شعار الموقع

من أحكام البيـــــوع.

67

الحمد لله شرع لعباده من المعاملات ما يصلحهم ويصلح شؤونهم، وحرَّم عليهم منها ما يضرهم في دنياهم ودينهم، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، حرَّم الظلم والكذب والغش والتدليس على الناس في جميع أمورهم، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمد عبده ورسوله أتقى الناس وأزكاهم صلى الله وبارك عليه وعلى آل وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسار على منهاجهم، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله .. وابتعدوا عمَّا حرّم الله عليكم من المعاملات، ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل، فتسود بينكم العداوة والبغضاء، وتتعرضوا لغضب الله وسخطه، وتختلف القلوب وتتنافر، والإسلام يسعى في ما يكون سبباً للألفة والوداد والصفاء والمحبة، قال الله تعالى:  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات :10]، وقال عليه الصلاة والسلام: المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذُلُه ولا يحقره[1] .

عباد الله: نهى الله تعالى عن أكل المال بالباطل فقال: وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[البقرة :188]، وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء :29].

عباد الله: ومن أحكام البيـــع أنه لا ينبغـــي كثرة الحلــــف وتنفيق السلعة بالحلف، وأن يجعل الله بضاعته، لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه، قال الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ[المائدة :89].

وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: الحلفُ منفقة للسلعة ممحقة للكسب[2].أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما.

وعن سلمان الفارسي أن رسول الله ﷺ قال: ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم: أُشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه. رواه الطبراني بسند صحيح[3].

وقال إبراهيم النخعي: "كانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار".

وهذا يدل على كثرة علم التابعين وقوة إيمانهم وقيامهم بتربية أبنائهم في تمرين الصغار على طاعة ربهم ونهيهم عما يضرُّهم.

ومن أحكام البيع: أنه لا يحل سلفٌ وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيعتان في بيعة، ولا بيع ما لا يملكه الإنسان، لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: لا يحل سلفٌ وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك.رواه أحمد وأصحاب السنن[4].

وعن أبي هريرة قال: نهى رسول الله ﷺ عن بيعتين.رواه أحمد والنسائي وصححه الترمذي وابن حبان[5].

وللبيعتين في بيعة صورتان:

إحداهما: أنها بيع العينة، كأن يبيعه سلعة بمائة مؤجلاً نقداً ثم يشتريها منه بثمانين نقداً نسيئة أي مؤجلة.

الثانية: أن يبيعه سلعة بشرط أن يبيعه سلعة أخرى مثل أن يبيعه سلعة أخرى مثل أن يبيعه سيارته على أن يبيعه بيته .

وللسلف والبيع صورتان:

إحداهما: أن المراد بالسلف القرض فيقول مثلاً: أقرضك ألفاً على أن تبيعني هذه السلعة بتسعمائة، فيكون قرضاً جرّ‍ نفعاً فيكون رباً.

الثانية: أن المراد بالسلف: السلم وهو بيع موصوف في الذمة فيقول: بعتك سيارة موصوفة في الذمة على أن تبيعني بيتك، فيكون بيعتين في بيعه.

والشرطان في بيع قيل المراد: بيعتان في بيعة، وقيل: المراد شرطان فاسدان كأن يشترط عليه أن لا يبيع السلعة ولا يهبها، وقيل: ولو صحيحان لما يفضي إليه من المنازعات .

وربح ما لم يضمن يشمل صورتين:

إحداهما: أن يبيع ما في ذمة غيره قبل أن يقبضه؛ لأن السلعة قبل قبضها ليست في ضمان البائع.

الثانية: أن يبيع سلعة في السوق لم يملكها فيكون باع ما ليس عنده، وقد قال النبي ﷺ لحكيم بن حزام: لا تبع ما ليس عندك. رواه أحمد وأبوداود[6].

عباد الله: الإسلام نهى عن هذه البيوع المحرمة من الطرفين البائع والمشتري كل منهما منهي عن إيقاع هذه العقود، والحكمة في نهي كلٍّ من البائع والمبتاع هي: بالنسبة للبائع لئلا يأكل مال أخيه بالباطل، وبالنسبة للمشتري لئلا يضيع ماله ويساعد البائع على الباطل، ولذلك وضع الإسلام الجوائح وبيَّن أنه لو باع تمراً فأصابته جائحة وأخذ الثمن من المشتري فإنه قد أخذ مالاً من غير حق، وذلك صريح في الأحاديث، فعن جابر أن النبي ﷺ وضع الجوائح. رواه أحمد وأبوداود والنسائي[7]، وفي لفظ لمسلم أمر بوضع الجوائح[8]، وفي لفظ قال: إن بعت من أخيك ثمراً فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مالك أخيك بغير حق.رواه مسلم وأبوداود والنسائي وابن ماجه[9].

وعن أنس "أن النبي ﷺ: نهى عن بيع الثمرة حتى تُزهَى.قالوا: وما تُزهَى.قال: تحمـرّ.وقال: إذا منع الله الثمرة فبم تستحلّ مال أخيك.أخرجاه[10].

إن الإسلام نهى عن كل بيع فيه غرر وجهالة ومن ذلك بيع السمك في الماء وبيع الحصاة واستثناء شيء مجهول في البيع، فعن أبي هريرة  أن النبي ﷺ نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر [11]. رواه مسلم وأحمد وغيرهما.

وبيع الحصاة: هو أن يقول مثلاً بعتك ما وقعت عليه هذه الحصاة من الأثواب، أو بعتك من هذه الأرض ما انتهت إليه هذه الحصاة ويرمي بها.

وعن ابن مسعود أن النبي ﷺ قال: لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر. رواه أحمد[12].

وعن جابر  أن النبي ﷺ نهى عن المحاقلة والمزابنة والثُنْيا إلا أن تعلم. رواه النسائي والترمذي وصححه[13].

والثنيا: هو أن يبيع الرجل شيئاً ويستثني بعضه، فإن كان معلوماً صح وإن كان مجهولاً لم يصح.

ومن بيوع الغرر ما في حديث شهر بن حوشب عن أبي سعيد قال: نهى النبي عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع، وعن بيع ما في ضروعها إلا بكيل، وعن شراء العبد وهو آبق، وعن شراء المغانم حتى تُقسم، وعن شراء الصدقات حتى تُقبض، وعن ضربة الغائص.رواه أحمد وابن ماجه[14].

وضربة الغائص: أن يقول من يعتاد الغوص في البحر لغيره ما أخرجْتُه في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "نهى النبي ﷺ أن يباع ثمر حتى يُطعَمَ، أو صوف على ظهر، أو لبن في ضرع، أو سمن في لبن". رواه الدارقطني[15].

فاتقوا الله أيها المسلمون .. وتباعدوا عن بيوع الجهالة والغرر، من التأمين وبيع ما في الدكان جملة من غير معرفة ما فيه من السلع، وتمشُّوا في معاملاتكم على الوجه الذي أذن لكم فيه ربكم، ولا تعدّوا حدود الله فتهلكوا.

واعلموا أن كل مال كسبه الإنسان بغير طريق حلال فلا خير فيه ولا بركة بل هو شر ووبال على صاحبه، إن أنفقه لم يبارك له فيه، وإن تصدق به لم يقبل منه، وإن تغذى به نبت جسمه على الحرام، وكل جسد نبت على سحت فالنار أولى به، وإن خلَّفه بعده كان زاداً له إلى النار وتوبوا إلى ربكم مما سبق وصدر منكم من ذلك، فإن باب التوبة مفتوح، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وأغننا بفضلك عمن سواك، واللهم انفعنا بكتابك وارزقنا تدبره وفهمه والعمل بما فيه، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

  1. ^ صحيح مسلم ، كتاب البر والصلة (2564).
  2. ^ صحيح البخاري ، كتاب البيوع (2087) ، صحيح مسلم ، كتاب المساقاة (1606).
  3. ^ رواه الطبراني في معجمه الصغير (2/82)، والمعجم الكبير (6/246).
  4. ^ مسند الإمام احمد ، برقم (6671)، سنن أبي داود ، كتاب البيوع (3504)، سنن النسائي ، كتاب البيوع (4611)، سنن الترمذي ، أبواب البيوع (1234).
  5. ^ مسند الإمام أحمد ، برقم(9584)، سنن النسائي، كتاب البيوع (4632)، سنن الترمذي ، أبواب البيوع (1231)، صحيح ابن حبان ، برقم (4976).
  6. ^ سبق تخريجه .
  7. ^ مسند الإمام أحمد ، برقم (14320)، سنن أبي داود ، كتاب البيوع (3374)،سنن النسائي ، كتاب البيوع (4529).
  8. ^ صحيح مسلم ، كتاب المساقاة (1554)مكرر.
  9. ^ صحيح مسلم ، كتاب المساقاة (1554)، سنن أبي داود ، كتاب البيوع (3470)، سنن النسائي ، كتاب البيوع (4527)، سنن ابن ماجه ، كتاب التجارات (2219).
  10. ^ صحيح البخاري ، كتاب الزكاة (1488)، صحيح مسلم ، كتاب المساقاة (1555).
  11. ^ سبق تخريجه .
  12. ^ مسند الإمام أحمد ، برقم (3676)، بسند ضعيف .
  13. ^ سنن النسائي ، كتاب البيوع (4634)، سنن الترمذي ، أبواب البيوع (1290).
  14. ^ مسند الإمام أحمد ، برقم (11377)، سنن ابن ماجه ، كتاب التجارات (2196)، تفرد به شهر بن حوشب وقد تُكلم فيه ، والحديث له شواهد ، والله أعلم .
  15. ^ سنن الدارقطني (2835).
logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد