المتن
[64/54] انشقاق القمر
● [3622 ] حدثنا عبدالله بن عبدالوهاب، قال: حدثنا بشر بن المفضل، قال: حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية، فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما.
● [3623] حدثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبدالله قال: انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اشهدوا»، وذهبت فرقة نحو الجبل.
وقال أبو الضحى، عن مسروق، عن عبدالله: انشق بمكة.
وتابعه محمد بن مسلم، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر، عن عبدالله....
● [3624] حدثنا عثمان بن صالح، قال: حدثنا بكر بن مضر، قال: حدثني جعفر بن ربيعة، عن عراك بن مالك، عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة بن مسعود، عن عبدالله بن عباس، أن القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
● [3625] حدثنا عمر بن حفص، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا إبراهيم، عن أبي معمر، عن عبدالله قال: انشق القمر....
الشرح
قوله: «انشقاق القمر» يعني: في زمن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل المعجزة، وهو من الآيات والمعجزات المؤيدة للرسول صلى الله عليه وسلم الدالة على صدقه.
والآيات والمعجزات نوعان:
الأول: آيات تؤيد صدق الرسول صلى الله عليه وسلم.
الثاني: آيات اقتراحية، وهي التي يقترحها المشركون، كاقتراح أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء في قوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ) [الإسراء: 90 - 93].
وحدث ذلك أيضًا من قوم صالح عليه السلام لما اقترحوا آية الناقة، فلما كفروها عذبوا، فالآيات الاقتراحية التي يقترحها الكافرون على الأنبياء إذا وقعت ولم يؤمنوا هلكوا، فقد قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَنْ كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ)[الإسراء: 59] يعني: الآيات الاقتراحية.
● [3622] في هذا الحديث سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية «فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما»، وهذا هو المحفوظ «شقتين»، أما رواية مسلم([1]): «فأراهم انشقاق القمر مرتين» فهي وهم من بعض الرواة.
قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «شقتين» بكسر المعجمة أي: نصفين، وتقدم في العلامات من طريق سعيد وشيبان عن قتادة بدون هذه اللفظة، وأخرجه مسلم من الوجه الذي أخرجه منه البخاري من حديث سعيد عن قتادة بلفظ: «فأراهم انشقاق القمر مرتين» وأخرجه من طريق معمر عن قتادة قال بمعنى حديث شيبان. قلت: وهو في «مصنف عبد الرزاق» عن معمر بلفظ: مرتين أيضًا. وكذلك أخرجه الإمامان: أحمد([2]) وإسحاق في «مسنديهما» عن عبد الرزاق، وقد اتفق الشيخان عليه من رواية شعبة عن قتادة بلفظ: «فرقتين»([3]). قال البيهقي /([4]): «قد حفظ ثلاثة من أصحاب قتادة عنه: «مرتين»» قلت: لكن اختلف عن كل منهم في هذه اللفظة».
ثم قال الحافظ /: «ووقع في نظم السيرة لشيخنا الحافظ أبي الفضل: «وانشق مرتين» بالإجماع، ولا أعرف من جزم من علماء الحديث بتعدد الانشقاق في زمنه صلى الله عليه وسلم، ولم يتعرض لذلك أحد من شراح «الصحيحين»، وتكلم ابن القيم /([5]) على هذه الرواية فقال: «المرات يُراد بها الأفعال تارة والأعيان أخرى والأول أكثر، ومن الثاني: «انشق القمر مرتين»، وقد خفي على بعض الناس فادعى أن انشقاق القمر وقع مرتين، وهذا مما يعلم أهل الحديث والسير أنه غلط؛ فإنه لم يقع إلا مرة واحدة»، وقد قال العماد ابن كثير /([6]): «في الرواية التي فيها «مرتين» نظر»، ولعل قائلها أراد «فرقتين» قلت: وهذا الذي لا يتجه غيره؛ جمعًا بين الروايات، ثم راجعت نظم شيخنا فوجدته يحتمل التأويل المذكور، ولفظه:
فصار فرقتين فرقة علت |
وفرقة للطود منه نزلت |
وذاك مرتين بالإجماع |
والنص والتواتر السماع |
فجمع بين قوله: «فرقتين» وبين قوله: «مرتين»، فيمكن أن يتعلق قوله بالإجماع بأصل الانشقاق لا بالتعدد، مع أن في نقل الإجماع في نفس الانشقاق نظرًا سيأتي بيانه».
وقد أنكر الفلاسفة الملاحدة انشقاق القمر، وقالوا: إنه لا يمكن لآية علوية أن تنخرق ثم تلتئم، وهذا من جهلهم وضلالهم، فقد أعملوا عقولهم القاصرة، فأنكروا القيامة والبعث وأشراط الساعة، ولذلك رد الحافظ على كلامهم، فقال:وجواب هؤلاء - إن كانوا كفارًا - أن يناظروا أولًا على ثبوت دين الإسلام ثم يشركوا مع غيرهم ممن أنكر ذلك من المسلمين، ومتى سلم المسلم بعض ذلك دون بعض ألزم التناقض، ولا سبيل إلى إنكار ما ثبت في القرآن من الانخراق والالتئام في القيامة، فيستلزم جواز وقوع ذلك معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجاب القدماء عن ذلك، فقال أبو إسحاق الزجاج في «معاني القرآن»: أنكر بعض المبتدعة الموافقين لمخالفي الملة انشقاق القمر، ولا إنكار للعقل فيه؛ لأن القمر مخلوق لله تعالى يفعل فيه ما يشاء، كما يكوره يوم البعث ويفنيه، وأما قول بعضهم: لو وقع لجاء متواترًا واشترك أهل الأرض في معرفته ولما اختص به أهل مكة، فجوابه أن ذلك وقع ليلًا وأكثر الناس نيام والأبواب مغلقة وقل من يراصد السماء إلا النادر، وقد يقع بالمشاهدة في العادة أن ينكسف القمر وتبدو الكواكب العظام وغير ذلك في الليل ولا يشاهدها إلا الآحاد، فكذلك الانشقاق كان آية وقعت في الليل لقوم سألوا واقترحوا فلم يتأهب غيرهم لها، ويحتمل أن يكون القمر ليلتئذ كان في بعض المنازل التي تظهر لبعض أهل الآفاق دون بعض، كما يظهر الكسوف لقوم دون قوم. وقال الخطابي /([7]): انشقاق القمر آية عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء، وذلك أنه ظهر في ملكوت السماء خارجًا من جملة طباع ما في هذا العالم المركب من الطبائع، فليس مما يطمع في الوصول إليه بحيلة؛ فلذلك صار البرهان به أظهر، وقد أنكر ذلك بعضهم فقال: لو وقع ذلك لم يجز أن يخفى أمره على عوام الناس؛ لأنه أمر صدر عن حس ومشاهدة، فالناس فيه شركاء، والدواعي متوفرة على رؤية كل غريب ونقل ما لم يعهد، فلو كان لذلك أصل لخلد في كتب أهل التسيير والتنجيم؛ إذ لا يجوز إطباقهم على تركه وإغفاله مع جلالة شأنه ووضوح أمره. والجواب عن ذلك أن هذه القصة خرجت عن بقية الأمور التي ذكروها؛ لأنه شيء طلبه خاص من الناس فوقع ليلًا؛ لأن القمر لا سلطان له بالنهار، ومن شأن الليل أن يكون أكثر الناس فيه نيامًا ومستكنين بالأبنية، والبارز بالصحراء منهم إذا كان يقظان يحتمل أنه كان في ذلك الوقت مشغولًا بما يلهيه من سمر وغيره، ومن المستبعد أن يقصدوا إلى مراصد مركز القمر ناظرين إليه لا يغفلون عنه، فقد يجوز أنه وقع ولم يشعر به أكثر الناس، وإنما رآه من تصدى لرؤيته ممن اقترح وقوعه، ولعل ذلك إنما كان في قدر اللحظة التي هي مدرك البصر، ثم أبدى حكمة بالغة في كون المعجزات المحمدية لم يبلغ شيء منها مبلغ التواتر الذي لا نزاع فيه إلا القرآن بما حاصله أن معجزة كل نبي كانت إذا وقعت عامة أعقبت هلاك من كذب به من قومه؛ للاشتراك في إدراكها بالحس، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث رحمة، فكانت معجزته التي تحدى بها عقلية، فاختص بها القوم الذين بعث منهم؛ لما أوتوه من فضل العقول وزيادة الإفهام، ولو كان إدراكها عامًّا لعوجل من كذب به، كما عوجل من قبلهم. وذكر أبو نعيم في «الدلائل» نحو ما ذكره الخطابي /، وزاد: ولاسيما إذا وقعت الآية في بلدة كان عامة أهلها يومئذ الكفار الذين يعتقدون أنها سحر ويجتهدون في إطفاء نور الله. قلت: وهو جيد بالنسبة إلى من سأل عن الحكمة في قلة من نقل ذلك من الصحابة، وأما من سأل عن السبب في كون أهل التنجيم لم يذكروه فجوابه أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه نفاه، وهذا كاف؛ فإن الحجة فيمن أثبت لا فيمن يوجد عنه صريح النفي، حتى إن من وجد عنه صريح النفي يقدم عليه من وجد منه صريح الإثبات، وقال ابن عبد البر /: قد روى هذا الحديث جماعة كثيرة من الصحابة، وروى ذلك عنهم أمثالهم من التابعين، ثم نقله عنهم الجم الغفير، إلى أن انتهى إلينا، ويؤيد ذلك بالآية الكريمة، فلم يبق لاستبعاد من استبعد وقوعه عذر، ثم أجاب بنحو جواب الخطابي /، وقال: وقد يطلع على قوم قبل طلوعه على آخرين، وأيضًا فإن زمن الانشقاق لم يطل ولم تتوفر الدواعي على الاعتناء بالنظر إليه، ومع ذلك فقد بعث أهل مكة إلى آفاق مكة يسألون عن ذلك، فجاءت السفار وأخبروا بأنهم عاينوا ذلك؛ وذلك لأن المسافرين في الليل غالبًا يكونون سائرين في ضوء القمر، ولا يخفى عليهم ذلك. وقال القرطبي /([8]): الموانع من مشاهدة ذلك إذا لم يحصل القصد إليه غير منحصرة، ويحتمل أن يكون الله صرف جميع أهل الأرض غير أهل مكة وما حولها عن الالتفات إلى القمر في تلك الساعة؛ ليختص بمشاهدته أهل مكة كما اختصوا بمشاهدة أكثر الآيات ونقلوها إلى غيرهم. اهـ. وفي كلامه نظر؛ لأن أحدًا لم ينقل أن أحدًا من أهل الآفاق غير أهل مكة ذكروا أنهم رصدوا القمر في تلك الليلة المعينة فلم يشاهدوا انشقاقه، فلو نقل ذلك لكان الجواب الذي أبداه القرطبي جيدًا، ولكن لم ينقل عن أحد من أهل الأرض شيء من ذلك، فالاقتصار حينئذ على الجواب الذي ذكره الخطابي ومن تبعه أوضح والله أعلم. وأما الآية فالمراد بها قوله تعالى: (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)[القمر: 1]، لكن ذهب بعض أهل العلم من القدماء أن المراد بقوله: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ)، أي: سينشق، كما قال تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ) [النحل: 1]، أي: سيأتي، والنكتة في ذلك إرادة المبالغة في تحقق وقوع ذلك، فنزل منزلة الواقع، والذي ذهب إليه الجمهور أصح، كما جزم به ابن مسعود وحذيفة وغيرهما، ويؤيده قوله تعالى بعد ذلك: (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [القمر: 2]، فإن ذلك ظاهر في أن المراد بقوله: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) وقوع انشقاقه؛ لأن الكفار لا يقولون ذلك يوم القيامة، وإذا تبين أن قولهم ذلك إنما هو في الدنيا تبين وقوع الانشقاق، وأنه المراد بالآية التي زعموا أنها سحر، ووقع ذلك صريحًا في حديث ابن مسعود رضي الله عنه([9])، كما بيناه قبل. ونقل البيهقي في أوائل البعث والنشور عن الحليمي أن من الناس من يقول: إن المراد بقوله تعالى: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) أي: سينشق. قال الحليمي /: فإن كان كذلك فقد وقع في عصرنا فشاهدت الهلال ببخارى في الليلة الثالثة منشقًّا نصفين، عرض كل واحد منهما كعرض القمر ليلة أربع أو خمس، ثم اتصلا فصار في شكل أترجة إلى أن غاب، قال: وأخبرني بعض من أثق به أنه شاهد ذلك في ليلة أخرى. اهـ. ولقد عجبت من البيهقي كيف أقر هذا مع إيراده حديث ابن مسعود رضي الله عنه المصرح بأن المراد بقوله تعالى: (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1] أن ذلك وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه ساقه هكذا من طريق ابن مسعود رضي الله عنه في هذه الآية: (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر: 1]، قال: لقد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ساق حديث ابن مسعود رضي الله عنه: لقد مضت آية الدخان والروم والبطشة وانشقاق القمر([10])،».
● [3623 ] قوله: «انشق القمر ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم بمنى» انشقاق القمر كان بمكة، وهو معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم، أما كلام الفلاسفة والمبتدعة المنكرين لهذه المعجزة فلا وجه له؛ فالفلاسفة لا يؤمنون بالقيامة ولا بأشراط الساعة فلا عبرة بقولهم، لكن قد تؤثر شبهتهم على بعض أهل البدع؛ ولهذا اعتنق أهل البدع كلام الفلاسفة، وسبق الرد عليهم في شرح الحديث السابق.
قوله: «وقال أبو الضحى» قال الحافظ ابن حجر /: «يحتمل أن يكون معلقًا وهو المعتمد، فقد وصله أبو داود الطيالسي([11]) عن أبي عوانة، ورويناه في فوائد أبي طاهر الذهلي من وجه آخر عن أبي عوانة، وأخرجه أبو نعيم في «الدلائل» من طريق هشيم كلاهما عن مغيرة عن أبي الضحى بهذا الإسناد بلفظ: «انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت كفار قريش: هذا سحر سحركم ابن أبي كبشة، فانظروا إلى السفار، فإن أخبروكم أنهم رأوا مثل ما رأيتم فقد صدق، قال: فما قدم عليهم أحد إلا أخبرهم بذلك» لفظ هشيم([12])، وعند أبي عوانة: «انشق القمر بمكة» نحوه، وفيه: «فإن محمدًا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم»».
قوله: «وتابعه محمد بن مسلم» قال الحافظ ابن حجر /: «هو الطائفي، وابن أبي نجيح اسمه عبد الله، واسم أبيه يسار بتحتانية ثم مهملة خفيفة، ومراده أنه تابع إبراهيم في روايته عن أبي معمر في قوله: إن ذلك كان بمكة، لا في جميع سياق الحديث».
● [3624 ] قوله: «أن القمر انشق على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم»،
وفيه: بيان لبعض معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وهي: انشقاق القمر، وأنها وقعت في زمان الرسول صلى الله عليه وسلم وهي من علامات الساعة.
● [3625 ] قوله: «انشق القمر» المصنف يعدد طرق الحديث الواحد لزيادة فائدة في الإسناد أو في المتن، والفائدة في الإسناد هنا تصريح الأعمش بالسماع من إبراهيم، والفائدة في المتن هي اقتصاره على موضع الشاهد للترجمة وبيان وقوع انشقاق القمر.
* * *
المتن
[65/54] هجرة الحبشة
وقالت عائشة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين»، فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة.
فيه عن أبي موسى وأسماء، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
● [3626] حدثنا عبدالله بن محمد الجعفي، قال: حدثنا هشام، قال: أنا معمر، عن الزهري، قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عبيدالله بن عدي بن الخيار أخبره، أن المسور بن مخرمة وعبدالرحمن بن الأسود بن عبدِ يغوثَ قالا له: ما يمنعك أن تكلم خالك عثمان في أخيه الوليد بن عقبة - وكان أكثَر الناسُ فيما فعل به - قال عبيدالله: فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصلاة، فقلت له: إن لي إليك حاجة، وهي نصيحة، فقال: أيها المرء أعوذ بالله منك! فانصرفت، فلما قضيت الصلاة جلست إلى المسور وإلى ابن عبد يغوث فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي، فقالا: قد قضيت الذي كان عليك، فبينما أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان؛ فقالا لي: قد ابتلاك الله، فانطلقت حتى دخلت عليه، فقال: ما نصيحتك الذي ذكرتَ آنفاً، فتشهدتُّ، ثم قلت: إن الله بعث محمداً، وأنزل عليه الكتاب، وكنتَ ممن استجاب لله ورسولَه، وآمنتَ به، وهاجرتَ الهجرتين الأُوليَيْن، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت هديه، وقد أكثر الناس في شأن الوليد بن عقبة، فحقٌّ عليك أن تقيم عليه الحد، فقال لي: يا ابن أختي، أدركتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: قلت: لا، ولكن قد خلَص إليَّ من علمه ما خلَص إلى العذراء في سترها، قال: فتشهد عثمان، فقال: إن الله عز وجل بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، وكنتُ ممن استجاب الله ورسولَه، وآمنتُ بما بُعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وهاجرتُ الهجرتين الأُولَيَيْن كما قلتَ، وصحبتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعتُه، والله ما عصيته ولا غَشِشْته حتى توفاه الله، ثم استَخلَف الله أبا بكر فوالله ما عصيته ولا غشِشته، ثم استُخلِف عمر فوالله ما عصيته ولا غشِشته، ثم استُخلِفتُ، أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لي عليهم؟ قال: بلى، قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟! فأما ما ذكرتَ من شأن الوليد بن عقبة فسنأخذ فيه إن شاء الله بالحق، قال: فجَلَد الوليدَ أربعين جلدةً، وأمر عليًّا أن يجلدَه، وكان هو يجلدُه.
وقال يونس وابن أخي الزهري، عن الزهري: أفليس لي عليكم من الحق مثلُ الذي كان لهم.
قال أبو عبدالله: (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة: 49، وغيرها]: ما ابتُليتُم به من شدة، وفي موضع البلاء الابتلاءُ والتمحيصُ، من بلوتُه ومحَّصتُه، أي: استخرجتُ ما عنده، يبلُو: يختبرُ، (مُبْتَلِيكُمْ) [البقرة: 249]: مختبرُكم، وأما قوله: بلاءٌ عظيمٌ: النِّعمُ، وهي من أَبْتَلِيه، وتلك من ابْتلَيْتُه.
● [3627] حدثني محمد بن المثنى، قال: حدثنا يحيى، عن هشام، قال: حدثني أبي، عن عائشة، أن أم سلمة وأم حبيبة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوْا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة».
● [3628] حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا إسحاق بن سعيد السعيدي، عن أبيه، عن أم خالد بنت خالد قالت: قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية، فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الأعلام بيده، ويقول: «سناه سناه».
قال الحميدي: يعني: حسن حسن.
● [3629] حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبدالله قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه، فلم يرد علينا؛ فقلنا: يا رسول الله، إنا كنا نسلم عليك فترد علينا، قال: «إن في الصلاة شغلاً».
فقلت لإبراهيم: كيف تصنع أنت؟ قال: أرد في نفسي.
● [3630] حدثني محمد بن العلاء، قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا بريد بن عبدالله، عن أبي بردة، عن أبي موسى: بلَغَنا مخرجُ النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن، فركبنا سفينة، فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة، فوافَقَنا جعفرُ بن أبي طالب، فأقمنا معه حتى قدمنا، فوافَقَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكم أنتم أهل السفينة هجرتان».
الشرح
قوله: «هجرة الحبشة» هذه الترجمة في بيان هجرة المسلمين المستضعفين من مكة إلى أرض الحبشة، ووقوع ذلك مرتين، وذكر أهل السير أن الهجرة الأولى كانت في شهر رجب سنة خمس من البعثة، وأن أول من هاجر منهم أحد عشر رجلًا وأربع نسوة، وقيل: وامرأتان، وقيل: كانوا اثني عشر رجلًا، وقيل: عشرة، وأنهم خرجوا مشاة إلى البحر فاستأجروا سفينة بنصف دينار، وذكر ابن إسحاق في «السيرة» أن السبب في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه لما رأى المشركين يؤذونهم، ولا يستطيع أن يكفهم عنهم: «إن بالحبشة ملكًا لا يظلم عنده أحد، فلو خرجتم إليه حتى يجعل الله لكم فرجًا»([13])؛ فهاجر الصحابة ي إلى الحبشة لما اشتد عليهم الأذى من قريش مرتين، ثم بعد ذلك هاجر من هاجر إلى المدينة، ورجع من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة.
قوله: ««أريت دار هجرتكم» قال الحافظ ابن حجر /: «هذا وقع بعد الهجرة الثانية إلى الحبشة كما سيأتي بيانه موصولًا مطولًا في «باب الهجرة إلى المدينة»، قوله فيه: «فيه عن أبي موسى، وأسماء» أما حديث أبي موسى فسيأتي في آخر الباب، وأما حديث أسماء وهي بنت عميس فسيأتي في غزوة خيبر من طريق أبي بردة بن أبي موسى عن أبيه: بلغنا مخرج النبي صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن - فذكر الحديث
وفيه: - ودخلت أسماء بنت عميس وهي ممن قدم معنا على حفصة، وقد كانت أسماء هاجرت فيمن هاجر إلى النجاشي...» الحديث».
● [3626] هذا الحديث ساقه المؤلف في هذا الباب، والشاهد قول عثمان رضي الله عنه: «وهاجرت الهجرتين الأوليين»؛ لأن الباب في «هجرة الحبشة» وابتدأ المؤلف بهذا الحديث؛ لأن أول من خرج منهم إلى الحبشة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ل، وقد جاء في حديث أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في مسنده([14]) موصولًا لأنس رضي الله عنه، أنه قال: «خرج عثمان برقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة فأبطأ خبرهم، فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد قد رأيت ختنك ومعه امرأته، فقال: «على أي: حال رأيتيهما؟»، قالت: رأيته حمل امرأته على حمار من هذه الدبابة وهو يسوقها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صحبهما الله، إن عثمان أول من هاجر بأهله بعد لوط»([15]).
وهذا الحديث فيه قصة، وهي أن عبيدالله بن عدي بن الخيار أخبر عروة بن الزبير أن المسور بن مخرمة وعبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث قالا له -وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه خاله: «ما يمنعك أن تكلم خالك عثمان في أخيه الوليد بن عقبة»، يعني: انصح خالك أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه في الوليد بن عقبة حتى يقيم عليه الحد، والوليد بن عقبة أخو أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه من أمه، وقد أمَّره على الكوفة، وقد ثَبت وعُلم بأنه كان يشرب الخمر، وكان قد صلى مرة بالناس وهو سكران، والتفت إليهم فقال: هل تريدون أن أزيدكم؟ فقال بعض الصحابة ي: ما زلنا معكم منذ اليوم في زيادة!
قوله: «وكان أكثر الناس فيما فعل به»، يعني: أكثر الناس من الكلام في الوليد بن عقبة وأنه يشرب الخمر.
