الصلاة وفضلها
الخطبة الأولى
الحمد لله، الحمد لله رب الأرضين والسموات، فرض على عباده الصلوات، وأودعها حكم عظيم وأسرار مريرات، وجعل هذه الصلوات للذنوب مكفرات، أحمده سبحانه وأشكره وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله أفضل الخلق من جميع البريات، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه أسبق الناس لإقامة الصلوات والمحافظة عليها في الجمع والجماعات، ومن تبعهم بإحسان في السبق إلى الخيرات وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى واستمعوا إلى سياق صلاة النبي ﷺ، من حين استقبالهم لله وتكبيره للإحرام إلى حين سلامه، كأنك تشاهده عيانا ،كما ساقة الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله في رسالة الصلاة لتكون نبراسا يضيء للمصلين الطريق ليأخذوا الأسوة من نبيهم عليه الصلاة والسلام ،كما قال الله تعالى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وقال عليه الصلاة والسلام صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي.
وقد نقل الصحابة حركاته وسكناته وآياته حتى اضطراب لحيته في الصلاة، وسوف نذكر إن شاء الله جزءا من سياق صلاة النبي ﷺ ونؤجل جزءا آخر، فنقول وبالله التوفيق:
كان رسول الله ﷺ إذا قام إلى الصلاة استقبل القبلة ووقف في مصلاه ورفع يديه إلى فروع أذنيه واستقبل بأصابعه القبلة ونشرها وقال: الله أكبر.
ولم يقل يتلفظ بالنية قبل ذلك فلم يكن يقول نويت أن أصلي كذا وكذا مستقبل القبلة كذا وكذا فريضة الوقت ولو ثبت مثل ذلك لنقل.
ثم كان عليه الصلاة والسلام يمسك شماله بيمينه فيضعها عليها فوق المفصل ثم يضعها على صدره.
ثم يستفتح بأحد الاستفتاحات المعروفة الثابتة في سنة النبي ﷺ،ثم يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ،ثم يقرأ فاتحة الكتاب ،فإن كانت الصلاة جهرية أسمعهم القراءة ولم يسمعهم بسم الله الرحمن الرحيم ،وكان يقطع قراءته آية آية، فيقف على رؤوس الآيات على ترسل وتمهل وترتيل، وكان يمد الرحمن ويمد الرحيم، وإذا ختم السورة قال آمين يجهر بها ، ويمد بها صوته في الصلاة الجهرية، ويجهر بها من خلفه حتى يرتج المسجد.
وكان له عليه الصلاة والسلام سكتتان: سكتة الافتتاح إذا كبر وسكتة عند الركوع بعد الفراغ من القراءة ، واختلفت الروايات عنه في سكتة ثالثة وهي :بعد قراءة الفاتحة.
وكان يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين ،وكان يقرأ بعد الفاتحة في الركعتين الأوليين سورة طويلة تارة، و قصيرة تارة ومتوسطة تارة ،كما ورد ذلك في الأحاديث، وكان يقرأ بالسورة في الركعة، وتارة بعدها في الركعة الثانية، وتارة يقرأ سورتين في الركعة ،ولم يكن يبتدئ من وسط السورة ولا من آخرها، وإنما كان يقرأ من أولها ،فتارة يكملها وهو أغلب أحواله ،وتارة يقتصر على بعضها ويكملها في الركعة الثانية ، ولم ينقل عنه أنه قرأ بآيه من سورة أو بآخرها إلا في سنة الفجر فإنه كان يقرأ فيها من آيتي البقرة وآل عمران.
وكان يقرأ في فجر يوم الجمعة بسورة الم تَنْزِيلُ السجدة وهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ كاملتين ،ولم يقتصر على إحداهما وعلى بعض هذه وبعض هذه.
وكان يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقون كاملتين ،ولم يقتصر على أواخرهما وأحيانا يقرأ بسورتي الأعلى والغاشية.
وكان يقرأ في العيدين بسورتين ق واقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ كاملتين ولم يقتصر على إحداهما.
وكان يقرأ في الظهر قدر الم تَنْزِيلُ السجدة، أو نحواً من ثلاثين آية، وأحيانا يقرأ فيها بـ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وأحيانا بلقمان ، والذاريات.
وكان يقوم في الركعة الأولى من الظهر حتى لا يسمع وقع قدم.
وكان يسمعهم الآية أحيانا في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر خمس عشرة آية.
وكان عليه الصلاة والسلام يطيل الركعة الأولى من كل صلاة عن الثانية.
وكان يقرأ في المغرب بسورة الأعراف تارة وبالطور تارة وبالمرسلات تارة ،وبالدخان تارة، وكان يقرأ في العشاء الآخرة بـ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ، وسورة إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وبـ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ونحو ذلك من السور، وقال عليه الصلاة والسلام لمعاذ في صلاة العشاء الآخرة اقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا، وَسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، وَاقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى متفق عليه.
وكان يقرأ في صلاة الصباح في الركعتين أو إحداهما ما بين الستين إلى المائة ، وقرأ في الفجر بسورة المؤمنين ، وقرأ فيها بسورة ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال كَانَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تُقَامُ فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا إِلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ، ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ فَيَتَوَضَّأُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى.
فاتقوا الله أيها المسلمون وتأسوا بنبيكم ﷺ واقتدوا به في صلواتكم وأعمالكم تكونوا من الرابحين فاتباع الرسول ﷺ دليل على محبة الله ومن اتبع الرسول ﷺ أحبه الله وغفر ذنوبه قال الله تعالى قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
اللهم وفقنا للاقتداء بنبيك وخليلك ﷺ، اللهم وفقنا للاعتناء بصلواتنا، اللهم اجعلها قرة عيوننا وأجعلنا من المقيمين للصلوات المحافظين عليها والخاشعين فيها.
اللهم بارك لنا في القرآن العظيم ،وانفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم ،ووفقنا للعمل الصالح والتوبة النصوح.
أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فتوبوا إليه واستغفروه يتب عليكم ويغفر لكم إنه هو التواب الرحيم الغفور.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه سبحانه وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسول الداعي إلى رضوانه صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وأعوانه وإخوانه وسلم تسليما كثيراً.
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى ، واعلموا أن الصلاة أمرها عظيم وخطرها جسيم فالواجب على المسلم أن يعتني بصلاته وأن تشتد عنايته بها وأن يحافظ عليها باطنا وظاهرا، باطنا بالإخلاص ،بالإخلاص ورجاء ما عند الله وظاهرا بأداء الواجبات بأداء الأركان والواجبات والمستحبات ، وأن يعتني بها وأن تكون هذه الصلاة هي أهم ما يعتني به المسلم لأنها هي الفارقة بين المسلم والكافر، ولأنها أول ما يحاسب به العبد إذا وضع في قبرة ولأنها هي الميزان لجميع الأعمال، فإن أول ما يوضع في الميزان صلاته فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله.
فاتقوا الله يا عباد الله، واعتنوا بهذه الصلاة، اعتنوا بها بأركانها، اعتنوا بواجباتها، اعتنوا بمستحباتها، اعتنوا بأدائها جماعة في المساجد، اعتنوا بها واهتموا بها وحافظوا عليها فإن من حافظ عليها فهو لما سواها احفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وإن هذه هي الميزان لأعمال العبد، ولأنها هي الفارقة بين المسلم وبين الكافر، فمن حفظها فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع.
فاتقوا الله يا عباد الله واعتنوا بصلاتكم، وحافظوا عليها، حافظوا على سننها، وأركانها ومستحباتها، حافظوا على سننها ،ومستحباتها، وأركانها ،والسنن الرواتب القولية والفعلية، حتى تكون هذه الصلاة مكملة تهدونها إلى ربكم في هيأة حسنة وفي أداء موافق لشرع الله وخالص لوجه الله .
تدبروا كتاب ربكم وسنة نبيكم ﷺ، ليتبين لكم في فعل ذلك عظم شأن الصلاة.
فـ إنَّ أًحسَنَ الحديثِ كتابُ اللهِ ، وَخَيرُ الهديِ هديُ محمَّدٍ ﷺ، وشرُّ الأمورِ مُحدثاتُها ، وكلُّ محدثةٍ بِدعةٌ ، وكُلُّ بدعةٍ ضلالةٌ ، وكلُّ ضلالةٍ في النَّارِ
والزموا جماعة المسلمين الزموا جماعة المسلمين في معتقداتهم وفي عبادتهم وفي بلدانهم وأوطانهم؛ فإن يَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ ومن شذ عنهم في الدنيا شذ في النار يوم القيامة.
ألا وصلوا على محمد ﷺ فإن الله أمركم بذلك حيث قال إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وقد قال عليه الصلاة والسلام: مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.