● [3482] حدثنا عبدالله بن عبدالوهاب، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا شعبة، عن واقد، قال: سمعت أبي يحدث عن ابن عمر، عن أبي بكر قال: «ارقبوا محمداً في أهل بيته».
الشرح
قوله: «مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال الحافظ ابن حجر /: «زاد غير أبي ذر في هذا الموضع: «ومنقبة فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» وهذا الحديث سيأتي موصولًا في باب مفرد ترجمته منقبة فاطمة وهو يقتضي أن يكون ما اعتمده أبو ذر أولى.
قوله: «قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم» قال الحافظ ابن حجر /: «يريد بذلك من ينسب إلى جده الأقرب -وهو عبد المطلب- ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم منهم، أو من رآه من ذكر وأنثى، وهم علي، وأولاده الحسن والحسين ومحسن وأم كلثوم من فاطمة عليها السلام، وجعفر، وأولاده عبد الله وعون ومحمد، ويقال: إنه كان لجعفر بن أبي طالب ابن اسمه أحمد، وعقيل بن أبي طالب وولده مسلم بن عقيل، وحمزة بن عبد المطلب، وأولاده يعلى وعمارة وأمامة، والعباس بن عبد المطلب، وأولاده الذكور عشرة وهم: الفضل وعبد الله وقثم وعبيد الله والحارث ومعبد وعبد الرحمن وكثير وعون وتمام،
وفيه: يقول العباس:
تموا بتمام فصاروا عشرة |
يا رب فاجعلهم كراماً بررة |
ويقال: إن لكل منهم رواية، وكان له من الإناث أم حبيب وآمنة وصفية وأكثرهم من لبابة أم الفضل، ومعتب بن أبي لهب، والعباس بن عتبة بن أبي لهب، وكان زوج آمنة بنت العباس، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وأخته ضباعة، وكانت زوج المقداد بن الأسود، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وابنه جعفر، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب وابناه المغيرة والحارث، ولعبد الله بن الحارث هذا رواية، وكان يلقب ببه، بموحدتين الثانية ثقيلة، وأميمة وأروى وعاتكة وصفية بنات عبد المطلب، أسلمت صفية وصحبت، وفي الباقيات خلاف والله أعلم».
● [3481] مناسبة هذا الحديث للترجمة: ما قاله الحافظ ابن حجر /: «المراد منه هنا قول أبي بكر: «لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي» وهذا قاله على سبيل الاعتذار عن منعه إياها ما طلبته من تركة النبي صلى الله عليه وسلم».
ففي هذا الحديث: ذكر عروة بن الزبير عن عائشة: «أن فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي صلى الله عليه وسلم فيما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، تطلب صدقة النبي صلى الله عليه وسلم التي بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر»، أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك صدقة بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فأرسلت فاطمة إلى أبي بكر فقالت: أعطني ميراثي، «فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا نورث، ما تركنا صدقة» - وهذا الحديث يكاد يكون متواترًا، فقد رواه عشرة من الصحابة، وبعضهم من العشرة المبشرين بالجنة - فلم تقتنع فاطمة ل وغاضبته وهاجرته، حتى توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر - وكان علي معها في أول الأمر - فأخطأت وإن كانت سيدة نساء أهل الجنة، وظنت أن لها ميراثًا، والصواب مع أبي بكر؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث.
قوله: «إنما يأكل آل محمد من هذا المال - يعني: مال الله - ليس لهم أن يزيدوا على المأكل»، يعني: ينفق عليهم مما تركه النبي صلى الله عليه وسلم لكن لا يعتبر ميراثًا.
قوله: «وإني والله لا أغير شيئًا من صدقات النبي صلى الله عليه وسلم التي كانت عليها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم» وفي رواية أنه قال: «لست تاركًا شيئًا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به؛ فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ»([1]).
قوله: «ولأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم»، فيه: شدة تحري أبي بكر رضي الله عنه في اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لذلك قال في الرواية الأخرى: «إني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ».
قوله: «فتشهد علي ثم قال: إنا قد عرفنا يا أبا بكر فضيلتك، وذكر قرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وحقهم» وتأخر علي رضي الله عنه عن البيعة على الخلافة مدة بقاء فاطمة، ثم بعد أن توفيت بايعه.
قوله: «فتكلم أبو بكر: والذي نفسي بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي» هذا موضع الشاهد،
وفيه: فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قدَّم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم على قرابته، لكن فاطمة رضي الله عنها لم تقتنع،
وفيه: دليل على أن الإنسان وإن كان كبيرًا قد يغلط، وما هو بمعصوم وإن كان عظيمًا، فهذه فاطمة عليها السلام سيدة نساء أهل الجنة غلطت وظنت أن لها حقًّا في الميراث، وغاضبت أبا بكر رضي الله عنه وهجرته ستة أشهر، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يورث لأعطاها أبو بكر النصف، وزوجات النبي صلى الله عليه وسلم الثمن، والباقي لعمه العباس بالتعصيب، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لا يورث.
وقد يقول قائل: هل في مقاطعة فاطمة ل لأبي بكر رضي الله عنه ستة أشهر معارضة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث»([2])؟
وجوابه: أن حديث الرسول مقدم، وفعل أهل الفضل والصالحين إذا عارض الكتاب والسنة يلتمس لهم العذر؛ لأنهم لا يتعمدون المخالفة وإنما وقعت منهم على سبيل الخطأ، ففعل فاطمة ل لا يعارض الحديث؛ لأنها اجتهدت وأخطأت ل، ولا ينقص ذلك من قدرها شيئًا.
والقاعدة أن الكتاب والسنة حاكمان على قول كل أحد، ولا يحكم عليهما أحد.
● [3482 ] قوله: «ارقبوا محمدًا في أهل بيته»، قال الحافظ ابن حجر /: «يخاطب بذلك الناس ويوصيهم به؛ والمراقبة للشيء المحافظة عليه، يقول احفظوه فيهم فلا تؤذوهم ولا تسيئوا إليهم».
وفيه: محبة أبي بكر لأهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه عليهم؛ ولذلك وصى هذه الوصية.
المتن
[11/54] مناقب الزبير بن العوام رضي الله عنه
وقال ابن عباس: هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم.
وسمي الحواريون لبياض ثيابهم.
● [3483] حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا علي بن مسهر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أخبرني مروان بن الحكم قال: أصاب عثمان بن عفَّانَ رُعاف شديد سنة الرُّعاف حتى حبسه عن الحج، وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش فقال: استخلف، قال: وقالوه؟ قال: نعم، قال: ومن؟ فسكت، فدخل عليه رجل آخر - أحسبه الحارث - فقال: استخلف، فقال عثمان: وقالوا؟ فقال: نعم، قال: ومن هو؟ قال: فسكت، قال: فلعلهم قالوا: الزبير، قال: نعم، قال: أمَّا والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت، وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
● [3484] حدثنا عبيد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، قال: أخبرني أبي، قال: سمعت مروان قال: كنت عند عثمان أتاه رجل فقال: استخلِف، قال: وقيل ذلك؟ قال: نعم، الزبير، قال: أمَا والله إنكم لتعلمون أنه خيركم - ثلاثاً.
● [3485] حدثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدثنا عبدالعزيز، هو: ابن أبي سلمة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبي حواريَّ، وإن حواري الزبير».
● [3486] حدثنا أحمد بن محمد، قال: أنا عبد الله، قال: أنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبدالله بن الزبير قال: كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء، فنظرت فإذا أنا بالزبير على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثة، فلما رجِعت قلت: يا أَبَهْ، رأيتك تختلف، قال: أوَهَل رأيتَني يا بُنيِّ؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من يأتِ بني قريظة فيأتيَني بخبرهم؟»، فانطلقت فلما رجعت جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: «فداك أبي وأمي».
● [3487] حدثنا علي بن حفص، قال: حدثنا ابن المبارك، قال: أنا هشام بن عروة، عن أبيه، أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك: ألا تشدُّ فنشدَّ معك؟ فحمل عليهم، فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضُرِبها يوم بدر، قال عروة: فكنت أُدَخل أصابعي في تلك الضرَبات ألعب وأنا صغير.
الشرح
قوله: «مناقب الزبير بن العوام رضي الله عنه» قال الحافظ ابن حجر /: «أي: ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي، وعدد ما بينهما من الآباء سواء، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم وكان يكنى أبا عبد الله، وروى الحاكم([3]) بإسناد صحيح عن عروة قال: أسلم الزبير وهو ابن ثمان سنين».
وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، فالمؤلف بعد أن ذكر قرابة النبي صلى الله عليه وسلم انتقل إلى بيان مناقب بقية العشرة المبشرين بالجنة.
قوله: «وقال ابن عباس: هو حواري النبي صلى الله عليه وسلم. وسمي الحواريون لبياض ثيابهم» ذكر الحافظ ابن حجر للحواري عدة معانٍ كلها منقبة لمن لقب بهذا اللقب - وهو الْغَسَّال بالنبطية - فالحواري هو الذي يصلح للخلافة، والوزير، والناصر، والخالص، والخليل.
وقال العيني: «قال أبو أرطأة: كانوا قصارين فسموا بذلك؛ لأنهم كانوا يحورون الثياب، أي: يبيضونها.
وقال الضحاك: سموا حواريين لصفاء قلوبهم.
وقال عبد الله بن المبارك: سموا بذلك لأنهم كانوا نورانيين عليهم أثر العبادة ونورها وبهاؤها.
وأصل الحوار عند العرب: البيض، ومنه: الأحور، والحوراء، ودقيق حواري».
والحواريون ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنهم الأنصار والأصحاب، كما قال تعالى: (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمْ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)[آل عمران: 52].
وأما قوله: «وسمي الحواريون لبياض ثيابهم» فهذا من كلام الإمام البخاري /، كأن ذلك كان من صفاتهم في الأول.
ومعنى الأثر: إذا كان عيسى له حواري وأنصار فإن الزبير من حواري النبي صلى الله عليه وسلم وأنصاره.
قال العيني: «فإن قلت: الصحابة كلهم أنصار رسول الله خلصاء فما وجه التخصيص به؟
قلنا: هذا قاله حين قال يوم الأحزاب: «من يأتيني بخبر القوم؟» قال الزبير: أنا، ثم قال: «من يأتيني بخبر القوم؟»([4]) فقال: أنا، وهكذا مرة ثالثة. ولا شك أنه في ذلك الوقت نصر نصرة زائدة على غيره».
● [3483 ] قوله: «أصاب عثمان بن عفان رعاف شديد سنة الرعاف» قال الحافظ ابن حجر /: «كان ذلك سنة إحدى وثلاثين، أشار إلى ذلك عمر بن شبة في كتاب «تاريخ المدينة»، وأفاد أن عثمان كتب العهد بعده لعبد الرحمن بن عوف واستكتم ذلك حمران كاتبه، فوشى حمران بذلك إلى عبد الرحمن، فعاتب عثمان على ذلك، فغضب عثمان على حمران فنفاه من المدينة إلى البصرة، ومات عبد الرحمن بعد ستة أشهر، وكانت وفاته سنة اثنتين وثلاثين».
قوله: «حتى حبسه عن الحج وأوصى»، أي: كتب وصيته لما شعر بدنو أجله؛ بسبب مرض الرعاف.
قوله: «فدخل عليه رجل من قريش فقال: استخلف» يعني: تعهد بالخلافة إلى من بعدك.
قوله: «قال: وقالوه؟» يعني: تحدث الناس وقالوا: عثمان يستخلف «قال: نعم، قال: ومن؟» يعني: ومن أستخلف؟ «فسكت، فدخل عليه رجل آخر - أحسبه الحارث - فقال: استخلف، فقال عثمان: وقالوا؟» يعني: تحدث الناس فقالوا: عثمان يستخلف «فقال: نعم، قال: ومن هو؟» يعني: من أستخلف؟ «فسكت، قال: فلعلهم قالوا: الزبير، قال: نعم، قال: أمَّا والذي نفسي بيده إنه لخيرهم ما علمت» وهذا هو الشاهد الذي يدل على منقبة الزبير رضي الله عنه بشهادة عثمان رضي الله عنه، وأكد هذه المنقبة بقوله: «وإن كان لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم».
● [3484 ] قوله: «أما والله إنكم لتعلمون أنه - خيركم ثلاثًا» هو الشاهد من الحديث، ودليل على منقبة الزبير رضي الله عنه.
● [3485 ] قوله: «إن لكل نبي حواري، وإن حواري الزبير»، يعني: من أنصاري الصادقين في نصرتهم لي الزبير، فهذه منقبة عظيمة للزبير رضي الله عنه.
● [3486 ] قوله: «كنت يوم الأحزاب جعلت أنا وعمر بن أبي سلمة في النساء» لأنهم كانوا وقتها صغارًا، لم يبلغوا الحلم، فلم يجزهم النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد وجعلهم مع النساء، فجعلوا ينظرون، فنظروا إلى الزبير «على فرسه يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثة» وكان النبي صلى الله عليه وسلم أرسله يأتي بخبرهم، وهذا فيه خطورة فقد يقتلوه، ولكن الزبير من شجاعته لا يبالي، فكان يختلف إلى بني قريظة مرتين أو ثلاثة، يذهب إليهم ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم بخبرهم.
قال عبد الله بن الزبير: «فلما رجعت قلت: يا أبه، رأيتك تختلف، قال: أوهل رأيتني يا بني؟ قلت: نعم، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم»، فقال الزبير بكل شجاعة: أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مرة أخرى، فسكت الناس، فقال الزبير: أنا، فذهب بفرسه مرتين أو ثلاثة، حتى أتى بخبرهم، فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم جمع له النبي صلى الله عليه وسلم أبويه فقال: «فداك أبي وأمي»، يعني: أفديك بأبي وأمي، وهذا فيه بيان مكانة الزبير عند النبي صلى الله عليه وسلم وفضيلته، وهو موضع الشاهد للترجمة.
● [3487] هذا الحديث فيه شجاعة الزبير وقوته وإقدامه في الجهاد رضي الله عنه.
قوله: «أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للزبير يوم اليرموك» اليرموك موضع بالشام جرت فيه معركة بين الروم وبين المسلمين، وكانت في سنة خمسة عشر من الهجرة، في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان المسلمون خمسة وأربعين ألفًا وقيل: ستة وستين ألفًا، والروم في تسعمائة ألف، وانضم إلى الروم جبلة بن الأيهم مع عرب غسان في ستين ألفًا، وكان النصر للمسلمين.
قوله: «ألا تشد فنشد معك؟» فيه: دليل على أن الزبير رضي الله عنه كان في مقدمة الجيش، وهذا يدل على شجاعته، وأنه هو الذي يشد أولًا، فيكون الناس تبعا له.
قوله: «فحمل عليهم، فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها يوم بدر»، فيكون في جسده ثلاث ضربات مؤثرة، لا يتحمل ألمها إلا الأقوياء.
قوله: «فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير» فيه: دليل على شدة تأثير الضربة في جسده حتى وصف عروة بن الزبير عمقها بقوله هذا.
* * *
المتن
[12/54] ذكر طلحة بن عبيدالله رضي الله عنه
وقال عمر: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض.
● [3488] حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، قال: حدثنا معتمر، عن أبيه، عن أبي عثمان قال: لم يبق مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد، عن حديثهما.
● [3489] حدثنا مسدد، قال: حدثنا خالد، قال: حدثنا ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال: رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شَلَّتْ.
الشرح
قوله: «ذكر طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه» قال الحافظ ابن حجر /: «أي: ابن عثمان ابن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في مرة بن كعب، ومع أبي بكر الصديق في تيم بن مرة، وعدد ما بينهم من الآباء سواء.
يكنى: أبا محمد، وأمه: الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء، أسلمت وهاجرت وعاشت بعد أبيها قليلًا، وروى الطبراني([5]) من حديث ابن عباس قال: أسلمت أم أبي بكر وأم عثمان وأم طلحة وأم عبد الرحمن بن عوف. وقتل طلحة يوم الجمل سنة ست وثلاثين، رمي بسهم، جاء من طرق كثيرة أن مروان بن الحكم رماه فأصاب ركبته فلم يزل ينزف الدم منها حتى مات، وكان يومئذ أول قتيل، واختلف في سنه على أقوال: أكثرها أنه خمس وسبعون، وأقلها ثمان وخمسون».
وطلحة بن عبيد الله هو أحد العشرة المبشرين بالجنة.
قوله: «وقال عمر: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو عنه راض» وهذه منقبة عظيمة لطلحة رضي الله عنه.
قال العيني: «قد مر هذا التعليق عن قريب في قصة البيعة
وفيه: مقتل عمر رضي الله عنه مطولًا ومسندًا، وهو قول عمر: ما أحد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفي رسول الله وهو عنهم راض، فسمى: عليًّا، وعثمان، والزبير، وطلحة، وسعدًا، وعبد الرحمن».
● [3488] ذكر حديث المعتمر عن أبيه عن أبي عثمان قال: «لم يبق مع نبي الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد» المراد: يوم أحد، وهذا يدل على شجاعة طلحة وسعد م؛ حيث إنهما ثبتا مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين فر الناس.
قوله: «عن حديثهما» قال الحافظ ابن حجر /: «يعني: أنهما حدثا بذلك».
وقال العيني: «مطابقته للترجمة من حيث إن طلحة بقي مع رسول الله يوم الحرب عند فرار الناس عنه،
وفيه: منقبة عظيمة له».
● [3489 ] قوله: «رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم قد شلت»، يعني: توقفت عن العمل.
قال الحافظ ابن حجر /: «شلت: بفتح المعجمة، ويجوز ضمها في لغة ذكرها اللحياني، وقال ابن درستويه: هي خطأ. والشلل نقص في الكف وبطلان لعملها، وليس معناه القطع كما زعم بعضهم».
أي: شلت بسبب الضربات، فكان طلحة رضي الله عنه يقي النبي صلى الله عليه وسلم من الضربات، ويضع يده أمام النبي صلى الله عليه وسلم فكانت الضربات تأتي يده ولا يحركها حتى يبست رضي الله عنه، وهذا دليل على قوة إيمانه وفدائه النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه.
* * *
المتن
[13/54] مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه
وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم وهو سعد بن مالك
● [3490] حدثنا محمد بن المثنى، قال: حدثنا عبدالوهاب، قال: سمعت يحيى، قال: سمعت سعيد بن المسيب، قال: سمعت سعدا يقول: جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد.
● [3491 ] حدثنا المكي بن إبراهيم قال: حدثنا هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه قال: لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام.
● [3492] حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: أنا ابن أبي زائدة، قال: حدثنا هاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام.
تابعه أبو أسامة قال: حدثنا هاشم.
● [3493 ] حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا خالد بن عبدالله، عن إسماعيل، عن قيس، قال: سمعت سعدا يقول: إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط، ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام، لقد خبت إذاً وضل عملي، وكانوا وشوا به إلى عمر، قالوا: لا يحسن يصلي.
الشرح
قوله: «مناقب سعد بن أبي وقاص الزهري رضي الله عنه» وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، يكنى: أبا إسحاق.
قوله: «وبنو زهرة أخوال النبي صلى الله عليه وسلم»؛ لأن أمه آمنة منهم.
قوله: «وهو سعد بن مالك» قال الحافظ ابن حجر /: «أي: اسم أبي وقاص مالك بن وهيب - ويقال أهيب - ابن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، وعدد ما بينهما من الآباء متقارب، وأمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس لم تسلم، مات بالعقيق سنة خمس وخمسين، وقيل: بعد ذلك إلى ثمانية وخمسين، وعاش نحوًا من ثمانين سنة».
● [3490] قوله: «جمع لي النبي صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد»، يعني: قال له: فداك أبي وأمي، وذلك يوم أحد؛ فإنه كان يقاتل هو وطلحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه منقبة عظيمة لسعد رضي الله عنه.
● [3491] قوله: «لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام» يعني: ما سبقه إلى الإسلام إلا اثنان وهو الثالث يعني: النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وسعد هو الثالث، ولم يعد بلالًا؛ لأنه أراد الأحرار، ولم يعد عليًّا؛ لأنه أراد البالغين، ولم يعد خديجة؛ لأنه أراد الرجال، وعليه فسعد من السابقين الأولين، وهذه تعد من مناقبه رضي الله عنه.
● [3492] قوله: «ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام» أي: سبعة أيام وهو الثالث، ثم بعد ذلك أسلم عدد من الصحابة.
● [3493] قوله: «إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله» هذه منقبة لسعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه، فهو أول من «رمى بسهم في سبيل الله».
قوله: «وكنا نغزو مع النبي صلى الله عليه وسلم وما لنا طعام إلا ورق الشجر»، من قلة ذات اليد، ما عندهم طعام إلا من النباتات والحشائش.
قوله: «حتى إن أحدنا ليضع كما يضع البعير أو الشاة ما له خلط» يعني: إذا جاء الغائط يضع كما تضع الشاة، مثل البعرة، ولم يضرهم ذلك ولم يهتموا؛ لأن همهم جله نشر الإسلام، وتبليغ دين الله، والجهاد في سبيله، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، ولم يبالوا بالطعام ولا بالشراب ولا بالفقر ولا بالغنى، فالدنيا تروح وتأتي، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «الفقر والغنى مطيتان، ما أبالي أيهما ركبت، إن كان الفقر فإن فيه الصبر، وإن كان الغنى فإن فيه البذل».
قوله: «ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الإسلام»، أي: وبنو أسد أسلموا حديثًا وصاروا يعزروني ويؤدبونني على الإسلام، ويعلمونني وأنا من السابقين الأولين فهذا أمر عجيب منهم ومستنكر.
قوله: «لقد خبت إذًا وضل عملي»، يعني: إذا كان بنو أسد هم الذين سيعلموننا الإسلام والدين، وهم الجفاة الأعراب، الذين أسلموا حديثًا «وكانوا وشوا به إلى عمر قالوا: لا يحسن يصلي»، وكان أميرًا على الكوفة - وأهل الكوفة أهل شغب من قديم - فقالوا: إن سعدًا لا يحسن يصلي، وكذا لا يحسن قيادة الجيوش، ولا كذا وكذا، فعزله عمر عن إمارة الكوفة لمصلحة جمع الكلمة، ودرءًا للفتنة لا لعجز أو خيانة؛ ولهذا لما طعن عمر وجعل الشورى إلى ستة - كما سبق - قال: «فإن أصابت الإمرة سعدًا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمِّر؛ فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة»([6])، أي: ما عزلته عن عجز ولا خيانة، إنما عزلته درءًا للفتنة،
وفيه: جواز عزل الأمير الصالح للمصلحة ولدرء الفتنة.
* * *
المتن
[14/54] ذكر أصهار النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو العاصي بن الربيع
● [3494] حدثنا أبو اليمان، قال: أنا شعيب، عن الزهري، قال: حدثني علي بن حسين، أن المسور بن مخرمة قال: إن عليا خطب بنت أبي جهل، فسمعت بذلك فاطمة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد يقول: «أما بعد، فإني أنكحت أبا العاصي بن الربيع فحدثني وصدقني، وإن فاطمة مُضْغَة مني، وإني أكره أن يسوءَها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد»؛ فترك علي الخِطبة.
وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة، عن ابن شهاب، عن علي، عن مسور: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهراً له من بني عبد شمس، فأثنى عليه في مصاهرته إياه فأحسن، قال: «حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي».
الشرح
هذه الترجمة في أصهار النبي صلى الله عليه وسلم الذين تزوجوا إليه، والصهر يطلق على جميع أقارب المرأة والرجل، ومنهم من خصه بأقارب المرأة.
قوله: «منهم أبو العاصي بن الربيع»، وهو ابن ربيعة بن عبد العزى بن شمس بن عبد مناف، وهو زوج زينب بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وأمه هالة بنت خويلد أخت خديجة، فيكون تزوج بنت خالته، وزينب أسلمت قبل أبي العاصي بن الربيع، ثم جلست تنتظره حتى أسلم، فردها عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالنكاح الأول، أي: من غير تجديد للعقد. وقيل: بعقد جديد.
ومسألة إسلام الزوجة قبل زوجها وقع فيها اختلاف بين العلماء على ثلاثة أقوال:
الأول: إذا أسلم زوجها ترد إليه بعقد جديد.
الثاني: ترد إليه بالعقد السابق.
الثالث: إن أسلم قبل خروجها من العدة فهي زوجته، وإن أسلم بعد العدة فلابد من تجديد العقد.
والمعروف أن النبي صلى الله عليه وسلم رد زينب لزوجها بعد أن أسلم، وقد كانت جلست سنتين تنتظره ثم ردها بالعقد السابق.
● [3494] في هذا الحديث أراد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن يتزوج بنت أبي جهل؛ فغضبت فاطمة ولم تتحمل، وجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: «يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته حين تشهد» فيه: مشروعية الشهادة في بدء الخطبة بأن يشهد لله عز وجل بالوحدانية، ولنبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة.
قوله: «أما بعد، فإني أنكحت أبا العاصي بن الربيع»، يعني: زوجته ابنتي زينب «فحدثني وصدقني» وذلك أنه لما أسر ببدر مع المشركين وفدته زينب شرط عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يرسل زينب إليه، فوفى له بذلك، كما جاء في رواية عائشة ل قالت: «لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة لها كانت عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص، قالت: فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم رق لها رقة شديدة، وقال: «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها» فقالوا: نعم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلًا من الأنصار فقال: «كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا بها»([7])، فوفى له؛ ولهذا أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «فحدثني وصدقني» وفي الرواية الأخرى: «حدثني فصدقني ووعدني فوفى لي».
قوله: «إن فاطمة مضغة مني، وإني أكره أن يسوءها»، أي: من يؤذي فاطمة ل فكأنه يؤذي النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنها جزء منه، وهي تتأذى من وجود ضرة، وهذه الضرة بنت عدو الله أبي جهل.
ولا يوجد تعارض بين هذا الحديث، وبين نص القرآن الكريم في جواز تعدد الزوجات قال الله عز وجل: (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)[النساء: 3].
ويدل على عدم وجود تعارض أن النبي صلى الله عليه وسلم صرح بأن قوله لا يعارض الآية الكريمة فقال في بعض ألفاظ الحديث: «وإني لست أحرم حلالًا، ولا أحل حرامًا، ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله أبدًا»، يعني: لست أمنع من تعدد الزوجات، ولكن هذا خاص بفاطمة؛ لأن فاطمة لا تتحمل الضرة؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن فاطمة مضغة مني، وإني أكره أن يسوءَها، والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله عند رجل واحد».
وإذا قالت امرأة لزوجها: أنا لا أتحمل الضرة واستدلت بهذا الحديث على رفض التعدد، فليس لها ذلك؛ لأن هذا الحديث خاص بفاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، أما لو شرطت المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها فرضي الزوج، ثم أراد أن يتزوج فحينئذ لها الخيار، أما إذا لم تشترط فلا خيار لها.
وقال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «فحدثني فصدقني»؛ لعله كان شرط على نفسه أن لا يتزوج على زينب، وكذلك علي، فإن لم يكن كذلك فهو محمول على أن عليًّا نسي ذلك الشرط فلذلك أقدم على الخطبة، أو لم يقع عليه شرط إذ لم يصرح بالشرط لكن كان ينبغي له أن يراعي هذا القدر فلذلك وقعت المعاتبة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قل أن يواجه أحدًا بما يعاب به، ولعله إنما جهر بمعاتبة علي مبالغة في رضا فاطمة عليها السلام، وكانت هذه الواقعة بعد فتح مكة، ولم يكن حينئذ تأخر من بنات النبي صلى الله عليه وسلم غيرها، وكانت أصيبت بعد أمها بإخوتها فكان إدخال الغيرة عليها مما يزيد حزنها».
وإذا قالت امرأة: إنها لا تشعر بالحب تجاه زوجها، وتشعر بالضيق كلما رأته، وهذا الشعور يجعلها تقصر في حقه كثيرًا، وتريد أن تطلق منه، ولكنها سمعت حديثًا ينهى عن طلب الطلاق، فهل تبقى معه مع الكره له؟
نقول: ليس عليها حرج في أن تطلب الطلاق، أو تفادي نفسها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة»([8]). وهذه فيها بأس.
وفي هذا المعنى قال ابن عباس رضي الله عنهما: «إن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة»([9]). فإذا كانت الزوجة تبغض زوجها ولا تستطيع البقاء معه فلها إما أن تطلب الطلاق، وإما أن تعطيه شيئا من المال وتخالعه، وتكون معذورة في هذه الحالة، أما إذا كان ليس هناك مانع ثم طلبت الطلاق فهذا هو الذي عليه الوعيد الشديد، ويعد من كبائر الذنوب.
ولا شك أنه يجب على كل من الزوجين أن يعاشر صاحبه بالمعروف، قال سبحانه وتعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء: 19] فيجب على الزوجة أن تعاشر زوجها بالمعروف وتطيعه في طاعة الله، وتقوم بما أوجب الله عليها نحوه، وكذلك الزوج عليه أن يعاشر زوجته بالمعروف، ويحسن إليها، ويرفق بها، ويعاملها بالحسنى، فإذا أحسن كل من الزوجين إلى صاحبه استقامت الحياة الزوجية وحصلت المودة والرحمة بينهما.
قوله: «فترك علي الخطبة» يعني: لما سمع علي رضي الله عنه ذلك أعرض عن هذا الأمر، ولم يتزوج حتى توفيت فاطمة ل.
قوله: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ذكر صهرًا له من بني عبد شمس»، وهو أبو العاصي بن الربيع.
قوله: «حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي» أي: وعدني أن يرسل إلي ابنتي زينب ففعل؛ وهذه منقبة لأبي العاص بن الربيع رضي الله عنه، وهذا هو محل الشاهد للترجمة.
* * *
المتن
[15/54] مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم
وقال البراء، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنت أخونا ومولانا».
● [3495] حدثنا خالد بن مخلد، قال: حدثنا سليمان، قال: حدثني عبدالله بن دينار، عن عبدالله بن عمر قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثاً، وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن تطعَنوا في إمارته فقد كنتم تطعَنون في إمارة أبيه من قبل! واَيْمُ الله إن كان لخليقاً للإمارة، وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده».
● [3496] حدثنا يحيى بن قزعة، قال: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: دخل علي قائف - والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، قال: فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وأعجبه، وأخبر به عائشة.
الشرح
قوله: «مناقب زيد بن حارثة مولى النبي صلى الله عليه وسلم» وهو من بني كلب، أسر في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، فاستوهبه النبي صلى الله عليه وسلم منها فكان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم، وتبناه قبل الإسلام، وكان يدعى: زيد بن محمد، حتى نزل قول الله تعالى: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ) [الأحزاب: 5]
فأبطل الله التبني بالقول وبالفعل، أما بالقول فإن الله تعالى قال: (ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ) [الأحزاب: 5] ، وأما بالفعل فإن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه أن يتزوج زوجة ابنه الدعي بعد طلاقها، وهي زينب؛ قال الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً)[الأحزاب: 37] ، فزوجه الله إياها من فوق سبع سموات، ودخل عليها من دون ولي، وكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهلكن وزوجني الله من فوق سبع سموات.
وذكر قصته محمد بن إسحاق في السيرة: وهي أن أباه وعمه أتيا مكة فوجداه، فطلبا أن يفدياه من النبي صلى الله عليه وسلم، فخيره النبي صلى الله عليه وسلم بين أن يدفعه إليهما، أو يبقى عنده، فاختار أن يبقى عنده، فتعجبا وقالا: تبقى في الرق؟! فقال: إني رأيت عند هذا الرجل شيئاً ولا أريد أن أتركه، فتركه أبوه وعمه وبقي عند النبي صلى الله عليه وسلم([10]).
قوله: «أنت أخونا ومولانا» هذا جزء من حديث البراء الذي أخرجه البخاري مطولًا في كتاب الصلح في «باب كيف يكتب هذا ما صالح...».
● [3495] من مناقب زيد بن حارثة رضي الله عنه ما جاء في هذا الحديث: «بعث النبي صلى الله عليه وسلم بعثًا، وأمر عليهم أسامة بن زيد، فطعن بعض الناس في إمارته»، أي: في إمارة أسامة، «فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن تطعَنوا في إمارته فقد كنتم تطعَنون في إمارة أبيه من قبل»، أي: كنتم تطعنون في إمارة أبيه قبله. قال الحافظ ابن حجر /: «يشير إلى إمارة زيد بن حارثة في غزوة مؤتة، وعند النسائي عن عائشة قالت: «ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة في جيش قط إلا أمره عليهم»([11])، وفيه: جواز إمارة المولى، وتولية الصغار على الكبار والمفضول على الفاضل؛ لأنه كان في الجيش - الذي كان عليهم أسامة - أبو بكر وعمر».
قوله: «وايم الله»، قسم معناه: وايمن الله، وأقسم النبي صلى الله عليه وسلم لتأكيد المقالة. قال الحافظ ابن حجر /: «بفتح الهمزة وكسرها والميم مضمومة أصله: أيمن الله، وهو اسم وضع للقسم هكذا ثم حذفت منه النون تخفيفًا وألفه ألف وصل مفتوحة، ولم يجئ كذلك غيرها، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف، والتقدير: ايم الله قسمي، وفيها لغات جمع منها النووي في «تهذيبه» سبع عشرة وبلغ بها غيره عشرين».
قوله: «إن كان لخليقًا للإمارة» أي: جديرًا وأهلًا للإمارة.
قوله: «وإن كان لمن أحب الناس إلي، وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده» وهذه منقبة لزيد رضي الله عنه فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لخليق بالإمارة، وأنه أهل لها، وهو من أحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وابنه أسامة من أحب الناس إليه بعد أبيه.
● [3496 ] قوله: «دخل علي قائف، والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد، وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان» هذا الحديث فيه أن أسامة وأباه زيدًا التحفا قطيفة قد غطيا رءوسهما أو جسمهما، وبدت الأرجل الأربعة، وكان أسامة أسود اللون، وأبوه أبيض اللون، وكان بعض الناس يطعنون في نسب أسامة لذلك، فمر القائف - وهو الذي يعرف الشبه - واسمه مجزز المدلجي، وهو لا يعرف مَن النائم، ورأى هذه الأرجل الأربعة، فقال: «إن هذه الأقدام بعضها من بعض»، فسر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك وأعجبه؛ لأن فيه تبرئة لأسامة من الطعن الذي يطعن فيه بعض الناس ونفيًا للتهمة.
وفي الحديث: العمل بالقيافة فيما لا يخالف الشرع؛ ولهذا عمل النبي صلى الله عليه وسلم بالقيافة وسر بذلك.
وفي الحديث: أيضًا أن مخالفة الولد لأبيه في اللون لا يكون طعنًا في نسبه، ولا يوجب الشك فيه، ويؤيد ذلك حديث الرجل الذي جاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله إن امرأتي ولدت غلامًا أسود - كأنه يعرض بنفي الولد، يعني: وأنا أبيض - فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «هل لك من إبل؟» قال: نعم، قال: «فما ألوانها» قال: حمر، قال: «فهل فيها من أورق؟»، يعني: أسود، قال: نعم، قال: «فأنى كان ذلك؟» فقال الرجل: أراه عرق نزعه، فقال: «فلعل ابنك هذا نزعه عرق»([12]).
وهذا الحديث فيه: مشروعية العمل بالقياس؛
وفيه: الرد على الظاهرية الذين لا يعملون بالقياس، فمن الأدلة: الكتاب، والسنة، والإجماع، والقياس، والقياس قياسان: قياس صحيح، وقياس فاسد، والقياس الصحيح معمول به؛ ولهذا عمل النبي صلى الله عليه وسلم به، وقال به جماهير أهل العلم، وخالف في ذلك الظاهرية.
* * *
المتن
[16/54] ذكر أسامة بن زيد رضي الله عنه
● [3497] حدثنا قتيبة، قال: حدثنا ليث، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن قريشا أهمهم شأن المخزومية، فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
● [3498] حدثنا علي، قال: حدثنا سفيان قال: ذهبت أسأل الزهري عن حديث المخزومية، فصاح بي، قلت لسفيان: فلم تَحْمِلْه عن أحد؟ قال: وجدته في كتاب كان كتبه أيوب بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة أم المؤمنين، أن امرأة من بني مخزوم سرقت، فقالوا: من يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فلم يجترئ أحد أن يكلمه، فكلمه أسامة بن زيد، فقال: «إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه، لو كانت فاطمةُ لقطعت يدها».
● [3499] حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا أبو عباد يحيى بن عباد، قال: حدثنا الماجشون، قال: أنا عبدالله بن دينار، قال: نظر ابن عمر يوما وهو في المسجد إلى رجل يَسْحَبُ ثِيابَه في ناحية من المسجد فقال: انظر من هذا؟ ليت هذا عندي! قال له إنسان: أما تعرف هذا يا أبا عبدالرحمن؟ هذا محمد بن أسامة، قال: فطأطأ ابن عمر رأسه، ونقر بيديه في الأرض، ثم قال: لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه.
● [3500] حدثنا موسى بن إسماعيل، قال: حدثنا معتمر، قال: سمعت أبي، قال: حدثنا أبو عثمان، عن أسامة بن زيد حدَّث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه كان يأخذه والحسن فيقول: «اللهم أحبهما! فإني أحبهما».
وقال نعيم: عن ابن المبارك، أنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني مولى أسامة بن زيد، أن الحجاج بن أيمن بن أم أيمن - وكان أيمن أخاً أسامة لأمه، وهو رجل من الأنصار - فرآه ابن عمر لم يتم ركوعه، فقال: أعد.
● [3501] وحدثني سليمان بن عبدالرحمن، قال: حدثنا الوليد، قال: حدثنا عبدالرحمن بن نَمِر، عن الزهري قال: حدثني حرملة مولى أسامة بن زيد، أنه بينما هو مع عبدالله بن عمر إذ دخل الحجاج بن الأيمن، فلم يتم ركوعه ولا سجوده، فقال: أعد، فلما ولى قال لي ابن عمر: من هذا؟ قلت: الحجاج بن أيمن بن أم أيمن، فقال ابن عمر: لو رأى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه، فذكر حُبَّه وما ولدته أم أيمن.
زادني بعض أصحابي، عن سليمان: وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم.
الشرح
قوله: «ذكر أسامة بن زيد رضي الله عنه» وزيد كان يقال له حِب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسامة بن زيد كان كذلك.
● [3497 ] قوله: «أن قريشًا أهمهم شأن المخزومية»، أي: أحزنهم وأدخل عليهم الهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، وكانت من أشراف القوم، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم قطع يدها.
قوله: «فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم» الاجتراء من الجرأة، وهي الإقدام بإدلال، والمعنى: ما يجترئ على الشفاعة في شأن المخزومية إلا أسامة؛ لما له من إدلال ومحبة عند النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا موضع الشاهد من الحديث أن أسامة رضي الله عنه كان معروفًا بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له، وهذه منقبة عظيمة.
قال الحافظ ابن حجر /: «الغرض منه قوله في بعض طرقه: «من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم» وكانوا يسمون أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكسر المهملة أي: محبوبه لما يعرفون من منزلته عنده؛ لأنه كان يحب أباه قبله حتى تبناه فكان يقال له زيد بن محمد، وأمه أم أيمن حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هي أمي بعد أمي وكان يجلسه على فخذه بعد أن كبر كما سيأتي في مناقب الحسن عن قريب».
● [3498 ] قوله: «نا علي، قال: حدثنا سفيان قال: ذهبت أسأل الزهري عن حديث المخزومية، فصاح بي» أي: قال البخاري /: حدثنا علي وهو ابن المديني، حدثنا سفيان وهو ابن عيينة، أنه ذهب يسأل الزهري عن حديث المرأة المخزومية، فصاح الزهري على ابن عيينة وانتهره ولم يحدثه، فقال علي بن المديني لسفيان بن عيينة: أولم تسمع هذا الحديث من أحد غير الزهري، أو سمعته ممن سمعه من الزهري؟ «قال: وجدته في كتاب كان كتبه أيوب بن موسى عن الزهري» وأهل الحديث يسمون هذه «وجادة»، ولم يسمعه سفيان لا من أيوب ولا من الزهري، ولكن الحديث رواه عن الزهري كثيرون، فالحديث عن الزهري ثابت ولا إشكال فيه.
قوله: «فقالوا: من يكلم النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فلم يجترئ أحد أن يكلمه، فكلمه أسامة بن زيد» وهذا موضع الشاهد من الحديث أن الناس لا يستطيع أحد منهم أن يكلم الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا فكلمه أسامة بن زيد لما له من محبة عنده ودلال، ففيه: بيان لمكانة أسامة رضي الله عنه.
قوله: «إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه»؛ وفي لفظ: فلما كان العشي قام رسول الله خطيبًا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: «أما بعد: فإنما أهلك الناس قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»([13]).
وفي الحديث: وجوب إقامة الحد على الشريف والضعيف.
وفيه: بيان أن هلاك بني إسرائيل كان بسبب التفريق بين الشريف والضعيف، فالشريف لا يقيمون عليه الحد، والضعيف يقيمون عليه الحد، والواجب المساواة بين الناس، وإقامة الحدود على الجميع. قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ)، يعني: بالعدل (شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)، أي: يجب على الإنسان أن يعدل ويقول الحق ولو على نفسه، ولو على الوالدين والأقربين (إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا)أي: إن كان الذي تشهد عليه فقيرًا أو غنيًّا فالله أولى به، فليس لك أن تتبع الهوى، بل عليك أن تعدل بين الفقير والغني، وقال الله تعالى: (وَإِنْ تَلْوُوا)، أي: تحرفوا الشهادة، وتأتوا بها على غير وجهها (أَوْ تُعْرِضُوا)، أي: أو ترفضوا أن تؤدوا الشهادة (فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء: 135] ، تهديد ووعيد، يعني: إن الله سيجازيكم، فهو خبير بأعمالكم وأقوالكم وأفعالكم ونياتكم.
وفي الحديث: أن هلاك الأولين كان بسبب الجور وعدم إقامة الحدود على الأشراف وإقامتها على الضعفاء.
● [3499] هذا الأثر فيه بيان فضل أسامة وابنه محمد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لو رآه لأحبه من أجل أبيه.
قوله: «انظر من هذا؟ ليت هذا عندي»، يعني: حتى أنصحه في جر ثيابه.
قوله: «قال له إنسان: أما تعرف هذا يا أبا عبد الرحمن؟ هذا محمد بن أسامة، قال: فطأطأ ابن عمر رأسه، ونقر بيديه في الأرض ثم قال: لو رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه»، يعني: من أجل أبيه أسامة، وهذا لا يمنع من إنكار المنكر عليه، فلعل ابن عمر أخر الإنكار عليه إلى وقت آخر؛ لأن سحب الثياب منكر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة»([14])، ولقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار»([15])، ولعل هذا خفي على محمد بن أسامة، أو أن إزاره يسترخي ويحتاج إلى أن يتعاهده كحال أبي بكر رضي الله عنه.
قال الحافظ ابن حجر /: «إنما جزم ابن عمر بذلك لما رأى من محبة النبي صلى الله عليه وسلم لزيد ابن حارثة وأم أيمن وذريتهما فقاس ابن أسامة على ذلك».
● [3500 ] قوله: «اللهم أحبهما فإني أحبهما» قال الحافظ ابن حجر /: «هذا يشعر بأنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحب إلا لله وفي الله، ولذلك رتب محبة الله على محبته، وفي ذلك أعظم منقبة لأسامة والحسن».
قوله: «أن الحجاج بن أيمن بن أم أيمن وكان أيمن، أخًا أسامة لأمه، وهو رجل من الأنصار» قال الحافظ ابن حجر /: «أي: أيمن بن أم أيمن، وأبوه هو عبيد بن عمرو بن هلال، من بني الحبلي من الخزرج، ويقال: إنه كان حبشيًّا من موالي الخزرج، وتزوج أم أيمن قبل زيد بن حارثة فولدت له أيمن، واستشهد أيمن يوم حنين مع النبي صلى الله عليه وسلم، ونسب أيمن إلى أمه لشرفها على أبيه وشهرتها عند أهل البيت النبوي، وتزوج زيد بن حارثة أم أيمن، وكانت حاضنة النبي صلى الله عليه وسلم ورثها من أبيه فولدت له أسامة بن زيد، وعاشت أم أيمن بعد النبي صلى الله عليه وسلم قليلًا».
● [3501 ] قوله: «حدثني حرملة مولى أسامة بن زيد، أنه بينما هو مع عبدالله بن عمر إذ دخل الحجاج بن الأيمن»، أي: الحجاج بن أيمن بن أم أيمن، وأبو أيمن هو عبيد ابن عمرو بن هلال من بني الحبلي من الخزرج.
قوله: «فلم يتم ركوعه ولا سجوده»، أي: يصلي بسرعة مخلة بأركان الصلاة، ولا يطمئن في ركوعه ولا سجوده، ولا ينتظر حتى يستقر كل عظم في موضعه.
قوله: «فقال: أعد»، أي: قال له ابن عمر: أعد هذه الصلاة؛ لأنها باطلة.
وينبغي التنبيه على أن الذي يصلي ولا يتم ركوعه ولا سجوده فإن صلاته باطلة ويؤمر بإعادتها، كما فعل ابن عمر م، والأصل في ذلك حديث المسيء صلاته: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجل فصلى، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد، وقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل»، فرجع يصلي كما صلى، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ارجع فصل فإنك لم تصل» - ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره، فعلمني؛ فقال: «إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، وافعل ذلك في صلاتك كلها»([16]). فأمره بالإعادة؛ لأنه لم يتم أركان الصلاة من قيام وركوع وسجود، فعلمه صلى الله عليه وسلم كيف يتم صلاته.
وقد جاءت الأدلة تحذر من عدم إتمام أركان الصلاة، فمن ذلك: قول سلمان رضي الله عنه: «الصلاة مكيال، فمن وفى أوفى له، ومن نقص فقد علمتم ما قيل للمطففين»([17])، أراد قوله تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ) [المطففين: 1]، وقال مالك: «ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف»([18]). فأشار إلى أنه إذا كان التطفيف في مكيال الدنيا متوعدًا بالويل، فالتطفيف في مكيال الدين أعظم وأعظم.
ومن ذلك حديث «أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته»، قيل: يا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: «لا يتم ركوعها ولا سجودها»([19]).
ومن ذلك: أن حذيفة رأى رجلًا يصلي فطفف، فقال له حذيفة: «منذ كم تصلي هذه الصلاة؟ قال: منذ أربعين عامًا، قال: ما صليت منذ أربعين سنة، ولو مت وأنت تصلي هذه الصلاة لمت على غير فطرة محمد صلى الله عليه وسلم، ثم قال: إن الرجل ليخفف ويتم ويحسن»([20]).
فالطمأنينة ركن من أركان الصلاة، ومعنى الطمأنينة: الركود في كل ركن حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، فيركد في الركوع حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، وفي السجود حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، وفي الرفع من الركوع يقف حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، وفي الجلسة بين السجدتين يقعد حتى يعود كل مفصل إلى موضعه، وهكذا فالطمأنينة في جميع الأركان: في الركوع وفي السجود وفي الخفض وفي الرفع وبين السجدتين، فمن لم يطمئن في صلاته فإن صلاته باطلة.
قوله: «لو رأى هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبه، فذكر حُبَّه وما ولدته أم أيمن»، أي: لو رأى الحجاج بن أيمن لأحبه؛ لأنه من ولد أم أيمن، وأم أيمن من حواضن النبي صلى الله عليه وسلم ومن أمهاته، فالنبي صلى الله عليه وسلم يحب أم أيمن ويحب أولادها، وهذا من أولادها، وهو أخو أسامة بن زيد لأمه.
* * *
المتن
[17/54] مناقب عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
● [3502 ] حدثنا إسحاق بن نصر، قال: حدثنا عبدالرزَّاق، عن معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر قال: كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم، وكنت غلاماً شاباً أعزبًا، وكنت أنام في المسجد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار! أعوذ بالله من النار! فلقيهما ملك آخر فقال لي: لن تُرَعْ، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل» قال سالم: فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلاً.
● [3503] حدثنا يحيى بن سليمان، قال: حدثنا ابن وهب، عن يونس، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، عن أخته حفصة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: «إن عبدالله رجل صالح».
الشرح
قوله: «مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه» قال الحافظ ابن حجر /: «هو أحد العبادلة وفقهاء الصحابة والمكثرين منهم، وأمه زينب، ويقال: رائطة بنت مظعون، أخت عثمان وقدامة ابني مظعون، للجميع صحبة، وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من المبعث؛ لأنه ثبت أنه كان يوم بدر ابن ثلاث عشرة سنة، وكانت بدر بعد البعثة بخمس عشرة سنة، وقد تقدم تاريخ وفاته في الصلاة وأنها كانت بسبب من دسه عليه الحجاج فمس رجله بحربة مسمومة فمرض بها إلى أن مات أوائل سنة أربع وسبعين».
● [3502] هذا الحديث من مناقب عبدالله بن عمر بن الخطاب،
وفيه: أن ابن عمررضي الله عنهما قال: «كان الرجل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى رؤيا قصها على النبي صلى الله عليه وسلم، فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي صلى الله عليه وسلم» أي: لما رأى الناس يقصون الرؤى قال: ليتني أرى رؤيا فأقصها على النبي صلى الله عليه وسلم. قال: «وكنت غلامًا شابًّا أعزبًا»، يعني: شابًّا صغيرًا لا زوجة له، «وكنت أنام في المسجد»؛ وهذا دليل على أنه لا حرج في النوم في المسجد، وثبت أن عليًّا رضي الله عنه نام في المسجد أيضاً؛ فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى بيت فاطمة فلم يجد عليًّا في البيت، فقال: «أين ابن عمك؟» قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: «انظر أين هو؟»، فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: «قم أبا تراب قم أبا تراب»([21]). فكان نائمًا في المسجد ولم ينكر عليه.
قوله: «فرأيت في المنام كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان كقرني البئر، وإذا فيها ناس قد عرفتهم»، أي: يعذبون في القبر؛ فهذا في البرزخ، ويحتمل أنهم من الكفار كأبي جهل وأمية بن خلف، ويحتمل أنهم من العصاة «فلقيهما ملك آخر»، أي: ملك ثالث «فقال لي: لن ترع» أي: لا تخف.
قوله: «فقصصتها على حفصة»، وهي أخته، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم «فقصتها حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: نعم الرجل عبدالله لو كان يصلي من الليل، قال سالم: فكان عبدالله لا ينام من الليل إلا قليلا»، أي: استفاد ابن عمر م من هذه النصيحة فكان محافظًا على قيام الليل.
وفيه: استحباب قيام الليل، وأنه من أسباب النجاة من النار، مع القيام بالفرائض واجتناب النواهي، ويُستأنس له بقول الله تعالى عن عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً) [الفرقان: 64]. ثم قال بعدها: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً) [الفرقان: 65]. فلما ذكر أنهم يقومون الليل ذكر بعده دعاءهم بأن يصرف الله عنهم عذاب جهنم.
وقوله: «نعم الرجل عبدالله» هذه منقبة عظيمة لعبد الله بن عمر.
وهذا الحديث يشعر بالشهادة لعبد الله بن عمر بالجنة؛ لأن الملك قال له: «لن ترع» وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «نعم الرجل عبدالله».
وفيه: أن الرؤيا الصالحة عاجل بشرى المؤمن كما جاء في الحديث عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: (لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [يونس: 64] قال: «هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له»([22]).
● [3503] في هذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن عبدالله رجل صالح»، أي: عبد الله ابن عمر رضي الله عنه وكان اعتزل القتال بين علي ومعاوية، ولم يبايع حتى تمت البيعة لمعاوية واستتب الأمر؛ وكان الحجاج بن يوسف أمير عبدالملك بن مروان على الحج، وكان أمره عبدالمللك أن يقتدي بابن عمر في الحج، وجاء ابن عمر وصاح في سرادق الحجاج وقال في يوم عرفة وقت الزوال: إن كنت تريد السنة، فقال: الساعة يا أبا عبدالرحمن؟ قال: نعم، قال: دعني أفرغ الماء على رأسي ثم خرج.
وللحجاج مع عبدالله بن عمر أمور؛ لأن ابن عمر تأخرت حياته، فكان ينكر على الحجاج، وكان ذلك سببًا في وفاة عبدالله بن عمر، حيث أمرالحجاج بعض جنوده أن يجلس بجواره فمس رجله بحربة مسمومة، فمرض بها إلى أن مات، وكان الحجاج يأتيه بعد ذلك ويقول: لو نعلم يا أبا عبدالرحمن من فعل هذا؟ قال: أنت الذي فعلت ذلك، أنت الذي أدخلت السلاح في وقت ينهى فيه عن السلاح.
* * *
المتن
[18/54] مناقب عمار وحذيفة م
● [3504 ] حدثنا مالك بن إسماعيل، قال: حدثنا إسرائيل، عن المغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين، ثم قلت: اللهم يسر لي جليساً صالحاً! فأتيت قوما فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: من هذا؟ قالوا: أبو الدرداء، فقلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاَ فيسَّرك لي، قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة؟ أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني: على لسان نبيه؟ أوليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يَعْلَمُ أحدٌ غيرُه؟ ثم قال: كيف يقرأ عبدالله (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) [الليل: 1]؟ فقرأت عليه: «والليل إذا يغشى والذكر والأنثى»، قال: والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من فيه إلى فيَّ.
● [3505] حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم قال: ذهب علقمة إلى الشام، فلما دخل المسجد قال: اللهم يسر لي جليساً صالحاً! فجلس إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: ممن أنت؟ قال: من أهل الكوفة، قال: ليس فيكم - أو منكم - صاحب السر الذي لا يعلمه غيرُه - يعني: حذيفة؟ قال: قلت: بلى، قال: أليس فيكم - أو منكم - الذي أجاره الله على لسان نبيه - يعني: من الشيطان، يعني: عمارا؟ قلت: بلى، قال: أليس فيكم - أو منكم - صاحب السواك أو السِّواد؟ قال: بلى، قال: كيف كان عبدالله يقرأ (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) [الليل: 1، 2]؟ قلت: «والذكر والأنثى»، قال: ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم.
الشرح
قوله: «مناقب عمار وحذيفة م» قال الحافظ ابن حجر /: «أما عمار: فهو ابن ياسر، يكنى أبا اليقظان العنسي بالنون، وأمه سمية بالمهملة مصغر، أسلم هو وأبوه قديمًا، وعذبوا لأجل الإسلام، وقتل أبو جهل أمه فكانت أول شهيد في الإسلام ومات أبوه قديمًا، وعاش هو إلى أن قتل بصفين مع علي ي، وكان قد ولي شيئًا من أمور الكوفة لعمر؛ فلهذا نسبه أبو الدرداء إليها.
وأما حذيفة: فهو ابن اليمان بن جابر بن عمرو العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار، وأسلم هو وأبوه اليمان كما سيأتي، وولي حذيفة بعض أمور الكوفة لعمر، وولي إمرة المدائن، ومات بعد قتل عثمان بيسير بها.
وكان عمار من السابقين الأولين، وحذيفة من القدماء في الإسلام أيضًا إلا أنه متأخر فيه عن عمار، وإنما جمع المصنف بينهما في الترجمة لوقوع الثناء عليهما من أبي الدرداء في حديث واحد، وقد أفرد ذكر ابن مسعود، وإن كان ذكر معهما لوجوده ما يوافق شرطه غير ذلك من مناقبه، وقد أفرد ذكر حذيفة في أواخر المناقب، وهو مما يؤيد ما سنذكره أنه لم يهذب ترتيب من ذكره من أصحاب هذه المناقب، ويحتمل أن يكون إفراده بالذكر لأنه أراد ذكر ترجمة والده اليمان».
● [3504] هذا الحديث جمع مناقب عمار وحذيفة وابن مسعود ي،
وفيه: أن علقمة قدم الشام فصلى ركعتين، ثم دعا الله فقال: «اللهم يسر لي جليسًا صالحًا»، فاستجاب الله دعاءه، فأتى قومًا فجلس إليهم، فإذا شيخ قد جاء وجلس إلى جنبه، فإذا هو أبو الدرداء، فقال له علقمة: «إني دعوت الله أن ييسر لي جليسًا صالحًا فيسَّرك لي، قال: ممن أنت؟ قلت: من أهل الكوفة»، أي: أتيت من الكوفة إلى الشام، «قال: أوليس عندكم ابن أم عبد؟»، وهو عبد الله بن مسعود، وكان يلقب بابن أم عبد، «صاحب النعلين والوساد والمطهرة» والمطهرة: الإناء الذي يتوضأ فيه النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: أن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كان يحمل الإناء به الماء ليتوضأ به النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمل النعلين والوساد، وفي اللفظ الآخر: «السواد، أو السرار»، يعني: أنه يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فيرى سواده.
ثم قال: «أفيكم الذي أجاره الله من الشيطان - يعني: على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم؟»؛ يعني: عمار بن ياسر، «أوليس فيكم صاحب سر النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يعلم أحد غيره؟» يعني: حذيفة بن اليمان، «ثم قال: كيف يقرأ عبدالله»، يعني: عبد الله بن مسعود هذه السورة «( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى) [الليل: 1]؟ فقرأت عليه: «والليل إذا يغشى والذكر والأنثى»» وهذه قراءة عبدالله بن مسعود، وقراءة الجمهور المشهورة: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) [الليل: 3] ، ومعني قراءة ابن مسعود أن الله أقسم بالذكر والأنثى، لما في خلقهما من العظة والذكرى، وقوله تعالى: (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) ما موصولة، أي: والذي خلق الذكر والأنثى، أو مصدرية، أي: وخالق الذكر والأنثى، ومعنى القراءتين واحد، ثم استقرت القراءة في العرضة الأخيرة (وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى)، فتكون قراءة ابن مسعود شاذة.
● [3505] هذا الحديث أتى به المؤلف من طريق أخرى،
وفيه: أن أبا الدرداء قال: «ليس فيكم - أو منكم - صاحب السر الذي لا يعلمه غيره - يعني: حذيفة؟»؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أسر إليه بأسماء المنافقين، فكان يعلمهم؛ ولهذا كان عمر لا يصلي على من لا يصلي عليه حذيفة؛ وسأل عمر رضي الله عنه حذيفة فقال: هل عدَّني رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنافقين قال: لا، ولا أزكي بعدك أحدًا أبدًا.
قوله: «قال: قلت: بلى، قال: أليس فيكم - أو منكم - الذي أجاره الله على لسان نبيه - يعني: من الشيطان، يعني: عمارا؟ قلت: بلى، قال: أليس فيكم - أو منكم - صاحب السواك أو السواد؟»، يعنى عبدالله بن مسعود، ويقال: السواد يعني: السرار، فساودته سوادًا أي: ساررته سرارًا، وأصله أدنى السواد، وهو الشخص من السواد، يعني: شخصه كان يدخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أبو الدرداء مناقب الأصحاب الثلاثة، فقال علقمة: «بلى»، أي: من ذكرتهم موجودون، ثم قال أبو الدرداء: «كيف كان عبدالله»، يعني: ابن مسعود «يقرأ: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) [الليل: 1-2] قلت: «والذكر والأنثى، قال»، أي: أبو الدرداء: «ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم»، يعني: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هذه القراءة.
* * *
المتن
[19/54] مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه
● [3506 ] حدثنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عبدالأعلى، قال: حدثنا خالد، عن أبي قلابة، قال: حدثني أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن لكل أمة أميناً، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح».
● [3507] حدثنا مسلم بن إبراهيم، قال: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن صلة، عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران: «لأبعثن حق أمين»؛ فأشرف أصحابه، فبعث أبا عبيدة.
الشرح
قوله: «مناقب أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه» أبو عبيدة بن الجراح: هو عامر بن عبدالله ابن الجراح، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. قال الحافظ ابن حجر /: «كذا أخر ذكره عن إخوانه من العشرة، ولم أقف في شيء من نسخ البخاري على ترجمة لمناقب عبد الرحمن بن عوف، ولا لسعيد بن زيد، وهما من العشرة، وإن كان قد أفرد ذكر إسلام سعيد ابن زيد بترجمة في أوائل السيرة النبوية، وأظن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري».
يرى الشارح أن المؤلف لم يرتب هذا وأنه تركه مسودًا، ثم جاء النساخ فرتبوه، والسبب في ذلك أن الترتيب الواقع الآن ليس مراعى فيه الأفضلية ولا الأسبقية ولا الأسنية، فدل هذا على أن هذا من تصرف الرواة.
وقال الحافظ ابن حجر /: «أبو عبيدة: اسمه عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال ابن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، يجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك، وعدد ما بينهما من الآباء متفاوت جدًّا بخمسة آباء، فيكون أبو عبيدة من حيث العدد في درجة عبد مناف، ومنهم من أدخل في نسبه بين الجراح وهلال ربيعة فيكون على هذا في درجة هاشم، وبذلك جزم أبو الحسن بن سميع ولم يذكره غيره، وأم أبي عبيدة هي من بنات عم أبيه، ذكر أبو أحمد الحاكم أنها أسلمت، وقتل أبوه كافرًا يوم بدر، ويقال: إنه هو الذي قتله، ورواه الطبراني وغيره من طريق عبد الله بن شوذب مرسلًا، ومات أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل عمر بالطاعون سنة ثمان عشرة باتفاق».
● [3506 ] قوله: «إن لكل أمة أمينًا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح» فيه: منقبة ظاهرة لأبي عبيدة رضي الله عنه، قال الحافظ ابن حجر /: «الأمين: هو الثقة الرضي؛ وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بينه وبين غيره لكن السياق يشعر بأن له مزيدًا في ذلك، لكن خص النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد من الكبار بفضيلة ووصفه بها، فأشعر بقدر زائد فيها على غيره، كالحياء لعثمان، والقضاء لعلي ونحو ذلك».
● [3507 ] قوله: «لأبعثن حق أمين» هذا تأكيد، يعني: أمينًا حقًّا، وهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، وهذا جواب لوفد نجران لما جاءوا فقالوا: ابعث معنا أمينًا.
قوله: «فأشرف أصحابه»، تطلعوا لا حبًّا في الإمارة ولكن حبًّا في الوصف حتى ينطبق هذا الوصف عليهم، فكلهم يقول: يا ليتني أنا الذي يبعثني حتى يتحقق فيَّ هذا الوصف.
قوله: «فبعث أبا عبيدة»، أي: بعث معهم أبا عبيدة رضي الله عنه، وذلك أن أهل نجران كانوا نصارى في ذلك الوقت، وجاء رؤوسهم وهم: العاقب، واسمه عبد المسيح، والسيد ومن معهما، وأرادوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يباهلهم، ثم قالوا: لو باهلتم هذا الرجل لتهلكن، ثم صالحوا النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا: ابعث معنا أمينًا.
* * *
المتن
[20/54] مناقب الحسن والحسين م
وقال نافع بن جبير، عن أبي هريرة: عانق النبي صلى الله عليه وسلم الحسن.
● [3508] حدثنا صدقة، قال: أنا ابن عيينة، قال: أنا أبو موسى، عن الحسن، سمع أبا بكرة: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه، ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين».
● [3509] حدثنا مسدد، قال: حدثنا معتمر، قال: سمعت أبي، قال: حدثنا أبو عثمان، عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول: «اللهم إني أحبهما! فأحبهما» أو كما قال.
● [3510] حدثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم، قال: حدثني حسين بن محمد، قال: حدثنا جرير، عن محمد، عن أنس بن مالك: أُتي عبيدُالله بن زياد برأس الحسين فجُعل في طِسْتٍ، فجعَل ينكُت، وقال في حُسنه شيئاً، فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مخضوباً بالوَسْمَةِ.
● [3511] حدثنا حجاج بن منهال، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرني عدي، قال: سمعت البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه يقول: «اللهم إني أحبه فأحبه!».
● [3512] حدثنا عبدان، قال: أنا عبدالله، قال: أنا عمر بن سعيد بن أبي حسين، عن ابن أبي مليكة، عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر وحمل الحسن وهو يقول: بأبي شبيه بالنبي صلى الله عليه وسلم، ليس شبيهٌ بعلي. وعلي يضحك.
● [3513] حدثنا يحيى بن معين وصدقة قالا: أنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن واقد بن محمد، عن أبيه، عن ابن عمر قال: قال أبو بكر: ارقُبُوا محمدًا في أهل بيته.
● [3514] حدثنا إبراهيم بن موسى، قال: أنا هشام بن يوسف، عن معمر، عن الزهري، عن أنس قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي.
وقال عبدالرزاق: أنا معمر، عن الزهري قال: أخبرني أنس....
● [3515] حدثنا محمد بن بشار، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن محمد ابن أبي يعقوب، قال: سمعت ابنَ أبي نُعْمٍ: سمعت عبدالله بن عمر وسأله عن المحرم - قال شعبة: أحسِبُه يقتل الذباب، فقال: أهل العراق يسألون عن الذباب، وقد قتلوا ابن ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هما رَيْحَانِيَ من الدنيا».
الشرح
قوله: «مناقب الحسن والحسين م» هذا الباب فيه مناقب الحسن والحسين، وهما ابنا علي بن أبي طالب، وأمهما فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم جدهما لأمهما، وجمع المؤلف بينهما لما وقع لهما من الشراكة في كثير من المناقب، وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاث من الهجرة عند الأكثر، وقيل بعد ذلك، ومات بالمدينة مسمومًا سنة خمسين من الهجرة، وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع من الهجرة - يعني: بعده بسنة - وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة -لما مات معاوية واستخلف يزيد- كاتبوا الحسين فخرج الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، وخذل غالب الناس عنه فتأخروا، وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس، ثم جهز إليه عسكرًا فقاتلوه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته، والقصة مشهورة، والحسن ولد سنة ثلاث من الهجرة فيكون ابن سبع سنين لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم والحسين ابن ست سنين لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: «عانق النبي صلى الله عليه وسلم الحسن» فيه: منقبة ظاهرة للحسن رضي الله عنه.
● [3508 ] قوله: «سمعت النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن إلى جنبه، ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة ويقول: ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» وهذا من علامات النبوة وهو من مناقب الحسن؛ فإنه آثر الآخرة وحقن دماء المسلمين على الرئاسة والجاه والدنيا؛ وذلك لأن عليًّا رضي الله عنه لما قتله الخارجي عبدالرحمن بن ملجم بايع الحسن بن علي الناس بالخلافة وبقي في الخلافة ستة أشهر، ثم تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، واشترط حقن دماء المسلمين فوفى له بالشروط، واجتمع الناس على معاوية، وسمي ذلك العام عام الجماعة، وكان ذلك في سنة أربعين من الهجرة، فلما تمت البيعة بايع ابن عمر وأولاده، وكان قد اعتزل قبل ذلك كلا الفريقين، فهذه من مناقب الحسن أنه تنازل عن الخلافة لمعاوية بشرط أن تحقن دماء المسلمين، وتحقق فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم «ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين»؛ فأصلح الله به بين فئة أهل الشام وفئة أهل العراق، فهذه علامة من علامات النبوة؛ حيث وقعت كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
وفيه: دليل على أن الفئتين المتقاتلتين كلهم مسلمون،
وفيه: الرد على الخوارج الذين يكفرونهم لقوله صلى الله عليه وسلم: «بين فئتين عظيمتين من المسلمين»([23]). فلم يكن قتالهم عن هوى وإنما هو قتال عن تأويل، فالذين انضموا إلى علي رضي الله عنه أخذوا بقول الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي) [الحجرات: 9]؛ وذلك أن عليًّا رضي الله عنه هو الذي بايعه أكثر أهل الحل والعقد وتمت له البيعة؛ وأهل الشام ومعاوية بغاة امتنعوا من البيعة لكن لا يعلمون أنهم بغاة، فهم يطالبون بدم عثمان، فانضمت الصحابة إلى علي رضي الله عنه، فعلي ومن معه مجتهدون مصيبون فلهم أجر الإصابة وأجر الاجتهاد، ومعاوية ومن معه مجتهدون مخطئون فاتهم أجر الصواب وحصلوا على أجر الاجتهاد فلهم أجر واحد، ومما يدل على أن عليًّا أولى بالخلافة قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية»([24]). فقتله أهل الشام، فدل على أنهم بغاة، وقوله صلى الله عليه وسلم: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق»([25]). فخرجت الخوارج فقتلهم علي رضي الله عنه، فدل على أنه أولى بالحق من معاوية؛ وقتال هؤلاء وهؤلاء ليس عن هوى ولا عن بغي ولا يدخل في الحديث: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار»([26])؛ إنما هذا في القتال عن هوى وعن عصبية، أما هنا كان القتال عن اجتهاد وعن تأويل؛ فعلي يرى أنه يجب عليه أن يقاتلهم شرعًا حتى يخضعهم، ومعاوية يرى أن يجب المطالبة بدم عثمان؛ لأنه الإمام الخليفة الشهيد المظلوم، وإذا ترك هؤلاء طغوا وزاد شرهم؛ والذين يطالبون بدمه هم عصبته، وعلي لا يمانع، ولكنه لا يعرف القتلة، والوقت وقت فتنة، فإذا هدأت الأحوال وثبت الأمر لعلي سوف يأخذ بدم عثمان، ومعاوية يقول لابد منه الآن فحصل النزاع فلا يدخل في الذم ولا يشمله الوعيد.
● [3509 ] قوله: «عن أسامة بن زيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يأخذه والحسن ويقول: اللهم إني أحبهما! فأحبهما» فيه: منقبة للحسن وأسامة لأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تابعة لمحبة الله؛ وذكر الحافظ ابن حجر رواية أخرى لهذا الحديث، يقول فيها أسامة رضي الله عنه: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذني فيضعني على فخذه ويضع على الفخذ الآخر الحسن بن علي، ثم يضمهما ثم يقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما»([27]).
● [3510 ] قوله: «أُتي عبيدُ الله بن زياد» وهو أمير الكوفة ليزيد بن معاوية.
قوله: «برأس الحسين»، أي: الحسين بن علي بن أبي طالب م.
قوله: «فجعل في طست» الطست ما يغسل فيه الثياب.
قوله: «فجعل ينكت»، جعل عبيد الله بن زياد ينكت بعود في وجهه، وهو مقتول بعدما أُتي بالرأس وحده وهذا يدل على جبروت عبيدالله بن زياد، وأنه من الظلمة الجبارين، فهو أمير لبني أمية يقاتل عنهم، «فجعل ينكت»، ويرى جماله وحُسنه: «وقال في حُسنه شيئًا».
قوله: «فقال أنس: كان أشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم»، يعني: الحسين كان أشبه الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وجاء في الحديث الآخر عن علي قال: «الحسن أشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين الصدر إلى الرأس والحسين أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم ما كان أسفل من ذلك»([28]). فالحسن والحسين كلاهما يشبه النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله: «وكان مخضوبًا بالوسمة»، يعني: لحيته مخضوبة بالوسمة، وهو نبت يميل إلى السواد، وقد كان الحسين رضي الله عنه يخضب بالسواد، وكان ذلك مشهورًا عنه؛ ولهذا يرى بعض العلماء جواز الخضاب بالسواد، ولعله لم يبلغه النهي عن الخضاب بالسواد أو أنه كان يخلطه بشيء قليل فيغير السواد، وعلى كل حال المسألة ذكرها ابن القيم في «زاد المعاد»([29]) فقال: «فإن قيل: فقد ثبت في «صحيح مسلم» النهي عن الخضاب بالسواد في شأن أبي قحافة لما أتي به ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال: «غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد»([30]) والكتم يسود الشعر. فالجواب من وجهين:
أحدهما: أن النهي عن التسويد البحت، فأما إذا أضيف إلى الحناء شيء آخر كالكتم ونحوه فلا بأس به، فإن الكتم والحناء يجعل الشعر بين الأحمر والأسود بخلاف الوسمة فإنها تجعله أسود فاحمًا وهذا أصح الجوابين.
الجواب الثاني: أن الخضاب بالسواد المنهي عنه خضاب التدليس كخضاب شعر الجارية والمرأة الكبيرة تغر الزوج والسيد بذلك، وخضاب الشعر يغر المرأة بذلك، فإنه من الغش والخداع، فأما إذا لم يتضمن تدليسا ولا خداعًا، فقد صح عن الحسن والحسين م أنهما كانا يخضبان بالسواد فالصواب المنع، وسنة الخضاب إما بالحمرة الخالصة أو بالصفرة الخالصة أو بالسواد والحمرة - بالحناء والكتم - أما السواد الخالص فمنهي عنه.
والشاهد من الحديث أن الحسين رضي الله عنه كان شبيهًا بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذه منقبة للحسين رضي الله عنه.
([1]) أحمد (1/6)، والبخاري (3093)، ومسلم (1759).
([2]) أحمد (1/176)، والبخاري (6237)، ومسلم (2559).
([3]) «مستدرك الحاكم» (3/306).
([4]) أحمد (3/365)، والبخاري (4113).
([5]) «المعجم الكبير» (1/52)، والحاكم (3/415).
([6]) البخاري (3700).
([7]) أحمد (6/276)، وأبو داود (2692).
([8]) أحمد (5/277)، وأبو داود (2226)، والترمذي (1187)، وابن ماجه (2055).
([9]) أحمد (4/3)، والبخاري (5273).
([10]) الحاكم (3/236)، وتمام الرازي في «الفوائد» (2/82).
([11]) أحمد (6/281)، والنسائي في «الكبرى» (5/52).
([12]) أحمد (2/233)، والبخاري (6847)، ومسلم (1500).
([13]) أحمد (3/386)، والبخاري (4304)، ومسلم (1688).
([14]) أحمد (2/67)، والبخاري (3665)، ومسلم (2085).
([15]) أحمد (2/96)، والبخاري (5787).
([16]) أحمد (2/437)، والبخاري (757)، ومسلم (397).
([17]) البيهقي في «سننه الكبرى» (2/291)
([18]) «الموطأ» (1/12).
([19]) أحمد (5/310)، والحاكم (1/353).
([20]) أحمد (5/384)، والنسائي (1312).
([21]) البخاري (441)، ومسلم (2409).
([22]) أحمد (5/315)، والترمذي (2275)، وابن ماجه (3898).
([23]) أحمد (5/49)، والبخاري (2704).
([24]) أحمد (3/90)، والبخاري (447)، ومسلم (2916).
([25]) أحمد (3/32)، ومسلم (1065).
([26]) أحمد (4/401)، والبخاري (31)، ومسلم (2888).
([27]) أحمد (5/205)، والبخاري (6003).
([28]) أحمد (1/99)، والترمذي (3779).
([29]) انظر «زاد المعاد» (4/367-368).
([30]) مسلم (2102).