شعار الموقع

شرح كتاب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من صحيح البخاري (62-1)

00:00
00:00
تحميل
137

المتن

54- فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين
فهو من أصحابه

 ●         [3423 ] حدثنا علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، عن عمرو، قال: سمعت جابر بن عبدالله، يقول: حدثنا أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم، ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم».

 ●         [3424] حدثنا إسحاق، قال: أنا النضر، قال: أنا شعبة، عن أبي جَمرة، قال: سمعت زَهْدم بن مُضَرِّبٍ، قال: سمعت عمران بن حصين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاثاً - ثم إن بعدكم قومًا يشهدون ولا يستشهدون، ويَخُونُون ولا يؤتمنون، ويَنذِرُون ولا يَفُون، ويظهر فيهم السمن».

 ●         [3425] حدثنا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن عَبيدةَ، عن عبدالله، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته».

قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار.

الشرح 

قوله: «فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه» هذا الكتاب عقده المؤلف لبيان فضائل الصحابة من المهاجرين والأنصار ومسلمة الفتح وكل من يشمله اسم الصحابة، ثم بين المؤلف من يشمله اسم الصحابة فقال: «ومن صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه» وهذا هو الصواب في تعريف الصحابة، فكل من صحب النبي صلى الله عليه وسلم أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه، ويدخل في ذلك الأطفال الصغار الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الذين مج في وجوههم شيئًا من الماء، فيطلق على جميعهم صحابة، ولكن الأقرب من تعريف البخاري أن الصحابي: هو كل من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا ومات على الإسلام، ليشمل العميان مثل عبد الله بن أم مكتوم، فهو لم ير النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أعمى، لكن لقيه، وعلى هذا فالصحابة كثيرون وهم يتفاوتون في الصحبة، ولكن من العلماء من خالف في هذا، كما ذكر الحافظ ابن حجر حيث ذكر أقوالًا كثيرة في الصحابي، فبعضهم اشترط أن يمر عليه سنة، وبعضهم اشترط أن يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم وغير ذلك.

وكان أبو بكر رضي الله عنه أعلاهم منزلة؛ لأن الله شهد له بالصحبة فقال: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) [التوبة: 40].

مسألة : هل يسمى من ارتد بعد إسلامه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم صحابيًّا إذا رجع بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم؟

الجواب : إذا مَنَّ الله عليه بالإسلام وتاب فإنه يبقى صحابيًّا، ويحرز أيضًا أعماله السابقة فلا تحبط إذا رجع إلى الإسلام، مثل عيينة بن حصن الفزاري لما ارتد بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مع طليحة الأسدي ثم تاب ورجع، أما إذا ارتد ومات على الردة -والعياذ بالله- فإنه يبطل عمله -نسأل الله العافية- ومن ذلك الصحبة.

 ●         [3423 ] قوله: «يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس» يعني: يجاهدون في سبيل الله، والفئام الجماعة الكثيرة،
وفيه: دليل على استمرار الجهاد، وأن الجهاد مستمر باق إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال؛ كما في حديث: «والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل»([1]). فالجهاد والحج ماضيان مع الأئمة أبراراً كانوا أو فجاراً، وهذا هو معتقد أهل السنة والجماعة، فإذا كان الإمام جائراً أو ظالماً أو فاسقاً ويقيم للناس الحج أو الجهاد فالناس يمضون معه وهو على فسقه ما دام أنه في حدود دائرة الإيمان، وذلك خلافًا لأهل البدع من الخوارج والمعتزلة والرافضة، فالخوارج يرون أن الإمام الفاجر يكفر ويجب قتله وإخراجه من الإمامة، والمعتزلة يرون أنه خرج من الإيمان ولم يدخل في الكفر، والرافضة لا يرون إلا إمامة العدل، وهم الأئمة الاثنا عشرية عندهم؛ أما أهل السنة والجماعة فيرون أن كل من اجتمع عليه الناس واستتب له الأمر فإنه يكون إماماً، سواء كان براً أو فاجراً، ولا يجوز الخروج عليه إلا إذا كفر كفراً واضحاً صريحاً لا لبس فيه، ووجد البديل الذي يحل محله، ووجدت القدرة على خلعه وإزالته، وإلا فما دام أنه مسلم فإنه لا يجوز الخروج عليه؛ وذلك لما يترتب من الخروج عليه من الفساد والشر الكثير من إراقة الدماء وافتراق المسلمين وتربص الأعداء بهم الدوائر والحروب الطاحنة، فهذا الفساد أعظم من مفسدة فسقه وظلمه.

قوله: «فيقولون: فيكم من صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقولون: نعم، فيفتح لهم» فيه: فضل الصحابة وبركتهم، فإذا وجد في الجماعة التي تغزو من صحب النبي صلى الله عليه وسلم يفتح لهم الحصن.

قوله: «ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟» هم التابعون.

قوله: «فيفتح لهم» يعني: فيفتح لهم الحصن والمدينة لفضلهم وشرفهم.

قوله: «ثم يأتي على الناس زمان، فيغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»، يعني: أتباع التابعين، وهم القرن الثالث، «فيقولون: نعم فيفتح لهم» فهذا الحديث موافق للحديثين بعده في فضل القرون الثلاثة الأولى، وهم قرن الرسول صلى الله عليه وسلم وقرنان بعده؛ والمعروف والمشهور عند العلماء أن القرن مائة سنة؛ لأن آخر الصحابة الطفيل بن عمرو مات على رأس المائة الأولى.

 ●         [3424 ] قوله: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»، فهم ثلاثة قرون.

قوله: «قال عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين أو ثلاًثا» والأرجح أنه ذكر قرنين؛ ليوافق الأحاديث الأخرى.

قوله: «ثم إن بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون»؛ يعني: بعد القرون الثلاثة المفضلة يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون؛ لضعف إيمانهم وقلة ديانتهم، فما يبالي أحدهم بالشهادة فيشهد قبل أن يستشهد، والجمع بين هذا الحديث وبين حديث: «ألا أخبركم بخير الشهداء؟ الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها»([2]) أن هذا محمول على من كان عنده شهادة ولم يعلم بها صاحبها فيأتيه ويخبره، ويقول: يا فلان لك عندي شهادة متى ما طلبتها أؤدها لك، أما حديث الباب فهو محمول على ذم الذين يبادرون بالشهادة قبل أن يستشهدوا بسبب ضعف إيمانهم.

قوله: «ويخونون ولا يؤتمنون» الخيانة من صفة القرون المتأخرة بعد القرون الثلاثة، فليس عند المتأخرين أمانة في أعمالهم وفي أداء الحقوق التي لهم على الناس.

قوله: «وينذرون ولا يفون» ينذر طاعة ثم لا يفي به، وهذا من ضعف إيمانهم، وقد أثنى الله على الأبرار في وفائهم بالنذر في قوله: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ) [الإنسان: 7].

قوله: «ويظهر فيهم السمن»؛ يعني: تركبهم الشحوم بسبب الإخلاد للدنيا والركون للراحة وكثرة المآكل والمشارب والإقبال على الشهوات والغفلة عن الآخرة، ولكن قد يكون الإنسان سمينًا خِلْقَةً فهذا لا يذم، وما زال السمن موجودًا سابقًا ولاحقًا، ففي الصحابة من هو سمين مثل عتبان بن مالك رضي الله عنه ، وهو الذي صنع للنبي صلى الله عليه وسلم خزيرة وصلى عنده الضحى، وهو راوي حديث: «إن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله»([3]) - وقد ذكره الشيخ محمد بن عبد الوهاب «في كتاب التوحيد»، - ولكن ظهور السمن بعد القرون المفضلة أكثر.

 ●         [3425 ] قوله: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» فهذه القرون الثلاثة المفضلة.

قوله: «ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته»؛ يعني: بسبب عدم الورع وضعف الإيمان وقلة الديانة. ما يبالي تسبق الشهادة اليمين أو اليمين الشهادة، وهذا بعد القرون الثلاثة المفضلة.

قوله: «قال إبراهيم»؛ هو إبراهيم بن يزيد النخعي، تابعي صغير.

قوله: «وكانوا»؛ المقصود بالضمير هم أصحاب عبد الله بن مسعود والسلف من الصحابة ي.

قوله: «يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار»؛ يعني: من باب التأديب، فكانوا يضربون الأطفال وهم صغار إذا شهدوا شهادة زور، أو نقضوا عهدا؛ حتى يتأدبوا ولا يتعودوا على الأخلاق السيئة، وحتى لا ينشأ الطفل وهو لا يبالي باليمين ولا بالشهادة.

والقرن: أهل زمان واحد متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة، وقال بعضهم: إن ذلك مخصوص بما إذا اجتمعوا في زمن نبي أو رئيس يجمعهم على ملة أو مذهب أو عمل، ويطلق القرن على مدة من الزمان اختلفوا في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة وعشرين عاما، لكن الأقرب أنها مائة سنة.

* * *

المتن

[1/54] مناقبُ المهاجرين وفضلُهم
منهم أبو بكر عبدالله بن أبي قحافة التَّيْمِي رضي الله عنه
وقول الله عز وجل: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) [الحشر: 8] الآية
وقوله: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) [التوبة: 40] الآية

قالت عائشة وأبو سعيد وابن عباسرضي الله عنهم : وكان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار.

 ●         [3426 ] حدثنا عبدالله بن رجاء، قال: حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء قال: اشترى أبو بكر من عازبٍ رَحْلاً بثلاثة عشر درهماً، فقال أبو بكر لعازبٍ: مُرِ البراء فليحملْ إليَّ رحلي، فقال عازب: لا حتى تحدثَنا كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة والمشركون يطلبونكم؟ قال: ارتحلنا من مكة، فأحيينا - أو سرينا - ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه؟ فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله، فاضطجع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحداً؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا، فسألته فقلت: لمن أنت يا غلام؟ قال لرجل من قريش سماه فعرفته، فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، قلت: فهل أنت حالبٌ لبنًا؟ قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال هكذا - ضرب إحدى كفيه بالأخرى، فحلب لي كثبة من لبن، وقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول الله، قال: فارتحلنا والقوم يطلبونا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جُعْشُم على فرس له، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله؛ فقال: «( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة: 40]».

 ●         [3427] حدثنا محمد بن سنان، قال: حدثنا همام، عن ثابت، عن أنس، عن أبي بكر قال: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا؛ فقال: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟».

الشرح 

في هذه الترجمة مناقب المهاجرين خاصة، فالصحابة ي ثلاثة أقسام:

القسم الأول: المهاجرون: وهم الذين هاجروا من مكة إلى المدينة قبل فتح مكة مؤمنين بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، تاركين أموالهم وأولادهم، مقدمين محبة الله عز وجل على محبة أولادهم وأهليهم ووطنهم.

القسم الثاني: الأنصار: هم سكان المدينة من الأوس والخزرج الذين نصروا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

القسم الثالث: مسلمة الفتح: وهم الذين أسلموا بعد فتح مكة، وبقوا فيها؛ لأن الهجرة قد انتهت بعد فتح مكة.

قوله: «مناقب» يعني: فضائل.

قوله: «المهاجرين» هم أفضل الصحابة ي في الجملة؛ لأن المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم وأولادهم، والأنصار بقوا في بلادهم وإن كانوا نصروا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.

قوله: «أبو بكر عبدالله بن أبي قحافة» هذا هو المشهور، وقيل: اسمه عتيق، والصواب أنه لقب له، وأن اسمه عبدالله رضي الله عنه، وأبوه أبو قحافة، وهذه كنيته، واسمه عثمان ابن عامر بن كعب؛ فيكون أبو بكر رضي الله عنه هو عبدالله بن عثمان بن عامر بن كعب.

قوله: «وقول الله عز وجل: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ) الآية» هذه الآية فيها منقبة عظيمة للمهاجرين؛ فقد وصفهم بأنهم (أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ)، وهم يبتغون فضلاً من الله عز وجل ورضوانًا؛ فما هاجروا لأجل الدنيا، بل هاجروا لينصروا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال الله عز وجل بعد ذلك: (أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ) [الحشر: 8]. فهم صادقون في قولهم وعملهم؛ والصدق يكون بالأقوال وبالأفعال، وهم صادقون في هجرتهم إلى الله عز وجل وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم.

قوله: «وقوله: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ) الآية»، يعني: إلا تنصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، وتمام الآية: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[التوبة: 40]. وهذه معية خاصة، فهي معية تأييد ونصر وتوفيق وتسديد وحفظ وكلاءة، وهي صفة من صفات الله عز وجل.

والمعية معيتان: معية عامة للمؤمن والكافر، ومعية خاصة للمؤمنين.

فالأولى: معية للمؤمن والكافر كقوله تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (7)) [المجادلة: 7]، وقوله سبحانه: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)) [الحديد: 4]. وتأتي في سياق المحاسبة والمجازاة؛ ولهذا قال عز وجل مهددًا: (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

والمعية الثانية: معية خاصة بالمؤمنين والأنبياء، وهي معية نصر وتأييد وكلاءة وحفظ، وتأتي في سياق المدح والثناء كما في هذه الآية الحاكية ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]. يعني: بنصره وتأييده وتوفيقه وحفظه وكلاءته، وهو فوق العرش سبحانه وتعالى، وكذلك قوله عز وجل: (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46]، وقوله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128)) [النحل: 128]، وقوله لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه: 46]. فهذه كلها معية خاصة.

قولهم: «وكان أبو بكر مع النبي صلى الله عليه وسلم في الغار» هذه منقبة لأبي بكر رضي الله عنه (إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )[التوبة: 40]. وهذه صحبة خاصة، وإلا فكل الصحابة ي أصحاب له، لكن هذه صحبة خاصة في الغار ومنقبة للصديق رضي الله عنه ما شاركه فيها أحد، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وما من أحد يستطيع أن يصل إلى هذا الفضل.

 ●         [3426 ] قوله: «عن البراء قال: اشترى أبو بكر من عازب»، يعني: أن البراء بن عازب رضي الله عنه يخبر أن أبا بكر رضي الله عنه اشترى من والده عازب «رحلًا بثلاثة عشر درهمًا»، والرحل: ما يوضع على البعير ويشد عليه، وثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر وستة عشر إلى تسعة عشر مبني على فتح الجزأين. «فقال أبو بكر لعازب: مر البراء فليحمل إلي رحلي»، أي: قال أبو بكر رضي الله عنه لعازب: مر ابنك البراء رضي الله عنه يحمل إلي رحلي. «فقال عازب: لا، حتى تحدثنا»، أي: عن الهجرة؛ لأنه رضي الله عنهكان صاحب النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة.

فلما كان المشركون يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم بعدما عزموا على قتله جعلوا جائزة ثمينة لمن يأتي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: من يأتي به حيًّا أو ميتًا فله مائة ناقة، فصار الناس يطلبونه من كل مكان؛ لأن مائة ناقة ليست بالأمر الهين، فالبعير يساوي ثمنًا عظيمًا؛ فلذلك صاحب هذه الجائزة سيكون من أغنى الناس.

ولما صار الناس يطلبونهما دخلا في غار في الجبل كان قريبًا منهما؛ روي أنه جاءت عنكبوت فعششت على باب الغار، وجاءت حمامة فباضت([4])، وكل هذا لأجل أن يعميهم الله عز وجل؛ وجاء الكفار من كل مكان حتى إنهم أتوا فوق رءوسهم في الغار فسمعوا دبيبهم فوق رءوسهم، ففزع أبو بكر رضي الله عنه حزنًا على النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا - مشفقًا على النبي صلى الله عليه وسلم - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما؟»؛ فأعماهم الله عز وجل، ولما قال بعضهم: ندخل الغار، قيل: لا، ما فيه من أحد؛ لو كان فيه أحد ما عشش العنكبوت ولا باضت الحمامة!

ومكثا ثلاثة أيام في الغار حتى هدأ الطلب، وواعدا عبدالله بن أرقد أن يأتيهما بعد ثلاثة أيام بالبعير، وكان الطلب شديدًا في أول الأمر ثم بعد ذلك حصل فتور.

ولما خرج النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه من الغار مشيا يومًا وليلة، ومشيًا في اليوم الثاني حتى جاء الظهر. قال أبو بكر رضي الله عنه: «فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه»؛ يريد الظل للقيلولة، «فإذا صخرة أتيتها»، أي: صخرة قائمة مرتفعة لها ظل فأتيتها «فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله، فاضطجع النبي صلى الله عليه وسلم» وهذا من فضائل أبي بكر رضي الله عنه أنه كان يؤثر النبي صلى الله عليه وسلم على نفسه.

قوله: «ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدًا؟»، أي: لما نام النبي صلى الله عليه وسلم تحت ظل الصخرة صار أبو بكر رضي الله عنه ينظر هل من أحد يطلبنا؟ «فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة يريد منها الذي أردنا»، أي: راعي الغنم يقصد الصخرة يريد الظل الذي فيها، ولكن سبقه الصديق رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم.

قوله: «فسألته فقلت: لمن أنت يا غلام؟ قال: لرجل من قريش سماه فعرفته» كان أبو بكر رضي الله عنه يعرف أنساب العرب، ويعرف أهل مكة فعرف الغلام.

قوله: «فقلت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، قلت: فهل أنت حالب لبنًا؟ قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه» فينبغي للإنسان أن يلاحظ النظافة حتى لا يتساقط شيء من التراب أو من الشعر، في الحليب فقبل أن تُحلب نفض ضرعها ثم نفض يديه.

قوله: «فحلب لي كثبة من لبن، وقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة» لما حلب اللبن كان حارًّا من شدة الحر، وكان مع أبي بكر رضي الله عنه إداوة من جلد صغيرة فيها ماء وعلى فمها خرقة، وإداوة الجلد إذا كانت قديمة معروف أنها تبرد الماء. قال: «فصببت على اللبن حتى برد أسفله» وقد يقول قائل: كيف يصب على اللبن ماء، أما يكون هذا غشًّا؟!

الجواب: أنه لو باعه الإنسان يكون غشًّا، أما هذا فليس للبيع، وهذا فيه مصلحة وهي تبريد اللبن.

قوله: «فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافقته قد استيقظ، فقلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت»، يعني: شرب شربًا مناسبًا.

مسألة : إذا قيل: كيف يشرب النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه من اللبن ولم يستأذنا صاحب الغنم؟

الجواب : أنه يجاب عن ذلك بثلاثة أجوبة:

 الأول: أن الغلام أذن وهو قائم مقام صاحب الغنم.

الثاني: أن العادة عند العرب إسقاء اللبن وغيره ممن يمر بهم،فيعتنون بالضيف، وهذا من أخلاقهم الكريمة.

الثالث: لو فرض أنه بغير إذن، فإن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكررضي الله عنه محتاجان ومضطران، والمحتاج والمضطر له أن يأخذ ما يسد حاجته أو يدفع ضرورته..

قوله: «هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله؛ فقال: (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) [التوبة: 40]» فيه: إثبات المعية لله عز وجل،
وفيه: إثبات المعية الخاصة،
وفيه: إثبات الصحبة الخاصة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وسبق أن سراقة لما لحقهم دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فساخت قوائم فرسه في الأرض، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاه العهد أن يرد الطلب من جهته.
وفي الحديث: أن للصديق رضي الله عنه صفة خاصة تقتضي عدم المشاركة فيها.

وفيه: منقبة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه.

●     [3427 ] قوله: «ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما»، أعماهم الله عز وجل عنهما و باب الغار كان منخفضًا إلا أنه كان ضيقًا، وفي «المغازي» للواقدي: أن رجلًا كشف عن فرجه وجلس يبول فقال أبو بكر رضي الله عنه: قد رآنا يا رسول الله فقال: «لو رآنا لم يكشف عن فرجه»([5]).

* * *

المتن

[2/54] باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر»

قاله ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم.

 ●         [3428] حدثنا عبدالله بن محمد، قال: حدثنا أبو عامر، قال: حدثنا فليح، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال: «إن الله تبارك وتعالى خَيَّر عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله»، قال: فبكى أبو بكر - فعجبنا لبكائه أن يخبرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن عبدٍ خُيِّر، فكان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم هو المخيَّرَ، وكان أبو بكر أعلمَنا - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن مِن أَمَنِّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنتُ متَّخِذاً خليلاً غير ربي لاتخذت أبا بكر، ولكن أُخوَّةُ الإسلام ومودَّتُه، لا يَبْقَيَنَّ في المسجد بابٌ إلا سُدَّ إلا بابُ أبي بكرٍ»

الشرح 

هذه الترجمة معقودة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «سدوا الأبواب إلا باب أبي بكر»، وذلك أن الصحابة ي الذين كانت بيوتهم بجوار المسجد كانت لهم أبواب صغيرة تسمى خوخة يخرجون منها إلى المسجد خاصة، ولهم أبواب أخرى من الجهة الأخرى؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته: «لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ إلا باب أبي بكر» وفي لفظ آخر: «لا يبقين في المسجد خوخة»([6])، أي: كل من كان فتح بابًا صغيرًا على المسجد عليه أن يسده إلا أبا بكر رضي الله عنه فلا يسد بابه.

واستدل به العلماء على أن هذا إشارة إلى خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعده؛ لأن الخليفة هو الذي يبقى بابه يدخل منه ويخرج منه إلى الناس في المسجد ليصلي بهم، ولذلك اختاره الصحابة ي للخلافة، واستدلوا بذلك على أنه أحق بالخلافة من غيره.

 ●         [3428] من مناقب الصديق رضي الله عنه ما جاء في هذا الحديث أن أبا بكر رضي الله عنه فهم ما لم يفهمه الناس وجعل يبكي، أما الناس فتعجبوا من بكائه رضي الله عنه، وذلك عندما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن عبد خيره الله عز وجل بين الدنيا وبين الآخرة فاختار ما عنده، فكان أبو بكر رضي الله عنه أعلمهم، وكان المخير هو الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل خيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة؛ لذلك بكى أبو بكر رضي الله عنه.

قوله: «إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر» أمن:أفعل تفضيل من المن بمعنى العطاء والبذل لا من المنة التي تفسد العمل، يعني: إن من أكثر الناس عطاءً وبذلًا، حيث يبذل نفسه ويبذل ماله لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللجهاد في سبيله هو أبو بكر رضي الله عنه، وهذه منقبة ثانية.

قوله: «ولو كنت متخذًا خليلًا غير ربي لاتخذت أبا بكر»، يعني: لو كان في قلبي متسع للخلة لكانت لأبي بكر رضي الله عنه، ولكني خليل الله عز وجل، والخليل هو المحبوب الذي بلغت محبته النهاية ودخلت في شغاف القلب وبلغت سويداءه، ولا يتسع القلب لأكثر من خليل، لكن يتسع لأكثر من محبوب؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أبا بكر ويحب عائشة ويحب أسامة ويحب زيدًا ي ويحب جماعة كثيرين، ويتسع قلبه إلى أكثر من محبوب، لكن في الخلة ما يتسع لأحد؛ فقد امتلأ قلبه بخلة الله عز وجل ولو كان فيه متسع لكان لأبي بكر رضي الله عنه، وهذه منقبة ثالثة .

قوله: «ولكن أخوة الإسلام ومودته»، يعني: أن أخوة الإسلام باقية له رضي الله عنه ومودته.

قوله: «لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر» فيه: تنبيه على أنه الخليفة بعده، وأنه الذي يصلي بالناس رضي الله عنه، وهذه منقبة رأبعة .


وفي الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وأنه كان متأهلاً لأن يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلاً لولا المانع كما تقدم.

وفيه: أن الخليل له صفات خاصة تقتضي عدم المشاركة فيها.

وفيه: أن المساجد تصان عن التطرق إليها لغير ضرورة مهمة؛ ولهذا أمر بالأبواب التي على المسجد فأغلقت حتى لا تهان المساجد.

وفيه: الإشارة بالعلم الخاص دون التصريح لإثارة أفهام السامعين، ويتفاوت العلماء في الفهم؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه فهم ما لم يفهمه الناس، وأن من كان أرفع في الفهم يستحق أن يطلق عليه الأعلم.

وفيه: الترغيب في اختيار ما في الآخرة على ما في الدنيا.

وفيه: شكر المحسن والتنويه بفضله والثناء عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم شكر أبا بكر رضي الله عنه وأثنى عليه، قال ابن بطال /: «وفيه: أن على السلطان شكر من أحسن صحبته ومعونته بنفسه وماله، والاعتراف له بالمنة، واختصاصه بالفضيلة التى لم يُشارك فيها، كما اختص هو أبا بكر رضي الله عنه بما لم يخص به غيره، وذلك أنه جعل بابه فى المسجد؛ ليخلفه فى الإمامة ليخرج من بيته إلى المسجد، كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يخرج، ومنع الناس كلهم من ذلك دليل على خلافة أبي بكر بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، ودليل على أن المرشح للخلافة يُخصُّ بكرامة تدل على ترشحه».

وقوله: «لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر» هذا هو الصحيح؛ فإذا عارض الصحيح ما ذكر عن الشيعة أنه باب علي رضي الله عنه يقدم الصحيح، ولا يمكن أن يجمع بينهما، فالحديث نص على سد كل الأبواب، ومنها باب علي رضي الله عنه، والأقرب أن هذا من وضع الشيعة ليروجوا أن الخليفة بعده علي رضي الله عنه، وأن الصحابة ي كفروا وارتدوا وأخفوا النصوص- نعوذ بالله عز وجل.

الأمر بسد الأبواب وقع مرتين: ففي الأولى استثنى عليًّا رضي الله عنه لما ذكره، وفي الأخرى: استثنى أبا بكر رضي الله عنه .

ولو صحت الرواية التي يتمسك بها الشيعة يمكن أن يقال ما قاله الحافظ ابن حجر.

* * *

المتن

[3/54] باب فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم

 ●         [3429 ] حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله، قال: حدثنا سليمان، عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عن ابن عمر قال: كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان بن عفان رضي الله عنهم.

الشرح

هذه الترجمة لبيان فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

قوله: «باب: فضل أبي بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم» هذه البعدية المراد بها رتبة الفضل لا البعدية الزمنية، فالمراد بعد فضل النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد بعد موته صلى الله عليه وسلم؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه ثبتت فضليته في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لا بعده.

 ●         [3429 ] قوله: «كنا نخير»، يعني: نفاضل «بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخير أبا بكر»، أي: نقول: أفضلنا وأخيرنا أبو بكر رضي الله عنه، «ثم عمر ثم عثمان» وفي اللفظ الآخر: «فيبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فلا ينكره»([7])، أي: يبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فيسكت ولا ينكر عليهم ويقرهم على ذلك؛ فدل على أن تفضيل الصحابة ي صحيح.

ثم الرابع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وفي هذا الحديث تقديم عثمان رضي الله عنه بعد أبي بكر وعمر م على علي رضي الله عنه. وهذا هو المشهور عند جمهور أهل السنة.

 وذهب بعض السلف إلى تقديم علي على عثمان م، وممن قال بهذا سفيان الثوري ويقال: إنه رجع عنه، وقال به ابن خزيمة وطائفة قليلة من بعدهم.

وقيل: لا يفضل أحدهما على الآخر - يعني: عثمان وعليًّا - قاله مالك وتبعه جماعة، وحديث الباب حجة للجمهور في تفضيل عثمان رضي الله عنه.

وهناك جماعة من التابعين فمن بعدهم يفضلون عثمان رضي الله عنه يسمون عثمانيين، وجماعة يفضلون عليًّا على عثمان م يسمون علويين.

وذهب قوم إلى أن أفضل الصحابة ي من استشهد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وعين بعضهم، منهم: جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، ومنهم من ذهب إلى أن أفضلهم العباس رضي الله عنه ،وهو قول ضعيف، وليس قائله من أهل السنة، بل ولا من أهل الإيمان، فوراءه الشيعة، فهم يفضلون العباس رضي الله عنه على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ي؛ ومنهم من قال: أفضلهم مطلقًا عمر رضي الله عنه، وتمسكوا بالحديث الذي فيه أن عمر رضي الله عنه لما أخذ الدلو استحالت غربًا([8])، والصواب الذي عليه الجمهور أن أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين.

* * *

المتن

[4/54] باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذا خليلاً...»

قاله أبو سعيد.

 ●         [3430] حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي».

 ●         [3431] حدثنا معلى بن أسد وموسى بن إسماعيل التنوخي قالا: حدثنا وهيب، عن أيوب، وقال: «لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذته خليلا، ولكن أخوة الإسلام أفضل».

نا قتيبة، قال: حدثنا عبدالوهاب، عن أيوب... مثله.

 ●         [3432] حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبدالله ابن أبي مليكة قال: كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال: أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذاً من هذه الأمة خليلاً لاتخذته»، أنزله أبا -يعني: أبا بكر.

 ●         [3433] حدثنا الحميدي ومحمد بن عُبيدالله قالا: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه، قالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك -كأنها تقول الموت؟ قال: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر».

 ●         [3434] حدثنا أحمد بن أبي الطيب، قال: حدثنا إسماعيل بن مجالد، قال: حدثنا بيان بن بشر، عن وَبَرةَ بن عبدالرحمن، عن همام قال: سمعت عمَّارًا يقول: رأيتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وما معه إلا خمسةُ أعبُد وامرأتان وأبو بكر.

 ●         [3435] حدثنا هشام بن عمار، قال: حدثنا صدقة بن خالد، قال: حدثنا زيد بن واقد، عن بُسْر بن عُبيدالله، عن عائذالله أبي إدريسَ، عن أبي الدرداء قال: كنت جالساً عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذًا بطَرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما صاحبكم فقد غامر»، فسَلَّم، وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه، ثم ندِمت، فسألته أن يغفر لي، فأبى عليَّ، فأقبلت إليك، فقال: «يغفر الله لك يا أبا بكر!» - ثلاثاً، ثم إن عمر ندِم، فأتى منزل أبي بكر فسأل: أَثَمَّ أبو بكر؟ قالوا: لا، فأتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم، فجعل وجهُ النبي صلى الله عليه وسلم يتمعَّر حتى أشفق أبو بكر؛ فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنتُ أظلمَ -مرتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله بعثني إليكم فقلتم: كذبتَ، وقال: أبو بكر صدقَ، وأَوْساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي؟» - مرتين؛ فما أُوذي بعدها.

 ●         [3436] حدثنا مُعَلَّى بن أسد، قال: حدثنا عبدالعزيز بن المختار، قال: خالد الحذَّاء نا، عن أبي عثمان، قال: حدثنا عمرو بن العاصي، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذاتِ السَّلاسِل، فأتيته فقلت: أي: الناس أحب إليك؟ قال: «عائشة»، فقلت: مِن الرجال؟ فقال: «أبوها»، قلت: ثم مَن؟ قال: «ثم عمر بن الخطاب»، فعَدَّ رجالاً.

 ●         [3437] حدثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني أبو سلمة ابن عبدالرحمن بن عوف، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينما راع في غنمه عَدا عليه الذئب فأخذ منها شاة؛ فطلبه الراعي، فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يومَ السَّبُع يومَ ليس لها راع غيري؟! وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتتْ إليه فكلمتْه فقالت: إني لم أُخلَق لهذا، لكنِّي خُلقْتُ للحرث»؛ فقال الناس: سبحان الله! قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فإنِّي أُومنُ بذلك وأبو بكر وعمر».

 ●         [3438] حدثنا عبدان، قال: أنا عبدالله، عن يونس، عن الزهري، قال: أخبرني ابن المسيَّب، سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بينا أنا نائمٌ رأيتُني على قَليبٍ عليها دَلْوٌ، فنزَعتُ منها ما شاء الله، ثم أخذها ابنُ أبي قُحافةَ فنزع بها ذنوباً - أو ذنوبين - وفي نزعه ضَعفٌ، والله يغفر له ضَعفَه! ثم استحالت غَرْبًا فأخذها ابنُ الخطاب، فلم أرَ عَبْقرِيًّا مِن الناس ينزعُ نزعَ عمرَ حتى ضرب الناسُ بعَطَنٍ».

 ●         [3439] حدثنا محمد بن مقاتل، قال: أنا عبدالله، قال: أنا موسى بن عقبة، عن سالم ابن عبدالله، عن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن جرَّ ثوبه خُيَلاءَ لم ينظُر الله إليه يوم القيامة»، فقال أبو بكر: إن أحد شِقَّيْ ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنك لستَ تصنعُ ذلك خُيَلاءَ».

قال موسى: فقلت لسالم: أَذَكرَ عبدالله: «مَن جر إزاره...»؟ قال: لم أسمعْه ذكر إلا «ثوبَه».

 ●         [3440] حدثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: أخبرني حميد بن عبدالرحمن بن عوف، أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دُعِيَ من أبوابِ - يعني: الجنة: يا عبدَ الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام بابِ الريان»، فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يُدْعَى من تلك الأبواب من ضرورة، وقال: هل يُدعَى منها كلِّها أحدٌ يا رسول الله؟ فقال: «نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر».

 ●         [3441] حدثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدثني سليمان بن بلال، عن هشام بن عروة، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات وأبو بكر بالسُّنْح - قال إسماعيل: تعني بالعالية - فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم - قالت: وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا ذاك - ولَيبْعَثَنَّهُ الله فليَقْطَعَنَّ أيديَ رجالٍ وأرجلَهم، فجاء أبو بكر فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، قال: بأبي أنت وأمي طبت حياً وميتاً، والذي نفسي بيده لا يُذيقُك الله الموتتين أبدا، ثم خرج فقال: أيها الحالفُ على رِسلك، فلما تكلم أبو بكر جلس عمر، فحمد الله أبو بكر، وأثنى عليه، وقال: ألا من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وقال: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30))[الزمر: 30]، وقال: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)) [آل عمران: 144]، قال: فنَشَجَ الناس يبكون، قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادةَ في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني هيأت كلاماً قد أعجبني خَشِيتُ أن لا يبلُغَه أبو بكر، ثم تكلم أبو بكر، فتكلَّم أبلغَ الناسِ، فقال في كلامه: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء، فقال حُباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنَّا الأمراء، وأنتم الوزراء؛ هم أوسط العرب داراً، وأعربهم أحسابا، فبايعوا عمرَ أو أبا عبيدة بن الجراح، قال عمر: بل نبايعُك أنت؛ فأنت سيدنا وخيرنا وأحبُّنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذ عمرُ بيدِه فبايَعَه، وبايَعَه الناسُ، فقال قائل: قَتلتُم سعد بن عبادةَ، فقال عمر: قتَله الله.

وقال عبدالله بن سالم: عن الزُّبيدي، قال عبدالرحمن بن القاسم: أخبرني القاسم، أن عائشة قالت: شخص بصر النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «في الرفيق الأعلى!» - ثلاثاً... وقص الحديث، قالت: فما كانت من خُطبتِهما من خُطبةٍ إلا نفع الله بها، لقد خوَّف عمرُ الناسَ، وإن فيهم لَنِفاقًا، فردَّهم الله بذلك، ثم لقد بصَّر أبو بكر الناسَ الهُدى، وعرَّفَهم الحقَّ عليهم، وخرجوا به يتلون: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) إلى (الشَّاكِرِينَ )  [آل عمران: 144].

 ●         [3442] حدثنا محمد بن كثير، قال: أنا سفيان، قال: حدثنا جامع بن أبي راشد، قال: حدثنا أبو يعلى، عن محمد بن الحنفية قال: قلت لأبي: أي: الناس خيرٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أبو بكر، قلت: ثم من؟ قال: عمر -وخشيت أن يقول: عثمان- قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين!

 ●         [3443] حدثنا قتيبة بن سعيد، عن مالك، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء - أو بذات الجيش - انقطع عِقد لي؛ فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه، وأقام الناس معه، وليسوا على الماء، وليس معهم ماء، فأتى الناسُ أبا بكر فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبَسْتِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم والناسَ، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، قالت: فعاتبني، وقال ما شاء الله أن يقول، وجعل يَطْعُنُنِي بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي، فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء، فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أُسيد بن الحُضير: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر! فقالت عائشة: فبعَثْنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العِقد تحته.

 ●         [3444] حدثنا آدم بن أبي إياس، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، قال: سمعت ذكوان يحدث عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه».

تابعه جرير وعبدالله بن داود وأبو معاوية ومحاضر، عن الأعمش.

 ●         [3445] حدثنا محمد بن مسكين أبو الحسن، قال: حدثنا يحيى بن حسان، قال: حدثنا سليمان، عن شريك بن أبي نَمِر، عن سعيد بن المسيَّب قال: أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته، ثم خرج فقلت: لألزَمَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ولأَكُونَنَّ معه يومي هذا، قال: فجاء المسجدَ فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقالوا: خرج وَجَّه هاهنا، فخرجت على أَثَرِه أسألُ عنه حتى دخل بئر أَرِيسٍ، فجلست عند الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فتوضأ، فقمت إليه فإذا هو جالس على بئر أريس، وتوسَّط قُفَّها، وكشف عن ساقيه، ودلَّاهما في البئر، فسلمت عليه، ثم انصرفت، فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بوَّاباً للنبي صلى الله عليه وسلم اليوم، فجاء أبو بكر فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر، فقلت: على رسلك، ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله، هذا أبو بكر يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة»، فأقبلت حتى قلت لأبي بكر: ادخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبشرك بالجنة، فدخل أبو بكر فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القُفِّ، ودلَّى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم، وكشف عن ساقيه، ثم رجعت فجلست، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان - يريد أخاه - خيراً يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب، فقلت: على رسلك، ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، فقلت: هذا عمر بن الخطاب يستأذن، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة»، فجئت فقلت: ادخل، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر، ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، فجاء إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان، فقلت: على رسلك، وجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: «ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه»، فجئته فقلت له: ادخل، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك، فدخل فوجد القُفَّ قد مُلئ فجلس وُجاهه من الشق الآخر.

قال شريك: قال سعيد بن المسيَّب: فأوَّلتها قبورَهم.

 ●         [3446] حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى عن سعيد، عن قتادة، أن أنس بن مالك حدثهم، أن النبي صلى الله عليه وسلم صَعِد أُحُدًا وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال: «اُثْبُتْ أحُدُ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان».

 ●         [3447] حدثنا أحمد بن سعيد أبو عبدالله، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا صخر، عن نافع، أن عبدالله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بينما أنا على بئر أنزع منها جاءني أبو بكر وعمر، فأخذ أبو بكر الدلو فنزع ذنوباً - أو ذنوبين - وفي نزعه ضعف، والله يغفر له! ثم أخذها ابن الخطاب من يَدَيْ أبي بكر فاستحالت في يده غرباً، فلم أر عبقريًّا من الناس يفري فريَّه، فنزع حتى ضرب الناس بعطن».

وقال وهب: العطن: مَبرك الإبل، يقول: حتى رَويتِ الإبل فأناخت.

 ●         [3448] حدثنا الوليد بن صالح، قال: حدثنا عيسى بن يونس، قال: حدثنا عمر بن سعيد بن أبي حسين المكي، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس قال: إني لواقف في قوم فدَعوُا الله لعمر بن الخطاب -وقد وُضع على سريره- إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه على مَنكبي يقول: يرحمك الله! إن كنت لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك؛ لأني كثيرا مما كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كنت وأبو بكر وعمر... وفعلت وأبو بكر وعمر... وانطلقت وأبو بكر وعمر»، فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما، فالتفتُّ فإذا عليُّ بن أبي طالب.

 ●         [3449] حدثنا محمد بن يزيد الكوفي، قال: حدثنا الوليد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن إبراهيم، عن عروة بن الزبير قال: سألت عبدالله بن عمرو عن أشد ما صنع المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: رأيت عقبة بن أبي معيط جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فوضع رداءه في عنقه فخنَقه بها خنْقا شديداً؛ فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه فقال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) [غافر: 28].

الشرح

 ●         [3430 ] قوله: «لو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر، ولكن أخي وصاحبي»، أي: لكن أبا بكر أخي وصاحبي وليس خليلًا.

 ●         [3431 ] قوله: «لو كنت متخذًا خليلًا لاتخذته خليلًا، ولكن أخوة الإسلام أفضل» يعني: بقيت أخوة الإسلام، أما الخلة فهذه ذهبت لله عز وجل.

 ●         [3432 ] قوله: «كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد»، يعني: عبدالله بن الزبير م لما كان خليفة على الحجاز، فبعد إمارة يزيد بن معاوية بويع عبدالله بن الزبير م أميرًا على الحجاز؛ فكان خليفة على مكة والمدينة والطائف، ثم بعد ذلك توسع فأخذ الشام واستتب له الأمر، ثم بعد ذلك دعا مروان بن الحكم لنفسه في الشام، ولما توفي قام بعده عبدالملك بن مروان فدعا الناس إلى خلافته فتبعه بنو أمية، ثم تابعه بعض الناس حتى أخذ بعض المدن في الشام، وصارت الحرب بينه وبين عبدالله بن الزبير م حتى تقوى عبدالملك بن مروان فأخذ الشام كله، ثم بعد ذلك أخذ المدينة، ثم جعل بعد ذلك يقاتل عبدالله بن الزبير م في مكة؛ لأنها كانت العاصمة والمقر لعبدالله بن الزبير م.

وكتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير رضي الله عنه يسألونه: ما حكم الجد؟ هل حكمه حكم الأب في الميراث فيسقط الإخوة، أم حكمه حكم الأخ فلا يسقطهم؟ فقال عبدالله بن الزبير رضي الله عنه: صديق هذه الأمة الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً لاتخذته» أنزل الجد «أبًا»، أي: جعل الجد أبًا يسقط الإخوة.

 


([1]) أبو داود (2532).

([2]) أحمد (4/115)، ومسلم (1719).

([3]) أحمد (5/449)، والبخاري (425)، ومسلم (33).

([4]) أحمد (5 / 87) ،الطبراني في «المعجم الكبير» (20/443)، والفاكهي في «أخبار مكة» (4/82).

([5]) أبو يعلى في «المسند» (1/46).

([6]) أحمد (1/270)، والبخاري (3904)، ومسلم (2382).

([7]) أبو يعلى في «المسند» (9/456)، والخلال في «السنة» (2/398).

([8]) أحمد (2/27)، والبخاري (3682)، ومسلم (2392).

logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد