المتن
[51/54] ذكر هندِ بنت عتبة بن ربيعة ل
قال: وقال عبْدان: أنا عبدالله، قال: أنا يونس، عن الزهري، قال: حدثني عروة، أن عائشة قالت: جاءت هندُ بنتُ عتبة قالت: يا رسول الله ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحبَّ إليَّ أن يذلوا من أهل خبائك، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهلُ خباء أحبُّ إليَّ أن يَعِزُّوا من أهل خبائك، قال: «وأيضا، والذي نفسي بيده»، قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل مِسِّيك، فهل عليَّ حرجٌ أن أُطعم مِن الذي له عيالَنا؟ قال: «لا، بالمعروف».
الشرح
قوله: «ذكر هند بنت عتبة بن ربيعة» يعني: ما ورد في شأنها، وهي هند بنت عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ل، والدة معاوية بن أبي سفيان، قتل أبوها عتبة بن ربيعة وعمها شيبة يوم بدر، وشهدت مع زوجها أبي سفيان غزوة أحد، وحرضت على قتل حمزة رضي الله عنه -عم النبي صلى الله عليه وسلم- لأنه قتل عمها شيبة، وشارك في قتل أبيها عتبة، فقتله وحشي بن حرب، ثم أسلمت هند ل يوم فتح مكة وكانت من عقلاء النساء.
قوله: «وقال عبدان» ذكره هنا بصيغة التعليق، وذكر الحافظ أن كلام أبي نعيم في «المستخرج» يقتضي أن البخاري أخرجه موصولًا عن عبدان، ووصله البيهقي أيضًا من طريق أبي الموجه عن عبدان.
قوله: «ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إليَّ أن يذلوا من أهل خبائك» يعني: «ما كان على ظهر الأرض من أهل» بيت «أحب إلي أن يذلوا من أهل» بيتك، وأصل الخباء: الخيمة من وبر أو صوف، ثم أطلقت على البيت كيفما كان.
قوله: «ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحبُّ إلي أن يَعِزُّوا من أهل خبائك» فهند ل قبل أن تسلم كانت تبغض النبي صلى الله عليه وسلم أشد البغض، ثم مَنَّ الله عليها بالإسلام، فتغيرت الحال، فانتقلت من شدة البغض للنبي صلى الله عليه وسلم إلى شدة المحبة له، فكانت تتمنى - قبل إسلامها - أن يكون أهل بيت النبي أذل البيوت، فلما أسلمت صارت العداوة محبة، وأصبحت هند تحب أن يكون بيت النبي صلى الله عليه وسلم أعز البيوت.
قوله: «وأيضًا، والذي نفسي بيده» يعني: وأيضًا ستزيدين في المحبة كلما تمكن الإيمان من قلبك.
قوله: «إن أبا سفيان رجل مسيك»، وفي رواية أخرى قالت: «رجل شحيح»([1])، يعني: بخيل؛ لا يعطيني ما يكفيني وبني.
قوله: «فهل عليَّ حرجٌ أن أُطعم من الذي له عيالنا؟»، يعني: فهل علي من حرج أن آخذ من غير علمه فأنفق به على أولادي.
قوله: «لا، بالمعروف»، يعني: لا حرج عليك، خذي ما يكفيك بما تعارف عليه الناس، ولا تأخذي زيادة.
وفي الرواية الأخرى: «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»([2]).
وهذه القصة استنبط العلماء منها فوائد:
منها: أنه يحق للمستفتي أن يذكر مسالب الشخص المستفتى عنه، ولا يكون هذا من الغيبة، فقولها: «رجل مسيك» غِيبة، لكنها مستثناة؛ لأنها مضطرة؛ فهي تسأل عن الحكم الشرعي في ذلك.
والغيبة يُستثنى منها أمور ذكرها العلماء، ومن هذه الأمور: النصيحة، والاستفتاء، والإعانة على إنكار المنكر، والتعريف إذا كان لا يعرف إلا بهذه الصفة.
ومن الفوائد: دلالة الحديث على أنه يجوز للمرأة أن تأخذ من مال زوجها إذا كان زوجها مقصرًا في النفقة، وإن لم يعلم بأخذها؛ لكنها تأخذ ما يكفيها وولدها للنفقة والكسوة بما تعارف عليه الناس، ولا تأخذ زيادة عن الحاجة.
واستدلوا أيضًا بهذا الحديث على مسألة الظفر، وهي أن الإنسان إذا وجد حقه أو ماله عند شخص له أن يظفر به من غير علمه.
- ومسألة الظفر بالحق فيها ثلاثة أقوال عند أهل العلم:
القول الأول : بالجواز، فلو أن إنسانًا له مال عند شخص، وأنكر هذا الشخص المال، ثم استطاع صاحب المال أن يأخذه خفية أخذه.
القول الثاني : أنه لا يجوز له ذلك.
القول الثالث : إن كان لا يترتب على الظفر بحقه مفسدة أخذه، وإن كان يترتب عليه مفسدة فلا يأخذه، يعني: إن ترتب على أخذه حقه اتهامه بالسرقة، أو قطع يده فلا يأخذه، وإن كان لا يترتب عليه مفسدة أخذه، وهذا هو الأرجح.
* * *
المتن
[52/54] حديث زيد بن عمرو بن نفيل
● [3584] حدثني محمد بن أبي بكر، قال: حدثنا فضيل بن سليمان، قال: حدثنا موسى، قال: حدثنا سالم بن عبدالله، عن عبدالله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بَلْدحَ قبل أن يَنزِلَ على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي، فقُدِّمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذُكر اسمُ الله عليه. وأنَّ زيد بن عمرو كان يعيب على قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله، وأنزل لها من السماء الماء، وأنبت لها من الأرض، ثم تذبحونها على غير اسم الله! إنكارًا لذلك وإعظامًا له.
قال موسى: حدثني سالم بن عبدالله، ولا أعلمُه إلا يُحَدِّث به عن ابن عمر، أن زيد ابن عمرو بن نفيل خرج إلى الشام يسأل عن الدين ويتَّبِعُهُ، فلقي عالما من اليهود فسأله عن دينهم، فقال: إني لعلي أن أدين دينكم فأخبرني، فقال: لا تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله، قال زيد: ما أفر إلا من غضب الله! ولا أحمل من غضب الله شيئًا أبدًا! وأنَّى أستطيعه؟! فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن تكون حنيفًا، قال زيد: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولا يعبد إلا الله، فخرج زيد فلقي عالمًا من النصارى، فذكر مثله، فقال: لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من لعنة الله، قال: ما أفر إلا من لعنة الله! ولا أحمل من لعنة الله ولا من غضبه شيئًا أبدًا! وأنَا أستطيع، فهل تدلني على غيره؟ قال: ما أعلمه إلا أن تكون حنيفًا، قال: وما الحنيف؟ قال: دين إبراهيم، لم يكن يهوديًّا ولا نصرانيًّا، ولا يعبد إلا الله، فلما رأى زيد قولهم في إبراهيم خرج، فلما برز رفع يديه إلى السماء فقال: اللهم إني أَشْهَدُ أني على دين إبراهيم!
وقال الليث: كتب إليَّ هشام، عن أبيه، عن أسماء بنة أبي بكر قالت: رأيت زيد بن عمرو بن نفيل قائمًا مسندًا ظهره إلى الكعبة يقول: يا معاشر قريش، والله ما منكم على دين إبراهيم غيري، وكان يُحيي الموءُودة، يقول للرجل إذا أراد أن يقتل ابنتَه: لا تقتُلْها؛ أنا أكفيك مَئُونتَها، فيأخذُها، فإذا ترعرعت قال لأبيها: إن شئتَ دفعتُها إليك، وإن شئتَ كفيتُك مَئُونتَها.
الشرح
زيد بن عمرو بن نفيل هو ابن عم عمر بن الخطاب، وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة، وكان قد ابتعد عما كان عليه الناس من عبادة الأصنام والأوثان، فطلب التوحيد وخلع الأوثان وجانب الشرك، فقصد الشام يبحث عن الدين الحق، وقال: إني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل؛ لكنه توفي قبل البعثة.
وقد ذكر الشارح رواية عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه حليف بني عدي بن كعب قال: إن زيد بن عمرو قال لي: «إني خالفت قومي واتبعت ملة إبراهيم وإسماعيل، وما كانا يعبدان إلا الله، وكانا يصليان إلى هذه القبلة، وأنا أنتظر نبيًّا من بني إسماعيل، ولا أراني أدركه، وأنا أومن به وأصدقه وأشهد أنه نبي، وإن طالت بك حياة فأقرئه مني السلام»، فقال عامر رضي الله عنه: فلما أسلمت أعلمت النبي صلى الله عليه وسلم بخبره؛ فرد عليه السلام وترحم عليه، وقال: «ولقد رأيته في الجنة يسحب ذيولًا»([3]).
وروى البزار والطبراني من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: خرج زيد بن عمرو وورقة ابن نوفل يطلبان الدين حتى أتيا الشام، فتنصر ورقة وامتنع زيد، فأتى الموصل فلقي راهبًا فعرض عليه النصرانية فامتنع... وذكر الحديث إلى أن قال سعيد بن زيد رضي الله عنه: فسألت أنا وعمر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيد، فقال: «غفر الله لزيد بن عمرو ورحمه؛ فإنه مات على دين إبراهيم»([4]).
● [3584] هذه قصة زيد بن عمرو بن نفيل، وكان من أفراد قلائل تركوا عبادة الأصنام والأوثان وطلبوا دين إبراهيم، وذكر الشارح آثارًا -وإن كان فيها ضعف- تدل على أنه مات على التوحيد، وأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بالمغفرة.
وفي هذا الحديث ذكر ابن عمر رضي الله عنه أن زيد بن عمرو خرج إلى الشام يسأل عن الدين الحق ويتبعه، وأنه لقي عالمًا من اليهود فحذره من اليهودية، وقال: الدين الذي تطلبه هو الحنيف، وكذلك قال له العالم النصراني، فرفع يديه لما خرج وقال: «اللهم إني أشهد أني على دين إبراهيم».
وقوله: «لن تكون على ديننا حتى تأخذ بنصيبك من غضب الله»؛ لأن اليهود مغضوب عليهم؛ فعندهم علم لكنهم لم يعملوا به، فإذا تدين بدين اليهودية غضب الله عليه.
قال الحافظ ابن حجر /: «والمراد بغضب الله إرادة إيصال العقاب، كما أن المراد بلعنة الله الإبعاد عن رحمته».
وهذه مسألة عقدية يجب التنبيه عليها؛ فهذا التأويل باطل عند أهل السنة والجماعة؛ لأن الإرادة صفة مستقلة غير صفة الغضب، وصفة الغضب صفة مستقلة له سبحانه على الوجه اللائق به؛ وإنما أوَّل الحافظ صفة الغضب على طريقة الأشاعرة؛ فلم يوفقه الله في السير على منهج أهل السنة والجماعة، فالحق في هذه المسألة أن الغضب صفة والإرادة صفة أخرى.
وكان زيد بن عمرو يحيي الموءودة -وهي الأنثى المولودة التي يدفنها أبوها وهي حية، وكانوا يفعلون ذلك في الجاهلية خشية العار- فكان زيد يطلب من أبيها أن تبقى عنده يربيها، فإن كبرت وترعرعت قال له زيد بن عمرو: إن شئت أعطيتك إياها وإن شئت أبقيتها.
* * *
المتن
[53/54] بنيان الكعبة
● [3585 ] حدثنا محمود، قال: حدثنا عبدالرزاق، قال: أخبرني ابن جريج، قال: أخبرني عمرو بن دينار، سمع جابر بن عبدالله قال: لما بنيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة، فقال عباس للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل إزارك على رقبتك مِن الحجارة، فخر إلى الأرض، وطمحت عيناه إلى السماء، ثم أفاق فقال: «إزاري! إزاري!» فشد عليه إزاره.
● [3586] حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار وعبيدالله ابن أبي يزيد قالا: لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول البيت حائط، كانوا يصلون حول البيت، حتى كان عمر فبنى حوله حائطًا.
قال عبيدالله: جدره قصير، فبناه ابن الزبير.
الشرح
● [3585 ] قوله: «لما بنيت الكعبة» وكان ذلك قبل البعثة بخمس سنين، فأرادت قريش أن تبني الكعبة لما تصدع بناؤها، وقد توقفوا في ذلك ثم بعد ذلك هدموها وبنوها.
قوله: «اجعل إزارك على رقبتك من الحجارة»، وفي رواية: «يقك» فعل مضارع مجزوم بحذف حرف العلة في جواب الأمر.
فكان العباس رضي الله عنه عم النبي صلى الله عليه وسلم ينقل الحجارة لبناء الكعبة وجاء النبي صلى الله عليه وسلم معه يساعده، فقال له العباس رضي الله عنه: يا محمد «اجعل إزارك على رقبتك» حتى يقيك الحجارة، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم إزاره على رقبته، فانكشفت عورته؛ فسقط مغشيًّا عليه «وطمحت عيناه إلى السماء» من شدة حيائه صلى الله عليه وسلم، ولم ير بعد ذلك له عورة، وكان الرجال في قريش يلبسون الأزر والأردية على عادة العرب، والإزار هو قطعة يشد بها النصف الأسفل، والرداء على عاتقه -مثل المحرم في الحج والعمرة- وكان هذا لباسهم سائر الأوقات، وكانوا يتساهلون في كشف العورات في الجاهلية، فيرفع الواحد منهم إزاره حتى يجعل الإزار على رقبته ليقيها الحجارة، ولا يبالون بتكشف العورة.
مثلهم مثل بني إسرائيل عندما قالوا: إن موسى لا يتكشف أمامنا إلا أنه آدر الخصيتين، وكان بنو إسرائيل يغتسلون وهم عراة ولا يبالون، إلا موسى كان حييًّا، فلا يغتسل إلا وحده متسترًا.
فأراد الله أن يبرأ رسوله موسى عليه السلام فأراد موسى الاغتسال، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فجعل موسى يتبعه ويقول: ثوبي حجر ثوبي حجر، حتى وقف على بني إسرائيل فرأوه، فقالوا: والله إنه أحسن الناس خلقًا، ثم نزل الحجر بثوبه فأخذه، وعامل الحجر معاملة العاقل، فجعل يضربه بالعصا سبع مرات أو ست، فأثرت العصا في الحجر.
قوله: «إزاري! إزاري!» يعني: أعطوني إزاري، وذلك لما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم، فشد عليه إزاره، ولم ير بعد ذلك له عورة.
● [3586 ] قوله: «لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم حول البيت حائط»، يعني: أن المسجد الذي حول الكعبة لم يكن له جدار، ولهذا طاف النبي صلى الله عليه وسلم على بعير لما غشيه الناس في طواف الإفاضة([5])؛ لعدم وجود جدار، ولو كان حوله حائط لما دخل البعير، حتى كان في زمن عمر فبنى حوله جدارًا قصيرًا.
قوله: «جدره» مفرد جُدُر.
* * *
المتن
[54/54] أيام الجاهلية
● [3587 ] حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، قال: هشام، حدثني أبي، عن عائشة قالت: كان عاشوراء يومًا تصومُه في الجاهلية قريش، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما نزل رمضان كان من شاء صامه ومن شاء لا يصومه.
● [3588 ] حدثنا مسلم، قال: حدثنا وهيب، قال: حدثنا ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس قال: كانوا يُرَوْنَ أن العمرة في أشهر الحج من الفجور في الأرض، وكانوا يسمون المحرم صفرًا، ويقولون: إذا برأ الدَّبَر وعفا الأثَر حلَّت العمرة لمن اعتمر، قال: فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رابعة مُهِلِّين بالحج، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة، قالوا: يا رسول الله، أي: الحل؟ قال: «الحل كله».
● [3589] حدثنا علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، قال: كان عمرو يقول: حدثنا سعيد بن المسيب، عن أبيه، عن جده قال: جاء سيل في الجاهلية، فكسا ما بين الجبلين.
قال سفيان: ويقول: إن هذا الحديث له شأن.
● [3590] حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا أبو عوانة، عن بيانٍ أبي بشرٍ، عن قيس بن أبي حازم قال: دخل أبو بكر على امرأة من أحمس يقال لها: زينب، فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مُصْمِتَةً، قال لها: تكلمي؛ فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية؛ فتكلمت فقالت: من أنت؟ قال: امرؤ من المهاجرين، قالت: أي: المهاجرين؟ قال: من قريش، قالت: من أي: قريش أنت؟ قال: إنك لسئول، أنا أبو بكر، قالت: ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية، قال: بقاؤكم عليه ما استقامت لكم أئمتكم، قالت: وما الأئمة؟ قال: أما كان لقومك رؤوس وأشراف يأمرونهم فيطيعونهم؟ قالت: بلى، قال: فهم أولئك على الناس.
● [3591] حدثني فروة بن أبي المغراء، قال: أنا علي بن مسهر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: أسلمت امرأة سوداء لبعض العرب، وكان لها حِفْشٌ في المسجد، قالت: فكانت تأتينا فتَحَدَّثُ عندنا، فإذا فرغت من حديثها قالت:
ويومُ الوِشاحِ من تعاجيب ربنا ألا إنَّه من بلدة الكفر أنجاني
فلما أكثرت قالت لها عائشة: وما يوم الوشاح؟ قالت: خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم، فسقط منها، فانحطت عليه الحُديَّا وهي تحسِبُه لحمًا فأخذتْ، فاتهموني به فعذبوني حتى بلغ من أمري أنهم طلبوا في قُبُلي، فبينما هم حولي وأنا في كُرَبي إذ أقبلت الحديا حتى وازت برُءُوسِنا ثم ألقته، فأخذوه، فقلت لهم: هذا الذي اتهمتموني به، وأنا منه بريئة!
● [3592] حدثنا قتيبة، قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله»، فكانت قريش تحلف بآبائها؛ فقال: «لا تحلفوا بآبائكم».
● [3593] حدثنا يحيى بن سليمان، قال: حدثني ابن وهب، قال: أخبرني عمرو، أن عبدالرحمن ابن القاسم حدثه، أن القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة ولا يقوم لها، ويخبر عن عائشة قالت: كان أهل الجاهلية يقومون لها، يقولون إذا رأوها: كنت في أهلك ما أنت - مرتين.
● [3594] حدثني عمرو بن عباس، قال: حدثنا عبدالرحمن، قال: حدثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، قال: قال عمر: إن المشركين كانوا لا يفيضون من جمع حتى تُشْرِقَ الشمس على ثَبيرٍ، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأفاض قبل أن تطلُعَ الشمس.