قوله: «قال عبيدالله: فانتصبت لعثمان حين خرج إلى الصلاة» يريد أن ينصحه «فقلت له: إن لي إليك حاجة وهي نصيحة» قائل هذا عبيدالله بن عدي، يقوله لعثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه «فقال: أيها المرء أعوذ بالله منك»، كأنه وافقه وهو مشغول «فانصرفت، فلما قضيت الصلاة جلست إلى المسور وإلى ابن عبد يغوث فحدثتهما بالذي قلت لعثمان وقال لي، فقالا: قد قضيت الذي كان عليك»، يعني: أنت أديت ما عليك «فبينما أنا جالس معهما إذ جاءني رسول عثمان» فقال: أمير المؤمنين يدعوك، «فقالا لي»، يعني: المسور وعبدالرحمن بن الأسود بن عبد يغوث «قد ابتلاك الله»، يعني: هذا وقت الاختبار، فقد ناداك أمير المؤمنين «فانطلقت حتى دخلت عليه، فقال: ما نصيحتك الذي ذكرت آنفاً، فتشهدت» فيه: أنه إذا أراد الإنسان أن يتكلم في مسألة أو في خطبة أو في نصيحة سن له أن يتشهد ويثني على الله عز وجل، كما تشهد عبيدالله بن عدي بن الخيار، «ثم قلت» يخاطب أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه «إن الله بعث محمداً، وأنزل عليه الكتاب وكنتَ ممن استجاب لله ورسوله وآمنت به، وهاجرت الهجرتين الأوليين»، يعني: إلى الحبشة «وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت هديه، وقد أكثر الناس في شأن الوليد بن عقبة، فحق عليك أن تقيم عليه الحد»، يعني: أكثر الناس في شأن أخيك الوليد بن عقبة الذي أمرته على الكوفة، وضاقوا به لشربه للخمر، فحق عليك أن تقيم عليه الحد: «فقال لي» القائل عثمان رضي الله عنه «يا ابن أختي أدركتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟»؛ على حذف أداة الاستفهام؛ يعني: هل أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تقول هذا الكلام؟ «قلت: لا، ولكن قد خلص إلي من علمه ما خلص إلى العذراء في سترها»، يعني: أن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم انتشرت حتى وصلت إلى العذراء في سترها، والعذراء الجارية البكر المخدرة في البيت التي لا تخرج.
قوله: «قال: فتشهد عثمان»، أي: لما أراد أن يرد عليه تشهد، فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، «فقال: إن الله عز وجل بعث محمدًا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، وكنت ممن استجاب الله ورسوله»، وهذا ليس من التزكية للنفس؛ لأنه مضطر إلى هذا؛ لأن مقصوده أن يبين حاله ويدافع عن نفسه، ومثل ذلك لما جاءه الثوار اطلع على الناس وسألهم فقال: «هل تعلمون أني هاجرت الهجرتين، هل تعلمون أني اشتريت بئر رومة، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من يشتريه وله مثله في الجنة»([16])... وهكذا حتى يدافع عن نفسه، فعثمان رضي الله عنه ليس مقصوده تزكية نفسه، ولكن مقصوده أن يبين لعبيدالله بن الخيار حاله.
قوله: «وآمنت بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم وهاجرت الهجرتين الأوليين كما قلت، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبايعته، والله ما عصيته ولا غششته حتى توفاه الله، ثم استخلف الله أبا بكر فوالله ما عصيته ولا غششته، ثم استخلف عمر فوالله ما عصيته ولا غششته، ثم استخلفت أفليس لي عليكم من الحق مثل الذي كان لي عليهم؟ قال: بلى. قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟»، يعني: مقصود عثمان رضي الله عنه أنه يجب السمع والطاعة لولاة الأمور وعدم إثارة الفتن وإشاعة الأخبار التي تكون سببًا في الفتنة، فعثمان رضي الله عنه يقول: أنتم الآن تشيعون الأخبار، وأنا ولي الأمر، ولي عليكم من الحق السمع والطاعة، كما كان لأبي بكر وعمر م السمع والطاعة، وهذا فيه: دليل على أنه لا ينبغي إشاعة الأخبار والفتن التي تكون سببًا في إفساد الناس والخروج على ولاة الأمور؛ لأنهم لما أشاعوا أشياء نقموها عليه، فقالوا: إنه قرب أقرباءه، وولاهم الإمارات، وقالوا: إنه خفض صوته بالتكبير، وقالوا: إنه أخرج الزكاة على الخيل، وإنه أتم الصلاة في السفر، وجعلوا يشيعون أشياء ومعايب تجمع الثوار وأحاطوا ببيته وقتلوه، فيجب أن تكون النصيحة سرًّا من قبل أهل الحل والعقد؛ ولهذا أنكر عثمان رضي الله عنه إشاعة الأخبار والفتن ثم قال له: «فأما ما ذكرت من شأن الوليد بن عقبة فسنأخذ فيه إن شاء الله بالحق، قال: فجلد الوليد أربعين جلدة، وأمر عليًّا أن يجلده وكان هو يجلده» أي: أقام عليه الحد وهو أمير الكوفة وعزله عن الولاية.
قوله: «قال أبو عبدالله»، يعني: البخاري وكان من حرصه على الفائدة أنه إذا مرت كلمة يفسرها لغويًّا ويوضح معناها ويأتي بما يدور حولها؛ ففسر كلمة بلاء في قوله تعالى: (بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ) [البقرة: 49] ، فقال: «ما ابتليتم به من شدة، وفي موضع البلاء الابتلاء والتمحيص، من بلوته ومحصته، أي: استخرجت ما عنده، يبلو: يختبر، (مُبْتَلِيكُمْ) [البقرة: 249]: مختبركم، وأما قوله: بلاء عظيم: النعم، وهي من أبتليه، وتلك من ابتليته».
فالبخاري مقصوده أن البلاء يكون في النعم ويكون في النقم؛ فالبلاء في الخير والنعم من أبليته، والبلاء في الشر والنقم من ابتليته.
● [3627 ] قوله: «أن أم سلمة وأم حبيبة»، وكانتا م ممن هاجر إلى الحبشة، «ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة»، أي: بأرض الحبشة؛ والكنيسة هي معبد النصارى، «فيها تصاوير؛ فذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إن أولئك»، بالكسر أفصح في الخطاب، «إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور»، وفي لفظ: «فصوروا فيه تيك»، «أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة»
وفي الحديث: الآخر: «إن شرار الخلق من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد»([17]). الرسول صلى الله عليه وسلم ليس مقصوده هنا الخبر، ولكن مقصوده تحريم بناء القبور على المساجد وتصوير الصور، وأن هؤلاء هم شرار الخلق؛ لأنها من أسباب الشرك؛ فإنهم إذا ما بنوا على قبره مسجدًا وصوروا فيه تلك الصور عبدوها من دون الله عز وجل.
فشرار الناس صنفان:
الأول: الذين تقوم عليهم الساعة وهم أحياء؛ لأنها تقوم على الكفرة، وذلك بعد قبض أرواح المؤمنين والمؤمنات.
الثاني: الذين اتخذوا القبور مساجد؛ لأن اتخاذها مساجد وسيلة إلى الشرك، حيث العكوف عند قبورهم وبناء القباب عليها والصلاة عندها؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يحذر من فعل هؤلاء النصارى الذين يبنون القبور على المساجد ويصورون الصور ويقول: إن هؤلاء شرار الخلق عند الله عز وجل.
والشاهد هو قوله: «رأينها بالحبشة»؛ لأن الترجمة معقودة لهجرة الحبشة.
● [3628] هذه قصة أم خالد بنت خالد، وكانت تكنى أم خالد وهي طفلة صغيرة،
وفيه: دليل على أنه لا بأس بتكنية الصغير ولو كان طفلًا، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا عمير ما فعل النغير»([18])، وأبو عمير هذا طفل عنده عصفور يلعب به، وكناه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا بأس بتكنية الإنسان ولو كان صغيرًا.
قوله: «قدمت من أرض الحبشة وأنا جويرية»، يعني: طفلة «فكساني رسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة لها أعلام»، يعني: كساها ثوبًا «فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح الأعلام بيده»، أي: جعل يداعبها صلى الله عليه وسلم «ويقول: سناه سناه»، وهي كلمة حبشية ترجمتها: حسن،
وفيه: دليل على جواز التكلم باللغة الأجنبية أحيانًا، ولا حرج، ويدل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر زيد بن ثابت رضي الله عنه أن يتعلم لسان اليهود حتى حذقه.
فتعلم اللغة الأجنبية لمن يحتاج إليه لا حرج فيه، أما أن يتعلم كل أحد اللغة فهذا إضاعة للأوقات ومزاحمة لعلوم الشريعة.
والشاهد قول أم خالد: «قدمت من أرض الحبشة».
● [3629] هذا حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ لأن علقمة من تلاميذه.
قوله: «كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فيرد علينا»، وهذا في أول الأمر؛ كان الناس يتكلمون في أول الإسلام في الصلاة؛ حيث لم يكن الكلام ممنوعًا.
قوله: «فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا» يعني: بعد الهجرة؛ حيث نسخ جواز الكلام «فقلنا: يا رسول الله، إنا كنا نسلم عليك فترد علينا، قال: إن في الصلاة شغلًا؛ فقلت»، يعني: سليمان «لإبراهيم» يعني: النخعي، «كيف تصنع أنت؟ قال: أرد في نفسي»، يعني: أرد السلام في نفسي سرًّا، وكأنه خفي النسخ على إبراهيم النخعي فصار يرد في نفسه سرًّا، وقد ورد السلام بإشارة اليد؛ فمشروع إذا سلم عليك أحد أن ترد عليه بإشارة اليد أو الإصبع في الفريضة والنافلة جميعًا، لكن لا يرد بالكلام لا جهرًا ولا سرًّا.
والشاهد قوله: «فلما رجعنا من عند النجاشي»، أي: ملك الحبشة.
● [3630] كان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه في اليمن فركب سفينة مع عدد من أصحابه فألقتهم السفينة إلى الحبشة فوافقوا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وجلسوا معه فأتوا جميعًا إلى المدينة؛ فأسهم لهم النبي صلى الله عليه وسلم بخيبر، وقال لهم: «لكم أنتم أهل السفينة هجرتان»، أي: هجرة للحبشة، وهجرة للمدينة.
وكان ممن أسهم لهم النبي صلى الله عليه وسلم أسماء بنت عميس لوكانت ممن هاجر إلى الحبشة، وورد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إليها وقال لها: نحن أفضل منكم -أو كلمة نحوها- فقالت: «لستم أفضل منا، أنتم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يراعيكم ويتفقد أحوالكم، ونحن في أرض الغرباء والبعداء، والله لا أذوق طعامًا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فسألت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لكم أنتم أهل السفينة هجرتان»؛ يعني: لكم أجران؛ ففرحوا بذلك فرحًا شديدًا، وكان الناس من أهل الهجرة إلى الحبشة يأتون إلى أسماء ل يسألونها عن هذا الحديث.
والنبي صلى الله عليه وسلم أسهم لجعفر رضي الله عنه وأهل السفينة ولم يشهدوا خيبر، ولم يسهم لأبي هريرة رضي الله عنه حيث أسلم في ذلك الوقت في السنة السابعة من الهجرة، ولم يسهم لأحد لم يحضر المعركة إلا أهل السفينة؛ ففيه: فضل أهل السفينة ي.
والشاهد قوله: «فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة».
قال الحافظ ابن حجر /: «تكملة أرض الحبشة بالجانب الغربي من بلاد اليمن، ومسافتها طويلة جدًّا، وهم أجناس، وجميع فرق السودان يعطون الطاعة لملك الحبشة، وكان في القديم يلقب بالنجاشي، وأما اليوم فيقال له: الحطي بفتح المهملة وكسر الطاء المهملة الخفيفة بعدها تحتانية خفيفة، ويقال: إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام»، ولهذا سموا بالحبشة.
وقال الحافظ ابن حجر /: «قال ابن دريد: جمع الحبش أحبوش بضم أوله. وأما قولهم: الحبشة فعلى غير القياس، وقد قالوا أيضا: حبشان، وقالوا: أحبش، وأصل التحبيش التجميع، والله أعلم».
المتن
[66/54] موت النجاشي
● [3631 ] حدثنا أبو الربيع، قال: حدثنا ابن عيينة، عن ابن جريج، عن عطاء، عن جابر قال النبي صلى الله عليه وسلم حين مات النجاشي: «مات اليوم رجل صالح، فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة».
● [3632] حدثنا عبدالأعلى، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، قال: حدثنا قتادة، أن عطاء حدثهم عن جابر بن عبدالله الأنصاري، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي، فصفنا وراءه، فكنت في الصف الثاني - أو الثالث.
● [3633] حدثني عبدالله بن أبي شيبة، قال: حدثنا يزيد، عن سَليم بن حيان، قال: حدثنا سعيد بن مِينَاءٍ، عن جابر بن عبدالله، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على أصحمة النجاشي، فكبر عليه أربعاً.
تابعه عبدالصمد.
● [3634] حدثنا زهير بن حرب، قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، قال: حدثني أبو سلمة بن عبدالرحمن وابن المسيب، أن أبا هريرة أخبرهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه، وقال: «استغفروا لأخيكم».
وعن صالح، عن ابن شهاب، قال: حدثني سعيد بن المسيَّب، أن أبا هريرة أخبرهم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صف بهم في المصلى، فصلى عليه، وكبر عليه أربعا.
الشرح
هذه الترجمة في «موت النجاشي»، والنجاشي اسمه: أصحمة على وزن أربعة، والنجاشي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في بلاده، ولكنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون صحابيًّا، ولكن حكمه حكم تابعي مخضرم، مثل المخضرمين الذين أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلموا بعد وفاته؛ لأن الصحابي هو: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنًا ومات على الإسلام، وهذا لم يلق النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف صغار الصحابة ي الذين حنكهم النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم لقوه؛ فيكونون صحابة، كذلك عبدالله بن أم مكتوم من الصحابة ي حيث لقي النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان أعمى لم يره، ولهذا كان قول: من لقي النبي صلى الله عليه وسلم في تعريف الصحابي أحسن من قول: من رأى النبي صلى الله عليه وسلم؛ حتى يشمل العميان.
● [3631]، [3632]، [3633] في هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه الوحي من الله عز وجل بموت النجاشي فأخبر الصحابة ي للصلاة عليه، وفي ذلك علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم.
● [3634 ] قوله: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى لهم النجاشي صاحب الحبشة في اليوم الذي مات فيه»؛ والنعي: هو الإخبار بموته، وجاء في الحديث الآخر النهي عن النعي، وأنه من أفعال الجاهلية، فما الجمع بينهما؟
الجواب أن النعي نعيان:
الأول :النعي الجائز وهو أن تخبر من حولك من الإخوان والجيران والأقارب حتى يصلوا عليه.
الثاني :النعي المحرم هو الذي كان يفعله أهل الجاهلية، حيث يرسلون أشخاصًا ينادون بأعلى أصواتهم في القبائل والأحياء والحارات: مات فلان، مات فلان.
والإخبار في الصحف يعتبر من نعي الجاهلية، حيث يكون فيه خيلاء وإسراف، وخاصة النعي الذي يأتي على الصفحة كاملة، أما إذا جاء عن موت داعية كبير أو أمير عادل أو عالم حتى يعلمه الناس فقد يقال: إن هذا من الأمر الجائز، مثل إخبار النبي صلى الله عليه وسلم.
والإعلام أمام المسجد من باب النعي الجائز، مثل نعي النبي صلى الله عليه وسلم للنجاشي، حيث أخبر الصحابة ي فقال: «مات اليوم رجل صالح فقوموا فصلوا على أخيكم أصحمة»، وكقوله صلى الله عليه وسلم: «استغفروا لأخيكم».
قوله: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صف بهم في المصلى، فصلى عليه، وكبر عليه أربعًا» في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم في مصلى الجنائز، وليس بالمسجد، وإذا صلي عليه في المسجد فلا حرج.
وفيه: أنه كبر أربعًا، وهذا هو الذي عليه الجمهور؛ حيث ذهبوا إلى أنه يكبر على الميت أربعًا ولا يزاد؛ لأن هذا هو الذي استقرت عليه الشريعة -وإن كان جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على بعض الصحابة ي خمسًا وبعضهم ستًّا- ويقرأ في الأولى الفاتحة، وفي الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي الثالثة يدعو للميت، والرابعة يسكت قليلًا ثم يسلم.
وذهب بعض العلماء إلى أنه لا بأس أن يكبر عليه خمسًا أو ستًّا إذا كان من أهل الفضل، وجاء عن بعضهم: يزاد على أهل بدر تكبيرة خامسة أو سادسة، وقال آخرون: يزاد تكبيرة خامسة للأطفال، لكن الأقرب الاقتصار على أربع، مثلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.
وهذا الحديث لا يدل على مشروعية الصلاة على الغائب؛ فقد مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم خلق كثيرون، في مكة وفي غيرها، ولم يصل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: إن هذا خاص بالنجاشي ولا يصلى على الغائب إطلاقًا؛ وإنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي؛ لأنه لم يصل عليه أحد؛ لأنه مسلم في بلد الكفار، لكن يبعد أن يكون ملكًا ولا يتبعه أحد، فلابد أن يكون أسلم معه أحد من حاشيته وأتباعه من النساء والخدم وغيرهم؛ فالناس تبع لملوكهم؛ ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية /([19]) إلى أنه يصلى على الغائب إن كان له شأن وتأثير في المجتمع، كأن يكون عالمًا كبيرًا أو داعية أو أميرًا عادلًا؛ فإذا كان من أهل العلم والفضل أو من الأمراء المعروفين بالخير والنفع للمسلمين فلا بأس، وأما ما عداهم فلا؛ لأنه قد مات على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كثيرون من المسلمين غائبون ولم يصل عليهم، وهذا ما أيده سماحة شيخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز /، أما من كان في البلد أو في طرف البلد فلا يصلى عليه صلاة الغائب، وإنما يكتفى بصلاة من صلى عليه في البلد.
مسألة : في المسافة التي يصلى فيها صلاة الغائب على من له شأن، والأقرب أنها مسافة القصر.
وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي؛ لأن له تأثيرًا فهو ملك عادل؛ ولأنه آوى الصحابة ي وأكرمهم فلم يظلموا عنده، ولأنه أسلم وصبر فارق أهل بلده وأهل مملكته، ولم يبال بهم.
* * *
المتن
[67/54] تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم
● [3635 ] حدثنا عبدالعزيز بن عبدالله، قال: حدثني إبراهيم بن سعد، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينًا: «منزلنا غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر».
الشرح
قوله: «تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم»، يعني: تجمعهم وحلفهم على عداوة النبي صلى الله عليه وسلم وحربه وإيذائه، وقد تجمعت قريش على حرب النبي صلى الله عليه وسلم وتعاهدوا على مقاطعة بني هاشم حتى يسلموا النبي صلى الله عليه وسلم، وحاصروهم في الشعب ثلاث سنين، وكتبوا صحيفة علقوها بجوف الكعبة: لا يباع عليهم ولا يشترى منهم ولا يناكحوا حتى يسلموا النبي صلى الله عليه وسلم؛ فهذا من التقاسم.
قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «باب تقاسم المشركين على النبي صلى الله عليه وسلم» كان ذلك أول يوم من المحرم سنة سبع من البعثة، وكان النجاشي قد جهز جعفرًا رضي الله عنه ومن معه، فقدموا والنبي صلى الله عليه وسلم بخيبر وذلك في صفر منها، فلعله مات بعد أن جهزهم. وفي «الدلائل» للبيهقي أنه مات قبل الفتح وهو أشبه، قال ابن إسحاق وموسى بن عقبة وغيرهما من أصحاب المغازي: لما رأت قريش أن الصحابة ي قد نزلوا أرضًا أصابوا بها أمانًا وأن عمر رضي الله عنه أسلم وأن الإسلام فشا في القبائل أجمعوا على أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك أبا طالب فجمع بني هاشم وبني المطلب فأدخلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم شعبهم ومنعوه ممن أراد قتله، فأجابوه إلى ذلك، حتى كفارهم فعلوا ذلك حمية على عادة الجاهلية، فلما رأت قريش ذلك أجمعوا أن يكتبوا بينهم وبين بني هاشم والمطلب كتابًا: ألا يعاملوهم ولا يناكحوهم حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعلوا ذلك وعلقوا الصحيفة في جوف الكعبة، وكان كاتبها منصور بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي فشلت أصابعه، ويقال: إن الذي كتبها النضر بن الحارث، وقيل: طلحة بن أبي طلحة العبدري. قال ابن إسحاق: فانحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب فكانوا معه كلهم إلا أبا لهب فكان مع قريش، وقيل: كان ابتداء حصرهم في المحرم سنة سبع من المبعث، قال ابن إسحاق: فأقاموا على ذلك سنتين أو ثلاثًا، وجزم موسى بن عقبة بأنها كانت ثلاث سنين حتى جهدوا ولم يكن يأتيهم شيء من الأقوات إلا خفية».
فهذا أول حصار اقتصادي حيث حاصروهم في الشعب؛ فلا يدخل إليهم شيء من الطعام ولا غيره حتى يسلموا النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل ذلك الآن لما حاصرت أمريكا العراق مدة، فأصل الحصار من قديم.
قال الحافظ ابن حجر /: «حتى كانوا يؤذون من اطلعوا على أنه أرسل إلى بعض أقاربه شيئًا من الصلات، إلى أن قام في نقض الصحيفة نفر من أشدهم في ذلك صنيعًا: هشام بن عمرو بن الحارث العامري، وكانت أم أبيه تحت هاشم بن عبد مناف قبل أن يتزوجها جده، فكان يصلهم وهم في الشعب، ثم مشى إلى زهير بن أبي أمية وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب فكلمه في ذلك فوافقه، ومشيا جميعًا إلى المطعم بن عدي وإلى زمعة بن الأسود فاجتمعوا على ذلك، فلما جلسوا بالحجر تكلموا في ذلك وأنكروه وتواطئوا عليه، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، وفي آخر الأمر أخرجوا الصحيفة فمزقوها وأبطلوا حكمها، وذكر ابن هشام أنهم وجدوا الأرضة قد أكلت جميع ما فيها إلا اسم الله تعالى، وأما ابن إسحاق وموسى بن عقبة وعروة فذكروا عكس ذلك: أن الأرضة لم تدع اسماً لله تعالى إلا أكلته، وبقي ما فيها من الظلم والقطيعة، فالله أعلم. وذكر الواقدي أن خروجهم من الشعب كان في سنة عشر من المبعث وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، ومات أبو طالب بعد أن خرجوا بقليل، قال ابن إسحاق: ومات هو وخديجة ل في عام واحد، فنالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم تكن تنله في حياة أبي طالب، ولما لم يثبت عند البخاري شيء من هذه القصة اكتفى بإيراد حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ لأن فيه دلالة على أصل القصة؛ لأن الذي أورده أهل المغازي من ذلك كالشرح لقوله في الحديث: «تقاسموا على الكفر»».
● [3635] في هذا الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينًا: «منزلنا غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر»، وثبت أيضًا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في حجة الوداع بعد أن رمى في اليوم الثالث، عندما قيل له: أين تنزل غدًا؟
وخيف بني كنانة هو الوادي الذي بين مكة وبين منى، وهو الآن صار في بناية العزيزية وما حولها، والمعنى: أنه سوف ينزل في المكان الذي أظهر فيه هؤلاء الكفر ليظهر فيه شعائر الإسلام.
قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد حنينًا: منزلنا غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر»، هكذا أورده مختصرًا، وقد تقدم في الحج من طريق شعيب عن ابن شهاب الزهري بهذا الإسناد بلفظ: قال حين أراد قدوم مكة، وهذا لا يعارض ما في الباب؛ لأنه يحمل على أنه قال ذلك حين أراد دخول مكة في غزوة الفتح، وفي ذلك القدوم غزا حنينًا، ولكن تقدم أيضًا من طريق شعيب عن الزهري بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى: «نحن نازلون غدا...»([20]) الحديث. وهذا ظاهر في أنه قاله في حجة الوداع؛ فيحمل قوله في رواية الأوزاعي حين أراد قدوم مكة؛ أي: صادرًا من منى إليها لطواف الوداع، ويحتمل التعدد، وسيأتي بيان ذلك مع بقية شرح الحديث في غزوة الفتح من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى».
* * *
المتن
[68/54] قصة أبي طالب
● [3636 ] حدثنا مسدد، قال: حدثنا يحيى، عن سفيان، قال: حدثنا عبدالملك بن عمير، قال: حدثنا عبدالله بن الحارث، قال: حدثنا العباس بن عبدالمطلب قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما أغنيت عن عمك؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك، قال: «هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار».
● [3637] حدثني محمود، قال: حدثنا عبدالرزاق، قال: أنا معمر، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبيه، أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل، فقال: «أي: عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله»، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبدالمطلب؟! فلم يزالا يُكَلِّماه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبدالمطلب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لأستغفرن لك ما لم أنه عنك»، فنزلت (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ) إلى (أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) [التوبة: 113]، ونزلت (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) [القصص: 56].
● [3638] حدثنا عبدالله بن يوسف، قال: حدثني الليث، قال: حدثني ابن الهاد، عن عبدالله بن خباب، عن أبي سعيد الخدري، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وذكر عنده عمه فقال: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه».
نا إبراهيم بن حمزة، قال: حدثنا ابن أبي حازم والدراوردي، عن يزيد... بهذا، وقال: «تغلي منه أم دماغه».
الشرح
هذه الترجمة في قصة أبي طالب، وأبو طالب اسمه عبد مناف، وقال بعضهم: اسمه عمران، وهذا ليس بصحيح، كما بين ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية /.
وأبو طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم فهو شقيق أبيه عبدالله، وكان بقي على دين قومه، ولكن الله عز وجل قذف في قلبه حب النبي صلى الله عليه وسلم فكان يحميه ويدافع عنه وهو على دين قومه، ومن حكمة الله عز وجل أنه بقي على دين قومه؛ لأنهم كانوا يراعونه، وكان سيدًا مطاعًا فيهم، ولو أسلم لم يراعوه ولم يمنعهم من أذيته عليه الصلاة والسلام.
ولما حضرت الوفاة أبا طالب حرص النبي صلى الله عليه وسلم حرصًا شديدًا على أن يهدي عمه؛ فدعاه إلى الإسلام، ولكن الله عز وجل لم يقدر له الإسلام والهداية.
ومن حكمة الله عز وجل في ذلك أن يعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له شيء من هداية القلوب، وأن هداية القلوب بيد الله عز وجل لا يملكها أحد، ولو كان أحد يستطيع أن يهدي أحدًا لهدى النبي صلى الله عليه وسلم عمه الذي كان يحميه ويدافع عنه ورباه منذ الصغر، وبذل معه جهودًا عظيمة، وبذلك يعلم أن أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ربًّا ولا إلهًا يعبد، ولكنه نبي كريم.
وفيه: أيضًا تسلية للناس، فمن كان عنده قريب -أب أو ابن أو أخ أو عم- ولم يقدر له الهداية فإنه يتسلى بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فصار مثلًا يقال: النبي صلى الله عليه وسلم ما هدى عمه، وكذلك نوح عليه السلام حرص على هداية ابنه ولم يقدر له الهداية فمات كافرًا، قال الله عز وجل: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) [هود: 46] فأول الرسل ما هدى ابنه، وآخر الرسل ما هدى عمه؛ فهذا يدل على أن هداية القلوب بيد الله عز وجل لا يملكها أحد.
وأنزل الله عز وجل تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)[القصص: 56].
قال الحافظ ابن حجر /: «قوله: «باب قصة أبي طالب»، واسمه عند الجميع عبد مناف، وشذ من قال عمران، بل هو قول باطل نقله ابن تيمية في كتاب الرد على الرافضي أن بعض الروافض زعم أن قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ) [آل عمران: 33] أن آل عمران هم آل أبي طالب، وأن اسم أبي طالب عمران واشتهر بكنيته، وكان شقيق عبدالله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولذلك أوصى به عبد المطلب عند موته إليه فكفله إلى أن كبر واستمر على نصره بعد أن بعث إلى أن مات أبو طالب»!.
وهذا من خرافات الشيعة الرافضة وتحريفهم، والرد على الروافض معروف في كتاب «منهاج السنة النبوية في الرد على الشيعة والقدرية».
ولهم تأويلات بالباطل، لا تمت إلى الحق بصلة، منها أنهم يؤولون قوله تعالى: (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ) [الرحمن: 19] بأن: البحرين علي وفاطمة، و(يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ) [الرحمن: 22] الحسن والحسين، وهل هذا الآن يمكن أن يدور في خلد إنسان سليم الفطرة؟!
وقالوا أيضًا من الأحاديث المكذوبة التي اختلقوها: أنا ميزان العلم وعلي كفته وفاطمة علاقته، والحسن والحسين خيوطه، إلى غير ذلك من خرافات.
● [3636 ] قوله: «ما أغنيت عن عمك؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك، قال: هو في ضحضاح من نار» الضحضاح: القليل من النار، بخلاف الغبرات فإنه الكثير من النار «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» وفي اللفظ الآخر: «أنه كان في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح»([21]).
وقد ورد في عذاب أبي طالب في النار ثلاثة ألفاظ:
أحدها: هذا الحديث، أنه «في ضحضاح من نار».
الثاني: أن في رجليه شراكين أو نعلين من نار يغلي منهما دماغه.
الثالث: أن في أخمصيه جمرتين من نار يغلي منهما دماغه، والأخمص: وسط الرجل أو تحت الرجل.
وإنه ليظن أنه أشد أهل النار عذابًا من شدة ما يجد وهو أهونهم.
ولله عز وجل حكم في عدم إسلام أبي طالب فلعل منها أن يعلم العباد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك شيئًا لهداية القلوب، وأن ذلك بيد الله عز وجل، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يستحق شيئًا من العبادة، بل العبادة لله وحده.
وأما قوله: «ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار» هنا أسند الفعل إلى السبب فقال: «لولا أنا»؛ وهذا من القليل الجائز في استعمال لولا؛ فإن لولا لها ثلاث حالات:
الحالة الأولى: أن يقول: لولا الله ثم فلان لكان كذا هذا جائز، وهذه أكمل حالة.
الحالة الثانية: أن يقول: لولا أنا ولولا فلان لكان كذا، كما في هذا الحديث وهذه جائزة مع قلة، والأولى أكمل منها.
الحالة الثالثة: أن يقول لولا الله وفلان لكان كذا، وهذه ممنوعة وهي من الشرك الأصغر.
ويحتمل أن قوله: «لولا أنا» كان أولًا بمكة ثم نسخ، ويحتمل أن هذا تصرف من بعض الرواة، وبكل حال فالأكمل أن يقول: «لولا الله -وحده» أو «لولا الله ثم فلان» كما يدل عليه الحديث الآخر: «لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان»([22])
● [3637]، [3638 ] قوله: «أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم - وعنده أبو جهل - فقال: أي: عم»، أي: حرف نداء، يعني: يا عم «قل: لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله» فيه: دليل على أن كلمة التوحيد إذا قالها الإنسان عند الموت عن إخلاص وصدق فإنها تنفع، وتخرجه من دائرة أهل الكفر إلى دائرة الإسلام،
وفيه: دليل على أن المريض مرض الموت تقبل توبته، إذا كان لم تصل الروح إلى الحلقوم.
قوله: «فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، ترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزالا يكلماه حتى قال آخر شيء كلمهم به: على ملة عبد المطلب» وفي اللفظ الآخر أن النبي صلى الله عليه وسلم أعادها عليه «فأعادها عليه»([23])، يعني: نفس الإجابة: هو «على ملة عبد المطلب»، وملة عبد المطلب الشرك -والعياذ بالله عز وجل.
وهذا فيه بيان لتأثير قرناء السوء؛ لأن قرناء السوء لهم تأثير عظيم؛ فهذان الرجلان أثرا على أبي طالب وذكراه الحجة الملعونة، وهي اتباع الآباء والأجداد في الباطل، فالمشركون في كل زمان يقولون: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف: 22] -وأمة يعني: دين، وهي حجة فرعون (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى) [طه: 51].
قوله: «فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لأستغفرن لك ما لم أنه عنك»؛ فأنزل الله عز وجل النهي: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)[التوبة: 113].
وفي الحديث: تحريم الدعاء والاستغفار للمشركين، وأن المشرك لا يدعى له ولا يستغفر له ولا يتصدق عليه، ولا يصلى عليه إذا مات، قال الله تعالى: (َلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ) [التوبة: 84]
ولقد أنزل الله عز وجل تسلية لنبيه صلى الله عليه وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)[القصص: 56] وهذه الهداية التي نُفيت عن النبي صلى الله عليه وسلم هي هداية التوفيق والتثبيت، وخلق الهداية في القلوب وكون الإنسان يرضى بالحق ويختاره فهذا ليس للنبي صلى الله عليه وسلم بل راجع إلى الله عز وجل، وهناك هداية أخرى تثبت للنبي صلى الله عليه وسلم وهي هداية الدلالة والإرشاد والتوجيه والوعظ، قال الله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52].
فالهداية هدايتان: هداية يملكها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي هداية الدلالة والإرشاد والتوجيه والوعظ، ويملكها أيضًا المصلحون والدعاة، وهداية لا يملكها إلا الله عز وجل وهي هداية القلوب، وأن يقبل الحق ويختاره ويرضى به.
ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم سيشفع لعمه يوم القيامة شفاعة خاصة من دون سائر الكفرة، فيخفف عنه العذاب حتى يصير أخف أهل النار عذابًا، ولكنه لا يخرج من النار -والعياذ بالله عز وجل، بل يكون في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه -نسأل الله عز وجل السلامة والعافية.
قال الحافظ ابن حجر /: «قال السهيلي: الحكمة فيه أن أبا طالب كان تابعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بجملته إلا أنه استمر ثابت القدم على دين قومه فسلط العذاب على قدميه خاصة لتثبيته إياهما على دين قومه كذا قال، ولا يخلو عن نظر، قوله: «يغلي منه دماغه»، وفي الرواية التي تليها: «تغلي منه أم دماغه» قال الداودي: المراد أم رأسه وأطلق على الرأس الدماغ من تسمية الشيء بما يقاربه ويجاوره، ووقع في رواية ابن إسحاق: «يغلي منه دماغه حتى يسيل على قوائمه»([24]) ».
ومن الفوائد: جواز زيارة القريب المشرك وعيادته؛ ودعوته إلى الله عز وجل، وكذلك إذا زار المشرك غير القريب ليدعوه إلى الله عز وجل فهذا مطلوب.
قال الحافظ ابن حجر /: «وفي الحديث: جواز زيارة القريب المشرك وعيادته وأن التوبة مقبولة ولو في شدة مرض الموت حتى يصل إلى المعاينة فلا يقبل؛ لقوله تعالى: (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا)[غافر: 85]» ، أي: حتى تصل الروح إلى الحلقوم.
وذكر الحافظ ابن حجر /: «أن الكافر إذا شهد شهادة الحق نجا من العذاب؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، وأن عذاب الكفار متفاوت، والنفع الذي حصل لأبي طالب من خصائصه ببركة النبي صلى الله عليه وسلم وإنما عرض النبي صلى الله عليه وسلم عليه أن يقول لا إله إلا الله ولم يقل فيها محمد رسول الله؛ لأن الكلمتين صارتا كالكلمة الواحدة».
أي: إذا أطلقت إحداهما دخلت فيها الأخرى، فإذا أطلقت كلمة التوحيد دخلت فيها الشهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا أطلقت شهادة أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت فيها كلمة التوحيد.
قال الحافظ /: «ويحتمل أن يكون أبو طالب كان يتحقق أنه رسول الله ولكن لا يقر بتوحيد الله عز وجل؛ ولهذا قال في الأبيات النونية:
ودعوتني وعلمت أنك صادق |
ولقد صدقت وكنت قبل أمينا |
فاقتصر على أمره له بقول لا إله إلا الله؛ فإذا أقر بالتوحيد لم يتوقف على الشهادة بالرسالة. تكملة: من عجائب الاتفاق أن الذين أدركهم الإسلام من أعمام النبي صلى الله عليه وسلم أربعة لم يسلم منهم اثنان وأسلم اثنان، وكان اسم من لم يسلم ينافي أسامي المسلمين وهما أبو طالب واسمه عبد مناف وأبو لهب واسمه عبد العزى بخلاف من أسلم وهما حمزة والعباس م».
([1]) مسلم (2802).
([2]) أحمد (3/165).
([3]) البخاري (4864)، ومسلم (2802).
([4]) «دلائل النبوة» للبيهقي (2/263، 264).
([5]) «إغاثة اللهفان» (1/300، 301).
([6]) «السيرة» لابن كثير (2/121).
([7]) «أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري» للخطابي (3/1618-1620).
([8]) «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» لأبي العباس القرطبي (7/404).
([9]) أحمد (1/377)، والبخاري (3636)، ومسلم (2800).
([10]) أحمد (1/431)، والبخاري (1007)، ومسلم (2798).
([11]) «مسند الطيالسي» (1/38).
([12]) أبو نعيم في «الدلائل» (1/247)
([13]) ابن إسحاق في «السيرة النبوية» (1/194).
([14]) «المعرفة والتاريخ» للفسوي (3/255).
([15]) وفي رواية للبيهقي في الدلائل (2 / 297) بزيادة إبراهيم : ((... بعد إبراهيم ولوط )). وهي رواية ضعيفه، لضعف بشر بن موسى الخفاف – من حديث أنس رضي الله عنه .
([16]) الترمذي (3703)، والنسائي (3608).
([17]) أحمد في «المسند» (1/454).
([18]) أحمد (3/114)، والبخاري (6129)، ومسلم (2150).
([19]) راجع «الفتاوى الكبرى» (5/360).
([20]) أحمد (5/202)، والبخاري (1590)، ومسلم (1314).
([21]) أحمد (3/55)، ومسلم (209).
([22]) أحمد (5/384)، وأبو داود (4980).
([23]) الحاكم في «المستدرك» (2/366).
([24]) «السيرة النبوية» لابن إسحاق (1/220)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (66/344).