شعار الموقع

شرح كتاب المناقب من صحيح البخاري (61-4)

00:00
00:00
تحميل
97

  كُنْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

}3537{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي».

}3538{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي».

}3539{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي».

 

قوله: «بَاب كُنْيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وقعت في نسخة: «باب النبي صلى الله عليه وسلم» .

}3537{ قوله: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم» فيه: بيان لسبب النهي عن التكني بأبي القاسم.

قوله: «سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «الكنية ـ بضم الكاف وسكون النون ـ مأخوذة من الكناية، تقول: كنيت عن الأمر بكذا إذا ذكرته بغير ما يستدل به عليه صريحًا. وقد اشتهرت الكنى للعرب حتى ربما غلبت على الأسماء كأبي طالب وأبي لهب وغيرهما، وقد يكون للواحد كنية واحدة فأكثر، وقد يشتهر باسمه وكنيته جميعًا، فالاسم والكنية واللقب يجمعها العلم ـ بفتحتين ـ وتتغاير بأن اللقب: ما أشعر بمدح أو ذم، والكنية: ما صدرت بأب أو أم، وما عدا ذلك فهو اسم. كان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى أبا القاسم بولده القاسم وكان أكبر أولاده، واختلف هل مات قبل البعثة أو بعدها، وقد ولد له إبراهيم في المدينة من مارية» اهـ.

 

}3538{ قوله: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» فيه: جواز التسمي باسم النبي والنهي عن التكني بكنيته.

 

}3539{ قوله: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي» الكنية: هي ما صدر بأب أو أم، واللقب: هو ما أشعر بمدح أو ذم مثل: زين العابدين، والاسم: هو ما دل على المسمى.

ومن أمثلة ذلك: أبو بكر رضي الله عنه، فكنيته: أبو بكر، ولقبه: الصديق، واسمه: عبدالله، وكذلك عمر رضي الله عنه اسمه: عمر، وكنيته: أبو حفص، ولقبه: الفاروق، وربما غلبت الكنية على الاسم كما في أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه يقال: اسمه عامر بن عبدالله، ويقال: اسمه هو كنيته، وأبو هريرة واسمه عبدالرحمن بن صخر على الأصح من نحو ثلاثين قولاً، ومنهم من قال: اسمه كنيته، وقد يكون للواحد أكثر من كنية، مثل: علي بن أبي طالب رضي الله عنه كنيته: أبو الحسن وأبو تراب، وكناه بها النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال له: «قم أبا تراب» [(1061)].

واختلف العلماء في حكم هذا النهي، وفي جواز التكني بكنية النبي صلى الله عليه وسلم؛ فذهب بعضهم إلى المنع مطلقًا، وأنه لا يجوز التكني بأبي القاسم لا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولا بعد وفاته، وهذا هو المشهور عن الشافعي رحمه الله[(1062)]؛ أخذًا بظاهر الأحاديث.

وقيل: إن الممنوع من التكني بكنيته من تسمى باسمه؛ فمن كان اسمه محمدًا فلا يتكنى بأبي القاسم، ومن كان اسمه غير محمد فلا بأس أن يتكنى به، يعني: لا يجمع بين اسمه وكنيته.

وقيل: إن هذا يختص بزمانه صلى الله عليه وسلم، وأما بعده فيجوز التكني بكنيته صلى الله عليه وسلم لزوال المحذور من أن يشتبه بغيره، وهذا هو الأرجح، وأما التسمي باسمه فمنع منه بعضهم، وقال: لا يسمى باسم النبي صلى الله عليه وسلم محمد، وهذا ضعيف، والصواب أنه يجوز التسمي باسمه في زمانه وبعد زمانه كما أقر النبي صلى الله عليه وسلم في زمنه بعض الصحابة على ذلك كمحمد بن أبي بكر وغيرهم رضي الله عنهم.

 

}3540{ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنْ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ جَلْدًا مُعْتَدِلاً فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ بِهِ سَمْعِي وَبَصَرِي إِلاَّ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِي إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي شَاكٍ فَادْعُ اللَّهَ لَهُ قَالَ: فَدَعَا لِي.

 

قوله: «بَاب» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «كذا للأكثر بغير ترجمة كأبي ذر وأبي زيد من رواية القابسي عنه وكريمة، وكذا للنسفي، وجزم به الإسماعيلي، وضمه بعضهم إلى الباب الذي قبله ولا تظهر مناسبته له، ولا يصلح أن يكون فصلاً من الذي قبله، بل هو طرف من الحديث الذي بعده، ولعل هذا من تصرف الرواة، نعم وجّهه بعض شيوخنا بأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ذا اسم وكنية لكن لا ينبغي أن ينادى بشيء منهما، بل يقال له: يا رسول الله، كما خاطبته خالة السائب لما أتت به إليه، ولا يخفى تكلفه» اهـ.

}3540{ قوله: «جَلْدًا» ، أي: قويًّا صلبًا نشيطًا، وهو ابن أربع وتسعين.

قوله «قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ بِهِ سَمْعِي وَبَصَرِي إِلاَّ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» فعندما كان طفلاً أتت به خالته وذهبت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي شَاكٍ» ، يعني: وَجِع مريض، «فَادْعُ اللَّهَ لَهُ قَالَ: فَدَعَا لِي» ، فكان من أثر دعوته صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل متعه وقواه حتى بلغ أربعًا وتسعين وهو صَلب نشيط، قوي في سمعه وبصره وفي جسمه، ومات سنة إحدى وتسعين كما قال بعضهم، وقال بعضهم: إنه آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم.

  خَاتِمِ النُّبُوَّةِ

}3541{ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ فَمَسَحَ رَأْسِي وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتِمٍ بَيْنَ كَتِفَيْهِ.

قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ.

 

قوله: «بَاب خَاتِمِ النُّبُوَّةِ» ، يعني: صفة خاتم النبوة؛ وهو عبارة عن قطعة لحم بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم مثل صلى الله عليه وسلم الحجلة أو يشبه بيضة الحمامة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: « «بَاب خَاتِمِ النُّبُوَّةِ» أي: صفته، وهو الذي كان بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم، وكان من علاماته التي كان أهل الكتاب يعرفونه بها» .

ثم ذكر الحافظ رحمه الله الأحاديث التي فيها موضع الخاتم من جسم النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الخاتم كان عند حادثة شق الصدر، والخلاف في ذلك، ثم قال: «ومقتضى هذه الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجودًا حين ولادته... ووقع مثله في حديث أبي ذر رضي الله عنه: «وجعل خاتم النبوة بين كتفي كما هو الآن» [(1063)]، وفي حديث شداد بن أوس في «المغازي» لابن عائد في قصة شق صدره وهو في بلاد بني سعد بن بكر: «وأقبل وفي يده خاتم له شعاع فوضعه بين كتفيه وثدييه...» الحديث[(1064)]، وهذا قد يؤخذ منه أن الختم وقع في موضعين من جسده والعلم عند الله» اهـ.

}3541{ قوله: «إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ» يعني: مريض أو وجع.

وهذا الحديث سبق التعرض له قريبًا، وفيه: بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم، حتى بلغ عمر السائب بن يزيد رضي الله عنه أربعًا وتسعين سنة وهو قوي نشيط.

وفيه: جواز التبرك بوضوئه صلى الله عليه وسلم، وهذا من خصائصه صلى الله عليه وسلم، ولا يقاس عليه غيره.

قوله: «قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ» الحجلة بفتحات ثلاث وهذا تفسير من محمد بن عبيدالله شيخ البخاري لمعنى الحجلة، لكن الحافظ ابن حجر رحمه الله قال: «كأنه سقط منه شيء؛ لأنه يبعد من شيخه محمد بن عبيدالله أن يفسر الحجلة ولم يقع لها في سياقه ذكر، وكأنه كان فيه: «مثل زر الحجلة» ، ثم فسرها، وكذلك وقع في أصل النسفي تضبيب بين قوله: «بين كتفيه» وبين قوله: «قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ:» » .

ثم ذكر الحافظ رحمه الله الاختلاف على تفسير زر الحجلة فقال: «جزم الترمذي بأن المراد بالحجلة الطير المعروف، وأن المراد بزرها بيضها، ويعضده ما سيأتي أنه «مثل بيضة الحمامة» ، وقد وردت في صفة خاتم النبوة أحاديث متقاربة لما ذكر هنا، منها عند مسلم رحمه الله عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: «كأنه بيضة حمامة» [(1065)]، ووقع في رواية ابن حبان من طريق سماك بن حرب: «كبيضة نعامة» [(1066)]. ونبه على أنها غلط؛ وعن عبدالله بن سرجس: «نظرت خاتم النبوة جُمعًا عليه خِيلان» [(1067)]، وعند ابن حبان من حديث ابن عمر م: «مثل البندقة من اللحم» [(1068)]، وعند الترمذي: «كبضعة ناشزة من اللحم» [(1069)]، وعند قاسم بن ثابت من حديث قرة بن إياس: «مثل السلعة» [(1070)]، وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم، أو كالشامة السوداء أو الخضراء، أو مكتوب عليها «محمد رسول الله» ، أو «سر فأنت المنصور» ، أو نحو ذلك؛ فلم يثبت منها شيء» .

ثم قال: «قال القرطبي رحمه الله: اتفقت الأحاديث الثابتة على أن خاتم النبوة كان شيئًا بارزًا أحمر عند كتفه الأيسر، قدره إذا قلل قدر بيضة الحمامة، وإذا كبر جمع اليد، والله أعلم» اهـ.

قوله: «قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ» ، أي: أن خاتم النبوة عبارة عن قطعة لحم بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم تشبه زر الحجلة، والحجلة: رواق الخيمة وهو معروف، وفي اللفظ الآخر: «مثل بيضة الحمامة» [(1071)].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وأما التعليق عن إبراهيم بن حمزة فالمراد أنه روى هذا الحديث كما رواه محمد بن عبيدالله، إلا أنه خالف في هذه الكلمة، وسيأتي الحديث عنه موصولاً بتمامه في كتاب الطب» اهـ.

  صِفَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

}3542{ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: صَلَّى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ.

}3543{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْحَسَنُ يُشْبِهُهُ.

}3544{ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ _ث يُشْبِهُهُ قُلْتُ: لأَِبِي جُحَيْفَةَ صِفْهُ لِي قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ وَأَمَرَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِثَلاَثَ عَشْرَةَ قَلُوصًا قَالَ: فَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا.

}3545{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ.

}3546{ حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ شَيْخًا قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ.

}3547{ حَدَّثَنِي ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثنِي اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ أَزْهَرَ اللَّوْنِ لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلاَ آدَمَ لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ فَقِيلَ احْمَرَّ مِنْ الطِّيبِ.

}3548{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ وَلاَ بِالأَْبْيَضِ الأَْمْهَقِ وَلَيْسَ بِالآْدَمِ وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ.

}3549{ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ.

}3550{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسًا هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ.

}3551{ حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ.

قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ.

}3552{ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سُئِلَ الْبَرَاءُ أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لاَ بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ.

}3553{ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَْعْوَرُ بِالْمَصِّيصَةِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ.

قَالَ شُعْبَةُ: وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: كَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَرْأَةُ وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنْ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنْ الْمِسْكِ.

}3554{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عليه السلام.

يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ.

}3555{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: «أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَْقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ».

}3556{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنْ السُّرُورِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ.

}3557{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا حَتَّى كُنْتُ مِنْ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ».

}3558{ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ.

}3559{ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا».

}3560{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ: مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا.

}3561{ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}3562{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ قَالاَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ.

}3563{ حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ الأَْعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلاَّ تَرَكَهُ.

}3564{ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ الأَْعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَْسْدِيِّ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نَرَى إِبْطَيْهِ قَالَ: وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ.

}3565{ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَْعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا رضي الله عنه حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.

وَقَالَ أَبُو مُوسَى: دَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ.

}3566{ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالأَْبْطَحِ فِي قُبَّةٍ كَانَ بِالْهَاجِرَةِ خَرَجَ بِلاَلٌ فَنَادَى بِالصَّلاَةِ ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ فَرَكَزَ الْعَنَزَةَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ.

}3567{ حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ الْبَّزَّارُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ.

}3568{ وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: ألاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْمِعُنِي ذَلِكَ وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ.

 

هذه الترجمة عقدها المصنف رحمه الله لصفة النبي صلى الله عليه وسلم في خَلقه وخُلقه، ولما كان الوصف يحتاج الإطالة أورد المصنف رحمه الله في هذا الباب أربعة وعشرين حديثًا.

}3542{ هذا الحديث فيه صفة النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: تواضع أبي بكر رضي الله عنه وحمله للحسن وهو الخليفة.

وفيه: أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان يشبه جده صلى الله عليه وسلم.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فيه حذف تقديره: «أفديه بأبي» ، ووقع في رواية الإسماعيلي «وارتجز فقال: وابأبي، شبيه بالنبي» . وفي تسمية هذا رجزًا نظر؛ لأنه ليس بموزون، وكأنه أطلق على السجع رجزًا» اهـ.

قوله: «وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «في رواية الإسماعيلي: «وعلي رضي الله عنه يتبسم» ؛ أي: رضًا بقول أبي بكر رضي الله عنه وتصديقًا له. وقد وافق أبا بكر رضي الله عنه على أن الحسن رضي الله عنه كان يشبه النبي صلى الله عليه وسلم أبو جحيفة كما سيأتي في الحديث الذي بعده» .

ثم قال رحمه الله: «وفي الحديث فضل أبي بكر رضي الله عنه ومحبته لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم» .

ثم قال رحمه الله: «وفيه: ترك الصبي المميز يلعب؛ لأن الحسن رضي الله عنه إذ ذاك كان ابن سبع سنين، وقد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وحفظ عنه، ولعبه محمول على ما يليق بمثله في ذلك الزمان من الأشياء المباحة، بل على ما فيه تمرين وتنشيط ونحو ذلك. والله أعلم» اهـ.

 

}3543{ قوله: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الْحَسَنُ يُشْبِهُهُ» . وجاء أيضًا: «الحسين كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم» [(1072)] ولا منافاة بينهما، فالحسن رضي الله عنهيشبهه في النصف الأعلى والحسين رضي الله عنه يشبهه في النصف الأسفل، وجاء هذا في حديث عند الترمذي: «الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس، والحسين أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك» [(1073)]. فالحسن رضي الله عنه يشبهه في وجهه وفي صدره والحسين رضي الله عنه يشبهه في رجليه وساقيه.

 

}3544{ قوله: «كَانَ أَبْيَضَ» ، أي: كان أبيض البشرة مشربًا بحمرة.

وقوله: «قَدْ شَمِطَ» ، يعني: في شعره بياض، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقد بين في الرواية التي تلي هذا أن موضع الشمط كان في العنفقة ويؤيد ذلك حديث عبدالله بن بسر المذكور بعده، والعنفقة: ما بين الذقن والشفة السفلى سواء كان عليها شعر أم لا» اهـ.

والمعنى أن بشرته صلى الله عليه وسلم كانت بيضاء وأصابه بياض في بعض شعره، وليس آدم، والآدم: الذي يميل إلى السواد، فهو يشبه أدمة الأرض، ويسمونه: باللون الحنطي، كما جاء في وصف موسى عليه السلام: «آدم» [(1074)].

قوله: «وَأَمَرَ لَنَا» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أي: له ولقومه من بني سواءة ـ بضم المهملة وتخفيف الواو والمد والهمز وآخره هاء تأنيث ـ ابن عامر بن صعصعة، وكان أمر لهم بذلك على سبيل جائزة الوفد» اهـ.

قوله: «قَلُوصًا» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «بفتح القاف، هي الأنثى من الإبل، وقيل: الشابة، وقيل: الطويلة القوائم» اهـ.

وقوله: «فَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «فيه إشعار بأن ذلك كان قرب وفاته صلى الله عليه وسلم، وقد شهد أبو جحيفة ومن معه من قومه حجة الوداع كما في الرواية التي بعد هذه؛ فالذي يظهر أن أبا بكر رضي الله عنه وفى لهم بالوعد المذكور كما صنع بغيرهم. ثم وجدت ذلك منقولاً صريحًا؛ ففي رواية الإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل بالإسناد المذكور: «فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئًا، فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجئ، فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها»» اهـ.

 

}3545{ قوله: «الْعَنْفَقَةَ» : هي الشعر النابت على الشفة السفلى من اللحية، وهذا لا يجوز حلقه، وهذا الحديث مبين لمراده في الحديث السابق: «قَدْ شَمِطَ» ، والشمط هو الشعر الأبيض، وكان ظاهرًا في العنفقة فقط لا في كل شعره صلى الله عليه وسلم.

 

}3546{ هذا الحديث من ثلاثيات البخاري رحمه الله، والمراد بالثلاثيات هو أن يكون بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة رجال: شيخه ثم التابعي ثم الصحابي، وثلاثيات البخاري رحمه الله تقارب الأربعة والعشرين.

قوله: «عَنْفَقَتِهِ» : هي الشعر النابت على الشفة السفلى.

 

}3547{ قوله: «كَانَ رَبْعَةً مِنْ الْقَوْمِ لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ» . فسر الربعة بأنه ليس بالطويل ولا بالقصير، يعني: متوسط الطول؛ أي: لا يعاب بطول ولا بقصر، وهذا أكمل ما يكون من الجسم.

قوله: «أَزْهَرَ اللَّوْنِ» ، يعني: أبيض اللون.

قوله: «لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ» . انتصر الحافظ ابن حجر رحمه الله لقول من قال: إن هذه الرواية مقلوبة، والصواب: «ليس بالأبيض الأمهق» [(1075)]؛ يعني: أبيض اللون، لكن ليس بأبيض أمهق؛ يعني: ليس بياضه مثل الجص يشبه البرص، بل هو بياض مشرب بالحمرة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «ووقع عند الداودي تبعًا لرواية المروزي: «أمهق ليس بأبيض» ؛ واعترضه الداودي؛ وقال عياض: إنه وهم، قال: وكذلك رواية من روى أنه: «ليس بالأبيض ولا الآدم» ، ليس بصواب، كذا قال، وليس بجيد في هذا الثاني؛ لأن المراد أنه ليس بالأبيض الشديد البياض، ولا بالآدم الشديد الأدمة، وإنما يخالط بياضه الحمرة؛ والعرب قد تطلق على من كان كذلك أسمر، ولهذا جاء في حديث أنس عند أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح، وصححه ابن حبان: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أسمر» [(1076)]؛ وقد رد المحب الطبري هذه الرواية بقوله: في حديث الباب من طريق مالك عن ربيعة: «ولا بالأبيض الأمهق، وليس بالآدم» [(1077)]. والجمع بينهما ممكن؛ وأخرجه البيهقي في «الدلائل» من وجه آخر عن أنس رضي الله عنه فذكر الصفة النبوية، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض بياضه إلى السمرة» [(1078)]، وفي حديث يزيد الرقاشي عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة النبي صلى الله عليه وسلم: «رجل بين رجلين جسمه ولحمه أحمر» ، وفي لفظ: «أسمر إلى البياض» . أخرجه أحمد[(1079)]، وسنده حسن؛ وتبين من مجموع الروايات أن المراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض، وأن المراد بالبياض المثبت ما يخالطه الحمرة، والمنفي ما لا يخالطه، وهو الذي تكره العرب لونه وتسميه أمهق، وبهذا تبين أن رواية المروزي «أمهق ليس بأبيض» مقلوبة والله أعلم» اهـ.

قوله: «لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ» ، يعني: شعره ليس متجعدًا ولا مسترسلاً، بل هو بينهما.

قوله: «أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ» ، يعني: أنزل عليه الوحي وهو في سن الأربعين.

قوله: «فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ» ؛ حذف الكسر على عادة العرب، وإلا فقد مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، وفي المدينة عشر سنين؛ ولهذا قال بعضهم: توفي وهو ابن ستين على حذف الكسر، والمعروف أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين.

قوله: «وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ» ؛ يعني: أنه قبض صلى الله عليه وسلم وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء؛ يعني: ما شاب شيبًا كثيرًا.

قوله: «قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ فَسَأَلْتُ» : كيف ذلك وهو ما شاب صلى الله عليه وسلم؟ «فَقِيلَ احْمَرَّ مِنْ الطِّيبِ» ، يعني: من كثرة ما استعمل الطيب احمر الشعر؛ قال بعضهم: إن هذا قاله أنس رضي الله عنه على حسب علمه، وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم خضب، وثبت هذا عن أم سلمة رضي الله عنها وعن ابن عمر رضي الله عنهما، وبسط الكلام على هذه المسألة الشارح رحمه الله في كتاب الأدب والمناقب وقال: إنه خضب، وهذا فيه نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما شاب شيبًا كثيرًا ـ كما قال أنس رضي الله عنه ـ فقد كان في رأسه ولحيته ما يقارب عشرين شعرة بيضاء، فيحتمل أنه خضب هذه الشيبات القليلة أو أنه احمر من كثرة ما يستعمل الطيب صلى الله عليه وسلم.

 

}3548{ سبق شرحه في الذي قبله.

 

}3549{ قوله: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ» . هذا في وصف النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان أحسن الناس وجهًا، وكان ليس بالطويل البائن ولا بالقصير بل هو متوسط، كما كان صلى الله عليه وسلم أحسنهم خُلقًا.

قوله: «َأَحْسَنَهُ خَلْقًا» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «بفتح المعجمة للأكثر، وضبطه ابن التين بضم أوله، واستشهد بقوله تعالى: [القَلَم: 4]{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ *}. ووقع في رواية الإسماعيلي بالشك: «وأحسنه خَلقًا أو خُلقًا» ؛ ويؤيده قوله قبله: «أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا» ، فإن فيه إشارة إلى الحسن الحسي؛ فيكون في الثاني إشارة إلى الحسن المعنوي. وقد وقع في حديث أنس رضي الله عنه الذي يتعلق بفرس أبي طلحة رضي الله عنه الذي قال فيه: «إن وجدناه لبحرًا» وهو عنده في مواضع، منها أن في أوله في باب الشجاعة في الحرب: «كان أحسن الناس وأشجع الناس وأجود الناس» [(1080)]؛ فجمع صفات القوى الثلاث العقلية والغضبية والشهوانية؛ فالشجاعة تدل على الغضبية، والجود يدل على الشهوانية، والحسن تابع لاعتدال المزاج، المستتبع لصفاء النفس الذي به جودة القريحة، الدال على العقل؛ فوصف بالأحسنية في الجميع. ومضى في الجهاد والخمس حديث جبير بن مطعم أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ثم لا تجدوني بخيلاً ولا كذوبًا ولا جبانًا» [(1081)] فأشار بعدم الجبن إلى كمال القوة الغضبية وهي الشجاعة، وبعدم الكذب إلى كمال القوة العقلية وهي الحكمة، وبعدم البخل إلى كمال القوة الشهوانية وهو الجود» اهـ.

قوله: «لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ» . قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وقع في حديث عائشة رضي الله عنها عند ابن أبي خيثمة: «لم يكن أحد يماشيه من الناس ينسب إلى الطول إلا طاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما، فإذا فارقاه نسبا إلى الطول، ونسب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الربعة» [(1082)] اهـ.

وقوله: «الْبَائِنِ» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «بالموحدة اسم فاعل من بان أي: ظهر على غيره أو فارق من سواه» اهـ.

 

}3550{ قوله: «سَأَلْتُ أَنَسًا هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ إِنَّمَا كَانَ شَيْءٌ فِي صُدْغَيْهِ» ، يعني: شيء من الشيب قليل، وهذا قول أنس رضي الله عنه؛ وأما أم سلمة رضي الله عنها فذكرت أنه صلى الله عليه وسلم خضب.

 

}3551{ قوله: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ» المربوع: المتوسط ليس بالطويل ولا بالقصير.

قوله: «لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنِهِ رَأَيْتُهُ» ، يعني: أن شعر رأسه صلى الله عليه وسلم كان يبلغ إلى الأذن، ويسمى: الوفرة، وإذا وصل إلى الكتف يسمى جمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم ما يحلق رأسه إلا في الحج أو العمرة؛ فإذا حج حلق رأسه وإلا فإنه يبقي شعره ويغذيه.

قال الإمام أحمد رحمه الله[(1083)]: «هو سنة ـ يعني: إبقاء الشعر ـ لو نقوى عليه لاتخذناه» ، لكن له كلفة ومشقة؛ فيحتاج إلى دهن وكد وغسل، ويحتاج إلى عناية كما جاء في الحديث: «من كان له شعر فليكرمه» [(1084)] فإذا حلقه فلا بأس، فالحلق جائز، وإذا تركه إلى شحمة أذنيه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا السنة.

قوله: «رَأَيْتُهُ فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ» فيه: دليل على جواز لبس الأحمر، وأما ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن المياثر الحمر» [(1085)]، فقد اختلف العلماء فيه؛ فقيل: إن المراد النهي عن الأحمر الخالص، وأن لبس النبي صلى الله عليه وسلم حلة حمراء ليست خالصة، بل فيها خطوط، وقيل غير ذلك.

قوله: «قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ: إِلَى مَنْكِبَيْهِ» أي: كان شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يبلغ منكبيه وهذا يسمى الجمة.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «قوله: «قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ» ، هو يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق، نسبه إلى جده، قوله: «إِلَى مَنْكِبَيْهِ» ، أي: زاد في روايته عن جده أبي إسحاق عن البراء في هذا الحديث: «له شعر يبلغ شحمة أذنيه إلى منكبيه» ، وطريق يوسف هذه أوردها المصنف رحمه الله قبل هذا بحديث لكنه اختصرها» اهـ.

 

}3552{ قوله: «سُئِلَ الْبَرَاءُ أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لاَ بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ» . هذا في وصف وجهه صلى الله عليه وسلم والمعنى أن وجهه صلى الله عليه وسلم مستدير كالقمر، وليس «مِثْلَ السَّيْفِ؟» مستطيلاً.

 

}3553{ قوله: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ» فيه: مشروعية قصر الصلاة الرباعية حال السفر، وكان هذا بالأبطح بين مكة ومنى.

قوله: «وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ» . العنزة عصًا صغيرة في أسفلها حديدة ركزها لتكون سترة.

وفيه: مشروعية السترة للمصلي.

وفيه: اتخاذ السترة بمكة، والرد على من قال: لا حاجة إلى السترة بمكة؛ ولهذا بوب البخاري رحمه الله في أبواب سترة المصلي: «باب السترة بمكة وغيرها» .

قوله: «وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهَا وُجُوهَهُمْ» . هذا التمسح خاص به صلى الله عليه وسلم ـ حيث أقرهم على ذلك ـ لما جعل الله عز وجل فيه وفيما لامس جسده من البركة فلا يقاس عليه غيره؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يفعلوا هذا مع غيره من كبار الصحابة كالصديق وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم؛ ولأن فعل هذا مع غيره صلى الله عليه وسلم من وسائل الشرك، فهو خاص به صلى الله عليه وسلم فالصحابة رضي الله عنهم. كانوا يتمسحون به، وإذا تنخم كانت في يد أحدهم فدلك بها وجهه ويديه، ولما قال عند أم سليم رضي الله عنها ـ وبينه وبينها محرمية ـ فعرق سلتت عرقه وجعلته في قارورة، وقالت: هو من أطيب الطيب[(1086)].

قوله: «فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنْ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنْ الْمِسْكِ» ، وفي اللفظ الآخر: «ألين من الحرير» [(1087)]. فهذا من وصفه صلى الله عليه وسلم.

 

}3554{ هذا الحديث فيه: وصف خُلقه صلى الله عليه وسلم فكان من خلقه صلى الله عليه وسلم أنه أجود الناس وأكرم الناس وأجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل عليه السلام كل ليلة فيدارسه القرآن؛ لأن الجليس يؤثر على جليسه فحينما كان جليسه، جبريل، وهو ملك كريم، زاد كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم.

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة فينبغي الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في الجود والكرم خاصة في رمضان.

 

}3555{ قوله: «تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ» . هذا من وصفه الخلْقي صلى الله عليه وسلم أنه إذا سُرّ استنار وجهه، والسبب في سروره صلى الله عليه وسلم أن أسامة بن زيد وأباه زيدًا رضي الله عنهما قد ناما والتحفا قطيفة وبدت أقدامهما الأربعة. وكان أسامة بن زيد رضي الله عنه أسود، وكان أبوه رضي الله عنه أبيض؛ وكان الناس يطعنون في نسب أسامة رضي الله عنه؛ لأجل ذلك فجاء مُجَزِّز المدلجي، وهو من قبيلة من العرب تعرف الأشباه بين الناس ـ ويسمى علم القيافة ـ فقال: «إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَْقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ» ، أي: عرف الشبه بينهما فسُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم لقول مجزز المدلجي؛ لأن قوله معتمد.

وفيه: رد على الذين يشككون في نسب أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

فلا ينبغي للإنسان أن يشكك في النسب لأجل اللون، وفي الحديث الصحيح أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلامًا أسود؟ فقال: «هل لك من إبل؟» قال: نعم. قال: «ما ألوانها؟» قال: حمر. قال: «هل فيها من أورق؟» قال: نعم، إن فيها لورقًا. قال: «فأنى كان ذلك؟» فقال: أُراه عرق نزعه، قال: «فلعل ابنك هذا نزعه عرق» [(1088)]، وهذا فيه إزالة الشكوك.

وفيه: أيضًا إثبات القياس والرد على المنكرين له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس الناس على الإبل.

ويستفاد من هذا الحديث: جواز القيافة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقر مجززًا على ما قال، والقيافة علم يعرف به الشبه ويميز به الأثر، وبعض قبائل العرب تعرف بهذا العلم.

وفيه: الفرح بما يوافق الحق.

 

}3556{ قوله: «سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ» . هذا الحديث فيه قصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك، وهجر النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين له خمسين ليلة، ثم تاب الله عز وجل عليه، ولما نزلت توبته استنار وجه النبي صلى الله عليه وسلم، فصار يبرق وجهه من السرور؛ وهذا هو الشاهد، وهو وصف النبي صلى الله عليه وسلم «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ» . وكان الصحابة رضي الله عنهم يعرفون ذلك منه.

وفيه: من الفوائد الفرح بما يسر به المسلم؛ فلا ينبغي للمسلم أن يكون حسودًا ولا كارهًا للخير، بل ينبغي أن يسره ما يسر أخاه المسلم اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه سر لما تاب الله عز وجل على كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم.

 

}3557{ قوله: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا حَتَّى كُنْتُ مِنْ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ» فيه: بيان نسب النبي صلى الله عليه وسلم وأنه خيار من خيار من خيار، فإن الله تعالى اصطفى آل إبراهيم كما قال الله تعالى: [آل عِمرَان: 33]{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ *} واصطفى من آل إبراهيم بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفى من بني هاشم نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم؛ فهو خيار من خيار من خيار، وكذا الأنبياء تبعث في أحساب قومها وأنسابهم حتى لا يكون فيهم مطعن ولا مغمز، كما قال هرقل لأبي سفيان رضي الله عنه: كيف نسبه فيكم؟ قال: ذو نسب. قال: وكذلك الأنبياء تبعث في أحساب قومها[(1089)].

 

}3558{ هذا الحديث في وصف شعره صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم لا يحلق شعر رأسه، وكانت العرب تبقي رءوسها ولا يحلقونها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ» ، أي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسدل شعره؛ لأن أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ كانوا يسدلون، أما المشركون والوثنيون فكانوا يفرقون الشعر، والنبي صلى الله عليه وسلم خالفهم ووافق أهل الكتاب لأنهم أقرب إلى الحق؛ لأن كفرهم أخف؛ ولهذا أبيحت ذبائحهم ونساؤهم، والوثنيون لا تباح نساؤهم ولا ذبائحهم؛ فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يسدل شعره موافقة لأهل الكتاب ومخالفة للمشركين؛ فلما أسلم المشركون أحب موافقتهم ففرق صلى الله عليه وسلم.

 

}3559{ قوله: «لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا وَكَانَ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا»» فيه: وصف حسن خلقه صلى الله عليه وسلم؛ والفاحش: هو الذي في طبعه الفحش، والمتفحش: هو المكتسب للفحش؛ فلم يكن صلى الله عليه وسلم فاحشًا في طبعه ولا مكتسبًا للفحش بل طبعه كريم واكتسابه كريم صلى الله عليه وسلم.

 

}3560{ قوله: «مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ» . هذا وصف لحسن خلقه صلى الله عليه وسلم.

قوله: «وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفْسِهِ إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا» . ويتبين هذا في مواقف كثيرة منها: لما جذبه أعرابي جذبة شديدة حتى أثرت حاشية البرد في كتفه صلى الله عليه وسلم وقال: أعطني يا محمد مما أعطاك الله من المال فليس مال أبيك ولا مال جدك؛ فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ولم ينتقم منه، ولم يعاقبه وأمر له بمال[(1090)]؛ فكان النبي صلى الله عليه وسلم لا ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمات الله عز وجل فلا يقوم لغضبه صلى الله عليه وسلم قائم.

 

}3561{ قوله: «مَا مَسِسْتُ» : بكسر السين الأولى، ومثله «شَمِمْتُ» ، وهذا الحديث فيه: وصف خَلقه صلى الله عليه وسلم فقد وصف كف النبي صلى الله عليه وسلم أنه ألين من الحرير، وألين من الديباج؛ والديباج نوع من الحرير ـ وأما ريحه صلى الله عليه وسلم فيقول أنس رضي الله عنه: «وَلاَ شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفًا قَطُّ أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» .

وقوله «أَوْ عَرْفًا» ، وفي رواية: «أو عرقًا» ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «بفتح المهملة وسكون الراء بعدها فاء، وهو شك من الراوي، ويدل عليه قوله بعدُ: «أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ» ، والعرف: الريح الطيب. ووقع في بعض الروايات بفتح الراء وبالقاف، و «أو» على هذا للتنويع، والأول هو المعروف؛ فقد تقدم في الصيام من طريق حميد عن أنس رضي الله عنه: «مسكة ولا عنبرة أطيب رائحة من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم» [(1091)]، وقوله: «عنبرة» ، ضبط بوجهين: أحدهما بسكون النون بعدها موحدة، والآخر بكسر الموحدة بعدها تحتانية.

والأول: معروف، والثاني: طيب معمول من أخلاط يجمعها الزعفران؛ وقيل: هو الزعفران نفسه.

ووقع عند البيهقي: «ولا شممت مسكًا ولا عنبرًا ولا عبيرًا» [(1092)]، ذكرهما جميعًا، وقد تقدم شيء من هذا في الحديث العاشر» اهـ.

وقوله: «مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» بخفض ريح بغير تنوين؛ لأنه في حكم المضاف كقول الشاعر:

بين ذراعي وجبهة الأسد[(1093)]

ووقع في أول الحديث عند مسلم رحمه الله: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أزهر اللون، كأن عرقه اللؤلؤ، إذا مشى تكفأ، ولا مسست...» [(1094)] إلخ.

 

}3562{ هذا الحديث في وصف خُلقه صلى الله عليه وسلم: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا» ، يعني: كان أكثر حياء من البنت البكر التي تعرف بشدة الحياء؛ ولهذا لا تخرج إلا في الأعياد، فهي خلاف المتزوجة الثيب فإنها خالطت الرجال وزال عنها الحياء.

والرسول صلى الله عليه وسلم إذا انتهكت حرمة الله عز وجل لا يقوم لغضبه قائم فلا يداهن ولا يجامل ولا يمنعه الحياء من أن ينكر المنكر وينتقم لله عز وجل، أما إذا كان في أمور تتعلق بحقه فإنه يستحيي ولا يتكلم؛ فليس حياؤه في ضعف بل في عزة وقوة.

وأصل الحياء: خلق داخلي كريم يبعث على فعل المحامد وترك الرذائل، وهو من شعب الإيمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «الإيمان بضع وسبعون ـ أو بضع وستون ـ شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان» [(1095)] وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت» [(1096)] فالذي لا يستحيي يصنع ما يشاء، أما الذي يستحيي فإنه يتجنب الرذائل ويفعل المحامد، فيفعل ما يجمله ويزينه ويترك ما يدنسه ويشينه. ومن خلقه صلى الله عليه وسلم الحياء، والله تعالى وصف نفسه بالحياء كما قال الله تعالى: [البَقَرَة: 26]{إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} وقال في سورة الأحزاب: [الأحزَاب: 53]{إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل حيي ستير» [(1097)] فالحياء من أوصاف الله عز وجل وهو وصف يليق بجلاله وعظمته لا يماثله فيه أحد من خلقه.

وقوله: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَشَدَّ حَيَاءً مِنْ الْعَذْرَاءِ» أي: البكر، «فِي خِدْرِهَا» أي: في سترها، وكانت العرب تجعل البكر في خدر خاص فلا تخالط الناس؛ فهي من أشد الناس حياء.

قوله: «وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ» ، أي: كان صلى الله عليه وسلم إذا كره شيئًا أو لم يرغب في شيء عرف الصحابة رضي الله عنهم في وجهه ذلك دون أن يتكلم صلى الله عليه وسلم، قال الحافظ رحمه الله: «إشارة إلى تصحيح ما تقدم من أنه لم يكن يواجه أحدًا بما يكرهه، بل يتغير وجهه فيفهم أصحابه كراهيته لذلك» اهـ.

 

}3563{ قوله: «مَا عَابَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إِنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِلاَّ تَرَكَهُ» فيه: بيان لأخلاقه العالية صلى الله عليه وسلم. وفيه: بيان أدب من آداب الطعام، فإذا قُدم إليه طعام لا يعيبه، إن اشتهاه أكله وإلا تركه؛ لأن بعض الناس تجده يقول: الطعام فيه كذا أو كذا، أو قصروا في الطعام، فما جعلوا كذا، وما فعلوا كذا، وينقصه كذا، ولم يوفروا كذا، وهذا كله مناف لأدب الطعام، ولا يدخل في هذا تنبيه المرأة أو الخادم وإخبارهما بما يحبه من الطعام وما لا يحبه.

 

}3564{ قوله: «وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ: حَدَّثَنَا بَكْرٌ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ» . هو محل الشاهد من الحديث؛ إذ إن المراد بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم الخِلْقِيَّة؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «أي: أن يحيى زاد لفظ: «بَيَاضَ» ؛ لأن في رواية قتيبة: «حتى نرى إبطيه» . واختلف في المراد بوصف إبطيه بالبياض فقيل: لم يكن تحتهما شعر فكانا كلون جسده، ثم قيل: لم يكن تحت إبطيه شعر البتة، وقيل: كان لدوام تعهده له لا يبقى فيه شعر، ووقع عندهما في حديث: «حتى رأينا عُفرة إبطيه» [(1098)]، ولا تنافي بينهما؛ لأن الأعفر بياضه ليس بالناصع، وهذا شأن المغابن يكون لونها في البياض دون لون بقية الجسد» اهـ.

 

}3565{ قوله: «حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ» هو محل الشاهد؛ لأنه فيه ذكر بياض إبطيه صلى الله عليه وسلم.

 

}3566{ قوله: «دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالأَْبْطَحِ فِي قُبَّةٍ» ، أي: وصل أبو جحيفة رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير قصد، وكان صلى الله عليه وسلم بالأبطح، وهو مكان بين منى ومكة ويسمى الآن بالعزيزية، وكان في أول الأمر صحراء بطحاء تجري فيه السيول، وكان الحجاج ينزلون فيه إذا اعتمروا؛ ينتظرون الحج، حتى إذا جاء الحج انتقلوا إلى منى، والنبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قدم إلى الأبطح في اليوم الرابع من ذي الحجة، وجلس فيه أربعة أيام ـ الرابع والخامس والسادس والسابع ـ وفي اليوم الثامن انتقل إلى منى، وكان يقصر الصلاة في الأبطح فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين فدل على أن المسافر يقصر الصلاة الرباعية.

وفي الحديث: مشروعية التبرك بفضل وضوء النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرهم على ذلك فهذا خاص به ولا يقاس عليه غيره؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم لم يتبركوا بأبي بكر ولا بعمر ولا بعثمان ولا بعلي رضي الله عنهم ولأن التبرك بغيره صلى الله عليه وسلم من وسائل الشرك فهو خاص به صلى الله عليه وسلم فقط.

وفيه: مشروعية السترة للمصلي ولهذا أخرج صلى الله عليه وسلم عنزة وركزها أمامه وهو يصلي، والعنزة: عصًا صغيرة في طرفها حديدة.

وفيه: دليل على مشروعية السترة في مكة والرد على من قال: إن مكة لا تحتاج إلى سترة، ولهذا بوب البخاري رحمه الله في كتاب الصلاة فقال: «باب السترة بمكة وغيرها» فمكة وغيرها في ذلك سواء إلا أنه إذا اشتد الزحام فهذا ضرورة [البَقَرَة: 286]{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.

وإذا استطاع الإنسان أن يصلي إلى سترة ولو في المسجد الحرام فهذا هو المشروع والسنة.

قوله: «كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ» ، أي: من صفاته صلى الله عليه وسلم الخلقية بياض الساقين.

وفيه: أنه لا ينزل إزاره حتى يغطي الساقين، فالساقان بارزتان، والسنة رفع الإزار والثوب فوق الكعب، وإلى منتصف الساقين ـ كما في الحديث: «إزرة المسلم إلى نصف الساق ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين» [(1099)] وهذا هو الأفضل إلا إذا كان الإنسان يشق عليه ذلك فينزل الثوب إلى الكعب ولا حرج.

 

}3567{، }3568{ قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لَأَحْصَاهُ» فيه: صفة النبي صلى الله عليه وسلم حينما يحدث فكان لا يسرع ولا يستعجل، ولكنه يحدث حديثًا فيه تؤدة وتمهل حتى يحفظ عنه الحديث، وكانت كلماته معدودة ولا يكثر من الحديث، حتى إن خطبه صلى الله عليه وسلم في الجمعة وغيرها كانت كلمات معدودة، وكان صلى الله عليه وسلم يخطب بسورة ق كما في الحديث أن بعض الصحابيات قالت: «أخذت [ق: 1]{وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ *} من في رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يقرأ بها على المنبر في كل جمعة» [(1100)]؛ فكانت الخطبة قصيرة قليلة الألفاظ ولكنها كثيرة وغزيرة المعاني، وهكذا ينبغي أن يكون الخطباء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن طول صلاة الرجل وقصر خُطبته مَئِنَّة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة» [(1101)] فالسنة في الصلاة أن تكون فيها تؤدة وطمأنينة في الركوع والسجود والرفع والخفض وعدم العجلة، وأما الخطبة فتكون قصيرة ليست طويلة حتى تحفظ، وهذا هو الغالب في خطبه صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب من الفجر حتى المغرب لا يقطعها إلا للصلاة، كما في «صحيح مسلم» عن أبي زيد عمرو بن أخطب قال: «صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر، وصعد المنبر فخطبنا، حتى حضرت الظهر فنزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا، حتى حضرت العصر، ثم نزل فصلى، ثم صعد المنبر فخطبنا، حتى غربت الشمس، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن فأعلمنا أحفظنا» [(1102)]. فهذه خطبة طويلة لكنها لأمر عارض، وقول الصحابي رضي الله عنه: «فأعلمنا أحفظنا» ؛ فيه إشارة إلى أن الذي يحفظ هو الذي حصل على العلم الكثير، والذي ينسى تفوته أشياء؛ فالحفظ له شأن عظيم.

قوله: «ألاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ» أي: تعجّب من حاله، وجاء في بعض الألفاظ أنه أبو هريرة رضي الله عنه: «جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْمِعُنِي ذَلِكَ» أي: جاء أبو هريرة رضي الله عنه يحدث عند حجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي رضي الله عنها في الحجرة، وكانت خارج المسجد لكن لها باب على المسجد، «وَكُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي» ؛ يعني: أنها كانت تصلي النافلة، وحدث أبو هريرة رضي الله عنه وانتهى وهي ما زالت تصلي النافلة، فقالت رضي الله عنها: «وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ» ؛ يعني: لو انتظر حتى أسلم من النافلة لرددت عليه؛ لأنه كان رضي الله عنه يسرع في الحديث ويسرد؛ ولهذا قالت: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ» . فهي رضي الله عنها كانت ترى أنه ينبغي للمُذَكِّر والواعظ والخطيب ألا يسرع، بل يتمهل بالتؤدة، ويأتي بكلمات معدودة، ولا يطيل حتى يفهم عنه كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبو هريرة رضي الله عنه عذره أنه كان عنده علم غزير وأحاديث كثيرة، فهو يسرد ليحصل الناس على الكثير من العلم ولينتشر ما عنده من العلم، ولكل اجتهاده، فعائشة رضي الله عنها لها اجتهادها بأنه ينبغي له ألا يكثر وألا يسرع، وأبو هريرة رضي الله عنه كان اجتهاده أن عنده علمًا كثيرًا فلابد أن يسرع حتى يحفظ عنه وحتى ينتشر علمه، إلا إن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في فعله هو الذي ينبغي؛ وأبو هريرة رضي الله عنه كان واسع الرواية كثير المحفوظ، فكان لا يتمكن من التمهل عند إرادته للحديث؛ ولهذا قال بعض البلغاء: أريد أن أقتصر فتتزاحم القوافي فيّ فلا أستطيع!

  كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ

رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

}3569{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَمَضَانَ قَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: «تَنَامُ عَيْنِي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي».

}3570{ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ جَاءَهُ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ أَوَّلُهُمْ؛ أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ وَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوا لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الأَْنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ فَتَوَلاَّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ.

 

قوله: «بَاب كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ» . الظاهر أن هذا الباب ملحق بما قبله؛ لأن نوم عينه وعدم نوم قلبه من الصفات العظيمة والخصال الجليلة.

قوله: «رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: «وصله في «كتاب الاعتصام» مطولاً» اهـ.

}3569{ قوله: «فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: «تَنَامُ عَيْنِي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي»» فيه: دليل على أن من وصفه صلى الله عليه وسلم أنه تنام عيناه ولا ينام قلبه؛ فنومه لا ينقض وضوءه صلى الله عليه وسلم حيث كان ينام ويغط ثم يقوم ويصلي ولا يتوضأ، بخلاف غيره فإنه إذا نام نامت عينه ونام القلب وخرج الحدث؛ ولهذا جاء في الحديث: «وكاء السَّهِ العينان فمن نام فليتوضأ» [(1103)] وكاء: أي: رباط، والسه: حلقة الدبر، أي: أن العين هي الرباط فإذا نامت استطلق الوكاء، أما النبي صلى الله عليه وسلم فتنام عيناه ولا ينام قلبه فيشعر بالحدث إذا خرج؛ فلهذا لا ينقض نومه وضوءه، وهذا من خصائص الأنبياء، ولهذا ترجم المؤلف رحمه الله فقال: «بَاب كَانَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ» .

قوله: «مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً» . هذا هو الغالب من حاله صلى الله عليه وسلم، وإلا فإنه قد أوتر بثلاث عشرة ركعة كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وكان أحياناً يوتر بتسع وأحياناً يوتر بسبع، وكل هذا في «صحيح البخاري» رحمه الله، لكن الغالب كان إحدى عشرة، وليس في قيام الليل حد محدد، ولو صلى مائة لأوتر بركعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما: «صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى» [(1104)] وهذا خبر بمعنى الأمر، والمعنى: صلوا مثنى مثنى فإذا خشيتم الصبح أوتروا مهما صليتم، وبهذا يتبين أن قولها رضي الله عنها خرج مخرج الغالب.

قوله: «ُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ» . ليس المراد هنا أنه يصلي أربعًا بسلام واحد بل بسلامين، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا.

 

}3570{ قوله: «وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ وَكَذَلِكَ الأَْنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ» . هذا هو الشاهد من الحديث، فهو من خصائص الأنبياء أن تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم؛ أما غيرهم فإذا نامت العين نام القلب، ولذلك كان النوم أحد نواقض الوضوء؛ لأنه مظنة الحدث، ولهذا جاء في حديث صفوان بن عسال رضي الله عنه في الوضوء: «ولكن من غائط وبول ونوم» [(1105)].

وفي سند هذا الحديث شريك بن عبدالله بن أبي نَمِر، وله أغلاط وأوهام، ومن أوهامه ما جاء في هذا الحديث من قوله: «قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ» . وقد غلطه الحفاظ فيها بالزيادة والنقصان والتقديم والتأخير، ولهذا لما روى الإمام مسلم رحمه الله حديث الإسراء من رواية شريك بن عبدالله بن أبي نمر قال بعده: «قدم فيه شيئًا وأخر وزاد ونقص» [(1106)]، وإلا فإن الإسراء كان بعد الوحي وبعد البعثة بعشر سنين، وكان مرة واحدة يقظة لا منامًا بروحه وجسده، وهذا هو الصواب الذي دلت عليه النصوص، قال الله تعالى في كتابه العظيم: [الإسرَاء: 1]{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى} والعبد اسم للروح والجسد، وقال بعض العلماء: إن الإسراء بالروح دون الجسد، وهذا يروى عن عائشة ومعاوية رضي الله عنهما، وقال آخرون: إن الإسراء كان منامًا، وقال آخرون: إن الإسراء كان مرة يقظة ومرة منامًا، وقال آخرون: إن الإسراء كان مرارًا، وقال آخرون: إن الإسراء في ليلة والمعراج في ليلة.

والصواب من هذه الأقوال: أن الإسراء والمعراج في ليلة واحدة ومرة واحدة بروحه وجسده صلى الله عليه وسلم يقظة لا منامًا، وهو الذي تدل عليه النصوص.

فقول شريك هنا: «قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ» من أوهامه التي غلطّه العلماء فيها، وإن كان هذا في «صحيح البخاري» رحمه الله وفي «صحيح مسلم» رحمه الله؛ ففيهما حروف قد يكون فيها غلط ووهم يبينها العلماء، ومن هذه الحروف قول شريك هذا، ومنها الانقلاب الذي يحصل لبعض الرواة كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ حيث جاء: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله» [(1107)] والصواب: «حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه» [(1108)] فالتي تنفق اليمين لا الشمال؛ فانقلب على بعض الرواة الحديث الصحيح .

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد