فضل صلاة الجماعة
الخطبة الأولى
الحمدالله الذي شرع للرجال أداء الصلاة جماعة في المساجد، لما في ذلك من الخير والطهارة والبعد عن الشرور والمفاسد، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وهو أهل للشكر والمحامد وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله توعد بالإحراق بالنار المتخلفين عن الجماعة في المساجد ،صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه الإسوة الحسنة بعد نبيهم ومن تبعهم بإحسان في الأقوال والأعمال والمقاصد ،وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى وحافظوا على الصلوات، وأقيموها في الجمع والجماعات، ولا تضيعوها، وتهملوها فتقعوا في المهلكات، فمن أضاع الصلاة واتبع الشهوات لقي الغي وهو الخسران المبين قال الله تعالى فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا.
أيها المسلمون، وإن من تمام المحافظة على الصلوات التي أمر الله بها وكمال الإقامة للصلوات التي يريدها الله أداءها جماعة في بيوت الله، فقد جاءت النصوص من كتاب الله وسنه رسوله ﷺ وأقوال أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم تدل على وجوب أداء الصلوات على الرجال جماعة في المساجد.
قال الله تعالى وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ أمر الله بالركوع مع الراكعين وليس لذلك من فائدة الا فعلها مع جماعة المصلين، وقال الله تعالى وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ أمر الله بالجماعة في حال الخوف فدل على أن الجماعة فرض ولو كانت غير واجبة لسقطت بعذر الخوف ولم يسقط الله الجماعة عن الطائفة الثانية بفعل الطائفة الأولى فدل على أن الجماعة فرض على الأعيان.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء والعرق: عرموش العظم، والمرماة: الضلعين من اللحم، والمعنى أن النبي ﷺ أقسم أنهم لو يجدون شيئا حقيرا من الدنيا لسارعوا عليه، والواقع أن حال كثير من المتخلفين عن الجماعة كذلك، فلو كان لأحدهم شغل وقت طلوع الفجر لوجدته يرقب الوقت ويعد الساعات خوف فوات الموعد.
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاه العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لاتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً يصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار متفق على صحته.
وللإمام أحمد رحمه الله عنه ﷺ لولا ما فيه البيوت من النساء والذرية أقمت الصلاة العشاء، وأمرت فتياناً يحرقون ما في البيوت بالنار.
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال أتى النبي ﷺ رجل اأعمى، فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله ﷺ أن يرخص له، فرخص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب.
وفيه مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود عن ابن أم مكتوم قال: قلت يا رسول الله، إني ضرير البصر، شاسع الدار، وليس لي قائد يلازمني، فهل تجد لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ قال: تسمع النداء؟ قال: نعم. قال: ما أجد لك رخصة. واذا كان الرؤوف الرحيم بالمؤمنين ﷺ لا يجد رخصة للأعمى الذي يسمع النداء أن يصلي في بيته، فهل يجد البصير لنفسه رخصة في أن يصلي في بيته.
وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة اقرؤهم.
وروى أبو داود في سننه والإمام أحمد في مسنده من حديث أبي الدرداء قال قال رسول الله ﷺ ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن فيهم، ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان، فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب القاصية من الغنم. ولو لم تكن الجماعة واجبة لما استحوذ الشيطان على تاركها.
ومما يدل على وجوب الجماعة الاأبار المذكورة في أبواب الرخصة للتخلف عن الجماعة لأصحاب الأعذار، ولو كان حال العذر وغير حال العذر سواء لم يكن للترخيص معنى فالجمع بين الصلاتين لأجل المطر جائز ولو كانت الجماعة غير واجبة لما جاز تقديم الصلاة عن وقتها والمريض يترك القيام اذا عجز عنه مع الجماعة ولو كان قادرا عليه إذا صلى وحده ولو كانت الجماعة غير واجبة لما أجاز ترك القيام من أجلها.
ومن أقوال الصحابة التي تدل على وجوب صلاة الجماعة، ما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي الشعثاء المحارب قال: كنا قعوداً في المسجد، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فاتبعه أبو هريره ر بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة أما هذا فقد عصى أبا القاسم ﷺ.
فاتقوا الله أيها المسلمون لأداء الصلوات المكتوبة في الجماعة، فإن ذلك واجبة وفضيلة لا يفرط فيه إلا محروم ،وأعظم بها من فضيله يعمر بها المصلي بيوت الله ،ويفد إلى الله في كل يوم خمس مرات ،واحذروا من التخلف عنها بغير عذر، ولا تكونوا من الكسالى المحرومين، الذين استحوذ عليهم الشيطان، اذا سمعوا داعي الدنيا وزهرتها لبوا له سراعا واذا سمعوا منادي الله يدعوا حي على الصلاة حي على الفلاح تثاقلوا عنه وولوا مدبرين دبارا ،فصاروا من المعرضين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.
اللهم لا تجعلنا من المحرومين، اللهم لا تجعلنا من المحرومين، اللهم لا تجعلنا من المحرومين، اللهم إنا نعوذ بك من الكسل اللهم لا تجعل للشيطان علينا سلطانا، اللهم وفقنا لاغتنام الخيرات بأداء الصلوات في الجماعات، وأعذنا من أنفسنا الأمارة بالسوء والمنكرات.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم، وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ،ووفقنا للعمل الصالح والتوبة النصوح.
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فتوبوا اليه واستغفروه يتب عليكم ويغفر لكم إنه هو التواب الرحيم الغفور.
الخطبة الثانية
الحمدالله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك الله تعظيما لشانه سبحانه، وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسول الداعي الى رضوانه، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأعوانه وإخوانه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واستمعوا إلى بعض أقوال الصحابة التي تدل على وجوب الجماعة والصحابة فهموا ذلك من نصوص كتاب الله وسنه رسوله ﷺ الذي قد سمعتم طرفا منها.
روى مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود قال: من سره أن يلقى الله غدا مسلما فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن فأنهن من سنن الهدى وإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى وإنكم لو صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو أنكم تركتم سنة نبيكم لضللتم وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة ويرفعه بها درجة ويحط عنه بها سيئة ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها الا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى حتى يقام بين الرجلين حتى يقام في الصف. وفي لفظ عن ابن مسعود أنه قال: إن رسول الله ﷺ علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه.
وعن أبي موسى الأشعري قال: من سمع المنادي فلم يجب بغير عذر فلا صلاة له.
وعن علي ﷺ قال: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد. قيل ومن جار المسجد قال من سمع المنادي.
وعن أبي هريرة قال: لئن تمتلي أذن ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع المنادي ثم لا يجيبه.
وعن مجاهد رحمه الله قال سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما فقال: رجل يصوم النهار ويقوم الليل ولا يشهد جمعة ولا جماعة قال ابن عباس رضي الله عنهما هو في النار ثم جاء من الغد فسأل عن ذلك فقال هو في النار.
أيها المسلمون، ومن الأدلة على فضل صلاة الجماعة وعظم ثوابها عند الله، ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله ﷺ صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة.
وفيهما عن أبي هريره عن النبي ﷺ قال: صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسا وعشرين ضعفاً، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخطو خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحطت عنه بها خطيئة، فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه ما لم يحدث: اللهم صل عليه، اللهم ارحمه. ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة.
وفي صحيح مسلم من حديث عثمان أن النبي ﷺ قال من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما قام الليل كله.
فاتقوا الله، عباد الله وحافظوا على الصلوات الخمس جماعة في المساجد، فإن الصلاة أفرض الفرائض وأوجب الواجبات بعد توحيد الله ، وهي العلامة الفارقة لأهل الإسلام، وهي العلامة الفارقة بين أهل الإسلام وبين أهل الكفران.
فاتقوا الله عباد الله وحافظوا على الصلوات جماعة في المساجد مروا أنفسكم، ثم مروا أولادكم ومن تحت أيديكم قال عليه الصلاة والسلام مروا أولادكم للصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر.
تدبروا كتاب ربكم وسنة نبيكم محمد ﷺ اقرؤهما، تعلموا معانيهما، تفقهوا في أحكامهما ،تحاكموا إليهما ،حكموهما وتحاكموا إليهما في كل شأن من شؤونكم؛ حتى تكونوا أعزاء في الدنيا وسعداء في الآخرة.
وإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ،وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة ،وكل ضلالة في النار.
والزموا جماعة المسلمين ،الزموا جماعة المسلمين في معتقداتهم وفي عبادتهم وفي بلدانهم وأوطانهم فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ عنهم في الدنيا شذ في النار يوم القيامة.
ألا وصلوا على محمد ﷺ فإن الله أمركم بذلك حيث قال إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال -عليه الصلاة والسلام-: من صلى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشراً.
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد.