الحمد لله الذي ندبنا إلى حج بيته الحرام، وشوَّقنا إليه بالآيات القرآنية وأحاديث سيد الأنام، وجعل الحج ركنًا أساسيًا من أركان الإسلام، فهو على الغني المستطيع فريضةٌ كفريضة الصلاة والصيام، فمَن أجاب داعي الله فقد فاز بالأجر العظيم ومغفرة الآثام، ومَن أعرض فاته الخير والوقوف بين الملك العلام، أحمد الله –سبحانه- وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، أفضل مَن وقف بالمشاعر وطاف بالبيت الحرام، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى سلوك الطريق دار السلام، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله –تعالى-، وتدبروا كتاب الله، واعملوا بما فيه وبسُنَّة رسوله تربحوا وتُرزَقوا وتُنصَروا، واعلموا أن الحج خامس أحد أركان الإسلام، أوجبه الله –تعالى- في العمر مرة على المسلم البالغ الحر المستطيع، قال الله –تعالى-: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ [آل عمران:97]، وقال –تعالى-: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196].
أيها المسلمون يجب على مَن عزم على الحج، وعلى تلبية نداء الله، والتعرُّض لنفحات بره وقدسه في مكان وزمان نفحات وقدسيات أن يقدِّم بين يدي ذلك أمورًا:
منها: توبةً من جميع الذنوب والآثام، ولا تكون التوبة نصوحًا حتى تستكمل شروطها الثلاثة، وهي:
ترك المعصية والإقلاع عنها.
الندم على ما مضى منها.
والعزم الصادق على عدم العودة إليها.
وإن كانت مظلمةً للناس فلابد من رد المظلمة إلى أهلها، أو تحلُّلهم منها، قال الله –تعالى-: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31]، وقال –سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ [التحريم:8].
ومنها: إخلاص العمل لله، فيقصُد بحجه وجه الله والدار الآخرة، لا رياءً ولا سمعة ولا مفاخرة ولا الدنيا؛ لأن العمل بالنية، وقد قال –عليه الصلاة والسلام-: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى متفقٌ عليه، وقال –تعالى-: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود:15-16].
ومنها: أن يجتهد في رضا والديه أو مَن يوجد منهما ويطلب منهما الدعاء.
ومنها: الاستحلال ممَن بينه وبينه معاملة أو مشاحنة.
ومنها: أن يجتهد في قضاء ما عليه من الديون، وأن يرد الودائع إلى أهلها، أو يستأذنهم في بقاءها.
ومنها: أن ينتخب لحجه نفقةً طيبة خالصةً من الحرام والشبهة؛ لأن الله –تعالى- طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا، قال الله –تعالى-: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا [المؤمنون:51]، وفي الحديث: «إن الله تعالى طيبٌ لا يقبل إلا طيبًا» رواه الإمام مسلم.
وإذا حج الرجل بالنفقة المُحرَّمة أو المشبوهة فإنه في الواقع لم يحج، وإنما حجه به مرفوض، كما قيل: "لا يقبل الله إلا كل صالحةً، إذا حججت بمالٍ أصله سحت فما حججت ولكن حجة عير، لا يقبل الله إلا كل صالحةً، ما كل مَن حج بيت الله مبرورٌ".
ومنها: أن يكتب وصيته، ويُشهِد عليها.
ومنها: أن يختار رفقةً طيبةً في حجه من أهل الدين والورع والتقوى والعلم تساعده على أداء نُسُكه؛ لأن الرفيق والجليس له تأثير على جليسه ورفيقه:
عن المرء لا تسأل واسأل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
أيها المسلمون، والمواقيت التي وقتها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، المواقيت المكانية التي وقَّتها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لمَن أراد أن يحج أو يعتمر خمسة:
أحدها: ذو الحليفة، وهو ميقات أهل المدينة، ويسمى اليوم أبيار علي.
الثاني: جُحفة، وهو ميقات أهل الشام، وهي قرية خرِبَت ثم أُعيدَت، والميقات موجود.
الثالث: قرن المنازل، وهو ميقات أهل نجد، ويسمى اليوم السيل، أو وادي مَحْرم.
الرابع: يلملم، وهو ميقات أهل اليمن، ويسمى السعدية.
الخامس: ذات عرق، وهو ميقات أهل العراق والمشرق، ويسمى الضريبة.
وهذه المواقيت وقَّتها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهلها ولمَن مر عليها من غيرهم ممَن يريد الحج أو العمرة، وسواءً كان مروره عليها برًا أو جوًا أو حاذاها بحرًا، حيث قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لمَّا وقَّت هذه المواقيت في حديث ابن عباس، قال -رضي الله عنه-: «وقَّت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لأهل المدينة: ذا الحليفة، ولأهل الشام: الجحفة، ولأهل اليمن: يلملم، ولأهل نجدٍ: قرن» ثم قال: «هن لهن، ولمَن أتى عليهن من غير أهلهن ممَن أراد الحج أو العمرة».
أيها المسلمون: والواصل إلى أحد هذه المواقيت الخمسة المذكورة يُخيَّر بين أحد الأنساك الثلاثة، وهي: التمتُّع والقِران والإفراد.
وصفة التمتُّع: أن يُحرم بعمرة وحدها في أشهر الحج، وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فإذا وصل إلى مكة طاف وسعى، ثم حلق أو قصَّر شعر رأسه، ثم حلَّ له كل شيء حرُم عليه بالإحرام، ثم يُحرِم في اليوم الثامن من ذي الحجة ويأتي بأعمال الحج.
وصفة القِران: أن يُحرِم بالحج والعمرة معًا، أو بالعمرة وحدها، ثم يُدخِل الحج عليها قبل أن يشرع في طوافها، فإذا وصل إلى مكة طاف للقدوم وسعى، ثم يبقى على إحرامه إلى أن يتحلل يوم العيد، وإذا حبَّ أن يؤخر السعي مع طواف الإفاضة فله ذلك.
وصفة الإفراد: أن يُحرم بالحج وحده، فإذا وصل إلى مكة طاف للقدوم وسعى للحج، ولا يُقصِّر ولا يحلِق رأسه، بل يبقى على إحرامه كالقارن إلى أن يتحلل يوم العيد، وإذا حبَّ أن يؤخر سعي الحج مع طواف الإفاضة يوم العيد فله ذلك.
والمفرد ليس عليه هدي يذبحه يوم العيد، بخلاف المتمتع والقارن، فإن كلًا منهما يذبح هديًا شكرًا لله –تعالى- حيث أتى بنُّسكين في سفرةٍ واحدة، هذا إذا كان أفقيًا، فإن كان من أهل مكة أو قريبٍ منها فليس عليه هديٌ يذبحه يوم العيد لقول الله –تعالى-: ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196]، بعد قوله –تعالى-: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196].
أيها المسلمون: يظن بعض العامة أن الإحرام هو الاغتسال والتجرُّد من المخيط وصلاة ركعتين، وهذا خطأ، فإن الإحرام: هو نية الدخول في النُّسُك، والنية محلها القلب، وهو أن يقصد بقلبه النُّسُك الذي يريده، وقبل ذلك يُعتبَر قاصدًا للحج أو العمرة ولم يدخل فيهما، بمنزلة مَن دخل دون الصلاة، لا يدخل فيها حتى يُحرِم بها، وإن كان له أجر ما سعى إليها.
وأما التجرُّد من المخيط، والاغتسال، والتطيُّب، والصلاة، فهذا تهيُّء واستعدادٌ للإحرام، والإحرام الذي هو النية ركنٌ في الحج لا يصح إلا به، بل لا ينعقد الحج أو العمرة إلا بالإحرام، فهو بمنزلة تكبيرة الإحرام في الصلاة، لا تنعقد الصلاة إلا بها.
ويشرع للناس التلفُّظ بما نواه استحبابًا، بأن يُظهِر نسكه في تلبيته، فالمتمتع والمعتمر يقول: "لبيك عمرة" أو "اللهم لبيك عمرة" أو "أوجبت عمرة"، والقارن يقول: "لبيك عمرةً وحجًا" أو "اللهم لبيك عمرةً وحجًا" أو "أوجبتُ عمرةً وحجًا"، والمفرد يقول: "لبيك حجًا" أو "اللهم لبيك حجًا" أو "أوجبتُ حجًا"، ثم يلبي بتلبية رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك".
وتتأكد التلبية عند تغيُّر الأحوال، كإقبال ليلٍ أو إدبار نهار، وكذلك بعد الفريضة، وعند مقابلة المحرمين، وغير ذلك من الأحوال.
أيها المسلمون، إن أمامكم اليوم موسم عظيم، يجتمع فيه شرف الزمان والمكان، موسم حج بيت الله العتيق حيث جعل الله قلوب الناس تهوي إليه، وترق لذكره، وتخشع عند رؤيته؛ إجلالًا لله وتعظيمًا لشعائره، بيتٌ جعله الله مباركًا وهدىً للعالمين، تعمُّ بركته لمعظميه نواحي الحياتين، ففي الدنيا: سعة الأرزاق ووفرتها، ومتعة النفوس، وأمن القلوب، وفي الآخرة: بالفوز بلقاء الله وحُسن الوفادة عليه، بيتٌ له المكانة الكبرى في الأرض والسماء، بيتٌ يطوف به الجاني فيُغفر ذنبه، ويلوذ به الخائف فيؤمن خوفه.
عباد الله إن الحج مغنمٌ عظيم، وقد يُسرَّت سبله، فمَن أدَّى فريضة الحج فعليه بالتزود، فإن خير الزاد التقوى، والإكثار من الحج والعمرة، والمتابعة بينهما، فإن متابعتهما سببٌ في محو الفقر والذنوب، وإن الحجة المبرورة ثوابها الجنة، قال –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم: «مَن حج فلم يرفث ولم يفسق كرجع كيوم ولدته أمه»، وقال –صلى الله عليه وسلم- فيما رواه البخاري ومسلم أيضًا: العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة.
وتظهر صفات الحج المبرور في قوله –عليه الصلاة والسلام- فيما رواه أحمد وابن خزيمة وغيرهما، وقد سُئِل عن بر الحج فقال: إطعام الطعام، وطيب الكلام، وإفشاء السلام، وقال –صلى الله عليه وسلم-: تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحجة المبرورة جزاءٌ إلا الجنة.
فاتقوا الله أيها المسلمون واغتنموا هذه الفضائل بالمبادرة إلى حج بيت الله الحرام، وأخلصوا أعمالكم لله، وخذوا مناسككم عن نبيكم –صلى الله عليه وسلم-، واجتهدوا في بر الحج لتحذوا الخيرات المترتبة عليه، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [آل عمران:96-97]
رزقنا الله وإياكم اغتنام الفضائل والخيرات، وجنبنا الفواحش والمنكرات، وتقبَّل منا مناسكنا وجميع أعمالنا الصالحات، وبارك لنا في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ووفقنا للعمل الصالح والتوبة النصوح.
أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فتوبوا إليه واستغفروه ليتب عليكم ويغفر لكم إنه هو التواب الرحيم والغفور.
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله من خلقه، صلى الله وبارك عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
أيها الناس اتقوا الله –تعالى-، واعلموا أنه يجب على الإنسان الذي يريد الحج أن يتفقه في مناسك الحج، وأن يسأل عما أشكل عليه، وأن يقرأ في كتب أهل العلم، وأن يحضر الدروس والحلقات والمحاضرات التي يُبيَّن فيها شيءٌ من المناسك حتى يكون على بصيرة، فإن كثيرًا من الناس يحجون ويعتمرون ثم يرتكبون أخطاء كثيرة بسبب جهلهم بمناسك الحج.
ويجب على المسلم أن يتفقه ويتبصر في مناسك الحج إذا عزم على الحج حتى يؤدي العبادة التي أوجبها الله عليه، ويؤديها موافقة لشرع الله، والله –سبحانه وتعالى- سهَّل ويسّر ولم يوجب الحج إلا على المستطيع، وإن كثيرًا من الفقراء الذين لا يستطيعون الحج يتكلفون ويحصل عليهم مشقة، والله –سبحانه- قد رخص عليهم وسهل، فإن حصل للإنسان مالٌ يحج به فالحمد لله، وإن لم يحصل له فالله قد خفف عنه ويسر، ولا يلزمه أن يستدين، ولا يلزمه أن يطلب من أحدٍ أن يحججه، بل إن جاءه شيءٌ من غير طلب ومن غير تكلُّف فالحمد لله يحج، فلا يتكلف.
كثير من الناس يتكلف، ويحصل له مشقة، ويجد شدةً وعنتً في كونه لم يحج، والله -تعالى- قد خفف عليه ويسر، أو تجده يستجدي من بعض الناس أو يسألهم أو يسأل الصدقات، أو يأتي الأغنياء ويقول لهم: أعطوني كذا للحج، هذا لا ينبغي للإنسان أن يفعل وأن يذل نفسه والله –تعالى- قد يسر وسهل، الله –تعالى- يقول: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا [آل عمران:96-97]، وأنت إذا لم تكن مستطيع فلا يجب عليك، فلا يجب عليك أن تستدين، وليس لك أن تستجدي الناس، ولا أن تسألهم، ولا أن تذل وتخضع لهم، بل عليك أن تكون نفسك عزيزة، والله –سبحانه وتعالى- يسر عليك، وسهل عليك، فاقبل تيسير الله وتسهيله.
وعلينا جميعًا أن نؤدي ما أوجب الله علينا بإخلاصٍ وصدقٍ ورغبةٍ ورهبة، علينا أن نتدبر كتاب ربنا وسُنَّة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم، وأن نقرأهما كثيرًا، وأن نتأمل معانيهما، وأن نتدبر أحكامهما، وأن نتحاكم إليهما في كل شأنٍ من شؤوننا حتى نكون أعزاء في الدنيا، وسعداء في الآخرة، وإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ –صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار.
والزموا جماعة المسلمين في معتقداتهم، وفي عباداتهم، وفي بلدانهم وأوطانهم، فإن يد الله مع الجماعة، ومَن شذ عنهم في الدنيا شذ في النار يوم القيامة، ألا وصلوا على محمد –صلى الله عليه وسلم-، فإن الله أمركم بذلك حيث قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وقد قال –عليه الصلاة والسلام-: مَن صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين: أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر أصحاب نبيك أجمعين، وعلى التابعين وتابعيهم ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وعفوك وكرمك وجودك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين المؤمنين، واجعل هذا البلد ءامنًا مطمئنًا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولايتنا فيمَن خافك واتقاك واتبع رضوانك يا رب العالمين، اللهم أصلح ولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تعينهم على الخير وتذكرهم إذا نسوا يا رب العالمين، اللهم اجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، اللهم ولي على المسلمين خيارهم، وابعد عنهم شرارهم، في مشارق الأرض ومغاربها إنك على كل شيءٍ قدير.
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد، يُعز فيه أهل طاعتك، ويُذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يسهل معه الدعاء.
اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم انصر دعاة الخير وأئمة الهدى والمجاهدين في سبيلك، والدعاة إلى سبيلك، والآمرين بالمعروف، والناهيين عن المنكر في كل مكان، اللهم انصر إخواننا المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك لإعلاء كلمتك وإعزاز دينك في كل مكان، اللهم انصرهم على أعداءهم، اللهم ثبت قلوبهم، اللهم ارحم ضعفهم، واجبر كسرهم، وتول أمرهم، اللهم عليك بأعدائهم الكفرة فإنهم لا يعجزونك، اللهم اشدد وطأتك عليهم، شتت شملهم، اقذف الرعب في قلوبهم، وخالف بين قلوبهم وكلمتهم، ومزقهم كل ممزق، واجعلهم غنيمةً للمسلمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم.
اللهم أقمنا علم الجهاد، واقمع أهل الشرك والفساد والريب والزيغ والعناد، وانشر رحمتك على العباد، يا مَن له الدنيا والآخرة وإليه الميعاد، اللهم مَن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه، اللهم أدر عليه الدائرة في السوء، وأنزل عليه بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، الأحياء منهم والميتين، برحمتك يا أرحم الراحمين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين.
نحمد ربنا ونشكره على ما أغاثنا، ونسأله المزيد من فضله، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيب ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزِل علينا الغيث، واجعله زادًا لنا وقوةً لنا على طاعتك وبلاغًا إلى حين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذابٍ ولا بلاءٍ ولا هدم ولا غرق، اللهم إنا خلقٌ من خلقك فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم لا تؤاخذنا بذنوبنا، ولا تهلكنا بما فعل السفهاء منا يا حليم، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالأمطار والخيرات، اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع، اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أسقنا وأغثنا.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.