شعار الموقع

التحذير من الزنا (2).

113

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي حرّم الفواحش والآثام، وجعل الزنا من كبائر الذنوب العظام، أحمده سبحانه وأشكره على ما أولانا من الأنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بجلد الزانيَين على مشهد من الناس للزجر والإعلام، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله نفى الإيمان عن الزاني حين اقترافه الإجرام، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أولي النزاهة والطهارة والعفاف والإكرام، ومن تبعهم بإحسان في الابتعاد عن مواطن الريب والحرام، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

أيها الناس .. اتقوا الله تعالى واعلموا أن الله تعالى عظّم أمر الزنا ونهى عن قربانه ووصفه بالفحش فبئس هو من سبيــل وطريـــق فقال تعالى: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً [الإسراء :32]، وأمر الله تعالى بجلد الزانيَين، وهذا لغير المُحصَن وهو الذي لم يتزوج ،ويزاد على ذلك أن يغرّب عاماً كما جاء ذلك في السنة، كما جاءت السنة برجم الزانيَين المحصنين، فإن الزاني لا يخلو: إما أن يكون بكراً وهو الذي لم يسبق أن تزوج، أو يكون محصناً وهو الحر البالغ الذي قد وطئ في نكاح صحيح، فإن كان الزاني بكراً لم يتزوج فإن حدَّه مائةُ جلدة وتغريبُ عام كما قال تعالى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ [النور :2]، وقال ﷺ: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة[1]، وإن كان الزاني محصناً فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، كما ثبت في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني ـ رضي الله عنهما ــ في الأعرابيين اللذين أتيا رسول الله ﷺ فقال أحدهما: يا رسول الله، إن ابني هذا كان عسيفاً على هذا ــ يعني أجيراً عنده ــ فزنا بامرأته، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلدَ مائة وتغريبَ عام، وأن على امرأة هذا الرجمَ، فقال رسول الله ﷺ: والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى، الوليدة والغنم ردٌّ عليك، وعلى ابنك مائةُ جلدة وتغريب عام، واغدُ يا أنيس ــ لرجل من أسلم ــ إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها فاعترفت فرجمها[2].

وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله ﷺ: خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم[3]. وقد رجم النبي ﷺ ماعزاً والغامدية، فدلّت هذه النصوص على أن الزاني البكرَ يجلد مائةً ويغرَّبُ عن البلد عاماً، والمحصَن يُرجم بالحجارة حتى يموت.

أيها المسلمون: لقد أمر الله بإقامة الحدّ على الزانيين ونهانا عن أن تأخذنا بهما رأفة في دين الله تمنعنا من إقامة الحدّ عليها، وبيَّن أن الإيمان موجبٌ لانتفاء هذه الرأفة المانعة من إقامة أمر الله فقال تعالى: وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النور :2]، كما أمر الله تعالى أن يحضر عذاب الزانيَين جماعة من المؤمنين ليشتهر ويحصلَ بذلك الخزيُ والردعُ والانزجارُ، إذ إن ذلك أبلغُ في زجرهما وأنجع في ردعهما وأمثالهما، فإن في ذلك تقريعاً وتوبيخاً وفضيحة إذا كان الناس حضوراً، قال  تعالى: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [النور :2].   

أيها المسلمون: استمعوا إلى بعض النصوص التي تدل على أن الزنا من كبائر الذنوب وأنه قرن بالشرك بالله ، وأن الزاني متوعدٌ بالعذاب الأليم وعدم تكليم الله له ونظره إليه يوم القيامة، وأن الزناة والزواني يُعذبون بالنار يوم القيامة، عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله ﷺ: أيُّ الذنب أعظم عند الله ؟ قال: أن تجعل لله ندّاً وهو خلقك.قلت: ثم أي ؟ قال: أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك.قلت: ثم أيّ ؟ قال: أن تزانيَ حليلةَ جارك فأنزل الله تصديقها: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ[الفرقان :68] الآية[4].

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاثةٌ لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكّيهم، ولهم عذابٌ أليم:  شيخٌ زانٍ، وملك كذّاب، وعائلٌ مستكبر.رواه مسلم[5].

وروى البخاري في حديث منام النبي ﷺ عن سمرة بن جندب أن رسول الله ﷺ جاءه جبريل وميكائيل، قال: فانطلقنا، فأتينا على مثل التنور أعلاه ضيّق وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، قال: فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم اللهب ضوضؤا، أي صاحوا من شدة حرّه، فقلت: من هؤلاء يا جبريل ؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني[6].

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيّب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة.رواه البخاري ومسلم[7].

أيها المسلمون: مَن ذا الذي يرضى لنفسه أن يعرّضها لهذا العذاب، أو أن يدنيها من جريمة تُهدرُ دمه ؟ من ذا الذي يرضى أن يعرّض نفسه لهذا ؟ من ذا الذي يرضى أن يبيع دينه وعرضه وشرفه وكرامته ويلطّخ ذلك بشهوة بهيمية قصيرة ؟ أيّ جانٍ على نفسه وعرضه وأهله ذلك الذي استبدل الخبائث بالطيبات ؟ ومن أضلّ سبيلاً ممن يعاف زوجته الطاهرة الساهرة على مصالحه وخدمته وتربية أولاده ؟ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوْا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ [البقرة :16]، لقد استفزّه الشيطان بصوته وأجلب عليه بخيله ورَجله فزيّن لـه الإثم وحبّب إليه الفساد فأوقعه في تلكم الجريمة الشنعاء.

فاتقوا الله أيها المسلمون وراقبوا ربكم وصونوا نفوسكم عما حرم الله عليكم ولا تلطخوها بالمعاصي والفواحش فتخسروا أو تهلكوا، وكونوا من الحافظين فروجهم والحافظات الذين أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً.

اللهم اصرف عن السوء والفحشاء، واجعلنا من عبادك المخلصين، وارزقنا خشيتك في السراء والضراء، واجعلنا من عبادك المفلحين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:

اتقوا الله، واعلموا أن الإسلام له الحكمة العظيمة في تحريم الزنا وتحريم الوسائل الموصلة إليها فحرّم الإسلامُ الزنا لأنه فاحشة عظيمة ولها مفاسد عظيمة تسبب اختلاط الأنساب وإفساد فراش الزوج، وإلحاق العار بالمرأة وأهلها وزوجها، ولذلك حرم الإسلام هذه الفاحشة وحرم الوسائل الموصلة إليها، فمنع الرجال من النظر المحرم إلى المرأة، ومنع خلوة الرجل بالمرأة إلا بالمحرم، وأمر المرأة بالحجاب ونهاها أن تخضع بالقول للرجل فيطمع الذي في قلبه مرض، كل ذلك حماية للمرأة وصيانة لها ولكرامتها حتى تكون شريفة كريمة عزيزة طاهرة عفيفة.

  1. ^ صحيح مسلم ، كتاب الحدود (1690).
  2. ^ صحيح البخاري ، كتاب الصلح (2695-2696)، صحيح مسلم، كتاب الحدود (1697-1698).
  3. ^ صحيح مسلم ، كتاب الحدود (1690).
  4. ^ صحيح البخاري ، كتاب الأدب (6001)، صحيح مسلم ، كتاب الإيمان (86).
  5. ^ صحيح مسلم ، كتاب الإيمان (107).
  6. ^ صحيح البخاري ، كتاب التعبير (7047).
  7. ^ صحيح البخاري ، كتاب الديات (6878)، صحيح مسلم ، كتاب القسانة (1676).
logo
2024 م / 1446 هـ
جميع الحقوق محفوظة


اشترك بالقائمة البريدية

اشترك بالقائمة البريدية للشيخ ليصلك جديد الشيخ من المحاضرات والدروس والمواعيد