● [3595] حدثني إسحاق بن إبراهيم، قلت لأبي أسامة: حدثكم يحيى بن المهلب، قال: حدثنا حصين، عن عكرمة: (وَكَأْساً دِهَاقاً) [النبأ: 34] قال: ملأى متتابعة، قال: وقال ابن عباس: سمعت أبي يقول في الجاهلية: اسقنا كأسًا دهاقًا.
● [3596] حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن عبدالملك، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطلُ، وكاد أمية بن أبي الصلت أن يُسْلم».
● [3597 ] حدثنا إسماعيل، قال: حدثني أخي، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: كان لأبي بكر غلام يُخرِجُ له الخراجَ، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهَّنت لإنسان في الجاهلية وما أُحسِن الكَهانة إلا أني خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلتَ منه؛ فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه.
● [3598] حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن عبيدالله، قال: أخبرني نافع، عن ابن عمر قال: كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة، قال: وحبل الحبلة أن تُنتَجَ الناقةُ ما في بطنها ثم تحملُ الذي نُتِجَتْ؛ فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
● [3599] حدثنا أبو النعمان، قال: حدثنا مهدي، قال غيلان بن جرير: كنا نأتي أنس ابن مالك فقال فتحدثنا عن الأنصار، فكان يقول لي: فعل قومك كذا وكذا يوم كذا وكذا، وفعل قومك كذا وكذا يوم كذا وكذا.
الشرح
● [3587 ] قوله: «كان عاشوراء يومًا تصومه في الجاهلية قريش»، قيل: لأنهم أخذوا هذا من اليهود؛ فهم لهم باليهود صلة، وقيل: إنهم أصابهم قحط ثم رفع عنهم في ذلك اليوم فصاموه شكرًا لله عز وجل.
قوله: «فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه»، يعني: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجدهم يصومون اليوم العاشر من شهر المحرم، فسألهم فقالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى عليه السلام وقومه وأغرق فرعون وقومه، فصامه النبي صلى الله عليه وسلم شكرًا لله، وأمر أصحابه بصيامه، وقال لليهود: «أنا أحق بموسى منكم»([6]).
ثم أمر - أيضًا - بصيام يوم قبله أو يوم بعده، وقال: «لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع»([7])، مخالفةً لليهود.
قوله: «فلما نزل رمضان»، يعني: فلما نزلت فرضية رمضان في السنة الثانية «كان من شاء صامه ومن شاء لا يصومه»، وأمْرُ النبي صلى الله عليه وسلم بصيام يوم عاشوراء، قيل: إنه أمر استحباب، وقيل: أمر إيجاب، وقيل: إنه كان واجبًا في السنة الأولى التي قدم فيها النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فلما فرض شهر رمضان نسخ فرضية صوم يوم عاشوراء وصار مستحبًّا، وعلى هذا القول يكون صوم يوم عاشوراء طورًا من أطوار الصيام، وتكون أطوار الصيام هي:
الطور الأول: إيجاب الله صوم عاشوراء.
الطور الثاني: نسخ صوم يوم عاشوراء، وفرض صوم رمضان، وكان الإنسان مخيرًا بين أن يصوم وبين أن يطعم عن كل يوم مسكينًا -إلا أن الصوم أفضل- لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[البقرة: 184].
الطور الثالث: نسخ التخيير، وإيجاب الله الصوم على المقيم حتمًا.
الطور الرابع: كان الناس إذا غربت الشمس حل لهم الإفطار، حتى يصلي العشاء أو ينام، فإذا صلى العشاء أو نام حرم عليه الطعام والشراب إلى الغد، وسبب ذلك مشقة على بعض الصحابة، فروي أن أحدهم كان يعمل في النهار وهو صائم، فلما حان وقت الإفطار جاء إلى امرأته فقال: هل عندك من طعام؟ قالت: لا، وسأذهب أطلب لك طعامًا، فلما ذهبت جاءت فوجدته نائمًا، فقالت: خيبة لك، إذا نمت لا تفطر إلا من اليوم التالي، فأصبح صائمًا ولم يأكل من اليوم السابق، فلما انتصف النهار غشي عليه وسقط، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ فأنزل الله: (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ)، ثم قال: (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187]([8])، فأباح الله لهم الفطر في ليلة الصيام من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا.
● [3588 ] قوله: «كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من الفجور في الأرض»، أي: أن أهل الجاهلية كانوا يرون أن أشهر الحج خاصة بالحج فقط، وأنها ليس فيها عمرة، ويرون أن الذي يعتمر في أشهر الحج فعل معصية هي من أفجر الفجور.
قوله: «إذا برأ الدبر» الدبر: الجروح التي في ظهر البعير، فإنه إذا حج الإنسان على الإبل ومشى مسافات بعيدة تجرحت ظهورها، فإذا قدمت من الحج وعالجوا الجروح التي في ظهورها وبرأت فعند ذلك تحل لهم العمرة، وقبل ذلك فالعمرة من أفجر الفجور وهذا من اعتقادات أهل الجاهلية.
قوله: «وعفا الأثر» يعني: لم يبق لأقدام البعير التي حجوا عليها أي: أثر في الرمال.
قوله: «فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رابعة»، يعني: في اليوم الرابع من ذي الحجة.
قوله: «مهلين بالحج»، يعني: لا يقصدون إلا الحج.
قوله: «وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة»، يعني: لما أقبلوا على مكة أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يقصدوا العمرة، قالوا: يا رسول الله كيف وقد سمينا الحج؟! «أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعلوها عمرة»، فلما طافوا بين الصفا والمروة حتم عليهم وألزمهم أن يتحللوا ويجعلوها عمرة.
قوله: «قالوا: يا رسول الله أي: الحل؟» يعني: نتحلل حلًّا كاملًا أم حلًّا ناقصًا؟ قال: «الحل كله» يعني: يجوز لكم أن تلبسوا الثياب وتتطيبوا وأن يجامع الإنسان زوجته، فاستنكروا ذلك؛ لأنه لم يكن يحدث في الجاهلية، وقالوا: يا رسول الله يذهب أحدنا إلى عرفة وذكره يقطر منيًّا؟ يعني: أنه يجامع المرأة ويغتسل ثم يحرم ويذهب إلى عرفة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لحللتُ»([9])، وبذلك خالف النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية الذين لا يعتمرون في الحج.
● [3589 ] قوله: «فكسا ما بين الجبلين» يعني: ملأ ما بين الجبلين اللذين في جانبي الكعبة، ونقل الشارح عن موسى بن عقبة أن السيل كان يأتي من فوق الردم الذي بأعلى مكة ويذريه، فتخوفوا أن يدخل الماء الكعبة فأرادوا تشييد بنيانها، فكان أول من بدأها وهدم منها شيئًا الوليد بن المغيرة، ثم ذكر قصة بناء الكعبة.
قوله: «إن هذا الحديث له شأن»، يعني: له قصة.
● [3590 ] قوله: «دخل أبو بكر على امرأة من أحمس»، أي: دخل على هذه المرأة، وكانت من قبيلة أحمس، وهي امرأة عاقلة.
قوله: «يقال لها: زينب، فرآها لا تكلم، فقال: ما لها لا تكلم؟ قالوا: حجت مصمتة» يعني: لا تتكلم في حجها، وتريد أن تتقرب إلى الله بهذا الصمت.
قوله: «قال لها: تكلمي، فإن هذا لا يحل، هذا من عمل الجاهلية»، وهذا هو الشاهد في هذه الترجمة، فكونها لا تتكلم في الحج فهذا من عمل الجاهلية، وجاء في حديث آخر أن أبا إسرائيل نذر أن يصوم ولا يتكلم، ويجلس في الشمس، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مره فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه»([10]).
قوله: «ما بقاؤنا على هذا الأمر الصالح الذي جاء الله به بعد الجاهلية؟» يعني: دين الإسلام «الذي جاء الله به بعد الجاهلية».فيه : دليل على أن صلاح الأئمة وولاة الأمور صلاح لرعيتهم، واستقامتهم استقامة لرعيتهم؛ لأن الناس على دين ملوكهم، إذا استقام ولاة الأمور استقام الناس، ولهذا كان الإمام أحمد يدعو لولاة الأمور، وقال: «لو علمت أن لي دعوة صالحة لصرفتها للسلطان، فبصلاحه تصلح الرعية، وإذا استقام ولاة الأمور استقام الناس».
● [3591 ] قوله: «وكان لها حفش في المسجد»، أي: بيت صغير في المسجد.
قوله: «فكانت تأتينا فتحدث عندنا»، أصلها: تتحدث، وهي لغة، والمعنى: أنها كانت تأتي عائشة وتتحدث عندها، فإذا فرغت من الحديث تمثلت بهذا البيت من الشعر:
ويوم الوشاح من تعاجيب ربنا |
ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني |
قوله: «فلما أكثرت»، يعني: عندما أكثرت من ذكر هذا البيت قالت عائشة: «وما يوم الوشاح؟» أي: حدثيني عنه.
قوله: «خرجت جويرية لبعض أهلي وعليها وشاح من أدم» الجويرية تصغير جارية، وهي البنت الصغيرة، وقوله: «لبعض أهلي»، كأنها كانت أمة عندهم، والوشاح: الثوب، والمعنى: خرجت جارية عليها وشاح أحمر، فسقط منها، فجاءت الحديا -وهي طائر- فظنت الثوب الأحمر لحمًا، فخطفته وأخذته، فاتهموا هذه الأمة، وقالوا: أنت من سرق ثوب الجارية، وعذبوها حتى بلغ منهم أنهم فتشوا قبلها.
قوله: «هذا الذي اتهمتموني به، وأنا منه بريئة!» فقد برأها الله من تهمتها؛ ولهذا ينبغي للإنسان ألا يعجل في إصدار الأحكام، وألا يجزم بالتهمة إلا بدليل قاطع.
● [3592 ] قوله: «ألا من كان حالفًا فلا يحلف إلا بالله» لقد كان الناس في الجاهلية يحلفون بآبائهم، وكذلك في أول الهجرة، ثم نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يحلفوا إلا بالله.
ومما يروى أن عمر رضي الله عنه كان يحلف بأبيه، فناداه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله وإلا فليصمت»([11])؛ فلا يجوز الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم ولا بحياتك ولا بنسبك ولا بشرفك، وقد أوضح النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر أن الحلف بغير الله من الشرك، فقال صلى الله عليه وسلم: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك»([12]).
● [3593 ] قوله: «أن القاسم كان يمشي بين يدي الجنازة ولا يقوم لها»، وذلك بسبب ما ذكرته عائشة من أن أهل الجاهلية كانوا يقومون إذا رأوا الجنازة حيث قالت: «كان أهل الجاهلية يقومون لها، يقولون إذا رأوها: كنت في أهلك ما أنت - مرتين» فلعل السنة خفيت عليهما، فقد جاءت السنة بالأمر بالقيام إلى الجنازة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم»([13]).
وقد جاء في الحديث الآخر أنه صلى الله عليه وسلم قام وقعد([14])، فدل على أن الأمر للاستحباب، والقاعدة عند أهل العلم أن الأمر للوجوب إلا إذا صرفه صارف، وهنا صرفه صارف قعود النبي صلى الله عليه وسلم.
فلو لم يقعد لكان للوجوب، وروي أن جنازة مرت فقام النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله إنها من أهل النار، وفي لفظ: إنها جنازة يهودي، فقال: «أليست نفسًا»([15])، وفي لفظ: «إنما قمنا للملائكة»([16]).
● [3594] هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خالف أهل الجاهلية في الحج، فكان أهل الجاهلية لا يفيضون من مزدلفة حتى تطلع الشمس، وتشرق على جبل يقال له: ثبير، ويقولون: أشرق ثبير كيما نغير، فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم فدفع من مزدلفة بعد الإسفار وقبل طلوع الشمس، كما أنه خالف أهل الجاهلية في الدفع من عرفة، فكان أهل الجاهلية يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس، وإذا صارت الشمس فوق رؤوس الجبال كعمائم الرجال فخالفهم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدفع من عرفة حتى غربت الشمس واستحكم غروبها جدًّا، ومن دفع من عرفة قبل غروب الشمس فعليه دم؛ لأن هذا واجب من واجبات الحج، فالنبي صلى الله عليه وسلم خالفهم في الدفع من عرفة، وكذلك خالفهم في الدفع من مزدلفة.
● [3595 ] قوله: «سمعت أبي يقول في الجاهلية: اسقنا كأسًا دهاقًاً» هذا موضع الشاهد، والدهاق الممتلئ، وجاء في القرآن الكريم: (وَكَأْساً دِهَاقاً) [النبأ: 34]؛ يعني: ممتلئ.
● [3596 ] قوله: «أصدق كلمة قالها الشاعر»، فيه: أن «أصدق كلمة قالها» شاعر «كلمة لبيد»
وفيه: إطلاق الكلمة على الجمل المتعددة؛ لأن في قوله: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل» سبع كلمات وسماها كلمة، وكذلك تطلق لفظة «كلمة» على الخطبة، فيقال: فلان ألقى كلمة، يعني: ألقى خطبة.
ومعنى قوله: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل»، أي: كل شيء ليس لوجه الله فهو باطل ضائع.
والشطر الثاني: «وكل نعيم لا محالة زائل»، ليس صادقًا؛ لأن نعيم الجنة لا يزول.
قوله: «وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم»، وفي اللفظ الآخر: «لقد كاد يسلم في شعره»([17]) وفي لفظ: «أسلم شعره وكفر قلبه»([18])، فأمية بن أبي الصلت أشعاره طيبة، فيها إثبات العرش وإثبات حملة العرش، فمنها:
شهدت بأن وعد الله حق |
وأن النار مثوى الكافرينا |
وأن العرش فوق الماء طافٍ |
وفوق العرش رب العالمينا |
وتحمله ملائكة شداد |
ملائكة الإله مسومينا |
● [3597 ] قوله: «كان لأبي بكر غلام»، أي: خادم.
قوله: «يخرج له الخراج»، يعني: إذا كان الخادم يجيد صنعة ما، فيتركه السيد يعمل في صنعته على أن يكون له جزء من الأجر، وللخادم الباقي، وكان هذا الغلام يعمل لأبي بكر رضي الله عنه، ويأتي له بخراج وطعام، فجاء يومًا بشيء فأكل منه أبو بكر رضي الله عنه ولم يسأل عن مصدره، وكان من عادته أن يسأل.
قوله: «كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته»، أي: خدع الخادم شخصًا في الجاهلية وتكهن له فأعطاه هذا الطعام، وهو حرام؛ فإنه ثمن كهانة وخداع، فأدخل أبوبكر رضي الله عنه أصبعه في حلقه وتقيأ هذا الطعام الذي أكله،
وفي الحديث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به»([19]).
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه يخرج الحرام من بطنه على الرغم من أنه معذور؛ فما كان يعلم مصدر ذلك الطعام، وتجد كثيرًا من الناس اليوم يقدم على أكل الحرام في وضح النهار وهو يعلم بحرمته، فيأكل الربا والسرقة والرشوة والهدية في الشفاعة، فالفرق في الورع شاسع، والورع هو الدين والإيمان الذي يستقر في القلب، وقد استقر في قلب أبي بكر رضي الله عنه الدين والإيمان؛ ولذلك أخرج الحرام من بطنه على الرغم من عذره.
● [3598 ] قوله: «كان أهل الجاهلية يتبايعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة» ذكر ابن عمر رضي الله عنه في هذه الترجمة بيوعًا تبايعها أهل الجاهلية، وفسر «حبل الحبلة» فقال: «وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها، ثم تحمل الذي نتجت»، فمثلًا يقول أحدهم للثاني: أبيعك هذا البيت بمائة إلى أن تنتج الناقة ما في بطنها، ثم تحمل التي نتجت.
فهو بيع إلى نتاج النتاج، وهذا البيع باطل؛ لما فيه غرر؛ لأن الأجل مجهول، وهذه البيوع من أعمال أهل الجاهلية.
وقوله: «تُنْتَج» على صيغة المبني للمجهول لكنه في الأصل مبني للمعلوم، فهناك ألفاظ عديدة جاءت على صيغة المبني للمجهول لكنها مبنية للمعلوم في الأصل، مثل:تنتج، وتزهى، ويهرعون.
● [3599 ] قوله: «فعل قومك كذا وكذا يوم كذا وكذا» دل على جواز التحدث عما كان يفعله أهل الجاهلية، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع الصحابة يتحدثون في أمور أهل الجاهلية فما يزيد عن أن يتبسم.
* * *
المتن
[55/54] القسامة في الجاهلية
● [3600 ] حدثنا أبو معمر، قال: حدثنا عبدالوارث، قال: حدثنا قَطَنٌ أبو الهيثم، قال: حدثنا أبو يزيد المدني، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم، كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى، فانطلق معه في إبله، فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جُوَالَقِه، فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جُوَالَقِي لا تَنفِرُ الإبلُ، فأعطاه عقالًا، فشد به عروة جُوَالَقِه، فلما نزلوا عُقلت الإبل إلا بعيرٌ واحدٌ، فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال، قال: فأين عقاله؟ قال: فحذفه بعصًا كان فيها أجله، فمر به رجل من أهل اليمن، فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد وربما شهدته، قال: هل أنت مُبَلِّغٌ عني رسالة مرة من الدهر؟ قال: نعم، قال: فكُنتَ إذا أنت شهدتَّ الموسم فنادِ: يالَ قريش، فإذا أجابوك فناد: يالَ بني هاشم، فإن أجابوك فسل عن أبي طالب، فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال، ومات المستأجَر، فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب، فقال: ما فعل صاحبُنا؟ قال: مرض فأحسنت القيام عليه، فوَلِيت دفنه، قال: قد كان أهلُ ذاك منك، فمَكُث حينًا، ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم، فقال: يالَ قريش، قالوا: هذه قريش، قال: يالَ بني هاشم، قالوا: هذه بنو هاشم، قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن أُبلِّغَك رسالة أن فلانًا قتله في عقال، فأتاه أبو طالب فقال: اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدِّيَ مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك إنك لم تقتُلْه، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومه فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أحبُّ أن تُجيزَ ابني هذا برجل من الخمسين، ولا تُصبَر يمينُه حيث تُصبَرُ الأيمان؛ ففعل، فأتاه رجل منهم فقال: يا أبا طالب، أردتَّ خمسين رجلًا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كلَّ رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما عني، ولا تُصْبِرْ يميني حيث تُصْبَرُ الأَيْمانُ؛ فقبلهما، وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا، قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده، ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تُطرف.
● [3601] حدثني عبيد بن إسماعيل، قال: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان يوم بُعَاثَ يومًا قدَّمه الله لرسوله، فقَدِم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وقد افترق ملؤهم، وقُتِلت سرواتهم، وجُرحوا، قدَّمه الله لرسوله في دخولهم في الإسلام.
وقال ابن وهب: أنا عمرو، عن بكير بن الأشج، أن كريبا مولى ابن عباس حدثه، أن ابن عباس قال: ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا والمروة سُنَّة؛ إنما كان أهل الجاهلية يسعونها، ويقولون: لا نجيز البطحاء إلا شدًّا.
● [3602] حدثني عبدالله بن محمد الجعفي، قال: حدثنا سفيان، قال: أنا مطرف، قال: سمعت أبا السفر يقول: سمعت ابن عباس يقول: يا أيها الناس، اسمعوا مني ما أقول لكم، وأسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس. قال ابن عباس: من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا: الحطيم؛ فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه.
● [3603] حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا هشيم، عن حصين، عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قِرَدٌ قد زنت فرجموها، فرجمتها معهم.
● [3604] حدثنا علي بن عبدالله، قال: حدثنا سفيان، عن عبيدالله، سمع ابن عباس قال: خلال من خلال الجاهلية: الطعن في الأنساب، والنياحة، ونسي الثالثة.
قال سفيان: ويقولون: إنها الاستسقاء بالأنواء.
الشرح
قوله: «القسامة» بفتح القاف: اليمين، وقيل: هي مأخوذة من قسمة الأيمان على الحالفين، وهي حلف خمسين يمينًا عند التهمة بالقتل على الإثبات أو النفي، وكانت القسامة في الجاهلية فأقرها الإسلام.
فإذا وجد شخص مقتولًا ولا يعرف من قتله، لكن هناك من يتهم في قتله، فيقال للمتهمين: أنتم قتلتم صاحبنا، فيحلفون خمسين يمينًا على شخص معين أنه قتله، فيأخذونه فيقتلونه، فإن أبوا ردت الأيمان على المتهمين فيحلفون خمسين يمينًا يبرِّئون صاحبهم.
● [3600] هذا الحديث فيه أن أول قسامة وقعت كانت في الجاهلية، ووقعت في بني هاشم.
قوله: «كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى»، وبنو هاشم أخص من قريش، فهم فخذ منها وهناك أفخاذ أخرى.
قوله: «فانطلق معه في إبله»، يعني: فانطلق الهاشمي مع القرشي في إبله، قوله: «فمر به رجل من بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه، فقال: أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل» يعني: كي لا تنفلت إبلي، والجوالق الوعاء من جلود وثياب وغيرها، والعقال الحبل الذي يربط به يد البعير.
قوله: «فأعطاه عقالًا»، فأصبح هناك بعير ليس له عقال؛ لأن الهاشمي أعطى السائل عقالًا حتى يشد به عروة جوالقه.
قوله: «فلما نزلوا عقلت الإبل إلا بعير واحد»، يعني: ليس له عقال.
قوله: «فقال الذي استأجره: ما شأن هذا البعير لم يعقل من بين الإبل؟ قال: ليس له عقال. قال: فأين عقاله؟ قال: فحذفه بعصًا كان فيها أجله»، يعني: قتله من أجل العقال.
قوله: «فمر به رجل من أهل اليمن»، يعني: مر رجل بالهاشمي المقتول قبل أن يموت.
قوله: «فقال: أتشهد الموسم؟»، يعني: أتشهد موسم الحج، «قال: ما أشهد وربما شهدته، قال: هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر؟ قال: نعم. قال: فكنت إذا أنت شهدت الموسم فناد: يال قريش، فإذا أجابوك فناد: يال بني هاشم، فإن أجابوك فسل عن أبي طالب، فأخبره أن فلانًا قتلني في عقال»، يعني: بسبب عقال.
قوله: «فلما قدم الذي استأجره»، وكان قد دفنه، و«أتاه أبو طالب، فقال» له: «ما فعل صاحبنا؟» يعني: أين هو؟ فقال الذي قتله: «مرض فأحسنت القيام عليه، فوليت دفنه»، ولم يقل: إني حذفته فقتلته.
قوله: «قد كان أهل ذاك منك»، يعني: أنت أهل لأن تحسن إليه، فأبوطالب لم يكن على علم بما حدث.
قوله: «فمكث حينًا ثم إن الرجل الذي أوصى إليه أن يبلغ عنه وافى الموسم»، يعني: قدم الرجل اليماني الذي يحمل رسالة الهاشمي القتيل.
قوله: «فقال: يال قريش. قالوا: هذه قريش، قال: ياآل بني هاشم، قالوا: هذه بنو هاشم، قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانًا قتله في عقال، فأتاه أبو طالب»، يعني: فأتى أبو طالب القرشيَّ فقال: الآن تبين لنا أنك قتلت صاحبنا.
قوله: «اختر منا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا»، وكانت هذه دية القتيل في الجاهلية.
قوله: «وإن شئت حلف خمسون من قومك إنك لم تقتله، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومه فقالوا: نحلف، فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم قد ولدت له، فقالت: يا أبا طالب، أحب أن تجيز ابني هذا برجل من الخمسين»، يعني: تصفح عنه، فالمرأة لا تريد أن يحلف ابنها كذبًا؛ لأن الذي يقسم في القسامة وهو كاذب لا تمر عليه سنة إلا وهو ميت، فهي خائفة على ابنها.
قوله: «ولا تصبر يمينه حيث تصبر الأيمان»، يعني: لا تحبس يمينه.
وقد أتى رجل آخر فقال: «يا أبا طالب أردت خمسين رجلًا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل يصيب كلَّ رجل بعيران، هذان بعيران فاقبلهما عني»، يعني: كل واحد يناله بعيران، فأنا أدفع البعيرين وتسامحني في الحلف، «ولا تصبر يميني حيث تصبر الأيمان»، فأعطاه بعيرين «فقبلهما» منه أبو طالب، فبقي ثمان وأربعون رجلًا، فجاؤوا وحلفوا أن صاحبهم القرشي ما قتل الهاشمي.
قوله: «ما حال الحول ومن الثمانية وأربعين عين تطرف»، يعني: كلهم ماتوا قبل تمام الحول، وهذا هو المعروف في القسامة، إذا حلفوا وهم كذبة، وهكذا عاقبة الظلم وخيمة.
والقسامة أقرها الإسلام كما كانت في الجاهلية، فلما وجد رجل من الأنصار مقتولًا بالقرب من دور اليهود، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يحلف خمسون منكم»، قالوا: يا رسول الله لم نر ولم نشهد. قال: «تبرئكم يهود بخمسين يمينًا»([20]). قالوا: القوم كفار. فدفع النبي صلى الله عليه وسلم ديته من عنده؛ لأنه كره أن يهدر دمه.
● [3601 ] قوله: «كان يوم بعاث»، أحد أيام الجاهلية، قامت فيه حرب طاحنة في المدينة بين الأوس والخزرج، وكانا أخوين وأمهم قيلة، ثم صارا حيين، فتقاتلوا في الجاهلية قتالًا شديدًا.
قوله: «وقتلت سرواتهم»، أي: قتل أشرافهم ورؤساؤهم، فسأموا الحرب، فلما جاءهم الإسلام الذي يجمعهم دخلوا فيه، وصار قتل أشرافهم وسيلة إلى دخولهم في الإسلام، ولو بقي أشرافهم أحياء لكان ذلك مانعًا لهم من الإسلام؛ فهذا من توفيق الله لهم.
قوله: «ليس السعي ببطن الوادي بين الصفا والمروة سنة»، قال ذلك ابن عباس رضي الله عنهما؛ لأنه خفيت عليه السنة، فالسعي سنة -ومعناه المشي بسرعة- فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل في بطن الوادي سعى سعيًا شديدًا، كسعي الإنسان المجهود، وهو ما بين العلمين الأخضرين الآن، وهذا الحكم كان لعمر بن الخطاب رضي الله عنه في الرمل في الطواف حيث قال: إنما فعلناه لنري الكفار الجلد، ثم قال: إن هذا فعل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا خاص بالرجال، أما النساء فلا تسعى سعيًا شديدًا؛ لأنها عورة.
● [3602 ] قوله: «اسمعوا مني ما أقول لكم، وأسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس. قال ابن عباس»، فهذا البلاء وهذه الآفة من قديم، ينقل الناس عن غيرهم ما لم يقله، إما عن سوء فهم -وهو الأغلب- أو عن سوء قصد -وهو الأشد والعياذ بالله- وما آفة الأخبار إلا رواتها الكذابين؛ فينبغي على الإنسان أن يتثبت في نقل الأخبار، ولا يقول: قال فلان وقال فلان إلا بعد التأكد من صحة ما ينقله.
قوله: «من طاف بالبيت فليطف من وراء الحجر»، فهذه هي السنة، أن يطوف الإنسان من وراء الحجر؛ لأنه من الكعبة، فمن طاف بين الحجر وبين الكعبة فطوافه غير صحيح، فقد تجد بعض الناس ولاسيما في الزحام دخل بين الحِجر وبين الكعبة، وهذا خطأ، فلا بد أن يطوف من وراء الحِجر.
قوله: «ولا تقولوا: الحطيم»، فالناس تسميه الحطيم؛ لأنه حطم من الكعبة.
قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «ولا تقولوا: الحطيم» في رواية سعيد بن منصور عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن أبي السفر في هذه القصة، فقال رجل: ما الحطيم؟ فقال ابن عباس: إنه لا حطيم، كان الرجل إلخ».
قوله: «فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه».
قال الحافظ ابن حجر في ذلك: «المعنى أنهم كانوا إذا حالف بعضهم بعضًا ألقى الحليف في الحِجر نعلًا أو سوطًا أو قوسًا أو عصًا؛ علامة لقصد حلفهم، فسموه الحطيم لذلك، لا لكونه يحطم أمتعتهم».
والحطيم فعيل بمعنى مفعول، ويحتمل أن ذلك كان شأنهم إذا أرادوا أن يحلفوا علنًا في شيء.
وقيل: إنما سمي الحطيم؛ لأن بعضهم كان إذا دعا على من ظلمه في ذلك الموضع هلك، وقيل: إنما سمي الحِجر حطيمًا لما تحجر عليه، أو لأنه قصر به عن ارتفاع البيت؛ أو لأن الناس يحطم فيه بعضهم بعضًا عند الزحام. وقيل: الحطيم هو بئر الكعبة، وقيل: الحطيم بين الركن الأسود والمقام.
وعلى أي: حال ففي تعريف الحطيم أقوال عديدة، والمقصود أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ولا تقولوا: الحطيم، بل قولوا: الحِجر؛ لأن هناك خلافًا في اسم الحطيم.
([1]) أحمد (6/39)، والبخاري (2211)، ومسلم (1714).
([2]) أحمد (6/39)، والبخاري (5364)، ونحوه مسلم (1714).
([3]) ابن سعد في «الطبقات» (1/161)، والطبري في «تاريخه» (1/529).
([4]) ابن سعد (3/381)، وابن عساكر (19/512).
([5]) أحمد (3/317)، ومسلم (1273).
([6]) أحمد (1/291)، والبخاري (2004)، ومسلم (1130).
([7]) أحمد (1/236)، ومسلم (1134).
([8]) أحمد (4/295)، والبخاري (1915).
([9]) أحمد (3/317)، والبخاري (7230)، ومسلم (1216).
([10]) أحمد (4/168)، والبخاري (6704).
([11]) أحمد (2/7)، والبخاري (6108)، ومسلم (1646).
([12]) أحمد (2/69)، وأبو داود (3251)، والترمذي (1535).
([13]) أحمد (3/25)، والبخاري (1307)، ومسلم (958).
([14]) أحمد (1/138)، ومسلم (962)
([15]) أحمد (6/6)، والبخاري (1313)، ومسلم (961).
([16]) النسائي (1929).
([17]) أحمد (4/389)، ومسلم (2255).
([18]) ابن عساكر (9/272).
([19]) أحمد (3/321)، والترمذي (614).
([20]) أحمد (4/2)، ومسلم (1669).