم: الفخر بالأحساب والطعن بالأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة على الميت» [(998)].

 

}3489{ قوله: «الشُّعُوبُ الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ وَالْقَبَائِلُ الْبُطُونُ» . قول ابن عباس رضي الله عنهما هو أحد الأقوال المذكورة في تفسير الآية، وقيل: القبائل أكبر من الشعوب، وقيل غير ذلك، ولكن المشهور أن الشعوب أكبر من القبائل، والقبائل أكبر من الأفخاذ، والشعب يكون قبائل، والقبيلة تكون أفخاذًا، والفخذ أكبر من الفصيلة.

 

}3490{ قوله: «قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: «أَتْقَاهُمْ» قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ» المراد: إنا نسألك عن أكرمهم من جهة النسب.

قوله: «فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ» ، أي: من جهة النسب فيوسف عليه السلام أكرم الناس؛ لأنه رابع أربعة أنبياء في نسق واحد، فيوسف عليه السلام نبي، وأبوه يعقوب عليه السلام نبي، وجده إسحاق عليه السلام نبي، وجده إبراهيم عليه السلام نبي، كما جاء في الرواية الأخرى: «فيوسف نبي الله، ابن نبي الله، ابن نبي الله، ابن خليل الله» [(999)] وكما قال الله تعالى: [البَقَرَة: 133]{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ *} قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فإن الآية تضمنت أن يعقوب عليه السلام خاطب أولاده عند موته محرضًا لهم على الثبات على الإسلام، وقال له أولاده إنهم يعبدون إلهه وإله آبائه إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، ومن جملة أولاد يعقوب يوسف عليه السلام؛ فنص الحديث على نسب يوسف عليه السلام وأنه ابن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وزاد أن الأربعة أنبياء في نسق» اهـ.

وفي الحديث إشكال، وهو: إن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكرم الناس نسبًا وتقوى، فلماذا ذكر يوسف عليه السلام ولم يذكر نفسه؟

_خ الجواب: قد يقال: إن نبينا صلى الله عليه وسلم من سلالة إبراهيم الخليل عليه السلام؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل فيكون أكرم البيوتات النسبية هو بيت إبراهيم عليه السلام على الإطلاق، ومن هذا البيت نبينا صلى الله عليه وسلم فيكون لا منافاة ولا تعارض بينهما، فيوسف عليه السلام أكرم الناس من جهة النسب، ونبينا صلى الله عليه وسلم من هذا النسب فهما بيت واحد؛ لأن البيت نسبُه إبراهيم الخليل عليه السلام، وإبراهيم الخليل عليه السلام ولد له نبيان كريمان، الأول إسماعيل عليه السلام، وأمه هاجر التي أهداها له ملك مصر، ثم بعد اثنتي عشرة سنة ولد له من زوجته سارة بنت عمه إسحاق عليه السلام وهو نبي كريم ومقطوع بأن نبينا صلى الله عليه وسلم من سلالة إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وأما إسحاق عليه السلام فإنه أنجب يعقوب عليه السلام، ويعقوب هو إسرائيل، وجميع أنبياء بني إسرائيل كلهم من سلالة يعقوب عليه السلام، وآخرهم عيسى بن مريم عليه السلام، فيكون أفضل البيوتات النسبية هو بيت إبراهيم صلى الله عليه وسلم، ومن هذا البيت نبينا صلى الله عليه وسلم، ومن هذا البيت يوسف عليه السلام أيضًا.

 

}3491{ قوله: «حَدَّثتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبُ بِنْتُ أَبِي سَلَمَةَ» ، ربيبته يعني: ابنة زوجته؛ فالربيبة بنت الزوجة.

قوله: «فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ» ، أي: هو من مضر، من بني النضر بن كنانة وهو قريش، وقيل: قريش هو فهر بن مالك، وهذا فيه نسب النبي صلى الله عليه وسلم ومنقبته وأنه من هذا النسب الشريف، وأنه من قبيلة مضر من قريش من أكرم الأنساب وأفضلها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم بعث في أعلى الأنساب، وكل الأنبياء أنسابهم عالية وشريفة عليهم الصلاة والسلام.

 

}3492{ قوله: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالنَّقِيرِ وَالْمُزَفَّتِ» نهى النبي صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام عن أن ينتبذ في هذه الأشياء، والدباء: هي القرع، وهي معروفة التي لها رقبة طويلة وتسمى قرع نجد، وهي غير القرع المستدير أو المستطيل، وأشكال القرع تختلف من بلد لأخرى فهناك: قرع الشام، وقرع مصر، وقرع نجد، وكان يؤخذ اللب الذي في وسطها وتبقى صلبة ويُنتبذ فيها، والنبيذ عصير العنب، أو عصير الشعير، أو عصير البر، أو عصير التمر.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «هو القرع، وقيل: خاص بالمستدير منه، ووقع في «شرح المهذب» للنووي أنه القرع اليابس، وما أظنه إلا سهوًا، وهو اليقطين أيضًا، واحده دباة ودبة» اهـ.

والحنتم: هي جرار خضر مطبوخة بالطين يصب فيها النبيذ، تشبه الزير الذي يصب فيه الماء.

والمقير: المطلي بالقار، ويقال له القير، وهو نبت يحرق إذا يبس وتطلى به السفن وغيرها كما تطلى بالزفت.

والمزفت: المطلي بالزفت.

فهذه الأشياء الأربعة كان العرب ينتبذون فيها العصير؛ لأنهم لم يكن عندهم ثلاجات فيضعون فيها النبيذ في شدة الحر، فيشربونه اليوم واليومين، وفي اليوم الثالث يتخمر ويصير خمرًا، وقد يشرب منه الإنسان وهو لا يدري فيسكر فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ في هذه الأشياء الصلبة خشية أن يتخمر دون أن يعلموا، وأمرهم أن ينتبذوا في الأسقية من الجلد؛ لأن السقاء من الجلد رقيق إذا وضع فيه النبيذ وتخمر تمزق وصار يقذف الزبد فيعرف الإنسان أنه تخمر فلا يشرب الخمر، وهذا كان في أول الإسلام ثم بعد ذلك لما استقرت الشريعة وعرف الناس الحكم الشرعي نسخ ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن الانتباذ في هذه الأوعية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا» [(1000)].

والشاهد من الحديث قوله: «وَقُلْتُ: لَهَا أَخْبِرِينِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ كَانَ مِنْ مُضَرَ كَانَ، قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ» يعني: ما كان إلا من مضر، فهو من ولد النضر بن كنانة، والنضر بن كنانة هو قريش، وهو الجد الثاني عشر للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: قريش هو فهر بن مالك وهو الجد العاشر للنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقريش إما فهر وإما حفيده النضر بن كنانة على قولين لأهل العلم.

وهذا فيه: منقبة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث إن نسبه من أرفع وأرقى وأعلى الأنساب العربية والأنبياء تبعث في أحساب قومها وأنساب قومها فلا يغمطهم أحد بشيء من نسبهم.

 

}3493{، }3494{ قوله: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ» ، يعني: أصولاً مختلفة، والمعدن الشيء المستقر في الأرض، وقد يكون جيدًا، وقد يكون رديئًا.

قوله: «خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِْسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا» . فالأصول العربية العالية والقبائل العربية الشريفة في الجاهلية كانوا يتصفون بصفات حميدة كالكرم والشجاعة وإكرام الضيف والإيثار ونصر المظلوم، فكانوا إذا أسلموا زادها الإسلام قوة ونشاطًا؛ لأن الإسلام يحث عليها ويأمر بها.

قوله: «فَقِهُوا» بضم القاف، ويقال: «فقِهوا» بكسر القاف.

قوله: «وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً» المراد بهذا الشأن هو الولاية والإمارة حيث إن خير الولاة أشدهم كراهية للولاية والإمارة؛ لأنه ما كرهها إلا لأجل الورع والخشية ألا يقوم بحقوق الولاية والوظيفة؛ فإذا ابتلي بها وألزم بها فإنه يلتزم ويبذل جهده ووسعه في أداء حقوق الولاية، بخلاف الذي لا يبالي ولا يكره الولاية ويطلبها؛ فالغالب أن هذا الطالب للولاية والإمارة ليس عنده ورع، وَحَريّ به أن يُضَيّعها ويضيع حقوقها، والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إليه أبو موسى رضي الله عنه ومعه اثنان وقالوا يا سول الله: أمّرنا قال: «إنا لا نولي هذا من سأله ولا من حرص عليه» [(1001)] أي: لا نولي الوظيفة أحدًا طلبها وحرص عليها؛ لأن الذي يحرص عليها ويطلبها يُظن به غالبًا أنه ليس على ورع.

قوله: «وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ وَيَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ» هذا شر الناس؛ لأنه يتلون عند أهل الصلاح بلون الصلاح، ويتلون عند أهل الفساد بلون الفساد؛ فإذا جاء أهل الصلاح صار يوافقهم فيما يقولون ويظهر لهم أنه مع الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وإذا ذهب إلى الأشرار أظهر أنه معهم وصار يسب الصالحين وأهل الخير، وهذا وصف المنافقين قال الله عز وجل: [البَقَرَة: 14-16]{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ *اللَّهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ *أُولَئِكَ الَّذِينَ اُشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ *}.

فالواجب على الإنسان المسلم أن يكون باطنه وظاهره سواء مع أهل الصلاح وضد أهل الفساد، وليحذر هذه الصفة المذمومة، صفة التلون، نسأل الله عز وجل السلامة والعافية.

 

}3495{، }3496{ قوله: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ» فيه: منقبة لقريش؛ فالناس تبع لقريش في هذا الشأن ـ يعني: في الإمارة والولاية ـ لأن أصولهم شريفة، ومعادنهم طيبة، وأنسابهم عالية، وجاء في ذلك أحاديث أخرى منها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا الأمر في قريش» لكن قيدّه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «ما أقاموا الدين» [(1002)] يعني: إذا كانوا يقيمون الدين فتكون الولاية والإمارة والخلافة والملك فيهم، وإن كانوا لا يقيمون الدين فتكون الإمارة في غيرهم.

فإذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين فإنه يجب عليهم أن يختاروا من قريش إذا وجد من يقيم الدين فتثبت الخلافة، كما اختار الصحابة رضي الله عنهم وانتخبوا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم اجتمع الأنصار في ثقيفة بني ساعدة لاختيار خليفة وأمير فجاءهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة رضي الله عنهم، ولما أرادوا أن يختاروا خليفة من الأنصار بيّن لهم الصديق وعمر رضي الله عنهما أن الخلافة لا تكون إلا في قريش، وبين لهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الأئمة من قريش» [(1003)] وأن الناس تبع لهم؛ فاختاروا أبا بكر رضي الله عنه وانتخبوه للخلافة، ثم ثبتت الخلافة لعمر رضي الله عنه بولاية العهد من أبي بكر رضي الله عنه، واتفق الناس عليه، ثم ثبتت الخلافة لعثمان رضي الله عنه أيضًا بانتخاب أهل الحل والعقد وهو من قريش، ثم ثبتت الخلافة لعلي رضي الله عنه بمبايعة أكثر أهل الحل والعقد وهو من قريش؛ فإذا كان الاختيار والانتخاب للمسلمين فإنه يجب أن يكون الخليفة من قريش إذا وجد فيهم من يقيم الدين؛ فإن لم يوجد فيهم من يقيم الدين فتكون الولاية في غيرهم.

أما إذا لم يكن الاختيار لهم وإنما غلبهم خليفة أو أمير بسيفه وسلطانه وقوته تثبت له الخلافة؛ فتثبت الخلافة بأحد أمور ثلاثة:

الأول: الاختيار والانتخاب من أهل الحل والعقد، وفي هذه الحالة يجب أن يكون الخليفة من قريش إذا وجد فيهم من يقيم الدين.

الثاني: تثبت الخلافة بولاية العهد من الخليفة السابق، كما ثبتت الخلافة لعمر رضي الله عنه بولاية العهد من الصديق رضي الله عنه.

الثالث: تحصل الولاية بالقوة والغلبة، فإذا غلب الناس أحدٌ وقهرهم بسيفه وسلطانه ثبتت له الخلافة؛ لقول أبي ذر رضي الله عنه: «أمرني خليلي أن أسمع وأطيع، وإن كان عبدًا حبشيًّا مجدع الأطراف» [(1004)].

قوله: «مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ» ، يعني: أن الولاية والإمارة والشرف فيهم في الجاهلية وفي الإسلام، وهذا مقيد كما سيأتي بقوله: «ما أقاموا الدين» [(1005)].

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد