شعار الموقع

شرح كتاب المناقب من صحيح البخاري (61-7)

00:00
00:00
تحميل
137

 

}3622{ قوله: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ» . فوقع كما أخبر، وهذا فيه علم من أعلام النبوة.

قوله: «فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ» يعني: ذهب ظنه إلى أنها اليمامة أو هجر؛ لأنهما بهما نخل.

قوله: «فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ» يعني: فإذا هي المدينة التي كان اسمها يثرب قبل ذلك «وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ» أي: فصار السيف الذي انقطع صدره ما أصيب به المؤمنون يوم أحد من القتل والجراح التي أصابت النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة.

قوله: «ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ» . يعني: بعد ذلك تلاحق المؤمنون واجتمعوا وحصل الفتح.

قوله: «وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ» قوله: «وَاللَّهِ» قسم، وقيل: «وَاللَّهُ خَيْرٌ» مبتدأ وخبر.

قوله: «فَإِذَا هُمْ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ» . يعني: البقر التي تنحر: الصحابة الذين قتلوا يوم أحد.

قوله: «وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنْ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ» يعني: أثابهم الله بالصدق ونصرهم بعد ذلك، ونفذ قضاء الله وقدره فيما وقع يوم أحد، واتخذ الله منهم شهداء، ولله في ذلك حكم عظيمة؛ كما بين الله تعالى في كتابه فقال: [آل عِمرَان: 140-141]{إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ *وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ *} فهذه خمس حكم ذكرها الله فيما أصاب المؤمنين يوم أحد.

 

}3623{، }3624{ هذا الحديث فيه: علم من أعلام النبوة؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بشيء فوقع كما أخبر، فأخبر أنه يموت في وجعه فمات، وأخبر أن فاطمة أول أهله لحوقًا به، فماتت بعده بستة أشهر.

قوله: «أقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» . الأقرب ـ والله أعلم ـ أنها تمشي مشية طبعها الله عليها ولا تفعل ذلك تصنعًا وتكلفًا وتقليدًا؛ وإنما تفعله خِلْقة.

قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَرْحَبًا بِابْنَتِي»» فيه: ترحيب النبي صلى الله عليه وسلم بابنته وعنايته بها، وجاء في الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم: «كانت إذا دخلت عليه فاطمة قام إليها فأخذ بيدها وقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها» [(1161)] وهذا من صلة الرحم ومن البشاشة بين الرجل وقرابته، فالأب والأم هما عمودا النسب، والأبناء والبنات هم الفروع، وهم أقرب الناس إلى صلة الرحم.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليها حديثًا فبكت، ثم أسر إليها حديثاً فضحكت، فسألتها عائشة رضي الله عنها فقالت فاطمة: «سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» ، وهذا فيه: دليل على أن السر يحفظ ولا يذاع، ففاطمة حفظت السر ولم تخبر عائشة، فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم سألتها عائشة فأخبرتها؛ لأن السر كان متعلقاً بموته صلى الله عليه وسلم، فلما توفي صار الأمر مكشوفاً؛ فقالت: «أسَرَّ إِلَيَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي فَبَكَيْتُ» ، يعني: كان جبريل يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في شهر رمضان مرة من أوله إلى آخره، وفي العام الأخير دارسه القرآن مرتين، وهذا دليل على قرب الأجل.

وفيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم زاد عمله الصالح في آخر حياته صلى الله عليه وسلم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم بكاءها قال: «أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ» .

 

}3625{، }3626{ هذا الحديث اختلف عن الحديث الأول؛ فالحديث الأول فيه أنه لما أخبرها أنها سيدة نساء أهل الجنة ضحكت، وفي هذا الحديث أنها ضحكت لما أخبرها أنها أول بيته لحوقًا به؛ لأن من أحب المرء لا يحب البقاء بعده؛ ولأنها قد تكون خشيت من الفتن، فأحبت أن تكون أسرع الناس لحوقاً به قبل أن تحصل الفتن وتنتشر.

 

}3627{ هذا الحديث فيه: أن عمر رضي الله عنه كان يشاور القراء، ويجعلهم أصحاب مجلسه، شبابًا كانوا أو كهولاً أو شيوخًا ، فكان يدخل ابن عباس رضي الله عنهما مع القراء ـ وهو صغير في السن، والقراء شيوخ أو كهول كبار السن ـ فقال عبدالرحمن بن عوف: «إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ» ، يعني: ولا نأتي بهم، فكيف يدخل عمر هذا الصبي معنا؟! فقال عمر: «إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ» . يعني: أنت تعلم أن الله فقهه في الدين وعلمه التأويل ودعا له النبي صلى الله عليه وسلم بذلك.

قوله: «فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآْيَةِ [النّصر: 1]{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *} فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ» ، وفي لفظ آخر عن ابن عباس أنه سأل الصحابة «فقال: ما تقولون في قوله تعالى: [النّصر: 1-3]{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا *فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا *}، فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وقال بعضهم: لا ندري، أو لم يقل بعضهم شيئاً، فقال لي: يا ابن عباس أكذاك تقول؟ قلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله له، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *} فتح مكة فذاك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا *} ، فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تعلم » [(1162)] والمعنى: أنه إذا فتحت مكة ودخل الناس في دين الله أفواجًا فاعلم أن مهمتك في الدنيا انتهت وأن أجلك قريب فاستعد للقائنا؛ فظهر لهم أن ابن عباس جدير بأن يكون معهم ولو كانوا شيوخًا أو كهولاً، وهذا فيه علم من أعلام النبوة، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بأن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل[(1163)]، فاستجاب الله دعاء نبيه؛ فكان من علمه بالتأويل علمه بهذه السورة وخفي هذا على كبار الصحابة.

 

}3628{ هذا الحديث فيه: علم من أعلام النبوة؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنصار يقلّون وأن الناس يكثرون، فوقع كما أخبر.

وفيه: مشروعية حمد الله والثناء عليه قبل الخطبة والموعظة.

قوله: «أَمَّا بَعْدُ» ، هذا هو الأولى في الخطبة وفي الموعظة ولا يقول: وبعد.

قوله: «فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَْنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ» فيه: وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمن ولي من أمر المسلمين شيئًا أن يحسن إلى الأنصار؛ لأنهم نصروا الله ورسوله وآووا المهاجرين، وهذا حيث يمكن ذلك، وليس معناه أن الحدود لا تقام عليهم، بل من عمل منهم شيئًا يوجب حدًّا أقيم عليه وأخذ منه.

 

}3629{ هذا الحديث فيه: علم من أعلام النبوة؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج الحسن بن علي ابن ابنته فاطمة وصعد به على المنبر، وقال: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . فهو سيد سيادة دينية، والمراد بالفئتين هما: فئة أهل العرق وفئة أهل الشام في الحروب التي كانت بينهما؛ فإنه لما قتل علي رضي الله عنه على يد أحد الخوارج بايع الناس بالخلافة الحسن بن علي، فتنازل لمعاوية بشروط فيها حقنٌ لدماء المسلمين، فحقق الله فيه ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فأصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين؛ فكان هذا علمًا من أعلام النبوة.

وفيه: جواز قول: فلان سيد، أو هذا سيد بدون (أل) أو بالإضافة مثل سيد بني تميم، وسيد بني فلان كما في قوله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى سيدكم» [(1164)] يعني: سعد بن معاذ، أما قول: السيد فلان بـ(أل)، فهذا جاء النهي عنه لأنه من أسماء الله فيكون من الأسماء المشتركة مثل العزيز.

 

}3630{ في هذا الحديث: علم من أعلام النبوة؛ حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بموت الأمراء الثلاثة في غزوة مؤتة؛ جعفر وزيد وعبدالله بن رواحة قبل أن يجيء خبرهم، وبعد موتهم اصطلح الناس على تأمير خالد بن الوليد، ففتح الله عليه.

وفيه: دليل على جواز النعي ـ يعني: الإخبار بالموت ـ على المنبر.

والنعي نعيان: نعي جائز، وهو إخبار الناس بموت فلان حتى يصلى عليه، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي. فلقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بأصحابه إلى المصلى فصلى عليه وكبر عليه أربعًا[(1165)].

أما النعي المنهي عنه فهو: أن يرسل الناس أشخاصًا يطوفون بالقبائل ويقولون: مات فلان.

والنعي في الجرائد والصحف الآن يعتبر من النعي الجائز إذا كان المقصود أن يبلغ الناس الأمر، ولاسيما إذا كان الميت معروفًا بالخير من أهل العلم أو من أهل الدعوة أو من أهل الإحسان والنفقة، أما إذا كان المقصود منه الرياء والسمعة فهذا مثل ما كان يفعله أهل الجاهلية، وإذا كان يكلف أموالاً كثيرة فلا ينبغي.

 

}3631{ قوله: «هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟» . الأنماط جمع نمط بفتحات، وهو بساط له خمل رقيق يشبه السجاجيد الخفيفة، فكان هذا غير موجود على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر بوقوعه؛ فوقع كما أخبر، فكان هذا من علامات النبوة، وهذا هو الشاهد.

والحديث ليس فيه إقرار الأنماط ولا فيه نهي عنها، فالأصل الإباحة إذا لم يكن فيها ترف أو صورة.

قوله: «قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا الأَْنْمَاطُ!» ، لأنهم لا يعرفونها.

قوله: «أَمَا إِنَّهُ سَيَكُونُ لَكُمْ الأَْنْمَاطُ» يعني: ستوجد في المستقبل لكم الأنماط، فحصلت الأنماط بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وصارت عند جابر، فقال جابر: «فَأَنَا أَقُولُ لَهَا يَعْنِي امْرَأَتَهُ أَخِّرِي عَنِّي أَنْمَاطَكِ فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلْ: النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمْ الأَْنْمَاطُ فَأَدَعُهَا» . والشاهد: أنه تحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ فكان من علامات النبوة.

 

}3632{ هذا الحديث فيه: قصة الصداقة التي كانت بين سعد بن معاذ وبين أمية ابن خلف؛ وكان أمية من صناديد قريش، وسعد بن معاذ هو سيد الأوس وهو من اهتز له عرش الرحمن، فهذا مسلم وذاك مشرك، ورغم ذلك كانت بينهما صداقة، فكان سعد إذا جاء إلى مكة نزل على أمية، وكان أمية إذا جاء إلى المدينة نزل على سعد، لكن هذه الصداقة كانت في أول الهجرة قبل غزوة بدر، وقبل أن يُشرع مقاطعة الكفار وعدم موالاتهم ومصادقتهم ومعاشرتهم ومؤاخاتهم، فقدم سعد بن معاذ معتمراً فنزل على صديقه أمية، فقال أمية لسعد: أنت الآن من الأنصار وقد اتخذكم أهل مكة أعداءً فلا يتركونك تطوف، ولكن أختار لك وقتًا مناسبًا، فإذا غفل الناس وانتصف النهار تطوف، فقال: نعم، فلما انتصف النهار وغفل الناس انطلق به فطاف، وبينما سعد يطوف فإذا أبو جهل سيد المشركين ورئيسهم «فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ! فَقَالَ: نَعَمْ» . يعني: كيف نتركك تطوف وقد آويتم محمدًا وأصحابه؟!

قوله: «فَتَلاَحَيَا بَيْنَهُمَا» ، يعني: تخاصما وتنازعا وتسابَّا بينهما، فقال أمية لسعد: «لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي» ، وهي كنية أبي جهل، ثم قال سعد مخاطباً أبا جهل: «وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ فَغَضِبَ سَعْدٌ» ، يعني: فغضب سعد على أمية وهو صديقه.

قوله: «دَعْنَا عَنْكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ» يعني: سيقتل أمية، وزعم تأتي بمعنى قال، مثل قول ضمام بن ثعلبة: «وزعم رسولك» ، يعني: قال؛ وتأتي بمعنى الادعاء الكاذب؛ لكن المراد هنا: قال، فقال أمية: «إِيَّايَ؟ قَالَ: نَعَمْ» ، يعني: ففزع وقال: يقتلني أنا؟ قال: نعم.

قوله: «وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ» ، فهم يعلمون أن محمدًا صادق، ثم ذهب إلى امرأته، وقال: «أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ» ؛ لأن المدينة تسمى يثرب «قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّه سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّرِيخُ» ، يعني: إلى أهل مكة «قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ» يعني: من أنه سيقتلك محمد؛ فلا تخرج، فجاء أبو جهل وقال: «إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَسَارَ مَعَهُمْ» ، يعني: قال له: أنت سيد، ولابد من أن تخرج.

قوله: «فَقَتَلَهُ اللَّهُ» ، ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قتله بيده يوم بدر؛ وهذا هو الشاهد من الحديث ، فهو علامة من علامات النبوة؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقتل أمية فقتله.

 

}6633{ هذا الحديث ـ حديث ابن عمر رضي الله عنهما ـ فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ» ، يعني: في المنام.

قوله: «فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ» ، يعني: دلوًا أو دلوين .

وفيه: إشارة إلى أن خلافته ليست طويلة.

قوله: «وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ» ، إشارة إلى ما فيها من القلاقل والفتن وحروب الردة.

قوله: «ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا» ، يعني: تحولت غربًا، والغرب الدلو الكبير، ويكون من جلد البعير، وفي هذا القول إشارة إلى طول مدة خلافته، حيث استمرت عشر سنوات ونصفًا وفي أثنائها فتحت الفتوح.

قوله: «فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ» . العبقري: الرجل القوي النشيط، ويفري فريًا يعني: ينزع نزعًا قويًّا.

قوله: «حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ» ، يعني: حتى روي الناس، والعَطَنُ: مَبْرَكُ الإِبِلِ حولَ الماء؛ لتشرب بعد نهل، حيث تشرب وتستريح، وهذا فيه دليل على أن خلافة عمر أطول، وأن الأمور استقرت في زمانه وتفرغ للفتح.

قوله: «وَقَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ» ، يعني: من غير شك؛ ففي الحديث الأول: «ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ» .

والشاهد: أن هذا الحديث علم من أعلام النبوة، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخلافة أبي بكر وقصر مدته، وأشار إلى الفتن وحروب الردة، وأخبر بطول خلافة عمر واستقرار الأمور في وقته، وفتح الفتوح، فوقع كما أخبر.

 

}3634{ قوله: «النَّرْسِيُّ» ، بنون مشددة مفتوحة، وراء ساكنة وسين مهملة يقال: لقب لأحد أجداده ، وهو نسبة إلى نهر.

وهذا الحديث فيه: علم من أعلام النبوة؛ حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن جبريل ولا يعلمه إلا أنه ملك الوحي، رغم رؤية أم سلمة له، في صورة دحية الكلبي ـ وكان رجلاً جميلاً ـ كما رآه الصحابة في صورة رجل غريب شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، كما في حديث عمر[(1166)]، وفي الحديث هنا أن أم سلمة رضي الله عنها قالت: «ايْمُ اللَّهِ» ، وهو قسم بحذف النون، أي: ايمن الله «مَا حَسِبْتُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ» ، فهي تظنه دحية الكلبي، حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر ويقول: جاءني جبريل فعلمت.

 بسم الله الرحمن الرحيم قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:

[البَقَرَة: 146]{يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *}

}3635{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ، فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ، فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ.

 

هذه الترجمة صدرها بالآية: « [البَقَرَة: 146]{وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ *}. فيه: دليل على أن اليهود يعرفون أن محمدًا رسول الله ومع ذلك لم يقروا برسالته.

}3635{ وفي هذا الحديث «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا» ، وطلبوا منه أن يحكم فيهما، وجاء في الرواية الأخرى أنهم قالوا: «اذهبوا بنا إلى هذا النبي فإنه نبي بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله،وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك» [(1167)] فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟» فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ:» ـ الصحابي الجليل الذي أسلم وكان إسرائيليًّا ـ «كَذَبْتُمْ إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ» فقالوا: ائتوا بالتوراة ، «فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ فَرَفَعَ يَدَهُ فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ» يعني: تلوح.

قوله: «فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا» ، يعني: رجمهما بالقرآن وبالتوراة التي وافقت ما في القرآن.

وفيه: خبث اليهود وتحريفهم لكلام الله وكتمانهم للحق.

قوله: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ» ، يعني: لما رجما جعل الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة، ويحني يعني: يكب، وروي: «يَجْنَأُ» بالحاء المهملة، ومنه حنيت الشيء أحنيه إذا غطيته، ويقيها من وقي يقي وقاية، أي: يحميها من وصول الحجارة إليها، والعجب أنهما سيقتلان ومع ذلك أكب الرجل على المرأة يقيها الحجارة.

وفيه: أنه يجب على الحاكم الشرعي أن يقيم الحدود.

وفيه: أن أهل الكتاب إذا ترافعوا إلينا يحكم فيهم بشريعتنا؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بالتوراة ليبين لهم موافقة التوراة لما في القرآن.

  سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم آيَةً

فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ

}3636{ حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شِقَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدُوا».

}3637{ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ح.

وقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ.

}3638{ حَدَّثَنِي خَلَفُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

هذه الترجمة فيها سؤال المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر؛ ثم ذكر المؤلف رحمه الله الأحاديث الثلاثة التي تدل على أن القمر انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شِقتين بكسر الشين وإعجامها.

}3636{ قوله: «فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدُوا»» . قال بعضهم: لابد أن يكون متواتراً، وهذا ليس بمتواتر، ويرد عليهم بأنه رواه عدد لا بأس به من الصحابة، ثم إن الله تعالى ذكره في القرآن، والقرآن متواتر، فقال تعالى: [القَمَر: 1]{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ *}، والقول بأنه ما رآه إلا أهل مكة غير صحيح، بل إنه رؤي في أماكن بعيدة حتى رؤي في الهند، وأُرّخ بليلة انشقاق القمر.

 

}3637{، }3638{ قوله: «أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً فَأَرَاهُمْ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ» فيه: أن انشقاق القمر آية من الآيات وعلامة من علامات النبوة؛ حيث انشق شقتين؛ فكانت شقة تحت جبل أبي قبيس وشقة فوقه، وهذه معجزة عظيمة للنبي صلى الله عليه وسلم.

 

}3639{ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ قَالَ: حَدَّثنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ.

}3640{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَْسْوَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ».

}3641{ حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثنِي ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ».

قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ.

}3642{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ وَكَانَ لَوْ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ.

قَالَ سُفْيَانُ: كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ.

}3643{ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ فِي دَارِهِ سَبْعِينَ فَرَسًا.

قَالَ سُفْيَانُ: يَشْتَرِي لَهُ شَاةً كَأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ.

}3644{ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْلُ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».

}3645{ حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ».

}3646{ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ وَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَِهْلِ الإِْسْلاَمِ فَهِيَ وِزْرٌ وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحُمُرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآْيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ [الزّلزَلة: 7-8]{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ *}».

}3647{ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه يَقُولُ: صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ وَأَحَالُوا إِلَى الْحِصْنِ يَسْعَوْنَ فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».

}3648{ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حَدِيثًا كَثِيرًا فَأَنْسَاهُ قَالَ: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ فَبَسَطْتُ فَغَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا بَعْدُ».

 

}3639{ هذا الحديث فيه: كرامة من كرامات الأولياء، تتضح في قوله: «أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» وهما أسيد بن حضير وعباد بن بشر رضي الله عنهما: «خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئَانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا» ، يعني: كل واحد صارت عصاه مصباحًا.

قوله: «فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ» . يعني: تضيء له عصاه حتى وصل إلى بيته، وهذه الكرامة إنما حصلت لهما باتباع النبي صلى الله عليه وسلم فكانت تابعة لعلامات النبوة.

 

}3640{ هذا الحديث في: الطائفة المنصورة.

قوله: «لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ» فيه: علم من أعلام النبوة؛ حيث أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذه الطائفة باقية إلى قيام الساعة ـ أو إلى قرب قيام الساعة ـ حتى تأتي الريح الطيبة وتقبض أرواح المؤمنين والمؤمنات في آخر الزمان، وذلك بعد أشراط الساعة الكبار، فلا تقوم الساعة إلا على الكفرة، وهذا وجه إدخال المؤلف هذا الحديث في الترجمة؛ وهذه الطائفة هي المنصورة، وهم أهل السنة والجماعة؛ لأنهم أهل الحق.

 

}3641{ قوله: «لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ» فيه: علم من أعلام النبوة؛ حيث أخبر أن هذه الطائفة باقية إلى قيام الساعة.

وفيه: دليل على أن هذه الأمة لا يزال فيها الخير إلى قرب قيام الساعة، وهذه الطائفة لا يلزم أن تكون في مكان معين، بل قد تنتقل فتكون في بعض الأزمنة مثلاً في الحجاز، وبعض الأزمنة في نجد، وبعض الأزمنة في الشام، وبعض الأزمنة في مصر، وبعض الأزمنة في الكوفة أو في البصرة، وقد تكون هذه الطائفة بعضها في الشام وبعضها في اليمن وبعضها في نجد. وهذه الطائفة ـ كما قال العلماء ـ مقدمهم أهل الحديث، وكل من كان من أهل السنة والجماعة فهو منهم، ولو كان مزارعًا أو تاجرًا أو صانعًا أو غير ذلك، وهذه الطائفة تقل وتكثر.

قوله «قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ:» . ضبطها الحافظ بضم التحتانية وضبطه في «التقريب» بفتحها.

قوله: «قَالَ مُعَاذٌ: وَهُمْ بِالشَّأْمِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ وَهُمْ بِالشَّأْمِ» ، يعني: الأمة القائمة بأمر الله مستقرون بالشام، والأقرب ـ والله أعلم ـ أنه قال هذا باجتهاد منه، أو أنه في زمن من الأزمان كانوا بالشام، ولا يلزم أن يكونوا بالشام دائمًا، بل هم متنقلون؛ فقد يكونون في بعض الأزمنة بالشام، وقد يكونون في بعض الأزمنة في غير الشام، وقد يكون بعضهم في الشام وبعضهم في غير الشام؛ فالجزم بأنهم في الشام وأنهم لا يتعدون الشام فيه نظر.

 

}3642{، }3643{ قوله: «سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ» . الحي هم قبيلة شبيب، وهم منسوبون إلى بارق وهو جبل باليمن نزله بنو سعد.

وهذا الحديث فيه: علم من أعلام النبوة؛ حيث دعا النبي صلى الله عليه وسلم لعروة البارقي بالبركة فقبل الله دعاء نبيه، فكان لو اشترى ترابًا لربح فيه، وهذا وجه إدخاله في الترجمة.

قوله: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي لَهُ بِهِ شَاةً فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ» يعني: أتى بالدينار الذي أعطاه وشاة، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة.

قوله: «سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ فَأَتَيْتُهُ» . القائل سفيان.

واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على جواز بيع الفضولي، وبيع الفضولي هو أن يبيع شخص سلعة لشخص دون وكالة، وهذا البيع يكون موقوفًا على إجازة صاحب الحق، فإذا أجازه نفذ، وإن لم يجزه فلا ينفذ، مثال ذلك: لو جاء شخص يحتاج إلى سيارة، فبعته سيارة جارك بثمن مناسب، فلما جاء جارك قلت: يا فلان بعتُ سيارتك ، فإذا أنفذه وقال: جزاك الله خيرًا نفذ البيع، وإذا قال: لا، أنا لا أريد البيع فلا ينفذ، فهذا يسمى بيع الفضولي؛ وكذلك فعل عروة حيث لم يقل له النبي صلى الله عليه وسلم اشتر شاتين، ولكن قال: اشتر شاة، فاشترى شاتين، وباع إحداهما بدينار، وتصرف بدون إذن النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن النبي صلى الله عليه وسلم أقره فنفذ.

وقال بعض العلماء: لا يصح بيع الفضولي، وقالوا عن قصة عروة: هذه قضية عين يدخلها الاحتمال، فيحتمل أن يكون عروة وكيلاً للنبي صلى الله عليه وسلم في البيع والشراء، وقال جماعة: إن الحديث غير متصل؛ لأن الحي لم يُسَمَّ أحدٌ منهم، والصواب: أنه ثابت، والصواب جواز بيع الفضولي إذا أقره صاحب الحق.

 

}3644{، }3645{ هذان الحديثان فيهما: علم من أعلام النبوة؛ حيث وقع كما أخبر، فالخيل فيها بركة وخير إلى يوم القيامة، حتى في هذا الزمن الذي تطورت فيه: الأسلحة وتعددت أنواعها وضروبها وأساليبها فلا تزال الخيل تستعمل الآن في الحروب الحديثة، فتستعمل في أمكنة لا تأتيها السيارات وفي أمكنة يراد منها الخفاء، وفي الأمكنة المظلمة، وفي الجبال؛ حيث تحمل عليها الأسلحة، وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.

 

}3646{ قوله: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ» ، فهذا تكون الخيل له أجر، وأي: تصرف تتصرفه الخيل يكتب له حسنة.

قوله: «فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ وَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا مِنْ الْمَرْجِ أَوْ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ» ، يعني: هذا الذي ربطها في سبيل الله إذا ربطها في مرج أو روضة ـ أي: في مكان فيه حشيش أو نبات أو زرع ـ فأي: شيء تصيبه وهي مربوطة من المرج أو الروضة يكتب له حسنات.

قوله: «وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا» يعني: قطعت الحبل الذي ربطت به.

قوله: «فَاسْتَنَّتْ شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ» ، يعني: وصارت تمشي.

قوله: «كَانَتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهَرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ» ، يعني: حتى إذا شربت وهو لا يريد سقيها كتب له حسنات، وعلى ذلك فإذا كان يريد أن يسقيها فلا شك أن الأجر سيكون مضاعفًا.

قوله: «وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا» يعني: رجل ربطها ليستغني بها عن الناس، فيحمل عليها ويؤجرها فهي مصدر رزق له، ويتعفف بها عن الناس وعن السؤال، ويؤدي حقوقها بأن يعيرها من يحتاج الإعارة، ويحمل من يحتاج إلى الحمل فهي له ستر.

وأما الصنف الثالث الذي تكون الخيل له وزرًا، فقوله: «وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَِهْلِ الإِْسْلاَمِ فَهِيَ وِزْرٌ» يعني: ربطها للفخر والخيلاء ومراءاة للناس، والتعاظم عليهم ومعاداة لأهل الإسلام، فهذا تكون عليه وزرًا.

قوله: «وَسُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحُمُرِ» ، جمع حمار، يعني: هل فيها أجر أم فيها وزر؟ «فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآْيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ» يعني: الشاملة لأنواع الخير وأنواع الشر، والفاذة يعني: الفردة التي تشمل الحمر وغيرها، وهي: « [الزّلزَلة: 7-8]{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ *}» فأي: خير تعمله تجده، فإذا كان عندك حمار وصرت تحمل عليه مثلاً الأطعمة للفقراء، أو تحمل عليه من يحتاج إلى الحمل، أو تستعمله في الدعوة إلى الله أو في الإحسان صار خيرًا، وإن كان هذا الحمار يستعمل في الشر وفي إيذاء المسلمين والتجسس عليهم صار شرًّا؛ فالآية شاملة للحمر ولغير الحمر، وكذلك غيره من المركوبات الجديدة كالسيارات والطائرات والقطارات والبواخر وغيرها.

 

}3647{ وهذا الحديث فيه: قصة فتح النبي صلى الله عليه وسلم لبعض حصون خيبر.

قوله: «صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بُكْرَةً» ، يعني: في الصباح؛ لأنه صلى الفجر قريبًا منهم، ثم باغتهم وما علموا إلا والخيل تدخل.

قوله: «وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي» ، يعني: خرجوا للزراعة والفلاحة ومعهم المساحي، فلما فجأهم النبي صلى الله عليه وسلم حصل لهم فزع ورعب وقالوا: «مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ» والخميس هو الجيش.

قوله: «وَأَحَالُوا إِلَى الْحِصْنِ يَسْعَوْنَ» يعني: هربوا يسعون للحصن ليتحصنوا عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» ووجه مطابقة الحديث للترجمة أنه أخبر عن خراب خيبر، فوقع كما أخبر؛ فكان هذا علمًا من علامات النبوة.

 

}3648{ وهذا الحديث فيه: علم من علامات النبوة؛ حيث إن أبا هريرة شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه ينسى الحديث ـ وكان ملازمًا للنبي صلى الله عليه وسلم في مجالسه ـ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ابْسُطْ رِدَاءَكَ فَبَسَطْتُ فَغَرَفَ بِيَدِهِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ ضُمَّهُ فَضَمَمْتُهُ فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا بَعْدُ» . فكان هذا علمًا من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم؛ حيث بسط أبو هريرة رضي الله عنه رداءه ثم ضمه فلم ينس حديثًا بعد ذلك.

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد